الرئيسيةبحث

البدر الآفل

البدر الآفل

البدر الآفل
المؤلف: إيليا أبو ماضي



أبعدك يعرف الصّبر الحزين
 
وقد طاحت بهجته المنون؟
رمتك يد الزمان بشرّ سهم
 
فلمّا أن قضيت بكى الخؤون
رماك و أنت حبّه كلّ قلب
 
شريف، فالقلوب له رنين
و لم يك للزمان عليك ثار
 
و لم يك في خلالك ما يشين
و لكن كنت ذا خلق رضيّ
 
على خلق لغيرك لا يكون
و كنت تحيط علما بالخفايا
 
و تمنع أن تحيط بك الظنون
كأنّك قد قتلت الدّهر بحثا
 
فعندك سرّه الخافي مبين
حكيت البدر في عمر و لكن
 
ذكاؤك لا تكوّنه قرون
عجيب أن تعيش بنا الأماني
 
و أنّا للأماني نستكين
و ما أرواحنا إلاّ أسارى
 
و ما أجسادنا إلاّ سجون
و ما الكون مثل الكون فان
 
كما تفنى الدّيار كذا القطين
لقد علقتك أسباب المنايا
 
وفيّا لا يخان و لا يخون
أيدري النعش أيّ فتى يواري
 
و هذا القبر أيّ فتى يصون؟
فتى جمعت ضروب الحسن فيه
 
و كانت فيه للحسنى فنون
فبعض صفاته ليث و بدر
 
و بعض خلاله شمم و لين
أمارات الشّباب عليه تبدو
 
و في أثوابه كهل رزين
ألا لا يشمت الأعداء منّا
 
فكلّ فتى بمصرعه رهين
أيا نور العيون بعدت عنّا
 
و لمّا تمتليء منك العيون
و عاجلك الحمام فلم تودّع
 
و بنت و لم يودّعك القرين
و ما عفت الوداع قلى و لكن
 
أردت و لم يرد دهر ضنين
فيا لهفي لأمّك حين يدوّي
 
نعيّك بعد ما طال السّكون
و لهف شقيقك النّائي بعيدا
 
إذا ما جاءه الخبر اليقين
ستبكيك الكواكب في الدّياجي
 
كما تبكيك في الرّوض الغصون
و يبكي أخوة قد غبت عنهم
 
و أمّ ثاكل و أب حزين
فما تندى لنا أبدا ضلوع
 
عليك، و ما تجفّ لنا شؤون
قد ازدانت بك الفتيان طفلا
 
كما يزدان بالتّاج الجبين
ذهبت بزينه الدّنيا جميعا
 
فما في الدهر بعدك ما يزين
و كنت لنا الرجاء فلا رجاء
 
و كنت لنا المعين فلا معين
أبعدك، يا أخي، أبغي عزاء
 
إذا شلّت يساري و اليمين؟
يهون الرزء إلاّ عند مثلي
 
بمثلك فهو رزء لا يهون
عليك تقطّع الحسرات نفسي
 
و فيك أطاعني الدّمع الحرون
فملء جوانحي حزن مذيب
 
و ملء محاجري دمع سخين
و ما أبقى المصاب على فؤادي
 
فأزعم أنّه دام طغين
يذود الدمع عين عيني كراها
 
و تأبى أن تفارقه الجفون
لقد طال السّهاد و طال ليلي
 
فلا أدري الرّقاد متى يكون
كأنّ الصبح قد لبس الدّياجي
 
عليك أسى لذلك ما يبين
جزاك الله عنّا كلّ خير
 
و جاد ضريحك الغيث الهتون