شرت "المجلة الدولية" في عدها لشهري يناير/ كانون الثاني- فبراير/ شباط 1988ملفا كاملا عن حماية الفرد في حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية تحت عنوان: الاضطرابات والتوترات الداخلية- في سبيل نهج إنساني جديد؟ وتناولت عدة مقالات مختلف جوانب هذه الحالات التي لا يغطيها القانون الدولي الإنساني. وهكذا ذكرت اللجنة الدولية بأنشطتها في مجالي الحماية والمساعدة في حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية كما تناول مقالان كتبهما خبراء بصفتهم الشخصية المسال القانونية: كيف يمكن بالقانون تحقيق تعزيز فعلا للحماية التي تمنح للأشخاص الذي يتأثرون بالاضطرابات والتوترات الداخلية؟ وإذا كان الأستاذ تيودور ميرون ق لاحظ عد كفاية القواعد الدولية القائمة في هذا الصدد، وطرح للمناقشة مشروع إعلان نموذجيا عن الاضطرابات والتوترات الداخلية يمكن أن يكون نقطة انطلاق للتفاوض على صك قانوني جديد، فإن صاحب هذا المقال الموقع أدناه اقترح في مقاله "مدونة لقواعد السلوك" الغرض الأساسي منها نشر بعض القواعد الأساسية التي يتعين احترامها ومراعاتها بصفة خاصة أثناء الاضطرابات والتوترات الداخلية. وكان الهدف من المقالين هو إثارة الاهتمام بمسائل تخص في آن واحد معا تعزيز الأحكام القانونية التي تحمي الفرد من تعسف السلطة وتجاوزاتها وتحمي الأنشطة الإنسانية الرامية إلى مساعدة ضحايا العنف.
ومنذ ذلك الحين، تطورت المناقشات حول هذه المشكلة من عدة جوانب. ودون إغفال أهمية الإسهامات والدراسات ا لأخرى، أود هنا أن أعرض تقريرا عن ندوة أسفرت عن تحسين النهج الذي اقترحه الأستاذ ميرون، ألا وهو وضع صك قانوني. والواقع أنه بناء على دعوة من معهد حقوق الإنسان بجامعة "آبو أكاديمي"، توركو/آبو (فنلندا)، اجتمع فريق من الخبراء بصفتهم الشخصية فيما بين 30 نوفمبر/ تشرين الثاني و2 ديسمبر/ كانون الأول 1990 في توركو من أجل استكمال وضع مشروع "إعلان عن القواعد الإنسانية الدنيا".
ويتمثل الهدف من هذا العمل في تقنين بعض القواعد الدولية التي تطبق على حالات العنف التي لا تضع للقانون الإنساني المنطبق في المنازعات المسلحة غير الدولية،وبخاصة المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 أغسطس/ آب 1949 أو البروتوكول الثاني المؤرخ في 8 يونيه/ حزيران 1997. ولما كانت القواعد الدولية المتعلقة بحماية الفرد (قانون حقوق الإنسان) لا تفي دائما بشكل مناسب بالمتقضيات الإنسانية الخاصة في حالات الاضطرابات والتوترات هذه، فإن تقنين مجموعة من القواعد في شلك إعلان ليست له طبيعة إلزامية، كان يبدو كمسعى مبشر لتعزيز الحماية الفعالة للأشخاص الذي يؤخذون في دوامة العنف. ومن شان مثل هذا الإعلان الرسمي أن يحفز عملية قد تؤدي في النهاية إلى تقنين قواعد جديدة ذات طابع إلزامي.
وتستلهم أحكام مشروع الإعلان في المقام الأول من الصكوك التي تحمي حقوق الإنسان. وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تستقي بحرية من الأفكار الواردة في اتفاقيات جنيف والبروتوكولين الإضافيين، عل سبيل المثال القاعدة التي تضع حدودا لاستعمال القوة، أو القاعدة المتعلقة بالمساعدة التي تقدم إلى الضحايا. وعلى غرار صكوك القانون الإنسان،' توجه القواعد ذات الصلة في مشروع الإعلان إلى كل الذين يلجأون إلى استخدام القوة.
ونورد فيما يلي نص الإعلان بصرف النظر عن موقف اللجنة الدولية من موضوعه.
هانز- بيتر غاسرإعلان عن القواعد الإنسانية الدنيا
[الهيئة المناسبة في الأمم المتحدة]
إذ تشير إلى أن ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكدان الإيمان بكرامة الإنسان وقيمته.
وإذ ترى أن حالات العنف والاضطرابات الداخلية، والتوترات الداخلية، والخطر العام الاستثنائي، لا تزال تسبب زعزعة خطيرة وآلاما شديدة في جميع مناطق العالم،
وإذ تعرب عن القلق لأن حقوق الإنسان والمبادئ الإنسانية تنتهك غالبا في مثل هذه الحالات، وإذ تدرك أهمية احترام حقوق الإنسان والقواعد الإنسانية السارية في الوقت الراهن،
وإذ تلاحظ أن قواعد القانون الدولي المتعلقة بحقوق الإنسان والقواعد الإنسانية المنطبقة في المنازعات المسلحة لا تحمي البشر بالقدر الكافي في حالات العنف والاضطرابات الداخلية، والتوترات الداخلية، والخطر العام الاستثنائي،
وإذ تؤكد أن أي نقض للالتزامات المتعلقة بحقوق الإنسان أثناء حالة خر عام استثنائي لابد وأن يبقى بشكل صارم مع المقتضيات الإجرائية التي نصت عليها هذه الصكوك، وأنه يجب الإعلان عن أي حالة طوارئ بطريقة رسمية وعامة ومتفقة مع الأحكام التي نص عليها القانون وأنه يجب أن تكون تدابير نقض هذه الالتزامات قاصرة بدقة على ما تقتضيه مظروف الحالة، وأنه يجب ألا تضمن مثل هذه التدابير أي تمييز مجحف قائم على العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة، أو الدين، أو الأصل الاجتماعي أو الوطني أو الاثني،
وإذ تسلم بأنه يجب في الحالات التي لم تنص عيها صكوك حقوق الإنسان أو القانون الإنساني، أن يظل جميع الأشخاص وجميع مجموعات الأشخاص في حماية مبادئ القانون الدولي الناشئة من الأعراف المستقر، ومبادئ الإنسانية ومقتضيات الضمير العام،
واقتناعا منها بأن من المهم إعادة تأكيد وتطوير المبادئ التي تنظم، في حالات العنف والاضطرابات الداخلية والتوترات الداخلية والخطر العام الاستثنائي، سلوك أي شخص، وأي مجموعة أشخاص، وكذلك سلوك أي سلطة،
واقتناعا منها أيضا بالحاجة إلى وضع وتنفيذ تشريعات وطنية محددة تطبق في هذه الحالات، بغية تعزيز التعاون الذي يتطلبه التنفيذ الأكثر فاعلية للقواعد الوطنية والدولية، بما في ذلك ما يتعلق بآليات المراقبة الدولية، وتأمين نشر هذه القواعد وتلقينها،
تصدر هذا الإعلان عن القواعد الإنسانية الدنيا:
المادة 1
يؤكد هذا الإعلان القواعد الإنسانية الدنيا التي تنطبق في جميع الحالات، بما فيها حالات العنف، والاضطرابات الداخلية، والتوترات الداخلية، والخطر العام الاستثنائي، والتي لا يمكن نقضيها في أي حال. ويتعين احترام هذه القواعد بصرف النظر عن إعلان أو عدم إعلان حالة الحصار.
المادة 2
يجب احترام وتطبيق هذه القواعد من قبل جميع الأشخاص ومجموعات الأشخاص والسلطات بصرف النظر عن مركزهم القانوني وبدون أي تمييز مجحف.
المادة 3
- لكل فرد في أي مكان الحق في الاعتراف به كشخص أمام القانون. ولجميع الأشخاص، حتى إذا كانوا مسلوبي الحرية، الحق في احترام شخصهم، وشرفهم، وقناعاتهم، واحترام حريتهم في التفكير والوجدان،وممارساتهم الدينية. ويجب معاملتهم في جميع الأحوال بإنسانية، بدون أي تمييز مجحف.
- تحظر الأفعال التالية وتظل محظورة دائما:
- أ- الاعتداء على الحياة، أو الصحة، أو السلامة البدنية أو العقلية للأشخاص، وبخاصة القتل،والتعذيب، والتشويه، والاغتصاب وكذلك العقوبات أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وكذلك أي اعتداء آخر على الكرامة الشخصية،
- ب- العقوبات الجماعية ضد الأشخاص أو ضد ممتلكاتهم،
- ج- أخذ الرهائن،
- د- ممارسة أو إجازة أو تقبل اختفاء الأشخاص القسري، بما في ذلك خطفهم أو احتجازهم بدون إعلان،
- هـ السلب،
- و- الحرمان المتعمد من الوصول إلى الغذاء وماء الشرب والأدوية الضرورية،
- ز- التهديد باقتراف أو الحض عل اقتراف هاذ الفعل أو ذاك من الأفعال المذكورة.
المادة 4
- يراعى احتجاز جميع الأشخاص المحرومين من حريتهم في مراكز احتجاز معترف بها. وتبلغ بسرعة إلى أفراد عائلاتهم، وجهة الدفاع عنهم، وإلى أي أشخاص آخرين له مصلحة مشروعة في ذلك المعلومات الدقيقة عن احتجازهم ومكان الاحتجاز، بما في ذلك حالات النقل.
- يمسح لجميع الأشخاص المحرومين من حريته بالاتصال مع العالم الخارجي، وبخاصة مع المدافعين عنهم، بقدر ما تسمح به الأحكام النظامية المعقولة التي تفرضها السلة المختصة.
- يجب تامين حق التظلم، وبخاصة بمقتضى حق الإحضار أمام المحكمة، بغية تعيين مكان الإقامة أو الحالة الصحية للأشخاص المحرومين من الحرية، وتعيين السلطة التي تأمر بإجراء سلب الحرية أو تنفيذه. ولكل شخص رم من حريته بع اعتقاله أو احتجازه الحق في اتخاذ إجراء يتم خلاله بسرعة فحص مشروعية احتجازه بواسطة محكمة الأمر بالإفراج عنه في حالة إثبات عدم مشروعية الاحتجاز.
- يعامل جميع الأشخاص الذي سلبت حريتهم بإنسانية ويجب أن يتلقوا غذاء كافيا وماء الشرب، ومأوى وملابس مناسبة، ويفيدون من ضمانات الصحة والتصحيح،وكذلك من ظروف العمل والحياة الاجتماعية.
المادة 5
- يحظر في جميع الأحوال توجيه الهجمات إلى الأشخاص الذين لا يشتركون في ا'مال العنف.
- في كل مرة يكن فيها اللجوء إلى استخدام القوة حتميا، يجب أن يكون ذلك متناسبا مع خطورة الفعل المقترف أو مع الهدف المقصود.
- يجب ألا تستخدم في أي حال الأسلحة أو الوسائل الأخرى أو الطرق الأخرى المحظورة في المنازعات المسلحة الدولية.
المادة 6
تحظر أعمال العنف أو التهديد بالعنف التي تستهدف بصورة رئيسية أو يتوخى منها نشر الرعب بين السكان.
المادة 7
- لا يجوز الأمر بترحيل مجموع السكان أو قسم منهم إلا في الحالات التي يتطلبها أمن الأشخاص المعنيين أو لأسباب أمنية قهرية. وإذا كان لابد من عمليات الترحيل هذه، وجب اتخاذ جميع التدابير اللازمة لنقل السكان واستقبالهم في ظروف مرضية من حيث المأوى، والتصحح، والصحة والأمن والتغذية. ويرخص للأشخاص أو مجموعات الأشخاص المرحلين على هذا النحو بالعودة إلى موطنهم بمجرد انتفاء الأسباب التي اقتضت ترحيلهم. ويبذل كل جهد مستطاع لتحقيق رغبة الأشخاص الذين يريدون البقاء معا. ويتعين تمكين أفراد العائلات من البقاء معا إذا رغبوا في ذلك. ويكون الأشخاص المرحلون على هذا النحو أحرارا في تحركاتهم في الإقليم ما لم يتطلب أم الأشخاص المعنيين أو أسباب أمنية قهرية غير ذلك.
- لا يجبر أي شخص على مغادرة وطنه.
المادة 8
- يتمتع كل فرد بالحق في الحياة، الكامن في الشخص الإنساني. ويحمي هذا الحق بواسطة القانون، ولا يحرم أي شخص من حياته بشكل تعسفي.
- إلى جانب الضمانات المتعلقة بالحق في الحياة، الكامن في الشخص الإنساني، وحظر الإبادة الجماعية، والت ينص عليها في الصكوك السارية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني، تراعى الأحكام التالية عل أي حال.
- في البلدان التي لم تبطل فيها عقوبة الإعدام بعد، لا يجوز تنفيذ أحكام الإعدام إلا عن اخطر الجرائم. ولا تنفذ أحكام الإعدام في النساء الحوامل أو في أمهات صغار الأطفال، ولا في ألا"فال الذين كان يقل عمرهم عن الثامنة عشرة عند اقتراف الذنب.
- لا ينفذ أي حكم بالإعدام بعد،
المادة 9
لا تصدر أي إدانة أو عقوبة تتعلق بشخص اتهم باقتراف مخافة إلا بناء على محاكمة مسبقة أمام محكمة نظامية مع توفير جميع الضمانات القانونية المعترف بوجوبها بواسطة مجتمع الدول. ويراعى بصفة خاصة ما يلي:
- أ ) تتضمن الإجراءات إبلاغ المتهم دون إبطاء بتفاصيل المخالفة المنسوبة إليه، وتكفل إجراء المحاكمة في مهلة معقولة، وتضمن للمتهم، قبل وأثناء محاكمته،جميع الحقوق والوسائل الضرورية لدفاعه،
- ب ) لا يدان أحد على مخافة إلا على أساس مسؤولية جزائية فردية،
- ج) كل متهم برئ إلى أن تثبت إدانته بالقانون،
- د) لكل متهم الحق في أن يحاكم حضوريا.
- هـ) لا يرغم أحد على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بالذنب،
- و) لا يحاكم أحد أو يعاقب على مخالفة سبقت إدانته عليها أو أبرئ منها بحكم نهائي أعلن وفقا للقانون والإجراءات الجزائية السارية،
- ز) لا يدان أحد على أفعال أو امتناعات لا تشكل أفعالا جنائية طبقا للقانون المنطبق وقت اقترافها.
المادة 10
لكل طفل الحق في تدابير الحماية التي تقتضيها حالته كقاصر وتقدم له الرعاية والمساعدة اللتين يحتاج إليهما. ولا يجند الأطفال دون 15 سنة من العمر ولا يرخص لهم بالالتحاق بالقوات أو الجماعات المسلحة، أو بالمشاركة في أعمال العنف. ويبذل كل جهد مستطاع لمنع اشتركا الأشخاص دون سن 18 سنة في أعمال العنف.
المادة 11
إذا رئي من الضروري لأسباب أمنية قهرية تحديد إقامة شخص ما، أو اللجوء إلى الاعتقال أو الحبس الإداري، فإن هذه القرارات تضع للإجراءات النظامية التي ينص عليها القانون وتوفر كافة الضمانات القانونية المعترف بوجوبها بواسطة المجتمع الدولي، بما فيها حق التظلم وحق فحص الحالة بصفة دورية.
المادة 12
يجب في جميع الأحوال حماية الجرحى والمرضى، سواء اشتركوا أو لم يشتركوا في أعمال العنف، ويجب معاملتهم بإنسانية، وتقدم لهم بقدر المستطاع وبأسرع وقت ممكن الرعاية الطبية والعناية التي تتطلبها حالتهم. ولا يمارس أي تمييز بينهم على أساس معايير غير طبية.
المادة 13
تتخذ جميع التدابير المستطاعة دون تأخير للبحث عن الجرحى والمرضى والمفقودين وجمعهم، وذلك بغية حمايتهم من السلب وسوء المعاملة، ولتأمين الرعية المناسبة لهم، وتتخذ جميع التدابير المستطاعة أيضا للبحث عن جثث الموتى، وللحيلولة دون سرقتها، ولأداء الواجبات الأخيرة نحوها.
المادة 14
- يجب احترام وحماية أفراد الخدمات الطبية والدينية. وتقدم لهم كل مساعدة ضرورية لممارسة وظائفهم، ولا يرغمون على أداء مهام لا تتفق مع رسالتهم الإنسانية.
- لا يعاقب أحد على ممارسته نشاطا ذا طابع طبي يتفق مع واجبات المهنة أيا كان المستفيد من هذا النشاط.
المادة 15
في حالات العنف، والاضطرابات الداخلية، والتوترات الداخلية، والخطر العام الاستثنائي، تقدم جميع التسهيلات للمنظمات الإنسانية لتمكينها من ممارسة مهامها الإنسانية.
المادة 16
لا يؤثر احترام هذه القواعد عل المركز القانون للسلطات، أو الجماعات، أو الأقليات أو الأشخاص الذين يشتركون في حالة عنف، أو اضطرابات داخلية، أو توترات داخلية، أو حالة خطر استثنائي.
المادة 18
- لا يفسر أي حكم في هذه القواعد على أنه يقيد أو يضعف أحكام أي من صكوك القانون الدولي الإنساني أو حقوق الإنسان.
لا يجوز أي قيد أو ممارسة أي نقض لحقوق الإنسان الأساسية المعترف بها أو القائمة في أي بلد بمقتضى تشريعات المعاهدات أو اللوائح القانونية أو الأعراف أو مبادئ الإنسانية بدعوى أن هذه القواعد لا تعترف بهذه الحقوق أو لأنها لا تعترف بها إلا بدرجة أقل.
- عن المجلة الدولية للصليب الأحمر، السنة الرابعة العدد 19 مايو-يونيو 1991.