الأمالي الجزء الأول المؤلف: أبو علي القالي |
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
قال الشيخ أبو على إسماعيل بن القاسم القالى البغدادى رحمه الله: الحمد لله الذى جل عن شبه الخليقة، وتعالى عن الأفعال القبيحة؛ وتنزه عن الجور، وتكبر عن الظلم؛ وعدل فى أحكامه، وأحسن إلى عباده؛ وتفرد بالبقاء، وتوحد بالكبرياء، ودبر بلا وزير، وقهر بلا معين؛ الأول بلا غاية، والآخر بلا نهاية؛ الذى عزب عن الأفهام تحديده، وتعذر على الأوهام تكييفه؛ وعميت عن إدراكه الأبصار، وتحيرت فى عظمته الأفكار؛ الشاهد لكل نجوى، السامع لكل شكوى، والكاشف لكل بلوى؛ الذى لا يحويه مكان، ولا يشتمل عليه زمان، ولا ينتقل من حال إلى حال؛ القادر الذى لا يدركه العجز، والعالم الذى لا يلحقه الجهل؛ والجواد الذى لا ينزح، والعزيز الذى لا يخضع؛ والجبار الذى قامت السموات بأمره، ورجفت الجبال من خشيته. والحمد لله الذى بعث محمداً ﷺ بالدلائل الواضحة، والحجج القاطعة، والبراهين الساطعة؛ بشيراً ونذيراً، وداعياً إليه بإذنه وسراجا منيرا؛ فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونهض بالحجة، ودعاء إلى الحق، وحض على الصدق؛ ﷺ.
ثم أما بعد حمد الله والثناء عليه، والصلاة على خير البشر ﷺ، فإنى لما رأيت العلم أنفس بضاعة، أيقنت أن طلبه أفضل تجارة؛ فاغتربت للرواية، ولزمت العلماء للدراية. ثم أعلمت نفسى في جمعه، وشغلت ذهنى بحفظه؛ حى حويت خطيره، وأحرزت رفيعه، ورويت جليله، وعرفت دقيقه؛ وعقلت شارده، ورويت نادره، وعلمت غامضه، ووعيت واضحه، ثم صنته بالكتمان عمن لا يعرف مقداره، ونزهته عن الإذاعة عند من يجهل مكانه؛ وجعلت غرضى أن أودعه من يستحقه، وأبديه لمن يعلم فضله، وأجلبه إلى من يعرف محله؛ وأنشره عند من يشرفه، وأقصد به من يعظمه؛ إذ بائع الجوهر وهو حجر يصونه بأجود صوان، ويودعه أفضل مكان؛ ويقصد به من يجزل ثمنه، ويحمله إلى من يعرف قدره؛ على أنه لا يستحق بسببه أن يوصف بالفضل بائعه ولا مشتريه، ولا يستوجب أن يحمد من أجل المبالغة فى ثمنه مقتنيه، والعلم يذكر بالرجاحة طالبه، وينعت بالنباهة صاحبه ويستحق الحمد عند كل العقلاء حاويه، ويستوجب الثناء من جميع الفضلاء واعيه، ويفيد أسنى الشرف مشرفه ويكتسب أبقى الفخر معظمه فغبرت برهة ألتمس بنشره موضعا، ومكثت دهرا أطلب لإذاعته مكانا، وبقيت مدة أبتغى له مشرفا وأقمت زمناً ارتدى له مشتريا، حتى تواترت الأنباء المتفقة وتتابعت الصفاة الملتئمة التى لا تخالجها الشكوك ولا تمازجها الظنون، بأنه مشرفه فى عصره، أفضل من ملك الورى، وأكرم من جاد البللهى، وأجود من تعمم وارتدى، وأمجد من ركب ومشى، وأسود من أمر ونهى، سمام العدى، فياض الندى، ماضى العزيمة، مهذب الخليقة، محكم الرأى صادق الوأى، باذل الأموال، محقق الآمال، مفشى المواهب، معطى الرغائب أمير المؤمنين، وحافظ المسلمين، وقامع المشركين، ودامغ المارقين، وابن عم خاتم النبيين، محمد ﷺ، (عبد الرحمن بن محمد) محيى المكارم، ومبتنى المفاخر، الذى إذا رضا غنى، وإذا غضب أردى، وإذا دعا أجاب، وإذا استصرخ أغاث. وأن معظمه مشتريه، وجامعه ومقتنيه، ربيع العفاة، وسم العداة، ذو الفضل والتمام، والعقل والكمال، المعطى قبل السؤال، والمنير قبل أن يستنال (الحكم) ولى عهد المسلمين، وابن سيد العالمين أمير المؤمنين (عبد الرحمن بن محمد) الإمام العادل، والخليفة الفاضل، الذى لم يرى فيما مضى من الأمراء شبهه، ولا نشأ فى الأزمنة من الكرماء مثله، ولا ولد نساء من الأجواد نظيره، ولا ملك العباد من الفضلاء عديله، فخرجت جائداً بنفسى، باذلا لحشاشتى، أجوب متونا قفارى، وأخوض بحج البحار، وأركب الفلوات، وأقتحم الغمرات، مؤملا أن أوصل العلق النفيس إلى من يعرفه، وأنشر المتاع الخطير ببلد من يعظمه، وأشرف الشريف باسم من يشرفه، وأعرض الرفيع على من يشتريه، وأبذل الجليل لمن يجمعه ويغتنيه، فمن الله جل وعز بالسلامة، وحبا تعالى ذكره بالعافية، حتى حللت بعصرة الخواف، وعصمة المضافى، والمحل الممرع، والربيع المخصب، فناء أمير المؤمنين (عبد الرحمن بن محمد) المبارك الطلعة، ميمون الغرة، الجم الفواضل، الكثير النوافل، الغيث فى المحل، الثمال فى الأزل، البدر الطالع، الصبح الساطع، الضوء اللامع، أسراج الزاهر، السحاب الماطر، الذى نصر الدين، وأعز المسلمين، وأذل المشركين، وقمع الطغاة، وأباة العصاة، وأطفىء نار النفاق، وأهمد جمر الشقاق، وذلل من الخلق من تجبر، وسهل من الأمر ما توعد، ولما الشعث، وأمن السبل، وحقن الدماء. أبقاه الله سالماً فى جسمه، معافاً فى بدنه، مسروراً بأيامه، مبتهجاً بزمانه، وخصه بطول المدة، وتتابع النعمة، وأبقى خلفته، وأدام عافيته، وتولى حفظه، ولا أزال عنا ظله. وصحبت الحيا المحسب والجواد المفضل، الذى إذا وعد وفى، وإذا أوعد عفا، وإذا وهب أسنع، وإذا أعطى أقنع، (الحكم) فرأيته - أيده الله - أجَّل الناس بعد أبيه خطره وأرفعه بقدره، وأوسعهم كنفا، وأفضلهم سلفا، وأغذرهم علما، وأعظمهم حلما، يملك غضبه فلا يعجل، ويعطى على العلاة فلا يمل، مع فهم ثاقب، ولب راجح، ولسان عضب، وقلب ندب، فتابعا لدى النعمة، وواترا على الإحسان، حتى أبديت ما كنت له كاتما، ونشرت ما كنت له طاويا، وبذلت ما كنت به ضنينا، ومذلت بما كنت عليه شحيحا، فأمللت هذا الكتاب من حفظا فى الأخمسة بقرطبة، وفى المسجد الجامع بالزهراء المباركة، وأودعته فنون من الأخبار، وضروبا من الأشعار وأنواع من الأمثال، وغرائب من اللغات، على أنى لم أذكر فيه باباً فى اللغة إلا أشبعته، ولا ضرباً من الشعر إلا اخترته، ولا فناً من الخبر إلا انختلته ولا نوعاً من المعاناة والمثل إلا اسجبته، ثم لم أخله من غريب القرآن، وحديث الرسول ﷺ، على أننى أوردت فيه من الإبدال ما لم يورده أحد وفسرت فيه من الإتباع ما لم يفسره بشر، ليكون الكتاب الذى استنبطه إحسان الخليفة جامعا، والديوان الذى ذكر فيه اسم الإمام كاملا، وأسأل الله عصمة من الزيغ والأشر، وأعوذ به من العجب والبطر، وأستهديله السبيل الأرشد، والطريق الأقصد. من الأمثال، وغرائب من اللغات، على أنى لم أذكر فيه باباً فى اللغة إلا أشبعته، ولا ضرباً من الشعر إلا اخترته، ولا فناً من الخبر إلا انختلته ولا نوعاً من المعاناة والمثل إلا اسجبته، ثم لم أخله من غريب القرآن، وحديث الرسول ﷺ، على أننى أوردت فيه من الإبدال ما لم يورده أحد وفسرت فيه من الإتباع ما لم يفسره بشر، ليكون الكتاب الذى استنبطه إحسان الخليفة جامعا، والديوان الذى ذكر فيه اسم الإمام كاملا، وأسأل الله عصمة من الزيغ والأشر، وأعوذ به من العجب والبطر، وأستهديله السبيل الأرشد، والطريق الأقصد. قال أبو على اسماعيل بن قاسم البغدادى: قرأ أبو عمرو بن العلاء: ما ننسخ من آيةٍ أو ننسأها على معنى أو نؤخرها. والعرب تقول: نسأ الله فى أجلك، وأنسأ الله أجلك، أى أخر الله أجلك. وقال النبى ﷺ: " من سره النساء فى الأجل والسعة فى الرزق فليصل رحمه " والنساء: التاخير، يقال: بعته بنساء وبنسيئة، أي بتأخير، وأنسأته البيع. وقال الله عز وجل: (إنما النسىء زيادة فى الكفر)، والمعنى فيه على ما حدثنى أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله: أنهم كانوا إذا صدروا عن منى قام رجل من بنى كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة، فقال: أنا الذى لا أعاب، ولا يرد لى قضاء، فيقولون له: أنسئنا شهراً، أى أخر عنا حرمة المحرم فاجعلها فى صفرٍ، وذلك أنهم كانوا يكرهون أن تتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا تمكنهم الإغارة فيها، لأن معاشهم كان من الإغارة، فيحل لهم المحرم ويحرم عليهم صفرا، فإذا كان فى السنة المقبلةحرم عليهم المحرم وأحل لهم صفرا؛ فقال الله عز وجل: (إنما النسىء زيادة فى الكفر)، وقال الشاعر: ألسنا الناشئين على معد ... شهور الحل نجعلها حراما وقال الآخر: وكنا الناشئين على معد ... شهورهم الحرام إلى الحليل وقال آخر: نسئوا الشهور بها وكانوا أهلها ... من قبلكم والعز لم يتمحول قال أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله: معنى قوله عز وجل: (ولتعرفنهم فى لحن القول) أى فى معنى القول، وفى مذهب القول، وأنشد للقتال الكلابى ولقد لحنت لكمن لكيما تفهموا ... ووحيت وحيا ليس بالمرتاب معناه: ولقد بينت لكم. واللحن بفتح الحاء: الفطنة، وربما أسكنوا الحاء أسكنوا الحاء فى الفطنة، ورجل لحن، أى فطن، قال لبيد يصف كاتبا متعود لحن يعيد بكفه ... قلما على عسب ذبلن وبان ومن اللحن الحديث الذى يروى عن النبى ﷺ أن رجلين اختصما إليه فى مواريث وأشياء قد درست، فقال عليه السلام: " لعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من الآخر فمن قضيت له بشىء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعةً من النار " فقال كل واحد من الرجلين: يا رسول الله، حقى هذا لصاحبى؛ فقال: " لا ولكن اذهبا فتوخيا ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه " . ومنه قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله: عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم! أى فاطنهم. وحدثنى أبو بكر عن أبى العباس عن ابن الأعرابى قال: يقال قد لحن الرجل يلحن لحناً فهو لاحن إذا أخطأ، ولحن يلحن لحنا فهو لحن إذا أصاب وفطن، وأنشد وحديث ألذه هو مما ... تشتهيه النفوس يوزن وزنا منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحنا معناه: وتصيب أحيانا.
وحدثنى أيضا قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال أخبرنا نصر بن على قال أخبرنا الأصمعى عن عيسى بن عمر قال: قال معاوية للناس: كيف ابن زياد فيكم؟ قالوا: ظريف على أنه يلحن، قال فذاك أظرف له، ذهب معاوية إلى اللحن الذى هو الفطنة، وذهبوا هم إلى اللحن الذى هو الخطأ. واللحن أيضاً: اللغة ذكره الأصمعى وأبو زيد؛ ومنه قول عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه: تعلموا الفرائض والسنن واللحن كما تعلمون القرآن. فاللحن: اللغة. وروى شريك عن أبى إسحاق عن ميسرة أنه قال فى قوله عز وجل: (فأرسلنا عليهم سيل العرم): العرم: المسناة بلحن اليمن، أى بلغة اليمن، وقال الشاعر وما هاج هذا الشوق إلا حمامة ... تغنت على خضراء سمر قيودها صدروح الضحى معروفة اللحن لم يزل ... تقود الهوى من مسعدٍ ويفودها وقال الآخر لقد تركت فؤادك مستجنا ... مطوقة على فننٍ تغنى يميل بها وتركبه بلحن ... إذا ما عن للمخزون أنا فلا يحزنك أيام تولى ... تذكرها ولا طير أرنا وقال الآخر: وهاتفين بشجوٍ بعد ما سجعت ... ورق الحمام بترجيع وإرنان باتا على غضن بان فى ذرى فننٍ ... يرددان لحونا ذات ألوان معناه: يرددان لغاتٍ؛ وصرف أبو زيد منه فعلا فقال: لحن الرجل يلحن لحنا إذا تكلم بلغته؛ قال: ويقال: لحنت له لحناً إذا قلت له قولا يفهمه عنك ويخفى على غيره؛ ولحنه عنى لحناً، أيى فهمه، وألحته أنا إياه إلحانا، وهذا مذهب أبى بكر بن دريد فى تفسير قول الشاعر: منطق صائب وتلحن أحيانا قال: يريد: تعوص فى حديثها فتزيله عن جهته لئلا يفهمه الحاضرون، ثم قال وخير الحديث ما كان لحنا أي خير الحديث ما فهمه صاحبك الذى تحب إفهامه وحده وخفى على غيره. قال: وأصل اللحن أن تريد الشىء فتورى عنه بقول آخر، كقول رجل من بنى العنبر كان أسيرا فى بكر بن وائل، فسألهم رسولا إلى قومه، فقالوا له: لا ترسل إلا بحضرتنا، لأنهم كانوا أزمعوا غزو قومه فخافوا أن ينذر عليهم، فجىء بعبد أسود فقال له: أتعقل؟ قال: نعم إنى لعاقل، قال: ما أراك عاقلاً؛ ثم قال: ما هذا؟ - وأشار بيده إلى الليل - فقال: هذا الليل؛ فقال: أراك عاقلاً؛ ثم ملأ كفيه من الرمل فقال: كم هذا؟ فقال: لا أدرى وإنه لكثير، فقال: أيما أكثر، النجوم أو النيران؟ فقال: كل كثير، فقال: أبلغ قومى التحية وقل لهم: ليكرموا فلانا - يعنى أسيرا كان فى أيديهم من بكر بن وائل - فإن قومه لى مكرمون، وقل لهم: إن العرفج قد أدبى، وق شكت النساء؛ وأمرهم أن يعروا ناقتى الحمراء فقد أطالوا ركوبها، وأن يركبوا جملى الأصهب بآية ما أكلت معكم حبساً؛ واسألوا الحارث عن خبرى. فلما أذى العبد الرسالة إليهم قالوا: لقد جن الأعور، والله ما نعرف له ناقة حمراء، ولا جملا أصهب؛ ثم سرحوا العبد ودعوا الحارث فقصوا عليه القصة، فقال: قد أنذركم. أما قوله: قد أدبى العرفج، فإنه يريد أن الرجال قد استلأموا، أى لبسوا الدروع؛ وقوله: شكت النساء، أى اتخذن الشكاء للسفر؛ وقوله: ناقتى الحمراء، أى ارتحلوا عن الدهناء واركبوا الصمان وهو الجمل الأصهب؛ وقوله: بآية ما أكلت معكم حيساً، يريد اخلاطا من الناس قد غزوكم، لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط. فامتثلوا ما قال وعرفوا فحوى كلامه. وأخذ هذا المعنى أيضاً رجل من بنى تميمٍ كان أسيرا فكتب إلى قومه حلوا عن الناقة الحمراء أرحلكم ... والبازل الأصهب المعقول فاصطنعوا إن الذئاب قد اخضرت براثنها ... والناس كلهم بكر إذا شبعوا يريد أن الناس كلهم إذا أخصبوا عدو لكم كبكر بن وائل. قال أبو على: ومعنى صائب، على مذهب أبى العباس فى معنى البيت: قاصد، كما قال جميل وما صائب من نابلٍ قذفت به ... يد وممر العقدتين وثيق فيكون معنى قوله: منطق صائب، أى قاصد للصواب وإن لم يصب؛ وتلحن أحيانا، أى تصيب وتفطن؛ ثم قال: وخير الحديث ما كان لحناً، أى إصابة وفطنة. قال أبو على: ومعنى قوله جل وعز: (وغدوا على حردٍ قادرين) أى على قصد. قال الجميح أما إذا حردت حردى فمجرية ... ضبطاء تسكن غيلاً غير مقروب أى قصدت قصدى. وقال الآخر أقبل سيل جاء من أمر الله ... يحرد حرد الجنة المغله أى يقصد قصدها. وقال أبو عبيدة: معنى قوله: (على حرد) أى على غضب وحقد. وأجاز ما ذكرناه. قال: ويجوز أن يكون (على حرد) معناه: على منع، واحتج بقول العباس بن مرداس السلمى وحارب فإن مولاك حارد نصره ... ففى السيف مولى نصره لا يحارد وحارد عندى فى هذا البيت بمعنى قل، يقال: حاردت الإبل إذا قلت ألبانها، قال الكميت وحاردت النكد الجلاد ولم يكن ... لعقبة قدر المستعيرين معقب ويقال: حرد الرجل حردا بفتح الراء، ومن العرب من يقول: حرد الرجل حردا بتسكين الراء إذا غضب، وأنشد أبو عبيدة للأشهب بن رميلة اسود شرى لاقت أسود خفيةٍ ... تساقوا على حردٍ دماء الأساود وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال حدثنا إسماعيل بن أحمد بن حفص بن سمعان النحوى قال حدثنا أبو عمر الضرير قال حدثنا عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب عن موسى محمد بن إبراهيم التيمى عن أبيه عن جده قال: بينا رسول الله ﷺ ذات يوم جالس مع أصحابه إذ نشأت سحابة، فقالوا: يا رسول الله، هذه سحابة، فقال: " كيف ترون قواعدها " قالوا: ما أحسنها وأشد تمكنها! قال: " وكيف ترون رحاها " قالوا: ما أحسنها وأشد استدارتها! قال: " وكيف ترون بواسقها " قالوا: ما أحسنها وأشد استقامتها! قال: " وكيف ترون برقها أو ميضاً أم خفياً أم يشق شقا " قالوا: بل يشق شقا، قال: " فكيف ترون جونها " قالوا: ما أحسنه وأشد سواده! فقال عليه السلام: " الحيا " فقالوا: يا رسول الله، ما أرينا الذى هو منك أفصح، قال: " وما يمنعنى من ذلك فإنما أنزل القرآن بلسانى لسانٍ عربى مبين " . قال أبو على: قواعدها، أسافلها: واحدتها قاعدة، فأما القواعد من النساء فواحدتها قاعد، وهى التى قعدت عن الولد وذه بحرم الصلاة عنها. ورحاها: وسطها ومعظمها، وكذلك رحى الحرب: وسطها ومعظمها حيث استدار القوم، قال الشاعر فدارت رحانا بفرسانهم ... فعادوا كأن لم يكونوا رميما وبواسقها: ما علا منها وارتفع، واحدتها باسقة، وكل شيء ارتفع وطال فقد بسق، يقال: قد بسقت النخلة، قال الله عز وجل: (والنخل باسقاتٍ) وكذلك بسق النبت، فكثر فى كلامهم حتى قالوا: بسق فلان على قومه، أى علاهم فى الشرف والكرم. والوميض: اللمع الخفى، قال امرؤ القيس أعنى على برقٍ أراه وميض ... يضىء حبيا فى شمارخ بيض ويقال: أومض البرق يومض إيماضاً إذا لمع لمعا خفياً، وأومض بعينه إذا غمز بعينه. والخفى: البرق الضعيف، قال أبو عمرو: خفى البرق يخفى خفياً إذا برق برقا ضعيفاً؛ وقال الكسائى: خفا يخفو خفوا. وجونها: أسودها، والجون: من الأضداد، يكون الأسود ويكون الأبيض، قال الأصمعى: وأتى الحجاج بدرع كانت صافية بيضاء، فجعل لا يرى صفاءها، فقال له رجل وكان فصيحا - قال أبو عمرو وهو أنيس الجرمى - إن الشمس جونة، يعنى شديدة البريق والصفاء، فقد غلب صفاؤها بياض الدرع، وأنشد بيادر الآثار أن تشوبا ... وحاجب الجونة أن يغيبا وأنشد أبو عبيدة غير يا بنت الحليس لونى ... طول الليالى واختلاف الجون وسفر كان قليل الأون أيى الفتور، وقال الفرزدق يصف قصراً أبيض ودون عليه الجص فيه مريضة ... تطلع منها النفس والموت حاضره والحيا مقصور: الغيث والخصب، وجمعه أحياء، قال الأخطل ربيع حيا ما يستقل بحمله ... سؤم ولا مستنكش البحر ناضبه وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله إنا ملوك حيا للتابعين لنا ... مثل الربيع إذا ما نبته نضرا
وقرىء على أبى بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول الأزرق فى مسجد الرصافة وأنا أسمع قال حدثنا حميد قال حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا عثمان بن حكيم قال أخبرنا عامر بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ: " أحرم ما بين لاتبى المدينة أن يقطع عضاها أو يقتل صيدها " وقال: " المدينة خير لهم لو كانوا يعملون لا يخرج منها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه ولا يصبر أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت شهيدا أو شفيعا يوم القيامة " .هكذا سمعت بلا " له " . قال أبو على: اللابة واللوبة: الحرة، فمن قال: لابة، قال فى جمعها: لاب، ومن قال: لوبة، قال فى الجمع: لوب، قال سلامة بن جندل. حتى تركنا وما تثنى ظعائننا ... يأخذن بين سواد الخط فاللوب والعضاه: كل شجر له شوك يعظم، ومن أعرف ذلك: الطلح والسلم والسيال والعرفط والسمر والشبهان والكهنبل، والواحدة عضة، قال الراعى: وخاردع المجد أقوام لهم ورق ... راح العضاه به والعرق مدخول واللاواء: الشدة، قال رؤبة لاواءها والأزل والمظاظا الأزل: الضيق. والمظاظ: المشارة، يقال: ما ظظت فلانا مماظةً ومظاظا. قال أبو على: وقرىء على الأزرق وأنا أسمع قال حدثنا بشر بن مطر قال حدثنا سفيان عن عرو عن أبى العباس عن عبد الله بن عمرو قال: قال لى رسول الله ﷺ: " ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار " فقلت: إنى أفعل ذلك فقال: " إنك إن فعلت ذلك هجمت عيناك ونفهت نفسك إن لعينك حقا ولأهلك حقا ولنفسك حقا فقم ونم وصم وأفطر " . قال أبو على: قال أبو عمرو الشيبانى: هجمت عينه وخوصت وقدحت ونقنقت عينه نقنقة: كل ذلك إذا غارت. وقال الأصمعى: حجلت عينه وهجمت: كلاهما غارت. وجاء حاجلةً عينه، وأنشد وأهلك مهر أبيك الدوا ... ء ليس له من طعام نصيب فتصبح حاجلةً عينه ... لحنو استه وصلاه غيوب وحاجلةً: من حجلت بالتخفيف، والأكثر حجلت بالتشديد فهى محجلة. ونفهت: أعيت، ويقال للمعي: نافه ومنفه، وجمع النافة نفه، قال رؤبة (يعنى قفرا). به تمطت غول كل ميله ... بنا حراجيج المهارى النفه والميله: الذى يوله سالكه، أى يحيره. وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله عن عمه عبد الملك ابن قريب قال: سمعت أعرابيا يدعو الله وهو يقول: هربت إليك بنفسى يا ملجأ الهاربين بأثقال الذنوب أحملها على ظهرى؛ لا أجد شافعا إليك إلا معرفتى بأنك أكرم من قصد إليه المضطرون، وأمل فيما لديه الراغبون؛ يا من فتق العقول بمعرفته، وأطلق الألسن بحمده؛ وجعل ما امتن به من ذلك على خلقه كفاءً لتأدية حقه؛ لا تجعل للهوى على عقلى سبيلا، ولا للباطل على عملى دليلاً. وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكبى عن أبيه قال: لما قتل عبد الملك مصعب بن الزبير دخل الكوفة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبى محمد ﷺ ثم قال: أيها الناس، إن الحر صعبة مرة، وإن السلم أمن ومسرة؛ وقد زبنتنا الحرب وزبناها، فعرفناها وألفناها، فنحن بنوها وهى أمنا. أيها الناس، فاستقيموا على سبل الهدى، ودعوا الهواء المردية؛ وتجنبوا فراق جماعات المسلمين، ولا تكلفوها أعمال المهاجرين الأولين، وأنتم لا تعملون أعمالهم؛ ولا أظنكم تزدادون بعد الموعظة إلا شراً، ولن نزداد بعد الإعذار إليكم والحجة عليكم إلا عقوبة؛ فمن شاء منكم أن يعود بعد لمثلها فليعد، فإنما مثلى ومثلكم كما قال قيس بن رفاعة من يصل نارى بلا ذنب ولا ترة ... يصل بنار كريمٍ غير غدار أنا النذير لكم منى مجاهرةً ... كى لا ألام على نهىٍ وإنذار فإن عصيتم مقالى اليوم فاعترفوا ... أن سوف تلقون خزيا ظاهر العار لترجعن أحاديثاً ملعنةً ... لهو المقيم ولهو المدلج السارى من كان فى نفسه حوجاء يطلبها ... عندى فإنى له رهن بإصحار أقيم عوجته إن كان ذا عوج ... كما يقوم قدح النبعة البارى وصاحب الوتر ليس الدهر مدركه ... عندى وإنى لدراك بأوتار
قال أبو على: زبنتنا الحرب وزبناها، أيى دفعتنا ودفعناها، والزبن، الدفع، ومنه اشتقاق الزبانية، لأنهم يدفعون أهل النار إلى النار، ومنه قيل: حرب زبون، قال الشاعر: عدتنى عن زيارتا العوادى ... وحالت دونها حرب زبون عدتنى: صرفتنى، والعوادى: الصوارف. والزبون من النوق: التى ترمح عند الحلب. والخزى: الهوان، يقال: خزى يخزى خزياً، والخزاية: الاستحياء، يقال: خزى يحزى خزايةً. المدلج: الذى يسير من أول الليل، يقال: أدلجت، أى سرت من أول الليل، فأنا مدلج، وأدلجت، أى سرت فى آخره، فأنا مدلج، والدلجة والدلج بفتح الدال: سير آخر الليل، والإدلاج: من أول الليل، ويقال: الدلج والدلجة: سير الليل كله، قال الراجز كأنها وقد براها الإخماس ... ودلج الليل وهادٍ قياس شرائح النبع براها القواس والدلجة بضم الدال: من آخره، ومن الناس من يجيز الدلجة والدلجة فى كل واحد منهما، كما قالوا: برهة من الدهر وبرهة، قال زيد الخيل يا بنى الصيداء ردوا فرسى ... إنما يفعل هذا بالذليل عودوه مثل ما عودته ... دلج الليل وإيطاء القتيل ويرى: دلج جمع دلجة. والسىر: الذى يسير بالليل، يقال: سريت فأنا سارٍ، أى سرت ليلا، وأسريت أيضاً، ويروى بيت النابغة على وجهين سرت عليه من الجوزاء سارية ... نزجى الشمال عليه جامد البرد وأسرت. والسرى: سير الليل. والحوجاء: الحاجة. والعوج: فى كل ما كان منتصبا مثل الإنسان والعصا وما أشبههما، والعوج: فى الدين والأمر وما أشبههما. والوتر: الذحل بكسر الواو لا غير، والوتر بفتح الواو وكسرها: الفرد، ويقرأ والشفع والوتر والوتر بفتح الواو وكسرها: الفرد، ويقرأ والشفع والوتر والوتر، الفتح لغة أهل الحجاز، والكسر لغة تميم وأسد وقيس؛ ويقولون فى الوتر الذى هو الفرد: أوترت فأنا أوتر إيتارا، وفى الدحل: وترته فأنا أتره وتراً وترةً. وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو عثمان قال أخبرنى العتبى عن أبيه: أن عبد الملك بن مروان - رحمه الله - كان يوجه إلى مصعب جيشا بعد جيش فيهزمون، فلما طال ذلك عليه واشتد غمه أمر الناس فعسكروا ودعا بسلاحه فلبسه، فلما أراد الركوب قامت إليه أم يزيد ابنه - وهي عاتلكة بنت يزيد بن معاوية - فقالت: يا أمير المؤمنين، لو أقمت وبعثت إليه لكان الرأى، فقال: ما إلى ذلك من سبيل، فلم تزل تمشى معه وتكلمه حتى قرب من الباب، فلما يئست منه رجعت فبكت وبكى حشمها معها، فملا علا الصوت رجع إليها عبد الملك فقال: وأنت أيضاً ممن يبكى! قاتل الله كثيراً، كأنه كان يرى يومنا هذا حيث يقول: إذا ما أراد الغزو لم تئن همه ... حصان عليها نظم در يزينها ولكن مضى ذو مرةٍ متثبت ... بسنة حق واضحٍ مستبينها وفى عبد الملك يقول كثير أحاطت يداه بالخلافة بعدما ... أراد رجال آخرون اغتيالها وفى هذه القصيدة يقول فيه أيضاً: فما أسلموها غنةً عن مودةٍ ... ولكن بحد المشرفى استقالها وكنت إذا نابتك يوما ملمة ... نبلت لها أبا الوليد نبالها سموت فأدركت العلاء وإنما ... يلقى عليات العلا من سمالها وصلت فنالت كفك المجد كله ... ولم تبلغ الأيدى الوسامى مصالها وحدثنى أبو بكر بن دريد رحمه الله قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن هشام قال: قال العباس بن الوليد بن عبد الملك لمسلمة بن عبد الملك ألا تقنى الحياء أبا سعيد ... وتقصر عن ملاحاتى وعذلى فلولا أن أصلك حين تنمى ... وفرعك منتمى فرعى واصلى وأنى إن رميتك هضت عظمى ... ونالتنى إذا نالتك نبلى لقد أنكرتنى إنكار خوف ... يضم حشاك عن شمى وأكلى كقول المرء عمروٍ فى القوافى ... لقيسٍ حين خالف كل عدل " عذيرى من خليلى من مرادٍ ... أريد حياته ويريد قتلى " يريد: عمرو بن معد يكرب، وقيس بن مكشوح.
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: حدثنى من سمع أعرابيا يقول لصديق له: دع عنك ما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره؛ فليس من حكى عنك نكرا، توسعه فيك عذرا. قال وأخبرنا عبد الرحن عن عمه قال: قال أعرابى كبير السن: أصبحت والله تقيدنى الشعر وأعثر بالبعرة؛ وقد أقام الدهر صعرى بعد أن أقمت صعره. قال أبو على: الصعر: الميل. وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا عبد الرحمن من عمه قال: أنشدنا بعض أهل المدينة لخارجة بن فليح المللى. ألا طرقتنا والرفاق هجود ... فباتت بعلات النوال تجود ألا طرقت ليلى لقى بين أرحل ... شجاه الهوى ولانأى فهو عميد فليت النوى لم تسحق الخرق بيننا ... وليت الخيال المستراث يعود إذا لأقاد النفس من فجعة الهوى ... بليلى وروعات الفؤاد مقيد كأن الدموع الوكفات بذكرها ... إذا أسلمتهن الجفون فريد إذا أدبرت بالشوق أعقاب ليلة ... أتاك بها يوم أغر جديد حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعى قال: كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: أنت عندى كسالمٍ، فلم يدر ما هو، فكتب إلى قتيبة يسأله، فكتب إليه: إن الشاعر يقول يديروننى عن سالم وأديرهم ... وجلدة بين الأنف والعين سالم ثم كتب إليه مرة أخرى: أنت عندى قدح ابن مقبل، فلم يدر ما هو، فكتب إلى قتيبة يسأله - وكان قتيبة قد روى الشعر - فكتب إليه: إن ابن مقبل نعت قدحاً له فقال: غدا وهو مجدول وراح كأنه ... من المش والتقليب بالكف أفطح خروج من الغمى إذا صك صكة ... بدا والعيون المستكفة تلمح قال أبو على: المش: المسح، والمشوش: المنديل، قال امرؤ القيس نمش بأعراف الجياد أكفنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مضهب والغمى: الشدة التى تغمن، أى تغطى. والمستكفة من قولهم: استكففت الشىء إذا وضعت يدك على حاجبك تنظر هل تراه كالذى يستظل من الشمس. وقال الأصمعى: من أمثال العرب: " العير أوقى لدمه " ويقال ذلك للرجل، أى إنك أشد إبقاء على نفسه؛ ويقال: " الرياح من السماح " يريد أن المسامح أحرى أن يربح؛ ويقال: " عبد صريخه أمة " يضرب مثلا للضعيف يستصرخ بمثله. وقرأنا على أبى بكر بن دريد قول الشاعر ولقد مررت على قطيع هالك ... من مال اشعث ذى عيالٍ مصرم من بعد ما اعتلت على مطيتى ... فأزحت علتها فظلت ترتمى القطيع: السوط. والهالك: الضائع. والمصرم: المقل المخف؛ يقول: كانت ناقتى قد اعتلت على، فلما أصبت السوط فضربتها به ظلت ترتمى، أى تترامى فى سيرها. وحدثنا أبو عبد الله قال أخبرنى أحمد بن يحيى عن أبن الأعرابى عن أبى معاوية عن هشام ابن عروة عن أبيه قال: مكتوب فى الحكمة: يا بنى، لتكن كلمتك طيبة، ووجهك بسطا، تكن احب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء؛ وأنشدنا أبو عبد الله وكم من مليمٍ لم يصب بملامةٍ ... ومتبع بالذنب ليس له ذنب وكم من محب صدر من غير بغضةٍ ... وإن لم يكن فى ود خلته عتب وحدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنى عمى عن أبيه عن ابن الكلبى قال: قالت عجوز من العرب لثلاث بناتٍ لها: صفن ما تحببن من الأزواج؛ فقالت الكبرى: أيد أروع بساما، أحذ مجذاما، سيد ناديه، وثمال عافيه، ومحسب راجيه؛ فناؤه رحب، وقياده صعب. وقالت الوسطى، أريده على السناءن مصمم المضاء؛ عظيم نار، متمم أيسار؛ يفيد ويبيد، ويبدىء ويعيد، هو فى الأهل صبىّ، وفى الجيش كمىّ، تستبعده الحليله، وتسوده الفضيله. وقالت الصغرى: أريده بازل عام، كالمهند الصمام؛ قرانه حبور، ولقاؤه سرور؛ إن ضم قضقض، وإن دسر أغمض، وإن أخل أحمض. قالت أمها: فض فوك! لقد فررت لى شرة الشباب جذعةً.
قال أبو على: قال أبو زيد: الأروع والنجيب واحد، وهما الكريم؛ وقال غيره: الأروع: الذى يروعك جماله. والأحد هنا هنا: الخفيف السرع، والأحذ أيضاً: الخفيف الذنب، ومنه قيل: قطاة حذاء. قال أبو بكر بن دريد: الحذذ: الخلفة والسرعة، والقطاة الحذاء: السريعة الطيران؛ ويقال: القليلة ريش الذنب، وحذ الشىء يحذه حذا إذا قطعه قطعا سريعاً، والحذة: القطعة من اللحم، وأنشد الأعشى تكفيه حذة فلذٍ. وقال أبو عبيدة فى قول عتبة بن غزوان حين خطب الناس فقال: إن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء. قال أبو عمرو وغيره: الحذاء: السريعة الخفيفة التى قد انقطع آخرها، ومنه قيل للقطاة: حذاء لقصر ذنبها مع خفتها، وقال النابغة الذبيانى: حذاء مدبرةً سكاء مقبلةً ... للماء فى النحر منها نوطة عجب قال: ومن هذا قيل للحمار القصير الذنب أحد. قال أبو على: أصل هذه الكلمة عندى الخفة ولم أسمع فى بيت أعشى حذة فلذ بالذال إلا من أبى بكر، فإن صحت هذه الرواية فلا تكون الحذة إلا القطعة الخفيفة. والمجذام: مفعال من الجذم، والجذم: القطع، يريد أنه قطاع للأمور. والنادى والندى: المجلس. والثمال: الغياث، وثمال القوم غياثهم ومن يقوم بأمرهم، يقال: فلان ثمال لبنى فلان إذا كان يقوم بأمرهم ويكون أصلا لهم وغياثا، ويقالك هو يثلمهم، والمرأةتثمل الصبيان، أى تكون أصلا لهم، قال الحطيئة فدى لابن حصنٍ ما أريح فإنه ... ثمال اليتامى عصمة فى المهالك والثمل ساكنة الميم: المقام والخفض، يقال: ليست دارنا بدار ثملٍ، قال أسامة بن الحارث الهذلى كفيت النسا نسال حر وديقةٍ ... إذا سكن الثمل الظباء الكواسع كفيت النسا، أى سريع العدو، وتلخيص معناه أن تقول: الكفيت: السريع. والنسا: عرق فى الفخذ يجرى إلى الساق، فكأنه قال: سريع الرجل وإذا كان سريع الرجل كان سريع العدو. والكواسع: التى تكسع بأذنابها من الذباب، ويقال: اختار فلان دار الثمل، أى دار الخفض والمقام، وثمل فلان فما يبرح، والثميلة: البقية تبقى من العلف والماء فى بطن البعير وغيره، والجميع: الثماثل، قال ذو الرمة وأدرك المتبقى من ثميلته ... ومن ثماثلها واستنشىء الغرب والثميلة: البقية تبقى من الماء فى الصخرة أو الوادى، وقد قالوا: الثميل: الماء الذى يبقى فى الوادى بعد مضى السيل عنه، قال الأعشى بناجيةٍ كأتان الثميل ... تقضى السرى بعد أين عسيرا والأتان: الصخرة تكون فى الماء، وإذا كانت فى الماء القليل فأصابتها الشمس صلبت. والثمالة: رغوة اللبن، يقال: حقنت الصريح وثملت الرغوة يريد بقيت، قال مزرد: إذا مس خرشاء الثمالة أنفه ... ثنى مشفريه للصريح فاقنعا وقال الأصمعى: الثمالة: ما بقى فى العلبة من الرغوة خاصة، والثمالة: ما بقى فى الحوض من الماء، وهو أيضاً: ما بقى فى البطن من الماء والطعام، ويقال: سقاه المثلم، يريد ساقه السم. قال أبو نصر: وترى أنه أنقع فبقى وثبت، وسيف ثامل، أى باق فى أيدى أصحابه زمانا، كذا قال الأصمعى؛ وقال أبو عمرو: قديم لا عهد له بالصقال؛ وقال خالد بن كلثوم: هو الذى فيه بقية، قال ابن مقبل: لمن الديار عرفتها بالساحل ... وكأ،ها الواح سيف ثامل والثملة: الصوفة تجعل فى الهناء ثم يطلى بها البيعر، أنشد الأصمعى: ممغوثة أعراضهم ممرطلة ... كما ثلاث فى الهناء الثملة والثملة ساكنة الميم: الحب والثمر والسويق يكون فى الوعاء إلى نصفه فما دونه، والجماع: الثمل. والثملة: ما أخرجت من أسفل الركبة من التراب والطين، وهذان الحرفان رويناهما عن ابى عبيد بضم الثاء وعن أبى نصر بفت الثاء، ويقال: ثمل يثمل ثملاً إذا أخذ الشراب فيه. وعافيه الذين يعفونه، أى يأتونه. يقال: عفاه يعفوه واعتفاه يعتفيه، وعراه يعروه واعتراه يعتريه، واعتره بعثتره، وعره يعره. ومحب: كافٍ، أنشدنا أبو بكر بن الأنبارى لأمرىء القيس: فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنىً شبع ورى
أي يكفيك الشبع والري. وفناؤه رحب، أى واسع، ويقال: فناء الدار وثناؤها، والسناء من الشرف ممدود ومن الضوء مقصور. والمصمم من الرجال: الذى يمضى فى الأمور لا يرد عزمه شىء، والصمم من السيوف: الذى يمضى فى الضرائب لا يحبسه شىء. وأيسار جمع يسر، وهو الذى يدخل مع القوم فى القداح، وهو مدح، وقال الشاعر: وراحلةٍ نحرت لشربٍ صدقٍ ... وما ناديت أيسار الجزور والبرم: الذى لا يدخل مع القوم فى الميسر، وهو ذم وجمعه أبرام، قال متمم: ولا برم تهدى النساء لعرسه ... إذا القشع من برد الشتاء تقعقعا ويقال: كان رجل برماً فجاء إلى امرأته وهي تأكل لحما فجعل يأكل بضعتين بضعتين، فقالت له امرأته: " أبرما قروناً " فأرسلتها مثلا. وقال أبو زيد: الكمى: الجرىء المقدم كان عليه سلاح أو لم يكن. وقال غيره: الذى يكمى شجاعته فى نفسه، أى يسترها. وقال ابن الأعرابى: الكمى: الشجاع، وسمى كمياً لأنه يتكمى الأقران لا يكع ولا يجبن عن قرنه، أى يقصد، وكل ما اعتمدته فقد تكميته، وأنشد: بل لو شهدت الناس إذا تكموا ... بقدرٍ حم لهم وحموا غمةٍ لو لم تفرج عموا وحليلة الرجل: امرأته، وحليلته أيضاً: جارته التى تحاله وتنزل معه، قال الشاعر: ولست بأطلس الثوبين يصبى ... حليلته إذا هجع النيام وعرس الرجل: امرأته أيضاً، قال امرؤ القيس: كذبت لقد أصبى على المرء عرسه ... وأمنع عرسى أن يزن بها الخالى وهو أيضاً عرسها وهي حنته، قال كثير: فقلت لها بل أنت حنة حوقل ... جرى بالفرى بينى وبينك طابن والفرى جمع فرية، وقال الشاعر: ما أنت بالحنة الودود ولا ... عندك خير يرجى لملتمس وهي طلته أيضاً، قال الشاعر: وإن امرأ فى الناس كنت ابن أمه ... تبدل منى طلةً لغبين دعتك إلى هجرى فطاوعت أمرها ... فنفسك لا نفسى بذاك تهين وقال الآخر: ألا بكرت طلتى تعذل ... وأسماء فى قولها أعذل تريد سليماك جمع التلا ... د والضيف يطلب ما يأكل وربضه وربضه أيضاً، والربض: كل ما أويت إليه، قال الشاعر جاء الشتاء ولما اتخذ ربضا ... يا ويح كفى من حفر القراميص والقرموص: حفرة يحتفرها الصائد إلى صدره فيدخل فيها إذا اشتد عليه البرد، والقرموص أيضاً: مبيض القطاة. وقعيدة الرجل أيضاً: امرأته، قال الأسعر الجعفى لكن قعيدة بيتا مجفوة ... بادٍ جناجن صدرها ولها غنى وزوجه أيضاً؛ قال الأصمعى: ولا تكاد العرب تقول زوجته؛ وقال يعقوب: يقال: زوجته، وهى قليلة، قال الفرزدق: وإن الذى يسعى ليفسد زوجتى ... كساع إلى أسد الشرى يستبيلها وهيى بعله أيضاً أو بعلته، وأنشد الفراء شر قرينٍ للكبير بعلته ... تولغ كلباً سؤرة أو تكفته يعنى: أن امرأته تقدرته حين كبر، فإذا شرب لبنا وبقى سؤره - والسؤر بقية الشراب فى الإناء - تولغه كلبا أو تكفته، أى تقلبه على الأرض. وبيته أيضاً، قال الراجز أقول إذ حوقلت أو دنوت ... وبعض حيقال الرجال الموت مالى إذا أنزعها صأيت ... أكبر غيرنى أم بيت وشهلته أيضاً، أنشدنى أبو بكر بن الأنبارى له شهلة شابت وما مس جيبها ... ولا راحتيها الشئنتين عبير والشهلة أيضاً: العجوز، قال الراجز باتت تنزى دلوها تنزياً ... كما تنزى شهلة صبيا وجثلته ومعزبته: امرأته. وقال غيره: وحوبته أيضاً. وقال أبو زيد: والحوبة: القرابة من قبل الأم، وكذلك كل ذى رحم محرم. قال يعقوب: الحوبة: الأم. والفصيلة: رهط الرجل الأدنون. وقال ابن الكلبى: الشعب أكثر من القبيلة ثم القبيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ. وأسرة الرجل: رهطه الأدنون، وكذلك فصيلته. وقولها: أريده بازل عام، أى تام الشباب كامل القوة، لأن البعير أتم ما يكون شبابا وأكمله إذا كان بازل عام. قال الأصمعى: إذا وضعت الناقة فولدها سليل قبل أن يعلم أذكر هو أم أثنى، فإذا علم، فإن كان ذكراً لهو سقب وأمة مسقب، وإن كانت أنثى فهى حائل وأمها أم حائل، قال الهذلى
فتلك التى لا يرح القلب حبها ... ولا ذكرها ما أرزمت أم حائل وهي مؤنث، وقد آنثت، أى جاءت بأنثى، وقد أذكرت فهى مذكر إذا جاءت بذكرٍ، فإن كان من عادتها أن تضع الإناث فهى مئناث، وكذلك مذكار إذا كان من عادتها أن تضع الذكور، فإذا قوى ومشى مع أمه فهو راشح والأم مرشح، فإذا حمل فى سنامه شحما فهو مجذٍ ومكعر ثم هو ربع. قال الأصمعى حدثنى عيسى بن عمر قال: سأتل جبر بن حبيب أخا امرأة العجّاج عن الهبع والربع، فقال: الرعب ما نتج فى أوّل النتاج، والهبع ما نتج فى آخر النتاج، فإذا مشى الهبع مع الربع أبطره ذرعاً فهبع بعنقه، أى استعان به؛ ثم هو حوارن فإذا فصل عن أمه - والفصال: الفطام - فهو فصيل والجمع فصلان وفصلان، ومنه الحديث: " لا رضاع بعد فصال " فإذا أتى عليه حول فهو ابن مخاض وإنما سمى ابن مخاض لأن أمه لحقت بالمخاض، وهي الحوامل وإن لم تكن حاملاً؛ فإذا استكمل السنة الثانية ودخل فى الثالثة فهو ابن لبون والأنثى بنت لبون، وإنما سمى ابن لبون لأنه أمه كانت من الخاض فى السنة الثانية ثم وضعت فى الثالثة فصار لها لبن فهى لبون وهو ابن لبون فلا يزال كذلك حتى يستكمل الثالثة؛ فإذا دخل فى الرابعة فهو حينئذ حق والأنثى حقة، وإنما قيل لها حقة لأنها قد استحقت أن يحمل عليها وتركب، فإذا استكمل الرابعة ودخل فى الخامسة فهو جذع والأنثى جذعة، فإذا دخل فى السادسة فهو ثنى والأنثى ثنية؛ فإذا دخل فى السابعة فهو رباعٍ والأنثى رباعية؛ فإذا دخل فى الثامنة فهو سديس وسدس والأنثى سديسة، فإذا دخل فى التاسعة وبزل نابه فهو بازل، يقال: بزل ثابه بزولا، وشقأ نابه يشقأ شقوءاً وشقأً وشقى أيضاً، وشق يشق شقوقا، وفطر يفطر فطوراً، وبزغ وصبأ وعرد يعرد عرودا؛ فإذا دخل فى العاشرة فهو مخلف، ثم ليس له اسم بعد الإخلاف. ولكن يقال: بازل عامٍ وبازل عامين ومخلف عامٍ ومخلف عامين. وقضقض، أى حطم كما يقضقض الأسد الفريسة وهو أن يحطمها وينفضها فتسمع لعظامها صوتاً. والأسد القضقاض: الحطام، قال رؤبة: ثم جاوزت منحيةٍ من حيةٍ نضناض ... وأسدٍ فى غيله قضقاض ليثٍ على أقرانه رباض ... يلقى ذراعى كلكلٍ عرباض والعرباض: الثقيل العظيم. ودسر: دفع، ومنه قول ابن عباس رضى الله عنهما فى العنبر: إنما هو شىء دسره البحر، أى لا زكاة فيه. قال: وقرأنا على أبى بكر بن دريد رحمه الله قول الشاعر: فأصبحت من سلمى كذى الداء لم يجد ... طبيباً يداوى ما به فتطببا فلما اشتفى مما به على طبه ... على نفسه من طول ما كان جربا يقول: لما لم يجد اليها سبيلا داوى نفسه بالهجران، فلما رأى ذلك قد نفعه على الهجران، أى فعله ثانيةً. وحدثنا الأخفش قال أنبأنى أبو الفياض بن أبى شراعة عن أبى شراعة قال: حدثنى عبدا لله ابن محمد بن بشير البصرى قال: علق أبى جارية لبعض الهاشميين فبعثت إليه أمى تعاتبع، فكتب إليها: لا تتبعن لوعةً إثرى ولا هلعا ... ولا تقاسن بعدى الهم والجزعا بل اثتسى تجدى إن ائتسيت أسى ... بمثل ما قد فجعت اليوم قد فجعا ما تصنعين بعين عنك طامحةٍ ... إلى سواك وقلبٍ عنك قد نزعا إن قلت قد كنت فى ود وتكرمة ... فقد صدقت ولكن ذاك قد منعا وأي شىء من الدنيا سمعت به ... إلا إذا صار فى غاياته انقطعا لم يبق عينا حسين عند لحظهما ... لغيرها فى فؤادى بعدها طمعا ومن يطيق مدك عند صوبته ... ومن يقوم لمستور إذا خلعا وأنشدنا الأخفش قال: قرأت على أبى العباس الأحول الأعرابى: أيا منشر الموتى أقدنى من التى ... بها نهلت نفسى سقاماً وعلت لقد بخلت حتى لو أنى سألتها ... قذى العين من ضاحى التراب لضنت فما أم بو هالك بتنوفةٍ ... إذا ذكرته آخر الليل حنت بأكثر منى لوعةً غير أننى ... أطامن أحشائى على ما أجنت وقرأت على أبى بكر بن دريد رحمه الله: أبت الروادف والثدى لقمصها ... مس البطون وأن تمس ظهورا وإذا الرياح مع العشى تناوحت ... نبهن حاسدةً وهجن غيورا وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدى المعروف بنفطويه. وأنشدنا الأخفش أيضاً: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب النحوى: فلم أر هالكاً كبنى صريمٍ ... تلفهم التهائم والنجود أجل جلالةً وأعز فقداً ... وأقضى للأمور وهم قعود وأكثر ناشئاً مخراق حربٍ ... يعين على السيادة أو يسود وأنشدنا إبراهيم أيضاً، قال أنشدنا أحمد بن يحيى: وكنت مجاوراً لبنى سعيدٍ ... فأفقدنيهم ريب الزمان فلما أن فقدت بنى سعيد ... فقدت الود إلا باللسان وحدثنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنى عمى عن أبيه عن ابن الكلبى قال: وفد علبة بن مسهر الحارثى والمنتشر أحد فوارس الأرباع الذين يقول لهم الأجدع الهمدانى: وسألتنى بركائبى ورحالها ... ونسيت قتل فوارس الأرباع إلى ذى فائش الملك الحميرى، وكان ذو فائش يحب اصطناع سادات العرب ويقرب مجالسهم ويقضى حوائجهم، وكان علبة شاعراً حدثاً ظريفاً، فقال له الملك: يا علبة، ألا تحدثنى عن أبيك وأعمامك وتصف لى أحوالهم؟ فقال: بلى أيها الملك، وهم أربعة: زياد ومالك وعمرو ومسهر. فأما زياد، فما استل سيفه مذ ملكت يده قائمة إلا أغمده فى جثمان بطل، أو شوامت جمل؛ وكان إذا حملق النجيد، وصلصل الحديد، وبلغت النفس الوريد، اعتصمت بحقويه الأبطال، اعتصام الوعول بذرى القلال، فذاد عنهم الأبطال، ذياد القروم عن الأشوال. وأما مالك، فكان عصمة الهوالك، إذا شبهت الإعجاز بالحوارك، يفرى الرعيل، فرى الأديم بالإزميل، ويخبط البهم، خبط الذئب نقاد الغنم. وأما عمرو، فكان إذا عصبت الأفواه، وذبلت الشفاه، وتفادت الكماه؛ خاض ظلام العجاج، وأطفأ نار الهياج، وألوى بالأعراج، وأردف كل طفلة مغناج، ذات بدن رجراج، ثم قال لأصحابه: عليكم النهاب، والأموال الرغاب؛ عطاء لا ضنينٍ شكس، ولا حقلدٍ عكس. وأما مسهر، فكان الذعاف الممقر، والليث المخدر، يحيى الحرب ويسعر، ويبيح النهب فيكثر، ولا يحتجن ولا يستأثر؛ فقال له الملك: لله أبوك! مثلك فليصف أسرته. قال أبو على: الحدث: الحسن الحديث، والحديث: الكثير الحديث، والحدث: الشاب؛ فإذا ذكروا السن قالوا: حديث السن ولم يقولوا: حدث السن، والحدث: الذى يتحدث إلى النساء، يقال: هو حدث نساء وزير نساء إذا كان يكثر زيارتهن، قال مهلهل فلو نبش المقابر عن كليبٍ ... فيخبر بالذنائب أى وزير أراد فيخبر بالذنائب أى زيرٍ أنا. وذلك أن كليباً كان يعيره فيقول: إنما أنت زير نساء. وهو تبع نساء إذا كان يتبعهن، وخلب نساء، أى يلصق بقلوبهن ويلح منهن محل الخلب، قال أبو زيد: الخلب: حجاب القلب، ومنه قيل: إنه لخلب نساء، أى يحبنه، وأنشد غيره يا بكر بكرين ويا خلب الكبد ... أصبحت منى كذراعٍ من عضد ويقول أهل اليمن: هو خلم نساء، والخلم: الصديق وجمعه أخلام، وزادنى أبو عمرو عن أبى العباس عن ابن الأعرابى: وعجب نساء، أى يعجب النساء. وقوله: فى جثمان بطلٍ، قال الأصمعى: الجثمان: الشخص، والجثمان: جماعة الجسم وهو التجاليد أيضاً، أنشدنا أبو بكر عن أبى حاتم عن الأصمعى ينبى تجاليدى وأقتادها ... ناوٍ كرأس الفدن المؤيد والأجلاد: التجاليد، قال الأسود بن يعفر أما ترينى قد بليت وشفنى ... ما غيض من بصرى ومن أجلادى يريد: ما نقص من بصرى ومن جسمى، ويقال لشخص الإنسان: الطلل والآل والسمامة، ويقال لأعلى شخصه: السماوة. والشبح والشبح جميعاً: الشخص، قال الشاعر يصف ظليما هجوم عليها نفسه غير أنه ... متى يرم فى عينيه بالشبح ينهض والشدف: الشخص وجمعه شدوف، قال ساعدة بن جؤية موكل بشدوف الصوم ينظرها ... من المغارب مخطوف الحشا زرم يصف ثورا. قال الأصمعى: الصوم: شجر يشبه الناس، فهو يرقبه يخشى أن يكون ناسا، ويقال: قامة الإنسان وقومية الإنسان، قال العجاج صلب القناة سلهب القوميه وقومته وقوامه، ويقال: هو قوام هذا الأمر بكسر القاف إذا كان يقوم به. والأمة: القامة وجمعها أمم. قال الأصمعى: وصف أعرابى رجلا فقال: إنه لحسن الوجه، حليف اللسان، طويل الأمة. والحليف: الحديد من كل شىء، يقال: لسان حليف وسنان حليف الغرب، قال الأعشى: وإن ماوية الأكرمين ... حسان الوجوه وطوال الأمم وقال أبو عبيدة: الطن: القامة. وقوله: أو شوامت جمل، فالشوامت: القوائم، يريد: أن يعقر الإبل للضيفان. وحملق: انقلب حملاقه، والحملاق: باطن الجفن، والنجيد: الشجاع، يقال: نجد الرجل ينجد نجدةً فهو نجيد، والنجد: الشجاع، وكذلك النجد، والنجدة: الشجاعة، هذا قول أبى نصر صاحب الأصمعى وتابعه على ذلك يعقوب فى بعض المواضع؛ ثم قال فى موضع آخر: النجد: السريع الإجابة إلى الداعى إذا دعاه إلى خير أو شر وهو النجد، ويقال: ما كان نجداً ولقد نجد ينجد نجادة وأنجدته إنجادا، فأما النجدة فالفزع فى أي وجه كان، وهذا قول أبى زيد، ويقال: استنجد فلان فلانا فأنجده، أى أعانه. وقال أبو عبيدة: نجدت الرجل أنجده غلبته وأنجدته: أعنته، والنجد: ما ارتفع من الأرض وبه سميت نجد لأنها ارتفعت عن تهامة، وسميت تهامة لأنها انخفضت عن نجد، فتهم ريحها، أى تغير يقال: تهم الدهن وتمه إذا تغير. والنجد: الطريق فى الجبل، والتنجيد: التزيين، يقال: نجدت البيت تنجيداً، قال ذو الرمة: وحتى كأن رياض القف ألبسها ... من وشى عبقر تجليل وتنجيد والنجود: ما ينجد به البيت، واحدها نجد، والنجود من الحمر، ويقال: الطويلة. والنجاد: حمائل السيف، والإنجاد: الأخذ فى بلاد نجد، والنجد: العرق، يقال: نجد الرجل ينجد نجدا إذا عرق، قال النابغة: يظل من خوفه الملاح معتصماً ... بالخيزرانة بعد الأين والنجد والمنجود: المكروب، قال أبو زبيد: صادياً يستغيث غير مغاثٍ ... ولقد كان عصره المنجود وصلصل: صوت. والودريدان: حبلا العنق، والأشوال جمع شول وهى التى جفت ألبانها، وواحد الشول شائلة، فأما الشائل فالتى شالت بذنبها للقاح وجمعها شول. والرعيل: جماعة الخيل. والإزميل: الشفرة، قال عبدة بن الطيب: عيهمة ينتحى فى الأرض منسمها ... كما انتحى فى أديم الصرف إزميل العيهمة: التامة الخلق، ويقال: السريعة. وينتحى: يعتمد. والصرف: صبغ أحمر وقال الأصمعى: الصرف: صبغع يعل به الأديم فيحمر. والبهم واحدها بهمة: وهو الشجاع الذى لا يدرى من أين يؤتى له، ويقال: حائط مبهم إذا لم يكن فيه باب، والأبهم من كل شيء: المصمت الذى لا صدع فيه ولا خلط، والبهيم من الخيل الذى ليس به وضح. والنقاد جمع نقدٍ وهى صغار الغنم، ويقال: نقد الضرس إذا ائتكل، ونقد الحافر إذا تقشر، وجافر نقد؛ ويقال: " النقد عند الجافرة " أى عند أول كلمة. وقال بعض اللغويين: كان الخيل أفضل ما يباع، فإذا اشترى الرجل الفرس قال له صاحبه: النقد عند الحافر، أى عند حافر الفرس فى موضعه قبل أن يزول؛ وقال الله تعالى: (أئنا لمردودون فى الحافرة) أى إلى خلقنا الأول، وأنشدنا ابن الأنبارى: أحافرةً على صلعٍ وشيبٍ ... معاذ الله من سفهٍ وعار أى أأرجع إلى الصبا بعدما شبت وصلعت. وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال حدثنى عمى عن أبيه عن ابن الكلبى قال: قال لى أعرابى: ما معنى قول الله تعالى: (أثنا لمردودون فى الحافرة) فقلت: الخلق الأول، قال: فما معنى قوله تعالى: (عظماً نخرةً) قلت: التى تنخر فيها الريح، فقال: أما سمعت قول صاحبنا يوم القادسية: أقدم أخانهم على الأساوره ... ولا تهولنك رجل نادره فإنما قصرك ترب الساهره ... حتى تعود بعدها فى الحافره من بعدما صرت عظاماً ناخره وعصب الريق إذا غلط ولصق بالفم ويبس، وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله: يصعب فاه الريق أي عصب ... عصب الجباب بشفاه الوطب ويقال: تفادى القوم إذا استتر بعضهم ببعض، قال الحطيئة: تفادى كماة الخيل من وقع رمحه ... تفادى خشاش الطير من وقع أجدل
والوى: أذهب. والأعراج جمع عرج وهي نحو خمسمائة من الإبل. والطفلة: الناعمة الرخصة، يقال: بنان طفل، والطفلة: الحديثة السن. والحقلد: السيىء الخلق، كذا قال يعقوب. والعكس والعكس بالسين والصاد: العسر الأخلاق. والذعاف: السم السريع القتل. والممقر عند بعضهم: الشديد المرارة، وعند بعضهم: الشديد الحموضة، والمقر: الصبر. ويحتجن يحتكر ويحفى، وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله لأبى زبيد لها صواهل فى صم السلام كما ... صاح القسيات فى أيدى الصياريف كأنهم بأيدى القوم فى كبد ... طير تكشف عن جونٍ مزاحيف وصف مساحى. والسلام: الحجارة. والصياريف: الصيارفة، ثم شبه المساحى فى أيدى الحفارين الذى يحفرون قبر عثمان - رضى الله عنه - بطير تطير عن إبل جونٍ مزاحيف. والجون: السود. والمزاحيف: المعيية، وإنما جعلها جوناً لأنهم حفروا له فى حرةٍ، فشبه الحرة بالإبل السود. وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: سألت عبد الرحمن يوما فقلت له: إن رأيت أن تنشدنى من أرق ما سمعته من عمك من أشعار العرب! فضحك وقال: والله لقد سألت عمى عن ذلك فقال: يا بنى، وما نصع برقيق أشعارهم؟ فو الله إنه ليقرح القلوب، ويحث على الصبابة، ثم أنشدنى للعلاء بن حذيفة الغنوى يقولون من هذا الغريب بأرضنا ... أما والهدايا إننى لغريب غريب دعاه الشوق واقتاده الهوى ... كما قيد عود بالزمام أديب وماذا عليكم إن أطاف بأرضكم ... مطالب دينٍ أو نفته حروب أمشى بأعطان المياه وابتغى ... قلائص منها صعبة وركوب فقلت: أريد أحسن من هذا، فأنشدنى لعمرى لئن كنتم على النأى والغنى ... بكم مثل ما بى إنكم لصديق فما ذقت طعم النوم منذ هجرتكم ... ولا ساغ لى بين الجوانح ريق إذا زفرات الحب صعدن فى الحشا ... كررن فلم يعلم لهن طريق قال أبو على: يقرح: يجرح، قال (المتنخل) الهذلى لا يسلمون قريحاً حل وسطهم ... يوم اللقاء ولا شوون من قرحوا أى جرحوا، وقرأ أبو عمرو: (إن يمسسكم قرح) وقال: الفرح: الجراح، والقراح كأنه ألم الجراح. وأطاف: ألم. وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه قال: أنشدتنى عشرقة المحاربية - وهى عجوز حيزبون زولة - جريت مع العشاق فى حلبة الهوى ... ففقتهم سبقاً وجئت على رسلى فما لبس العشاق من حلل الهوى ... ولا خلعوا إلا الثياب التى أبلى ولا شربوا كأساً من الحب مرةً ... ولا حلوةً إلا شرابهم فضلى قال أبو على: قال أبو بكر: التى فيها بقية من الشباب. والزولة: الظريفة، والزول: الظريف، وقوم أزوال، والزول أيضاً: الداهية، والزول: العجب، وقال لى غير أبى بكر: الحيزبون: العجوز ولم يحد لها وقتاً، وأنشدنى أبو المياس للقطامى إلى حيزبونٍ توقد النار بعد ما ... تلفعت الظلماء من كل جانب وأنشدنى أبو عمرو عن أبى العباس عن ابن الأعرابى لقد علمت سمراء أن حديثها ... نجيع كما ماء السماء نجيع إذا أمرتنى العاذلات بصرمها ... هفت كبد عما يقلن صديع وكيف أطييع العاذلات وحبها ... يؤرقنى والعاذلات هجوع قال أبو على: أنشدنى ابن الأعرابى البيتين الأولين وأنشدنا أبو بكر بالإسناد الذى تقدم عن الأصمعى عن عشرقة البيت الثاني والثالث، وأنشدنا الأخفش على ابن سليمان قال: أنشدنى إبراهيم ابن المدبر لنفسه ما دمية من مرمرٍ صورت ... أو ظبية فى خمرٍ عاطف أحسن منها يوم قالت لنا ... والدمع من مقلتها ذارف لأنت احلى من لذيذ الكرى ... ومن أمانٍ ناله خائف فأنشدته قول الآخر الله يعلم والدنيا مولية ... والعيش متنقل والدهر ذو دول لأنت عندى وإن ساءت ظنونك بى ... أحلى من الأمن عند الخائف الوجل وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة المعروف بنفطويه، قال أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب:
أعلى ما ماء الفرات وبرده ... منى على ظمإ وفقد شراب بألذ منك وإن نأيت وقلما ... يرعى النساء أمانة الغياب وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله، قال أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعى لأبى نخيلة: أمسلم إنى يا بن كل خليفةٍ ... ويا فارس الهيجا ويا قمر الأرض شكرتك إن الشكر حبل من التقى ... وما كل من أوليته نعمةً يقضى وألقيت لما أن أتيتك زائراً ... على لحافا سابغ الطول والعرض نوهت من ذكرى وما كان خاملاً ... ولكن بعض الذكر أنبه من بعض وحدّثنا على بن سليمان الأخفش، قال أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى، قال أنشدنى عبد الصمد بن العذل لمرّة: تمارضت كى أشجى وما بك علة ... تريدين قتلى قد رضيت بذلك لئت ساءنى أن نلتنى بمساءة ... لقد سرنى أنى خطرت ببالك وحدّثنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنا عبد الرحمن من عمه قال: قبل لكثير: مالك لا تقول الشعر، أبجلت؟ فقال: والله ما كان ذلك، ولكن فقدت الشباب فما أطرب، ورزئت عزة فما أنسب، ومات ابن ليلى فما أرغب؛ يعنى عبد العزيز بن مروان. قال أبو على: قوله: أجبلت أى انطقعت عن قول الشعر، أخذه من قولهم: أجبل الحافر إذا انتهى إلى جبلٍ فلم يمكنه الحفر. وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة المعروف بنطفويه النجوى يوم الأحد فى سوق الثلاثاء على باب الكلواذانى صاحب ديوان السواد لكثير: ألا تلك عزة قد أصبحت ... تقلب للهجر طرفاً غضيضا تقول مرضنا فما عدتنا ... وكيف يعود مريض مريضا وأنشدنا أبو بكر بن دريد - رحمه الله - عن عبد الرحمن عن عمه لأعرابى: إذا وجدت أوار الحب فى كبدى ... أقبلت نحو سقاء القوم أبترد هذا بردت ببرد الماء ظاهره ... فمن لحر على الأحشاء يتقد وحدثنا أبو الحسن جحظة البرمكى عن حماد بن إسحاق الموصلىّ وحدثنا أبو بكر بن الأنبارى قال حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب النحوى قال حدثنا حماد عن أبيه قال: دخلت يوما على الرشيد فقال لى: يا إسحاق أنشدنى شيئاً من شعرك، فأنشدته: وآمرةٍ بالبخل قلت لها اقصرى ... فذلك شىء ما إليه سبيل أرى الناس خلان الجواد ولا أرى ... بخيلاً له فى العالمين خليل ومن خير حالات الفتى لو علمته ... إذا نال شيئاً أن يقال بخيل فغنى رأيت البخل يزرى بأهله ... فأكرمت نفسى أن يقال بخيل عطائى عطاء المكثرين نجملاً ... ومالى كما قد تعلمين قليل وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأى أمير المؤمنين جميل فقال: لا كيف إن شاء الله، يا فضل، أعطه مائة ألف درهم، ثم قال: لله درّ أبيات تأتينا بها يا إسحاق، ما أتقن أصولها، وأحسن فصولها! - وزاد جحظة - وأقل فضولها، فقلت: كلامك يا أمير المؤمنين أحسن من شعرى، فقال: يا فضل، أعطه مائة ألف أخرى، فكان أول مال اعتقدته. وحدّثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن من عمه قال: نظر أعرابى إلى قوم يلتمسون هلال شهر رمضان فقال: والله لئن أثرتموه لتمسكن منه بذنابى عيشٍ أغبر. وأنشدنا أبو بكر بن أبى الأزهر مستملى أبى العباس المبرد وحدثنا الأخفش وابن السراج وغير واحد من أصحاب المبرد قالوا كلهم: أنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا الزيادى لأعرابى هذه الأبيات وكان يتحسنها: ما لعينى كحلت بالسهاد ... ولجنبى نابياً عن وسادى لا أذوق النوم إلا غراراً ... مثل حسو الطير ماء الثماد ابتغى إصلاح سعدى بجهدى ... وهي تسعى جهدها فى فسادى فتتاركنا على غير شىءٍ ... ربما أفسد طول التمادى وقرأت على أبى بكر بن دريد رحمه الله تعالى أقول لصاحبى والعيس تحدى ... بنا بين المنيفة فالضمار تمتع من شميم عرار نجدٍ ... فما بعد العشية من عرار ألا يا حبذا نفحات نجدٍ ... وريا روضه بعد القطار وأهلك إذ يحل الحى نجدا ... وأنت على زمانك غير زارى شهور ينقضين وما شعرنا ... بأنصافٍ لهن ولا سرار وأنشدنا الأخفش للعطوى يرثى أخاه لقد باكرته بالملام العواذل ... فما رقأت منه الدموع الهواطل أيقنى جميل الصبر من هد ركنه ... وهيض جناحاه وجد الأنامل أمن بعد ما ذاق المنية أحمد ... تطيب لنا الدنيا وتصفو المناهل كأن لم يكن لى خير خل وصاحبٍ ... وخير خطيب تتقيه المقاول كأن أبا العباس لم يلق ضيفه ... ببشرٍ ولم يرحل بجدواه راحل وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوى، قال أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب لابن أبى مرة المكى إن وصفونى فناحل الجسد ... أو فتشونى فأبيض الكبد أضعف وجدى وزاد فى سقمى ... أن لست أشكو الهوى إلى أحد آه من الحب آه من كمدى ... إن لم أمت فى غدٍ فبعد غد جعلت كفى على فؤادى من ... حر الهوى وانطويت فوق يدى كأن قلبى إذا ذكرتكم ... فريسة بين ساعدى أسد بدى بحبل الهوى معلقة ... فإن قطعت الهوى قطعت يدى وأنشدنى جمعة من أصحاب أبى العباس المبرد منهم ابن السراج وابن درستويه والأخفش قالوا: أنشدنا أبو العباس قال أنشدنا بعض البصريين، وأنشدنا أيضاً أبو بكر بن الأنبارى عن المظفر: هل من جوى الفرقة من واقى ... أم هل لداء لحب من راقى أم من يداوى زفرات الهوى ... إذ جلن فى مهجة مشتاق يا كبدا أفنى الهوى جلها ... من بعد تلذيع وإحراق حتى إذا نفسى ساعةً ... كرت يد البين على الباقى قال أبو على: البيتان الأولان رواهما أبو بكر بن الأنبارى خاصةً، وشارك أصحاب أبى العباس فى رواية البيتين الأخرين، وأنشدنى أبو بكر بن دريد لأعرابى: وإنى لأهواها وأهوى لقاءها ... كما يشتهى الصادى الشراب المبردا علاقة حب لج فى زمن الصبا ... فأبلى وما يزداد إلا تجددا وأنشدنا أبو بكر بن دريد لنفسه: لئن لا بك الوصب المؤلم ... ونفسك من صرفه تسلم لئن نال جسمك نهك الضنى ... لقد ضنى السودد الأعظم فحاشاك من سقمٍ عارضٍ ... ولكن أكبادنا تسقم فأنت السماء التى ظلها ... إذا زال أعقبه الصيلم وأنت الصباح الذى نوره ... بله يتجلى الحادث المظلم وأنت الغمام الذى سببه ... ينأل الثراء به المعدم يخاطب عنك لسان العلا ... إذا ذكر المفضل المنعم فمن نال من كرمٍ رتبةً ... فيومك من دهره أكرم إذا ما تخطاك صرف الردى ... فركن المكارم لا يهدم فبالله أقسم رب الورى ... ولله غاية ما يقسم لو أن السماء حمت قطرها ... لكن حيا سببه مثجم قال أبو على: يقال: أنجمت السماء وأغبطت وألثت وألظت إذا دام مطرها ولم ينطقع؛ وفى الحديث: " ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام " أيى ألزموا هذه الدعوة؛ وأغضنت وأدجنت. فإذا أقلعت قيل: أنجمت وأفصت وأفصمت؛ ومنه أقصى الشاعر إذا انقطع عن قول الشعر، وأفصت الداجة إذا انقطع بيضها. ويقال: أصفت الدجاجة وأسفى فى الشعر، وهو من المقلوب. وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه عن أبى عمرو بن العلاء قال: رأيت باليمن غلاما من جرمٍ ينشد عنزا، فقلت: صفها يا غلام؛ قال: حسراء مقبلة، شعراء مدبرة، ما بين غثرة الدهسة، وقنوء الدبسة؛ سجحاء الخدين، خطلاء الأذنين، فشقاء الصورين؛ كأن زنمتيها تتوا قلنسية، يا لها أم عيال، وثمال مال. قول ينشد: يطلب، والناشد: الطالب، يقال: نشدت الضالة، فأنا أنشدنا إذا طلبتها. وأنشدتها: عرفتها، فأنا منشد، وأنشدنى أو بكر بن دريد: يصيخ للنبأة أسماعه ... إصاخة الناشد للمنشد
وقوله: حسراء مقبلة، يعنى أنها قليلة شعر المقدم، قد انحسر شعرها، وشعراء مدبرة، يعنى أنها كثيرة شعر المؤخر. والغثرة: غبرة كدرة. والدهسة: لو كلون الدهاس، قال الأصمعى: والدهاس من الرمل: كل لين لا يبلغ أن يكون رملا وليس بتراب ولا طين، قال ذو الرمة يذكر فراخ النعام جاءت من البيض زعراً لا لباس لها ... إلا الدهاس وأم برة وأب وقال أبو زيد: الصدآء من المعز: السوداء المشربة حمرةً. والدهاء أقل منها حمرةً. والقنوء: شدة الحمرة: والعرب تقول: أحمر قانى، وقد قنا يقنأ قنواً، وأحمر ذريحى وأحمر باحرى وبحرانى وقاتم: أيى شديد الحمرة. وناصع، والناصع: الخالص من كل لون. ويانع وناكع بين النكعة. وقال ابن الأعرابى: ويقال: أحمر كالنكعة، وهو ثمر النقاوى وهو كالنبقة، وأنشد: إليكم لا تكون لكن خلاة ... ولا نكع النقاوى إذ حالا وقال أبو عبيدة: قال أعرابى يقال له أبو مرهب لآخر: قبح الله نكعة أنفك كأنها نكعة الطرثوث، يريد حمرة أنفه. ونكعة الطرثوث: رأسه، وهو نبت يشبه القثاء. وقال ابو عمرو الشيبانى: وأحمر نكع، وهو الذى يخالط حمرته سواد. وقال غيره: وأحمر سلغد، أى أشقر، وأحمر أسلغ وأحمر أقشر، وهو الشديد الحمرة الذى يتقشر وجهه وأنفه فى الحر، وأحمرعاتك وأحمر غضب، أي شديد الحمرة. وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى قال حدثنى أبو عثمان قال أخبرنى أبو محمد عبد الله بن هارون التوزى قال أخبرنى أبو عبيدة قال: تزوّج رجل من بنى عامر بن صعصعة امرأةً من قومه، فخرج فى بعض أسفاره ثم قدم وقد ولدت امرأته وكان خلفها حاملاً، فنظر إلى ابنه فإذا هو أحمر غضب، أزب الحاجبين، قدعاها وانتضى السيف وأنشأ يقول: لا تمشى راسى ولا تفلينى ... وحاذرى ذا الريق فى يمينى واقتربى دونك أخبرينى ... ما شأنه أحمر كالهجين خالف ألوان بنى الجون فقالت تجيبه: إن له من قبلى أجداداً ... بيض الوجوه كرماً أنجادا ما ضرهم إن حضروا مجادا ... أو كافحوا يوم الوغى الأندادا ألا يكون لونهم سوادا وأمر أكلف، وهو الكدر الحمرة، وأحمر فقاعى، وهو الذى يخلط حمرته بياض، وأحمر فرق وكالقرف، وهو الأديم الأحمر، وأنشدنا اللحيانى: أحمر كالقرف وأحوى أدعج قال: ويقال: إنه لأحمر كالصربة، والصربة: الصمغة الحمراء وجمعها صرب؛ وأحمر كالمصعة، وهو ثمر العوسج، وأبيض يقق ولهق وصرح ولياح ولياح ووابص وحضى وقهب، وهو الذى يخالط بياضه حمرة وقهد أيضا. وأسود حانك وحالك وحلكوك ومحلنكك ومحلولك وسحكوك ومسحنكك، قال الراجز: تضحك منى شيخة صحوك ... واستنوكت وللشباب نوك وقد يشيب الشعر السحكوك وحلبوب أيضا، قال الشاعر: أما ترينى اليوم نضوا خالصاً ... أسود حلبوبا وكنت وابصا والوابص: الذى بيص من شدة بياضه. وأسود فاحم: للشديد السواد، وهو مشتق من الفحم، ويحموم وحندس ودجوجى وخدارى وغدافى وغربيب ومدلهم وغيهم وغيهب. وأخضر ناضر وباقل ومدهام. واصفر فاقع وفقاعى، كما قالوا فى الأحمر: فقاعى ووارس وأرمك رادنى وأورق خطبانى إذا كان خالصاً. والأورق: الرماد، والورقة: لون الرماد، والأرمك، دون ذلك. والدبسة: حمرة يعلوها سواد، وقال أبوعبيدة: الدبسة: شقرة يعلوها سواد. وقوله: سجحاء الخدين، أى سهلة الخدين حسنتهما، ومن هذا قالوا: أسجح، أى أحسن، قال الشاعر: معاوى إننا بشر أسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديد أى أحسن وسهل. وخطلاء: طويلة الأذنين مضطربتهما، ومنه قبل لكلاب الصيد: خطل. وقوله: فشقاء، أيى منتشرة متباعدة. وقرأت على أبى بكر بن دريد لرؤبة: فبات والنفس من الحرص الفشق ... فى الزرب لو يمضغ شرياً ما بصق يقول: بات هذا الصائد فى الفترة، وهي الناموس والزرب أيضاً، وقد أبصر وحشا فانتشرت نفسه، فلو مضغ شربا ما بصق للا ينفر الوحش. والشرى: الحنظل. والصوران: القرنان، وأحدهما صور. وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى: نحن نطحناهم غداة الغورين ... بالضابحات فى غبار النقعين نطحا شديداً لا كنطح الصورين
والزنمتان: الهنيتان المتعلقتان ما بين لحيى العنز. والتتوان: ذؤابتا القلنسوة، وأحدهما تتوء. وفى القلنسوة لغات، يقال: قلنسوة وقلنسية وقلنساة وقلساة؛ وقال أحمد بن عبيد: وقليسية تصغير قلساة، قال: وجمع قلساةٍ قلاسى؛ وحكى عن الزبيدى: ما أعجب هذه القلاسى التى أراها على رءوسكم، وروى أبو عبيدة عن الأصمعى وأبى زيد: قليسية وجمعها قلاسٍ؛ وقرأت على أبى بكر بن الأنبارى فى " الغريب المصنف " قال أنشدنا أبو زيد: إذا ما القلاسى والعمائم أخنست ... ففيهن عن صلع الرجال حسور وقوله: ثمال مال، أى أصل مال، والثميلة: ما يبقى فى بطن البعير من العلف. وقيل لأعرابى: أشرب؛ فقال: إنى لا أشرب إلا على ثميلة. وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: مررت بحمى الربذة فإذا صبيان يتقامسون فى الماء وشاب جميل الوجه ملوح الجسم قاعد، فسلمت عليه، فرد على السلام وقال: من أين وضح الراكب؟ قلت: من الحمى، قال: ومتى عهدك به؟ قلت: رائحا؛ قال: وأين كان مبيتك؟ قلت: أدنى هذه المشاقر، فألقى نفسه على ظهره وتنفس الصعداء، فقلت: نفسأ حجاب قلبه، وأنشأ يقول: سقى بلداً أمست سليمى تحله ... من المزن ماتروى به وتسيم وإن لم أكن من قاطنيه فإنه ... يحل به شخص على كريم ألا حبذا من ليس يعدل قربه ... لدى وإن شط المزار نعيم ومن لا منى فيه حميم وصاحب ... فرد بغيظ صاحب وحميم ثم سكت سكتة كالمغمى عليه، فصحت بالأصبية، فأتوا بماء فصبيته على وجهه، فأفاق وأنشأ يقول: إذا الصب الغريب رأى خشوعى ... وأنفاسى تزين بالخشوع ولى عين أضر بها التفاتى ... إلى الأجراع مطلقة الدموع إلى الخلوات تانس فيك نفسى ... كما أنس الوحيد إلى الجميع قولهك يتقامسون: يتغاطون، يقال: فمسته فى الماء ومقلته وغمسته وغططته. وقال لى أبو بكر ابن دريد رحمه الله تعالى: المشاقر: منابت العرفج، وقال غيره: المشاقر: الرمال، وأحدها مشقر، وأنشدنى لذى الرمة: كأن عرى المرجان منها تعلقت ... على أم خشف من ظباء المشاقر وقوله: تفسأ حجاب قلبه، يقال: تفسأ الثوب وتهما إذا تشقق، وتهتأ إذا انشق من البلى، ويقال: تسلسل الثوب وأسمل وجرد وانجرد وأسحق وأنهج ومح وأمح وهمد: كله إذا أخلق. والسمل والجرد والسحق والنهج: الخلق، قال ذو الرمة: قف العنس فى أطلال مية فاسأل ... رسوماً كأخلاق الرداء المسلسل وقال كثير: فأسحق برداه ومح قميصه ... فأثوابه ليست لهن مضارج وقال العجاج: ما هاج أحزاناً وشجوا قد شجا ... من طللٍ كالأيحمى أنهجا وقال الأعشى: قالت قتيلة ما لجسمك شاحباً ... وأرى ثيابك بالياتٍ همدا والحشيف: الخلق أيضاً، قال الهذلى: أتيح لها أقيدر ذو حشيفٍ ... إذا سامت على الملقات ساما وكذلك الدرس والدريس، قال المتنخل: قد حال دون دريسيه مؤوبة ... نسع لها بعصاه الأرض تهزيز مؤوبة: ريح جاءت مع الليل. ونسع ومسع: اسم من أسماء الشمال. والهدمل: الثوب الخلق، قال تأبط شراً: نهضت إليها من جثومٍ كأنها ... عجوز عليها هدمل اذت خيعل والهدم: الخلق، قال الكميت: فأصبح باقى عيشنا وكأنه ... لواصفه هدم الخباء المرعبل إذا حيص منه جانب راع جانب ... بفتقين يضحى فيهما المتظلل والمرعبل: الممزق. وحيص: خيط. والطمر: الخلق. وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله عن أبيه عن أحمد بن عبيد لشاعر قديم: وعاذلةٍ هبت بليلٍ تلومنى ... ولم يغتمرنى قبل ذاك عذول تقول اتئد لا يعدك الناس مملقاً ... وتزرى بمن يا بن الكرام تعول فقلت أبت نفس على كريمة ... وطارق ليلٍ غير ذاك يقول ألم تعلمى يا عمرك الله أننى ... كريم على حين الكرام قليل وإنى لا أخرى إذا قيل مملق ... سخى وأخرى أن يقال بخيل فلا تتبعى العين الغوية وانظرى ... إلى عنصر الأحساب أين يؤول ولا تذهبن عيناك فى كل شرمحٍ ... له قصب جوف العظم أسيل إذا كنت فى القوم الطوال فضلتهم ... بعارفةٍ حتى يقال طويل ولا خير فى حسن الجسوم وطولها ... إذا لم يزن حسن الجسوم عقول وكائن رأينا من فروعٍ طويلة ... تموت إذا لم يحيهن أصول فإن لا يكن جسمى طويلاً فإننى ... له بالفعال الصالحات وصول ولم أر كالمعروف أما مذاقه ... فحلو وأما وجه فجميل قال أبو على: الشرمح: الطويل، وكذلك الشوقب. وقال أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله تعالى: العارفة: النفس الصابرة. وأنشدنا بعض أصحابنا لعلى بن العباس الرومى: وذخرته للدهر أعلم أنه ... كالحصن فيه لمن يؤول مآل ورأيته كالشمس إن هى لم تنل ... فضياؤها والرفق منه ينال وأنشدنى أيضاً مثل هذا المعنى لسعيد بن حميد الكاتب: أهاب واستحبى وأقرب وعده ... فلا هو يبدانى ولا أنا أسأل هو الشمس مجراها بعدي وضوءها ... قريب وقلبى بالبعيد موكل وحدثنا أبو بكر بن دريد الأزدى قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: رأيت بالبادية امرأة على راحلة لها تطوف حول قبر وهى تقول: يا من بمقلته زها الدهر ... قد كان فيك تضاءل الأمر زعموا قتلت وما لهم خبر ... كذبوا وقبرك ما لهم عذر يا قبر سيدنا المجن سماحةً ... سلى الإله عليك يا قبر ما ضر قبرا فيه شلوك ساكن ... ألا يمر بأرضه القطر فلينبعن سماح جودك فى الثرى ... وليورقن بقربك الصخر وإذا غضبت تصدعت فرقاً ... منك الجبال وخافك الذعر وإذا رقدت فأنت منتبه ... وإذا انتبهت فوجهك البدر والله لو بك لم أدع أحداً ... إلا قتلت لفاتنى الوتر قال: فدنوت منها لأسألها عن أمرها فإذا هي ميتة. وأنشدنا الأخفش قال: أحمد بن يحيى ومحمد بن الحسن: لله در ثقيفٍ أي منزلةٍ ... حلوا بها بين سهل الأرض والجبل قوم تخير طيب العيش رائدهم ... فأصبحوا يلحفون الأرض بالحلل ليسوا كمن كانت الترحال همته ... أخبث بعيش على حل ومرتحل وقرأت على أبى بكر بن دريد لبعض الأعراب: سأشكر عمرا إن تراخت منبتى ... أيادى لم تمنن وإن هى جلت فتى غي رمحجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت رأى خلتى من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلت وأنشدنا الأخفش أيضاً قال أنشدنا بعض أصحابنا: فما تزود مما كان يجمعه ... إلا جنوحاً غداة البين مع خرق وغير نفحة أعوادٍ شبين له ... وقل ذلك من زادٍ لمنطلقٍ لا تأسين على شيء فكل فتىً ... إلى منيته يستن فى نق بأيما بلدةٍ تقدر منيته ... إلا يسارع إليها طائعاً يسق وأنشدنى أبو بكر التاريخى للبحترى: دنوت تواضعاً وبعدت قدراً ... فشأناك انحدار وارتفاع كذاك الشمس يبعد أن تسامى ... ويدنو الضوء منه والشعاع وأنشدنى أبو بكر بن دريد - رحمه الله - لبعض الأعراب: إنى حمدت بنى شيبان إذ خمدت ... نيران قومى وشبت فيهم النار ومن تكرمهم فى المحل أنهم ... لا يعرف الجار فيهم أنه جار حتى يكون عزيزاً من نفوسهم ... أو أن يبين جميعاً وهو مختار كأنه صدع فى رأس شاهقةٍ ... من دونه لعتاق الطير أوكار وأنشدنى أيضاً: نزلت على آل المهلب شاتيا ... غريباً عن الأوطان فى زمن المحل فما زال بى إكرامهم وافتقادهم ... وإلطافهم حتى حسبتهم أهلى قال أبو على: ويروى: واقتفاؤهم، وهو الإيثار.
وحدثنا أبو بكر قال حدثنى عمى عن أبيه عن ابن الكلبى قال: ابتاع شاب من العرب فرسا، فجاء إلى أمه وقد كف بصرها، فقال: يا أمى، إنى قد اشتريت فرسا، فقالت: صفه لى، قال: إذا استقبل فظبى ناصب، وإذا استدبر فهقل خاضب، وإذا استعرض فسيد قارب؛ مؤلل المسمعين، طامح الناظرين، مذعلق الصبيين؛ قالت: أجودت إن كنت أعربت؛ قال: إنه مشرف التليل، سبط الخصيل، وهواه الصهيل؛ قالت: أكرمت فارتبط. قال أبو على: الناصب الذى نصب عنقه وهو أحسن ما يكون. والهقل: الذكر من النعام، والأنثى هقلة. والخاضب: الذى أكل الربيع فاحمرت طنبوباه وأطراف ريشه. والسيد: الذئب. ومؤلل: محدد، والألة: الحربة، وجمعها إلال. والإل: العهد، والإل: القرابة، قال حسان بن ثابت رضى الله عنه: لعمرك إن إلك من قريش ... كإل السقب من رأل النعام والإل: الله تبارك وتعالى، وفى حديث أبى بكر رضى الله عنه: " هذا كلام لم يخرج من إل " ومنه قولهم: جبرئل، والأل: الأول، وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله: لمن زحلوقة زل ... بها العينان تنهل ينادى الآخر الأل ... ألا حلوا ألا حلوا الزحلوقة: آثار تزلج الصبيان من فوق إلى أسفل؛ وأهل العالية يقولون زحلوقة بالفاء؛ وتميم يقولون زحلوقة بالقاف. والأل: السرعة، أنشدنا يعقوب: مهرب أبى الحبحاب لا تشلى ... بارك فيك الله من ذى آل وطامح: مشرف. وقال قطرب بن المستنير: الذعلوق: نبت يشبه الكراث يلتوى، وهو طيب للأكل. والصبيان: مجتمع لحييه من مقدمهما؛ وقال أبو عبيدة: الصبيان: العظمان المنحنيان من حرفى وسط المحبين من ظاهرهما عليهما لحم. والتليل: العنق. والخصيل: كل لحمة مستطيلة وجمعها خصائل؛ وقال أبو عبيدة: الخصيلة: كل ما أنماز من لحم الفخذ بعضه من بعض. والوهوهة: صوت يقطعه. وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: وصف أعرابى نساء فقال: يلتئمن على السبائك، ويتشحن على النيازك، ويأتزرن على العوانك، ويرتفقن على الأرائك، ويتهادين على الدرانك؛ ابتسامهن وميض، عن وليع كالاغريض؛ وهن إلى الصباصور، وعن الخنانور. قال أبو زيد: اللثام على الفم. واللفام على طرف الأنف، يقال: تلثمت المرأة وتلقمت المرأة. والسبائك ها هنا: الأسنان، شبهها لبياضها بالسبائك. والنيازك، وأحدها نيزك، وهو الرمح القصير. والعوانك، وأحدها عانك، وهو رمل منعقد يشقى فيه البعير لا يقدر على السير، فيقال حينئذ: قد اعتنك. والأرائك: السرر، وأحدها أريكة، وقال قوم: الفرش. ويتهادين: يمشين مشيا ضعيفا، قال الأعشى: تهادى كما قد رأيت البهيرا والدرانك: الطنافس، وأحدها درنوك. والوميض: اللمعان الخفى. والإغريض والوليع: الطلع. وصور: موائل، ومه قبل للمائل العنق: أصور. ونور: نفر من الريبة، وأحدها نوار. وأنشدنا أبو بكر بن دريد فيما أملاه علينا من معانى الشعر: إذا ما اجتلى الرانى اليها بطرفة ... غروب ثناياها أنار وأظلما الغروب: حد الأسنان، وأحدها غرب. والرانى: المديم النظر. وقوله: أنار وأظلم، أى أصاب ضوءاً وظلماً. والظلم: ماء الأسنان. وأنشدنا أبو بكر قال: أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لأعرابى: أيا عمرو كم من مهرةٍ عربيةٍ ... من الناس قد بليت بوغدس يقودها يسوس وما يدرى لها من سياسةٍ ... يريد بها أشياء ليست تريدها مبتلة الأعجاز زانت عقودها ... بأحسن مما زينتها عقودها خليلى شدا بالعمامة وآخز ما ... على كبد قد بان صدعاً عمودها خليلى هل ليلى مؤدية دمى ... إذا قتلتنى أو أمير يقيدها وكيف تفاد النفس بالنفس لم تقل ... قتلت ولم يشهد عليها شهودها ولن يلبث الواشون أن يصدعوا العصا ... إذا لم يكن صلباً على البرى عودها نظرت إليها نظرة ما يسرنى ... بها حمر أنعام البلاد وسودها ولى نظرة بعد الصدود من الهوى ... كنظرة ثكلى قد أصيب وحيدها فحتى متى هذا الصدود إلى متى ... لقد شف نفسى هجرها وصدودها فلو أن ما أبقيت منى معلق ... بعود ثمام ما تأود عودها ومما اخترته ودفعته إلى أبى بكر فقرأه على: يلقى السيوف بوجهه وبنحره ... وييم هامته مقام المغفر ويقول للطرف اصطبر لشبا القنا ... فعقرت ركن المجد إن لم تعقر وإذا تأمل شخص ضيف مقبل ... متسربل أثواب عيشٍ أغبر أوما إلى الكرماء هذا طارق ... نحرتنى الأعداء إن لم تنحرى وأنشدنا أبو عبد الله قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوى: لقد هزئت منى ينجران أن رأت ... مقامى فى الكبلين أم أبان كأن لم ترى قبل أسيرا مقيدا ... ولا رجلاً يرمى به الرجوان خليلى ليس الرأى فى صدر واحد ... أشيرا على اليوم ما تريان أأركب صعب الأمر إن ذلوله ... ينجران لا يقضى لحين أوان وحدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنى عمى عن أبيه عن ابن الكبلى قال: مر منسر من العرب بغلام يرعى غنيمة له وبينه وبين أهله شعب أو نقب، فترك غنمه وأسند فى الجبل قأتى قومه فأنذرهم، فقالوا له: ما رأيت؟ قال: رأيت سبعة كالرماح، على سبعة كالقداح؛ غائرة العيون، لواحق البطون، ملس المتون؛ جريها انبتار، وتقريبها انكدار، وإرخاؤها استعار؛ وعهدى بهم قد لاذوا بالضلع، وكأنكم بغبارهم قد سطع؛ فلم يفرغ من كلامه حتى رأوا الغبرة فاستعدوا، وصادفهم القوم حاذرين فأدبروا عنهم. قال أبو على: المنسر: جماعة الخيل، والمنسر بكسر الميم: منقار الطائر، لأنه ينسر به، أى ينتف به، واحسب النسر من هذا، لأنه ينسر اللحم، أي ينتفه، قال الأصمعى: منسر فى الخيل والمنقار بكسر الميم، وتابعه على ذلك يعقوب؛ وقال الأصمعى: إنما سمى منسراً لأنه ينسر به كل ما مر به، أى ينتفه ويأخذه. والشعب أكبر من اللصب، وهو الشق فى الجبل. والنقب: الطريق فى الجبل، قال عمرو بن الأيهم التغلبىّ وتراهن شزبا كالسعالى ... يتطلعن من ثغور النقاب قال أبو على: الأنبتار: الشدة فى العدو، لأنه انقطع عنالتقريب والإرخاء. وانكدار: انفعال من قولهم: انكدر إذا أسرع بعض الإسراع. والتقريب تقريبان، فالتقريب الأدنى أن يجمع يديه ورجليه عند الخضر، والتقريب الأعلى أن يجمع يديه مع رجليه ويحزئل متنه، وهذا هو الإرخاء الأدنى؛ فأما الارخاء الأعلى، فهو أن يدعه وسومه من الخضرن والضلع: الجبيل الصغير. وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله: ولست بصادرٍ عن بيت جارى ... صدور العير عمره الوروده ولست بسائل جارات بيتى ... أغياب رجالك أم شهود ولا ألقى لذى الودعات سوطى ... لألهيه وربيته أريد أى لا أصدر عن بيت جارى مثل العير الذى قد تغمر، أى لم يرو وفيه حاجة إلى العودة، يقول: فأنا لا آتى بيت جارى هكذا أريد الريبة. وذو الودعات: الصبى، يقول: لا ألهى الصبى بالسوط وأخلو أنا بأمه. ومثله قول مسكين الدارمى: لا آخذ الصبيان ألثمهم ... والأمر قد يغزى به الأمر قال أبو على: وحدثنى محمد بن السرى وابن درستويه والأخفش قالوا حدثنا أبو العباس محمد ابن يزيد قال أخبرنا عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير قال: وقع بين أعمامى وأخوالى لحاء فى أرضٍ، فتراضوا عند حاكم لهم بشيخ منهم ورضوا بيمينه مع الشهادة، فكان إذا استحلف بالمشى إلى مكة حلف بالمشى إلى جدة، وإذا استحلف بطلاق امرأة حلف بطلاق أربع، وإذا استحلف بعناق عبد حلف بعناق مائة، وكنت أحب أن يظهر أعمامى على أخوالى فظهروا عليهم، فقلت: لا شىء يدفع حق خصيمٍ شاغبٍ ... إلا كحلف عبيدة بن سميدع يمضى اليمين على اليمين لجاجة ... عض الجموح على اللجام المقدع وإذا يذكر حلفةً أصغى لها ... وإذا يذكر بالتقى لم يسمع سهل اليمين إذا أردت يمينه ... بخدائع السفراء غير مخدع يهتز حين تمر حجةً خصمه ... خوف الهضيمة كاهتزاز الأشجع يغشى مضرته لنفع صديقه ... ما خير ذى حسب إذا لم ينفع وقرىء على أبى بكر بن دريد - وأنا أسمع - لرجل ذكر دارا ووصف ما فيها فقال: إلا رواكد بينهن خصاصة ... سفع المناكب كلهن قد اصطلى ومجوفات قد علا أجوازها ... أسآر جردٍ مترصات كالنوى رواكد: ثوابت، يعنى أثافى. والخصاصة: الفرجة. والسفعة: سواد تعلوه حمرة. ومجوفات يعنى نعاما، والتجويف: أن يبلغ البيضا البطن. وقوله: علا أجوازها، أي علا التجويف أوساطها. وأسآر: بقايا، الواحد سؤر. وجرد: خيل قصار شعر الأبدان، واحدتها جرداء، وذلك من عتقها، يقول: قد طردت الخيل هذه النعام فقتلت بعضها وبقى بعض، فهذه البقايا بقايا هذه الخيل. ومترصات: محكمات. كالنوى، أى صلاب، ويجوز أن يكون فى صمرهن. وحدثنا أبو عبد الله نفطويه قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوى قال أخبرنا الزبير قال أخبرنا عبد الملك قال: قالى لى أبو السائب: يا بن أخى، أنشدنى للأحوص؛ فأنشدته قوله: قالت وقلت تحرجى وصلى ... حبل امرىء بوصالكم صب صاحب إذا بعلى فقلت لها ... الغدر شىء ليس من ضربى ثنتان لا أدنة لوصلهما ... عرس الخليل وجارة الجنب أما الخليل فلست فاجعه ... والجار أوصانى به ربى عوجا كذا نذكر لغانيةٍ ... بعض الحديث مطيكم صحبى وتقل لها فيم الصدود ولم ... نذنب بل أنت بدأت بالذنب إن تقبلى نقبل وننزلكم ... منا بدار الود والرحب أو تدبرى تكدر معيشتنا ... وتصدعى متلائم الشعب فقال لى: يا بن أخى، هذا المحب عينا لا الذى يقول: وكنت إذا حبيب رام صرمى ... وجدت وراى منفسحا عريضا اذهب، فلا صحبك الله ولا وسع عليك. قال أبو على اسمعيل بن القاسم البغدادى: وأخبرنا أبو بكر قال أخبرنا السكن بن سعيد قال أخبرنا على بن نصر الجهضمى قال: دخل كثير على عبد الملك بن مروان رحمه الله، فقال عبد الملك بن مروان: أأنت كثير عزة؟ قال: نعم؛ قال: أن تسمع بالمعيدى خير من أن تراه؛ فقال: يا أمير المؤمنين، كل عند محله رحب الفناء، شامخ البناء، عالى السناء؛ ثم أنشأ يقول: ترى الرجل النحيف فتردريه ... وفى أثوابه أسد هصور ويعجبك الطرير إذا تراه ... فيخلف ظنك الرجل الطرير بغاث الطير أطولها رقابا ... ولم تطل البزاة ولا الصقور خشاش الطير أكثرها فراخا ... وأم الصقر مقلات نزور ضعاف الأسد أكثرها زئيرا ... وأصرمها اللواتى لا تزير وقد عظم البيعر بغير لب ... فلم يستغن بالعظم البعير ينوخ ثم يضرب الهراوى ... فلا عرف لديه ولا نكير يقوده الصبى بكل أرض ... وينخره على الترب الصغير فما عظم الرجال لهم بزينٍ ... ولكن زينهم كرم وخير فقال عبد الملك: لله دره، ما أفصح لسانه، وأضبط جنانه، وأطول عنانه! والله إنى لأظنه كما وصف نفسه. وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه وأبو الحسن الأخفش وأبو بكر بن دريد - الألفاظ مختلطة - لعبد الله بن سبرة الحرشى وكانت قطعت يده فى بعض غزواته الروم، فقال يرثيها: ويل أم جارٍ غداة الروع فارقنى ... أهون على به إذ بان فانقطعا يمنى يديى غدت منى مفارقة ... لم أستطع يوم فلطاس لها تبعا وما ضنت عليها أن أصاحبا ... لقد حرصت على أن نستريح معا وقائل غاب عن شأنى وقائلةٍ ... هلا اجتنبت عدو الله إذ صرعا وكيف أركبه يسعى بمنصله ... نحوى وأعجز عنه بعد ما وقعا ما كان ذلك يوم الروع من خلقى ... ولو تقارب منى الموت فاكتنعا ويل أمه فارسا أجلت عشيرته ... حامى وقد ضيعوا الأحساب فارتجعا يمشى إلى مستميت مثله بطلٍ ... حتى إذا أمكنا سيفهما امتصا كل ينوء بماضى الحد ذى شطب ... جلى الصيافل عن ذريه الطبعا حاشيته الموت حتى اشتف آخره ... فما استكان لما لاقى ولا جزعا كأن لمته هداب محملة ... أحم أزرق لم يشمط وقد صلعا فإن يكن أطربون الورم قطعها ... فقد تركت بها أوصاله قطعا وإن يكن أطربون الورم قطعها ... فإن فيها بحمد الله منتفعا بنانتين وجذموراً أقيم بها ... صدر القناة إذا ما آنسوا فزعا قال أبو على: الجدمور: الأصل، ويقال: أخذت الشىء بجذاميره. وأنشدنا إبراهيم قال أنشدنا أحمد بن يحيى قال: أنشدنا الزبير لجرير الديلى: كأنما خلقت كفاه من حجرٍ ... فليس بين يديه والندى عمل يرى التيمم فى بر وفى بحرٍ ... مخافةً أن يرى فى كفه بلل وحدثنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبى عبيدة عن يومس قال: كنت عند أبى عمرو بن العلاء فجاءه شبيل بن عروة الضبعى، فقام إليه أبو عمرو فألقى إليه لبدة بغلته، فجلس عليها ثم أقبل عليه يحدثه فقال شبيل: يا أبا عمرو، سألت رؤبتكم هذا عن اشتقاق اسمه فما عرفه، قال يونس: فلما ذكر رؤبة لم أملك نفسى، فزحفت إليه فقلت: لعلك تظن أن معد بن عدنان أفصح من رؤبة وأبيه، فأنا غلام رؤبة، فما الروبة والروبة والروبة والروبة والرؤبة؟ فلم يحر جواباً وقام مغضبا؛ فأٌبل على أبو عمرو بن العلاء وقال: هذا رجل شريف يقصد مجالسنا ويقضى حقوقنا وقد أسأت فيما واجهته به؛ فقلت: لم أملك نفسى عند ذكر الرؤبة؛ ثم فسر لنا يونس فقال: الروبة: خميرة اللبن. والروبة: قطعة من الليل. وفلان لا يقوم بروبة أهله، أي بما أسندوا إليه من أموالهم ومن حوائجهم، والروبة: حمام ماء الفحل. والرؤبة مهموزة: القطعة تدخلها فى الإناء تشعب بها الإناء. وأنشدنا أبو بكر رحمه الله تعالى عن أبى حاتم عن الأصمعى وأبى عبيدة للأحيمر أحد لصوص بنى سعد: وقالت أرى ربع القوام وشافها ... طويل القناة بالضحاء تؤوم فإن أك قصدا فى الرجال فإننى ... إذا حل أمر ساحتى لحسيم وزادنى أبو عبيدة بعد هذين البيتين: تعيرنى الإعدام والبدو معرض ... وسيقى بأموال التجار زعيم قال: ثم تاب فقال: أشكو إلى الله صبرى عن زواملهم ... وما ألاقى إذا مروا من الحزن قل للصوص بنى اللخناء يحتسبوا ... بز العراق وينسوا طرفة اليمن قرب ثوبٍ كريم كنت آخذه ... من القطار بلا نقد ولا ثمن وأنشدنا أبو بكر عن أبى حاتم عن الأصمعى وأنشدنى أيضاً الأخفش قال: أنشدنا بعض أصحابنا هذه الأبيات: حللنا آمنين بخير عيشٍ ... ولم يشعر بنا واشٍ بكيد ولم نشعر بجد البين حتى ... أجد البين سيار عنود وحتى قيل قوض آل بشرٍ ... وجاءهم بينهم البريد وأبرزت الهوادج ناعماتٍ ... عليهن المجامد والعقود فلما ودعونا واستقلت ... بهم قلص هواديهن قود كتمت عواذلى ما فى فؤادى ... وقلت لهن ليتهم بعيد فجالت عبرة أشفقت منها ... تسيل كأن وابلها فريد فقالوا قد جزعت فقلت كلا ... وهل يبكى من الطرب الجليد ولكنى أصاب سواد عينى ... عويد قذى له طرف حديد فقالوا ما لدمعهما سواء ... أكلتا مقلتيك أصاب عود لقبل دموع عينك خبرتنا ... بما جمجمت زفرتك الصعود فقم وانظر يزدك مطال شوقٍ ... هنالك منظر منهم بعيد
وحدثنا أبو معاذ عبدان الخولى المتطبب قال: دخلنا يوما بسر من رأى على عمرو بن بحر الجاحظ نعوده وقد فلج، فلما أخذنا مجالسنا أتى رسول المتوكل فيه فقال: وما يصنع أمير المؤمنين بشق مائل، ولعاب سائل؟ ثم أقبل علينا فقال: ما تقولون فى رجل له شقان: أحدهما لو غرز بالمسال ما أحس، والشق الآخر يمر به الذاب فيغوث، وأكثر ما أشكوه الثمانون؟ ثم أنشدنا أبياتا من قصيدة عوف بن محلم الخزاعى. قال أبو معاذ: وكان سبب هذه القصيدة أن عوفا دخل على عبد الله بن طاهر، فسلم عليه عبد الله فلم يسمع، فأعلم بذلك، فزعموا أنه ارتجل هذه القصيدة ارتجالا، فأنشده: يا بن الذى دان له المشرفان ... طرا وقد دان له المغربان إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت شمعى إلى ترجمان وبدلتنى بالشطاط انحنا ... وكنت كالصعدة تحت السنان وبدلتنى من زماع الفتى ... وهمتى هم الجبان الهدان وقاربت منى خطا لم تكن ... مقارباتٍ وثنت من عنان وأنشأت بينى وبين الورى ... عنانة من غير نسج العنان ولم تدع فى لمستمتع ... إلا لسانى وبحسبى لسان أدعو به الله وأثنى به ... على الأمير المصعبى الهجان فقربانى بأبى أنتما ... من وطنى قبل اصفرار لبنان وقبل منعاى إلى نسوة ... أوطنها حران والرقتان وقرأنا على أبى بكر بن دريد رحمه الله لذى الرمة: رمى الإدلاج أيسر مرفقيها ... بأشعث مثل أشلاء اللجام يقول:أدلج فأعيا،فاذا نام توسد يسرى ذراعي ناقته، فيعنى أن الإدلاج هو الذى فعل بها ذلك. وأشلا اللجام: بقاياه من حديده وسيوره، وينى بالأشعث: نفسه. وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابيا يصف خيلا فقال: سباط الخصائل، ظلماء المفاصل، شداد الأباجل، قب الأياطل، كرام النواجل. قال أبو على: الخصائل، واحدتها خصيلة، وهى كل قطعة من اللحم مستطيلة أو مجتمعة، وقال أبو عبيدة: الخصائل: ما أنماز من لحم الفخذ بعضه من بعض. وظماء: ضمر. والأباجل جمع أبجل، وهو من الفرس يمنزلة الأكحل من الإنسان، يريد أنها شداد القوائم. قب: ضمر. والأياطل جمع أيطل، والأيطل والإطل والصقل والقرب والكشح واحد. والنواجل جمع ناجلة. وهى التي نجلته، أى ولدته. وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابيا يصف إبلا فقال: إنها لعظام الحناجر، سباط المشافر، كوم بهازر، نكد خناجر؛ أجوافها رغاب، وأعطانها رحاب؛ تمنع من البهم، وتبذل للجمم. قال أبو على: الحناجر، واحدها حنجور وهو الحلقوم، والكوم جمع أكوم وكوماء، وهى العظام الأسئمة. والبهازر: العظام، واحدها بهزرة. والنكد: الغزيرة اللبن فى هذا الموضع، والنكد أيضاً: التى لا يبقى لها ولد. وقال الأصمعى: الصفى والخنجور واللهموم والرهشوش، كل هذه: الغزيرة اللبن. والرغاب: الواسعة. وأعطانها: مباركها عند الماء. والبهم جمع بهمة، وهو الشجاع الذى لا يدرى من أين يؤتى: من شدة بأسه. والجمم، واحدها جمة، وهم القوم يسألون فى الديات، وأنشدنا أبو بكر: وجمة تسألنى أعطيت ... وسائلٍ عن خبرٍ لويت وقلت لا أدرى وقد دريت وأنشدنى أبو بكر قال: أنشدنى الرياشى: لو قد تركتك لم تنخ بك جمة ... ترجو العطاء ولم يزرك خليل وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: قلت لأعرابى بحمى الربذة: ألك بنون؟ قال: نعم، وخالفهم لم تقم عن مثلهم منجبة، فقلت: صفهم لى، فقال: جهم وما جهم! ينضى الوهم، ويصد الدهم، ويفرى الصفوف، ويعل السيوف؛ قلت: ثم من؟ قال: غشمشم وما غشمشم! ماله مقسم، وقرنه مجرجم؛ جذل حكاك، ومدره لكاك؛ قلت: ثم من؟ قال: عشرب وما عشرب! ليث محرب، وسمام مقشب؛ ذكره باهر، وخصمه عاثر، وفناؤه رحاب، وداعيه مجاب؛ قلت كقصف لى نفسك، فقال: ليث أبو ريابل، ركاب معاضل، عساف مجاهل؛ حمال أبعاء، نهاض ببزلاء. قوله: ينضى: يهزل، والنضو: المهزول. والوهم: الضخم العظيم من الإبل، قال ذو الرمة:
كأنها جمل وهم وما بقيت ... إلا النحيرة والألواح والعصب ويصد: يكف. والدهم: العدد الكثير. ويفرى: يشق، يقال: فريت الشىء إذا شققته للإصلاح، وأفريته إذا قطعته للإفساد. ويعل: يوردها الدماء ثانية، مأخوذ من العلل فى الشرب. والمجرجم: المصروع. والجدل: أصل الشجرة، وذلك أن الإبل الجرب تحتك به فتجد له لذة، وإنما قال: جدل حكاك، أى أنه ممن يستشفى به فى الأمور بمنزلة ذاك الجدل الذى يستشفى به الإبل. والمدره: لسان القوم والمتكلم عنهم والدافع عنهم، يقال: درهته عنى ودرأته عنى: دفعته والتدرأ مثل المدره. واللكاك: الزحام؛ يقال: التك القوم على الماء إذا ازدحموا. والمحرب: المغضب الذى قد اشتد غضبه واحتد، وحربت السكين إذا أحددته. ومقشب: مخلوط. وباهر: غالب. وريابل جمع ريبال، وهو الأسد. قال أبو على: روينا: الريابل فى هذا الخبر غير مهموز،وروينا فى الغريب المصنف: الريابل واحدها ريبال يهمز ولا يهمز. والمعاضل: الدواهى. والعساف: الذى يركب الطريق على غير هداية. والأعباء: الأثقال، واحدها عبء. والبزلاء: الرأى الجيد الذى ينزل عن الصواب، أى الذى يشق عنه، قال الراعى: من رأي ذي بدواتٍ لا تزال له ... بزلاء يعيا بها الجثامة اللبد وحدثنا أبو عبد الله نفطويه قال حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوى قال: قدم علينا أعرابى فسمع غناء حمائم بستان إبراهيم بن المهدى، فاشتاق إلى وطنه فقال: أشاقتك البوارق والجنوب ... ومن علوى الرياح لها هبوب ائتك بنفحة من شيح نجد ... تضوع والعرار بها مشوب وشمت البارقات فقلت جيدت ... حبال البشر أو مطر القليب ومن بستان إبراهيم غنت ... حمائم بينها فنن رطيب فقلت لها وقيب سهام رامٍ ... ورقط الريش مطعمها الجنوب كما هيجت ذا حزنٍ غريبا ... على أشجانه فبكى الغريب وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال أنشدنى عمى عن أبيه عن ابن الكلبى لحجية بن المضرب يمدح يعفر ابن زرعة أحد الأملوك، أملوك ردمان: إذا كنت سألاً عن المجد والعلا ... وأين العطاء الجزل والنائل الغمر فنقب عن الأملوك واهتف بيعفر ... وعش جار ظلٍ لا يغالبه الدهر أولئك قوم شيد الله فخرهم ... فما فوقه فخر وإن عظم الفخر أناس إذا ما الدهر أظلم وجهه ... فأيديهم بيض وأوجههم زهر يصونون أحسابا ومجدا موثلا ... ببذل أكف دونها المزن والبحر سموا فى المعالى رتبةً فوق رتبةٍ ... أحلتهم حيث النعائم والنسر أضاءت لهم أحسابهم فتضاءلت ... لنورهم الشمس المنيرة والبدر فلو لامس الصخر الأصم أكفهم ... لفاضت ينابيع الندى ذلك الصخر ولو كان فى الأرض البسيطة منهم ... لمختبط عاف لما عرف الفقر شكرت لكم آلاءكم وبلاءكم ... وما ضاع معروف يكافئه شكر وحدثنا أبو بكر بن الأنبارى قال: أملى علينا أبو العباس ين يحيى النحوى أو قرأ - الشك من أبى على - على باب داره، ثم أنشدناه فى المسجد الجامع يقرؤه على عبد الله بن المعتز قال: أنشدنى بعض أصحابنا عن النضر بن جرير عن الأصمعى: سقى دمنتين ليس لى بهما عهد ... بحيث التقى الدارات والجرع الكبد فيا ربوة الربعين حييت ربوةً ... على النأى منا واستهل بك الرعد قضيت الغوانى غير ان مودة ... لذلفاء ما قضيت آخرها بعد إذا ورد المسواك ظمآن بالضحى ... عوارض منها ظل يخصره البرد وألين من مس الرخامات يلتقى ... بمارنه الجادى والعنبر الورد فرى نائبات الدهر بينى وبينها ... وصرف الليالى مثل ما فرى البرد فإن تدعى نداً ندعه ومن به ... وإن تسكنى نجداً فيا حبذا نجد وإن كان يوم الوعد أدنى لقائنا ... فلا تعذلينى أن أثقول متى الوعد
وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه قال: أنشدنا أحمد بن يحيى لأبى الهندى وهو من بنى رياح: قل للسرى أبى قيس أتهجرنا ... ودارنا أصبحت من داركم صددا أبا الوليد أما والله لو عملت ... فيك الشمول لما فارقتها أبدا ولا نسيت حمايها ولذتها ... ولا عدلت بها مالا ولا ولدا وحدثنى جحظة قال حدثنى حماد بن إسحاق الموصلى قال حدثنى أبى قال: كتبت إلى زهراء الأعرابية - وقد غابت عنى - كتابا فيه: وجدى بحمل على أنى أجمجمه ... وجد السقيم ببرء بعد إدناف أو وجد ثكلى أصاب الموت واحدها ... أو وجد منشعب من بين ألاف فكتبت لها: أما أويت لمن قد بات مكتئبا ... يذرى مدامعه سحا وتوكافا إقرأ السلام على الزهراء إذ شحطت ... وقل هلا قد أذفت القلب ما خافا فما وجدت على إلفٍ أفارقه ... وجدى عليبك وقدفارقت ألافا وأنشدنا الأخفش: أقول لصاحبى بأرض نجدٍ ... وجد مسيرنا ودنا الطروق أرى قلبى سينقطع اشتياقا ... وأحزانا وما انقطع الطريق وأنشدنا جحظة عن حماد عن أبيه: طربت إلى الأصيبية الصغار ... وهاجك منهم قرب المزار وأبرح ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الديار من الديار وقرأت على أبى بكر لطفيل الغنوى: أناس إذا ما أنكر الكلب أهله ... حموا جارهم من كل شنعاء مضلع قال: ويروى: مفظع. قوله: أنكر الكلب أهله، أى إذا لبسوا السلاح وتقنعوا لم يعرف الكلب أهله. وحدثنى بعض شيوخنا أن ابن حبيب قال: إذا ما غزوا فصار معهم أعداؤهم فى ديارهم فتواثبوا أنكرهم الكلب إذ ذاك لتغيرهم عن حالهم. والشنعاء: الداهية المشهورة. ومضلع: شديدة، يقال: أضلعنى الأمر إذا اشتد على وغلبنى. وقرأت على أبى عبد الله لذى الرمة: إذا نتجت منها المهارى تشابهت ... على العوذ بالأنوف سلائله العوذ: الحديثات النتاج، واحدها عائذ، وإنما قيل لها عائذ لأن ولدها عاذ بها، وكان القياس أن يكون هو عائذا بها ولكنه لما كانت متعطفة عليه قيل لها: عائذ، يقول: تشابه عليها أولادها إلا أن تشمها بأنوفها، وذلك أنها من نجارٍ واحد وفحلٍ واحد وقد تقاربت فى الوضع فهى تشبه بعضها بعضاً. والسلائل: الأولاد، واحدها سليل. وحدثنا أبو المياس الراوية قال حدثنى أحمد بن عبيد عن بعض شيوخه قال: كانت ويمة فى فريش تولى أمرها مقاس الفقعسى، فأجلس عمارة الكلبى فوق هشام بن عبد الملك، فأحفظه ذلك وآلى على نفسه أنه متى أفضت الخلافة إليه عاقبه، فلما جلس فى الخلافة أمر أن يؤتى به وتقلع أضراسه وأظفار يديه ففعل ذلك به، فأنشأ يقول: عذبونى بعذابٍ ... قلعوا جوهر راسى ثم زادونى عذابا ... نزعوا عنى طساسى بالمدى حزز لحمى ... وبأطراف المواسى قال أبو على: قال أبو العباس قال لى أبو المياس: الطساس: الأظفار، ولم أر أحداً من أصحابنا يعرفه، ثم أخبرنى رجل من أهل اليمن قال: يقال عندنا: طسه إذا تناوله بأطراف أصابعه. وأنشدنا أبو المياس وكان من أروى الناس للرجز وهو من أهل سر من رأى لدكين بن رجاء الراجز: لم أر بؤسا مثل هذا العام ... أرهنت فيه للشقا خشامى وحق فخرى وبنى أعمامى ... ما فى القروف حفنتا حتام قال أبو على: أرهنت ورهنت جميعا يقالان. قال: يوقال خاتم وخاتام وخيتام وخاتم. وقال أبو المياس: القروف: الجراب وأحسبه غلطا، إنما هو القروف جمع قرف، وهو الجراب. والختام البقية من كل شيء.
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنى عمى عن ابيه عن ابن الكلبى قال: خرج رجل من العرب فى الشهر الحرام طالبا حاجة، فدخل فى الحل فطلب رجلا يستجير به، فدفع إلى أغيلمه يلعبون، فقال لهم: من سيد هذا الحواء؟ فقال غلام منهم: أبيه، قال: ومن أبوك؟ قال: باعث بن عويص العاملى، قال: صف لى بيت أبيك من الحواء، قال: بيت كأنه حرة سوداء، أو غمامة حماء، بفنائه ثلاثة أفراس؛ أما أحدها: فمفرع الأكتاف، متماحل الأكناف، ماثل كالطراف، وأما الآخر: فذيال جوال صهال، أمين الأوصال، أشم القذال، وأما الثالث: فمغار مدمج، محبوك محملج، كالقهقر الأعدج. فمضى الرجل حتى انتهى إلى الخباء ففقد زمان ناقته ببعض ا " نابه وقال: يا باعث، جار علقت علائقه، واستحكمت وثائقه، فخرج إليه باعث فأجاره. قال أبو على: المفرع: المشرف، والفرعة والفرعة بفتح الراء وتسكينها: أعلى الجبل وجمعها فراع، يقال: أئت فرعةً من فراع الجبل فانزلها، ومنه قيل: جبل فارع، ونقى فارع إذا كان أطول مما يليه، وبه سميت المراة فارعة؛ ويقال: أنزل بفارعة الوادى واحذر وأسفله. وتلاع فارع، أى مشرفات المسابل. وقال أبو نصر: يقال: فرع فلان قومه إذا علاهم بشرف أو جمال أو غيره، ولقيه ففرع رأسه بالعصا يريد: علاه. وقال أبو زيد: يقال: تفرع فلان القوم إذا ركبهم وشتمهم. وقال غيره، تفرعت الشىء: علوته. وقال أبو نصر: فرع إذا علا، وفرع وأفرع إذا انحدر، قال الشماخ: فإن كرهت هجائى فاجتنب سخطى ... لا يدركك إفراعى وتصعيدى وأصابته دبرة على فروع كتفيه يريد: على أعاليهما؛ ويقال: فرعت بين القوم، أيى حجزت، وأفرع بينهما، أى أحجز، وفرعت فرسى أفرعه، أيى قدعته، قال الشاعر: نفرعه فزعاً ولسنا نعتله وأفرعت المرأة إذا حاضت، ومنه قول الأعشى: صددت عن الأعداء يوم عباعبٍ ... صدود المداكى أفرعتها المساحل والمساحل: اللجم، واحدها مسجل، يعنى أن المساحل أدمتها كما أفرع الحيض المرأة بالدم؛ وافترعت المرأة: اقتضضتها، والفرع: ذبح كان فى الجاهلية، وهو أول النتاج، كانت إذا نتجت الناقة فى أول نتاجها ذبح، يتبركون به. قال أوس بن حجر: وشبه الهيدب العبام من الأقوم سقباً مجللاً فرعا قال أبو عمرو: الفرع، القسم أيضاً. وقد أفرع القوم أيضاً إذا نتجت إبلهم. وقال أبو نصر: يقال: بئس ما أفرعت به، أيى بئس ما ابتدأت به، والفرع من القسى: ما كان من طرف القضيب. والفرعة: القملة العظيمة، ومنه قيل: حسان ابن الفريعة، وقوله: متماحل الأكناف، المتماحل: الطويلز والأكناف: النواحى، يريد أنه طويل العنق والقوائم، وذلك مدح. والماثل: القائم المنتصب، والماثل: اللاطىء بالأرض وهو من الأضداد، ويقال: رأيت شخصاً ثم مثل، أى ذهب فلم أره، قال الهدلى: يقربه النهض النجيح لما يرى ... فمنه بدو مرةً ومثول بدور: ظهور، ومثول: ذهاب. والطراف: بيت من أدم. والذيال: الطويل الذنب، قال النابغة الذبيانى: وكل مدجج كالليث يسمو ... على أوصال ذيالٍ رفن والأوصال واحدها وصل، قال ذو الرمة: إذا ابن أبى موسى بلالاً بلغته ... فقام بفأس بين وصلك حازر وأشم: مرتفع، والشمم: الارتفاع. والقذال: معقد العذار. والمغار: الشديد القتل، يريد أنه شديد البدن، والعرب تقول: أغرت الحبل إذا شددت قتله، قال امرؤ القيس: فيالك من ليلٍ كأن نجومه ... بكل مغار القتل شدت بيذبل وغار الرجل يغور غورا إذا أتى الغور، وزاد اللحيانى: وأغار أيضاً، وأنشد بيت الأعشى: نبى يرى ما لا ترون وذكره ... أغار لعمرى فى البلاد وأنجدا فهذا على ما قال اللحيانى. وكان الكسائى يقول: هو من الإغارة، وهي السرعى. وكان الأصمعى يقول: أغار، ليس هو من الغور إنما هو بمعنى عدا، وقال اللحيانى: يقال للفرس: إنه لمغوار، أى شيديد العدو والجمع مغاوير، والتفسير الأول الوجه لأنه قال: وأنجدا، فإنما أراد أتى الغور وأتى نجداً، والغور: تهامة. وغار الماء يغور غوراً، قال الله عز وجل: (إن أصبح ماؤكم غوراً) أى غائراً، وزار أبو نصر: غورا، وغارت عينه تغور غورا، وغارت الشمس تغور غورا أيضاً، والغور: الاسم، يقول: سقطت فى الغور، يعنى: الشمس. وغار فلان على أهله يغار غيرة، ورجل غيور من قوم غيرٍ، وامرأة غيرى من نسة غيارى، وقال الأصمعى: فلان شديد الغار على أهله، أى شديد الغيرة، وزاد اللحياتى. والغير. وقال أبو نصر: أغار فلان على بنى فلان بغير إغارةً، وقال اللحيانى: يقال للرجل إنه لمغوار، أى شديد الإغارة والجمع مغاوير. وقال أبو نصر: يقال: غارهم بغيرهم إذا مارهم، والغيار المصدر، قال الهذلىّ: ماذا بغير ابنتى ربيع عويلهما ... لا ترقدان ولا بؤسى لمن رقدا وقال اللحيانى: غارهم الله بمطر بغيرهم ويغورهم والاسم الغيرة، ويقال: هذه أرض مغيرة ومغيورة. قال: والغير: التغيير، يقال: مع الغير الغيار، ولا يقال منه فعلت بالتخفيف، إنما يقال: غيرت عليه بالتنقيل، قال: وأنشدنا أبو شبل: أقول بالسبت فويق الدير ... إذ أنا مغلوب قليل الغير أراد: التغيير. والغاران: الجيشان، يقال: لقى غار غاراً. وقال أبو عبيدة: الغار: الجمع الكثير من الناس، قال: ويروى عن الأحنف أنه قال فى انصراف الزبير: وما أصنع به إن كان جمع بين غارين من الناس ثم تركهم وذهب!. قال أبو على: فقول الأحنف: من الناس، يدل على أن الغار يكون الجمع من غير الناس. وقال أبو النصر: الغاران: البطن والفرج، يقال: المرء يسعى لغاريه، أى لبطنه وفرجه، وقال أبو عبيدة: يقال لفم الإنسان وفرجه: الغاران. وقال أبو نصر: الغار كالكهف فى الجبل، ويقال: " عسى الغوير أبؤساً " وهو تصغير غار، يريد: عسى أن يكون جاء البأس من الغار، وقال اللحيانى: يقال: غرت فى الغار والغور أغور غوراً وغؤرا، وأغرت أيضاً فيهما جميعا. قال أبو على: قوله، غئوراً: نادر شاذ. والغار: شجيرة طيبة الريح، قال عدى بن زيد: رب نارٍ بت أرمقها ... تقضم الهندى والغارا وقال الأصمعى: يقال: غار النهار إذا اشتد حره، وغور القوم تغويرا إذا قالوا، من القائلة، والغائرة: القائلة، وقال اللحيانى: غور الماء تغويراً إذا ذهب فى العيون، ويقال: غرت فلانا من أخيه أغيره يغراً، وقال أبو عبيدة: غارنى الرجل يغيرنى ويغورنى إذا وداك، من الدية، والاسم الغيرة وجمعها غير، أي أعطيته الدية. وقال أبو نصر: أغار الرجل إغارة الثعلب إذا أسرع ودفع فى عدوه، وأنشد لبشر: فعد طلابها وتعد عنها ... بحرفٍ قد تغير إذا تبوع وقال خالد بن كلثوم: غاريت وعاديت بين اثنين، أى واليت، ومنه قول كثير: إذا قلت أسلو غارت العين بالبكا ... غراءً ومدتها مدامع حقل قال: معنى غارت فاعلت من الولاء، وقال أبو عبيدة: هى فاعلت من غريت بالشىء أغرى به. ومحبوك، موثق مشدود، يقال: حبكتا لشىء إذا شددته، فهو محبوك وحبيك، ويقال: جاد ما حبك هذا الثوب، أى نسج، قالى الهذلى: فرميت فوق ملاءةٍ محبوكةٍ ... وأبنت للاشهاد حزة أدعى يقول: أبنت لهم قولى خذها وأنا ابن فلان! وحرة، يعنى ساعة أدعى. ومنه قولهم: احتبك بإزاره أى احترم به. ومحملج: مفتول. والقهقر: الحجر الصلب. والأدعج: الأسود، قال الأصمعى: يقال: رجل أدعج، أى أسود، وليل أدلج، والدعج: شدة سواد الحدقة. وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال أخبرنى يونس قال: كان لرجل من بنى ضبة فى الجاهلية بنون سبعة، فخرجوا بأكلب لهم يقتنصون، فأووا إلى غار فهوت عليهم صخرة فأتت عليهم جميعهم، فلما استراث أبوهم أخبارهم اقتفر آثارهم حتى انتهى إلى الغار فانقطع عنه الأثر، فأيقن بالشر، فرجع وأنشا يقول: أسبعة أطوادٍ أسبعة أبحر ... أسبعة آسادٍ أسبعة أنجم رزئتهم فى ساعةٍ جرعتهم ... كؤوس المنايا تحت صخر مرضم فمن تك أيام الزمان حميدةً ... لديه فإنى قد تعرفهن أعظمى بلغن نسيسى وارتشفن بلالتى ... وصليننى جمر الأسى المتضرم أحين رمانى بالثمانين منكب ... من الدهر منحٍ فى فؤادى بأسهم رزئت بأعضادى الذين بأيدهم ... أنوء واحمى حوزتى وأحتمى فإن لم تذب نفسى عليهم صبابةً ... فسوف أشوب دمعها بعد بالدم ثم لم يلبث بعدهم إلا يسيرا حتى مات كمدا. قال أبو على: اقتفر: اتبع، يقال: قفرت الأثر واقتفرته إذا اتبعته. ومرضم: منض بعضه على بعض، قال الأصمعى: يقال: بنى فلان دارا فرضم فيها الحجارة رضماً وذلك إذا نضد الحجارة بعضها على بعض، ومنه قيل: رضم البعير بنفسه إذا رمى به فلم يتحرك. وتعرقن: أخذن ما عليه من اللحم، يقال: عرقت العظم وتعرقته إذا أخذت من اللحم. والنسيس: بقية النفس، قال الشاعر: فقد أودى إذا بلغ النسيس وارتشفن: امتصصن. والبلالة: الرطوبة. وحدثنا أبو بكر رحمه الله تعالى قال حدثنى أبو عثمان الأشناندانى قال حدثنى التوزى عن أبى عبيدة قال: لما مات حصين بن الحمام سمعوا صارخا يصيح من جبل ويقول: ألا ذهب الحلو الحلال الحلاحل ... ومن عقده حزم وعزم ونائل ومن قوله فضل إذا القوم أفحموا ... تصيب مرادى قوله ما يحاول فلما سمعه معية أخوه قال: هلك والله حصين وأنشأ يقول: نعيت حيا الأضياف فى كل شتوةٍ ... ومدره حربٍ إذ تخاف الزلازل ومن لا ينادى بالهضيمة جاره ... إذا أسلم الجار الألف المواكل فمن وبمن نستدفع الضيم بعده ... وقد صممت فينا الخطوب النوازل وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن وأبو حاتم والأشنارانى والرياشى قالوا كلهم: سمعنا الأصمعى يقول: كنت بالبادية فرأيت امرأة عند قبروهى تبكى وتقول: فمن للسؤال ومن للنوال ... ومن للمقال ومن للخطب ومن للحماة ومن للكماة ... إذا ما الكماة جثوا للركب إذا قيل مات أبو مالك ... فتى المكرمات قريع العرب فقد مات عز بنى آدم ... وقد ظهرالنكد بعد الطرب قال: فملت إليها فقلت لها: من هذا الذى مات هؤلاء الخلق كلهم بموته؟ فقالت: أو ما تعرفه؟ قلت: اللهم لا، فأقبلت ودمعتها تنحدر وإذا هى مقاه برشاء ثرماء، فقالت: فديتك! هذا أبو مالك الحجام ختن أبى منصور الحائك! فقلت: عليك لعنة الله! والله ما ظننت إلا أنه سيد من سادات العرب. قال أبو على: قريع الشول: فحلها، والقريع: الفحل من الرجال الشجاع، والمقاء: الطويلة، والأمق: الطويل، والمقق: الطول. الثرماء: التى قد سقطت ثنيتاها. وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لأعرابى يقر بعينى أن أرى من مكانه ... ذرى عقدات الأبرق المنقاود وأن أرد الماء الذى شربت به ... سلمى وقد مل السرى كل واخد وألصق أحشائى ببرد ترابه ... وإن كان مخلوطا بسم الأساود قال: وأنشدنى عبد الرحمن عن عمه: أمس العين ما مست يداها ... لعل العين تبرأ من قداها يقول الناس ذو رمدٍ معنى ... وما بالعين من رمدٍ سواها قال: وأنشدنا أبو بكر ولم يسم قائله ولا عزاه إلى أحد: آل ليلى إن ضيفكم ... ضائع فى الحى مد نزلا أمكنوه من ثنيتها ... لم يرد خمراً ولا عسلا وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنا أبو حاتم عن أبى زيد: إن كان غرك إطراقى أبا حسنٍ ... فالسيف يطرق حيناً قبل هزته والحية الصل لا تغررك هدأته ... فكم سليمٍ وموقوذ لنكزته وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنى عمى عن أبيه عن ابن الكلبى وأنشدنا أبو بكر ابن الأنبارى عن أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابى: يا مر يا خير أخٍ ... نازع در الحلمه يا خير من أوقد للأضياف ناراً حجمه يا جالب الخيل إلى السجيل تعادى أضمه يا قائد الخيل ومجتاب الدلاص الدرمه سيفك لا شقى به ... إلا العسير السنمه جاد على قبرك غيث من سماء رزمه ينبت نوراً أرجا ... جرجاره والينمه قال أبو على: الحلمة: طرف الثدى. والدرمة: اللينة التى لا حجم لها. وأضمه: غضابى يقال: أضم عليه أضما، أى غضب عليه، قال الأخطل: أضما وهز لهن رمحى رأسه ... أن قد أتيح لهن موت أحمر وضمد عليه يضمد ضمدا إذا هاج وغضب، قال النابغة: ومن عصاك فعاقبه معاقبةً ... تنهى الظلوم ولا تقعد على ضمد وحرب حربا إذا هاج وغضب، وحربته أنا فهو محرب، قال الهذلى: كأن محربا من أسد ترجٍ ... ينازلهم لنابيه قبيب واضم وأتضم، قال الشاعر: ومؤتضم على لأن جدى ... يبذ جدوده المتقدمينا ويقال: أغد عليه إغدادا، وأصله من غدة البعير فهو مغد، وأسمغد فهو مسمغد إذا انتفخ من الغضب وورم، وضرم عليه ضرماً وأصله من اضطرام النار، واحتدم عليه إذا تحرق عليه وأصله من احتدام الحر، واسف عليه يأسف قال الله تعالى: (فلما أسفونا انتقمنا منهم). وعبد عليه يعبد وحشم عليه يحشم حشما، وهؤلاء حشم فلان للذين يغضب لهم، وأحشمته أنا وحشمته. وحكى الأصمعى: إن ذلك لمما يحشم بنى فلان، أى يغضبهم، وكت يكت وأصله من كتيت القدر، قال رؤبة: وطامح النخوة متسكت ... طأطأ من شيطانه التعتى صكى عرانين العدى وصتى ومعض يمعض معضاً، قال رؤبة قد ترى ذت حاجةٍ مؤتضا ... ذا معضٍ لولا يرد المعضا قال أبو عمرو: وازمهر ازمهرارا إذا غضب، وأنشد: أبصرت ثم جامعاً قد هراً ... ونثير الجعبة وازمهرا وكان مثل النار أو أحرا ويقال: قد قرطب إذا غضب فهو مقرطب، وأنشد: إذا رآنى قد أتيت قرطبا ... وجال فى جحاشه وطرطبا ويقال: اصطخم، قال ذو الرمة: ظلت ثقالا وظل الجون مصطخما ... كأنه بتناهى الروض محجوم ورزمة: مصوتة. قال أبو على: ومما اخترته وقرأته على أبى بكر بن دريد: قوم إذا اشتجر القنا ... جعلوا القلوب لها مسالك اللابسين قلوبهم ... فوق الدروع لدفع ذلك وحدثنا أبو بكر بن دريد قا ل حدثنا الرياشى عن ابن سلام عن غرير بن طلحة بن عبد الله عن عمه هند بن عبد الله قال: بينا أنا مع أبى بسوق المدينة إذ أقبل كثير، فلما رأى أبى عدل إليه وتحدث معه ساعة، فقال له أبى: هل قلت بعدى شيئاً يا أبا صخر؟ قال هند: فأقبل علىّ وقال: إحفظ هذه الأبيات، وأنشدنى: وكنا سلكنا فى صعود من الهوى ... فلما توافينا ثبت وزلت وكنا عقدنا عقدة الوصل بيننا ... فلما تواثقنا شددت وحلت فواعجبا للقلب كيف اعترافه ... وللنفس لما وطشت كيف ذلت وللعين أسراب إذا ما ذكرتها ... وللقلب وسواس إذا العين ملت وإنى وتهيامى بعزة بعدما ... تخليت مما بيننا وتخلت لكالمرتجى ظل الغمامة كلما ... تبوأ منها للمقيل اضمحلت فإن سأل الواشون: فيم هجرتها ... فقل: نفس حر سليت فتلست وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: بينا أنا بحمى ضرية إذ وقف على غلام من بنى أسدٍ فى أطمارٍ ما ظننتته يجمع بين كلمتين، فقتلت: ما اسمك؟ فقال: حر يقيص؛ فقلت: أما كفى أهلك أن يسموك حرقوصاً حتى حقروا اسمك! فقال: إن السقط ليحرق الحرجة؛ فعجبت من جوابه، فقلت: أتنشد شيئاً من أشعار قومك؟ قال: نعم أنشدك لمرارنا، قلت: افعل؛ فقال سكنوا شبيئاً والأحص وأصبحوا ... نزلت منازلهم بنو ذبيان وإذا يقال أتيتم لم يبرحوا ... حتى تقيم الخيل سوق طعان وإذا فلان مات من أكرومةٍ ... رقعوا معاوز فقره بفلان قال: فكادت الأرض تسوخ بى لحسن إنشاده وجودة الشعر، فأنشدت الرشيد هذه الأبيات، فقال: وددت يا أصمعىّ أن لو رأيت هذا الغلام فكنت أبلغه أعلى المراتب.
قال أبو على: السقط: ما سقط من الزند إذا قدح. وقال أبو عبيدة: فى سقط النار وسقط الولد وسقط الرمل ثلاث لغات: الضم والفتح والكسر، وزناد العرب من خشب، وأكثر ما يكون من المرخ والعفار، ولذلك قال الأعشى: زنادك خير زناد الملو ... ك صادف منهن مرخ عفارا وإنما يؤخذ عود قدر شبر فيثقب فى وسطه ثقب لا ينفذ ويؤخذ عود آخر قد ذراع فيحدد طرفه فيجعل ذلك المحدد فى ذلك الثقب وقد وضعه رجل بين رجليه فيديره ويفتله فيورى نارا، فالأعلى زند، والأسفل زندة. والحرجة: الشجر الكثير الملتف وجمعه حراج وأحراج، قال العجاج عاين حيا كالحراج نعمه ... يكون أقصى شله محرنجمه يقول: عاين هذا الجيش الذى أتانا حيا؛ ويعنى بالحى: قومه بنى سعد. والنعم: الإبل. وأقصى: أبعد. وشله: طرده. ومحرنجمة: مبركة حيث يجتمع بعضه إلى بعض. والمعنى أن الناس إذا فوجئوا بالغارة طردوا إبلهم وقاموا هم يقاتلون، فإن انهزموا كانوا قد نجوا بها؛ يقول: فهؤلاء من عزهم ومنعتهم لا يطردونها، ولكن يكون أقصى طردهم أن ينيخوها فى مبركها ثم يقاتلوا عنها. والمعاوز: الثياب الخلقان. وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن العباس بن هشام عن أبيه قال: كان حضرمى بن عامر عاشر عشرةٍ من إخوته فماتوا فورثهم، فقال ابن عم له يقال له جزء: من مثلك، مات إخوتك فورثتهم فأصبحت ناعماً جذلا! فقال حضرمىّ يزعم جزء ولم يقل سدداً ... إنى تروحت ناعماً جذلا إن كنت أزننتنى بها كذباً ... جزء فلاقيت مثلها عجلا أفرح أن أرزأ الكرام وأن ... أورث ذوداً شصائصاً نبلا كم كان فى إخوتى إذا احتضن الأق ... وام تحت العجاجة الأسلا من واجدٍ ماجدٍ أخى ثقةٍ ... يعطى جزيلاً ويضرب البطلا إن جئته خائفا أمنت وإن ... قال سأحبوك نائلاً فعلا فجلس جزء على شفير بئر وكان له تسعة إخوةٍ فانحسفت بإخوته ونجا هو، فبلغ ذلك حضرمياً فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، كلمة وافقت قدراً وأبقت حقدا. قال أبو على: الشصائص: الى لا ألبان لها، واحدتها شصوص، قال الأصمعى: أشصت فهى شصوص وهو على غير القياس، وقال الكسائى: شصت. والنيل: الصغار ها هنا، والنبل: الكبار، وهو من الأضداد، والواجد: الغنى الذى يجد. وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعى ليزيد بن الحكم الثقفى: تكاشرنى كرهاً كأنك ناصح ... وعينك تبدى أن صدرك لى دوى لسانك ما ذى وغيبك علقم ... وشرك مبسوط وخيرك منطوى فليت كفافاً كان خيرك كله ... وشرك عنى ما ارتوى الماء مرتوى عدوك يخشى صولتى إن لقيته ... وأنت عدوى ليس ذاك بمستوى تصافح من لاقيت لى ذا عداوة ... صفاحاً وغى بين عينيك منزوى أراك إذا لم أهو أمراً هويته ... ولست لما أهوى من الأمر بالهوى أراك اجتويت الخير منى وأجتوى ... أذاك فكل يجتوى قرب مجتوى وكم موطنٍ لولاى طحت كما هوى ... بأجرامه من قلة النيق منهوى غذا ما ابتنى المجد ابن عمك لم تعن ... وقلت ألا يا ليت بنيانه خوى فإنك إن قيل ابن عمك غانم ... شجٍ أو عميد أو أخو مغلةٍ لوى تملأت من غيظٍ على فلم يزل ... بك الغيظ حتى كدت بالغيظ تنشوى وما برحت نفس حسود حسبتها ... تذيبك حتى قيل هل أنت مكتوى وقال النطاسيون إنك مشعر ... سلالاً ألا بل أنت من حسدٍ ذوى جمعت وفحشاً غيبةً ونميمةً ... خصالاً ثلاثا لست عنها بمرعوى أفحشاً وجبناً واختناءً عن الندى ... كأنك أفعى كدية فر محجوى فيدحو بك الداحى إل كل سوءةٍ ... فياشر من يدحو بأطيش مدحوى منك غش طالما قد كتمته ... كما كتمت داء ابنها أم مدوى
قال أبو على: الاختناء: التقبض. قال: وقال أبو بكر: محجوى: منطوى. والمدوى: الذى يأخذ الدواية وهي جلدة رقيقة تركب اللبن، يقال: دوى اللبن يدوى فهو مدو، وأقبل الصبيان على اللبن يدوونه، أى يأخذون ما عليه من الجلدة. وجاء غلام من العرب إلى أمه وعندها أم خطبة قال: يا أماه، أدوى؟ فقالت: اللجام معلق بعمود البيت، تورى بذلك وترى القوم أنه إنما سألها عن اللجام وأنه صاحب خيل وركوب. والمجتوى: الكاره. والماذى: العسل الأبيض، ومنه قيل: درع ماذية. وأنشدنا أبو بكر قال: أنشدنا عبد الرحمن عن عمه: أذكر مجالس من بنى أسدٍ ... بعدوا فحن إليهم القلب الشرق منزلهم ومنزلنا ... غرب وأنى الشرق والغرب من كل أبيض جل زينته ... مسك أحم وصارم عضب ومدججٍ يسعى بسكنه ... وعقيرةٍ بفنائه تحبو قال أبو على: عقيرة: معقورة. وحدثنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنا الرياشى عن ابن سلام قال: بلغنى أن الأحوص دخل على يزيد بن عبد الملك فقال له يزيد: لو لم تمت إلينا بحرمة، ولا توسلت بدالةٍ، ولا جددت لنا مدحاً، غير أنك مقتصر على بيتيك لاستوجبت عندنا جزيل الصلة، ثم أنشد يزيد: وإنى لأستحييكم أن يقودنى ... إلى غيركم من سائر الناس مطمع وأن اجتدى للنفع غيرك منهم ... وأنت إمام للبرية مقنع وقال الرياشى: وإنما قال هذين البيتين فى عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه. وقرأنا على أبى بكر ابن دريد قول الشاعر: إنى رأيتك كالورقاء بوحشها ... قرب الأليف وتغشاه إذا نحرا الورقاء: دويبة تنفر من الذنب وهو حى وتغشاه إذا رأت به الدم. وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه قال أنشدنا أبو العباس أحمد ين يحيى و أبو العباس محمد بن يزيد لأبى حية النميرى يزيد بعضهم على بعض، وأنشدنا أيضاً أبو بكر بن دريد، واللفظ والترتيب علي ما أنشدناه أبو عبد الله. بدا يوم رحنا عامدين لأرضها ... سنيح فقال القوم مر سنيح فهاب رجال منهم وتقاعسوا ... فقلت لهم جارى إلى ربيح عقاب بأعقاب من الدار بعدما ... جرت نية تسلى المحب طروح وقالوا حمامات فحم لقاؤها ... وطلح فزيرت والمطى طليح وقال صحابى هدهد فوق بانةٍ ... هدى وبيان بالنجاح يلوح وقالوا دم دامت مواثيق بيننا ... ودام لنا حلو الصفاء صريح لعيناك يوم البين أسرع وأكفا ... من الفنن الممطور وهو مروح ونسوة شحشاحً غيورٍ يخفنه ... أخى ثقةٍ يلهون وهو مشيح يقلن وما يدرين غنى سمعته ... وهن بأبواب الخيام جنوح أهذا الذى غنى بسمراء موهناً ... أتاح له حسن الغناء متيح إذا ما تغنى أن من بعد زفرة ... كما أن من حر السلاح جريح وقائلةٍ يا دهم ويحك إنه ... على غنةٍ فى صوته لمليح وقائلةٍ أولينه البخل إنه ... بما شاء من زور الكلام فصيح فلو أن قولاً يكلم الجلد قد بدا ... بجلدى من قول الوشاة جروح وحدثنا الأخفش قال حدثنى بعض أصحابنا قال حدثنى أبو عبد الله محمد بن القاسم بن خلاد البصرى المعروف بأبى العيناء، قال: أنشدنا ابن أبى فننٍ فى مجلس على ابن الجهم فكتبت لى وله ولما أبت عيناى أن تكتما البكا ... وأن تحبسا سح الدموع السواكب تثاءبت كى لا ينكر الدمع منكر ... ولكن قليلاً ما بقاء التثاؤب أعر ضتمانى للهوى ونممتما ... على لبئس الصاحبان لصاحب وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله تعالى قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوى يقولون ليلى بالمغيب أمينة ... بلى وهو راعٍ عهدها وأمينها فإن تك ليلى استودعتنى أمانة ... فلا وأبى أعدائها لا أخونها أأرضى بليلى الكاشحين وأبتغى ... كرامة أعدائى لها وأهينها معاذة وجه الله أن أشمت العدا ... بليلى وإن لم تجزىء ما أدينها سأجعل عرضى جنةً دون عرضها ... ودينى، فيبقى عرض ليلى ودينها وأنشدنا أبو الحسن جحظة البرمكى قال أنشدنا حماد بن إسحاق قال: أنشدنى أبى لنفسه لاح بالمفرق منك الفتير ... وذوى غصن الشباب النضير هزئت أسماء منى وقالت ... أنت يا بن الموصلى كبير ورأت شيباً علانى فأنت ... وابن ستين بشيبٍ جدير إن ترى شيباً علانى فإنى ... مع ذاك الشيب حلو مزير قد يفل السيف وهو جراز ... ويصول الليث وهو عقير قال أبو على: المزير: المعظم المكرم، يقال: مزرت الرجل إذا عظمته وكرمته، كذا قال على ابن سليمان الأخفش، وقال النصر بن شميل: المزير: الظريف، وقال لى أبو بكر بن دريد: المزارة: الزيادة فى جسم أو عقل، يقال: مزريمزر مزارةً فهو مزير. والجراز: الماضى فى الضريب، قال الجعدى يصمم وهو مأثور جراز ... إذا اجتمعت بقائمه اليدان وقرأت على أبى بكر بن الأنبارى للأسود بن يعفر وكنت إذا ما قرب الزاد مولعا ... بكل كميتٍ جلدةٍ لم توسف مداخلة الأقراب غير ضئيلة ... كميت كأنها مزادة مخلف كميت، يعنى ثمرة، وجلدة: غليظة اللحاء. لم توسف: لم تقشر. وأقرابها: نواحيها؛ وإنما هو مثل، والقربان: الخاصرتان. والضئيلة: الدقيقة. والمخلف: المستقى، يريد كأنها من امتلائها مزادة. وقرأت على أبى بكر الأنبارى قال: قرأت على أبى لهدبة بن خشرم طربت وأنت أحياناً طروب ... وكيف وقد تعلاك المشيب يجد النأى ذكرك فى فؤادى ... إذا ذهلت عن النأى القلوب يؤرقنى اكتئاب أبى نميرٍ ... فقلبى من كآبته كئيب فقلت له هداك الله مهلاً ... وخير القول ذو اللب المصيب عسى الكرب الذى أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب فيأمن خائف ويفك عانٍ ... ويأتى أهله النائى الغريب ألا ليت الرياح مستخرات ... بحاجتنا تباكر أو تؤوب فتخبرنا الشمال إذا أتتنا ... وتخبر أهلنا عنا الجنوب فإنا قد حللنا دار بلوى ... فتخطئنا المنايا أو تصيب فإن يك صدر هذا اليوم ولى ... فإن غداً لناظره قريب وقد علمت سليمى أن عودى ... على الحدثان ذو أيدٍ صليب وأن خليقتى كرم وأنى ... إذا أبدت نواجذها الحروب، أعين على مكارمها وأغشى ... مكارهها إذا كع الهيوب وقد أبقى الحوادث منك ركنا ... صليبا ما تؤيسه الخطوب على أن المنية قد توافى ... لوقتٍ والنوائب قد تنوب قال أبو على: قوله: تؤيسه: تؤثر فيه، قال المتلمس: ألم تر أن الجون أصبح راسيا ... تطيف به الأيام ما يتأيس وقال الطريف المعنبرى: إن قناتى لنبع ما يؤيسها ... عض الثقاف ولا دهن ولا نار وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى قال أخبرنى عمى عن ابيه عن ابن الكلبى عن أبيه قال: اجتمع طريف بن العاصى الدوسى - وهو جد طفيل ذى النورين بن عمرو بن طريف - والحارث ابن ذبيان بن لجا بن منهب - وهو أحد المعمرين - عند بعض مقاول حمير، فتفاخرا، فقال الملك للحارث: يا حارث، ألا تخبرنى بالسبب الذى أخرجكم عن قومكم حتى لحقتم بالنمر بن عثمان؟ فقال: أخبرك أيها الملك، خرج هجينان منا يرعيان غنما لهما فتشاولا بسيفهما فأصاب صاحبهم عقب صاحبنا، فعاث فيه السيف فنزف فمات، فسألونا أخذ دية صاحبنا دية الهجين وهى نصف دية الصريح، فأبى قومى وكان لنا رباء عليهم. فأبينا إلا دية الصريح وأبوا إلا دية الهجين، فكان اسم هجيننا ذهين ابن زبراء، واسم صاحبهم عنقش بن مهيرة وهى سوداء أيضاً، فتفاقم الأمر بين الحيين، فقال رجل منا: حلومكم يا قوم لا تعزبنها ... ولا تقطعوا أرحامكم بالتدابر وأدوا إلى الأقوام عقل ابن عمهم ... ولا ترهقوهم سبةً فى العشائر فإن ابن زبراء الذى فاد لم يكن ... بدون خليف أو أسيد بن جابر
فإن لم تعاطوا الحق فالسيف بيننا ... وبينكم والسيف أجور جائر فتظافروا علينا حسدا، فأجمع ذوو الحجا منا أن نلحق بأمنع بطن من الأزد، فلحقنا بالنمر بن عثمان فو الله ما فت فى أعضادنا، فإنا عنهم ولقد أثأرنا صاحبنا وهم راغمون، فوثب طريف بن العاصى من مجلسه فجلس بإزاء الحارث ثم قال: تالله ما سمعت كاليوم قولا أبعد من صواب، ولا أقرب من خطل، ولا أجلب لقدع من قول هذا، والله أيها الملك! ما قتلوا بهجينهم بذجا، ولا رقوا به درجا؛ ولا أنطوا به عقلا، ولا اجتفؤا به خشلا؛ ولقد أخرجهم الخوف عن أصلهم، وأجلاهم عن محلهم؛ حتى استلانوا خشونة الإزعاج، والجؤا إلى أضيق الولاج، قلا وذلاً. قال الحارث: أتسمع يا طريف؟ إنى والله ما إخالك كافا غرب لسانك، ولا منهنها شرة نزوانك، حتى أسطو بك سطوةً تكف طماحك، وترد جماحك، وتكبت تترعك، وتقمع تسرعك؛ فقال طريف: مهلاً يا حارث، لا تعرض لطحمة استنانى، وذرب سنانى، وغرب شبابى، وميسم سبابى، فتكون كالأظل الموطوء، والعجب الموجوء؛ فقال الحارث: إياى تخاطب بمثل هذا القول! فو الله لو وطئتك لأسختك، ولو وهصتك لأوهطتك، ولو نفحتك لأفدتك؛ فقال طريف متمثلا: وإن كلام المرء فى غير كنهه ... لكالنبل تهوى ليس فيها نصالها أما والأصنام المحجوبة، والأنصاب المنصوبة؛ لئن لم تربع على ظلعك، وتقف عند قدرك، لأدعن حزنك سهلا، وغمرك ضحلا، وصفاك وحلا؛ فقال الحارث: أما والله لو رمت ذلك لمرغت بالحيض، وأغصصت بالجريض؛ وضاقت عليك الرحاب وتقطعت بك الأسباب؛ ولألفيت لقى تهاداه الروامس، بالسهب الطامس؛ فقال طريف: دون ما ناجتك به نفسك مقارعة أبطال، وحياض أهوال، وحفزة إعجال، يمنع معه تطامن الإمهال؛ فقال الملك: إيها عنكما! فما رأيت كاليوم مقال رجلين لم يقصبا، ولم يثلبا، ولم يلصوا، ولم يقفوا. قال أبو على: المقاول والأقيال: هم الذين دون الملك الأعظم. تشاولا: تضاربا. وعاث: أفسد والعيث: الفساد. ونزرف الرجل إذا سال دمه حتى يضعف. والهجين: الذى أبو عربى وأمه ليست بعربية. والمقرف: الذى أمه عربية وأبوه ليس بعربى. والصريح: الخالص. والرباء: الزيادة، يقال: أربى فلان على فلان فى السباب يربى إرباء إذا زاد عليه، وأربى من الراب وهو مقصور، والرباء ممدود: الربا أيضاً. وتفاقم الأمر: اشتد. والعقل: الدية، يقال: عقلت فلانا إذا غرمت ديته، وعقلت عن فلان إذا غرمت عنه دية جنايته، والمرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديتا، يريد أن موضحتها وموضحته سواء، فإذا بلغ العقل ثلث الدية صارت دية المرأة على النصف من دية الرجل.
وقال الأصمعى: سألت أبا يوسف القاضى بحضرة الرشيد عن الفرق بين عقلته وعقلت عنه فلم يفهم حتى فهمته. ويقال للقوم الذين يغرمون دية الرجل: العاقلة: ويقال: بنو فلان على معاقلهم الأولى، يريد على حال الديات التى كانوا عليها فى الجاهلية، واحدها معقلة، ويقال: صار دم فلان معقلة على قومه، أيى غرماً يؤدونه من أموالهم. وعقل الظل إذا قام قائم الظهيرة. وعقل الرجل يعقل عقلا، فى العقل. وعقل الظبى يعقل عقولا إذا صعد فى الجبل فامتنع فيه، والمكان الممتنع فيه يسمى المعقل، وبه سمى الرج لمعفلا، ويقال: وعل عاقل إذا عقل فى الجبل فامتنع فيه. وعقل البعير بعقله عقلا إذا ثنى وظيفة مع ذراعه فشدهما جميعاً فى وسط الذراع ونحوه، وعقل الطعام بطنه يعقله عقلا إذا شدة، ويقال: أعطنى عقولاً أشر به فيعطيه دواء يمسك بطنه، والدهناء خبراء يقال لها: معقلة، سميت بذلك لأنها تمسك الماء كما يعقل الدواء البطن. ويقال: جاء فلان وقد اعتقل رمحه إذا وضعه بين ركابه وساقه، واعتقل شاته إذا وضع رجلها بين ساقه وفخذه إذا حلبها. ويقال: صارع فلان فلانا فاعتقله الشغزبية، وهو ضرب من الصراع، ولفلان عقلة يعقل بها الناس، وذلك إذا صارعهم عقل أرجلهم. ويقال: على بنى فلان عقالان، يريد بذلك صدقة عامين، ويقال: جار عليهم العامل فأخذ منهم النقد ولم يأخذ العقال، أى الفريضة بعينها، ويقال: يكره أن تشترى الفريضة حتى يعقلها الساعى وهو المصدق. والعقال أيضاً: الحبل الذى يعقل به البعير. والعقال: هو أن بعض الخيل إذا مشى يظلع ساعةً ثم ينبسط. والعقل: التواء فى الرجل، يقال: بعير اعقل وناقة عقلاء. والعقيلة: كريمة الحى وكريمة الإبل. والعقل: ضرب من الوشى، يقال: جللوا هوادجهم بالعقل والرقم. ويقال: ما له جول ولا معقول، أيى عقل يمسكه. وقال الأصمعى: أرهقت الرجل: أدركته، وقال أبو زيد: أرهقته عسراً، أى كلفته ذلك، وأرهقته إثماً حتى رهقه. وقال الأصمعى: رهقته، أى غشيته، وفى فلان رهق، أى غشيان للمحارم، والمرهق الذى يغشاه السؤال والأضياف، ويقال: فاد يفود إذا مات، قال لبيد رعى خرزات الملك عشرين حجةً ... وعشرين حتى فاد والشيب شامل وفاد يفيد إذا تبختر الملك عشرين حجةً ... وعشرين حتى فاد والشيب شامل وفاد يفيد إذا تبختر، وكذلك راس يريس وماس يميس وماح يميح. وفت: أوهن وأضعف. وأثارنا: افتعلنا من الثأر. والخطل: الخطأ. الكلام القبيح، يقال: أقذع له إذا أسمعه كلاما قبيحاً. والبذج: الخروف: وهو فارسى معرب، وكذلك البرق فارسى معرب، وهو الحمل. وأنطوا لغة فى أعطوا، وقرأت على أبى بكر بن دريد فى شعر الأعشى جيادك فى الصيف فى نعمةٍ ... تصان الجلال وتنطى الشعيرا واجتفؤا: صرعوا،قال أبو زيد: جفأه: صرعه وخفأه أيضا والخشل والخشل محرك ومسكن، واحدتهما خشلة وخشلة: شجر المقل. وهذه أمثال كلها، يريد أنهم لم ينالوا ثأره. والقل: القلة. والذل: الذلة. والنزوان: الوثوب. والتترع: التسرع إلى الشر، يقال: ترع ترعاً فهو ترع إذا كان سريعا إلى الشر، ويقال: ترع ترعا إذا اقتحم الأمور مرحا ونشاطا، قال الشاعر الباغى الحرب يسعى نحوها ترعاً ... حتى إذا ذاق منه جاحماً بردا أي ثبت فلم يتقدم، كذا فسره بعضهم وهو صحيح، أي خمدت حدثته فسكن، وهذا مثل. وطحمة السيل وطحمته بالضم والفتح: دفعته. والدرب: الحدة. والأظل: أسفل خف البعير. والعجب: أصل الذنب. ووهصتك: كسرتك، يقال: وهصه ووسطه ووقصه إذا كسره. وأوهطتك: صرعتك، قال أبو زيد: يقال ضربه فقحزنه وجحدله وأوهطه إذا صرعه، قال الأموى: هو أن يصرعه صرعة لا يقوم منها، وقال غيره: أوهطه: أهلكه، وأنشد: أوهطته لما علا إيهاطا ... بكل ماضٍ بيتك النياطا وتربع: تكف وترفق: يقال: ربع يربع ربعا إذا كف ورفق. والظلع: الغمز. والضحل: الماء القليل وكذلك الضحضاح، والفراش أقل منه. والضهل: القليل من الماء، ومنه يقال: ما ضهل غليه منه شىء. والشول: القليل من الماء يكون فى أسفل القربة والسقاء، قال الأعشى: حتى إذا لمع الربىء بثوبه ... سقيت وصب سقاتها أشوالها والنزفة: القليل من الماء والشراب أيضاً وجمعها نزف، قال ذو الرّمة:
يقطع موضوع الحديث ابتسامها ... تقطع ماء المزن فى نزف الخمر والذفاف: البلل، قال أبو ذؤيب: يقولون لما جشت البئر أورودوا ... وليس بها أدنى ذفافٍ لوارد والصفا جمع صفاة: الصخرة، وهى أيضاً الصفواء والصفوان. والحضيض: القرار إذا اتصل بالجبل، وفى الحديث: " إن العدو بعرعرة الجبل ونحن بحضيضه " فالعوعرة: أعلاه، والحضيض: أسفله. ولقى: ملقىً. والروامس: الرياح التى ترمس، أى تدفن. والسهب: المستوى من الأرض. والطامس والطاسم جميعا: الدارس، طمس وطسم. والحفز: الدفع، يقال: حفزه يحفره أن يفوته، ومنه سمى الحارث بن شريك الحوفزان، وذلك أن قيس بن عاصم حفزه بالرمح حين خاف أن يفوته، وقد فجر بذلك سوار بن حيان المنقرى فقال: ونحن حفزنا الحوفزان بطعنةٍ ... سقته نجيعاً من دم الجوف أشكلا وقال أبو زيد: إيها: نهى، وإيه: أمر. وقال غيره: ويها: إغراء، وأنشد للكميت: وجاءت حوادث فى مثلها ... يقال لمثلى ويها فل وقال أبو بكر الأنبارى: واها: تعجب، قال الراجز: واهاً لريا ثم واهاً واها ... يا ليث عيناها لنا وفاها بثمن نرضى به أباها لم يقصبا: لم يشتما، يقال: قصبه يقصبه إذا وقع فيه، وأصل القصب القطع، ومنه قيل للجزار: قصاب. ولم يلصوا، قال أبو على: كذا رواه لم يلصوا، وقال الأصمعى: لصاه يلصيه لصياً إذا قذفه، وأنشد الأصمعى للعجاج: عف فلا لاصٍ ولا ملصى ويقال: قفاه يقفوه إذا قذفه بأمر عظيم، كذلك قال يعقوب بن السكيت، ويمكن أن يكون يلصوا لغة. وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لرجل من بنى كلاب: سقى الله دهراً قد تولت غياطله ... وفارقنا إلا الحشاشة باطله ليالى خدنى كل أبيض ماجد ... يطيع هوى الصابى وتعصى عواذله وفى دهرنا والعيش إذ ذاك غرة ... ألا ليت ذاك الدهر تثنى أوائله بما قد غنينا والصبا جل همنا ... يمايلنا ريعانه ونمايله وجر لنا أذياله الدهر حقبةً ... يطاولنا فى غيه ونطاوله فسقيا له من صاحب خذلت بنا ... مطينا عنه وولت رواحله أصد عن البيت الذى فيه قاتلى ... وأهجره حتى كأنى قاتله قال أبو على: الغياطل جمع غيظلة وهى الظلمة، والغيطلة: اختلاط الأصوات، والغيطلة: الشجر الملتف، والغيطلة: البقرة، قال زهير: كما استغاث بسىءٍ فز غيطلةٍ ... خاف العيون فلم ينظر به الحشك وحدثنا أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله قال حدثنا عبد الله بن خلف قال حدثنا محمد بن أبى السرى قال حدثنا الهيثم بن عدى قال: كنا نقول بالكوفة: إنه من لم يرو هذه الأبيات فلا مروءة له، وهى لأيمن بن خريم بن فاتك الأسدى، قال وأنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوى عن ابن الأعرابى، - والألفاظ فى الروايتين مختلطة - وصهباء جرجانية لم يطف بها ... حنيف ولم تنغر بها ساعةً قدر ولم يحضر القس المهينم نارها ... طروقا ولم يشهد على طبخها حبر أتانى بها يحيى وقد نمت نومة ... وقد غابت الشعرى وقد جنح النسر فقلت اغتبقها أو لغيرى فاسقها ... فما أنا بعد الشيب ويبك والخمر تعففت عنها فى العصور التي خلت ... فكيف التصابى بعد ما كلأ العمر إذا المرء وفى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتى حياء ولا ستر فدعه ولا تنفس عليه الذى ارتأى ... وإن جر أسباب الحياة له الدهر قال أبو على: كلأ: انتهى إلى آخره وأقصاه، ويقال: بلغ الله بك أكلأ العمر، أى آخره. وارتأى: افتعل من الرأى. وأنشدنا أبو عمرو بن المطرز غلام ثعلب قال أنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا عبد الله بن شبيب لابن الدمينة ألا حب بالبيت الذى أنت هاجره ... وأنت بتلماحٍ من الطرف زائره فإنك من بيتٍ لعينى معجبٍ ... وأحسن فى عينى من البيت عامره أصد حياءً أن يلج بى الهوى ... وفيك المنى لولا عدو أحاذره وكم لائمٍ لولا نفاسة حبها ... عليك لما باليت أنك خابره أحبك يا ليلى على غير ريبةٍ ... وما خير حب لا تعف سرائره وقد مات قبل أول الحب فانقضى ... فإن مت أضحى الحب قدمات آخره فلما تناهى الحب فى القلب واردا ... أقام وأعيت بعد ذاك مصادره وقد كان قلبى فى حجابٍ يكنه ... وحبك من دون الحجاب يساتره فماذا الذى يشفى من الحب بعدما ... تشربه بطن الفؤاد وظاهره وأنشدنا الأخفش قال: أنشدنا أبو الطريف شاعر كان مع المعتمد لنفسه أتهجرون فتىً أغرى بكم تيها ... حقاً لدعوة صب أن تجيبوها أهدى إليكم على نأىٍ تحيته ... حيوا بأحسن منها أو فردوها شيعتهم فاسترابونى فقلت لهم ... إنى بعثت مع الأجمال أحدوها قالوا فما نفس يعلوك ذا صعدٍ ... وما لعينك لا ترقى مآقيها قلت التنس من تداب سيركم ... والعين تذرف دمعاً من فدى فيها حتى إذا ارتحلوا والليل معتكر ... خفضت فى جنحه صوتى أناديها يا من بها أن هيمان ومحتبل ... هل لى إلى الوصل من عقبى أرجيها وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قصيدة له أولها قلب تقطع فاستحال نجيعا ... فجرى فصار مع الدموع دموعا ردت إلى أحشائه زفراته ... ففضضن منه جوانحا وضلوعا عجبا لنار ضرمت فى صدره ... فاستنبطت من جفنه ينبوعا لهب يكون إذا تلبس بالحشا ... قيظاً ويظهر فى الجفون ربيعا وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى أما والذى لا يخلد إلا لواجهه ... ولم يك فى العز المنيع له كفو لئن كان طعم الصبر مراً فعفته ... لقد يجتنى من غبه الثمر الحلو وقرأنا على أبى بكر بن دريد قول الشاعر: نسى الأمانة من مخافة لقحٍ ... شمس تركم بضيعه مجزولا أي نسرى الأمانة من مخافة هذا اللقح - يعنى السياط - شبهها إذا ارتفعت بأيدى الرجال بأذناب الإبل إذا لقحت فرفعت أذنابها. وشمس: فيها شماس لا تستقر. وبضيعه: لحمه. ومجزول: مقطوع.
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال أخبرنا السكن بن سعيد بن محمد بن عباد عن ابن الكلبى عن أبيه: كان قيل من أقيال حمير منع الولد دهراً ثم ولدت له بنت فبنى لها قصرا منيفا بعيدا من الناس، ووكل بها نساء من بنات الأقيال يخدمنها ويؤدبنها حتى بلغت مبلغ النساء، فنشأت أحسن منشأ وأتممه فى عقلها وكمالها، فلما مات أبوها ملكنها أهل مخلافها، فاصطنعت النسوة اللواتى ربينها وأحسنت إليهن وكانت تساورهن ولا تقطع أمرا دونهن، فقلن لها يوماً، يا بنت الكرام، لو تزوجت لم لك الملك، فقالت: وما الزوج؟ فقالت إحداهن: الزوج عز فى الشدائد، وفى الخطوب مساعد؛ إن غضبت عطف، وإن مرضت لطف؛ قالت: نعم الشىء هذا! فقالت الثانية: الزوج شعارى حين أصرد، ومتكىء حين أرقد، وأنسى حين أفرد؛ فقال: إن هذا لمن كمال طيب العيش. فقالت الثالثة: الزوج لما عنانى كاف، ولما شفنى شاف، يكفينى فقد الآلاف؛ ريقه كالشهد، وعناقه كالخلد؛ لا يمل قرانه، ولا يخاف حرانه، فقالت: أمهلننى أنظر فيما قلتن، فاحتجت عنهن سبا ثم دعتهن فقالت: قد نظرت فيما قلتن فوجدتنى أملكه رقى، وأبثه باطلى وحقلى، فإن كان محمود الخلائق، مأمون البوائق؛ فقد أدركت بغيتى، وإن كان غير ذلك فقد طالت شقوتى؛ على أنه لا ينبغى إلا أن يكون كفئاً كريما يسود عشيرته، ويرب فصيلته؛ لا أتقنع به عارا فى حياتى، ولا أرفع به شناراً لقومى بعد وفاتى؛ فعليكنه فابغينه وتفرقن فى الأحياءن فأيتكن أتتنى بما أحب فلها أجزل الحباء، وعلى لها الوفاءح فخرجن فيما وجهتهن له، وكن بنات مقاول ذوات عقل ورأى، فجاءتها إحداهن وهى عمرطة بنت زرعة بن ذى خنفر فقالت: قد أصبت البغية، فقالت: صفية ولا تسميه. فقالت: غيث فى المحل، ثمال فى الأزل، مفيد مبيد؛ يصلح النائر، وينعش العاثر؛ ويغمر الندى، ويقتاد الأبى؛ عرضه وافر، وحسبه باهر؛ غض الشباب، طاهر الأثواب. قالت: ومن هو؟ قالت: سبرة بن عوال بن شداد بن الهمال. ثم خلت بالثانية فقالت: أصبت من بغيتك شيئا؟ قالت: نعم، قالت: صفيه ولا تسميه. قالت: مصامص النسب، كريم الحسب، كامل الأدب؛ غزير العطايا، مألوف السجايا؛ مقتبل الشباب، خصيب الجناب، أمره ماض، وعشيره راض. قالت: ومن هو؟ قالت: يعلى بن هزال بن ذى جدنٍ. ثم خلت بالثالثة فقالت: ما عندك؟ قالت: وجدته كثير الفوائد، عظيم المرافد، يعطى قبل السؤال، وينيل قبل أن يستنال؛ فى العشيرة معظم، وفى الندى مكرم، وجم الفواضل، كثير النوافل؛ بذال أموال، محقق آمال، كريم أعمام وأخوال؛ قالت: ومن هو؟ قالت: رواحة بن خمير بن مضحى بن ذى هلالة؛ فاختارت يعلى بن هزال فتزوجته، فاحتجت عن نسائها شهرا ثم برزت لهن، فأجزلت لهن الحياء، وأعظمت لهن العطاء. قال أبو على إسماعيل: المخلاف: الكورة. وأصرد: أبرد. ويرب: يجمع ويصلح. وأنشدنا أبو بكر لرجل يصف إبلا: تربعت فى حرضٍ وحمض ... جاءت تهض الأرض أي هض يدفع عنها بعضها عن بعض ... مثل العذارى شمن عين المغضى تربعت: أقلعت فى الربيع. الحرض: الأشنان. والحمض: ما ملح من النبات. وتهض: تدق، وقوله: يدفع عنها بعضها عن بعض، أيى هي مستوية حسان كلها ليست فيها واحدة تبينها فتستق إليها العين، ولكن إذا قيل: هذه أحسن، قيل: لا، هذه؛ فيدفع بعضها عن بعض العين أن تعينها. وشمن: فنحن عين المغضى فنظر اليهن وهن مثل العذارى فى الحسن. وأنشدنا أبكر بن دريد رحمه الله قال أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعى لسلمى بن ربيعة: حلت تماضر غربةً فاحتلت ... فلجاً وأهلك باللوى فالحلة فكان فى العينين حب قرنفل ... أو سنبلاً كحلت به فانهلت زعمت تماضر إننى إما أمت ... يسدد أبينوها الأصاغر خلتى تربت يداك وهل رأيت لقومه ... مثلى على يسرى وحين تعلتى رجلاً إذا ما النائبات غشينه ... أكفى لمضلعةٍ وإن هى جلت ومناخ نازلة كفيت وفارس ... نهلت قناتى من مطاه وعلت وإذا العذارى بالدخان تقنعت ... واستعجلت هزم القدور فملت دارت بأرزاق العفاة مغالق ... بيدى من قمع العشار الجلة ولقد رأيت ثأى العشيرة بينها ... وكفيت جانبها اللتيا والتى وصفحت عن ذى جهلها ورقدتها ... نصحى ولم تصب العشيرة زلتى وكفيت مولاى الأجم جريرتى ... وحبست سائمتى على ذى الجلة قال: وروى عن أبى زيد: مولاى الأحم بالحاء. قال أبو على: لمضلعة: أمر شديد تضلع صاحبها، أى تميله للوقوع. والهزم: الصوت، يريد صوت الغليان. المغالق: يريد بها القداح التى يغلق بها الرهن. والقمع: الأسمخة، واحدتا قمعة. والشعار جمع عشراء، وهى التي أتت عليها عشرة أشهر من حملها، ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع وبعدما تضع أياما. والثأى: الفساد، وأصل ذلك الثأى فى الجرز، وهو أن تنخرم الخرزتان فتصيرا واحدة، يقال: أثأيت الجرز إذا خزمته.ورأيت: أصلحت. والأجم: الذى لا رمح معه. وأما الأحم بالحاء: فالأقرب، والحميم: القريب. والأعزل: الذى لا سلاح معه. والأكشف: الذى لا ترس معه. والأميل: الذى لا سيف معه، والأميل أيضاً: الذى لا يثبت على الخيل، قال الأعشى: غير ميل ولا عوازير فى الهي ... جا ولا عزلٍ ولا أكفال قال أبو على: الميل جمع أميل، والعواوير جمع عوار، وهو الجبان. والعزل جمع أعزل. والأكفال جمع كفل، وهو أيضاص الذى لا يثبت على الخيل مثل الأميل، غير أن الأميل الذى يميل إلى جانب والكفل الذى يزول عن متن الفرس إلى كفله. والخلة بالفتح، الحاجة، والخلة بالضم: الصداقة. لا يبعد الله قوما إن سألتهم ... أعطوا وإن قلت يا قوم انصروا نصروا وإن أصابتهم نعماء سابغة ... لم يبطروها وإن فاتتهم صبروا الكاسرون عظاما لا جبور لها ... والجابرون فأعلى الناس من جبروا فقلت: من يقول هذا؟ فقال الذى يقول: اذا نشرت نفسى تذكرت مامضى ... وقومي اذا نحن الذرى والكواهل واذ لي منهم جنة أتقى بها ... وجرثومة فيها حفاظ ونائل واذ لاترود العين عنا لبغية ... ولايتخطانا المروع الموائل ولايجد اللأضياف عنا محولا ... اذا هب أرواح الشتاء الشمائل اذا قيل أين المشتفى بدمائهم ... واين الروابى والفروع المعاقل اشير الينا أو رأى الناس أننا ... لهم جنة ان قال بالحق قائل فأصبحت مثل النسر تحت جناحه ... قوادم صارتها اليه الحبائل فلو ان قومي أكرمونى وأتأقوا ... سجالا بها أسقى الذين أساجل كففت اللأذى ماعشت عن حلمائهم ... وناضلت عن أعراضهم من يناضل ولكن قومي عزهم سفهاؤهم ... على الرأى حتى ليس للرأى حامل تظوهر بالعدوان واختيل بالغنى ... وشعورك فى الرأى الرجال الأمائل ثم قام مغضبا متصاعرا كأن المحاجم على أخدعيه وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمة الله قال أنشدنا أبو حاتم ولم يسنده: تود عدوي ثم تزعم أننى ... صديقك ان الرأى عنك لعاذب وليس أخى من ودنى رأى عينه ... ولكن أخي من ودنى وهو غائب وأنشدنا أبو عبد الله نفطوية قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوى ثعلب: أحب بلاد الله مابين منعج ... الى وسلمى أن يصوب سحابها بلاد بها حل الشباب تمائمى ... وأؤل أرض مس جلدى ترابها وأنشدنا أيضا قال أنشدنا أحمد بن يحيى النحوى: منعمة يحار الطرف فيها ... كأن حديثها سكر الشباب من المتصديات لغير سوء ... تسيل أذا مشت سيل الحباب وأنشدنى أبو بكر بن دريد رحمه الله في خبر طويل: كنت اذا ما زرت سعدى بأرضها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها من الخفرات البيض ود جليسها ... متى ما انقضت أحدوثة لو تعيدها وأنشدنا بعض أصحابنا فى حسن الحديث: فبتنا على رغم الحسود وبيننا ... حديث كمثل المسك شيبت به الخمر حديث لو أن الميت نوحى ببعضه ... لأصبح حيا بعد ماضمة القبر قال أبو على: وقرأت فى نوادر إبن الأعرابى عن أبى عمر المطرز قال:أنشدنا أحمد بن يحيى النحوى عن إبن الأعرابي:
وحديثها كالقطر يسمعه ... راعى سنين تتابعت جدبا فأصاح يرجو أن يكون حيا ... ويقول من فرح هيا ربا وأحسن فى هذا المعنى على بن العباس الرومى أنشدناه الناجم قال: أنشدنا على بن العباس لنفسه: وحديثها السحر الحلال لو أنه ... لم يجن قتل المسلم المتحسرز إن طال لم يملل وإن هى أوجزت ... ود المحدث أنها لم توجز شرك العقول ونهزة ما مثلها ... للمطمئن وعقلة المستوفز وأنشدنا بعض أصحابنا لبشار: وكأن رصف حديثها ... قطع الرياض كسين زهرا وكأن تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا وتخال ما جمعت علي ... ه ثياباها ذهبا وعطرا وكأنها برد الشرا ... ب صفا ووافق منك فطرا وقرأت على أبى بكر بن دريد من خط إسحاق بن إبراهيم لأعرابى: أمر مجنباً على بيت ليلى ... ولم ألمم به وبى الغليل أمر مجنبا وهواى فيه ... فطرفى عنه منكسر كليل وقلبى فيه مقتتل فهل لى ... إلى قلبى وساكنه سبيل أؤمل أنأعل بشرب ليلى ... ولم أنهل فكيف لى العليل وأنشدنا الأخفش لأبى على البصير: غناؤك عندى يميت الطرب ... وضربك بالعود يحيى الكرب ولم أر قبلك من قينةٍ ... تغنى فأحسبها تنتحب ولا شاهد الناس إنسيةً ... سواك لها بدن من خشب ووجه رقيب على نفسه ... ينفر عنه عيون الريب فكيف تصدين عن عاشق ... يودك لو كان كلباً كلب ولو مازج النار فى حرها ... حديثك أخمد منها اللهب وأنشدنا ابن الأنبارى قال: أنشدنا أبو الحسن بن البراء: فديتك، ليلى مذ مرضت طويل ... ودمعى لما لاقيت فيك همول أأشرب كأسا أم أسر بلذة ... ويعجبنى ظبى أغن كخيل وتضحك سنى أو تجف مدامعى ... وأصبو إلى لهوٍ وأنت عليل ثكلت إذا نفسى وقامت قيامتى ... وغالت حياتى عند ذلك غول قال أبو على: ومن أحسن ما سمعت فى القسم قول الأشتر النخعى رحمه الله: بقيت وفرى وانحرفت عن العلا ... ولقيت أضيافى بوجه عبوس إن لم أشن على ابن هند غارةً ... لم تخل يوماً من نهاب نفوس خيلاً كأمثال السعالى شرباً ... تعدو ببيضٍ فى الكريهة شوس حمى الحديد عليهم فكأنه ... لمان برقٍ أو شعاع شموس وأنشدنى بعض أصحابنا: ولكن عبد الله لما حوى الغنى ... وصار له من بين إخوانه مال رأى خلةً منهم تسد بماله ... فساهمهم حتى استوت فيهم الحال وحدثنى أبو بكر بن الأنبارى قال حدثنى أبى قال أخبرنا أحمد بن عبيد عن أبى الحسن المدائنى عمن حدثه عنمولى لعنبسة بن سعيد بن العاصى قال: كنت أدخل مع عنبسة بن سعيد بن العاصى إذا دخل على الحجاج، فدخل يوما فدخلت إليهما وليس عند الحجاج أحد إلا عنبسة، فأعدنى فجىء الحجاج بطبق فيه رطب، فأخذ الخادم منه شئاً فجاءنى به، ثم جىء بطبق آخر حتى كثرت الأطباق، وجعل لا يأتون بشيء إلا جاءنى منه بشىء، حتى ظننت أن ما بين يديى أكثر مما عندهما؛ ثم جاء الحاجب فقال: امرأة بالباب؟ فقال له الحجاج: أدخلها، فدخلت، فلما رآها الحجاج طأطأ رأسه حتى ظننت أن ذقنه قد أصاب الأرض، فجاءت حتى قعدت بين يديه، فنظرت فإذا امرأة قد أسنت حسنة الخلق ومعها جاريتان لها، وإذا هى ليلى الأخيلية، فسألها الحاجاج عن نسبها فانتسبت له؛ فقال لها: يا ليلى، ما أتى بك؟ فقالت: إخلاف النجوم، وقلة الغيوم؛ وكلب البرد، وشدة الجهد، وكنت لنا بعد الله الرفد. فقال لها: صفى لنا الفجاج؛ فقالت: الفجاج مغبرة، والأرض مقشعرة؛ والمبرك معتل، وذو العيال مختل، والهالك للقل؛ والناس مسنتون، رحمة الله يرجون؛ وأصابتنا سنون مجحفة مبلطة، لم تدع لنا هبعاً، ولا ربعا؛ ولا عافطة ولا نافطة؛ أذهبت الأموال، ومزقت الرجال، وأهلكت العيال؛ ثم قالت: إنى قلت فى الأمير قولا؛ قال: هاتى؛ فأنشأت تقول:
أحجاج لا يقلل سلاحك إنها الم ... نايا بكف الله حيث تراها أحجاج لا تعطى العصاة مناهم ... ولا الله يعطى دائها فشفاها إذا هبط الحجاج أرضاً مريضةً ... تتبع أقصى دائها فشفاها شفاها من الداء العضال الذى بها ... غلام إذا هز القناة سقاها سقاها فرواها بشرب سجاله ... دماء رجال حيث مال حشاها إذا سمع الحجاج زر كتيبةٍ ... أعد لها قبل النزول قراها أعد لها مسمومةً فارسية ... بأيدي رجال يحلبسون صراها فما ولد الأبكار والعون مثله ... ببحر ولا أرضٍ يجف ثراها قال: فلما قالت هذا البيت قال الحجاج: قاتلها الله! والله ما أصاب صفتى شاعر مذ دخلت العراق غيرها، ثم التفت إلى عنبسة بن فقال: والله إنى لأعد للأمر عسى ألا يكون أبداً؛ ثم التفت إليها فقال: حسبك؛ قالت: إنى قد قلت أكثر من هذا؛ قال: حسبك! ويحك حسبك! ثم قال: يا غلام، اذهب إلى فلان فقل له: اقطع لسانها؛ فذهب بها فقال له: يقول لك الأمير: اقطع لسانها؛ قال: فأمر بإحضار الحجاج، فالتفتت إليه فقالت: ثكلتك أمك! أما سمعت ما قاله، إنما أمرك أن تقطع لسانى بالصلة؛ فبعث إليه يستئبته؛ فاستشاط الحجاج غضبا وهم بقطع لسانه وقال: ارددها، فلما دخلت عليه قالت: كاد وأمانة الله يقطع مقولى، ثم أنشأت تقول: حجاج أنت ا لذى ما فوقه أحد ... إلا الخليفة والمستغفر الصمد حجاج أنت شهاب الحرب إن لقحت ... وأنت للناس نورفى الدجى يقد ثم أقبل الحجاج على جلسائه فقال: أتدرون من هذه؟ قالوا: لا والله أيها الأمير، إلا أنا لم نر قط أفصح لسانا، ولا أحسن محاورة، ولا أملح وجها، ولا أرصن شعراً منها! فقال: هذه ليلى الأخيلية التى مات توبة الخفاجى من حبها! ثم التفت إليها فقال: أنشدينا يا ليلى بعض ما قال فيك توبة؛ قالت: نعم أيها الأمير، هو الذى يقول: وهل تبكين ليلى إذا مت قبلها ... وقام على قبرى النساء النوائح كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها ... وجاد لها دمع من العين سافح وأغبط من ليلى بما لا أناله ... بلى كل ما قرّت به العين طائح ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... على ودونى جندل وصفائح أسلمت تسليم البشاشة أوزقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح فقال: زيدينا من شعره يا ليلى؛ قالت: هو الذى يقول: حمامة بطن الواديين ترنمى ... سقاك من الغر الغوادى مطيرها أبينى لنا لا أزال ريشك ناعماً ... ولا زلت فى خضراء غض نضيرها أبينى لا زال ليلى تبرقعت ... فقد وابنى منها الغداة سفورها وقد رابنى منها صدود رأيته ... وإعراضها عن حاجتى وبسورها وأشرف بالقور اليفاع لعلنى ... أرى نار ليلى أو يرانى بصيرها يقول رجال لا يضيرك نأيها ... بلى كل ما شف النفوس يضيرها بلى قد يضير العين أن تكثير البكا ... ويمنع منها نومها وسرورها وقد زعمت ليلى بأنى فاجر ... لنفسى تقاها أو عليها فجورها فقال الحجاج: يا ليلى، ما الذى رابه من سفورك؟ فقالت: أيها الأمير، كان يلم بى كثيراً، فأرسل إلى يوما أنى آتيك؛ وفطن الحى فأرصدوا له؛ فلما أتانى سفرت عن وجهى؛ فعلم أ، ذلك لشر فلم يزد على التسليم والرجوع؛ فقال: لله درك! فهل رايت منه شيئاً تكرهينه؟ فقالت: لا والله الذى أسأله أن يصلحك، غير أنه مرة قولا ظننت أنه قد خضع لبعض الأمر، فأنشأت تقول: وذى حاجةٍ قلنا له لا تبح بها ... فليس إليها ما حييت سبيل لنا صاحب لا ينبغى أن نخونه ... وأنت لأخرى صاحب وحليل فلا والله الذى أسأله أن يصلحك، ما رأيت منه شيئا حتى فرت الموت بينى وبينه؛ قال: ثم مه! قالت: ثم لم يلبث أن خرج فى غزاة له فأوصى ابن عم له: إذا أتيت الحاضر من بنى عبادة فناد بأعلى صوتك:
عفا الله عنها هل أبيتن ليلةً ... من الدهر لا يسرى إلى خيالها وأنا أقول: وعنه عفا ربى وأحسن حاله ... فعزت علينا حاجة لا ينالها قال: ثم مه! قالت: ثم لم يلبث أن مات فأتانا نعيه؛ فقال: أنشدينا بعض مراثيك فيه؛ فأنشدت: لتبك عليه من خفاجة نسوة ... بماء شؤون العبرة المتحدر قال لها: فأنشدينا، فأنشدته: كأن فتى الفتيان توبة لم ينخ ... قلائص يفحصن الحصى بالكراكر فلما فرغت من القصيدة قال محصن الفقعسي - وكان من جلساء الحجاج - : من الذى تقول هذه هذا فيه؟ فو الله إنى لأظنها كاذبة؛ فنظرت إليه ثم قالت: أيها الأمير، إن هذا القائل لو رأى توبة لسره ألا تكون فى داره عذراء إلا هى حامل منه؛ فقال الحجاج: هذا وأبيك الجواب وقد كنت عنه غنياً، ثم قال لها: سلى يا ليلى تعطى؛ قالت: أعط فمثلك أعطى فأحسن؛ قال: لك عشرون؛ قالت: زد فمثلك زاد فأجمل؛ قال: لك أربعون؛ قالت: زد فمثلك زاد فأكمل؛ قال: لك ثمانون؛ قالت: زد فمثلك زاد فتمم؛ قال: لك مائة، واعلمى أنها غنم؛ قالت: معاذ الله أيها الأمير! أنت أجود جودا، وأمجد مجدا، وأورى زندا، من أن تجعلها غنما؛ قال: فما هى ويحك يا ليلى؟ قالت: مائة من الإبل برعاتها؛ فأمر لها بها، ثم قال: ألك حاجة بعدها؟ قالت: تدفع إلى النابغة الجعدى قال: قد فعلت، وقد كانت تهجوه ويهجوها؛ فبلغ النابغة ذلك، فخرج هاربا عائدا بعبد الملك؛ فاتبعته إلى الشام؛ فهرب إلى قتيبة بن مسلم بخرسان، فاتبعته على البريد بكتاب الحجاج إلى قتيبة، فمات بقومس ويقال: بحلوان. قال أبو على: قولها: إخلاف النجوم، تريد: أخلفت النجوم التى يكون بها المطر فلم تأت بمطر. وكلب البرد: شدته، وهذا مثل لأن الكلب السعار الذى يصيب الكلاب والذئاب. والرفد: المعونة، والرفدك العطية، ويقال: رفدته من الرفد وأرفدته إذا أعنته على ذلك؛ وقال الأصمعى: الرفد بكسر الراء: القدح. والفرد بالفتح: مصدر رفدته، والرفود من الإبل التى تملأ الرفد؛ وقال أبو عبيدة: الرفد بفتح الراء: القدح، وأنشد قول الأعشى: رب رفد هرقته ذلك اليو ... م وأسرى من معشرٍ أقتال قال: والرفد بالكسر: المعونة؛ وروى الأصمعى: رب رفد بكسر الراء. والفجاج جمع فج، والفج، كل سعةٍ بين نشازين، كذا قال أبو زيد. وقولها: والمبرك معتل، أرادت الإبل فأقامت المبرك مكانها لعلم المخاطب إيجازاً واختصارا، كما قالوا: نهاره صائم وليله قائم. وقولها: وذو العيال مختل، أي محتاج، والخلة الحاجة. وقولها: والهالك للقل، أى من أجل القلة. وقولها: مسنتون، أى مقطحطون، والسنة: القحط، والسنون: القحوط. ومجحفة: قاشرة. وقولها: مبلطة، أى ملزقة بالبلاط، والبلاط: الأرض الملساء، وقال الأصمعى: أبلط الرجل فهو مبلط إذا لزق بالأرض؛ وحكى يعقوب عن غيره: أبلط فهو مبلط، وهو الهاللك الذى لا يجد شيئاً. وقولها: لم دع لنا هبعاً ولا ربعاً، فالهبع: ما نتج فى الصيف. والربع: ما نتج فى الربيع. وقولها: ولا عافطة ولا نافطة، أى لم تدع لنا ضائنة ولا ماعزة، والعافطة، الضائنة: والعفط: الضرط، يقال: عفطت تعفط عفطا إذا ضرطت، فهى عافطة. والنافطة: الماعزة، والنفط: العطاس، يقال: نفطت تنفط إذا عطست، فهى نافطة.
ومما يقال فى هذا المعنى: ما له سبد ولا لبد، أى ما له ذو سبد وهو الشعر، ولا ذو لبدٍ وهو الصوف، فمعناه: ما له شاة ولا عنز. وما له سارحة ولا رائحة، أى ما له ماشية تسرح أو تروح. وما له ثاغية ولا راغية، فالثاغية: الشاة، والراغية: الناقة، لأنه يقال لأصوات الشاء: الغناء، وقد ثغت تثغو، ولأصوات الإبل: الرغاء، وقد رغت ترغو؛ والعرب تقول: ما أثغانى ولا أرغانى، أى ما أعطانى ثاغية ولا راغية، وما أجلنى ولا أحشانى، أى ما أعطانى من جلة إبله ولا من حواشيها، والحواشى، واحدتها حاشية، وهى صغار الإبل. وما له دقيقة ولا جليلة، والدقيقة: الشاة. والجليلة: الناقة. وما له حانة ولا آنة، فالحانة: الناقة تحنّ إلى ولدها. والآنة: الأمة تئن من شدة التعب أو من علة. وما له هارب ولا قارب، فالهارب: الصادر عن الماء، والقارب: الطالب للماء. وما له عاو ولا نابح، أى ما له غنم يعوى به الذئب أو ينبح فيها الكلب، فإذا نفى عنه العاوى والنابح فقد نفى عنه الغنم. وما له هلع ولا هلعة، أى ما له جدى ولا عناق. وما هل زرع ولا ضرع. وما له قد ولا قحف، فالقد: إناء من الجلود، والقحف: إناء من خشب. وما له أقذ ولا مريش، فالأقد: السهم الذى لا قدة له، وهى الريش، وجمعها قذذ، والمريش: الذى عليه الريش. وما له سعنة ولا معنة، أى ما له قليل ولا كثير؛ قال النمر بن تولب: ولا ضيعته فألام فيه ... فإن ضياع مالك غير معن أى غير يسير ولا هين؛ قال أبو العباس: فدل هذا على أن المعن: القليل، والسعن: الكثير. وحدثنا أبو بكر بن الأنبارى قال حدثنى أبى قال أخبرنا محمد بن الحكم عن قطرب قال: يقال: ما له سعن ولا معن، فالسعن: الودك. والمعن: المعروف، وأنشد بيت النمر، وقد مضى فى الباب. وما له دار ولا عقار، فالعقار: النخل. وما له ستر ولا حجر، فالستر: الحياء؛ قال زهير: الستر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من ستر والحجر: العقل، وإنما سمى حجراً لأنه يحجر صاحبه عن القبيح. وما له أثر ولا عثير، فالعثير: الغبار، قال الشاعر: أثرن عليهم عثيراً بالحوافر قال أبو العباس أحمد بن يحيى: ومعناه: أنه لا يغزو راجلا فيتبين أثره، ولا فارسا فيثير الغبار فرسه. وما له حس ولا بس، أى ما له حركة، فالحس: ما يحس به، والبس من قولهم: أبسست بالناقة إذا قلتلها: بس بس لتدر. وكسرواالباء ليكون على مثال حس. وقال أبو عبيدة: يقال: قدم فلان فما جاء بهلة ولا بلةٍ، فهلة: فرح، وبلة: أدنى بلل من الخير. وأنشدنا أبو بكر بن دريد عن أبى عثمان عن التؤزى عن أبى عبيدة لرجل من بنى تميم: ولما رأينى بنى عاصم ... دعون الذى كن أنسيته فوارين ما كن حسرنه ... وأخفين ما كن يبدينه يصف نساء سبين فأنسين الحياء، فأبدين وجوههن وحسرن رءوسهن، فلما رأين بنى عاصم أيقن أنهن قد أستنقذن، فراجعن حياءهن فسترن وجوههن وغطين رءوسهن.
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنا السكن بن سعيد الجرموزى عن محمد بن عباد بن عباد بن ابن الكلبى عن أبيه قال: كان مرثد الخير بن ينكف بن نوف بن معد يكرب بن مضحى قيلا، وكان حدباً على عشيرته محباً لصلاحهم، وكان سبيع بن الحارث أخو علس - وعلس هو ذو جدن - وميثم بن مثوب ابن ذى رعين تنازعا الشرف حتى تشاحنا وخيف أن يقع بين حييهما شر فيتفانى جذماهما؛ فبعث إليهما مرثد فأحضرهما ليصلح بينها، فقال لهما: إن التخبط وامتطاء الهجاج، واستحقاب اللجاج، سيقفكما على شفا هوةٍ فى توردها بوار الأصيلة، وانقطاع الوسيلة؛ فتلافيها أمركما قل انتكاث العهد، وانحلال العقد، وتشتت الألفة، وتباين السهمة، وأنتما فى فسحة رافهة، وقدم واطدة، والمودة مثرية، والبقيا معرضة؛ فقد عرفتم أنباء من كان قبلكم من العرب ممن عصى النصيح، وخالف الرشيد، وأصغى إلى التقاطع؛ ورأيتم ما آلت إليه عواقب سوء سعيهم، وكيف كان صبور أمورهم، فتلافوا القرحة قبل تفاقم الثأى واستفحال الداء وإعواز الدواء، فإنه إذا سفكت الدماء استحكمت الشحناء، وإذا استحكمت الشحناء تقضبت عرى الإبقاء وشمل البلاء؛ قال سبيع: أيها الملك، إن عداوة بنى العلات لا تبرئها الأساة، ولا شتفيها الرقاة، ولاتستقبل لها الكفاة؛ والحسد الكامن، هو الداء الباطن؛ وقد علم بنو أبينا هؤلاء أنا لهم ردء إذا رهبوا، وغيث إذا أجدبوا، وعضد إذا حاربوا، ومفزع إذا نكبوا؛ وإنا وإياهم كما قال الأول: إذا ما علوا قالوا أبونا وأمنا ... وليس لهم عالين أم ولا أب فقال ميثم: أيها الملك، إن من نفس على ابن أبيه الزعامة، وجدبه فى المقامة، واستكثر له قليل الكرامة، كان قرفاً بالملامة، ومؤنباً على ترك الاستقامة؛ وإنا والله ما نعتقد لهم بيد إلا وقد نالهم منا كفاؤها، ولا تذكر لهم حسنة غلا وقد تطلع منا إليهم جزاؤها، ولا يتقيأ لهم علينا ظل نعمة إلا وقد قوبلوا بشرواها؛ ونحن بنو فحلٍ مقرم لهم تقعد الأمهات ولا بهم، ولم تنزعنا أعراق السوء ولا إياهم، فعلام مط الخدود وخزر العيون، ووالجخيف والتصعر، والبأو والتكبر؟ ألكثرة عدد، أم لفضل جلد، أم لطول معتقد؟ وإنا وإياهم لكما قال الأول: لاه ابن عمك لا أفضلت فى حسب ... عنى ولا أنت ديانى فتخزونى ومقاطع اللأمور ثلاثة: حرب مبيرة، أو سلم قريرة، أو مداجاة وغفيرة، فقال الملك: لتنشطوا الشوارد، ولتلقحوا العون القواعد، ولتؤرثوا نيران الأحقاد ففيها المتلفة المستأصلة، والجاثحة والأليلة، وعفوا بالحلم أبلاد الكلم، وأنيبوا الى السبيل الأرشد والمنهج اللآقصد، فإن الحرب تقبل بزبرج الغرور، وتدبر بالويلى والثبور، ثم قال الملك: ألا هل أتى اللأقوام بذلى نصيحة ... حبوت بها منى سبيعا وميثما وقلت اعلما أن التدابر غادرت ... عواقبه للذل والقل جرهما فلاتقدحا زند العقوق وأبقيا ... على العزة القعساء أن تتهدما ولاتجنيا حربا تجر عليكما ... عواقبها يوما من الشر أشأما فإن جناة الحرب للحين عرضة ... تفوقهم منها الذعاف المقشما حذار فلا تستنبثوها فإنها ... تغادر ذا الأنف الأشم مكثما فقالا: لاأيها الملك، بل نقبل نصحك، ونطيع أمرك، ونطفىء النائرة، ونحل الضغائن، ونثوب الى السلم قال أبو على: قوله: تشاحنا، من الشحناء وهى العداوة والجذم: الأصل، قال أوس بن حجر: غنى تآوى بأولادها ... لتهلك جذم تميم بن مر وكذلك الجذر، وجذور الحساب منه،وقال أبو عمر الشيبانى:الجذر بكسر الجيم وقال أبو بكر:التخبط: ركوب الرجل رأسه في الشر خاصة، قال أبو على: ولم أسمع هذه الكلمة من غيره فأما التخمط بالميم: فالتكبر، وأنشد يعقوب: وخطيب قوم قدموه أمامهم ... ثقة بة متخمط تياح وقال أبو بكر: يقال: ركب الرجل هجاجة إذا لج ومحك والاستحقاب: استفعال من الحقيبة أو من الحقاب، فأما الحقيبة فما يجعل فيه الرجل متاعه من خرج أو غيره، وحقيبة الجمل التى تكون وراء الرجل تحشى تبنا أو حشيشا وقول نصيب في سليمان بن عبد الملك رحمهما الله تعالى: أقول لركب قافلين لقيتهم ... قفا ذات أوشال ومولاك قارب قفواخبرونا عن سليمان إننى ... لمعروفة من آل ودان طالب فعاجوا فائتوا بالذى أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب من الحقيبة. والحقاب: بريم تشد به المرأة وسطها. والبريم: خيط فيه لونان، وهذا مثل؛ إما أن يكون أراد أنه احتزم باللجاج أو جعله فى وعائه. والهوة: الجوبة. والبوار: الهلاك. وقال أبو زيد: الأصيلة والأصل واحد. والانتكاث: الانتقاض، والانكاث، واحدها نكث، وهو ما نقض من الأخبية والحبال ليعاد ثانية؛ ومنه بشير بن النكث. والسهمة: القرابة. ورافهة: ناعمة، من الرفاهية. وواطدة: ثابتة. ومثرية: متصلة، مأخوذة من الثرى، هو التراب الندى، يقال: ثريت التراب إذا بللته؛ قال جرير: فلا توبسوا بينى وبينكم الثرى ... فإن الذى بينى وبينكم مثرى ويقال: قد ثريت بك، أي كثرت بك، وثرى بنو فلان بنى فلان، أى صاروا أكثر منهم. وأثرى الرجل يصرى إثراءً إذا كثر ماله، وإنه لمثرٍ. والثراء والثروة جميعاً: كثرة المال، وقد تكون الثروة كثرة العدد. وينشد بيت ابن مقبل: وثروةٍ من رجالس لو رأيتهم ... لقلت إحدى حراج الجر من أٌر فالثروة ها هنا كثرة العدد. وثورة من رجال، وهم الذين يثورون فى الحرب. ومعرضه: ممكنة، قد أمكنت من عرضها، أى من جنبها وناحيتها، يقال: قد أعرض لك الظبى فارمه، أيى قد أمكنك من عرضه. قال الأصمعى: صار يصير صيرورة ومصيرا، والصبور: الأمر الذى يرجع إليه. واستفحال الداء: اشتداده، وهو أن يصير مثل الفحل، وتقضبت: تقطعت. وشمل البلاءك عم، وشمل يشمل أفصح، وقال أبو عبيدة: شمل يشمل، وأنشدنا: كيف نومى على الفراش ولما ... تشمل الشأم غارة شعواء والأساة: الأطباء، واحدهم آسٍ، قال البعيث: إذا قاسها الآسى النطاسى أدبرت ... غثيثتها وازداد وهيا هزومها الغثيثة: ما سال من الجرح من مدة أو قبح. والإساء: الدواء. والردء: العون؛ قال الله عز وجل: (فأرسله معى رداً يصدقنى). والزعامة: الرياسة. ويقال: السلاح، وهى ها هنا الرياسة، قال لبيد: تطير عدائد الأشراك شفعاً ... ووتراً والزعامة للغلام وجدبه: عابه، وفى حديث عمر رضى الله عنه أنه جدب السمر بعد عتمةٍ، أى عابه، قال ذو الرمة: فيا لك من خد أسيلٍ ومنطقٍ ... رخيم ومن خلقٍ تعلل جادبه والمقامة: المجلس؛ قال الأصمعى: المجلس الناس، وأنشد بيت مهلهل: نبئت أن النار بعدك أوقدت ... واستب بعدك يا كليب المجلس قرفا، قال أبو على: هكذا أملاه قرفاً على فعل، أى خليقا، وكان ابن الأعرابى يقول: يقال: أنت قرف من كذا، ولا يقال: قريف ولا قرف. ويقال: إنه لخليق لكذا وكذا، وقد خلق خلافة، وإنه لجدير بكذا وكذا، وقد جدر جدارة، وإنه لحرى وحرى وحرٍ لذلك، وإنه لقمين بكذا وكذا، وفمن وفمن، وإنه لعس أن يفعل ذلك، ويثنى ويجمع، وليس يقال فيه: يعسو ولا يعسى، وإنه لحجٍ به وحجى به، وقد حجى يحجى سجى، ولا يقال: أنت حجى بكذا ولا عسى. ويقال فى هذا كله: ما أخلقه وأجدره وأحراه وأعساه وأقمنه وأحجاه وما أقرفه. ويقال فى هذا كله: أفعل به: أعس به، أقرف به. قال أبو على: روينا من غير طريق ابن الأعرابى: أنت قرف بكذا وحجى بكذا، وهما عندنا جائزان. وقال أبو على: ويقال: قرف عليه يقرف قرفا إذا بغى عليه، وقرف فلان فلانا إذا وقع فيه كأنه يقشره. وقرفت القرحة إذا قشرتها، ويقال: تركتهم على مثل مقرف الصمغة، أى مقشرها، والقرف: الشقشر، والقرف: القشر، والفرقة: القشرة، ولها ذسمى هذا التابل قرفة، لأنه لحاء شجر. ويقال: صبغ ثوبه بفرف السدر. وقال الأصمعى: أٌرف الرجل وغيره إذا دانى الهدنة فهو مقرف. ويقال: أخشى عليه القرف، أى مداناة المرض. ويقال: قرف فلان بسوء فهو مقروف، ومن قرفتك من القوم، أى من تتهم. والمفارقة: الجماع، وفى حديث عاشئة رضى اللع عنها: " إن كان رسول الله صلى الله وسلم ليصبح جنبا عن قرافٍ غير احتلام " . ويقال: اقترف إذا اكتسب. والقروف: الأوعية، واحدها قرف. وشرواها: مثلها. والمط والمد والمت بمعنى واحد. والخزر: أن ينظر الرجل إلى أحد عرضيه، يقال: إنه ليتخازر إذا نظر إليه بمؤخر عينه ولم يستقبله بنظره. وأنشدنى أبو بكر ابن دريد:
إذا تخازرت وما بى من خزر ... ثم كسرت العين من غير عور ألفيتني ألوي بعيد المستمر ... أحمل ما حملت من خيرٍ وشرٍ وقال أبو عبيدة: الجخيف: التكبر. قال أبو على: حدثنا بعض مشايخنا عن أبى العباس أحمد بن يحيى أنه قال: بلغنى أنه قيل للأصمعى: قال أبو عبيدة: الجخيف: التكبر، والبأو: التكبر، قال: أما البأو فنعم، وأما الجحيف فلا. وحدثنى أبو بكر بن دريد قال حدثنى أبو حاتم قال: قلت للأصمعى: أتقول فى التهدد: أبرق وأرعد؟ فقال: لا، لست أٌول ذلك إلا أن أرى البرق أو أسمع الرعد؛ فقلت: فقد قال الكميت: أبرق وأرعد يا يزيد فما وعبدك لى بضائر فقال: الكميت جرمقانى من أهل الموصل ليس بحجة، والحجة الذى يقول: إذا جاوزت من ذات عرقٍ ثنيةً ... فقل لأبى قابوس ما شئت فارعد فأتيت أبا زيد فقلت له: كيف تقول من الرعد والبرق: فعلت السماء فقال: رعدت وبرقت، فقلت: فمن التهدد؟ قال: رعد وبرق وأرعد وأبرق، فأجاز اللغتين جميعاً؛ وأقبل أعرابى محرم فأردت أن أسأله: فقال لى أبو زيد: دعنى فأنا أعرف بسؤاله منك، فقال: يا أعرابى، كيف تقول: رعدت السماء وبرقت، أو أرعدت وأبرقت؟ فقال: رعدت وبرقت؛ فقال أبو زيد: فكيف تقول للرجل من هذا؟ فقال: أمت الجخيف تريد؟ - يعنى التهدد - قلت: نعم؛ فقال أقول: رعد وبرق وأرعد وأبرق. وتحزونى: تقهرنى وتسوسنى، وقال يعقوب: خزوته: قهرته. والمداجاة: المساترة، قال الأصمعى: دجا الليل يدجو إذا ألبس كل شيء؛ وأنشد غيره: فما شب عمرو غير اغتم فاجرٍ ... أبى مد مدجا الإسلام لا يتحنف يعنى: ألبس كل شيء. وقال بعض العرب: ترى الحبارى الصقر فيلتفش ريشها، فاذا سكن روعها دجا ريشها، أى ركب بعضه بعضا، وقيل لأعرابى: بأى شيء تعرف حمل الشاة؟ فقال: بأن تستفيض خاصرتاها وتدجو شعرتها ويحشف حياؤها. وقوله: غفيرة، أي غفران، والعرب تقول: ليست فيهم غفيرة، أى لا يغفرون. ويقال: جاءوا جما غفيرا والجماء الغفير. والغفر: زئير الثوب، والغفر: الشعر الذى على ساق المرأة، والغفر: منزل من منازل القمر، كلها مسكنة الفاء مفتوحة الغين. والغفر: ولد الأروية، والجمع أغفار. والغفارة: السحابة تراها كأنها فوق السحابة، والغفارة: الجلدة التى تكون على رأس القوس فى الحز يجرى عليها الوتر، والغفارة: خرقة تلبسها المرأة تحت مقنعتها توقى بها الخمار من الدهن. ويقال: غفر الرجل يغفر غفرا إذا برأ من مرضه، وغفر إذا نكس، قال الشاعر: خليلى إن الدار غفر لذى الهوى ... كما يغفر المحموم أو صاحب الكلم وغفر الجرح يغفر غفرا إذا فسد، وغفر الرجل المتاع فى الوعاء يغفره غفرا، ويقال: اصبغ ثوبك بالسواد فإنه أغفر للوسخ، أى أغطى له. وقال له الأصمعى: نشطت العقدة: عقدتها، وأنشطتها: حللتها. وأما قوله: ولا تلقحوا العون، فإنما هو مثل، وأصله فى الإبل، يقال: لقحت الناقة إذا حملت وألقحها الفحل، ثم ضرب ذلك مثلا للعرب إذا ابتدأت. والعون: جمع عوان وهى الثيب، يقال للعرب: عوان إذا كان قد قوتل فيها مرة بعد مرة. وتؤرثوا: تذكوا، قال أبو زيد: يقال: أرنارك تاريةً، أي عظمها، ونمها تنمية مثله، وكذلك ذك نارك تذكيةً، أى ألق عليها حطبا أو بعراً لتهيج، واسم الذى يلقى علهيا من الحطب أو البعر: الذكية، وارث نارك تأريثاً مثله، واسم ما نؤرث به النار: الإراث. والأليلة: الثكل. والجائحة: الاستئصال، أنشدنى أبو بكر: فهي الأليلة إن قتلت خؤولنى ... وهى الأليلة إن همو لم يقتلوا والأليل: الأنين، قال ابن ميادة: وقولا لها ما تأمرين لوامقٍ ... له بعد نومات العيون أبل أي أنين. ويقال: سمعت أليل الماء وخريره وقسيبه، أى صوت جريه. والأبلاد: الآثار، واحدها بلد، وكذلك الندوب، واحدها ندب. والحبار والحبر والعلوب: الآثار. والدعى: الأثر. والعاذر: الأثر؛ قال ابن أحمر: أزاحمهم بالباب إذ يدفعوننى ... وبالظهر منى من قرا الباب عاذر
والزبرج: السحاب الذى تسفره الريح، وهذا قول الأصمعى، وقال أبو بكر بن دريد رحمه الله. لا يقال: زبرج إلا أن تكون فيه حمرة. والقل: القلة. والذل: الذلة. والقعاء: الثابتة. وتفوقهم: تسقيهم الفواق، والفواق: ما بين الحلبتين، كأنه يحلب حلبة ثم يسكت ثم يحلب أخرى. والمقشم والمقشب واحد، وهو المخلوط، ولا تسنبئوها: مثل، أى لا تحرجوا نبتتها، وهو ما يخرج من البئر إذا حفرت، يريد: لا تثروا الحرب. ومكشم: مقطوع. وقرىء على أبى بكر بن دريد لأبى العميثل عبد الله بن خالد وأنا أسمع: لقيت ابنة السهمى زينب عن عفر ... ونحن حرام مسى عاشرة العشر وإنا وإياها لحتم مبيتنا ... جميعاً وسيرانا مغد وذو فتر قوله: عن عفر: عن بعدٍ، أى بعد حين، يقال: ما ألقاه إلا عن عفر،أيى بعد حين. ونحن حرام، أى محرمون. مسى عاشرة العشرة، يعنى أنه لقيها بعرفاتٍ عشية عرفة وهو مشى عاشرة العشر. وقوله: حتم مبيتنا، يقول: مبين الناس بالمزدلقة لا يجاوزها أحد. وسيرانا، أى سيرى العشر. وقوله: حتم مبيتنا، يقول: مبيت الناس بالمزدلقة لا يجاوزها واحد. وسيرانا، أى سيرى أنا مغد، أى مسرع، وسيرها ذو فترٍ، أى ذو فتور وسكون لأنها يرفق بها. وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال: أنشدنا أبو حاتم - ولم يسم قائله - فى طول الليل: ألا هل على الليل الطويل معين ... إذا نزحت دار وحن حزين أكابد هذا الليل حتى كأنما ... على نجمه ألا يغور يمين فوا لله، فارقتكم قاليا لكم ... ولكن ما يقضى فسوف يكون وقرأت على أبى بكر لحندج بن حندج: فى ليل صولٍ تناهى العرض والطول ... كأنما ليله بالليل موصول لا فارق الصبح كفى إن ظفرت به ... وإن بدت غرة منه وتحجيل لساهرٍ طال فى صولٍ تململه ... كأنه حية بالسوط مقتول متى أرى الصبح قد لاحت مخابله ... والليل قد مزقت عنه السرابيل ليل تحير ما ينحط فى جهةٍ ... كأنه فوق متن الأرض مشكول نجومه ركد ليست بزائلةٍ ... كأنما هن فى الجو القناديل ما أقدر الله أن يدنى على شحط ... من داره الحزن ممن داره صول ألله يطوى بساط الأرض بينهما ... حتى يرى الربع منه وهو مأهول وأنشدنا بعض أصحابنا لبشار: خليلى ما بال الدجى لا تزحزح ... وما لعمود الصبح لا يتوضح أضل النهار المستنير طريقه ... أم الدهر ليل كله ليس يبرح وطال على الليل حتى كأنه ... بليلين موصول فما يتزحزح قال أبو على: وأحسن عدى بن الرقاع فى هذا المعنى فقال: وكأن ليلى حين تغرب شمسه ... بسواد آخر مثله موصول ولبعضهم فى طول الليل: ما لنجوم الليل لا تغرب ... كأنها من خلفها تجذب رواكداً ما غار فى غربها ... ولا بدا من شرقها كوكب وقد ذكر الفرزدق العلة فى طول الليل فقال: يقولون طال الليل والليل لم يطل ... ولكن من يبكى من الشوق يسهر وقال بشار فى هذا المعنى: لم يطل ليلى ولكن لم أنم ... وفنى عن الكرى طيف ألم وإذا قلت لها جودى لنا ... خرجت بالصمت عن لا ونعم نفسى يا عبد عنى واعمى ... أننا يا عبد من لحم ودم إن فى بردى جسماً ناحلا ... لو توكأت عليه لانهدم ختم الحب لها فى عنقى ... موضع الخاتم من أهل الذمم ولقد أحسن على بن بسام فى هذا المعنى، أنشدنى ابنه أبو على عن أبيه: لا أظلم الليل ولا أدعى ... أن نجوم الليل ليست تغور ليلى كما شاءت فإن لم تجد ... طال وإن جادت قليلى قصير وحدثنا أبو بكر بن الأنبارى قال حدثنا عبد الله بن خلف قال حدثنا أبو بكر بن الوليد البزار قال: كان على بن الجهم يستندشنى كثيراً شعر خالد الكاتب؛ فأنشده، فيقول: ما صنع شيئاً؛ ثم أنشدته يوما له: رقدت ولم ترث للساهر ... وليل المحب بلا آخر ولم تدر بعد ذهاب الرقا ... د ما صنع الدمع من ناظرى وأنشدنا بعض أصحابنا لعلى بن العباس الرومى فى طول الليل: رب ليلٍ كأنه الدهر طولاً ... قد تناهى فليس فيه مزيد ذى نجوم كأنهن نجوم الشي ... يب ليست تزول لكن تزيد ولسعيد بن حميد فى طول الليل: يا ليل بل يا أبد ... أنائم عنك غد يا ليل لو تلقى الذى ... ألقى بها أو تجد قصر من طولك أو ... ضعف منك الجلد اشكو إلى ظالمةٍ ... تشكو الذى لا تجد وقف عليها ناظرى ... وقف عليها السهد قال أبو زيد: تقول العرب فى مثلٍ لها: " خبأة خير من يفعة سوءٍ " أى بنت تلزم البيت تخبأ فيه نفسها خير من غلا مسوءٍ لا خير فيه. قال: ويقال للرجل إذا ولدت له جارية: " هنيئاً لك الناقجة " وذلك أنه يزوج بنته فيأخذ مهرها إبلا إلى إبله فتنفجها. قال: ويقال: أضب القوم إضبابا إذا تكلموا وصاح بعضهم إلى بعض، وأضبأ على الشىء إضباء فهو مضبىء إذا كتمه، وقال الأصمعى: ضبأ فهو ضابى إذا لصق بالأرض؛ قال الأعشى: أهون لها ضابى فى الأرض مفتحص ... للحم قدماً خفى طالما خشعا قال: وأنشدنا أبو على العباس بن الأحنف: أيها الراقدون حولى أعينو ... نى على الليل حسبة وانتجارا حدثونى عن النهار حديثاً ... أو صفوه فقد نسيت النهارا وأملى علينا الأخفش، وقرأتها على ابن الأنبارى لسويد بن أبى كاهل: وإذا ما قلت ليل قد مضى ... عطف الأول منه فرجع يسحب الليل نجوماً طلعاً ... فيواليها بطيئات التبع ويزجيها على إبطائها ... مغرب اللون إذا الليل انقشع وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنى عمى عن أبيه عن هشام بن محمد الكلبى عن عبد الرحمن ابن أبى عبس الأنصارى قال: عاش الأوس بن حارثة دهراً وليس له ولد إلا مالك، وكان لخيه الخزرج خمسة: عمرو وعوف وجشم والحارث وكعب، فلما حضره الموت قال له قومه: قد كنا نأمرك بالتزوج فى شبابك فلم تزوج حتى حضرك الموت؛ فقال الأوس: لم يهلك هالك ترك مثل مالك؛ وإن كان الخزرج ذا عدد، وليس لمالك ولد؛ فلعل الذى استخرج العذق من الجريمة، والنار من الوثيمة؛ أن يجعل لمالك نسلا، ورجالا بسلا. يا مالك، المنية ولا الدنية؛ والعتاب قبل العقاب؛ والتجلد لا التبلد. واعلم أن القبر خير من الفقر؛ وشر شاربٍ المشتف، وأقبح طاعمٍ القتف؛ وذهاب البصر، خير من كثير من النظر؛ ومن كرم الكريم، الدفاع عن الحريم؛ ومن قل ذل، ومن أمر قل؛ وخير الغنى القناعة، وشر الفقر الضراعة؛ والدهر يومان، فيوم لك يوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصبر، فكلاهما سينحسر؛ فإنما تعز من ترى، ويعزك من لا ترى؛ ولو كان الموت يشترى لسلم منه أهل الدنيا، لكن الناس فيه مستوون: الشريف الأبلج، واللئيم المعلهج؛ والموت المفيت، خير من أن يقال لك: هبيت؛ وكيف بالسلامة، لمن ليست له إقامة؛ وشر من المصيبة سوء الخلف، وكل مجموع إلى تلف؛ حياك إلهك! قال: فنشر الله من مالكٍ بعدد بنى الخزرج أو نحوهم. قال أبو على: قوله: فلعل الذى استخرج العدق من الجريمة. العذق: النخلة نفسها بلغة أهل الخجاز، والعذق الكباسة. والجريمة: النواة. والوثيمة: هى الموثومة المربوطة، يريد به: قدح حوافر الخيل النار من الحجارة. والعرب تقسم بهذا الكلام فتقول: لا والذى أخرج العذق من الجريمة، والنار من الوثيمة. لا فعلت كذا وكذا. ومن أيمانهم: لا والذى شقهم خمسا من واحدة، يعنون: الأصابع. ويقولون: لا والذى أخرج قائبةً من قوب، يعنون: فرخاً من بيضة، ويقولون: لا والذى وجهى زمم بيته، أى قصده وحذاءه. والبسل: الشجعان، واحدهم باسل، والبسالة: الشجاعة، قال الفراء: الباسل: الذى حرم على قرنه الدنو منه لشجاعته، أى لشدته، لأنه لا يمهل قرنه ولا يمكنه من الدنو منه، أخذ من البسل وهو الحرام. وقال غيره: الباسل: الكريه المنظر، وإنما قيل للأسد: باسل، لكراهة وجهه وقبحه؛ يقال: ما أبسل وجه فلان؛ قال أبو ذؤيب: فكنت ذنوب البئر لما تبسلت ... وسربلت أكفانى ووسدت ساعدى
تبسلت: فظع منظرها وكرهت، وقال شيخنا أبو بكر بن الأنبارى: قال الأصمعى: الباسل: المر، وقد بسل الرج ليبسل بسالةً إذا صار مراً. والمشتف: المستقصى، يقال: استشف ما فى إنائه واشتف إذا شرب الشفافة، وهى البقية تبقى فى الإناء. والقنف: الآخذ بعجلة، ومنه سمى القفاف. وأمر: كثرة عدده، يقال: أمر القوم يأمرون إذا كثر عددهم؛ قال لبيد: نعلوهم كلما ينمى لهم سلف ... بالمشرفى ولولا ذاك قد أمروا ونشدنا أبو زيد: أم جوارٍ ضنؤها غير أمر ضنؤها: نسلها. وأمر المال وغيره يأمره أمرة وأمراً إذا كثر؛ قال الشاعر: والإثم من شر ما يصال به ... والبر كالغيث نبته أمر ويقال فى مثل: فى وجه مالك تعرف أمرته، وأمرته، أى نماءه وكثرته؛ وقال الله تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا فترفيها) أى كثرنا؛ وقال أبو عبيدة: يقال: خير المال سكة مأبورة، أو مهرة مأمورة، فالمأمورة: الكثيرة الولد، ومن آمرها الله، أى كثرها؛ وكان ينبغى أن يقال: مؤمرة، ولكنه أتبع مأبورة. والسكة: السطر من النخل، وقال الأصمعى: السكة: الحديدة التى يفلح بها الأرضون. والمأبورة: المصلحة، يقال: أبرت النخل ابرة أبرا إذا لقحته وأصلحته. وقد قرىء أمرنا مترفيها، على مثال فعلنا. أخبرنا القالى عن ابن كيسان أنه قد يقال: أمره بمعنى آمره يكون فيه لغتان، فعل وأفعل، وتعز: تغلب، ويقال: عز فلان فلانا عزا. وعز يعز عزا وعزة من العز. وعز على أهله عزازةً، من العز. والمعلهج: المتناهى فى الدناءة واللؤم، وكان أبو بكر يقول: هو اللئيم فى نفسه وآبائه. والهبيت: الأحمق الضعيف؛ قال طرفة: الهبيت لا فؤاد له ... والثبيت ثبته فهمه وكان أبو بكر بن الأنبارى يرويه: قيمه. وحدثنا أبو بكر رحمه الله تعالى قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت امرأة من العرب تخاصم زوجها وهى تقول: والله إن شربك لاشتفاف، وإن ضجعتك لانجعاف، وإن شملتك لالتفاف، وإنك لتشبع ليلة تضاف، وتنام ليلة تخاف؛ فقال لها: والله إنك لكرواء الساقين، قعواء الفخذين، مقاء الرفغين، مفاضة الكشحين؛ ضيفك جائع، وشرك شائع. قال أبو على: الانجعاف: الانصراع، يقال: ضربه فجأفه وجعفه وجفأه وكوره وجوره وجعفله، وقطره إذا ألقاه على أحد قطريه؛ قال طفيل: وراضكةٍ ما تستجن بجنةٍ ... بعير حلالٍ غادرته مجعفل وقال لبيد رضى الله عنه: فلم أر يوماً كان أكثر باكيا ... وحسناء قامت عن طرافٍ مجور وقال ابن قيس الرقيات: كالشارب النشوان قطره ... سمل الزقاق تفيض عبريته وأتكأه إذا ألقاه على هيئة المتكىء. وقال أبو زيد: ضربه فقحزنه وجحدله إذا صرعه. وقال الأصمعى وابن الأعرابى: بركعة: صرعه؛ وأنشد لرؤبة: ومن همزنا عزه تبركعا ... على استه زوبعةً أو زوبعا وقال غيرهما: البركعة: القيام على أربع، ويقال: تبركعت الحمامة لذكرها، أى بركت والكرواء: الدقيقة الساقين والكرا: دقة الساق، والكرى: النوم، والكرا: بمعنى الكروان، وكراء ممدودا: موضع وقال أبو بكر: القعواء: المتباعدة مابين الفخذين ولم أسمع هذا من غيره، والذى ذكره اللغوين في كتبهم فيما قرأته الفجواء: المتباعدة مابين الفخذين وقوله: مقاء، قال أبو زيد: المقاء: الدقيقة الفخذين، وكذلك الرفغاء، وقال الأصمعى: المقاء: الطويلة، والمقق: الطول، ورجل أمق: طويل، قال رؤية: لواحق الأقرب فيها كالمقق ... تفليل ماقارعن من سمر الطر يصف أتنا والمفاضة: المسترخية والكشحان: الخاصرتان، وهما الأيطلان والاطلان والقربان والصقلان، واحدهما قرب وصقل وكشح وإطل وأيطل وحدثنا أبو بكر رحمه الله تعالى قال حدثنا أبو حاتم عن أبى عبيدة قال: دخل أبو جويرية الشاعر على خالد بن عبد الله يمدحه، فقال له خالد: ألست القائل: ذهب الجود والجنيد جميعا ... فعلى الجود والجنيد السلام أصبحنا ثاوين في بطن مرو ... ماتغنى على الغصون الحمام أذهب الى الجود حيث دفنته فاستخرجته، قال أبو جويرية: أنا قائل هذا: وأنا الذى يقول بعده، فوثب إليه الحرس ليدفعوه، فقال خالد: دعوه، لاتجمع عليه الحرمان ونمنعه الكلام، فأتشأ يقول:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا أو خلد الجود أقواما ذوى حسب ... فيما يحاول من آجالهم خلدوا قوم سنان أبوهم حين تنسبهم ... طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا جن اذا فزعوا إنس اذا أمنوا ... مرزءون بهاليل اذا احتشدوا محسدون على ماكان من نعم ... لاينزع الله عنهم ماله حسدوا قال: فخرج من عنده ولم يعطه شيئا وقرأت على أبى بكرين دريد للشماخ: أعائش مالأهلك لا أراهم ... يضيعون الهجان مع المضيع وكيف يضيع صاحب مدفآت ... على أثباجهن من الصقيع يعنى أن عائشة قالت له: لم تشدد على نفسك في المعيشة وتلزم الإبل والتغرب فيها، فرد عليها:ماللأهلك أراهم يتعهدونأموالهم ويصلحونها وأنت تأمريننى بإضاعة مالي، ثم أقبل على إبله يمدحها فقال: وكيف يضيع صاحب مدفآت أدفئن بكثرة الوبر على أثباجهن والأثباج: الأوساط قال الأصمعى: ثبج كل شيء: وسطه، وغيره يقول: ظهره وروى أبو عبيد عن الأصمعى: الكتد: مابين الكاهل الى الظهر، والثبج نحوه وهذه الأقوال متقاربة في المعنى والصقيع: البرد والندى، ويقال: الجليد وقال الأصمعى: من أمثال العرب: " إنه ليسر حسوا في ارتغاء " يضرب مثلا للرجل يريك أنه يعمل أمرا وهو يريد غيره. والارتغاء: شرب الرغوة، يقال: رغوة ورغوة ورغوة. يقول: فهو يظهر ذاك وهو يحسو اللبن. ويقال: " سقط العشاء به على سرحان " يضرب مثلا للرجل يطلب الأمر التافه فيقع فى هلكة. وأصل المثل، أن دابة طلبت العشاء فهجمت على الأسد. والسرحان: الأسد بلغة هذيل، وبلغة غيرهم من العرب: الذئب. ويقال: " سبق السيف العدل " يضرب مثلا للأمر الذى قد تفاوت؛ وأصل هذا المثل، أن الحارث بن ظالم ضرب رجلا بالسيف فقتله. فأخبر بعدره فقال: " سبق السيف العذل " . قال أبو زيد: العرب تقول: " إن كنت كاذباً فحلبت قاعداً " أي ذهبت إبلك فحلبت الغنم. وتقول: " إن كنت كذوباً فشربت غبوقا بارداً " أى ذهب لبنك فشربت الماء البارد، والغبوق: ما اغتبقت حارا بالعشى، وقرأت على أبى بكر للشماخ: إذا ما استافهن ضربن منه ... مكان الرمح من أنف القدوع فقد جعلت ضائغهن تبدو ... بما قد كان نال بلا شفيع استافهن: شمهن، يعنى الحمار، فإذا فعل ذلك ضربن منه أعلى خيشومه، وهو مكان الرمح إذا قدعت به أنف الفرس، لأنه قد حملن منه. والقدوع: الذى يقدع ويرد بالرمح، وهو أن يرفع رأسه من عزة نفسه، أو من فرقٍ، أو لا يرضى للفحلة فيضرب أنفه وينحى عن الطروقة، وهو إن كان يقدع فهو قدوع، كما قالوا لما يحلب ويركب: حلوبة وركوبة. وضغائهن: ما فى قلوبهن، أى كن يمكنه ولا يحتاج إلى شفيع، فلما حملن أبدين ضغائهن المخبوءة. وحدثنا أبو بكر بن الأنبارى قال حدثنا أبو الحسن الأسدى قال: كتب أحمد بن المعذل إلى أخيه عبد الصمد بن المعذل: إنى أرى المكروه من حيث يرتجى المحبوب، وقد شمل عرك وعم أذاك، وصرت فيك كأبى الابن العاق، إن عاش نغصه، وإن مات نقصه؛ وقد خشنت بقلبٍ جيبه لك ناصح، والسلام. فكتب إليه عبد الصمد: أطاع الفريضة والسنة ... فتاه على الإنس والجنه كأن لنا النار من دونه ... وأفرده الله بالجنة وينظر نحوى إذا زرته ... بعين حماةٍ إلى كنه وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوى للأضبط بن قريع وقال: وبلغنى أن هذه الأبيات قيلت قبل الإسلام بدهر طويل وهى: لكل هم من الهموم سعه ... والمسى والصبح لا فلاح معه ما بال من سره مصابك لا ... يملك شيئاً من أمره وزعه أزود عن حوضه ويدفعنى ... يا قوم من عاذرى من الخدعه حتى إذا ما انجلت عمايته ... أقبل يلحى وغيه فجعه قد يجمع المال غير آكله ... ويأكل المال غير من جمعه فاقبل من الدهر ما أتاك به ... من قر عينا بعيشه نفعه وصل حبال البعيد إن وصل ال ... جيل وأقص القريب إن قطعه ولا تعاد الفقير علك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه قال أبو العباس: وكان الأصمعى ينشد: فصل حبال البعيد إن وصل الحبل قال أبو على: تقول العرب: لعلك وعلك ولعنك ولغنك، سمعه عيسى بن عمر من العرب، ورواه الأصمعى عنه. قال أبو على: قرأت على أبى بكر بن دريد فى شعر أبى النجم قال عيسى بن عمر: سمعت أبا النجم ينشد: أغد لعلنا فى الرهان نرسله وأنشدنى أبو بكر بن ديد رحمه الله لمحمود الوراق: فاجاك من وفد المشيب نذير ... والدهر من أخلاقه التغيير فسواد رأسك والبياض كأنه ... ليل تدب نجومه وتسير وأنشدنى بعض أصحابنا قال: أنشدنى أبو يعقوب بن الصفار لداود بن جهوة: أقاسى البلا لا أستريح إلى غدٍ ... فيأتى غد إلا بكيت على أمس سأبكى بدمع أو دمٍ أشتفى به ... فهل لى عذر إن بكت على نفسى سلام على الدنا ولذة عيشها ... سلام غدو أو رواح إلى رمسى وأنكرت شمس الشيب فى ليل لمتى ... لعمرى لليلى كان أحسن من شمسى كأن الصبا والشيب يطمس نوره ... عروس أناسٍ مات فى ليلة العرس وأنشدنا أبو محمد عبد الله بن جعفر النحوى قال: أنشدنا المبرد لمحمود الوراق: أليس عجيباً بأن الفتى ... يصاب ببعض الذى فى يديه فمن بين باكٍ له موجعٍ ... وبين معز مغذ إليه ويسلبه الشيب شرخ الشباب ... فليس يعزيه خلق عليه وأنشدنا الأخفش للعكوك على بن جبلة: جلال مشيبٍ نزل ... وأنس شبابٍ رحل طوى صاحب صاحبا ... كذا اختلاف الدول أعاذلتى أقصرى ... كفاك المشيب العذل بدا بدلاً بالشبا ... ب ليت الشباب البدل جلال ولكنه ... تحاماه حور المقل وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه لأبى دلف العجلى: نظرت إلى بعين من لم يعدل ... لما تمكن طرفها من مقتلى لما تبسم بالمشيب مفارقى ... صدت صدود مفارقٍ متحمل فجعلت أطلب وصلها بتعطفٍ ... والشيب يغمزها بأن لا تفعلى وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله تعالى قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوى أرى بصرى عن كل يوم وليلة ... بكل وخطوى عن مدى الخطو يقصر ومن يصحب الأيام تسعين حجةً ... يغيرنه والدهر لا يتغير لعمرى لئن أمسيت أمشى مقيدا ... لما كنت أمشى مطلق القيد أكثر وأنشدنى بعض أصحابنا: حنتنى حانيات الدهر حتى ... كأنى خاتل يدنو لصيد قريب الخطو يحسب من رآنى ... ولست مقيدا أنى بقيد وقال رجل لشيخ رآه يمشى: من قيدك يا شيخ؟ قال: الذى خلفته يفتل فى قيدك، يعنى: الدهر. وأنشدنا أبو بكر محمد بن السرى السراج النحوى: عائبٍ عابنى بشيبٍ ... لم يعد لما ألم وقته فقلت إذا عابنى بشيبى ... يا عائب الشيب لابلغته وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال: أنشدنا عبد الله بن خلف: نصول الشيب طوقنى بطوق ... يلوح على من تحت السواد إذا أبصرته فكأن وخزا ... بأطراف الأسنة فى فؤادى قال: وأنشدنا أبى قال: أنشدنى أبو عبد الله بن المطيخى: إن الكبير إذا تناهت سنه ... أعيت رياضته على الرواض وإذا دفعت إلى الصغير فإنما ... تكفيه منك إشارة الإيماض وعليك من نسج الزمان عمامة ... خضب المشيب سوادها ببياض فالوعظ ينبو عن صفاتك راجعا ... مثل السهام نبت عن الأغراض وممن مدح الشيب من الشعراء فأحسن دعبل حيث يقول: أهلا وسهلا بالمشيب فإنه ... سمة العفيف وحلبة المتحرج وكأن شيبى نظم در زاهر ... فى تاج ذى ملكٍ أغر متوج وممن مدح الخضاب فأحسن عبد الله بن المعتز حيث يقول: وقالوا النصول مشيب جديد ... فقلت الخضاب شباب جديد إساءة هذا بإحسان ذا ... فإن عاد هذا فهذا يعود وأنشدنى أبو معاذ عبدان المتطبب قال: أنشدنى أبو هفان لنفسه تعجبت در من شيبى فقلت لها ... لا تعجبى فبياض الصبح فى السدف وزادها عجباً أن رحت فى سملٍ ... وما درت در أن الدر فى الصدف قال أبو زيد: يقال: عام أو طف وأغلف وأقلف إذا كان خصيبا؛ وقال العقيليون: عام مجاعةٍ ومجوعة ومجوعة، وقال أبو زيد: الأطرة: ما حول الأظفار من اللحمن. وقال ابن الأعرابى: عيش أغرل وأرغل وأغضف وأغطف وأوطف وأغلف إذا كان مخصباً، وهذه كلها تقال فى العام. وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله قال أنشدنى أبى لرجل من خزاعة: قد كنت أفزع للبيضاء أبصرها ... من شعر رأسى وقد أيقنت بالبلق ألآن حين خضبت الرأس زايلنى ... ما كنت التذ من عيشى ومن خلقى إن الشباب إذا ما الشيب حل به ... كالغصن يصفر فيه ناعم الورق شيب تغيبه عمن تغر به ... كبيعك الثوب مطويا على حرق فإن سترت مشيبا أو غررت به ... فليس دهر أكلناه بمسترق أفنى الشباب الذى أفنيت ميعته ... مر الجديدين من آتٍ ومنطلق لم يتركا منك فى طول اختلافهما ... شيئاً يخاف عليه لذعة الحرق وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا السكن بن سعيد بن العباس بن هشام الكلبى قال: صعد خالد بن عبد الله القسرى يوما المنبر بالبصرة ليخطب فأريح عليه، فقال: أيها الناس، إن الكلام ليجىء أحيانا فيتسبب سببه، ويعزب أحيانا فيعز مطلبه؛ فربما طولب فأبى، وكوبر فعصى؛ فالتاتى لمجيه، أصوب من التعاطى لأبيه؛ ثم نزل. فما رثى حصر أبلغ منه. وقرأت على أبى بكر بن دريد لنفسه: أرى اليب مذ جاوزت خمسين دائبا ... يدب دبيب الصبح فى غسق الظلم هو السقم إلا أنه غير مؤلم ... ولم أر مثل الشيب سقماً بلا ألم وأنشدنى بعض أصحابنا لعلى بن العباس الرومى: يا بياض المشيب سودت وجهى ... عند بيض الوجوه سود القرون فلعمرى لأخفينك جهدى ... عن عيانى وعن عيان العيون ولعمرى لأمنعنك أن تظ ... هر فى رأس آسفٍ محزون بسواد فيه ابيضاض لوجهى ... وسواد لوجهك الملعون وأنشدنا الأخفش لمنصور النمرى: ما واجه الشيب من عينٍ وإن ومقت ... إلا لها نبوة عنه ومرتدع وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال: أنشدنا أبى: رأيت الشيب تكرهه الغوانى ... ويحببن الشباب لما هوينا فهذا الشيب نخضبه سواداً ... فكيف لنا فنسترق السنينا وفى الخضاب: إن شيئاً صلاحه بالخضاب ... لعذاب موكل بعذاب ولعمر الإله لولا هوى البي ... ض وأن تشمئز نفس الكعاب لأرحت الخدين من وضر الخط ... ر وأذعنت لانتقضاء الشباب ومن أحسن ما قيل فى مدح الشيب: والشيب إن يحلل فإن وراءه ... عمراً يكوه خلاله متنفس لم ينتقص منى المشيب قلامةً ... ألآن حين بدا ألب وأكيس وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال: أنشدنا أبى: لا يرعك المشيب يا بنة عبد ال ... له فالشيب جلة ووقار إنا تحسن الرياض إذا ما ... ضحكت فى خلالها الأنوار وحدثنا أبو بكر بن الأنبارى قال حدثنى أبو الحسن بن البراء قال قال أبو الحسن الأسدى: مات رجل كان يعول اثنى عشر ألف إنسان، فلما حمل على النعش صر على أعناق الرجال؛ فقال رجل فى الجنازة: وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنه أعناق قوم تقصف وليس فتيق المسك ما تجدونه ... ولكنه ذاك الثناء المخلف قال أبو على: وقرأت على أبى بكر بن دريد لبعض العرب: دببت للمجد والساعون قد بلغوا ... جهد النفوس وألقوا دونه الأزرا وكابدوا المجد حتى مل أكثرهم ... وعانق المجد من أوفى ومن صبرا لا تحسب المجد تمرا أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا وأنشدنا غير واحد من أصحاب أبى العباس منهم ابن السرى والأخفش وابن درستويه قالوا: أنشدنا أبو العباس المبرد لعبد الصمد بن المعذل فيه: سألنا عن ثمالةً كل حى ... فقال القائلون ومن ثماله فقلت محمد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جاله فقال لى المبرد خل عنى ... فقومى معشر فيهم نذاله وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنى سعيد بن هارون: فلو أبصرت دارك فى محل ... يحل الحزن فيه والسرور رأيت منادحاً لم يردع فيها ... ملال مذ نايت ولا فتور قال يخاطب امرأة يقول: لو رأيت محلك فى قلبى؛ فلم يستقم له الشعر، فقال: دارك. وقوله: يحل الحزن فيه والسرور يعنى القلب، لأن الحزن والسرور فيه يكونان. وقوله: منادحاً، يعنى متسعاً. وقوله: (لم يرع فيها ملال مذ نايت ولا فتور) مثل. وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا أبو حاتم قال أخبرنا أبو زيد قال: بينما أنا فى المسجد الحرام إذ وقف علينا أعرابى فقال: يا مسلمون، إن الحمد لله والصلاة على نبيه، إنى امرؤ من أهل هذا الملطاط الشرقى المواصى أسياف تهامة، عكفت على سنون محش، فاجتنبت الذرى، وهشمت العرى؛ وجمشت النجم، وأعجت البهم، وهمت الشحم، والتحبت اللحم، وأحجنت العظم؛ وغادرت التراب مورا، والماء غورا؛ والناس أوزاعا، والنبط فعاتا، والضهل جزاعا، والمقام جعجاعا؛ يصحبنا الهاوى، ويطرقنا العاوى؛ فخرجت لا أتلفع بوصيده، ولا أتقوت هبيده؛ فالبخصات وقعة، والركبات زلعة، والأطراف قفعة؛ والجسم مسلهم، والنظر مدرهم؛ أعشو فأغطش، وأضحى فأخفش، أسهل ظالعا، وأحزن راكعا؛ فهل من آمرٍ بميرٍ، أو داعٍ بخير؛ وقاكم الله سطوة القادر، وملكة الكاهر، وسوء الموارد، وفضوح المصادر. قال: فأعطيته دينارا، وكتبت كلامه واستفسرته ما لم أعرفه. قال أبو على: قال أبو بكر: الملطاط: أشد انخفاضاً من الغائط وأوسع منه، وحكى اللحيانى عن الأصمعى أنه قال: الملطاط: كل شفير نهر أو وادٍ. المواصى والمواصل واحد، يقال: تواصى النبت إذا اتصل بعضه ببعض. وأسيف جمع سيف، وهو ساحل البحر. وعكفت: أقامت. والسنون: الجدوب. ومحش جمع محوش، وهى التى تمحش الكلا، أى تحرقه. واجتنبت، افتعلت من الجب، يقال: جببت السنام إذا قطعته، وكل شيء استأصلته فقد جببته. وهشمت: كسرت. والعرى جمع عروة، والعروة: القطعة من الشجر لا يزال باقيا على الجدب ترعاه أموالهم، قال التغلبى: يروى: خلع الملوك وسار تحت لوائه ... شج العرى وعراعر الأقوام ويروى: وعراعر، وهم السادة. وجمشت: احتلقت، قال رؤبة: أو كاحتلاق النورة الجموش والنجم: ما نجم ولم يستقل على ساق. وأعجت، أى جعلتها عجابا، والعجى: السىء الغذاء المهزول، قال الشاعر: عدانى أن أزورك أ، بهمى ... عجابا كلها إلا قليلا وهمت: أذابت، قال أبو على: العرب تقول: همك ما أهمك، أى أذابك ما أحزنك. قال وقال أبو بكر: التحبت اللحم: عرفته عن العظم. وأحجنت العظم، أى عوجته فصيرته كالمحجن. والمور: الذى يجيىء ويذهب، قال إسماعيل: والمور: الطريق، رواه أبو عبيدة، والمور بضم الميم: الغبار بالريح. قال أبو بكر: الغور: الغائر. وأوزاع: فرق. والنبط: الماء الذى يستخرج من البئر أول ما تحفر، قال الشاعر: قريب ثراه لا ينال عدوه ... له نبطا عند الهوان قطوب والقعاع: الماء الملح المر. والضهل: القليل من الماء، ومنه قيل: ما ضهل إليه منه شىء. والجزاع: أشد المياه مرارة، قال إسماعيل قال يعقوب ويقال: ماء ملح، فإذا اشتدت ملوحته قيل: زعاق وقعاع وأجاج وحراق، أى يحرق أوبار الماشية من شدة ملوحته، قال ويقال: ماء ملح يفقأ عين الطائر إذا بولغ فى ملوحته، وماء خمجرير إذا كان ثقيلا، وقال ابن الأعرابى يقال: ماء مخضرم وخمجرير ومخضم إذا لم يكن عذبا. والجعجاع: المكان الذى لا يطمئن من قعد عليه. قال أبو على قال الأصمعى: الجعجاع: المحبس، وأنشد: إذا جعجعوا بين الإناحة والحبس
وقال أبو عمرو الشيبانى: الجعجاع: الأرض، وكل أرض جعجاع. وقال أبو بكر: الهاوى: الجراد. والعاوى: الذئب. والتلفع: الاشتمال. وقال أبو على: هو اشتمال الصماء عند العرب، وهو ألا يرفع جانبا منه فتكون فيه فرجة. والوصيدة: كل نسيجة. والهبيد: حب الحنظل يعالج حتى يطيب فيختبز. والبخصات، واحدها بخصة، وهى لحم باطن القدم. ووقعة، من قولهم: وقع الرجل إذا اشتكى لحم باطن قدمه، قال الراجز: يا ليت لى نعلين من جلد الضبع ... وشركاً من استها لا تنقطع كل الحذاء يحتذى الحافى الوقع وزلعة: متشققة، وأنشد: وغملى نصى بالمتان كأنها ... ثعالب موتى جلدها قد تزلع. قال أبو على: غملى، فعلى، وهو الذى قد تراكب بعضه على بعض. وقفعة ومقفعة واحد، وهى التى قد تقبضت ويبست. وقال أبو بكر: المسلهم: الضامر المتغير. قال أبو على وقال أبو زيد: السملهم: المدبر فى جسمه، وتفسير أبى بكرا أحسبه كلام الأصمعى. والمدرهم: الضعيف البصر الذى قد ضعف بصره من جوع أو مرض. قال أبو على: ولم يذكر هذه الكلمة أحد ممن عمل خلق الإنسان. وأعشو: أنظر، يقال: عشوت إلى النار إذا أحددت نظرك إليها، وأنشد: متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد وقوله: فأغطش، أى أصير غطشا، والغطش: ضعف فى البصر، يقال: رجل أغطش، وامرأة غطشى. وأسهل ظالعا، يقول: إذا مشيت فى السهول ظلعت، أى غمزت. وأحزن راكعا، أى إذا علوت الحزن ركعت، أى كبوت لوجهى. والمير: العطية، من قولهم: مارهم يميرهم ميراً. قال أبو على: الكاهر والقاهر واحد، وقد قرأ بعضهم: (فأما أليتيم فلا تكهر). وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال قال أعرابى لرجل: ما اتهمت حسن ظنى بك منذ توجه رجائى نحوك، وقد قعدت بجد فائلٍ باعتمادى عليك، ولا استدعنى رغبة عنك إلى من سواك، ولا أرانى الاختبار غيرك عوضاً منك. قال أبو على: القائل: المخطىء، يقال: رجل قال الرأى وقائل الرأى وقيل الرأى وقيل الرأى إذا كان مخطىء الرأى. وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابيا ذكر رجلا فقال: كان والله للإخاء وصولا، وللمال بذولا، وكان الوفاء بهما عليه كفيلا، ومن فاضله كان مفضولا، وقال أبو زيد: من أمثال العرب " لم يهلك من مالك ما وعظك " أى إذا أفسدت بعض مالك فوعظك الذى أفسدت فأصلحت بعد، فكأن الذى أفسدت لم يهلك. ويقال: " ذليل عاذ بقرملةٍ " وهى شجرة صغيرة، يقال ذلك لمن عاذ بمن هو أذل منه أو مثله. ويقال: " قد تحلب الضحور العلبة: أى قد تصيب من الشىء الخلق اللين. ويقال: " لا تعدن ناقة من أمها حنة " أى لا تعدم شبهاً، يقال ذلك لمن أشبه أباه وأمه. وأنشدنا أبو بكر بن دريد وقرأنا أيضاً عليه: أقبلن من أعلى فياف بسحر ... يحملن صلالاً كأعيان البقر قوله: يحملن صلالاً، أى يحملن فحما يصل، أى يصوت. وأعيان جمع عين. وقرأنا عليه أيضاً لزيد الخيل: نصول بكل أبيض مشرفى ... على اللاتى بقى فيهن ماء عشية تؤثر الغرباء فينا ... فلا هم هالكون ولا رواء يعنى أنهم يفتظون الإبل فيأخذون ما بقى فى كروشها من الماء. ومثله: وشربة لوحٍ لم أجد لشفائها ... بدون ذباب السيف أو شفره حلا وحدثنا أبو بكر قال حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال: بينما أنا سائر بناحية بلاد بنى عامر، إذا مررت بحلة فى غائط يطؤهم الطريق، وإذا رجل ينشد فى ظل خيمة له وهو يقول: أحقاً عباد الله أن لست ناظراً ... إلى قرقرى يوماً وأعلامها الغبر كأن فؤادى كلما مر راكب ... جناح غراب رام نهضاً إلى وكر إذا ارتحلت نحو اليمامة رفقة ... دعاك الهوى واهتاج قلبك للذكر فيا راكب الوجناء أبت مسلما ... ولا زلت من ريب الحوادث فى ستر إذا ما أتيت العرض فاهتف بجوه ... سقيت على شحط النوى سبل القطر فإنك من وادٍ إلى مرجب ... وإن كنت لا تزدار إلا على عفر
قال: فأذنت له وكان ندى الصوت، فلما رآنى أومأ إلى فأتيته فقال: أأعجبك ما سمعت؟ فقلت: إى والله، فقال: من أهل الحضارة أنت؟ قلت: نعم، قال: فممن تكون؟ قلت: لا حاجة لك فى السؤال عن ذلك، فقال: أو ما حل الإسلام الضغائن وأطفأ الأحقاد؟ قلت: بلى: قال: فما يمنعك إذا؟ قلت: أنا امرؤ من قيس، فقال: الحبيب القريب من أيهم؟ قلت: أحد بنى سعد ابن قي، ثم أحد بنى أعصر بن سعد، فقال: زادك الله قربا، ثم وثب فأنزلنى عن حمارى، وألقى عنه إكافه وقيده بقراب خيمته، وقام إلى زندٍ فاقتدع وأوقد ناراً، وجاء بصيدانةٍ فألقى فيها تمرا وأفرغ عليه سمنا، ثم لفته حتى التبك، ثم ذر عليه دقيقاً وقربه إلى: فقلت: إنى إلى غير هذا أحوج، قال وما هو؟ قلت: تنشدنى، فقال: أصب فإنى فاعل، فلقمت لقيماتٍ وقلت: الوعد، فقال: ونعمى عينٍ، ثم أنشدنى: لقد طرقت أم الخشيف وإنها ... إذا صرع القوم الكبرى لطروق فيا كبدا يحمى عليها وإنها ... مخافة هيضات النوى لخفوق أقام فريق من أناس يودهم ... بذات الغضا قلبى وبان فريق بحاجة محزون يظل وقلبه ... رهين ببضات الحجال صديق تحملن أن هبت لهن عشيةً ... جنوب وأن لاحت لهن بروق كأن فضول الرقم حين جعلنها ... غديا على أدم الجمال عذوق وفيهن من بخت النساء ربحلة ... تكاد على غر السحاب تروق هجان فأما الدعص من أخرياتها ... فوعث وأما خصرها تروق قال: ففارقته وأنا من أشد الناس ظمأ إلى معاودة إنشاده. قال أبو على: العرض: وادٍ باليمامة، وكل واد يقال له: عرض، يقال: أخصب ذلك العرض، وأخصبت أعراض المدينة. والعرض أيضاً: الريح، يقال: فلان طيب العرض، وفلان منتن العرض، أيى الريح. والعرض أيضاً: ما ذم من الإنسان أو مدح، يقال: فلان نقى العرض، أى هو برىء من أن يشتم أو يعاب، واختلف فيه، فقال أبو عبيد: عرضه، آباؤه وأسلافه، وخالفه ابن قتيبة فقال: عرضه: جسده، واحتج بحديث النبى ﷺ فى صفة أهل الجنة: " لا يبولون ولا يتغوطون إنما ه عرق يجرى من أعراضهم مثل المسك " يعنى من أبدانهم، ونصر شيخنا أبو بكر بن الأنبارى أبا عبيد فقال: ليس هذا الحديث حجةً له، لأن الأعراض عند العرب المواضع التى تعرق من الجسد، قال: والدليل على غلط ابن قتيبة فى هذا التأويل وصحة تأويل أبى عبيد قول مسكين الدارمى: رب مهزولٍ سمين عرضه ... وسمين الجسن مهزول الحسب فمعناه: رب مهزول البدن والجسم كريم الأباء؛ قال: وأما احتجاجاه بيت حسان بن ثابت: فإن أبى ووالده وعرضى ... لعرض محمد منكم وقاء فى أن العرض الجسم، فليس كما ذكر، لأن معناه: فإن أبى ووالده وآبائى، فأتى بالعموم بعد الخصوص، ذكر الأب ثم جمع الآباء، كما قال الله جل وعز: (ولقد أتيناك سبعاً من المثانى والقرآن الكريم) فخص السبع ثم أتى بالقرآن العام بعد ذكره اياها، والذى قاله ابن قتيبة قد قال غيره؛ ويمكن أن ينصر ابن قتيبة أن يقول: بيت مسكن مثل، ومعناه: رب مهزول الجسم سمين الحسب، أى عظيم الشرف، وسمين الجسن مهزول الحسب، أيى ضعيف الشرف. والعرض: ما خالف الطول. والعرض من المال: ما ليس بنقد، والجمع عروض، يقال: اقبل منى عرضاً، أى دابة أو متاعا. والعرض: سفح الجبل، أي ناحيته، قال ذو الرمة: أدنى تقاذفه تقريب أو خبب ... كما تدهدى من العرض الجلاميد ويقال للجيش إذا كان كثيراً: ما هو إلا عرض من الأعراض، يشبه بناحية الجبل، قال رؤبة: إنا إذا قدنا لقومٍ عرضا ... لم نبق من بغى الأعادى عضا
والعض: الداهية. والعرض: مصدر عرضته على البيع أعرضه عرضا. والعرض: مصدر عرضت العود على الإناء أعرضه عرضا. والعرض: مصدر عرضت له من حقه ثوبا، فأنا أعرضه عرضا إذا أعطيته ثوبا مكان حقه، هذه كلها مفتوحة العين مسكنة الراء، وكذلك مصدر أعرضه عرضا إذا أعطيته ثوبا مكان حقه، هذه كلها مفتوحة العين مسكنة الراء، وكذلك مصدر عرضت له حاجة وعرضت عليه الحاجة. والعرض بضم العين: الناحية، يقال: ضربت به عرض الحائط، ويقال: خرجوا يضربون الناس من عرض، ييدون عن شق وناحية، لا يبالون من ضربوا، ومنه استعراض الخوارج الناس إذا لم يبالوا من قتلوا. ويقال: قد أعرض لك الظبى، أى أمكنك من عرضه، أى من ناحيته. والعرض مفتوح الراء: حطام الدنيا وما يصيب منها الإنسان، يقال: إن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر. والعرض أيضاً: الأمر يعرض للإنسان من مرض أو كسر أو غيرهما مما يبتلى به، ويقال: عرض له عارض، مثل عرضٍ، ولا تزال عارضة تعرض. والعارض: الأسنان التى بعد الثنايا، وهى الضواحك، وجمعه عوارض، يقال: امرأة نقية العارض، ومصقولة العارض، قال جرير: أتذكر يوم تصقل عارضيها ... بعود بشامةٍ سقى البشام والعارض: الخد، كذا قال أبو نصر. وقال غيره: سئل الأصمعى عن العارضين من اللحية، فوضع يده ما فوق العوارض من الأسنان. ويقال للنحل والجراد إذا كثر: مر منه عار ضقد ملأ الأفق. ويقال للجبل: عارض، وبه سمى عارض اليمامة. والعارضة: الشاة أو البعير يصيبه الداء أو السبع أو كسر، وجمعه عوارض، يقالك بنو فلان أكالون للعوارض. ويقال: فلان شديد العارضة، أى الناحية. ويقال: أخذ فى عروضٍ ما تعجبنى، أى فى طريقٍ وناحية، وعرفت ذلك فى عروض كلامه. ويقال لمكة والمدينة واليمن: العروض، ويقال: ولى فلان العراق وولى فلان العروض. والعروض: عروض الشعر. والعروض: البعير الصعب. والعروضان: الجانبان. والعروض من الإبل والغنم: الذى يعترض الشوك فيأكله، يقال: غنم فلان تعرض إذا ا عترضت الشوك فأكلته. وعريض عروض. والعريض من المعزى: الذى أتى عليه نحو من سنةٍ ونب وأراد السفاد، وجمعه عرضان، وقال اللحيانى: قال بعضهم: العريض من الظباء: الذى قد قارب الأثناء، والعريض عند أهل الحجاز: الخصى، والجميع العرضان. قال: ويقال: أعرضت العرضان إذا خصيتها. ويقال: فلاه عرضة للشر، أى قوى عليه، وفلانة عرضة للزوج، أى قوية عليه، وفرس عرضة للميدان، وجمل عرضة للحمل الثقيل. والعراضة: الهدية، يقال: ما عرضتهم، أى ما أهديت إليهم وأطعمتهم، قال الشاعر: حمراء من معرضات الغربان ... يقدمها كل علاة عليان يقول عليها الثمر فتأتى الغربان فتأكل مما عليها. والعراضة: الشىء يطعمه الركب من استطعمهم من أهل المياه. والعراضة والعريضة واحد، وجاء فى بعض الحديث إذا طلعت الشعرى سفرا ولم تر فيها مطرا فلا تغدون إمرةً ولا إمرا وارسل العراضات أثرا يبغينك فى الأرض معمرا، فالعراضات: الإبل العريضة الآثار. ويقال: قوس عراضة، أى عريضة. والمعراض: السهم الذى لا ريش عليه. والمعرض: الثوب الذى تعرض فيه الجارية، وجمعه معارض. ويقال: لقحت الناقة عراضاً، والعراض: أن يعارضها الفحل فيتنوخها فيضربها، فذلك الضراب هو العراض، وغذا لقحت الناقة كذلك، قيل: لقحت يعارة، قال الراعى: نجائب لا يلقحن إلا يعارةً ... عراضاً ولا يشرين إلا غواليا ويقال: جاءت فلانة بولد من معارضة عن عراضٍ، وذلك إذا لم يكن له أب يعرف، ويقال: أعرضت فلانة بأولادها إلى ولدتهم عراضاً طوالا من الرجال، ويقال: أعرض الشىء إذا صار ذا عرضٍ، قال ذو الرمة: عطاء فتىً بنى وبنى أبوه ... فأعرض فى المكارم واستطالا أى تمكن من طولها وعرضها. وأعرض فلان عن فلان يعرض إعراضا إذا لم يلتفت إليه، ويقال: عرض فلان وطال إذا ذهب عرضاً طولا. ويقال: عرضته للخير تعريضا، وزاد اللحيانى وأعرضته. وعارضت الشىء بالشىء قابلته به. وخرج يعارض الريح إذالم يستقبلها ولم يستدبرها، ويقال: فى فلان عرضية أى صعوبة، وكذلن ناقة عرضية، أى فيها صعوبة. والعرضنة: أن يمشى مشية فى شق فيها بغى، ويقال: هو يتعرض فى الجبل إذا أخذ يميناً وشمالا، قال عبد الله ذو الجادين يخاطب ناقة النبى ﷺ:
تعرضى مدارجاً وسومى ... تعرض الجوزاء للنجوم هذا أبو القاسم فاستقيمى المدارج: الثنايا بالغلاظ، ومرجب: معظم وهو مأخوذ من ترجيب النخلة، وذلك أنها إذا كرمت على أهلها وعظم حملها رجبوها، والترجيب: أن تعمد برجبة، وهى بناء يبنى كالعمود تحتها تعمد به: قال الشاعر: ليست بسنهاء ولا رجيةٍ ... ولكن عراياً فى السنين الجوائح وكان أبو بكر بن دريد ينشد " رجيبة " بتشديد الياء فقط، وأنشدنا أبو بكر بن مجاهد المقرى عن أحمد بن يوسف التغلبى " رجيبة " بتشديد الجيم والياء، وكذلك أقرأنى أبو بكر بن الأنبارى فى الغريب المصنف بتشديد الجيم والياء. وقوله: على عفر، أى على بعد من اللقاء، وقال أبو زيد: بعد عفر: بعد شهر، وقال غيره: بعد حينٍ، والحين: مثل البعد فى المعنى. وقوله: أذنت له معناه اسمعت له، قال قعنب بن أم صاحب: صم إذا صمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا وقراب وقريب واحد، مثل كبار وكبير، وجسام وجسيم، وطوال وطويل. والصيدانة: القدر العظيمة. وقال الأصمعى: الحضارة والبداوة: للحضر والبدو، بكسر الياس وفتح الحاءن وقال أبو زيد: البداوة والحضارة، بفتح الباء وكسر الحاء. قال أب على وهما عندى لغتان، الحضارة والحضارة، والبداوة والبداوة. ولفته: لواء. واللفيتة: العصيدة، وإنما سميت لفينةً لأنها تلفت، أى تلوى. والتبك: اختلط، يقال: لبكت الشىء وبكلته إذا خلطته، قال أمية ابن أبى الصلت: له داع بمكة مشمعل ... وآخر فوق داريه ينادى إلى ردحٍ من الشيزى ملاء ... لباب لابر يلبك بالشهاد أى يخلط بالشهد، يعنى الفالوذ. وقال أبو زيد: الربحلة: اللحيمة الجيدة الجسم فى طول، ورجل ربحل. والسبحلة: الطويلة العظيمة، ورجل سبحل، وقال الأصمعى: نعتت امرأة من العرب ابنتها فقالت: سبحلة ربحلة ... تنمى نبات النخله ويقال: سقاء سبحل وسبحلل وسحبل، أى عظيم، وقال: الجنوب لينة تؤلف السحاب وتكتفه ، والشمال تفرقه، فيسمون الشمال: محوة، لأنها تمحو السحاب. والوعث: اللين الوطى، كذا قال الأصمعى، وقال أبو زيد نحو هذا، وقال: هو الذى تسوخ فيه أخفاف الإبل، وهو شديد عليها. وحدثنا أبو بكر بن الأنبارى قال حدثنى أبى قال حدثنى أبو محمد بن سعيد قال: كان يحيى ابن طالب الحنقى شيخا كريما يقرى الأضياف ويطعم الطعام، فركبه الدين الفادح، بجلا عن اليمامة إلى بغداد يسأل السلطان قضاء دينه، فأراد رجل من أهل اليمامة الشخوص من بغداد إلى اليمامة، فشيعه يحيى بن طالب، فلما جلس الرجل فى الزورق ذرفت عينا يحيى وأنشأ يقول: أحقاً عبد الله أن ست ناظراً ... إلى قرقرى يوما وأعلامها الخضر إذا ارتحلت نحو اليمامة رفقة ... دعاك الهوى واهتاج قلبك للذكر قول لموسى والدموع كأنها ... جداول ماء فى مساربها تجرى ألا هل لشيخ وابن ستين حجةً ... بكى طرباً نحو اليمامة من عذر كأن فؤادى كلما مر راكب ... جناح غراب رام نهضا إلى وكر يزهدنى فى كل خيرٍ صنعته ... إلى الناس ما جريت من قلة الشكر فيا حزنا ماذا أجن من الهوى ... ومن مضمر الشوق الدخيل إلى حجر تعزبت عنها كارها فتركتها ... وكان فراقيها أمر من الصبر لعل الذى يقضى الأمور بعلمه ... سيصرفنى يوما إليها على قدر فتفتر عين ما تمل من البكا ... ويصحو قلب ما ينهنه بالزجر قال أبو بكر الأنبارى: حجر: قصبة اليمامة. قال: فغنى هارون الرشيد بشعر يحيى بن طالب أيا أثلات القاع من بطن توضح ... حنينى إلى أطلالكن طويل ويا أثلات القاع قد مل صحبتى ... مسيرى فهل فى ظلكن مقيل ويا أثلاث القاع قلبى موكل ... بكن وجدوى خيركن قليل ألا هل إلى شم الخزامى ونظرةٍ ... إلى قرقرى قبل الممات سبيل فأشرب من ماء الخجيلاء شربةً ... يداوى بها قبل الممات غليل أحدث عنك النفس أن لست راجعا ... إليك فحزنى فى الفؤاد دخيل أريد هبوطا نحوكم فيردنى ... إذا رمته دين على ثقيل قال هارون الرشيد: يقضى دينه، فطلب فإذا هو قد مات قبل ذلك بشهر. وحدثنا ابن الأنبارى قال حدثنا أحمد بن يحيى النحوى قال: اراد الفضل بن يحيى أو جعفر بن يحيى سفرا، فقال: قاتل الله جميلا، ما أشعره حيث يقول: لما دنا البين بين الحى واقتسموا ... حبل النوى فهو فى أيديهم قطع حادث بأدمعها ليلى وأعجلنى ... وشك الفراق فما أبقى وما أدع يا قلب ويحك ما عيشى بذى سلمٍ ... ولا الزمان الذى قد مر مرتجع أكلما بان حى لا تلائهم ... ولا يبالون أن يشتاق من فجعوا علقتنى بهوى منهم فقد جعلت ... من الفراق حصاة القلب تنصدع وقرأت هذه الأبيات فى شعر جميل على أبى بكر بن دريد، مكان فما أبقى، فما أبكى، ومكان عيشى، عيش، ومكان، بهوى منهم، بهوى مردٍ. وقال الأصمعى: من أمثالهم " جاء يفرى الفرا ويقد " إذا جاء يعمل عملا محكماً، ومثله " جاء يفرى الفرى " . ويقال: " الحق أبلج والباطل لجلج " يراد أن الحق منكشف، والباطل ملتبس. ويقال: " ماء ولا كصدا " مثل حمراء، بئر طيبة الماء جدا؛ وكان أبو العباس محمد بن يزيد يقول: كصدآء على وزن صدعاء، يقول: هذا ماء ولا بأس به، وليس كصداً، يضرب مثلا لمن حمد بعض الحمد ويفضل عليه غيره. ويقال " فتى ولا كمالك " مثله. و " مرعىً ولا كالسعدان " مثله. وأنشدنا ابن دريد عن عبد الرحمن عن عمه لرجل من بنى كلاب: فلما قضينا غصة من حديثنا ... وقد فاض من بعد الحديث المدامع جرى بيننا منا رسيس يزيدنا ... سقاما إذا ما استيفنته المسامع كأن لم تجاورنا أمام ولم تقم ... بفيض الحمى إذ أنت بالعيش قانع فهل مثل أيامٍ تسلفن بالحمى ... عوائد أو غيث الستارين واقع فإن نسيم الريح من مدرج الصبا ... لأوراب قلبٍ شفه الحب نافع قال أبو على: الرس: الشىء من الخبر، والرسيس مثله، قال الأفوه الأودى: بمهمه ما لأنيسٍ به ... حس وما فيه له من رسيس وقال أبو زيد: رسوت عنه حديثا أرسوه رسواً: حدثت عنه، وقال غيره: رسست الحديث ف نفسى ارسه رسا إذا حدثت به نفسك، قال الأصمعى: رسست بين القوم: أصلحت بينهم. والأوراب: واحدها ورب، وهو فساد يكون فى القلب وفى غير ذلك؛ والعرب تقول: إنه لذو عرقٍ وربٍ، أى فاسد. وأنشدنا أبو بكر بن دريد عن عبد الرحمن عن عمه لرجل من بنى كلاب أيضاً: تحن إلى الرمل اليمانى صبابةً ... وهذا لعمرى لو رضيت كثيب فأين الأراك الدوح والسدر والغضا ... ومستخبر عمن تحب قريب هناك تغنينا الحمام ونجتنى ... جنى اللهو يحلو لى لنا ويطيب قال أبو زيد: قال الكلابيون: " سمعت سراً فما جايته " مثال جعيته، أى لم أكتمه، وفلان لا يجأى سراً، أى لا يكتمه، والمصدر الجأى، والسقاء لا يجأى الماء ، أى لا يحبسه، والارعى لا يجأى غنمه إذا لم يحفظها فتفرقت. وفلان لا يحجو سراً، أى لا يكتمه، والمصدر الحجو، والسقاء لا يحجو الماء، أى لا يحبسه، والراعى لا يحجو غنمه، أى لا يحفظها. قال الأصمعى: يقال: طمح فى السوم إذا استام بسلعته أكثر مما تساوى، وتشحى فى السوم، وأبعط فى السوم، وشحط فى السوم، وذلك أن يتباعد. قال: ويقال: مصع الظبى ولألأ إذا حرك ذنبه. ومثل من أمثالهم " لا آتيك ما لألأت الفور والعفر " أى ما حركت أذنابها، أى لا آتيك أبداً، قال: والأعفر: الأحمر من الظباء. والفور: السود، وقال لى أبو بكر بن دريد: قال الأصمعى: الفور: الظباء لا واحد لها. وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوى: رفعنا الخموش من وجوه نسائنا ... إلى نسوة منهم فأبدين مجلدا
قال أبو العباس: الخموش: الخدوش، وهذا رجل قتل من قومه قتلى، فكان نساؤهم يخمشن وجوههن عليهم، فأصابوا بعد ذلك منهم قتلى، فصار نساء الآخرين يخمشن وجوههن عليهن.يقول: لما قتلنا منهم قتلى بعد القتلى الذين كانوا قتلوا منا، حولنا الخموش عن وجوه نسائنا إلى وجوه نسائهم. قال وهذا مثل قول عمرو بن معد يكرب. عجت نساء بنى زبيدٍ عجةً ... كعجيج نسوتنا غداة الأرنب قال أبو العباس: العجة: الصوت. والأرنب: موضع. والمجلد: جلدة تمسكها النائحة بيدها، وربما أشارت بها إلى وجهها كأنها ت لطمه بها، وأنشد: وخرجن حريراتٍ وأبدين مجلدا ... ودارت عليهن المقرمة الصفر قال أبو العباس: حريرات: حارات الأجواف من الحزن. وقوله: دارت عليهن المقزمة الصفر، يقول: سبين فأجيلت عليهن القداح ليؤخذن أسها، قال ويروى: المكتبة الصفر، يعنى السهام التى عليها أسماء أصحابها مكتوبة؛ ولم يفسر أبو العباس مقرمة ولا أبو بكر. قال أبو على: وأنا أقول مقرمة: معضضة، وذلك أن الرجل كان يعلم قدحه بالعض. وحدثنا أبو بكر قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن هشام بن محمد بن أبى محنف عن أشياخ من علماء قضاعة قالوا: كان ثلاثة أبطن من قضاعة مجتورين بين الشحر وحضرموت: بنو ناعب، وبنو داهنٍ، وبنو رئام، وكان بنو رئام أقلهم عددا وأشجعهم لقاء، وكانت لبنى رئام عجوز تسمى خويلة، وكانت لها أمة من مولدات العرب تسمى زبراء، وكان يدخل على خويلة أربعون رجلا كلهم لها محرم، بنو إخوة وبنو أخوات، وكانت خويلة عقيما، وكان بنو ناعب وبنو داهن متظاهرين على بنى رئام، فاجتمع بنو رئام ذات يوم فى عرس لهم وهم سبعون رجلا كلهم شجاع بئيس، فطعموا وأقبلوا على شرابهم، وكانت زبراء كاهنة، فقالن لخويلة: انطلقى بنا إلى قوسك أنذرهم، فأقبلت خويلة تتوكأ على زبراء، فلما أبصرها القوم قاموا إجلالا لها، فقالت: يا ثمر الأكباد، وأنداد الأولاد، وشجا الحساد؛ هذه زبراء، تخبركم عن أنباء، قبل انحسار الظلماء، بالمؤيد الشنعاء، فاسمعوا ما تقول. قالوا: وما تقولين يا زبراء؟ قالت: واللوح الخافق، والليل الغاسق، والصباح الشارق، والنجم الطارق، والمزن الوادق؛ إن شجر الوادى ليأدو ختلا، ويحرق أنياباً عصلاً، وإن صخر الطود لينذر ثكلا، لا تجدون عنه معلا؛ فوافقت قوما أشارى سكارى؛ فقالوا: ريح حجوج، بعيدة ما بين الشفروج، أتت زبراء بالأبلق النتوج. فقالت زبراء: مهلاً يا بنى الأعزة، والله إنى لأشم ذفر الرجال تحت الحديد، فقال لا فتى منهم يقال له هذيل بن منقذ: يا خذاق، والله ما تسمين إلا دفر إبطيك، فانصرفت عنه وارتاب قوم من ذوى أسنانهم، فانصرف منهم أربعون رجلا وبقى ثلاثون فرقدوا فى مشربهم، وطرقتهم بنو داهن وبنو ناغب فقتلوهم أجمعين، وأقبلت خويلة مع الصباح فوقفت على مصارعهم، ثم عمدت إل خناصرهم فقطعتها، وانتظمت منها قلادةً وألقتها فى عنقها، وخرجت حتى لحقت بمرضاوى بن سعوة المهرى، وهو ابن اختها، فأناخت بفنائه وأنشأت تقول: يا خير معتمدٍ وأمنع ملجإٍ ... وأعز منتقم وأدرك طالب جاءتك وافدة الثكالى تغتلى ... بسوادها فوق الفضاء الناضب غير أنه سرح اليدين شملة ... عبر الهواجر كالهزف الخاضب هذى خناصر أسرتى مسرودةً ... فى الجيد منى مثل سمط الكاعب عشرون مقتبلا وشطر عديدهم ... صيابة ملقوم غير أشايب طرقتهم أم اللهيم فأصبحوا ... تستن فوقهم ذيول حواصب جزراً لعافية الخوامع بعدما ... كانوا الغياث من الزمان اللاحب فسمت رجال بنى أبيهم بينهم ... جرع الردى بمخارصٍ وقواضب فأبرد غليل خويلة الثكلى التى ... رميت بأثقل من صخور الصاقب وتلاف قبل الفوت ثأرى إنه ... علق بثوبى داهنٍ أو ناعب فقال: حجر عل مرضاوى الأعذبان والأحمران، أو يقتل بعدد رئامٍ من داهنٍ وناعب، ثم قال: أخالتنا سر النساء محرم ... على وتشهاد الندامى على الخمر كذا وأفلاذ الفئيد وما ارتمت ... به بين جاليها الوثية ملوذر لئن لم أصبح داها ولفيفها ... وناعبها جهراً بزاغية البكر فوارى بنان القوم فى غامض الثرى ... وصورى إليك من قناعٍ ومن ستر فإنى زعيم أن أروى هامهم ... وأظمىء هاماً ما انسرى الليل بالفجر ثم خرج فى منسر من قومه، ناعبا وداهنا فأوجع فيهم. قال أبو على: المؤيد: الداهية والأمر العظيم. والنفنف واللوح والسكاك والسكاكة والسحاح والكبد والسمهى: الهواء بين السماء والأرض، يقال: لأفعلن ذلك ولو نزوت فى اللوح، ولو نزوت فى السكاك، واللوح بفتح اللام: العطش. وقال أبو زيد: أدوت له آدو أدوا إذا ختلته، قال الشاعر: أدوت له لآخذه ... فهيهات الفتى حذرا ويقال: دأيت له أيضا ودألت له بمعنى واحد. وحرق أنيابه إذا حك بعضها ببعض، والعرب تقول عند الغضب يغضبه الرجل على صاحبه: " هو يحرق على الأرم " أى الأسنان، والعصل: المعوجة، واحدها أعصل. والمعل: المنجا. واللججوج: السريعة المر. والأبلق: لا يكون تنوجا، والعرب تضرب هذا مثلا للشىء الذى لا ينال فتقول: طلب الأبلق العقوق فلما ... فإنه أراد بيض الأنوق والأنوق: الذكر من الرخم ولا بيض له، هذا قول بعض اللغويين، وعامتهم يقولون: الأنوق: الرخمة وهى تبيض فى مكان لا يوصل فيه إلى بيضها إلا بعد عناء، ليراد بهذا المثل أنه طلب ما لا يقدر عليه، فلما لم يناله طلب ما يجوز أن يناهلن هذا على القول الثانى، فأما على القول الأول، فإنه طلب ما لا يمكن، فلما لم يجد طلب أيضا ما لا يكون ولا يوجد. والعقوق: الحامل، يقال: أعقت الفرس فهى عقوق، ولم يقولوا: معق؛ تركوا القياس فيه، وهذا هو قول الأصمعى، وقد قال بعض اللغويين: يقال عقوق ومعق. والذفر يكون فى النتن والطيب، وهو حدة الريح، والدفر بفتح الفاء لا يكون إلا فى النتن، ومنه قيل للدنيا: أم دفر، وللأمة دفار، فأما الدفر بتسكين الفاء: فالدفع، يقال: دفر فى عنقه. وحذاق: كناية عما يخرج من الإنسان، يقال: حذق ومزق وزرق، وهذا قول ابن الأعرابى. والمغالاة: المباعدة فى الرمى. وقال الأصمعى: الناضب: البعيد، ومنه نضب الماء، أى بعد عن أن ينال. وعيرانه: تشبه العير لصلابتا. والسرح: السهلة رجع اليدين. والشملة: السريعة الخفيفة. ويقال: ناقة عبر أسفار إذا كانت قوية على السفر، وعبر الهواجر إذا كانت قوية على الحر، وأصل هذا كأنه يعبر بها الهواجر والأسفار. والهزف والهجف: الظليم الجافى. والخاضب: الذى قد اكل الربيع فاحمرت طنبوباه وأطراف ريشه. والظنوب: مقدم عظم الساق. ومسرودة: مشكوكة. ومقتبل: مستأنف الشباب. وأشايب: أخلاط من النسا. والصيابة: صميم القوم وخالصهم. وأم اللهيم: الداهية. والحواصب: الرياح التى تسفى الحصباء. والجوامع: الضباع. واللاحب: القاشر، لحبت الشىء قشرته. والمخارص، واحدها مخرص وهو سكين كبير مثل المنجل يقطع به الشجر. وخريص البحر: خليج منه كأنه مخروص، أى مقطوع من معظمه. والصاقب: جبل معروف. وحجر: حرام. والأعذبان: النكاح والأكل. والأحمران: اللحم والخمر. والسر: النكاح، قال الأعشى: فلا تنكحن جارةً إن سرها ... عليك حرام فانكحن أو تأبدا والأفلاذ، واحدها فلذ، ويقال: أعطيته حرة من لحم وفلذةً من لحم وحذيةً من لحم، كل هذا ما قطع طولا، فإذا أعطاه مجتمعا قبل: أعطاه بضعة وهبرة ووذرة وقدرةً. والفئيد: الشواء، وهو فعيل بمعنى مفعول، يقال: فأدت اللحم إذا شويته، والمفأدك السفود. والمفتأد: المشتوى. والجالان: الناحيتان من اعلاهما إلى أسفلهما، يقال: جال البئر، وجول البئر. ويقال: رجل ماله جول ولا معقول إذا كان ضعيف الرأى أحمق. والوثية: القدر العظيمة. وصورى: ميلى. وزعيم: ضامن، وكذلك قبيل وجميل وكفيل ونمين واحد. ويقال من القبيل: قبلت به أقبل قبالة. وقوله أروى هاما، كانت العرب تقول: إذا قتل الرجل فلم يدرك بثأره خرج من هامته طائر يسمى الهامة فلا يزال يقول: اسقونى اسقونى حتى يقتل قاتله فيسكن، قال ذو الإصبع العدوانى: يا عمرو إلا تدع شتمى ومنقصى ... أضربك حيث تقول الهامة أسقونى.
وحدثنا أبو بكر أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابيا ذم رجلا فقال: تسهر والله زوجته جوعا إذا سهر شبعا؛ ثم لا يخاف مع ذلك عاجل عار، ولا آجل نار؛ كالبهيمة أكلت ما جمعت، ونكحت ما وجدت. قال أبو على: قوله: إذا سهر شبعا يعنى من شدة الكظة والامتلاء. وحدثنا أبو بكر قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبى قال: قيل لرجل من حمير: ما العز فيكم؟ قال: حوط الحريم، وبذل الجسيم؛ ورعاية الحق، وقول الصدق؛ وترك التحلى بالباطل، والصبر على المثاكل؛ واجتناب الحسد، وتعجيل الصفد. وحدثنا عبد اللله بن جعفر بن درستويه النحوى قال حدثنا ابن جوان صاحب الزيادى قال: قال ابن محلم: كنت آتى عبد الله بن طاهر فى كل سنة وكانت صلتى عنده خمسة آلاف درهم، فأتيته آخر ما أتيته فشكوت غليه ضعفى ثم أنشدته: أفى كل عامٍ غربة ونزوح ... أما للنوى من ونيةٍ فتريح لقد طلح البين المشت ركائبى ... فهل أرين البين وهو طليح وأرقنى بالرى نوح حمامة ... فنحت وذو الشجو الحزين ينوح على أنها ناحت ولم تذر دمعةً ... ونحت وأسراب الدموع سفوح وناحت وفرخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخى مهامه فيح عسى جود عبد الله أن يعكس النوى ... فتضحى عصا التيسار وهى طريح فان الغنى مدنى الفتى من صديقه ... وعدم الفتى بالمقترين نزوح فتوجع له عبد الله وقال: صلتك عشرة آلاف درهم كل سنة ولا تتعبن إلينا فإنها توافيك فى منزلك إن شاء الله، ففعل. وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى وأبو بكر بن دريد يزيد كل واحد منهما على صاحبه من قصيدة توبة ابن الحمير: يقول أناس لا يضيرك نأيها ... بلى كل ما شف النفوس يضيرها بلى قد يضير العين أن تكثر البكا ... ويمنع منها نومها وسرورها أرى اليوم يأتى دون ليلى كأنما ... أتت حجج من دونها وشهورها لكل لقاء نلتقيه بشاشة ... وإن كان حولا كل يوم أزورها وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت ... فقد رابنى منها الغداة سفورها وقد رابنى منها صدود رأيته ... وإعراضها عن حاجتى وبسورها حمامة بطن الواديين ترنمى ... سقاك من الغر الغوادى مطيرها أبينى لنا لا زال ريشك ناعماً ... وبيضك فى خضراء غض نضيرها وأشرف بالقور اليفاع لعلنى ... أرى نار ليلى أو يرانى بصيرها وقد زعمت ليلى بأنى فاجر ... لنفسى تقاها أو عليها فجورها وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا الرياشى: ألا قاتل الله الحمامة غدوةً ... على الأيك ماذا هيجت حين غنت تغنت غناء أعجمياً فهيجت ... جواى الذى كانت ضلوعى كنت نظرت بصحراء البريقين نظرةً ... حجازيةً لو جن طرف لجنت وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم للعوام بن عقبة بن كعب: أأن سجعت فى بطن وادٍ حمامة ... تجاوب أخرى ماء عينيك غاسق كأنك لم تسمع بكاء حمامة ... بليلٍ ولم يحزنك إلف مفارق ولم تر مفجوعا بشىء يحبه ... سواك ولم يعشق كعشقك عاشق بلى فأفق عن ذكر ليلى فإنما ... أخو الصبر من كف الهوى وهو تائق قال وأنشدنا أبو حاتم لرجل من بنى نهشل: ألام على فيض الدموع وإننى ... بفيض الدموع الجاريات جدير أيبكى حمام الأيك من فقد إلفه ... وأصبر عنها إننى لصبور وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا الرياشى عن الأصمعى قال أنشدنى منتجع بن نبهان لرجل من بنى الصيداء: دعت فوق أفنانٍ من الأيك موهناً ... مطوقة ورقاء فى إثر آلف فهاجت عقابيل الهوى إذا ترنمت ... وشبت ضرام الشوق تحت الشراسف بكت بجفونٍ دمعها غير ذارفٍ ... وأغرت جفونى بالدموع الذوارف
وقال الأصمعى: من أمثالهم: " أينما أذهب ألق سعدا " قال: كان غاضب الأضبط بن قريع سعدا فجاور فى غيرهم فآذوه فقال: " أينما أذهب ألق سعدا " أى قوما ألقى منهم ما لقيا من سعد. قال ويقال: " محسنة مهيلى " يقال ذلك للرجل يسىء فى أمر يفعله فيؤمر بذلك على سبيل الهزء به. وقال الأصمعى: ومن أمثال العرب: " لا يرحلن رحلك من ليس معك " أى لا يدخلن فى أمرك من ليس نفعه نفعك ولا ضرره ضررك. ويقال: " لامرء يعجز لا المحالة " . يقول: إن العجز أتى من قبله، فأما الحيلة فواسعة. وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى: سفيراً خروجٍ أدلجا لم يعرسا ... ولم تكتحل بالنوم عين تراهما فلم أر مختالين أحسن منهما ... ولا نازلا يقرى غدا كقراهما قال أبو العباس: سفيرا خروج يعنى غيثين. والسفير: المقتدم. وخروج يعنى من السحاب. وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال أنشدنى أبى: تذكرنى أم العلاء حمائم ... تجاوبن إذ مالت بهن غصون تملأ طلا ريشكن من الندى ... وتخضر مما حولكن فنون ألا يا حمامات اللوى عدن عودةً ... فإنى إلى أصواتكن حزين فعدن فملا عدن كدن يمتننى ... وكدت بأشجانى لهن أبين وأنشدنى جحظة وكدت بأسرارى لهن أبين وعدن بقرفار الهدير كأنما ... شربن حميا أو بهن جنون فلم تر عينى مثلهن حمائما ... بكين ولم تدمع لهن عيون وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنى أبى: دع ذكرهن فما تزال تشبه ... ورقاء حانياً ميادا تدعو حمائم أيكةٍ بهديلها ... يخضعن حين يجبنها الأجيادا يا ويحهن حمائم هيجن لى ... شوقً يكاد يصدع الأكبادا قال ابو على: وأنشدنا أبو بكر بن دريد قال: أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعى لحميد بن ثور ولم يروه. الأصمعى فى شعر حميد: إذا نادى قرينته حمام ... جرى صبابتى دمع سفوح يرجع بالدعاء على غصون ... هتوف بالضحى غرد فصيح هفا لهديله منى إذا ما ... تغرد ساجعاً قلب قريح فقلت حمامة تدعو حماما ... وكل الحب نزاع طموح وأنشدنى أبو بكر: كاد يبكى أو بكى جزعا ... من حمامات بكين معا ذكرته عيشةً سلفت ... قطعت أنفاسه قطعا وأنشدنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوى قال أنشدنى أبو العباس محمد بن يزيد الثمالى لعوف بن محلم: ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر ... وغصنك مياد ففيم تنوح أفق لا تنح من غير شىء فإننى ... بكيت زمانا والفؤاد صحيح ولوعا فشطت غربةً دار زينبٍ ... فها أنا أبكى والفؤاد جريح وحدثنى أبو بكر بن دريد قال: خرجنا من عمان فى سفر لنا فنزلنا فى أصل نخلة، فنظرت فغذا فاختتان تزقوان فى فرعها، فقلت: اقول لورقاوين فى فرع نخلةٍ ... وقد طفل الإمساء أو جنح العصر وقد بسطت هاتا لتلك جناحها ... ومال على هاتيك من هذه النحر ليهنكما أن لم تراعا بفرقةٍ ... وما دب فى تشتيت شملكما الدهر فلم أر مثلى قطع الشوق قلبه ... على أنه يحكى قساوته الصخر
وحدثنا أبو بكر قال حدثنى عمى عن أبيه عن ابن الكلبى عن أبيه قال: كان خنافر بن التوءم الحميرى كاهنا، وكان قد أوتى بسطةً فى الجسم، وسعةً فى المال، وكان عاتيا؛ فلما وفدت وفود اليمن على النبى ﷺ وظهر الإسلام أغار على إبل لمرادٍ فاكتسحها وخرج بأهله وماله ولحق بالشحر، فحالف جودان بن يحيى الفرضمى، وكان سيدا منيعا، ونزل بواد من أودية الشجر مخصبا كثير الشجر من الأيك والعرين. قال خنافر: وكان رثى فى الجاهلية لا يكاد يتغيب عنى، فلما شاع الإسلام فقدته مدة طويلة وساءنى ذلك، فبينا أنا ليلةً بذلك الوادى نائما إذ هوى هوى العقاب، فقالك خنافر، فقلت: شصار؟ فقال: اسمع أٌل، قلت: قل أسمع، فقال: عه تغنم، لكل مدةٍ نهاية، وكل ذى أمد إلى غاية، قلت: أجل، فقال: كل دولة إلى أجل، ثم يتاح لها حول، انتسخت النحل، ورجعت إلى حقائقها الملل؛ إنك سجير موصول، والنصح لك مبذول؛ وإنى آنست بأرض الشام، نفرا من آل العذام، حكاما على الحكام، يذبرون ذا رونق من الكلام؛ ليس بالشعر المؤلف، ولا السجع المتكلف؛ فاصغيت فزجرت، فعاودت فظلفت؛ فقلت بم تهينمون، وإلام تعتزون؟ قالوا: خطاب كبار، جاء من عند الملك الجبار، فاسمع باشصار، عن أصدق الأخبار، وأسلك أوضح الآثارن تنج من أوار النار؛ فقلت: وما هذا الكلام؟ فقالوا: فرقان بين الكفر والإيمان؛ رسول من مضرن من أهل المدر، ابتعث فظهر، فجاء بقول قد بهر، وأوضح نهجاً قد دثر، فه مواعظ لمن اعتبر، ومعاذ لمن ازدجر، ألف بالآى الكبر؛ قلت: ومن هذا المبعثو من مضر؟ قال: أحمد خير البشر، فإن آمنت أعطيت الشبر، وإن خالفت أصليت سقر؛ فآمنت يا خنافر، وأقبلت إليك أبادر، فجانب كل كافر، وشايع كل مؤمن طاهر؛ وإلا فهو الفراق، لا عن تلاق؛ قلت: من أين أبغى هذا الدين؟ قال: من ذات الإحرين، والنفر اليمانين، أهل الماء والطين؛ قلت: أوضح، قال: الحق بيثرب ذات النخل، والحرة ذات النعل، فهناك أه لالطول والفضل، والمواساة والبذل؛ ثم املس عنى. فبت مذعورا أراعى الصباح؛ فلما برق فى النور امتطيت راحلتى، وآذنت أعبدى، واحتملت بأهلى حتى وردت الجوف؛ فرددت الإبل على أربابها بحولها وسقابها، وأقبلت أريد صنعاء، فأصبت بها معاذ بن جبل أميراً لرسول الله ﷺ، فبايعته على الإسلام وعلمنى صوراً من القرآن؛ فمن الله على بالهدى بعد الضلالة، والعلم بعد الجهالة، وقلت فى ذلك: ألم ترى أن الله عاد بفضله ... فانقذ من لفح الزخيخ خنافرا وكشف لى عن حجمتى عماهما ... وأوضح لى نهجى وقد كان دائرا دعانى شصار للتى لو رفضتها ... لأصليت جمرا من لظى الهوب واهرا فأصبحت والإسلام حشو جوانحى ... وجانبت من أمسى عن الحق نائرا وكان مضلى من هديت برشده ... فلله مغوٍ عاد بالرشد آمرا نجوت بحمد الله منكل فحمة ... تورث هلكاً يوم شايعت شاصرا وقد أمنتنى بعد ذاك يحابر ... بما كنت أغشى المنديات يحابرا فمن مبلغ فتيان قومى ألوكة ... بأنى من اقتال من كان كافرا عليكم سواء القصد لا فل حدكم ... فقد أصبح الإسلام للكفر قاهرا قال أبو على: اكتسحها: كنسها، يقال: كسحت البيت وقممته وخممته وسفرته، كلها بمعنى واحد. والمقمة والمخمة والمكسحة والمسفرة: كلها المكنسة. والخمامة والسباطة والكاسحة والقمامة والكبار مقصور: كل ما كنسته من البيت فألقيته من قماش وتراب. والكباء ممدود: البخور، يقال: قد كبا ثوبه إذا بحره. وفى رثى لغتان يقال: رثى ورثى وهو ما يتراءى للإنسان من الجن. والحول: التحول. والسجير: الصديق. والشجير بالشين معجمه: الغريب، وقد قال بعض اللغويين يقال: السجير والشجير للصديق. وآنست: أبصرت، قال الله عز وجل: " فإن آنستم منهم رشداً " . والعذام: قبيلة من الجن كذا قال أبو بكر. ويقال: ذبرت الكتاب إذا قرأته، وزبرته إذا كتبته، وقد قالوا ذبرته وزبرته بمعنى واحد إذا كتبته. وظلفت: منعت، قال الشاعر: ألم أظلف عن الشعراء عرضى ... كما ظلف الوسيقة بالكراع والأوار: شدة الحر. والشبر: الخير وحرك للسجع كما حركه العجاج لإقامة الشعر، قال:
فإن انهمال العين بالدمع كلما ... ذكرتك وحدى خاليا لسريع فلو لم يهجنى الظاعنون لهاجنى ... حمائم ورق فى الديار وقوع تجاوبن فاستبكين من كان ذا هوىً ... نوائح ما تجرى لهن دموع لعمرك إنى يوم جرعاء مالكٍ ... لعاص لأمر المرشدين مضيع ندمت على ما كان منى فقدتنى ... كما يندم المغبون حين يبيع إذا ما لحانى العاذلات بحبها ... أبت كبد مما أجن صديع وكيف أطيع العاذلات وحبها ... يؤرقنى والعاذلات هجوع عدمتك من نفس شعاعٍ فإننى ... نهيتك عن هذا وأنت جميع فقربت لى غير القريب وأشرقت ... هناك ثنايا ماهلن طلوع فضعفنى حبيك حتى كأننى ... من الأهل والمال التلاد خليع وحتى دعانى الناس أحمق مائقا ... وقالوا مطيع للضلال تبوع قال وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال: أنشدنا عبد الله بن خلف لقيس المجنون: راحوا يصيدون الظباء وإننى ... لأرى تصيدها على حراما أشبهن منك سوالفاً ومدامعا ... فأرى على لها بذاك ذماما أعزز على بأن أروع شبيهها ... أو أن يذقن على يدى حماما قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال: ذكر أعرابى رجلا فقال: ماله لمج أه، فرفعوه إلى السلطان، فقال: إنما قلت ملج أمه. قال أبو بكر أبو العباس: لمجها: نكحها، وملجها: رضعها. وقرأت على أبى عمرو عن أبى العباس عن ابن الأعرابى قال: اختصم شيخان غنوى وباهلى، فقال أحدهما لصاحبه: الكاذب محج أمه، قال الآخر: انظروا ما قال لى: الكاذب محج أمه، أى جامع أمه، فقال الغنوى: كذب ما قلت له هكذا، إنما قلت له: الكاذب ملج أمه، يقال: ملج يملج، وملج يملج، ولمج يلمج إذا رضع. الحمد لله الذى أعطى الشبر ... موالى الخير إن المولى شكر وقال الأصمعى: جمع الحرة حرار وحرون وإحرون. والنعل: المكان الغليظ من الحرة. وآذنت: أعلمت. والحول جمع حائل وهى الأنثى من أولاد الإبل. والسقاب جمع سقب وهو الذكر. وقال أبو بكر: الزخيخ بلغة أهل اليمن: النار. والجحمتان: العينان بلغتهم، قال شاعرهم - وأكل أمه الذئب - : فيا حجمتا بكى على أم واهبٍ ... أكيلة قلوبٍ ببعض المدانب والقلوب والقليب بلغتهم الذئب. والهوب: النار بلغتهم. والواهر: الساكن مع شدة الحر، كل هذه لأحرف من لغتهم. ونائر: نافر. والقحمة: الشدة. والأقنال: الأعداء، والأقنال: الأقران، واحدهم قتل. قال أبو على: التفسير لأبى بكر من قوله: والزخيخ بلغة أهل اليمن النار إلى قوله نائر. وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال أنشدنا أبو الحسن بن البراء قال أنشدنى إبراهيم بن سهل لقيس ابن ذريح. قال: والناس ينحلونها غيره وبعضهم يصححها له، وأنشدنا أبى عن أحمد بن عبيد عن أبى عمرو الشيبانى عن قيس المجنون: أصرم لبنى حبل وصلك مجملاً ... وإن كان صلام الحبل منك يروع وسوف أسلى النفس عنك كما سلا ... عن البلد النائى البعيد نزيع وإن مسنى للضر منك كآبة ... وإن نال جسمى للفراق خشوع سقى ظطلل الدار التى أنتم بها ... بشرقى لبنى صيف وربيع يقولون صب بالنساء موكل ... وما ذاك من فعل الرجال بديع مضى زمن والناس يستشفعون بى ... فهل لى إلى لبنى الغداة شفيع أيا حرجات الحى حيث تحملوا ... بذى سلمٍ لا جادكن ربيع وخيماتك اللاتى بمنعرج اللوى ... بلين بلى لم تبلهن ربوع إلى الله أشكو نيةً شقت العصا ... هى اليوم شتى وهى أمس جميع وما كاد قلبى بعد أيام جاوزت ... إلى بأجراع الثدى يريع قال أبو على: يقال: محجها ومخجها ونخجها، وهو مأخوذ من قولهم: مخجت الدلو فى البئر إذاحركتها لتمتلىء ونخجتا أيضاً بالنون. وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو العباس لمسكين بن عارم الحنظلى:
أصبحت عاذلتى معتلةً ... قرمت بل هى وحمى للصخب أصبحت تتفل فى شحم الذرى ... وتعد اللوم درا ينتهب لا تلما إنها من نسوةٍ ... ملحها موضوعة فوق الركب قال أبو العباس: الوحم: الشهوة على الحمل، فجعله ها هنا للصخب. قال أبو على: قال أب بكر عن أبى العباس قوله: تتفل فى شحم الذرى يعنى أنها تتفل على إبلى وتعوذها من العين لتعظمها فى عينى فلا أهبها. وتعد اللوم درا ينتهب، أى من حرصها عليه. وقوله: ملحا موضوعة فوق الركب حكى عن الأصمعى أ،ه قال: كانت زنجية حبشية. والملح: السمن، يقال: تملح وتحلم إذا سمن، فيقول: سمنها فوق ركبتيها، أي فى عجيزتها. وقال أبو عمرو الشيبانى: ملحها موضوعة فوق الركب أي إنها بخيلة تضع ملحها فوق ركبتيها، فهى تأمرنى بذلك؛ وقال غيرها من اللغويين: قوله: ملحها موضوعة فوق الركب أي إنها سريعة الغضب، يقال للسريع الغضب: ملحه فوق ركبتيه، وكذلك غضبه على طرف أنفه. وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: وقف علينا أعرابى ونحن برملة اللوى مسغية؛ والحياء زاجر يمنع من كلامكم، والفقر عاذر يدعو إلى إخباركم، والدعاء أحد الصدقتين؛ فرحم الله آمرا أمر بمير، أو دعا بخير؛ فقلت: ممت أنت يرحمك الله فقال: اللهم غفراً، سوء. الاكتساب، يمنع من الانتساب. وحدثنا أبو بكر قال حدثنا العكلى عن الحرمازى عن ابن الكلبى: أن بجلا أغلظ لعمرو ابن سعيد بن عمرو بن العاص، فقال له عمرو: مهلا: عمرو ليس بحلو المذاقة، ولا رخو الملاكة؛ ولا الخسيس ولا المخسوس، ولا النكس الشكس؛ الهالك فهاهة، الجاهل سفاهة؛ والله ما أنا بكهام اللسان، ولا كليل الحد، ولا عيى الخطاب، ولا خطل الجواب، أيهات! جاريت والله الأسنن، وجرستنى الأمور؛ ولقد علمت قريش أنى ساكن الليل داهية النهار، لا أنهض لغير حاجتى ولا أتبع أفياء الظلال، وإنك أيها الرجل لأبيض أملود، رقيق الشعرة، نقى البشرة؛ صاحب ظلمات، ووثاب جدرات، وزوّار جارات. قال أبو على: المجرس والمضرس والمقتل والمنجد الذى قد جرب الأمور وعرفها. والفه: العى الكليل اللسان كذا قال أبو زيد: قال ويقال: جئت لحاجة فأفهنى عنها فلان حتى فههت إذا أنساكها. والأملود: الناعم، قال ذو الرمة: خراعيب أملود كأن بنانها ... بنات النقا تخفى مراراً وتظهر وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابياً يذكر قومه فقال: كانوا والله إذا اصطفوا تحت القتام، خطرت بينهم السهام، بوفود الحمام؛ وإذا تصافحوا بالسيوف فغرت المنايا أفواهها؛ فرب يومٍ عارمٍ قد أحسنوا أدبه، وحرب عبوس قد ضاحكتها أسنتهم، وخطب شئز قد ذللوا مناكبه، ويوم عماس قد كشفوا ظلمته بالصبر حتى ينجلى؛ إنما كانوا البحر الذى لا ينكش غماره، ولا ينهنه تياره. قال أبو على قوله: فغرت: فتحت، قال حميد بن ثور: عجبت لها أنى يكون غناؤها ... فصيحاً ولم تفغر بمنطقها فما والشئز: المقلق، والشأز والشأس: الأرض الغليظة، قال العجاج: إن ينزلوا بالشهل بعد الشأس ومن سمى الرجل شاسا. والعماس: الشديد. وينكش: ينزح. ويقال: قليب علم لا يغضغض ولا يؤبى ولا ينكف ولا ينكش ولا يفتح ولا يغرض ولا ينزح ولا ينزف. قال أبو على: يجوز فتح الغين الثانية وكسرها من يغضغض، وفتح الراء وكسرها من يغرض، ولا يجوز فى يؤبى إلا كسر الباء فقط، كذا قال لى أبو عمرو المطرز. حدثنا أبو بكر قال حدثنا السكن بن سعيد قال: قيل لرجل من حمير: ما الداء العضال؟ قال: هوى محرض، وحسد ممرض؛ وقلب طروب، ولسان كذوب؛ وسؤال كديد، ومنه جحيد؛ ورشد مطرح، وغنىً ممتنح. قال أبو على: الحض: الساقط الذى لا يقدر على النهوض، يقال: أحرضه الله إحراضا. والكديد: الذى يكد المسئول. وجحيد: يابس لا بلل فيه، قال أبو زيد: يقال: رجل جحد وقد جحد إذا كان قليل الخير. وأرض جحدة: يابسة قليلة الخير. والممتنع: المستعار واصله من المنحة والمنيحة، وهو أن يعطى الرجل الرجل الشاة أو الناقة يحتلبها وينتفع بصوفها إلى مدة ثم يردها إلى صاحبها. قال أبو زيد: من أمثال العرب: " من أجدب انتجع " يقول الرجل عند كراهته المنزل والجوار وقلة ماله.
قال أبو على: ومن أمثالهم " الحجش لما بذك الأعيار " يقول عليك بالحجش إذا فاتتك الأعيار، يضرب مثلا للرجل يطلب الأمر غير الخسيس فيفوتته، فيقول له: اطلب دون ذلك. ومن أمثالهم: " يا حبذا التراث لولا الذلة " زعموا أن رجلا مات فبعث أخوه إلى امرأته أن ابعثى إلى بعشاء أخى، فبعثت به فرآه كثيراً فقال: يا حبذا التراث لولا الذلة، يقول: التراث حلو لولا أن أهل بيته يقلون. ويقال: " أصلح غيث ما أفسد برده " يضرب مثلا للرجل يكون فاسدا ثم يصلح. وأنشدنا ابن الأنبارى قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى: بكيت إلى سرب القطا إذ مررن بى ... وقل ومثلى بالبكاء جدير أسرب القطا هل من يعير جناحه ... لعلى إلى من قد هويت أطير وأنشدنا أبو بكر بن دريد قال: أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لأبى المطرز العنبرى: أيا أبرقى مغنى بثينة أسعدا ... فتىً مقصدا بالشوق فهو عميد ليالى منا زائر متهالك ... وآخر مشهور ففيه صدود على أنه مهدى السلام وزائر ... إذا لم يكن ممن يخاف شهود وقد كان فى مغنى بثينة لو بدت ... عيون مها تبدو لنا وخدود وأنشدنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوى قال: أنشدنا محمد بن الحسن بن الحرون: ولما رأت أن النوى أجنبية ... وأن خليلا من غدٍ سيبين بكت فبكى من لاعج الشوق والأسى ... وكل بكل أن يبين ضنين فقلت ولم أملك سوابق عبرةٍ ... على الخد منى فالدموع هتون لقد كنت أبكى قبل أن تشحط النوى ... فكيف إذا ما غبت عنك أكون قال أبو محمد وأنشدنا أيضاً: ولما رأت أن قد عزمت وراعها ال ... فراق بكت والإلف يبكى من البين لعمرى لئن أبكيت بالسير عينها ... لقد طالما أبكت بإعراضها عينى قال الأصمعى يقال: بنى سافاً وسطراً وسطراً ومدماكاً كله بمعنى واحد، وهو السطر من الطين واللبن، وأنشدنا بعض أصحاب أبى العباس المبرد لأبى العباس: أقسم بالمبتسم العذب ... ومشتكى الصب إلى الصب لو كتب النحو عن الرب ... ما زاده إلا عمى قلب قال أبو على: فحكى لنا أن أبا العباس ثعلبا أنشد هذين البتين، فقال متمثلا: أسمعنى عبد بنى مسمع ... فصنت عنه النفس والعرضا ولم أجبه لاحتقارى له ... ومن يعض الكلب إن عضا وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم أو عبد الرحمن عن الأصمعى - اقرأ على الوشل السلام وقل له ... كل المشارب مذ هجرت ذميم سقياً لظلك بالعشى وبالضحى ... ولبرد مائك والمياه حميم لو كنت أملك منع مائك لم يذق ... ما فى قلاتك ما حييت لئيم قال أبو على: القلات جمع قلتٍ، والقلت: النقرة تكون فى الصخرة. أقول لناقتى عجلى وحنت ... إلى الوقبى ونحن على جراد أتاح الله يا عجلى بلاداً ... هواك بها مربات العهاد وأسقاها فرواها بودقٍ ... مخارجه كأطراف المزاد فما من بغضةٍ منا وزهدٍ ... تبدلنا بها عليا مراد ولكن الحوادث أجهضتنا ... عن الوقبى وأطراف الثماد قال أبو على: أجهضتنا: أخرجتنا؛ يقال: أجهضت الناقة إذا ألقت ولدها لغير وقته. قال الأمصعى: ومن أمثال العرب: " هذا ولما تردى تهامة " يضرب مثلا للرجل يجزع قبل وقت الجزع! ويقال: " عرف حميق جمله " يضرب مثلا للرجل قد عرف الرجل فاجترأ عليه. ويقال: " من استرعى الذئب ظلم " يراد به من ولى غير الأمين فالظلم جاء من عنده. ويقال: " خرقاء وجدت صوفاً " يضرب مثلا للرجل المفسد يقع فى يده مال فيعيث فيه. وقال يعقوب بن السكيت: العرب تقول: لأقيمن ميلك وجنفك ودرأك وصغاك وصدغك وقذلك وضلعك، كله بمعنى واحد، يقال ضلع فلان مع فلان، أى ميله. وقال غيره: فأما الضلع فخلقه تكون فى الإنسان. وقرأت على أبى بكر ابن دريد لأبى كبير الهذلى: نضع السيوف على طوائف منهم ... فنقيم منهم ميل ما لم يعدل
الطوائف: النواحى: الأيدى والأرجل والرءوس، وقوله: ميل ما لم يعدل، قال: ميله: فضله وزيادته، وإنما يريد أن هؤلاء القوم كانوا غزوهم فقتلوهم فكأن ذلك القتل ميل على هؤلاء القوم؛ ثم إن هؤلاء القوم المقتولين غزوهم بعد فقلتلوهم فكأن قتلهم لهم قيام لليل، وهذا كقول ابن الزبعرى: وأقمنا ميل بدرٍ فاعتدل يقولها فى يوم أحد، يقول: اعتدل ميل بدر إذا قتلنا مثلهم يوم أحد. ويروى: تقع السيوف على طوائف منهم ... فقام منهم ميل ما لم يعدل وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا السكن بن سعيد عن العباس بن هشام عن أبيه قال: كان مصاد بن مذعور القينى رئيسا قد أخذ مرباع قومه دهرا، وكان ذاك مال فند ذود من أذوادٍ له فخرج فى بغائها؛ قال: فإنى لفى طلبها إذ هبطت وادياً شجيراً كثيف الظلال وقد تفسخت أينا، فأنخت راحتلى فى ظل شجرة وحططت رحلى ورسغت بعيرى واضطجعت فى بردى، فإذا أربع جوارٍ كأنهن اللآلىء يرعين بهما لهن؛ فلما خالطت عينى السنة أقبلن حتى جلسن قريبا منى وفى كف كل واحدة منهم حصيات تقلبهن، فجطت إحداهن ثم طرقت فقالت، قلن يا بنات عراف، فى صاحب الجمل النياف، والبرد الكناف، والجرم الخناف، ثم طرقت الثانية فقالت: مضل أذواد علا كد، كوم صلاخد، منهم ثلاث مقاحد، وأربع جدائد، شسف صمارد. ثم طرقت الثالثة فقالت: رعين الفرع، ثم هطبن الكرع، بين العقدات والجرع. فقالت الراعبة: ليهبط الغائط الأفيح، ثم ليظهر فى الملا الصحصح، بين سديرٍ وأملح؛ فهناك الذود رتاع بمنعرج الأجرع. قال: فقمت إلى جملى فشددت عليه رحله وركبت، ووالله ما سألتهن من هن ولا ممن هن. فلما أدبرت قالت إحدهن: أبرح فتى إن حد فى طلب، فما له غيرهن نشب، وسيئوب عن كثب؛ ففزع قلبى والله قولها؛ فقلت: وكيف هذا؟ وقد خلفت بوادى عرجا عكامساً، فركبت السمت الذى وصف لى حتى انتهيت إلى الموضع فإذا ذودى رواتع، فضربت أعجازهن حتى أشرفت على الوادى الذى فيه إبلى، فإذا الرعاء تدعو بالويل، فقلت: ما شأنكم؟ قالوا: أغارت بهراء على إبلك فاستحفتها، فأمسيت والله مالى مال غير الذود فرمى الله فى نواصيهن بالرغس، وإنى اليوم لأكثر بنى القين مالا، وفى ذلك أقول: هو الدهر آسٍ تارةً ثم جارح ... سوانحه مبثوثة والبوراح فبينا الفتى فى ظل نعماء غضةٍ ... تباكره أفياؤه وترواح إلى أن رمته الحادثات بنكبةٍ ... تضيق به منها الرحاب الفسائح فاصبح نضواً لا ينوء كأنما ... بأعظمه مما عراه القوادح فما خلتنا من عبد عرجٍ عكامس ... أقسس أذودادا وهن روازح حدابير ما ينهضن إلا تحاملا ... شواسف عوج أسأرتها الجوائح فيا واثقاً بالدهر كن غير آمنٍ ... لما تنتضيه الباهظات الفوادح فلست على أيامه بمحكمٍ ... إذا فغرت فاها الخطوب الكوالح مجيرك منه الصبر إن كنت صابرا ... وإلا كما يهوى العدو المكاشح قال أبو على: المرباع: ربع الغنيمة: قال الأصمعى: يقال ربع فلان فى الجاهلية وخمس فى الإسلام؛ وذلك أن أهل الجاهلية كان الرئيس منهم يأخذ ربع الغنيمة، وأنشد غير الأصمعى: منا الذى ربع الجيوش لصلبه ... عشرون وهو يعد فى الأحياء وأنشدنا الأصمعى: لك المرباع منها والصفايا ... وحكمك والنشيطة والفضول قال ويقال: ربع الجيش يربعه رباعة إذا أخذ ربع الغنيمة. وربع الوتر يربع ربعاً إذا قتله على أربع قوى. وروبع القوم يربعهم ربعاً إذا كانوا ثلاثة فصار رابعهم. وربع الحجر ربعاً إذا احتمله. وقال غيره: ربعت عليه إذا عطفت. ويقال: ربعت: رفقت. قال الحطيئة: لعمرى لعزت حاجة لو طلبتها ... أمامى وأخرى لو ربعت لها خلفى وربعت عن الأمر: كففت عنه، قال رؤبة: هاجت ومثلى نوله أن يربعا وقال أبو نصر: ربع عليه فهو يربع ربعا إذا كف عنه، يقال: أربع على نفسك: يريد كف وارفق الربع: الفصيل الذى نتج فى أول الربيع، قال الأصمعى أنشدنى عسى بن عمر قال: سمعت بعض العرب ينشد: وعلبة نازعها رباعى ... وعلبة عند مقيل الراعى
وناقة مربع إذا كان يتبعها ربع، فإذا كان من عادتها أن تنتج فى ربعية النتاج فهى مرباع، والجمع مزابيع. ويقال: مكان مرباع إذا كان ينبت فى أول ما تنبت الأرض، قال ذو الرمة: بأول ما هاجت لك الشوق دمنة ... بأجرع مرباعٍ مرب مخلل ومكان مربوع إذا أصابه مطر الربيع، قال ذو الرمة: إذا ذابت الشمس اتقى صقراتها ... بأفنان مربوع الصريمة معبل والمربع: المنزل الذى يقام فيه فى الربيع، يقال: هذه مصايفنا ومرابعنا، أى حيث نرتبع ونصيف، ويقال: ربع الرجل يربع ربعا فهو مربوع إذا كان يحم ربعاً، وأربع أيضاً، قال الهذلى: من المربعين ومن آزلٍ ... إذا جنه الليل كالناحط ويقال: ربعنا إذا أصابنا مطر الربيع. ويقال: امتار فلان فى الميرة الربعية، أى فى أول الزمن. ويقال: تربعنا بمكان كذا وكذا، أى كنا فيه فى الربيع، وارتبعنا نرتبع ارتباعا. وأربع فلان إبله إذا رعاها فى الربيع. وأربع فلان يربع إرباعا إذا ولد له فى حداثته، وولده ربعيون. ويقال: ارتبع البعير يرتبع ارتباعا، وما أشد ربعته، وهو أشد ما يكون من العدو. قال وأنشدنى رجل من أهل العالية: واعرورت العلط العرضى تركضه ... أم الفوارس بالدثداء والربعه والدثداء: دون الربعة. وحى من الأسد يقال لهم: الربعة، متحركة الباء. والربعة ساكنة الباء: الجونة، يقال: ما أوسع ربع بنى فلان، لمحلهم والجمع رباع وربوع. ويقال ما فى بنى فلان من يضبط رباعته غير فلان، كأنه أمره وشأنه، قال الأخطل: ما فى معد فتىً تغنى رباعته ... إذا يهم بأمر صالحٍ فعلا وقال غيره: رباعته: قبيلته وقومه. قال الأصمعى: يقال: رجل مربوع ومرتبع إذا كان وسطاً لا بالطويل ولا بالقصير، قال العجاج: رباعياً مرتبعا أو شوقبا ويقال: أربع إذا جاءت إبله روابع، أى ترد فى ربع، فهو مربع. وأربع الدابة يربع إرباعا إذا طلعت رباعيته. ويقال: أرض مربعة إذا كانت ذات يرابيع. وقال ابن الأعرابى: الربيع بلغة أهل الحجاز: الساقية الصغيرة، وجمعه ربعان. والربيعة: الصخرة. والربيعة أيضاً: بيضة الحديد. والمربعة: عصية يأخذ رجلان بطرفيها فيلقيان الحمل على البعير، وأنشد الأصمعى: أين الشظاظان وأين المربعه ... وأين وسق الناقة الجلنفعه الشظاظ: عود يدخل فى عروتى الجوالق ليثبت على البعير. والجلنفعة: الجافية، ويقال: المسنة. والوسق: الحمل. ويقال: رابعت الرجل، وهو أن تأخذ بيده ويأخذ بيدك تحت الحمل حتى ترفعاه على البعير، قال الراجز: يا ليت أم الفيض كانت صاحبى ... مكان من أنشا على الركائب ورابعتنا تحت ليل ضارب ... بساعدٍ فعمٍ وكف خاضب وند: شرد. والذودك ما بين الثلاثة إلى العشرة، والعرب تقول: " الذود إلى الذود إبل " يقول: إذا اجتمع القليل إلى القليل صار كثيراً. وبغاؤها: طلبها. والشجير: الكثير الشجر. والأين: الكلال. ورسغت: شددت رسغه. والنياف: العالى. والكناف: الكثيف. والجرم: الجسد. والخفاف: الخفيف. والعلاكد: الصلاب. والكوم: العظام الأسمة. يقال: ناقة كوماء وبعير أكوم. والواحد من علاكد علكد. والصلاخد: العظام الشداد، واحدها صلاخد، وفيه لغات، يقال: بعير صلاخد وصلخد وصلخدى، وناقة صلخداة. والماقحد جمع مقحاد، وهى الغليظة السنام. والقحدة: السنام، وقال: أصل السنام. والجدائد جمع جدود، وهى التى انقطع لبنها. قال الأصمعى: الشاسف: أشد ضمراً من الشازب. والصمارد جمع صمرد، والصمرد والبكيئة والدهين: القليلة اللبن. والفرع جمع فرعة، وهى أعلى الجبل. والكرع: ماء السماء ينزل فيستنقع، وسمىكرعا لأن الماشية تكرع فيه. والعقدات جمع عقدة، والعقدة والضفرة: ما تعقد من الرمل. والغائط: المطمئن من الأرض. والملا: الفضاء. والصحصح: الصحراء. وسدير وأملح: موضعان. والأجرع والجرعاء: دعص لا نبت شيئا. وأرح: أشد. والكثب: القرب. والعرج: نحو خمسمائة من الإبل. والعكابس والعكامس جميعا: الكثير. وأسحفتها: استأصلتها. والرغس: البركة والنماء، قال رؤبة: دعوت رب العزة القدوسا ... دعاء من لا يقرع الناقوسا حتى أرانا وجهك المرغوسا
والقوادح، واحدتا قادحة، وهى العيب فى العود والسن. وأقسس: أتبع. والروازح: التى قد سقطت من الهزال. والحدابير: التى قد تقوست من الهزال، واحدها حدبار. وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: قدم وفد على أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك وفيهم رجل من قريش يقال له: إسماعيل بن أبى الجهم، وكان أكبرهم سنا، وأفضلهم رأيا وحلما؛ فقام متوكئا على عصا وقال: يا أمير المؤمنين، إن خطباء قريش قد قالت فيك فأطنبت، وأثنت عليك فأحسنت؛ ووالله ما بلغ قائلهم قدرك، ولا أحصى مثنيهم فضلك؛ أفتأذن لى فى الكلام؟ قال: تكلم، قال: أفأوجز أم أطنب؟ قال: بل أوجز، قال: تولاك الله أمير المؤمنين بالحسنى، وزينك بالتقى، وجمع لك خير الآخرة والأولى؛ إن لى حوائج أفاذكرها؟ قال: نعم، قال: كبرتسنى، وضعفت قواى، واشتدت حاجتى، فإن رأى أمير المؤمنين أن يجبر كسرى، وينفى فقرى؛ قال: يا بن أبى الجهم، ما يجبر كسرك وينفى فقرك؟ قال: ألف دينار وألف دينار وألف دينار، قال هيهات يا بن أبى الجهم! بيت المال لا يحتمل هذان قال: كأنك آليت يا أمير المؤمنين أن لا تقضى لى حاجةً مقامى هذا، قال: ألف دينار لماذا؟ قال: أقضى بها دينا قد فدحنى حمله، وأرهقنى أهله؛ قال: نعم المسلك أسلكتها، ديناً قضيت، وأمانةً أديت؛ قال: وألف دينار لماذا؟ قال: أزوج بها م أدرك من والدى، فأشد بهم عضدى، ويكثر بهم عددى؛ قال: ولا بأس، أغضضت طرفا، وحصنت فرجا، وأمرت نسلا؛ وألف دينار لماذا؟ قال: أشترى بها أرضاً فأعود بفضلها على ولدى، وبفضل فضلها على ذوى قراباتى؛ قال: ولا بأس، أردت ذخرا، وروجوت أجرا، ووصلت رحما؛ قد أمرنا لك بها، فقال: الله المحمود على ذلك، وجزاك الله يا أمير المؤمنين والرحم خيرا. فقال هشام: تالله ما رأيت رجلا ألطف فى شسؤال، ولا أرفق فى مقال من هذا. هكذا فليكمن القرشى. قال: أرهقنى: أعجلنى، ورهقنى: غشينى، يقال: رهق فلانا دين يرهقه إذا غشيه، ورهقت الكلاب الصدي إذا غشيته ولحقته،ورهقنى فلان، أى لحنقى، ويقال: فلان عطوف على المرهق، أى على المدرك، وأرهقت الرجل إذا أدرته، ويقال: هو يعدو الرهقى، وهو أن يسرع حتى يكاد أن يرهق الذى يطلبه. وفى فلان رهق إذا كان فيه غشيان للمحارم. قال ابن أحمر: كالكوكب الأزهر انشقت دجنته ... فى الناس لارهق فيه ولا بخل ويقال: إنه لمرهق إذا غشيه الأضياف والسؤال، قال ابن هرمة: خير الرجال المرهقون كما ... خير تلاع البلاد أكلؤها وفلان يرهق فى دينه إذا اثنى عليه قلة ورعٍ. وأرهق القوم الصلاة إذا أخروها حتى يدنو وقت الأخرى. قال أبو زيد: أرهقته عسرا وإثما حتى رهقه رهقا. غيره وراهق الغلام إذا قارب الاحتلام. وحدثنا أبوبكر بن الأنبارى قال حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوى قال أنبأنا أبو سعيد عبد الله بن شبيب قال أنشدنا إسماعيل نب أبى أويس والزبير بن أبى بكر وعبد الملك بن عبد العزيز الماجشون ومحمد بن طالوت الوادى، قال أنشدنى أبى، وقال كل هؤلاء أنشدنى لأبى صخر الهذلى يزيد بعضهم على بعض. قال أبو على: وأنشدنا أبو بكر بن دريد هذه القصيدة لأبى صخر: لليل بذات الجيش دار عرفتها ... وأرخى بذات البين آياتا سطر كأنهما ملآن لم يتغيرا ... وقد مر للدارين من بعدنا عصر وقفت برسميها فعى جوابها ... فقلت وعينى دمعها سرب همر ألا أيها الركب المخبون هل لكم ... بساكن أجزاع الحمى بعدنا خبر فقالوا طوينا ذاك ليلا فإن يكن ... به بعض من تهوى فما شعر السفر خليلى هل يستخبر الرمث والغضا ... وطلح الكدا من بطن مروان والسدر قال أبو على: أحسبه أراد كداء فقصر للضرورة، وأنشدنا أبو بكر بن دريد: كدى بضم الكاف وقال: هو جمع كدية: أما والذى أبكى واضحك والذى ... أمات وأحيا والذى أمره الأمر لقد كنت آتيها وفى النفس هجرها ... بتاتا لأخرى الدهر ما طلع الفجر فما هو إلا أن أراها فجاءة ... فأبهت لا عرف لدى ولا نكر وانسى الذى قد كنت فهي هجرتها ... كما قد تنسى لب شاربها الخمر
وما تركت لى من شداً أهتدى به ... ولا ضلع إلا وفى عظمها وقر وقد تركتنى أغبط الوحش أن أرى ... أليفين منها لا يروعهما الذعر ويمنعنى من بعض إنكار ظلمها ... إذا ظلمت يوما وإن كان لى عذر مخافة أنى قد علمت لن بدا ... لى الهجر منها ما على هجرها صبر وأنى لا أدرى إذا النفس أشرفت ... على هجرها ما يبلغن بى الهجر قال عبد الله بن شبيب حدثنى الزبير قال: لما أنشد أبو السائب هذا البيت قال: الموت الأحمر والله يا بن أخى ما دونه شىء: أبى القلب إلا حبها عامريةً ... لها كنيةً عمرو وليس لها عمرو تكاد يدى تندى إذا ما لمستها ... وينبت فى أطرافها الورق النضر وإنى لتعرونى لذاكراك هزة ... كما انتفض العصفور بلله القطر تمنيت من حبى علية أننا ... على رمثٍ فى البحر ليس لنا وفر على دام لا يعبر الفلك موجه ... ومن دوننا الأهوال واللجج الجضر فنقضى هم النفس فى غير رقبة ... ويغرق من نخشى نميمته البحر عجبت لسعى الدهر بينى وبينها ... فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر قال عبد الله: وأنشدنى أبن أبى أويس: فا يحب ليلى قد بلغت بى المدى ... وزدت على ما ليس يبلغه الهجر ويا حبها زدنى جوى كل ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر فليست عشيات الحمى برواجع ... لنا أبداً ما أبرم السلم النضر ولا عائد ذاك الزمان الذى مضى ... تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر قال أبو بكر وزادنى أبى عن أحمد بن عبيد: هجرتك حتى قلت لا يعرف القلى ... وزرتك حتى قلت ليس له صبر صدقت أنا الصب المصاب الذى به ... بتاريح حب خامر القلب أو سحر فيا حبذا الأحياء ما دمت فيهم ... ويا حبذا الأموات ما ضمك القبر وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه أو أبو حاتم - الشك من أبى على - عن الأصمعى قال: اشترى أعرابى خمرا بجزةٍ من صوف فغضبت عليه امرأته فأنشأ يقول: غضبت على لأن شربت بصوف ... ولئن غضبت لأشربن بخروف ولئن غضبت لاشربن بنعجة ... دهساء مالئة الإناء سحوف ولئن غضبت لأشربن بناقةٍ ... كوماء ناوية العظام صفوف ولئن غضبت لأشربن بسابح ... نهدٍ أشم المنكبين منيف ولقد شهدت إذا الخصوم تواكلوا ... بخصام لا نزقٍ ولا علفوف قال أبو على: الصفوف: التى تصف بين رجليها عند الحلب، ويقال: التى تصف بين محلبيها. والسحوف: التى لها سحفتان من الشحم، أى طبقتان. والسحف: القشر، يقال: سحفت الشىء: قشرته. والعلفوف: الجافى. وقرأت على أبى عبد الله إبراهيم بن عرفة لذى الرمة: كأن أعجازها والريط يعصبها ... بين العبرين وأعناق العواهيج أتقاء سارية حلت عزاليها ... من آخر الليل ريح غير حرجوج يصف نساء، يقول: كأن أعجازهن أنقاء سارية، والأنقاء جمع نقا، والنقا: قطعة من الرمل مستطيلة محدودبة. والسارية: السحابة التى تمطر ليلا، فأضاف النقا إليها لأنها أمطرته. والريط جمع ريطة. ويعصبها: يلتاث بها، يقول: هذه الرياط دقاق ناعمة، فاذا هبت لها أدنى ريح التفت على سوقها وأعجازها. والبرين: الخلاخيل، واحدها برة. والعواهيج: الطوال الأعناق من الظباء، واحدها عوهج؛ فكأنها قال: كأن بين أسؤقها وأعناقها كثبانا جادتا سحابة ليل حلت عزاليها سحابة لينة. والعزالى: مخارج مائها مستعارة من المزادة، لأن العزلاء فم المزادة، وهذا مثل. والحرجوج: الريح الشديدة الهبوب.
قال الأصمعى: من أمثال العرب " رب عجلةٍ تهب ريثا " يراد به ربما استعجل الرجل فألقاه استعجاله فى بطء، ويقال: " جزانى جزاء سنمار " وسنمار: إنسان كان عمل أطماً لبعض الملوك، فقال له. إن نزع هذا الحجر تداعى بناؤك، فأمر به، فرمى من فوق الأطم لئلا يعلم به أحد غيره، يضرب مثلا للرجل يحسن فيجزى بإحسانه سوءاً، وأنشد الأصمعى: جزاء سنمارٍ بما كان يعمل ويقال: " بفلان تقرن الصعبة " يراد به أنه يذل المستعصب، ويقال: " حيث لا يضع الراقى أنفه " يراد به أن ذلك الأمر لا يقرب ولا يدنى منه، وكأنهم يرون أن أصل ذلك أن ملسوعا لسع فى آسته فلم يقدر الراقى أن يقرب أنفه مما هناك. قال أبو زيد: يقال: هو أشخم الرأس، بالخاء المعجمة، وأشهب الرأس. ويقال: كلأ أشخم إذا علا البياض الخضرة. وقد اشخام واشهاب النبت والرأس. ويقال: " ليستغن أحدكم ولو بضوز سواكه " أى بمضغه، يقال: ضاز الشىء يضوزه ضوزا إذا مضغه. وأنشد أبو زيد: طوال الأيادى والحوادى كأنها ... سماحيج قب طار عنها نسالها قال: الحوادى: الأرجل الى تحدو الأيديى وتتلوها، قال: ويقال: ما أعظبه عليه! أى ما أصبره! وقد عظب يعظب عظبا وعظوبا إذا صبر عليه، وعظبته عليه تعظيبا ومرنته تمرينا، وأنشد: ولو كنت من زوفن أو بنيها ... قبيلة قد عظبت أيديها معودين الحفر حفاريها ... لقد حفرت نبثة ترويها النبثة: الركية التى تخرج نبيثتها. وقال: قال بعض بنى عقيل وبنى كلاب: هو الأكرم والأفضل والأجمل والأحسن والأرذل والأنذل والأسفل والألأم. وهى الكرمى والفضلى والحسنى والجملى والرذلى واللؤمى، وهو الرذل والنذل واللؤم. وقال الأصمعى يقال: كثر ولد فلان وقد أبق ونتق فهو ناق، وكله سواء. وامرأة ناتق إذا كثر ولدها، وأنشد للنابغة: لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم ... طفحتعليك بناتقٍ مذكار
وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا الأشناندانى عن التوزى عن أبى عبيدة عن أبى عمرو بن العلاء قال: كان لرجل من مقاول حمير ابنان يقال لأحدهما: عمرو وللآخر: ربيعة، وكانا قد برعا فى الأدب والعلم، فلما بلغ الشيخ أقصى عمره وأشفى على الفناء، دعاهما ليبلو عقولهما، ويعرف مبلغ علمهما؛ فلما حضرا قال لعمرو - وكان الأكبر - : أخبرنى عن أحب الرجال إلأيك، وأكرمهم عليك، قال: السيد الجواد، القليل الأنداد، الماجد الأجداد، الراسى الأوتاد، الرفيع العماد، العظيم الرماد، الكثير الحساد، الباسل الذواد، الصادر الوراد؟ قال: ماتقول يا ربيعة؟ قال: ما أحسن ما وصف! وغيره أحب إلى منه، قال: ومن يكون بعد هذا؟ قال: السيد الكريم، المانع للحريم، المفضال الحليم، القمقاعم الزعيم؛ الذى إن هم فعل، وإن سئل بذل.قال: أخبرنى ياعمرو بأبغض الرجال إليك، قال: البرم اللئيم؛ المستخذى للخصين، المبطان النهيم، العي البكيم؛ الذى إن سئل منع، وإن هدد خضع، وإن طلب جشع. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: غيره أبغض إلى منه، قال: ومن هو؟قال: النؤوم الكذوب، الفاحش الغضوب؛ الرغيب عند الطعام، الجبان عند الصدام. قال: أخبرنى يا عمرو، أى النساء أحب إليك؟ قال: الهركولة اللفاء، الممكورة الجيداء؛ التى يشفى السقيم كلامها، ويبرى الوصب إلمامها؛ التى إن أحسنت إليها شكرت، وإن أسأت إليها صبرت، وإن استعتبتها أعتبت؛ الفاترة الطرف، الطفلة الكف، العميمة الردف. قال: ماتقول يا ربيعة؟ قال: نعت فأحسن! وغيرها أحب إلى منها، قال: ومن هى؟ قال: الفتانة العينين، الأسيلة الخدين، الكاعب الثديين، الرداح الوركين؛ الشاكرة للقليل، المساعدة للحليل؛ الرخيمة الكلام، الجماء العظام، الكريمة الأخوال والأعمام، العذبة اللثام. قال: فأى النساء إليك أبغض يا عمرو؟ قال: القتاتة الكذوب، الظاهرة العيوب، الطوافة الهبوب، العابسة القطوب، السبابة الوثوب؛ التى إن ائتمنها زوجها خانته، وإن لا لها أهانته، وإن أرضهاها أغضبته، وإن أطاعها عصته. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: بئس والله المرأة ذكر! وغيرها أبغض منها إلى منها، قال: وايتهن التى هي أبغض إليك من هذه؟ قال: السليطة اللسان، المؤذية للجيران، الناطقة بالبهتان؛ التى وجهها عابسن وزوحها من خيرها آيس؛ التى إن عابتها زوجها وترته. وإن ناطقها انتهرته. قالربيعة: وغيرا أبغض إلى منها، قال ومن هى؟ قال: التى شقى صابحها، وخزى خاطبها، وافتضح أقاربها. قال: ومن صاحبها؟ قا ل: مثلها فى خصالها كلها، لا تصلح إلا له ولا يصلح إلا لها. قال فصفه لى؟ قال: الكفور غير الكشور، اللئيم الفجور؛ العبوس الكالح، الحرون الجامح؛ الراضى بالهوان؛ المختال المنان، الضعيف الجنان، الجعدا لبنان؛ القؤول غير العقول، الملول غير الوصول؛ الذى لا يرع عن المحارم، الضعيف الجنان، الجعد البنان؛ القؤول غير العقولن الملول غير الوصول؛ الذى لا يرع عن المحارم، ولا يرتدع عن المظالم. قال: أخبرنى يا عمرو، أيى الخيل أحب إليك عند الشدائد، إذا التقى الأقران إذا التقى الأقران للتجالد؟ قال: الجواد الأنيق، الحصان العنيق، الكفيت العريق، الشديد الوثيق، الذى يفوت إذا هرب، ويلحق إذا طلب. قال نعم الفرس والله نعت! قال: فما تقول يا ربيعة؟ قال: غيره أحب إلى منه، قال: وما هو؟ قال: الحصان الجواد، السلس القياد؛ الشهم الفؤاد؛ الصبور إذا سرى، السابق إذا جرى. قال: فأى الخيل أبغض إليك يا عمرو؟ قال: الجموح الطموح، النكول الأنوح؛ الصؤول الضعيف، الملول العنيف؛ الذى إن جاريته سبقته، وإن طلبته أدركته، قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: غيره أبغض إلى منه، قال: وما هو؟ قال: البطىء الثقيل، الحرون الكليل؛ الذى إن ضربته فمص، وإن دنوت منه شمس؛ يدركه الطالب، ويفوته الهارب، ويقطع بالصاحب. قال ربيعة: وغيره أبغض إلى منه، قال: وما هو؟ قال: الجموح الخبوط، الركوض الخروط، الشموس الضروط، القطوف فى الصعود والهبوط؛ الذى لا يسلم الصاحب، ولا ينجو من الطالب. قال: أخبرنى يا عمرو، أى العيش ألذ؟ قال: عيش فى كرامة، ونعيم وسلامة، واغتباق مدامة. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال نعم العيش والله وصف! وغيره أحب إلى منه، قال: وما هو؟ قال: عيش فى أمن ونعيم، وعز وغنى عميم؛ فى ظل نجاح، وسلامة مساء وصباح؛ وغيره أحب إلى منه، قال: وما هو؟ قال:
غنى دائم، وعيش شالم، وظل ناعم. قال: فما أحب السيوف إليك يا عمرو؟ قال: الصقيل الحسام، الباتر المجذام، الماضى السطام؛ المرهف الصمصام؛ الذى إذا هززته لم يكب، وإن ضربت به لم ينب. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: نعم السيف نعت! وغيره أحب إلى، قال: وما هو؟ قال: الحسام القاطع، ذو الرونق اللامع، الظمآن الجائع؛ الذى إذا هززته هتك، وإذا ضربت بتك. قال: فما أبغض السيوف إليك يا عمرو؟ قال: الفطار الكهام، الذى إن ضرب به لم يقطع، وإن ذبح به لم يخع. قال: فما تقول يا ربيعة؟ قال: بئس السيف والله ذكر! وغيره أبغض إلى منه، قال: وما هو؟ قال: الطبع الددان، المعضد المهان.قال: فأخبرنى يا عمرو، أى الرماح أحب إليك عند المراس، إذا اعتكر الباس، واشتجر الدعاس؟ قال أحبها إلى المارن المثقف، المقوم المخطف؛ الذى إذا هززته لم ينعطف، وغذا طعنت به لم ينقصف. قال: ما تقول يا ربعية؟ قال: نعم الرمح نعت! وغيره أحب إلى منه، قال: وما هو؟ قال: الذابل العسال، المقوم النسال؛ الماضى إذا هززته، النافذ إذا همزته. قال: فأخبرنى يا عمرو من أبغض الرماح إليك، قال: الأعصل عند الطعان، المثلم السنان؛ الذى إذا هززته انعطف، انعطف، وإذا طعنت به انقصف. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: بئس الرمح ذكر! وغيره أبغض إلى منه، قال: وما هو؟ قال: الضعيف المهز، اليابس الكز؛ الذى إذا أكرهته انحطم، وإذا طعنت به انقصم. قال: انصرفا الآن طاب إلى الموت. دائم، وعيش شالم، وظل ناعم. قال: فما أحب السيوف إليك يا عمرو؟ قال: الصقيل الحسام، الباتر المجذام، الماضى السطام؛ المرهف الصمصام؛ الذى إذا هززته لم يكب، وإن ضربت به لم ينب. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: نعم السيف نعت! وغيره أحب إلى، قال: وما هو؟ قال: الحسام القاطع، ذو الرونق اللامع، الظمآن الجائع؛ الذى إذا هززته هتك، وإذا ضربت بتك. قال: فما أبغض السيوف إليك يا عمرو؟ قال: الفطار الكهام، الذى إن ضرب به لم يقطع، وإن ذبح به لم يخع. قال: فما تقول يا ربيعة؟ قال: بئس السيف والله ذكر! وغيره أبغض إلى منه، قال: وما هو؟ قال: الطبع الددان، المعضد المهان.قال: فأخبرنى يا عمرو، أى الرماح أحب إليك عند المراس، إذا اعتكر الباس، واشتجر الدعاس؟ قال أحبها إلى المارن المثقف، المقوم المخطف؛ الذى إذا هززته لم ينعطف، وغذا طعنت به لم ينقصف. قال: ما تقول يا ربعية؟ قال: نعم الرمح نعت! وغيره أحب إلى منه، قال: وما هو؟ قال: الذابل العسال، المقوم النسال؛ الماضى إذا هززته، النافذ إذا همزته. قال: فأخبرنى يا عمرو من أبغض الرماح إليك، قال: الأعصل عند الطعان، المثلم السنان؛ الذى إذا هززته انعطف، انعطف، وإذا طعنت به انقصف. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: بئس الرمح ذكر! وغيره أبغض إلى منه، قال: وما هو؟ قال: الضعيف المهز، اليابس الكز؛ الذى إذا أكرهته انحطم، وإذا طعنت به انقصم. قال: انصرفا الآن طاب إلى الموت. قال أبو على: قوله: وإن طلب جشع، الجشع، أسوأ الحرص، وقد جشع الرجل فهو جشع. واللفاء: الملتفة الجسم. والممكورة: المطوية الخلق. والرداح: الثقيلة العجيزة الضخمة الوركين. والرخيمة: اللينة الكلام، قال ذو الرمة: لها شر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشى لأهراء ولا نزر
والجماء العظام: الى لا يوجد لعظامها حجم، بمنزلة الجماء من البقر. فأما قوله: العذبة اللئام، فإنه أراد موضع اللثام، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامة. والقتاتة: النمامة، وقال اللحيانى: القتات والنمام والهماز واللماز والقساس والدراج والمهينم والمهتمل والمائس والمؤوس، مثال معوس والممأس، مثال ممعس، وقد مأس يمأس مأسا إذا مشى بينهم بالنميمة والفساد، ويقال: ماس بين الناس، ومسأ بينهم يمسأ مسأ مثل معساً، وكله واحد، ويقال: إنه لذو نيربٍ ومثبرة وإبرة إذا كان نماماً، كله عن اللحيانى. والهبوب: الكثيرة الانتباه، قال الأصمعى: يقال: هب من نومه يهب هبوبا، وأهببته أى انبهته. وهبت الريح تهب هبوباً وهبيبا، كذا روى أبو نصر عنه: هبيبا فى الريح، وهب التيس يهب هبابا وهبيبا إذا هاج وطلب السفاد، وهب السيف هبة، وهو صوته عند وفعه. وثوب هبايب وخبايب إذا كان متقطعا. والحصان: الذكر من الخيل. وقال الأصمعى: الكفت والكفيت: السريع. والنكول: الذى ينكل عن قرنه. والأنوح: الكثير الزحير. والآنح من الرجال على مثال فاعل: الذى إذا سئل تنحنح من لؤمه. وقد أنح يأنح. والمجذام مفعال من الجذم، وهو القطع. والسطام: حد السيف وغيره، وفى الحديث: " العرب سطام الناس " أى حدهم. والفطار: الذى لا يقطع وهو مع ذل حديث الطبع. وقوله: لم ينخع: لم يبلغ النخاع. والطبع: الصدأ. والددان: الذى لا يقطع وهو نحو الكهام. والمضعد: القصير الذى يمتهن فى قطع الشجر وغيرها. والدعاس: الطعان، يقال: دعسه إذا طعنه، والمداعسة: المطاعنة. والعسال: الشديد الاضطراب إذا هززته، ومنه العسلان، وهو عدو فيه اضطراب، والنسلان قريب منه، وأنشدنى أبو بكر بن دريد: عسلان الذئب أمسى قارباً ... برد الليل عليه فنسل والأعصل: الملتوى المموج. وقرأت على أبى بكر بن دريد للحسين بن مطير الأسدى: فيا عجبا للناس يستشرفوننى ... كأن لم يروا بعدى محبا ولا قبلى يقولون لى اصرم يرجع العقل كله ... وصرم حبيب النفس أذهب للعقل ويا عجبا من حب من هو قاتلى ... كأنى أجازيه المودة من قتلى ومن بينات الحب أن كان أهلها ... أحب إلى قلبى وعينى من أهلى قال أبو على: استشرفت الشىء واستكففته كلاهما أن تضع يدك على حاجبك كالذى يستظل من الشمس وينظر هل يراه. وأنشدنا أبو بكر ولم يسم قائلاً: إن التى زعمت فؤادك ملها ... خلقت هواك ما خلقت هوى لها بيضاء باكرها النعيم فصاغها ... بلباقة فأرقها وأجلها حجبت تحيتا فقلت لصاحبى ... ما كان أكثرها لنا وأقلها وإذا وجدت لها وساوس سلوةٍ ... شفع الضمير لها إلى فسلها وقرأت عليه لعبد الله بن الدمينة الحثعمى: ولما لحقنا بالحمول ودونها ... خميص الحشا توهى القميص عواتقه قليل قذى العينين يعلم أنه ... هو الموت إن لم تلق عنا بوائقه عرضنا فسلمنا فسلم كارها ... علينا وتبريح من الغيظ خانقه فسايرته مقدار ميلٍ وليتنى ... بكرهى له ما دام حياً أرافقه فلما رأت أن لا وصال وأنه ... مدى الصرم مضروبا عليه سرادقه رمتنى بطرفٍ لو كميا رمت به ... لبل نجيعاً نحره وبنائقه ولمح بعينها كأن وميضه ... وميض حيا تهدى لنجدٍ شقائقه وحدثنى أبو بكر بن الأنبارى قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد البصرى المقدمى قال حدثنا الرياشى قال حدثنا محمد بن عبد الوهاب الثقفى قال: دخلنا على خلف الأحمر نعوده فى مرضه الذى مات فيه فقلنا له: كيف تجدك يا أبا محرز؟ فأنشأ يقول: يا أيها الليل الطويل ذنبه ... كأن ديناً لك عندى تطلبه أما لهذا الليل صبح يقربه ثم أنشد يقول: لا يبرح المرء يستقرى مضاجعه ... حتى يبيت بأقصاهن مضطجعا قال أبو على: كان أبو محرز أعلم الناس بالشعر واللغة، وأشعر الناس على مذاهب العرب. حدثنى أبو بكر بن دريد: أن القصيدة المنسوبة إلى الشنفرى التى أولها
أقيموا بنى أمى صدور مطيكم ... فإنى إلى قومٍ سواكم لأميل له، وهى من المقدمات فى الحسن والفصاحة والطول، فكان أقدر الناس على قافية. حدثنى أبو بكر بن أبى حاتم عن الأصمعى قال: قال يوما خلف لأصحابه: ما تقولون فى بيت النابغة الجعدى: كأن مقط شراسيفه ... إلى طرف القنب فالمنقب لو كان موضع فالمنقب فالقهبلس، كيف كان يكون قوله: لطمن بترسٍ شديد الصف ... اق من خشب الجوز لم يثقب؟ فقالوا: لا نعلم؛ فقال: والآبنس. وقال لهم مرة أخرى: ما تقولون فى بيت النمر بن تولب: ألم بصحبتى وهم هجود ... خيال طارق من أم حصن لو كان موضع من أم حصن من أم حفص، كيف كان يكون قوله: لها ما تشتهى عسل مصفى ... إذا شاءت وحوارى بسمن؟ قالوا: لا نعلم، فقال: وحوارى بلمص، وهو الفالوذ. قال أبو بكر: والقهبلس: ذكر الرجل، وقد يستعار لغيره. وقال محمد بن سلام فى كتاب طبقات العلماء: كنا إذا سمعنا الشعر من أبى محرز لا نبالى ألا نسمعه من قائله. وقرأت على أبى بكر بن دريد لأبى كبير الهذلى: وأخو الأباءة إذ رأى خلانه ... تلى شفاعاً حوله كالإذخر الأباءة: الأجمة، يعنى: رجلا صار فى أجمة. وخلانه: أصحابه الذين يودهم. وتلى: صرعى. وشفاعاً: اثنين اثنين: وهو جمع شفع. وقوله: كالإذخر، قال الأصمعى: لا تكاد تجد من الإدخر واحدة على حدة، إنما تجد الأرض مستحلسة منه، والمستحلسة: الكثيرة النبات: التى غطاها النبات أو كاد يغطيها، فشبه كثرة القتلى بالإذخر لذلك. قال الأصمعى: من أمثالهم: " أهون هالكٍ عجوز فى عام سنةٍ " مثل للشىء يستخف بهلاكه. ويقال: " خله درج الضب " أى خله يذهب حيث شاء. ويقال: " لا يدرى المكروب كيف يأتمر " يراد أن المكروب يغطى عليه الشأن فلا يدرى كيف ينفذ أمره. ويقال: " لا تعجب للعروس عام هدائها " يراد أن الرجل إذا استأنف أمره تجمل لك، ويقال: طناب وقد تقطع الدوية " يراد أن المسن تبقى منه بقية ينتفع بها. وقال أبو زيد: ومثل من الأمثال: " الشر ألجأه إلى مخ العراقيب " يقال ذلك عند مسئلة اللئيم، أعطاك أو منعك. قال الأصمعى: خلف فلان فهو يخلف خلوفا إذا فسد ولم يفلح، وهو خالف وهى خالفة. ويقال: هو خالفة أهل بيته إذا كان أحمقهم، والخالفة: عمود فى مؤخر البيت. وقال اللحيانى: عبد خالف، أى لا خير فيه. وقال ابن الأعرابى: يقال: أبيعك العبد وأبرأ إليك من خلفته. ورجل ذو خلفة، ورجل خالفة وخالف وخلفنة وخلفناة، وفيه خلفناة. وقال أبو زيد: الخالف: الفاسد الأحمق، وقد خلف يخلف خلافةً. قال: ويقال: جاء فلان خلافى وخلفى وهما واحد. قال: ويقال: اختلف فلان صاحبه فى أهله اختلافا، وذلك أن يباصره حتى إذا غاب عن أهله جاء فجلخ عليهن. وقال الأصمعى: خلف فلان عن خلق أبيه إذا تغير. وخلف فوه يخلف خلوفا إذا تغيرت رائحته، وقال اللحيانى: يقال: نوم الضحى مخلفة للفم. وقال أبو زيد: خلف الشراب واللبن يخلف خلوفا إذا حمض، ثم أطيل إنقاعه ففسد. وقال أبو زيد والأصمعى: خلفت نفسه عن الطعام تخلف خلوفا إذا أضربت عنه من مرض، وقال أبو زيد: لا يقال ذلك إلا من المرض. وقال أبو نصر عن الأصمعى: خلف خلف صدق بإسكان اللام إذا ترك عقباً. ويقال: خذ هذا خلفاً من مالك بتحريك اللام، أى بدلاً منه، وهوخلف من أبيه، أى بدل منه. وقال اللحيانى: الخلف: الولد الصالح. والخلف: الردىء. يقال: بقيت فى خلف سوء، أى فى بقية سوء، قال الله عز وجل: (فخلف من بعدهم خلف) وأنشد للبيد: ذهب اللذين يعاش فى أكنافهم ... وبقيت فى خلفٍ كجلد الأجرب والخلف: المربد يكون وراء البيت: وأنشد اللحيانى: وجينا من الباب المجاف تواتراً ... وإن تقعدا بالخلف فالخلف واسع وقال الأصمعى واللحيانى: الخلف: الردىء من الكلام المحال. وقال ابن الأعرابى: جلس أعرابى مع قوم فحبق، فتشور فأشار بإبهامه إلى استه وقال: إنها خلف نطقت خلفا. وحدثنى أبو عمر غلام ثعلب عن أبى العباس: أنه قال فى قولهم: " سكت ألفا ونطق خلفا " : أى سكت عن ألف كلمة ونطق بواحدة رديئة. قال الأصمعى: الخلفة: الاستقاء، يقال: من أين خلفتكم؟ أى من أين تستقون، وأنشد لذى الرمة:
ومستخلفاتٍ من بلاد تنوفةٍ ... لمصفرة الأشداق حمر الحواصل يعنى القطا يحملن الماء فى حواصلهن. ويقال: نتاج فلان خلفة، أى عام ذكر وعام أنثى. والخلفة: الشىء من الثمر يخرج بعد الشىء، وقال غيره: الخلفة: النبت فى الصيف، والخلفة: الليل والنهار لاختلافهما. والخلفة: اختلاف البهائم وغيرها. ويقال: حلب الناقة خليف لبئها، يعنى: الحلبة التى بعد ذهاب اللبا. وروى الجبل أو فى أصله، وقال اللحيانى: الخليف: الطريق وراء الجبل أو بين الجبلين. وقال اللحيانى: المخلفة: الطريق أيضاً، يقال: عليك المختلفة الوسطى. والخوالف: النساء إذا غاب عنهن أزواجهن، قال الله عز وجل: (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف). وقال الأصمعى: حى خلوف، أى غيب. وخلوف: حضور. قال: والإخلاف: أن تعيد على الناقة فلا تلقح. والإخلاف: أن تعد الرجل عدةً فلا تنجزها. والإخلاف: أن تضرب يدك إلى قراب السيف لتأخذه. والإخلاف: أن تجعل الحقب وراء الثيل. والثيل، وعاء مقلمه، وهو قضيبه، يقال: أخلف عن بعيرك. وحدثنا أبو بكر قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن العباس بن هشام قال: سأل معاوية - رحمه الله - بعد الاستقامة، عبد الله بن عبد الحجر بن عبد المدان، وكان عبد الحجر وفد على النبى ﷺ فسماه: عبد الله، فقال له: كيف علمك بقومك؟ قال: كعلمى بنفسى: قال: ما تقول فى مراد؟ قال: مدركو الأوتار، وحماة الذمار، ومحرز والخطار. قال: فما تقول فى النخع؟ قال: مانعو السرب، ومسعرو الحرب، وكاشفو الكرب. قال: وما تقول فى بنى الحارث ابن كعب؟ قال: فراجو اللكاك، وفرسان العراك، ولزاز الضحاك؛ تراك تراك. قال: فما تقول فى سعد العشيرة؟ قال: مانعة الضيم، وبانو الريم، وشافو الغيم. قال: ما تقول فى جعفى؟ قال: فرسان الصباح، ومعلمو الرماح، ومبادرو الرياح. قال: ما تقول فى بنى زبيد؟ قال: كماة أنجاد، سادات أمجاد، وقر عند الذياد، صبر عند الطراد. قال: ما تقول فى جنب؟ قال: كفاة يمنعون عن الحريم، ويفرجون عن الكظيم. قال: فما تقول فى صداء؟ قال: سمام الأعداء، ومسايعر الهيجاء. قال: فما تقول فى رهاء؟ قال: ينههون عادية الفوارس. ويردون الموت ورد الخوامس، قال: أنت أعلم بقومك. قال أبو على: كل ما حميته فهو ذمار. والسرب: الإبل وما رعى من المال. واللكاك: الزحام. والضحكاك: مثل اللكاك سواءً. والريم: الدرجة، قال أبو عمرو بن العلاء: أتيت دار قوم باليمن أسأل عن رجل فقال لى رجل منهم: اسمك فى الريم، أى اعل فى الدرجة. والريم: الزيادة، يقال: لى عليك ريم على كذا وكذا، قال الشاعر: فأقع كما أقعى أبوك على استه ... رأى أن ريما فوقه لا يعادله والريم: القبر، قال مالك بن الريب المازنى: إذا مت فاعتادي القبور وسلمى ... على الريم أسقيت السحاب الغواديا والريم: عظم يفضل إذا اقتسم القوم الجزور، وهذا قول الشيبانى؛ وأنشدنا غيره فكنت كعظيم الريم لم يدر جازر ... على أى بدأى مقسم اللحم يجعل والغيم: العطش، وقال لى أبو بكر بن الأنبارى: إن النبى ﷺ قال: " نعوذ بالله من الأيمة والغيمة والكرم والقرم " وقال: الأيمة: الخلو من النساء. والعيمة: شهوة اللبن. والغيمة: العطش. وقال: الكرم فيه قولان، يقال: فلان أكرم البنان إذا كان بخيلا، ويقال: إن الكرم الأكل الشديد. والقرم: شهوة اللحم. والأمجاد: الأشراف. وينهنهون: يكفون. والكظيم: المكظوم، وهو الذى قد رد نفسه إلى جوفه. وقرأنا على أبى بكر بن دريد لحكيم بن معية: إذا علون أربعا بأربع ... فى جعجع موصية بجعجع أنن نأنان النفوس الوجع يعنى الإبل علون أربعة أوظفة بأربع أذرع، وكأنه أنت على الكراع. وأ،ن، من الأنين، يعنى: أنهن إذا بركن أنن، ومثله قول كعب بن زهير: ثنت أربعاً منها على ظهر أربع ... فهن بمثنياتهن ثمان ومثله قول هيت: تقبل بأرعب وتدبر بثمان، يعنى: أنها تقبل بأربع عكنٍ، فإذا رأيتها من خلف رأيت لكل عكنة طرفين فصارت ثمانية.
وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم عن العتبى قال: أقام معاوية - رحمه الله - الخطباء لبيعه يزيد، فقامت المعدية فشققو الكلام. ثم قام رجل من حمير فقال: لسنا إلى رغاء هذه الجمال، عليهم تشقق المقال: وعلينا صدق الصيال؛ أما والله إنا لصبر تحت البوارق، مراقيل فى ظل الخوافق؛ لا نسأم الضراس، ولا نشمئز من المراس؛ وإن واحدنا لألف، وألفنا كهف؛ فمن أبدى لنا صفحته، خططنا علاوته؛ ثم قام رجل من ذى الكلاع فاشار إلى معاوية فقال: هذا أمير المؤمنين، فإن مات فهذا - وأشار إلى يزيد - فمن أبى فهذا - وأشار إلى السيف - ثم قال: معاوية، الخلفة لا تمارى ... فإن تهلك فسائسنا يزيد فمن غلب الشقاء عليه جهلا ... تحكم فى مفارقه الحديد وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال أنشدنا الرياشى للعرجى: وما أنس ملأ شياء لا أنسى موقفا ... لنا ولها بالسفح دون ثبير ولا قولها وهنا وقد بل جيبها ... سوابق دمع لا يجف غزير أأنت الذى خبرت أنك باكر ... غداة غدٍ أو راحل بهجير فقلت يسير بعض شهرِ أغيبه ... وما بعض يوم غبته بيسير أحين عصيت العاذلين اليكم ... ونازعت حبلى فى هواك أميرى وباعدنى فيك الأقارب كلهم ... وباح بما يخفى اللسان ضميرى وقلت لها قول ارمىء شفه الهوى ... إليها ولو طال الزمان فقير فما أنا إن شطت بك الدار أو نأت ... بى الدار عنكم فاعلمى بصبور وقرأت على أبى بكر رحمه الله: ما أنس ملأ شياء لا أنس قولها ... وأدمعها يذرين حشو المكاحل تمتع بذا اليوم القصير فإنه ... رهين بأيام الشهور والأطاول وقرأت على أبى بكر أيضاً: شيب أيام الفراق مفارق ... وأنشرن نفسى فوق حيث تكون وقد لان أيام اللوى ثم لم يكد ... من العيش شىء بعدهن يلين يقولون ما أبلاك والمال غامر ... عليك وضاحى الجلد منك كنين فقلت لهم لا تعذلونى وانظروا ... إلى النازع المقصور كيف يكون وحدثنا أبى بكر قال حدثنا الرياشى عن بعض أصحابه قال: أخبرنى رجل قال: أتيت المجنون فجلست إليه فى ظل شجرة فقلت: ما أشعر قيساً! حيث يقول: يبيت ويضحى كل يوم وليلة ... على منهج تبكى عليه القبائل قتيل للبنى صدع الحب قلبه ... وفى الحب شغل للمحبين شاغل فقال أنا أشعر منه حيث أقول: سلبت عظامى لحمها فتركتها ... معرقةً تضحى لديك وتخصر وأخليتها من مخها فكأنها ... قوارير فى أجوافها الريح تصفر إذا سمعت ذكر الفراق تقطعت ... علائقها مما تخاف وتحذر خذى بيدى ثم انهضى بى تبينى ... بى الضر إلا أننى أتستر قال أبو على ويروى: ... ... ... ... تقعقعت ... مفاصلها من هول ما تنتظر ثم مر فأجمز فى الصحراء، فلما كان فى اليوم الثانى أتيته فجلست فى ذلك الموضع، فلما أحسست به قلت: ما أشعر قيسا! حيث يقول: تبا كرأم تروح غداً رواحا ... ولن يسطيع مرتهن براحا سقيم لا يصاب له دواء ... أصاب الحب مقتله فباحا وعذبه الهوى حتى يراه ... كبرى القير بالسفن القداحا وكاد يذيقه جرع المنايا ... ولو سقاه ذلك لاستراحا فقال: أنا أشعر منه حيث أقول: قال أبو على: وأنشدنا ابن الأنبارى عن أبيه ولم ينسبه إلى أحد، وفى الروايتين اختلاف وأنا أذكرهما إن شاء الله: فما وجد مغلوبٍ بصنعاء موثقٍ ... بساقيه من ثقل الحديد كبول وروى ابن الأنبارى: فما وجد مسجونٍ بصنعاء عضه ... بساقيه من صنع القيود كبول قليل الموالى مستهام مروع ... له بعد نومات العشاء عويل وروى ابن الأنبارى: ضعيف الموالى مسلم بجريرة ... له بعد نومات العيون عويل
يقول له الحداد أنت معذب ... غداة غدٍ أو مسلم فقتيل بأعظم منى روعةً يوم راعنى ... فراق حبيبٍ ما إليه سبيل وروى ابن الأنبارى: بأوجع منى لوعةً: غداة أسير القصد ثم يردنى ... عن القصد لوعات الهوى فأميل وروى ابن الأنبارى: غداة أريد القصد، وروى: ملات الهوى فأميل. قم قام هاربا وتركنى، فعدت بعد ذلك مراراً فلم أره، فأخبرت أنه قد مات. وأنشد الأخفش: أقول لملقتى يوم التقينا ... وقد شرقت مآقيها بماء خذن اليوم من نظرٍ بحظٍ ... فسوف توكلين إلى البكاء وأنشدنا أبو بكر قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى لابن أبى مرة المكى: ساعة ولى شمت العاذل ... أذاك منه الفرج العاجل لم أنس إذ ودعته والتقى ... ذا البدن الناعم والناحل كأنما جسمى على جسمه ... غصنان ذا غض وذا ذابل يا رب ما أطيب ضمى له ... إلى لولا أنه راحل وأنشدنا أحمد بن يحيى النديم قال أنشدنا أبى قال أنشدنا الجاحظ عمرو بن بحر: أزف البين المبين ... قطع الشك اليقين حنت العيس فأبكا ... نى من العيس الحنين لم أكن لا كنت أدرىأن ذا البين يكون علمونى كيف أشتا ... ق إذا خف القطين وحدثنا أبو بكر بن الأنبارى قال حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوى قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال: أتيت الزبير لأودعه وأخرج من المدينة، فقال لى: بلغنى أنك لما أتيت هشام بن إبراهيم لتودعه قال: لا أودعك حتى أغنيك: وأنا بكيت من الفرا ... ق فهل بكيت كما بكيت ولطمت خدى خاليا ... ومرسته حتى اشتفيت وعواذلى ينهيننى ... عمن هويت فما انتهيت قال الزبير: وأنا لا أوعدك حتى أنشدك: أزف البين المبين ... وجلا الشك اليقين لم أكن لا كنت أدرى ... أن ذا البين يكون علمونى كيف أشتا ... ق إذا خف القطين وأنشدنا الأخفش قال أنشدنا ابن المدبر للمجنون وقال لى: ما سمعت أغزل من هذين البيتين: أمزيعة ليلى ببين ولم تمت ... كأنك عما قد أظللك غافل ستعلم إن شطت به غربة النوى ... وزالوا بليلى أن قلبك زائل وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى عن أبيه: نحن غادون من غدٍ لافتراق ... وأرانى أموت قبل يكون فلئن مت فاسترحت من البي ... ن لقد أحسنت إلى المنون قال أبو بكر: وأنشدنا أبو الحسن المظفر بن عبد الله: ما يريد الفراق لا كان مناأشمت الله بالفراق التلاقى لو وجدنا على الفراق سبيلا ... لأذقنا الفراق طعم الفراق وأنشدنا أبو بكر بن دريد لأعرابى، وغيره يقول: إنها لحبيب: لو كان فى البين إذ بانوا لهم دعة ... لكان بينهم من أعظم الضرر فكيف والبين موصول به تعب ... تكلف البيد فى الإدلاج والبكر لو أن ما تبتلينى الحادثات به ... يكون بالماء لم يشرب من الكد كأن أبدى مطاياهم إذا وخدت ... يقعن فى حر وجهى أو على بصرى وقرأت على أبى بكر بن دريد للحسين بن مطبير الأسدى وفى نوادر ابن الأعرابى، وفى الروايتين زيادة ونقصان وأنا آتى بهما إن شاء الله تعالى: لقد كنت جلداً قبل أن توقد النوى ... على كبدى نارا بطيئاً خمودها ولو تركت نار الهوى لتضرمت ... ولكن شوقاً كل يوم يزيدها وقد كنت أرجو أن تموت صبابتى ... إذا قدمت أيامها وعهودها فقد جعلت فى حبة القلبة والحشا ... عهاد الهوى تولى بشوق بعيدها لمرتجة الأطراف هيف خصورها ... عذاب ثناياها عجافٍ قيودها بسودٍ نواصيها وحمرٍ أكفها ... وصفرٍ تراقيها وبيضٍ خدودها وروى ابن الأنبارى: وصفر تراقيها وحمر أكفها ... وسود نواصيها وبيض خدودها مخصرة الأوساط زانت عقودها ... بأحسن ما زينتها عقودها يمنيننا حتى ترف قلوبنا ... رفيف الخزامى بات طل يجودها وفيهن مقلاق الوشاح كأنها ... مهاة بتربان طويل عقودها يريد: موضع العقود، وهو العنق. قال: قوله: ولو تركت نار الهوى لتضرمت أجود، لأنها كانت تضرم وحدها، فكيف إذا زادها غيرها وأوقدها! وقرأت عليه لابن ميادة: كأن فؤادى فى يدٍ ضبئت به ... محاذرةً أن يقضب الحبل قاضبه وأشفق من وشك الفراق وإننى ... أظن لمحمول عليه فراكبه فو الله ما أدرى أيغلبنى الهوى ... إذا جد جد البين أم أنا غابه فإن أستطيع أغلب وإن يغلب الهوى ... فمثل الذى لاقيت يغلب صاحبه وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النجوى: قد قلت والعبرات تس ... فحها على الخد المآقى حين انحدرت إلى الجزي ... يرة وانقطعت عن العراق تخبطت أيدى الرفا ... ق مهامه البيد الرقاق يا بؤس من سل الزما ... ن عليه سيفاً للفراق وأنشدنا أيضا قال أنشدنا أبو الحسن بن البراء: قال أنشدنى ابن غالب: ذكر الحبيب حبيبه ففؤاده ... مثل الجناح من الصبابة يخفق عمرا زمانا يكتمان هواهما ... وكلاهما بادى الهوى متشوق حتى إذا اجتمعا بأحسن ألفةٍ ... ما منهما فى وده متخلق كر الزمان عليهما بفراقه ... وكذاك لم يزل الزمان يفرق وأنشدنا أبو بكر التاريخى قال: أنشدنى البحترى لنفسه: الله جارك فى انطلاقك ... تلقاء شامك أو عرافك لا تعذلنى فى مسي ... رك يوم سرت ولم ألاقك إنى خشيت مواقفاً ... للبني تسفح غرب ماقك وعلمت ما يلقى المتي ... م عند ضمك واعتناقك فتركت ذاك تعمدا ... وخرجت أهرب من فراقك وقرأ أبو غانم الكاتب على أبى عبد الله نفطويه فى المسجد الجامع بالمدينة قبل الصلاة وأنا أسمع لتوبة بن الحمير: قالت مخافة بيننا وبكت له ... فالبين مبعوث على المتخوف لو مات شىء من مخافة فرقةٍ ... لأماتنى للبين طول تخوفى ملأ الهوى قلبى فضقت بحمله ... حتى نطقت به بغير تكلف وقرأ عليه: راعك البين والمشوق يراع ... حين قالوا تشتت وانصداع لست أنسى مقالها يوم ولت ... وقصارى المشيعين الوداع وقرأ عليه: بكيت دماً حتى القيامة والحشر ... ولا زلت مغلوب العزيمة والصبر أتظعن طوع النفس عمن تحبه ... وتبكى كما يبكى المفارق عن صغر أقم لا تسر والهم عنك بمعزل ... ودمعك باقٍ فى جفونك ما يجرى وقرأ عليه أيضاً: أتظعن عن حبيبك ثم تبكى ... عليه فمن دعاك إلى الفراق كأنك لم تذق للبين طعماً ... فتعلم أنه مر المذاق أقم وأنعم بطول القرب منه ... ولا تظعن فتكبت باشتياق فما اعتاض المفارق من حبيب ... ولو يعطى الشآم مع العراق وقرأ عليه أيضاً: تطوى المراحل عن حبيبك دائبا ... وتظل تبكيه بدمع ساجم كذبتك نفسك لست من أهل الهوى ... تشكو الفراق وأنت عين الظالم ألا أقمت ولو على جرم الغضى ... قلبت أو حد الحسام الصارم أنشدنى جحظة بعض هذه الأبيات وأنشدناها بتمامها الأخفش على بن سليمان لمسلم بن الوليد: وإنى وإسماعيل يوم وداعه ... لكالغمد يوم الروع فارقه النصل أما والحبالات الممرات بيننا ... وسائل أدتا المودة والوصل لما خنت عهدا من إخاء ولا نأى ... بذكرك نأى عن ضميرى ولا شغل وإنى فى مالى وأهلى كأننى ... لنأبك لا مال لدى ولا أهل يذكرنيك الذين والفضل والحجا ... وقيل الخنا والحلم والعلم والجهل فألقاك عن مذمومها متنزها ... وألقاك فى محمودها ولك الفضل وأحمد من أخلاقك البخل إنه ... بعرضك لا بالمال حاشا لك البخل أمنتجعا مرواً بأثقال همةٍ ... دع الثقل واحمل حاجةً ما لها ثقل ثناءً كعرف الطيب يهدى لأهله ... وليس له إلا نبى خالدٍ أهل فإن أغش قوماً بعدهم أو أزورهم ... فكالوحش يستدنيه للقنص المحل وروى جحظة: يدنيه من الأنس المحل. وأنشدنا بعض أصحابنا قال: أنشدنى عمرو بن بحر الجاحظ: أنا أبكى خوف الفراق لأنى ... بالذى يفعل الفراق عليم أنا مستيقن بأن مقامى ... ومسير الحبيب لا يستقيم قال أبو على: وقرأت على أبى بكر بن دريد لجميل: رحل الخليط جمالهم بسواد ... وحدا على أثر البخيلة حادى ما إن شعرت ولا سمعت بينهم ... حتى سمعت به الغراب ينادى لما رأيت البين قلت لصاحبى ... صدعت مصدعة القلوب فؤادى بانوا وغودر فى الديار متيم ... كلف بذكرك يا بثينة صادى وقال أبو زيد: من أمثال العرب " تفزع من صوت الغراب وتفترس الأسد المشبم " وهو الذى قد شد فوه، وذلك أن امرأة افترست أسداً وسمعت صوت غراب ففزعت منه، يقال ذلك للذى يخاف اليسير من الأمور وهو جرىء على الجسيم. ويقال: " كالمشترى القاصعاء باليربوع " يقال ذلك للذى يدع العين ويتبع الأثر ويختار مالا ينبغى له. ويقال: " روغى جعار وانظرى ابن المفر " يضرب مثلا للذى يهرب ولا يقدر أن يفلت صاحبه. ويقال: " كلب اعتس خير من كلب ربض " يقال ذلك إذا طلب رجل الخير وقعد آخر فلم يطلب. وقال يعقوب بن السكيت: يقال: قطب يقطب قطوبا وهو قاطب إذا جمع ما بين عينيه، واسم ذلك الموضع المقطب، ومنه قيل: الناس قاطبة، أى الناس جميع، ويقال: قطب شرابه إذا مزجه فجمع بين الماء والشراب. ويقال: عبس يعبس عبوسا، وبسر يبسر بسورا. ويقال: رجل أبسل وباسل، أى كريه المنظر، ويقال: تبسل فى عينيه، أى كرهت مرآته، قال أبو ذؤيب: فكنت ذنوب البئر لما تبسلت ... وسربلت أكفانى ووسدت ساعدى قال أبو زيد: يقال: دهيت الرجل أدهاء دهياً، أى عبته واعتبته واغتبته ونقصته، ويقال: نجهت الرجل أنجه نجها، وجبهته أجبهه جبهاً، والاسم الجبيهة والنجه، والمعنى واحد، وهو استقبالك الرجل بما يكره، وهو ردك الرجل عن حاجة طلبها، وأنشد: حييت عنا أيها الوجه ... ولغيرك البغضاء والنجه ويقال: ندهت الإبل أندهها ندها، وهو السوق للإبل مجتمعة، والثلاث من الإبل تنده إلى ما بلغت، وإذا سيق البعير وحده فقد يقتاس له من النده، فيقال: بعير مندوه، ويقال: عند فلان ندهة من صامت أو ماشية، وندهة وهى العشرون من الغنم ونحوها، والمائة من الإبل أو قرابتها؛ ومن الصامت الألف أو نحوه. وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم عن أبى عبيدة قال: قال هانىء بن قبيصة الشيبانى لقومه يو ذى قار وهو يحرضهم: يا معشر بكرٍ، هالك معذور، خير من ناجٍ فرور؛ إن الحذر لا ينجى من القدر، وإن الصبر من أسباب الظفر؛ المنية ولا الدنية؛ استقبال الموت خير من استدباره؛ الطعن فى ثغر النحور، أكرم منه فى الأعجاز والظهور، يا آل بكر، قاتلوا فما للمنايا من بد. وقرأت على أبى بكر بن دريد لحميد بن ثور الهلالى: ولقد نظرت إلى أغر مشهرٍ ... بكرٍ توسن بالخميلة عونا متسنمٍ سنمائتها متفجس ... بالهدر يملأ أنفسا وعيونا لقح العجاف له لسابع سبعةٍ ... وشربن بعد تحلؤ فروينا
يعنى بأغر: سحابا فيه برق أو هو أبيض. وبكرٍ: لم يمطر قبل ذلك. وتوسن: طرقها ليلا عند الوسن، أى وقت اختلاط النعاس بعيون الناس، يقال: توسنت الرجل، أى أتيته وهو وسنان. والخميلة: رملة كثيرة الشجر. وعون جمع عوان، وهى الأرض التى قد أصابها المطر مرة، وهذا مثل وأصله فى النساء؛ قال الكسائى: العوان: التى قد كان لها زوج، ومنه قيل: حرب عوان. وقوله: متسنم، شبهه بالبعير الذى بتسنم أسنمة الإبل، أى يعلوها. والسنمات: العظام السنام، يريد أن هذا السحاب كأنه تسنم التلال والآكام، أى يعلوها؛ وهو مثل. ومتفجس: متكبر. بالهدر: يعنى رعده. وقوله: يملأ أنفسنا: تعجبا منه، وقال بعضهم: لهولها. ولقحت: نبت عشبها. والعجاف: الأرضون التى لم تمطر، وهو مثل، بعد تحلؤ: بعد منع من الماء. قال أبو على: وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن قال سمعت عمى يحدث سران أبا العباس ابن عمه - وكان من أهل العلم - قال: سهرت ليلةً من ليالى بالبادية، وكنت نازلا عند رجل من بنى الصيداء من أهل القصيم، وكان - والله - واسع الرحل، كريم المحل؛ فأصبحت وقد عزمت على الرجوع إلى العراق، فأتيت أبا مثواى فقلت: إنى قد هلعت من الغربة واشتقت أهلى، ولهم أفد فى قمتى هذه إليكم كبير علم، وإنما كنت أغتفر وحشة الغربة وجفاء البادية للفائدة، فأظهر توجعا، ثم أبرز غداءً له فتغديت معه، فأمر بناقة له مهرية كأنها سبيكة لجين فارتحلها وكتفلها؛ ثم ركب وأردفنى وأقبلها مطلع الشمس، فما سرنا كبير مسير حتى لينا شيخ على حمار له جة قد ثمغها كالورس فكأنها قنبيطة، وهو يترنم، فسلم عليه صاحبى وسأله عن نسبه؛ فاعتزى أسدياً من بنى ثعلبة؛ فقال: أتنشد أم تقول؟ فقال: كلا؛ فقال: أين تؤم؟ فأشار إل ما قريب من الموضع الذي نحن فيه؟ فأناح الشيخ وقال لي: خذ بيد عمك فأنزله عن حماره، ففعلت؛ فألقى له كيسا قد كاك اكتفل به، ثم قال: أنشدنا - رحمك الله - وتصدق على هذا الغريب بأبيات يعيهن عنك ويذكر بهن؛ فقال: إى ها الله إذاً! ثم أنشدنى: لقد طال يا سوداء منك المواعد ... ودون الجدا المأمول منك الفراقد إذا أنت أعطيت الفنى ثم لم تجد ... بفضل الغنى ألفيت مالك حامد تمنينا غداً وغيمكم غدا ... ضباب فلا صحو ولا الغيم جائد وقل غناءً عنك مال جمعته ... إذا صار ميراثا وواراك لأحد إذا أنت لم تعرك بجنبك بعض ما ... يريب من الأدنى رماك الأباعد إذا العزم لم يفرج لك الشك لم تزل ... جنيباً كما اسنتلى الجنيبة قائد تجللت عارا لا يزال يشبه ... سباب الرجال نقرهم والقصائد وأنشدنى أيضاً: تعز فإن الصبر بالحر أجمل ... وليس على ريب الزمان معسول فلو كان يغنى أن يرى المرء جازعاً ... لنازلة أو كان يغنى التذلل لكان التعزى عند كل مصيبة ... ونازلةٍ بالحر أولى واجمل فكيف وكل ليس يعدو حمامه ... وما لمرىءٍ عما قضى الله مزحل فإن تكن الأيام فيا تبدلت ... ببؤسٍ ونعمى والحوادث تفعل فما لينت منا قناةً صليبةً ... ولا ذللنا للذي ليس يجمل ولكن رحلناها نفوسا كريمة ... تحمل ما لا يستطاع فتحمل وقينا بعزم الصبر منا نفوسنا ... فصحت لنا الأعراض والناس هزل قال أبو بكر قال عبد الرحمن قال عمى: فقمت والله وقد أنسيت أهلي، وهان على طول الغربة وشظف العيش سروراً بما سمعت؛ ثم قال لي: يا بني، من لم تكن استفادة الأدب أحب إليه من الأهل والمال لم ينجب. وأنشدنا أبو بكر قال: أنشدنى أبو عثمان: إذا ما فقدتم أسود العين كنتم ... كراما وأنتم ما أقام الاثم أسود العين: جبل، والجبل لا يغيب، يقول: فأنتم لئام أبدا. وقرأت عليه لعدى بن زيد يصف فرسا: أحال عليه بالقناة غلامنا ... فأذرع به لجلة الشاة راقعا
أذرع به، أي ما أذرعه، أي ما أسرعه؛ وقوله: لخلة الشاة راقعاً، أى يلحقها فيرقع ما بينه وبينها من الفرجة حتى لا يكون بينها فرجة؛ وحكى عن خلف الأحمر أنه اقل: يعدو الفرس بين الشاتين خلة، أى فرجة فيدخل بينهما فكأنه رقع الخلة بنفسه لما سار فيها. وحدثنا أبكر قال حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال: سئل أعرابى عن مطر فقال: استقل سد مع انتشار الطفل، فشصا واحزال؛ ثم اكفهرت أرجاؤه، واحمومت أرحاؤه؛ وابذعرت فوارقه، وتضاحكت بوارقه، واستطار وادقه؛ وارتتقت جوبه، وارتعن هيدبه؛ وحشكت أخلافه، واستقلت أردافه، وانتشرت أكنافه؛ فالرعد مرتجس، والبرق مختلس، والماء متيجس؛ فأترع الغدر، وانتبث الوجر؛ وخلط الأوعال بالآجال، وقرن الصيران بالرئال؛ فللأودية هدير، وللشراج خرير، وللتلاع زفير؛ وحط النبع والعتم، من القلل الشم، إلى القيعان الصحم؛ فلم يبق فى القلل إلا معصم مجرنثم، أو داحص مجرجم، وذلك من فضل رب العالمين، على عباده المذنبين. قال أبو علي: السد: السحاب الذي يسد الأفق، وهذا قول أبي بكر؛ وقال أبو نصر عن الأصمعي: جاءنا جراد سد إذا سد الأفق. والطفل: العشي إلى حد المغرب. وشصا: ارتفع، ويقال: شصا برجله إذا رفعها عند الموت، وشصا الزق إذا امتلأ وارتفعت قوائمه. ويقال: شصا بصره يشصو شصواً إذا طمح، وطمح معناه ارتفع، ولهذا قيل للدابة: طموح إذا كان يرفع رأسه حتى يفرط. واحزأل: ارتفع أيضاً. واكفهر واكرهف: تراكم، والمكفهر والمكرهف من السحاب: الذي يركب بعضها بعضا. وأرجاؤه: نواحيه، واحدها رجاً مقصور. واحمومت: اسودت؛ والحمة: سواد تعلوه حمرة. وأرحاؤه واحدها رحاً وهو أوساطه. وابذعرت: تفرقت. والفوارق واحدها الفارق، وهو السحاب الذي ينقطع من معظم السحاب، وهذا مثل وأصله في الإبل، يقال: ناقة فارق، وهي التي تند عن الإبل عند نتاجها؛ قال الكسائي: فرقت تفرق فروقا. واستطار: انتشر. والوادق: الذي يكون فيه الودق، وهو المطر العظيم القطر، ويكون الداني من الأرض، يقال: ودق يدق إذا دنان والوديقة من هذا، وهى شدة الحر، لأن حرارة الشمس تدنة من الأرض. وارتتقت: التأمت. وجوبه: فرجه. وارتعن: استرخى. والهيدب: الذي يتدلى ويدنو من الأرض، مثل هدب القطيفة. وحشكت: امتلأت، قال زهير: كما استغاث بسىٍ فز غيظلة ... خاف العيون فلم ينظر به الحشك قال الأصمعي: إنما هو الحشك فحركه للضرورة، كما قال رؤبة: متشبه الأعلام لماع الخفق وإنما هو الخفق. والخلف: ما يقبض عليه الحالب من ضرع الشاة والبقرة والناقة. واستقلت: ارتفعت. وأردافه: مآخيره. والأكناف: النواحي. ومرتجس: مصوت؛ والرجس: الصوت. ومختلس، كأنه يختلس البصر لشدة لمعانه. ومنبجس: منفجر. وأترع: ملأ. والغدر: جمع غدير، وانتبث: أخرج نبيئتها، وهو تراب البئر والقبر. يريد أن هذا المطر لشدته هدم الوجز، وهي جمع وجار، وهو سرب الثعلب والضبع، حتى أخرج ما داخلها من التراب. والأوعال: واحدها وعل، وهو التيس الجبلي. والآجال: جمع واحدها إجل، وهو القطيع من البقر. يريد أ،ه لشدته حمل الوعول وهي تسكن الجبال، والبقر وهي تسكن القيعان والرمال، فجمع بينهما. وقوله: وقرن الصيران بالرئال، فالصيران واحدها صوار وصيار أيضاً، وهو القطيع من البقر. والرئال: فراخ النعام، واحدها رأل مهموز، فالرئال تسكن الجلد، والصيران الرمال والقيعان، فقرن بينهما. وهدير: صوت كهدير الإبل. والشارج: مجارى الماء من الحرار إلى السهولة. والتلاع: مجاري ما ارتفع من الأرض إلى بطن الوادي، فإذا اتسعت التلعة حتى تصير مثل نصف الوادي أو ثلثيه، فهي ميثاء، فإذا عظمت فوق ذلك، فهي ميثاء جلواخ، والنبع: شجر يتخذ منه القسى ينبت فى الجبال. والعتم: الزيتون الجبلي، قال الشاعر: تستن بالضرو من براقش أو ... هيلان أو ناضرٍ من العتم تستن: تستاك. والضرو: البطم، وهو الحبة الخضراء. والقلل: أعالي الجبال. والشم: المرتفعة. والقيعان: واحدها قاع، وهي الأرض الطيبة الطين الحرة. والصحم: التي تعلوها حمرة واحدها أصحم. والمعصم: الذي قد تمسك بالجبال وامتنع فيها، ويقال للرجل الذي يمسك بعرف فرسه خوف السقوط: معصم؛ قال طفيل: إذا ما غدا لم يسقط الروع رمحه ... ولم يشهد الهيجا بألوث معصم
وألوث: ضعيف. والمرنثم: المتقبض. والداحص: الذي يفحص برجليه عند الموت؛ قال علقمة بن عبدة: رغا فوقهم سقب السماء فداحص ... بشكنه لم يستلب وسليب والمجرجم: المصروع. وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: سمعت أعرابياً من غنى يذكر مطراً صاب بلادهم في غب جدب فقال: تدارك ربك خلقه وقد كلبت الأمحال، وتقاصرت الآمال؛ وعكف الياس، وكظمت الأنفاس؛ واصبح الماشي مصرما، والمترب معدما؛ وجفيت الحلائل، وامتهنت العقائل؛ فأنشأ سحابا ركاما، كنهوراً سجاماً؛ بروقه متألقة، وروعوده متقعقعة؛ فسح ساجيا ركادا، ثلاثا غير ذى فواق؛ ثم أمر ربك الشمال فطحرت ركامه، وفرقت جهمه؛ فانقشع محمودا، وقد أحيا وأغنى، وجاد فأروى؛ والحمد لله الذي لا تكث نعمه، ولا تنفد قسمه؛ ولا يخيب سائله ولا ينزر نائله. قال أبو علي: قوله: صاب: جاد، والصوب: المطر الجود. وكلبت: اشتدت، وكذلك كلب الشتاء. والأمحال جمع محل، وهو القحط. وعكف: أقام؛ قال الراجز: محلها إن عكف الشفيف ... الزرب والعنة والكنيف الشفيف: البرد. والنعة: الحظيرة يحبس فيها الإبل، ومنه قيل للبعير: معنى، وهو الذي قد هاج فحبس فى العنة. ويكون معنى من التعينة وهو الحبس، وهذا هو الوجه، لأنه إذا جعل معنى من العنة وجب أن يكون الأصل معننا، ثم أبدل من النون الأخيرة ياء، كما فعل بتظنيت، واصله تظننت. وكظمت: ردت إلى الأجواف، يقال: كظم غيظه إذا حبسه. والماشي: صاحب الماشية، يقال: مشى الرجل وأمشى إذا كثرت ماشيته؛ قال الشاعر: وكل فتىً وإن أمشى وأثرى ... ستخلجه عن الدنيا سنون والمصرم: المارب المال المقل، كذا قال أبو زيد والأصمعى؛ وأنشدنا الأصمعى للمعلوط: يصد الكرام المصرمون سواءها ... وذو الحق عن أقرانها سيجد والمترب: الغنى الذى له المال مثل التراب كثرة، يقال: أترب الرجل إذا استغنى، وترب إذا افتقر، كأنه لصق بالتراب. وامتهنت: استخدمت واعتملت، يقال: مهنت القوم امهنهم مهنة ومهنة ومهنا، أتى بها اللحياني ثلاثتها. والعقائل: الكرائم واحدها عقيلة. وأنشأ: أحدث. والنشىء: السحاب أول ما يخرج. والكنهور: قطع كأنها الجبال، واحدتها كنهورة، وسجام، صباب. ومتألقة: لامعة. ومتقعقعة: مصوتة، والقعقعة: صوت السلاح وما أشبهه، ويقال: إن قعيقعان - وهو جبل بمكة - سمى بذلك لتقعقع السلاح لحرب كانت فيه. وسح: صب، سححته أسحه سحاً؛ أنشدنى أبو بكر بن دريد قال أنشدنى عبد الرحمن عن عمه: وربت غارةٍ أوضعت فيها ... كسح الهاجري جريم تمر وساجٍ: ساكن، يقال: ليلة ساجية وساكرة وساكنة بمعنى واحد؛ قال الحادي: يا حبذا القمراء والليل الساج ... وطرق مثل ملاء النساج وراكد: ثابت. والفواق: أن يصب صبةً ثم يسكن ثم يصب أخرى ثم يسكن، مأخوذ من فواق الناقة، وهو ما بين الحلبتين، كأنه يحلب حلبة ثم يسكن ثم يحلب أخرى ثم يسكن، وطحرت: أذهبت وأبعدت، ومنه قيل: سهم مطحر إذا كان بعيد الذهاب؛ قال أبو كبير الهذلي: لما رأى أن ليس عنهم مقصر ... قصر الشمال بكل أبيض مطحر وركامه: ما تراكم منه. والجهام: السحاب الذي قد هراق ماءه. وتكت: تحصي؛ أنشدني أبو بكر بن دريد: إلا بجيشٍ لا يكت عديده ... سود الجلود من الحديد غضاب وينزر: يقل، ومنه قيل: امرأة نزور إذا كانت قليلة الولد. وحدثني غير واحد من أصحاب أبي العباس أحمد بن يحيى النحوى أنه قال: كل شىء يعز حين ينزر إلا العلم، فإن يعز حين يغزر. وقال الأصمعي: من أمثال العرب " أسمع جعجعة ولا أرى طحنا " أي أسمع جلبةً ولا أرى عملاً ينفع. قال أبو علي: الجعجعة: صوت الرحا وما أشبه ذلك الصوت. والطحن: الدقيق. ويقال: " كلا جانبي هرشي لهن طريق " يضرب مثلا للأمرين يشتبهان ويستويان أي مأخذٍ أخذتهما. ويقال: " حرة تحت قرة " يضرب مثلا للأمر يظهر وتحته أمر خفي غيره. قال أبو علي: الحرة: حرارة العطش، والقرة: البرد. يقال: " ضغث على إبالة " يضرب مثلا للرجل تكلفه الثقل ثم تزيده على ذلك. قال أبو علي: الإبالة: الحزمة من الحطب، والضغث: القبضة من الحشيش.
وقال الأصمعي: يقال: " جيء به من حسك وبسك " أي من حيث كان ولم يكن، وروى أبو نصر: من حيث شئت، والمعنى واحد، والحس والحسيس: الصوت، قال الله عز وجل: (لا يسمعون حسيسها) والحس: وجع يأخذ المرأة بعد الولادة. والحس: برد يحرق الكلأ. ويقال: أصابتنا حاسة، ويقال: البرد محسة للنبت، أي يحرقه، ويقال: ضربه فما قال: حس مكسور، وهي كلمة تقال عند الجزع؛ قال الراجز: فما أراهم جرعاً بحس ... عطف البلايا المس بعد المس ويقال: اشتر لي محسةً للدابة. والحساس: سمك صغار يجفف يكون بالبحرين. وقال اللحياني: الحساس: الشؤم والنكد؛ وأنشدنا أبو زيد: رب شريب لك ذي حساس ... أقعس يمشي مشية النفاس ليس بريان ولا مواسي ويقال: انحست أسنانه إذا تكسرت وتحاتت؛ قال العجاج: في معدن الملك القديم الكرس ... ليس بمقلوع ولا منجس ويقالك حسستهم إذا قتلتهم، قال الله تعالى: " إذ تحسونهم بإنه " . ويقال: أحسست بالخبر وحسست به وأحست به وحسيت به؛ قال أبو زبيد: خلا أن العناق من المطايا ... حسين به فهن إليه شوش ويقال: حسست له أحس، أي رققت له: يقال: إني لأحس له، أي أرق له وأرحمه، قال القطامي: أخوك الذي لا تملك الحس نفسه ... وترفض عند المحفظات الكتائف والكتائف جمع كتيفة، وهي ها هنا الحقد. والكتيفة أيضاً: ضبة الحديد، وقال أبو نصر: الكتيفة: بيضة الحديد، ولا أعرف هذه الكلمة عن غيره. يقول: أخوك الذي إذل رآك في شدة لم يملك أن يرق لك، وقال الأصمعي: يقال: إن البكري ليحس للسعدي، أي يرق له. وقرأ على أبي بكر بن دريد: إنما تجافين عن النسائج ... تجافي البيض عن المدمالج يعني: إبلا، يوقل: بهن جراح من حزمهن، فهن يتجافين عنها كما تجافي النساء عن دمالجهن إذا بردت عليهن. وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن عرفة النحوي المعروف بنفطويه وقرأته على أبي عمر المطرز في أمالي أبي العباس أحمد بن يحيى للحسين بن مطير الأسدي: مستحضك بلوامع مستعبر ... بمدامع لم تمرها الأقذاء كثرت لكثرة ودقه أطباؤه ... فإذا تحلب فاضت الأطباء قله بلا حزنٍ ولا بمسرةٍ ... ضحك يراوح بينه وبكاء وكأن عارضه حريق يلتقي ... أشب إليه وعرفج وألاء لو كان من لجج السواحل ماؤه ... لم يبق في لجج السواحل ماء وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال أنشدنا الرياشي عن أبي عبيدة لعبيد بن الأبرص: يا من لبرقٍ أبيت الليل أرقبه ... في عارض كمضىء الصبح لماح دان مسف فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالراح كأن ريقه لما علا شطبا ... أقراب أبلق ينفى الخيل رماح ينزع جلد الحصى أجش مبترك ... كأنه فاحص أو لاعب داحى فمن بنجوته كمن بمجفله ... والمستكن كمن يمشي بقرواح كأن فيه عشاراً جلةً شرفا ... شعثاً لهاميم قد همت بإرشاح هدلاً مشافرها بحا حناجرها ... ترخى مرابعها في صحصح ضاحى وأنشدنا بعض أصحابنا لكثير: فالمستكن ومن يمشي بمروته ... سيان فهي ومن بالسهل والجبل وأنشدنا للحماني: دمن كأن رياضها ... يكسين أعلام المطارف وكأنما غدرانها ... فيها عشور في مصاحف وكأنما أنوارها ... تهتز بالريح العواصف طرر الوصائف يلتقي ... ن بها إلى طرر الوصائف باتت سواريها تمخ ... ض في رواعدها القواصف ثم انبرت سحا كبا ... كيةٍ بأربعة ذوارف وكأن لمع بروقها ... في الجو أسيفا المثاقف وأنشدنا أبو بكر لعبيد: سقى الرباب مجلجل الأ ... كناف لماع بروقه جن تكفكفه الصبا ... وهنا وتمريه خريقه مرى العسيف عشاره ... حتى إذا درت عروقه ودنا يضىء ربابه ... غاباً يضرمه حريقه حتى إذا ما ذرعه ... بالماء ضاق فما يطيقه هبت له من خلفه ... ريح شآمية تسوقه حلت عزاليه الجنو ... ب فثج واهيةً خروقه وقرأت على أبي بكر لكثير: تسمع الرعد في المخيلة منها ... مثل هزم القروم في الأشوال وترى البرق عارضاً مستطيرا ... مرح البلق جلن في الأجلال أو مصابيح راهبٍ في يفاعٍ ... سغم الزيت ساطعات الذبال وقرأت عليه لكثير: أهاجك برق آخر الليل واصب ... تضمنه فرش الجبا فالمسارب يجر ويستأنى نشاصاً كأنه ... بغيقة حادٍ جلجل الصوت جالب تألق واحمومى وخيم بالربا ... أحم الذرى ذو هيدب متراكب إذا حركته الرحي أرزم جانب ... بلا هزقٍ منه وأومض جانب كما أومضت بالعين ثم تبسمت ... خريع بدا منه جبين وحاجب يمج الندى لا يذكر السير أهله ... ولا يرجع الماشي به وهو جادب وأنشدنا بعض أصحابنا لعبد الله بن المعتز: ومزنة جاد من أجفانها المطر ... فالروض منتظم والقطر منتثر ترى مواقعه في الأرض لائحة ... مثل الدراهم تبدو ثم تستر وأنشدني له أيضاً: ما ترى نعمة السماء على الأر ... ض وشكر الرياض للأمطار وكأن الربيع يجلو عروساً ... وكأنّا من قطرة في نثار وأنشدني له أيضاً: وموقرة بثقل الماء جاءت ... تهادى فوق أعناق الرياح فجادت ليلها وبلا وسحا ... وهطلاً مثل أفواه الجراح ولابن المعتز وصف السحاب: كأن الرباب الجون والفجر ساطع ... دخان حريق لايضيء له جمر وأنشدني بعض أصحابنا لأبي الغمر الجبلي: نسجته الجنوب وهو صناع ... فترقى كأنه حبشي وقرى كل قرية كان يقرة ... هاقرىً لا يجف منه القري وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى في صفة سحابة: كأنه لما وهي سقاؤه ... وانهل من كل غمام ماؤه حم إذا حمشه قلاؤه قال أبو علي: الحم: ما بقي من الشحم إذا أذيب. وحمشه: أحرثه. وأنشدنا محمد بن السري السراج: بدا البرق من أرض الحجاز فشاقني ... وكلّ حجازي له البرق شائق سرى مثل نبض العرق والليل دونه ... وأعلام أبلى كلها والأسالق قال أبو علي: أخذه منه الطائي فقال: إليك سرى بالمدح ركب كأنهم ... على الميس حيّات اللصاب النضانض تشيم بروقاً من نداك كأنها ... وقد لاح أولاها عروق نوابض وأنشدني بعض أصحابنا: أرقت لبرق آخر الليل يلمع ... سرى دائباً منها يهبّ ويهجع سرى كاقتذاء الطير والليل ضارب ... بأوراقه والصبح قد كاد يسطع وأنشدني بعض أصحابنا: أرقت لبرق سرى موهناً ... حفيى كغمزك بالحاجب كأن تألقه في السما ... يدا حاسب أو يدا كاتب ولابن المعتز: رأيت فيها برقها منذ بدت ... كمثل طرف العين أو قلبٍ يحب ثم حدت بها الصبا حتى بدا ... فيها لي البرق كأمثال الشهب تحسبه فيها إذا ماانصدعت ... أحشاؤها عنه شجاعاً يضطرب وتارة تحسبه كأنه ... أبلق مال جلّه إذا وثب حتى إذا ما رفع اليوم الضحى ... حسبته سلاسلاً من الذهب ويُنشد أصحاب المعاني: نار تجدد للعيدان نضرتها ... والنار تلفح عيداناً فتحترق وللطائي: يا سهم للبرق الذي استطارا ... ثاب على رغم الدجى نهارا آض لنا ماء وكان نارا وأنشدني بعض أصحابنا لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر: أما ترى اليوم قد رقت حواشيه ... وقد دعاك إلى اللذات داعيه وجاد بالقطر حتى خلتُ أن له ... إلفاً نآه فما ينفك يبكيه مطلب حديث الرواد الذين أرسلتهم مذحج ووصفهم الأرض لقومهم بعد رجوعهم.
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبي عن أبيه عن أشياخ من بني الحارث بن كعب قالوا: أجدبت بلاد مذحج فأرسلوا رواداً من كل بطن رجلاً، فبعثت بنو زبيد رائداً، وبعثت النخع رائداً، وبعثت جعفي رائداً، فلما رجع الرواد قيل لرائد بني زبيد: ما وراءك؟ قال: رأيت أرضاً موشمة البقاع، ناتحة النقاع؛ مستحلسة الغيطان، ضاحكة القريان؛ واعدةً وأحر بوفائها، راضيةً أرضها عن سمائها. وقيل لرائد جعفي: ما وراءك؟ قال: رأيت أرضاً جمعت السماء أقطارها، فأمرعت أصبارها، وديثت أوعارها؛ فبطنانها غمقة، وظهرانها غدقة، ورياضها مستوسقة، ورقاقها رائخ، وواطئها سائخ، وماشيها مسرور، ومصرمها محسور. وقيل للنخعي: ما وراءك؟ فقال: مداحي سيل، وزهاء ليل، وغيلٌ يواصي غيلاً؛ قد ارتوت أجرازها، ودمث عزازها - وقال مرة: ودمث - والتبدت أقوازها؛ فرائدها أنق، وراعيها سنق؛ فلا قضض، ولا رمض؛ عازبها لا يفزع، وواردها لا ينكع؛ فاختاروا مراد النخعي. قال أبو علي: قال الأصمعي: أوشمت السماء إذا بدا فيها برق، وأوشمت الأرض إذا بدا فيها نبت، وأنشد: كم من كعاب كالمهاة الموشم وهي التي قد نبت لها وشم من النبات ترعى فيه، هذا قوله في كتاب الصفات، وقال في كتاب النبات: أوشمت الأرض إذا بدا فيها شيء من النبات. وناتحة: راشحة، كذا قال أبو بكر. وقال: المسحلسة: التي قد جللت الأرض بنباتها، وقال الأضمعي: استحلس النبت إذا غطى الأرض أو كاد يغطيها، والمعنى واحد. والقريان: مجاري الماء إلى الرياض، واحدها قرى، وقرأت على أبي بكر في كتاب الصفات للعجاج: ماء قري مده قري وواعده: تعد تمام نباتها وخيرها، وأنشد الأصمعي: رعى غير مذعور بهنّ وراقه ... لعاع تهاداه الدكادك واعد وأحر: أخلق. السماء: المطر ها هنا، يريد أن المطر جاد بها فطال النبت فصار المطر كأنه قد جمع أكنافه، وأنشد ابن قتيبة: إذا سقط السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا وقال أبو بكر: يقال: ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم، أي مواقع الغيث، وأمرعت: أعشبت وطال نباتها، يقال: أمرع المكان ومرع، فهو ممرع ومريع؛ قال الشاعر: يقيم أمورها ويذب عنها ... ويترك جدبها أبداً مريعاً والأصبار: نواحي الوادي ما علا منه. وديثت: لينت. والأوعار جمع وعر، وهو الغلظ والخشونة والبطنان جمع بطن، وهو ما غمص من الأرض. وغمقة: ندية، كذا قال أبو بكر، وروى أبو عبيد الأصمعي في صفة الأرضين: فإن أصابها ندىً وثقلٌ ووخامةٌ فهي غمقةٌ، وذكر الحديث: " إن الأردن أرضٌ غمقةٌ وإن الجابية أرضٌ نزهةٌ " أي بعيدة من الوباء. والظهران جمع ظهر، وهو ما ارتفع يسيراً. وغدقة: كثيرة البلل والماء. ومستوسقة: منتظمة. والرقاق: الأرض اللينة من غير رمل. ورائخ: مفرط اللين، يقال: ريخت العجين إذا كثرت ماءه، وراخ العجين يريخ. وقوله: وواطئها سائخ، أي تسوخ رجلاه في الأرض من لينها، تسوخ وتثوخ بمعنى واحد؛ وحدثني أبو بكر قال: قال الأصمعي: لم يكن لأبي ذؤيب بصرٌ بالخيل لقوله: قصر الصبوح لها فشرج لحمها ... بالني فهي تثوخ فيها الإصبع قال: وهذا عيب في الفرس أن يكون رخو اللحم. والماشي: صاحب الماشية. والمصرم: المقلّ المقارب المال. ومداحي: مفاعل من دحوته إذا بسطته، قال الله تبارك وتعالى: " والأرض بعد ذلك دحاها " أي بسطها، ودحوت الكرة إذا ضربتها حتى تسير على وجه الأرض. وقوله: وزهاء ليل، فالزهاء: الشخص، وإنما جعل نباتها زهاء ليل لشدة خضرته. والغيل: الماء الجاري على وجه الأرض، وفي الحديث: " ما سقي بالغيل ففيه العشر وما سقي بالدلو فنصف العشر " . ويواصي: يواصل. والأجزار جمع جُزُر، وهي التي لم يصبها المطر، ويقال: التي قد أُكل نباتها. ودُمث: لُيّن، ودمث: لان. والعزاز: الصلب السريع السيل، وكذلك النزل والجلد. والأقواز جمع قوز، قال الأصمعي: القوز: نقي يستدير كالهلال، وجمعه أقواز وقيزان؛ وأنشد الأصمعي قول الراحز: لما رأى الرمل وقيزان الغضى ... والبقر الملمّعات بالشوى بكى وقال هل ترون ما أرى
أنق: معجب بالمرعى. وراعيها: الذي يرعاها. والسنق: البشم. القضض: الحصى الصغار، يريد أن النبات قد غطى الأرض فلا ترى هناك قضضاً؛ قال أبو ذؤيب: أم ما لجنبك لا يلائم مضجعاً ... إلا أقضّ عليك ذاك المضجع والرمض: أن يحمى الحصى والحجارة من شدة الحر، يقول: فليس هناك رمضٌ لن النبات قد غطى الأرض. والعازب: الذي يعزب بإبله، أي يبعد بها في المرعى. وينكع. يمنع، يقول: الذي يردها لا يُمنع. وقرأنا على أبي بكر بن الأنباري: مسحوا لحاهم ثم قالوا سالموا ... يا ليتني في القوم إذ مسحوا اللحى يقول: إنهم اجتمعوا للصلح عند الطمأنينة لمّا أخذوا الدية ورضوا بها فمسحول لحاهم؛ ثم قال بعضهم لبعض: سالموا، وذلك أن الرجل لا يمسح لحيته إلا عند الرضا، فقال: يا ليتني كنت فيهم حتى لا أرضى بما يصنعون. وأنشدنا ابن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي عن ابن الأعرابي: سقى الله حياً بين صارة والحمى ... حمى فيد صوب المدجنات المواطر أمين فأدّى الله ركباً اليهم ... بخيرٍ ووقّاهم حِمام المقادر كأني طريف العين يوم تطالعت ... بنا الرمل سلاّف القلاص الضّوامر حِذاراً على القلب لا يضيره ... أحاذر وشك البين أم لم يحاذر أقول لقمقام بن زيد أما ترى ... سنا البرق يبدو للعيون النواظر فإن تبك للبرق الذي هيّج الهوى ... أعنك وإن تصبر فلست بصابر وأنشدنا أيضاً قال أنشدنا أبو الحسن بن البراء قال أنشدنا إبراهيم بن سهيل لجميل بن معمر العذري - قال أبو علي: وليست هذه الأبيات في شعر جميل - : خليليّ هل في نظرة بعد توبة ... أداوي بها قلبي على فجور إلى رُجح الأكفال هيفٍ خصورها ... عِذاب الثنايا ريقهن طهور تذكرت من أضحت قرى اللّدّ دونه ... وزهضبٌ لِتيما والهضاب وعور فظلّت لعينيك اللّوجين عبرة ... يهيجها برخ الهوى فتمور على أنني بالبرق من نحو أرضها ... إذا قصرت عنه العيون بصير وغني إذا ما الريح يوماً تنسمت ... شآمية عاد العظام فتور ألا يا غراب البين لونك شاحب ... وأنت بروعات الفراق جدير فإن كان حقاً ما تقول فأصبحت ... همومك شتىً والجناح كسير ودرت بأعداء حبيبك فيهم ... كما قد تراني بالحبيب أدور وكيف بأعداء كأنّ عيونهم ... إذا حان إتياني بثينة عور فإني وإن أصبحت بالحب عالماً ... على ما بعيني من قذىً لخبير قال الأصمعي: من أمثال العرب: " غن البغاث بأرضنا يستنسر " يضرب مثلاً للرجل يكون ضعيفاً ثم يقوى. قال أبو علي: سمعت هذا المثل في صباي من أبي العباس وفسره لي فقال: يعود الضعيف بأرضنا قوياً؛ ثم سألت عن أصل هذا المثل أبا بكر بن دريد رحمه الله فقال: البغاث ضعاف الطير، والنسر أقوى منها، فيقول: إن الضعيف يصير كالنسر في قوته. ويقال: " لو أجد لشفرة محزاً " أي لو أجد للكلام مساغاً. ويقال: " كأنما قد سيره الآن " يقال للشيخ إذا كان في خلقة الأحداث. ويقال: " يجري بُليقٌ ويُذمّ " يضرب مثلاً للرجل يحسن ويذمّ. ويقال: " حذ ما قطع البطحاء " أي خذ ما استطاع أن يمشي فيخوض الوادي. والبطحاء: بطن الوادي. ويقال: " ما يندى رضفةً " أي لا يخرج منه البلل ما يندى الرضفة. ويقال: " لا يبضّ حجره " أي لا يخرج منه خير، يقال: بضّ الماء إذا خرج قليلاً قليلاً. والبضوض من الآبار: التي يخرج ماؤها قليلاً قليلاً، وكذلك البروض والرشوح والمكول، والعرب تقول: قد اجتمعت في بئرك مكلةٌ فحذها؛ أي ماء قليل. " مطلب الكلام على مادة ع ق ب " قال الأصمعي: عقب الخوق، وهي حلقة القرط، وهو أن يشدّ بالعقب إذا خشوا أن يزيغ؛ وأنشد: كأن خوق قرطها المعقوب ... على دباةٍ أو على يعسوب
وعقبت القدح بالعقب، مثله. وقال أبو نصر عن الأصمعي: عقّب قدحه يعقّبهتعقيباً إذا شدّ عليع عقباً. وقال اللحياني: عقب قدحه يعقبه عقباً إذا انكسر فشدّه بعقب، وكذلك كل ما تكسّر فشدّ. وقال أبو نصر عن الأصمعي: عقب يعقب عقباً، وهو ماءٌ يجيء بعد ماء، أو جرىيٌ بعد جري ويقال: لهذا الفرس عقبٌ. وحدثني أبي العباس قالوا قال أبو العباس أحمد بن يحيى قال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير في قول سلامة بن جندل: ولّى الشباب وهذا الشّيب يطلبه ... لو كان يدركه ركض اليعاقيب قال: اليعاقيب: ذوات العقب من الخيل. وقال الليحاني: فرسٌ ذو عقب إذا كان له عدوٌ بعد عدو. وقال أبو النصر عن الأصمعي: عاقب يعاقب معاقبة إذا راوح، يقال: عاقب بين رجليه، وعاقب زميله، ويقال: متى عقبتك؛ قال ذو الرمة: ألهاه آء وتنّوم وعقبته ... من لائح المرو والمرعى له عقب وقوله: وعقبته، يقول: يرعى في هذا مرةً وفي هذا مرةً. وقال الليحاني: أعقبت فلاناً من الركوب إذا نزلت ركب، ويقال: عاقبته في هذا المعنى إذا ركبت عقبةً وحملته عقبة. وقال أبو عبيد - رحمه الله - عن الأصمعي: أعقبت الرجل إذا ركبت عقبة وركب عقبة، وقال: قال غير واحد: عاقبت الرجل من العقبة. قال: وقال الأصمعي: ويقال: أكل أكلةً أعقبته سقماً، والعقب: الولد يبقى بعد الإنسان، وعقب القدم: مؤخرها، وفرس ذو عقب، قال: ومن العرب من يجزم القاف في هذه الثلاث. وقال أبو زيد: جئت على عقب رمضان وفي عقبه إذا جئت وقد مضى الشهر كلّه، وجئت على عقب رمضان وفي عقبه إذا جئت وقد بقيت أيامٌ من آخره. وقال أبو نصر عن الأصمعيّ: عقّب يعقّب تعقيباً إذا ما غزا ثم ثنّى من سنته. قال طُفيل الغنويّ: عناجيج من آل الوجيه ولاحق ... مغاوير فيها للأريب معقّب وأعقب يعقب إعقاباً إذا ترك عقباً؛ قال طفيل: كريمة حرّ الوجه لم تدع هالكاً ... من القوم هلكاً في غد غير معقب قال أبو بكر: وروى أبي عن أحمد بن عبيد عن أبي نصر، وروى أبو العباس ثعلب عن أبي نصر: غير معقب، يقول: لم تقل: وافلاناه قطّ إلا وقد بقي من يقوم مكانه، قال أبو عبيد عن الأصمعيّ: عقبت الرجل في أهله إذا بغيته بشر وخلفته، وعقبت الرجل: ضربت عَقِبه وعَقْبه جميعاً، وقال أبو نصر عن الأصمعيّ: العقاب: الراية. يقال للحجر النادر في طيّ البئر: العُقاب أيضاً. والعقبة: ما بقي في القدر من المرق، وجمعها عقبٌ، قال دريد بن الصّمّة: إذا عقب القدور عددن مالا ... يحبّ حلائل الأبرام عرسى وقال اللحياني: يقال لما التصق في أسفل القدر من محترق التابل وغيره: عقبة. وقال أبو نصر عن الأصمعي: العقب: العاقبة، قال الله تعالى: " وخيرٌ عقباً " ويقال: احذر عقوبة الله وعقابه. وعقبه. وعقبة الجمال: أثره وهيئته. وقال اللحياني: عليه عقبة السر والكرم إذا كان عليه سيماً ذلك. قال: عقبة القمر: عودته؛ وأنشد: لا يطعم الغسل والأدهان لمّته ... ولا الذريرة إلا عقبة القمر وحدثني أبو عمر المطرز وعبد الله الورذاق قالا حدّثنا أبو عمرو بن الطوسي أن أباه قال: سمعنا عقبة القمر بالضم. ويقال: العقبى لك في الخير، والعقبى إلى الله، أي المرجع إلى الله، وحكى الكسائيّ: وهو خيرٌ لك في العقبى والعقبان، أي في العاقبة. ويقال: اعقب الرجل يعقب إعقاباً إذا رجع إلى خير، وعقب الشيب بعد السواد يعقب عقوباً إذا جاء بعده. ويقال فيه أيضاً: عقّب يعقّب تعقيباً إذا جاء بعده فحلفه، وكذلك كل شيء خلف شيئاً فقد عقبه وعقّبه. ويقال: عقبت الإبل إذا تحولت من مكان إلى مكان ترعى فيه. ويقال: أعقبته خيراً وشراً بما صنع، ويقال: عاقبته بذنبه عقاباً شديداً. ويقال: عقب فلان يعقب عقباً إذا طلب مالاً أو شيئاً، وأعقب هذا هذا إذا ذهب الأول فلم يبق منه شيء وصار الآخر مكانه. ويقال: عقب هذا هذا إذا جاء وقد بقي من الأول شيء ويقال: جئت على عقب ذلك بالتثقيل، وعقب ذلك بالتخفيف، وعلى عقب ذلك بالتثقيل، وعقب ذلك بالنخفيف، وعقبان ذلك. قال: والعاقبة: الولد. أنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدني ابن الأعرابيّ: أيا والي سجن اليمامة أشرفا ... بي القصر أنظر نظرةً هل أرى نجدا
فقال اليماميّان لما تبيّنا ... سوابق دمع ما ملكت لها ردّا أمن أجل أعرابية ذات بردة ... تُبكّى نجد وتبلى وجدا لعمري لأعرابية في عباءة ... تحل دماثاً من سويقة أوفراداً أحبّ على القلب الذي لجّ في الهوؤ ... من اللابسات الريط يظهرنه كيدا وقرأت على أبي بكر بن دريد لمعدان بن مضرّب الكندي: إن كان ما بُلّغت عني فلامنى ... صديقي وشلّت من يدي الأنامل وكفّنت وحدي منذراً قي ردائه ... وصادف حوطاً من أعاديّ قاتل وأنشدني الرياشي لأعرابيّ: وفي الجيرة الغادين من بطن وجرةٍ ... غزالٌ أحمّ المقلتين ربيب فلا تحسبي أنّ الغريب الذي نأى ... ولكّن من تنأين عنه غريب وقرأت عليه لأعرابيّ: هجرتك أيّماً بذي الغمر إنّني ... على هجر أيّامٍ بذي الغمر نادم وإنّي وذاك الهجر لو تعلمينه ... كعازبةٍ عن طفلها وهي دائم الرائم: التي ترأم ولدها. وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا عبد الله بن خلف لقيس بن ذريح: هبيني أمراً إن تحسني فهو شاكرٌ ... لذاك وإن لم تحسني فهو صافح وإن يك أقوامٌ أساؤوا وأهجروا ... فإنّ الذي بيني وبينك صالح ومهما يكن فالقلب يا لبن ناشرٌ ... عليك الهوى والحبيب ما عشت ناصح وإنّك من لبنى العشية رائحٌ ... مريض الذي تطوى عليه الجوانح " مطلب حديث الجواري الخمس اللاتي وصفن خيل آبائهن " وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثني عمي عن أبيه ابن الكلبيّ عن أبيه قال: اجتمع خمس جوارً من العرب فقلن: هلممن نصف خيل آبائنا. فقالت الأولى: فرس أبي وردة، وما وردة! ذات كفل مزحلق، ومتن أخلق، وجوف أخوق؛ ونفسٍ مروح، وعين طروح، ورجل ضروح، ويد سبوح، بداهتها إهذاب، وعقبها غلاب. وقالت الثانية: وفرس أبي اللّعّاب، وما اللّعّاب! غبية سحاب، واضطرام غاب؛ مترص الأوصال، أشم القذال، ملاحك المحال، فارسه مجيد، وصيده عتيد، إن أقبل قطبي معّاج، وإن أدبر فظليم هدّاج، وإن أحضر فعلجٌ هرّاج، وقالت الثالثة: فرس أبي حذمة، وما حذمة! إن أقبلت مقوّمة، وإن أدبرت فأثفية ململمة، وإن أعرضت فذئبة معجرمة، أرساغها مترصة، وفصوصها ممعّصة، جريها انثرار، وتقريبها انكدار. وقالت الرابعة، فرس أبي خيفق، وما خيفق! ذات ناهقٍ معرق، وشدقٍ أشدق، وأديم مملّق؛ لها خلقٌ أشدف، ودسيع منفنف، وتليلٌ مسيّف؛ وثّابة زلوج، خيفانة رهوج، تقريبها إهماج، وخصرها ارتعاج. وقالت الخامسة: فرس أبي هذلول، وما هذلول! طريدة محبول، وطالبه مشكول؛ رقيق الملاغم، أمين المعاقم؛ عبل المحزم، مخدّ مرجم؛ منيف الحارك، أشمّ السنابك؛ مجدول الخصائل، سبط الفلائل؛ غوج التليل، صلصال الصهيل؛ أديمه صاف، وسبيبه ضاف، وعفوه كاف.
قال أبو علي: المزحلق: المملّس الذي كأنه زحلوقة، وهي آثار لجّ الصبيان من فوق إلى أسفل. والأخلق: الأملس، ومنه قيل: صخرة خلقاء. وأخوق: وساع؛ وقال أبو عبيدة عن أبي عمرو: الخوقاء: الصحراء التي لا ماء بها، ويقال: الواسعة. ومروح: كثيرة المرح. وطروح: بعيدة موقع النظر. وضروح: دفوع، يريد أنها تضرح الحجارة برجليها إذا عدت. وسبوح: كأنها تسبح في عدوها من سرعتها. وبداعتها: فجاءتها، والبُداهة والبديهة واحد. والإهداب: السرعة، يقال: أهذب الفرس إهذاباً فهو مهذب. والعقب: جريٌ بعد جريٌ. وغلاب، مصدر غالبته مغالبة وغلابا، كأنها تغالب الجري. والغبية: الدفعة من المطر. والغاب جمع غابة، وهي الأجمة. ومترص: محكم ، أترصت الشيء: أحكمته. وأشمّ: مرتفع. والقذال: معقد العذار. وملاحك: مداخل، كأنه دوخل بعضه في بعض. والمحال جمع محالة، وهي فقار الظهر، وواحدة الفقار فقارة. وحدثني أبو بكر قال: ذكر الأصمعيّ أنه رأى فقار فرسٍ ميّت فإذا ثلاث فقر من عظم واحد، وكذا تكون العراب فيما ذكروا. ومجيد: صاحب جواد. وعتيد: حاضر. قال أبو عبيدة: معج الفرس إذا اعتمد على إحدى عضادتي العنان مرة في الشق الأيمن ومرة في الشق الأيسر، وقال الأصمعيّ: يقال: معج في سيره وعمج إذا أسرع. وهدّاج: فعّال من الهدج، وقال الأصمعيّ: الهدج: المشي الرّويد، ويكون السريع. قال أبو علي: وقال لي أبو بكر: الهدج والهدجان: مشي الشيخ إذا أسرع عن غير إرادة، قال وحدثنا أبو حاتم قال: نهض أبو العباس سرّان ابن عم الأصمعيّ من عنده يوماً فأتبعه بصره فقال: هدج أبو العباس هدج، ثم أنشدنا: ويأخذه الهُداج إذا هداه ... وليد الحيّ في يده الرداء وأنشدني أبو بكر: وهدجاناً لم يكن من مشيتي ... كهدجان الرّأل خلف الهيقت قال أبو نصر: هرج الفرس يهرج إذا كان كثير الجري، وإنه لمهرج وهرّاج؛ قال أوس: فأعقب خيراً كلّ من أهوج مهرج ... وكلّمفدّاة العلالة صلدم أهوج: يعني فرساً، أي أعقب خيراً مما أقاموا عليه وصنعوه. والأهوج: الذي يركب رأسه فيمضي. ومفدّاة العلانة، والعلالة: الجري الذي بعد الجري الأول، فيقال لها إذا طلبت علالتها ويهّا فدّا لك. والصلدم: الشديدة؛ قال الراجز: من كلّ هرّاج نبيل محزمة والعلج: الحمار الغليظ. وحذمة فعلة من الحذم، قال أبو بكر: الحذم: السرعة، وقال غيره: الحذم: القطع، ومنه قول عمر - رحمه الله - في الأذان: فإذا أقمت فاحذم. وقولها: فقناةٌ مقوّمة، تريد أنها دقيقة المقدّم، وهو مدح في الإناث. والأثفيّة. واحدة الأثافي. وململمة: مجتمعة، تريد أنها مدورة المؤخر، لأن الأثافي تختار مدّورة. وقولها: معجرمة، قال أبو بكر: العجرمة: وثبٌ كوثب الطبي، ولا أعرف من غيره في هذا الحرف تفسيراً. وممحّصة: قليلة اللحم قليلة الشّعر، ومحص الجلد إذا سقط شعره واملاّس. وانثرار، قال أبو بكر: انصباب، كأنه يثرّه ثرّاً. وخيفق فيعل، من الخفق وهو السرعة، وقال أبو بكر: والخفق أيضاً: اضطراب السّراب في الهاجرة. قال أبو علي: ويقال: خفق النجم إذا غاب، وخفق الرجل إذا اضرب رأسه من شدة النعاس. والناهقان: العظمان الشاخصان في خديّ الفرس. ومعرق: قليل اللحم. وقال أبو عبيدة: النواهق من الحمار: مخرج نهاقه. وأشدق: واسع الشّدق. ومملّق: مملّس، وحدّثت عن أبي العباس أحمد بن يحيى أنه قال: الملقات: الحبال الملس. والشّف: الشخص، والأشدف: العظيم الشخص. والدّسيع: مركّب العنق في الحارك. ومنفنف: وساع، وهو مفعلل من النفنف، وهو الهواء بين السماء والأرض. والّليل: العنق. ومسيّف، كأنه سيف. وزلوج: سريعة، قال الأصمعيّ: الزّليج والزّلجان: السرعة. والخيفانة: الجرادة التي فيها نقط سود تخالف سائر لونها، وإنما قيل للفرس: خيفانة لسرعتها، لأنّ الجرادة إذا ظهر فيها تلك النّقط كان أسرع لطيرانها. ورهوج: كثيرة الرّهج، والرّهج: الغبار. وإهماج: مبالغة في العدو، وقال الأصمعيّ: أهمجّ الفرس. إهماجاً إذا اجتهد في عدوه. والارتعاج: كثرة البرق وتتابعه. ومحبول: في حبالة. ومشكول: موثق في شكال. والملاغم: أرادت ها هنا الجحافل، وإنما الملاغم من الإنسان ما حول الفم، ومنه قيل: تلغّمت بالطّيب إذا جعلته هناك. والمعاقم: المفاصل. وعبل: غليظ. والمحزم: موضع الحزام. ومخدّ: يخدّ الأرض أي يجعل فيها أخاديد، والأخاديد: الشّقوق، واحدها أخدود. ومرجم: يرجم الحجر بالحجر؛ كما قال رؤبة يصف الحمار: يرمي الجلاميد بجلمود مدقّ وقد يكون أن ترجم الأرض بحوافرها، والتفسير الأوّل أحب إليّ. ومنيف: مرتفع. والحارك: منسج الفرس. والسّنابك: أطراف الحوافر، واحدها سنبك. ومجدول: مفتول. والسّبيب: شعر الناصية. وضافٍ: سابغٌ. والفليل: الشعر المجتمع، وحدّثني أبو بكر بن الأنباري قال حدّثني أبي عن أحمد بن عبيد قال: يقال للقطعة من الشعر: الفليلة، وللقطعة من الصوف: العميتة. والغوج: اللّين المعطف. والصّلصلة: صوت الحديد، وكلّ صوت حادّ. وأنشدنا أبو بكر قال: أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعيّ للصّمّة بن عبد الله القشيريّ: حنت إلى رّا ونفسك باعدت ... مزارك من ريّا وشعباكما معاَ فما حسن أن تأتي الأمر طائعاً ... وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا قفا ودّعا نجدّاً ومن حلّ بالحمى ... وقلّ لنجد عندنا أن يودّعا ولما رأيت البشر دوننا ... وجالت بنات الشوق يحننّ نزّعا بكت عيني اليسرى فلّما زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معاً تلفّت نحو الحيّ وجدتني ... وجعت من الإعاء ليتاً وأخدعا وأذكر أيام الحمى ثم أنثني ... على كبدي من خشية أن يتصدّعا وليست عشيّات الحمى برواجع ... إليك ولكن خلّ عينيك تدمعا قال وأنشدني الرياشيّ: فإن كنتم ترجون أن يذهب الهوى ... يقيناً ونروي بالشراب فننقعا فردّوا هبوب الريح وغيّروا الجوى ... إذا حلّ ألواذ الحشا فيمنّعا وأنشد نفطويه: أحنّ إلى نجدٍ وإني ليائس ... طوال الليالي من رجوع إلى نجد فإنك لا ليلٌ ولا نجد فاعترف ... بهجر إلى يوم القيامة والوعد وأنشدني أيضاً نفطويه: يا ليت شعري عن الحي الذين غدوا ... هل بعد فرقتهم للِشمل مجتمع وكل ما كنت أخشى قد فجعت به ... فليس لي بعدهم من حادث جزع قال وأنشدنا أحمد بن يحيى النحوي: ألا أيها البيتان بالأجرع الذي ... بأسفل مفضاه غضا وكثيب هجرتكما هجر البغض وفيكما ... من الناس إنسان إلى حبيب وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا الرياشي لرجل طلق امرأتين من أهل الحمى: ألا تسألان الله أن يسقى الحمى ... بلى فسقى الله الحمى والمطالبا وأسأل من لاقيت هل سقى الحمى ... وهل يسألن عنّي الحمى كيف حاليا وإني لأستسقي لثنتين بالحمى ... ولو تملكان البحر ما سقتانيا وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري عن أبيه عن أحمد بن عبيد: لا تعذلينا في الزيارة إنّنا ... وإيّاك كالظمآن والماء بارد يراه قريباً دانياً غير أنه ... تحول المنايا دونه والرّواصد وقال الأصمعيّ: من أمثال العرب " ذكّرني الطّعن وكنت ناسياً " يضرب مثلاً للرجل يسمع الكلمة فيتذكر بها شيئاً. قال: ويقال: " الحسن أحمر " أي من أراد الحسن صبر على أشياء يكرهها. وقال أبو زيد: يقال: " من حفّنا لأأو رفّنا فليتّرك " زعموا أن امرأة كان قومٌ يعطونها، فوجدت نعامة قد غصّت بصعرور، فعمدت إلى ثوب فغطّت به رأسها؛ ثم أتت القوم الذين كانوا يصلونها فقالت لهم هذا الكلام، أي إني قد استغنيت عما كنتم تصلونني به. والصّعرور: صمغ السّمر، ولا يسمّى صعروراً حتى يلتوي. وقال الأصمعيّ: من أمثالهم: " يداك أو كتاوفوك نفخ " يقال للرجل إذا فعل فعلة أخطأ فيها، يراد بذلك أنك من قبلك أتيت؛ وزعموا: أن أصل ذلك أن رجلاً قطع بحراً يزقّ فانفتح، فقيل له ذلك. " مطلب شرح مادّة خ ل ل " وقال أبو النصر عن الأصمعيّ: يقال: فلان كريم الخلّة والخلّ والمخالّة، أي كريم الإخاء والمصادقة، وزاد اللحياني: والخلالة والخلال، وأنشد للنابغة: وكيف تصادق من أصبحت ... خلالته كأبي مرحب وغيره يروي: وكيف تواصل. وقال أبو عبيد: الخلّة: الصّداقة ومنه الخليل. وقال أبو نصر عن الأصمعيّ واللحياني: فلان خلّتي وفلانه خلّتي، الذكر والأنثى فيها سواء. وقال أبو بكر بن الأنباري في كتاب أبي عن أحمد بن عبيد عن أبي نصر: وخلّي؛ وأنشد أبو نصر واللحاني لأوفى بن مطر: ألا أبلغا خلّتي جابراً ... بأنّ خليلك لم يقتل وأنشد اللحياني قال: أنشدنا أبو الدينار: شبعت من نومٍ وزاحت علّتي ... وطرقتني في المنام خلّتي وما علمت أنها ألّمت ... حتّى قضت حاجتها وولّت قال اللحياني: زاحت: ذهبت، قال: وقال أبو الدينار: أشدّ الزّيحان، قال: وحكى الكسائيّ: أشدّ الزّيوح بضم الزاي. قال: ويقال: خاللته مخالّة وخلالاً؛ قال أبو عبيد: ومنه قول امرىء القيس: ولست بمقليّ الخلال ولا قالي وقال أبو نصر: المختلّ الجسم: النحيف الجسم. وقال اللحياني: يقال للمهزول القليل اللحم: إنه لخلّ الجسم وخليل الجسم ومختلّ الجسم. وقال أبو عبيد عن الأصمعيّ: الخلّ: القليل اللحم، قال: وقال الكسائيّ مثله، وزاد: خلّ لحمه خلاّ وخلولاً. وقال أبو نصر: يقال: ما أخلّك إلى هذا أي ما أحوجك إليه. والخلّة: الحاجة، ويقال للرجل إذا مات: اللهم اخلف على أهله بخيرٍ واسدد خلّته، يريد الفرجة؛ قال أوس بن حجر: لهلك فضالة لا تستوي ال ... فقود ولا خلّة الذاهب يريد الفرجة التي ترك والثّلمة؛ يقول: كان سيّداً فلما مات بقيت ثلمته. وقال اللحياني: الزق بالأخلّ فالأخلّ أي بالأفقر فالأفقر. والعرب تقول: الخلّة تدعو إلى السّلّة. قال أبو علي قال أبو بكر ابن دريد: والسّلّة: السّرقة. ويقال: فلان مختلّ الحال. وقال أبو نصر وأبو عبيد عن الأصمعيّ: الخليل: الفقير المحتاج؛ قال زهير: وإن أتاه خليلٌ يوم مسئلةٍ ... يقول لا غائبٌ مالي ولا حرم وقال أبو نصر: يقال: فلان خلّة حسنة، أي خصلة. وقال اللحياني: يقال: إن شراب بني فلان ليست بخمطة ولا خلّة، أي ليست بحامضة؛ قال: وجمع خلّة خلّ. والخمطة: التي أخذت شيئاً من الريح كريح النّبق والتّفّاح. ويقال: خللّ الشراب إذا صار خلاًّ، وكذلك كل شيء من الأشربة حمض فقد خللّ. وقال الأصمعيّ: الخلّة: ما حلا من النّبت. والعرب تقول: الخلّة: خبز الإبل، والحمض: لحمها أو فاكتها. ويقال: جاءت إبل بني فلان مختلّة أي قد أكلت الخلّة، وجاؤوا مخلّين إذا جاؤوا وقد أكلت إبلهم الخلّة؛ قال العجاج: جاؤوا مخلّين فلاقوا حمضاً قال أبو علي: وقال أبو بكر بن ديريد: هذا البيت يضرب مثلاً لكل من أتى متهدداً فصادف ما يقمع تهدّده. قال: والعرب تقول: أنت مختلّ فتحمّض. وقال اللحياني: يقال: قد عمّ فلان وخلّ وخللّ، والمخللّ: الذي يخصّ؛ وأنشد: قد عمّ في دعائه وخلاّ ... وخطّ كاتباه واستملاّ وأنشد أيضاً: عهدت بها الحيّ الجميع فأصبحوا ... أتوا داعياً لله عمّ وخلّلا
وقال أبو نصر وأبو عبيدة واللحياني عن الأصمعيّ: خلّ كساءه وثوبه يخلّه خلاً إذا شكّه بالخلال. وقال اللحياني: يقال: طعنته فاختللت فؤاده؛ وأنشد: نبذ الجؤار وضلّ هدية روقه ... لمّا اختللن فؤاده بالمطرد وقال أبو نصر: أخلّ بموعده إذا لم يوف به. وقال اللحياني: الخلّة: جفن السيف، وجمعها خلل. قال: ويقال: وجدت في فمي خلّةً فتخلّلت، وهو ما يبقى بين الأسنان من الطعام، والجمع خلل، ويقال: أكل خلالته. وقال أبو نصر: الخلّة والخلالة واحد، وهو ما يبقى بين الأسنان من الطعام، والجمع خلل. وقال اللحياني: خلّل بين أصابعه بالماء وخلّل لحيته إذا توضّأ. ويقال: خلّ الفصيل يخلّه خلاً إذا جعل في أنفه عوداً لئلا يرضع. والخلّ: الطريق في الرّمل، والخلّ والخمر: الخير والشر، يقال: ما فلان بخلٍّ ولا خمر، أي ليس عنده خير ولا شر؛ قال النمر بن تولب: هلا سألت بعادياء وبيته ... والخلّ والخمر التي تمنع " مطلب حكم ومواعظ من كلام الحكماء " وحدّثنا أبو بكر بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: قال معاوية: الفرصة خلسة، والحياء يمنع الرزق، والهيبة مقرون بها الخيبة، والكلمة من الحكمة ضالّة المؤمن. وحدّثنا قال أنبأنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابياً من بني مرّة يعظ ابناً له وقد أفسد ماله في الشراب فقال: لا الدّهر يعظك، ولا الأيام تنذرك، والساعات تعدّ عليك، والأنفاس تعدّ منك؛ أحبّ أمريك إليك، أردّهما بالمضرّة عليك. قال: وأخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابياً يقول لأخٍ له: اعلم أن الناصح لك المشفق عليك من طالع لك ما وراء العواقب برويّته ونظره، ومثّل لك الأحوال المخوفة عليك، وخلط الوعر بالسّهل من كلامه ومشورته، ليكون خوفك كفاء رجائك، وشكرك إزاء النعمة عليك؛ وأن الغاشّ لك والحاطب عليك من مدّلك في الاغترار، ووطّأ لك مهاد الظلم، تابعاً لمرضاتك، منقاداً لهواك. وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال حدّثنا أحمد بن يحيى النحويّ قال حدّثنا عبد الله ابن شبيب قال: قال شبيب بن شبّة لخالد بن صفوان: من أحبّ إخوانك إليك؟ قال: من سدّ خللي، وغفر زللي، وقبل عللي. وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثنا أبو عيسى الختّلي قال حدّثنا أبو يعلى الساجي قال حدّثنا الأصمعيّ قال حدّثنا المعتمر بن سليمان قال: كان يقال: عليك بدينك، ففيه معادك؛ وعليك بمالك، ففيه معاشك؛ وعليك بالعلم، ففيه زينك. وقرأنا على أبي بكر بن دريد رحمه الله تعالى: فلّما مضى شهر وعشر لعيرها ... وقالوا تجيء الآن قد حان حينها ّأمرّت من الكتّان خيطاً وأرسلت ... جرّياً إلى أخرى قريباً تعينها هذه امرأة تنتظر عيراً تقدم وزوجها فيها، فأرادت أن تنتف بالخيط وتتهيأ له. والجريّ: الرّسول، يقول: أرسلته إلى جارة لها تنتفها لتزيّن؛ وبعد هذا قال: فما زال يجري السّلك في حرّوجهها ... وجبهتها حتّى ثنته قرونها ثنته: كفّته. وقرونها: ذوائبها. وقرأت على أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة لعمر بن أبي ربيعة: يا ليتني قد أجزت الحبل نحوكم ... حبل المعرّف أو جاوزت ذا عشر إن الثّواء بأرض لا أراك بها ... فاسيقنيه ثواء حقّ ذي كدر وما ملكت ولكن زادحبّكم ... ولا ذكرتك إلا ظلت كالسّدر أذرى الدموع كذي سقم يخامره ... وما يخامرني سقمٌ سوى الذّكر كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركم ... يا أشبه الناس كلّ الناس بالقمر إني لأجذل أن أمسى مقابله ... حبّاً لرؤية من أشبهت في الصّور وأنشدني أبو بكر بن دريد للبعيث الهاشميّ: ألا طرقت ليلى الرّفاق بغمرة ... ومن دون ليلى يذبل فالقعاقع على حين ضمّ الليل من كل جانب ... جناحيه وانصبّ النجوم الخواضع طمعت بليلى أن تريع وإنما ... يقطّع أعناق الرجال المطامع وبايعت ليلى في الخلاء ولم يكن ... شهود على ليلى عدول مقانع وما كلّ ما منتّك نفسك مخلياً ... يكون ولا كلّ الهوى أنت تابع فما أنت من شيء إذا كنت كلّما ... تذكّرت ليلى ماء عينيك دامع وقرأت على أبي بكر بن دريد ليزيد بن الطّثريّة: عقيليّة أمّا ملاث إزارها ... فدعص وأما خصرها فبتيل تقيّظ أكناف الحمى ويظلّها ... بنعمان من وادي الأراك مقيل أليس قليلاً نظرةٌ إن نظرتها ... إليك وكلاً ليس منك قليل فيا خلّة النفس التي ليس فوقها ... لنا من أخلاّء الّفاء خليل ويا من كتمنا حبّه لم يطع به ... عدوّ ولم يؤمن عليه دخيل أما من مقام أشتكي غربة النّوى ... وخوف العدا فيه إليك سبيل فديتك أعدائي كثيرٌ وشقّتي ... بعيد وأشياعي لديك قليل وكنت إذا ما جئت جئت بعلّة ... فأفنيت علاتي فكف أقول فما كلّ يوم لي بأرضك حاجة ... ولا كلّيوم لي إليك رسول قال أبو علي: أخذ من هذا إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، حدّثنا حجظة قال حدّثني حماد عن أبيه إسحاق بن إبراهين قال: أنشدت الأصمعيّ: هل إلى نظرةٍ إليك سبيل ... يرو منها الصّدى ويشف الغليل إنّ قلّ منك يكثر عندي ... وكثيرٌ ممن تحبّ القليل قال: ففقال لي: هذا والله الديباج الخسروانيّ؛ فقلت: إنهما لليلتهما؛ فقال: أفسدتهما. وأنشدنا أبو عبيد الله نفطويه: والله لا نظرت عيني إذا نظرت ... إلا تحدّر منها دمعها درارا ولا تنفّسف إلا ذاكّراً لكم ... ولا تبسمت إلا كاظماً عبراً وأنشدنا أبو بكر بن دريد قال أنشدنا الأشنانداني عن التوزي لطهمان بن عمرو من بني بكر بن كلاب: ولو أنّ ليلى الحارثيّة سلّمت ... عليّ مسجّىً في الثّياب أسوق حنوطي وأكفاني لديّ معدّةٌ ... وللنفس من قرب الوفاء شهيق إذاً لحسبت الموت يتركني لها ... ويفرج عني فأفيق ونبّئت ليلى بالعراق مريضة ... فماذا الذي تعني وأنت صديق شفى الله مرضى بالعراق فإنني ... عل كلّ شاكٍ بالعراق شفيق قال: وقرأت عليه لتوبة بن الحميّر: ولو أنّ ليلى الأخيليّة سلّمت ... عليّ ودوني تربة وصفائح لسلّمت تسليم البشاشة أو زقاً ... إليها صدّى من جانب القبر صائح وأغبط من ليلى بما لا أناله ... ألا كلّ ما قرّت به العين صالح وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت رجلاً يقول: الحسد ما حق الحسنات، والزّهو جالب لمقت الله ومقت الصالحين، والعجب صارف عن الآزياد من العلم داع إلى التخمّط والجهل، والبخل أدم الأخلاق وأجلبها لسوء الأحدوثة. قال: وأخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت رجلاً يوصي آخر وأراد سفراً فقال: آثر بعملك معادك، ولا تدع لشهوتك رشادك، وليكن عقلك وزيرك الذي يدعوك إلى الهدى، ويعصمك من الرّدى؛ ألجم هواك عن الفواحش، وأطلقه في المكارم؛ فإنك تبّر بذلك سلفك، وتشيد شرفك. وحدثنا قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابياً يوصي ابنه فقال: ابذل المودّة الصادقة تستفد إخواناً، وتتخذ أعواناً؛ فإن العداوة موجودة عتيدة، والصّداقة مستعرزة بعيدة؛ جنّب كرامتك اللئام، فإنهم إن أحسنت إليهم لم يشكروا، وإن نزلت شديدة لم يصبروا. قال أبو علي: مستعرزة: منقبضة شديدة، يقال: رأيت فلاناً اعترز منّي أي انقبض. واستعرزت الجلدة في النار إذا تقبّضت؛ قال الشماخ: وكلّ خليل غير هاضم نفسه ... لوصل خليل صارم أو معازر يقول: كل من لم يظلم نفسه لأخيه ويحمل عليها فإنه قاطع أو منقبض. وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو حاتم عن العتبي قال: قال رجل لعبد الملك بن مروان رحمه الله تعالى: يا أمير المؤمنين، هززت ذوائب الرّحال إليك، فلم أجد معوّلاً إلا عليك؛ أمتطي الليل بعد النهار، وأقطع المجاهل بالآثار؛ يقودني نحوك رجاء، وتسوقني إليك بلوى؛ والنفس راغبة، والاجتهاد عاذر؛ وإذا بلغتك فقدني، قال: احطط عن راحلتك فقد بلغت.
وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا الرياشيّ عن العتبي قال: سئل أعرابي عن امرأة فقال: هي أرقّ من الهواء، وأطيب من الماء، وأحسن من النّعماء، وأبعد من السماء. وحدثنا قال حدّثنا الرياشيّ عن الأصمعيّ قال: العرب تقول: لا ثناء مع الكبر، ولا صديق لذي الحسد، ولا شرف لسيّىء الأدب. قال: وكان يقال: شرّ خصال الملوك الجبن عن الأعداء، والقسوة على الضعفاء، والبخل عند الإعطاء. وحدثني أبو يعقوب ورّاق أبي بكر بن دريد قال حدّثنا أحمد بن عبيد الجوهريّ قال سمعت أحمد بن عبد العزيز يقول سمعت أبي يقول: قام رجل إلى معاوية فقال له: سألتك بالرحم التي بيني وبينك؛ فقال: أمن قريش أنت؟ قال: لا؛ قال: أفمن سائر العرب؟ قال: لا؛ قال: فأيّة رحم بيني وبينك؟ قال: رحم آدم؛ قال: رحم مجفّوة، والله لأكوننّ من وصلها؛ ثم قضى حاجته. وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا الرياشيّ عن الأصمعيّ قال: قيل لأعرابي قدم الحضرة: ما أقدمك؟ فقال: الحين الذي يغطّي العين. وحدثنا أبو عبد الله نفطويه قال حدّثنا محمد بن موسى السامي قال حدّثنا الأصمعيّ قال: مات ولد لرجل من الأعراب فصلّى عليه فقال: اللهم إن كنت تعلم أنه كريم الجدّين، سها الخدّين؛ فاغفر له وإلا فلا. وحدثنا قال حدّثنا أحمد بن يحيى النحويّ عن ابن الأعرابي قال: ضلّت ناقة أبي السّمّال فقال: والله لئن لم يردّها الله عليّ لا أصل أبداً؛ قال: فوجدها متعلقة بزمامها بشجرة؛ فقال: علم الله أنها منّى صرّى، أي عزيمة. وحدثني أيضاً قال حدّثني أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال: قيل لابنه الخسّ: ما أحدّ شيء؟ قالت: ضرس جائع، يقذف في معىً ضائع.قيل: فما ألذّ شيء؟ قالت: قبلة فتاة فتىً، وعيشك ما ذقتها. وقرأنا على أبي بكر بن دريد قول الشاعر: وخمار عانية شددت برأسها ... أصلاً وكان منتشّراً بشمالها هذه امرأة فزعة، أخذت خمارها بيدها، فلما أدركها أمنت فاختمرت؛ ونحو منه بيت عنترة: ومرقصة رددت الخيل عنها ... وقد همّت بإلقاء الزّمام مرقصة: امرأة قد ركبت بعيراً فهي ترقصه، أي تنزّيه وتحثّه، وقد همّت أن تلقي زمامها وتستسلم. " مطلب استعطاف إبراهيم بن المهدي للمأمون وعفوه عنه وردّ ماله وضياعه إليه " وحدثنا الأخفش قال: بلغني أن إبراهيم بن المهدي دخل على المأمون قبل رضاه عنه فقال: يا أمير المؤمنين، ولى الثأر محكّم في القصاص، ومن تناوله الاغترار بما مدّ له من أسباب الرخاء أمن عادية الدّهر، وقد جعلك الله فرق كل ذي ذنب، كما جعل كل ذي ذنب دونك، فإن تأخذ فبحقّك، وإن تعف فبفضلك؛ ثم قال: ذنبي إليك عظيم ... وأنت أعظم منه فخذ بحقّك أولاً ... فاصفح بفضلك عنه إن لم أكن في فعلي ... من الكرام فكنه فقال: القدرة تذهب الحفيظة، والندم توبة، وعفو الله بينهما، وهو أكبر ما يحاول؛ يا إبراهيم، لقد حببّت إليّ العفو حتى خفت إلاّ أوجر عليه، لا تثريب عليك، يغفر الله لك. وعفا عنه وأمر بردّ ماله وضياعه؛ فقال: رددت مالي ولم تخل عليّ به ... وقبل ردّك مالي قد حقنت دمي فأبت منك وما كافأتها بيد ... هما الحياتان من وفر ومن عدم وقام علمك بي فاحتجّ عندك لي ... مقام شاهد عدل غير متّهم فلو بذلت دمي أبغي رضاك به ... والمال حتّى أسلّ النّعل من قدمي ما كان ذاك سوى عاريّة رجعت ... إليك لو لم تهبها كنت لم تلم
قال الأصمعيّ: ومن أمثال العرب : " حرّ انتصر " يضرب مثلاً للرجل يظلم فينتقم. ويقال: " أصرد من عنز جرباء " يضرب مثلاً للرجل يجد البرد. ويقال: " خرقاء عيّابة " يضرب مثلاً للرجل العاجز عن الشيء وهو يعيب العجز. ويقال: " أنجد من رأى حضناً " أي من بلغ من الأمر هذا المبلغ فقد بلغ معظمه. وحضن: جبل بنجد. ويقال: " حنّ قدح ليس منها " يضرب مثلاً للرجل يدخل نفسه في القوم ليس منهم. قال: وبلغني أن عمر رضي الله عنه لما قال ابن أبي معيط: أأقتل من بين قريش؟ قال: " حنّ قدح ليس منها " فلا أدري أقاله مبتدئاً أم قيل قبل. وقال أبو زيد: يقال: " ربضك منك وإن كان سماراً " يقول: منك فصيلتك، وهم بنو أبيه، وإن كانوا قوم سوء. ويقال: " منك عيصك وإن كان أشبا " يقول: منك أصلك وإن كان غير صحيح. ويقال: " أعييتني من شبّ إلى دبّ " أي أعييتني من لدن شببت إلى أن دببت على العصا، يقال ذلك للمرأة والرجل. ويقال: " أعييتني بأشر فكيف أرجوك بدردر " يقول: أعييتني وأنت شابة باردة الأسنان، فكيف أرجوك إذا سقطت أسنانك. والّردر: مكان الّسنّ من اللّحى. مكلب شرح مادة ذرأ مهموزاً ومعتلاً وقال أبو نصر عن الأصمعيّ: ذرىء رأس الرجل يذرأ ذرأً، وقد علته ذرأة، أي بياض؛ وأنشد: وقد علتني ذرأة بادي بدى وأنشد أبو بكر بن دريد بعد هذا البيت. ورثية تنهض في تشدّد وقوله: بادي بدى، أي في أول الأمر، يقال: جدى أذرأ وعناق ذراء إذا كان في رأسه ورأسها بياض؛ ومنه قيل: ملح ذرآنيّ، أي شديد البياض؛ وقال غيره: وذرآنيّ أيضاً. قال اللحياني: يقال: ذرأ الله الخلق يذرؤهم، والله البارئ الذارئ، والخلق مذروؤون ومبرؤون. وقال أبو نصر: ذرا يذرو ذرواً إذا مرّ مرّاً سريعاً، وذرا ناب الجمل يذرو ذرواً إذا انكسر حدّه؛ وقال أوس بن حجر: وإن مقرم منّا ذرا حدّ نابه ... تخمّط فينا ناب آخر مقوم وذرت الريح التراب تذروه ذرواً؛ ومنه قيل: ذرّى الناس الحنظة؛ قال: ويقال: ذرت الريح التراب تذريه، بمعنى ذرته تذروه، وطعنه فأذراه عن فرسه، أي رمى به وقلعه عن السّرج؛ وقال الأصمعيّ: أذرته إذا قلعته من أصله قلعاً، وذرته طيّرته؛ قال ابن أحمر: لها منخل تذري إذا عصفت به ... أهابيّ سفساف من التّرب توأم وقال اللحياني: ذرت الريح التراب تذروه وتذريه إذا سحقته وأذهبته. قال: وقال الكسائي: ذروت وذريت وذرّيت بمعنى واحد، أي نقّيتها في الريح. قال أبو نصر: فلان يُذّري فلاناً، أي يرفع من شأنه ويمدحه؛ قال الراجز. عمداً أذرّي حسبي إن يتستما ... بهدر هدّار يمجّ البلغما وقال أبو زيد: ذرّيت الشاة إذا جززتها وتركت على ظهرها شيئاً منه لتعرف به، ولا يكون لك إلا في الضأن؛ وقال أبو نصر وغيره: ذروة كلّ شيء أعلاه، ويقال: فلان قي ذرى فلان، أي في دفئه وظلّه. ويقال: استذر بهذه الشجرة، أي كن في دفئها، وهو الذّرى مقصور. ويقال: " جاء ينفض مذرويه " إذا جاء باغياً يتهدّد، قال: والمذروان: الناحيتان؛ قال بعض هذيل يذكر القوس: على كلّ هتّافة المذروي ... ن صفراء مضجعة في الشّمال يعني: الجانبين اللذين يقع عليهما الوتر من أسفل ومن أعلى. قال أبو علي: وهذا القول مشتمل على من سمّى ناحيتي الرأس مذروين؛ وعلى ما رواه أبو عبيد عن أبي عبيدة أن المذروين أطراف الأليتين؛ وأنشد لعنترة: أحولى تنفض استك مذرويها ... لتقتلني فهأنذا عمارا قال: وليس لهماواحد، لأنه لو كان لهما واحد فقيل مذري لقيل في التثنية مذريان بالياء وما كانت بالواو؛ وقال أبو نصر: يقال: بلغني عنه ذرء من خبر، أي طرف ولم يتكامل. وأنشدنا أبو بكر بن دريد لمعقر بن حمار البارقي: إذا استرخت عماد الحيّ شدّت ... ولا يثنى لقائمة وظيف يقول: هم سائرون وبيوتهم على ظهور إبلهم، فإذا استرخى منها شيء من غير أن يذبحوا بعيراً ويثنوا وظيفه. وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي المعروف بنفطويه: أما والله ثمّ الله حقاً ... يمين البرّ أتبعها يمينا لقد حلّت أميمة من فؤادي ... تلاعاً ما أبحن وما رعينا ولكنّ الخليل إذا قلانا ... وآثر بالمودّة آخرينا صددت تكّماً عنه بنفسي ... وإن كان الفؤاد به ضنينا وأنشدنا قال أنشدني عبيد الله بن إسحاق بن سلام: نزلت بمكّة في قبائل نوفل ... ونزلت خلف البئر أبعد منزل جذراً عليها من مقالة كاشح ... ذرب اللسان يقول ما لم أفعل وأنشدني نفطويه لنفسه: أتخالني من زلّة أتعتّب ... قلبي عليك أرقّ مما تحسب قلبي وروحي في يديك وإنما ... أنت الحياة فأين عنك المذهب وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري البيت الأول من هذين البينيت عن أبي العباس أحمد بن يحيى، وقرأت القصيدة بأسرها على أبي بكر بن دريد لجميل بن معمر العذريّ: وقالوا لا يضيرك نأي شهر ... فقلت لصاحبيّ فمن يضير يطول اليوم إن شحطت نواها ... وحول نلقتي فيه قصير وحدّثنا أبو بكر بن أبي الأزهر مستملى أبي العباس المبردّ قال أنشدنا الزبير لبثينة: وإن سلوّى عن جميل لساعة ... من الدهر ما حانت ولا حان حينها سواء علينا يا جميل بن معمر ... إذا متّ بأساء الحياة ولينها وأندشنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال أنشدني أبي: لما تبدّت من الأستار قلت لها ... سبحان سبحان ربي خالق الصور ما كنت أحسب شمساً غير واحدة ... حتى رأيت لها أختاً من البشر كأنها هي إلا أن يفضّلها ... حسن الدلال وطرف فاتر النظر وقرأت على أبي بكر بن دريد لابن الدمينة: ألا لا أرى وادي المياه يثيب ... ولا النّفس عن وادي المياه تطيب أحبّ هبوط الواديين وإنني ... لمستهتر بالواديين غريب أحقاً عباد الله أن لست وارداً ... ولا صادراً إلا علي رقيب ولا زائراً وحدي ولا في جماعة ... من الناس إلا قيل أنت مريب وهل ريبة في أن تحنّ نجيبة ... إلى إلفها أو أن يحنّ نجيب وإن الكثيب الفرد من جانب الحمة ... إليّ وإن لم آته لحبيب وقرأت أيضاً: صفراء من بقر الجواء كأنما ... ترك الحياء بها رداع سقيم من محذيات أخي الهوى جرع الأسى ... بدلال غانية ومقلة ريم وقصيرة الأيام ودّ جليسها ... لو دام مجلسها بفقد حميم وقرأت أيضاً: لك الله إنّي واصل ما وصلتني ... ومثن بما أوليتني ومثيب فلا تتركي نفسي شعاعاً فإنها ... من الوجد قد كادت عليك تذوب وإني لأستحييك حتى كأنما ... عليّ بظهر الغيب منك رقيب وقرأت عليه لجميل بن معمر العذريّ، وأنشدني البيتين الأولين أبو معاذ عبدان المتطبب: فلو أرسلت يوماً بثينة تبتغي ... يميني ولو عزّت عليّ يميني لأعطيتها ما جاء يبغي رسولها ... وقلت لها بعد اليمين سليني سليني مالي يا بثين فإنما ... يبيّن عند المال كلّ ضنين فمالك لمّا خبّر الناس إنني ... أسأت بظهر الغيب لم تسليني فأبلي عذراً أو أجيء بشاهد ... من الناس عدل أنهم ظلموني ولست وإن عزّت عليّ بقائل ... لها بعد صرم يا بثين صليني ونبّئت قوماً فيك قد نذروا دمي ... فليت الرّجال الموعدين لقوني إذا ما رأوني مقبلاً عن جنابة ... يقولون من هذا وقد عرفوني وأنشدنا أبو بكر بن السراج هذين البيتين الأخيرين: فليت رجالاً فيك قد نذروا دمي ... وهمّوا بقتلي يا بثين لقوني إذا ما رأوني طالعاً من ثنيّة ... يقولون من هذا وقد عرفوني " مطلب من حرّم الخمر على نفسه في الجاهلية تكرماً وصيانة لنفسه "
وحدّثنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد والعباس بن هشام قالا: حرّم رجالٌ الخمر في الجاهلية تكرّماً وصيانة لأنفسهم، منهم عامر بن الظّرب بن عمرو بن عباد بن يشكر ابن بكر بن عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان، وقال في ذلك: سآّلة للفتى ما ليس في يده ... ذهّابة بعقول القوم والمال أقسمت بالله أسقيها وأشربها ... حتّى يفرّق ترب القبر أوصالي مورثة القوم أضغاناً بلا إجن ... مزرية بالفتى ذي النّجدة الحالي وحرّم قيس بن عاصم الخمر وقال في ذلك: لعمرك إنّ الخمر ما دمت شارباً ... لسالبة مالي ومذهبة عقلي وتاركتي من الضّعاف قواهم ... ومورثتي حرب الصّديق بلا تبل قال: وحرّم صفوان بن أميّة بن محرّث الكناني الخمر في الجاهلية وقال في ذلك: رأيت الخمر صالحاً وفيها ... مناقب تفسد الرجل الكريما فلا والله أشربها حياتي ... ولا أشفي بها أبداً سقيما قال: وحرّم عفيف بن معد يكرب عمّ الأشعث بن قيس الخمر وقال: وقائلة هلّم إلي التصابي ... فقلت عففت عما تعلمينا وودّعت القداح وقد أراني ... بها في الّهر مشغوفاً رهينا وحرّمت الخمور عليّ حتّى ... أكون بقعر ملحود دفينا وقال عفيف بن معد يكرب أيضاً: فلا والله لا ألفى وشرباً ... أنازعهم شراباً ما حييت أبى لي ذاك آباء كرام ... وأخوال بعزّهم ربيت قال: وحرّم سويد بن عديّ بن عمرو بن سلسلة الطائي ثم المعنيّ الخمر وأدرك الإسلام فقال: تركت الشّعر واستبدلت منه ... إذا داعي منادي الصّبح قاما كتاب الله ليس له شريك ... وودّعت المدامة والنّدامى وحرّمت الخمور وقد أراني ... بها سدكاً وإن كانت حراما مطلب شرح مادة الشعف بالمهملة والشغف بالمعجمة قال أو عليّ: الشّعف: حرقة يجدها الرجل مع لذّة في قلبه، ولذلك قال امرؤ القيس: أيقتلني وقد شعفت فؤادها ... كما شعف المهنوءة الرّجل الطالى لأن المهنوءة تجد لهناء لذة مع حرقة. والشّغف أن يبلغ الحب شغاف القلب، وهي جلدة دونه؛ والشّغاف أيضاً: داء يكون في أحد شقيّ البطن؛ ولذلك قال النابغة: وقد حال همّ دون ذلك والج ... ولوج الشّغاف تبتغيه الأصابع يعني أصابع الأطباء يلمسنه: هل وصل إلى القلب أم لا، لأنه إذا اتصل بالقلب تلف صاحبه. ويقال: سدك به وعسك وعسق ولكد ولكى وحلس وعبق ولذم وغرى إذا لصق به ولزمه، وكذلك درب به وضرى به ولهج به وأعصم به وأخلد به وعضّ به وأزم به وألظّ به، قال الحارث ابن حلّزة: طرق الخيال ولا كليلة مدلج ... سدكاً بأرجلنا ولم يتعرّج وقال الآخر: وما كنت أخشى الدهر إحلاس مسلم ... من الناس ذنباً جاءه وهو مسلما أراد: وما كنت أخشى الدهر إلزام مسلم مسلماً دنباً جاءه وهو، أي جاءاه معاً. وقال رؤبة: والملغ يلكي بالكلام الأملغ الملغ: الماجن. والأملغ: الأمجن. وقال كعب بن زهير يمدح الأنصار: دربوا كما دربت أسود خفيّة ... غلب الرّقاب من الأسود ضواري وقال العجّاج: يقتسر الأقران بالتّقمّم ... قسر عزيز بالأكال ملدم والأكال: ما أكل. وقال أوس بن حجر: فما زال حتّى نالها وهو معصم ... على موطن لو زلّ عنها تفصّلا قال أبو عليّ: حدّنا أبو بكر بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم عن العتبى قال سمعت أعرابياً يقول: أسوأ ما في الكريم أن يكفّ عنك خيره، وخير ما في اللئيم أن يكفّ عنك شرّه. وحدّثنا أبو عثمان الأشنانداي عن الأخفش سعيد بن مسعدة قال: كتب رجل من أهل البصرة إلى أخ له: أما بعد، فإنه يسهّل عليّ طلب الحاجة أمران فيك، وأمران لي، وأمر من قبل الله، وبه تمامها، فأما اللذان فيك: فاجتهادك في النّجح ومبالغتك في الاعتذار؛ وأما اللذان لي: فإني لا أضيق عليك بعذري، ولا أصون عنك شركي؛ وأما الذي من قبل الله جلّ وعزّ: فإيماني بأنّ كلّ مقدور كائن، والسلام.
وحدّثنا أبو بكر أبو عثمان عن التوّوزي عن أبي عبيدة قال: مرّ رجل من أهل الشام بامرأة من كلب فقال: هل من لبن يباع؟ فقالت: إنك للئيم أو حديث عهد بقوم لئام، هل يبيع الرّسل كريم أو يمنعه إلا لئيم! إنا لندع الكوم لأضيافنا تكوس، إذا عكف الزمان الضّروس؛ ونغلي اللحم غريضاً، ونهينه نضيحاً. قال أبو عليّ: الرّسل: اللّبن. وأنشدنا أبو بكر: فتىً لا يعدّ الرّسل مذمّةً ... إذا نزل الأضياف أو ينحر الجزرا وكذلك أيضاً الرّسل في المشي بكسر الراء: وهو الهيّن الرفيق؛ قال صخر الغيّ: لو أنّ حولي من تميمرجلاً ... لمنعوني نجدةً أو رسلا يقول: لمنعوني بأمر شديد أو بأمر هين، والرّسل بفتح الراء والسين: الإبل قال الأعشى: يبغي دياراً لها قد أصبحت غرضاً ... زوراً تجانف عنها القود والرّسل القود: الخيل. وتكوس: تمشي على ثلاث. ونغلي من الغلاء. قال أبو عليّ: حدّثنا أبو بكر عن العكليّ عن ابن خالد قال: قال زياد: ما قرأت كتاب رجل قطّ إلا عرفت عقله فيه، وما رأيت مثل الربيع بن زياد رجلاً، ما كتب إليّ كتاباً قط إلا في جرّ منفعة أو دقع مضرّة، ولا سألته عن شيء قط غلا وجدت منه عنده علاً، ولا نظرته في شيء إلا وجدته قد سبق على الناس فيه، ولا سايرني قطّ فمسّت ركبته ركبتي. وحدّثنا أبو عبد الله نفطويه قال حدّثنا محمد بن يونس قال حدّثنا الأصمعيّ قال: توضأ أعرابيّ فبدأ بوجهه ورجليه ثم استنجى، فقيل له: أخطأت السّنّة؛ فقال: لم أكن أبداً لأبدأ بالخبيثة قبل جوارحي. " مطلب ما قال الشعراء في البكاء ووصف الدموع " وحدّثنا أيضاً قال حدّثنا أحمد بن يحيى النحوي قال حدّثنا عبد الله بن شبيب قال حدّثني القروي عن موسى بن جعفر بن أبي كثير قال: كان المجنون لمّا أصابه ما أصابه يخرج فيأتي الشام فيقول: أين أرض بني عامر؟ فيقال له: أين أنت عن أرض بني عامر؟ عليك بنجم كذا وكذا، فينصرف حتى يأتي أرض بني عامر فيقف عند جبل لهم يقال له: التّوباذ، وينشد: وأجهشت للتّوباذ حين رأيته ... وكبّر للرحمن حين رآني فأذريت دمع العين لمّا رأيته ... ونادى بأعلى صوته فدعاني فقلت له أين الذين عهدتهم ... حواليك في أمن وخفض زمان فقال مضوا واستودعوني بلادهم ... ومن ذا الذي يبقى على الحدثان وإني لأبكي اليوم من حذري غداً ... فراقك والحيّان مجتمعان سجالاً وتهتاناً ووبلا وديمة ... وسجاً وتسكاباً وتنهملان ثم يمضي حتى يأتي العراق فيقول مثل ذلك، ثم يأتي اليمن فيقول مثل ذلك. وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري عن أبيه عن أحمد بن عبيد عن أبي عمرو الشيباني للمجنون: ذد الدّمع حتى يظعن الحيّ إنما ... دموعك إن فاضت عليك دليل كأنّ دموع العين يوم تحمّلوا ... جمال على جييب القميص يسيل وأنشدنا أبو عبد الله بن نفطويه قال أنشدنا أحمد بن يحيى: ومستنجد بالحزن دمعاً كأنه ... على الخدّ ممّا ليس يرفأ حائر إذا ديمة منه استقلّت تهللّت ... أوائل أخرى ما لهنّ أواخر ملا مقلتيه الدمع حتى كأنه ... لما انهّل من عينيه في الماء ناظر وأنشدنا هذه اظلبيات أبو محمد عبد الله بن جعفر بن دستوريه النحوي عن أبي العباس محمد بن يزيد الثّمالي، وقال: قال أبو العباس: هذه الأبيات أحسن ما قيل في الدموع، وزاد في آخرها بيتاً: وينظر من بين الدموع بمقلة ... رمى الشّوق في إنسانها فهو ساهر وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله: نظرت كأنيّ من وراء زجاجة ... إلى الدار من ماء الصّبابة أنظر فعيناي طوراً تغرقان من البكا ... فأعشى وحيناً تحسران فأبصر وأنشدني أبو عبد الله نفطويه عن أحمد بن يحيى لذي الرمّة: وما شنّتا خرقاء واهيتا الكلي ... سقى بهما ساق ولمّا تبلّلا بأضيع من عينيك للدمع كلّما ... تذكّرت ربعاً أو توهمت منزلا
وحدّثني أبو بكر التاريخي قال: قال بشار: ما زال غلام من بني حنيفة يدخل نفسه فينا ويخرجها منّا حتى قال: نزف البكاء دموع عينك فاستعر ... عيناً لغيرك دمعها مدرار من ذا يعيرك عينه تبكي بها ... أرأيت عيناً للبكاء تعار وأنشدني أيضاً قال أنشدني البحتري لنفسه: وقفنا والعيون مشعّلات ... يغالب دمعها نظر كليل نهته رقبة الواشين حتى ... تعلّق لا يغيض ولا يسيل وأنشدني بعض أصحابنا لدعبل الخزاعي: يا ربع أين توجّهت سلمى ... أمضت فمهجة نفسه أمضى لا أبتغي سقي السحاب لها ... في مقلتي عوض من السّقيا وأنشدني جحظة لنفسه: ومن طاعتي إيّاه أمطر ناظري ... له حين يبدي من ثناياه لي برقا كأنّ دموعي تبصر الوصل هارباً ... فمن أجل ذا تجري لتدركه سبقا وكان أبو بكر بن دريد يستحسن قول أبي نواس في هذا المعنى: لا جزى الله دمع عيني خيرا ... وجزى الله كلّ خير لساني نمّ دمعي فليس يكتم شيئاً ... ورأيت اللسان ذا كتمان كنت مثل الكتاب أخفأه طيّ ... فاستدلّوا عليه بالعنوان وأنشدنا نفطويه لنفسه: قلبي عليك أرقّ من خدّيكا ... وقواي أوهى من قوى جفنيكما لم لا ترقّ لمن تعذّب نفسه ... ظلماً ويعطفه هواه عليكا وأنشدنا أبو بكر لنفسه: إن الذي أبقيت من جسمه ... يا مثلف الصّبّ ولم يشعر صبابة لو أنها دمعة ... تجول في جفنك لم تقطر قال الأصمعيّ: من أمثال العرب " لا يعدم شقيّ مهراً " أي لا يعدم شقى عناء. ويقال: " لا تعدم الحسناء ذاماً " يراد: لا يخلو الرجل من أن يكون به ما يعاب. ويقال: " ليس عليك نسجه فاسحب وجرّ " يضرب مثلاً للرجل يفسد ما لم يتعنّ فيه. ويقال: " الليل أخفى للويل " أي الستر أستر من المكاشفة. ويقال: " قبل الرّماء تملأ الكنائن " يراد به: قبل وقوع الأمر يعدّ له. وأنشدني أبو الميّاس البيت الأول من هذين البيتين، فأنشدته أبا بكر بن دريد، فزادني البيت الثاني: ولذّ كطعم الصّرخديّ تركته ... بأرض العدا من خشية الحدثان ومبد لي الشّحناء بيني وبينه ... دعوت وقد طال السّرى فدعاني لذّ يعني النوم. والصّرخديّ: العسل، كذا قال أبو المياس. والعدا: الأعداء. والحدثان: ما يحدث من الأمور. وقال أبو بكر: اللذّ: الذيذ، يعني النوم. والصّرخديّ: الخمر. وقوله: ومبدلى الشحناء يعني كلباً. وذلك أن الرجل إذا تحيّر في الليل فلم يدر أين البيت نبح، فتسمعه الكلاب فتنبح، فيقصد أصواتها؛ وهذا الذي تقول له العرب: المستنبح. ثم أنشدني: ومستنبح بات الصّدى يستتهيه ... فتاه وجور الليل مضطرب الكسر رفعت له ناراً ثقوباً زنادها ... تليح إلى الساري هلمّ إلى قدري فلما أتى والبؤس رادف رحله ... تلقّيته منّي بوجه أمرئ بشر فقلت له أهل كأهل فلم يجر ... بك الليل إلا للجميل من الأمر وكادت تطير الشّول عرفان صوته ... ولم تمس إلا وهي خائفة العقر " مطلب الكلام على مادة ب ش ر " قال أبو علي: بشر: مصدر بشرته أبشره بشراً، والبشر: الاسم، أراد بوجه امرئ ذي بشر، فحذف المضاف، وفي بشرت لغات، قال الكسائي: يقال: بشّرت فلاناً بخير أبشّره تبشيراً، وبشرته أبشره بشراً، وبشرته أبشره وبشوراً، وأبشرته أبشره إبشاراً في معنى واحد؛ وحكي عن بعضهم أنه قال: دخلت على الناطقي فبشرني ببشر حسن، قال: وسمعت أبا ثروان ورجلاً من غنىٍّ يقولان: بشرني فلان بخير وبشرته بخير. قال ويقال: أبشر فلان بخير، أي استبشر، وهو قول الله عزّ وجلّ: " وأبشروا بالجنّة " أي استبشروا، وكذا كلام العرب ؟ إذا أخبروا عن أنفسهم قالوا: قد أشبرنا، أي فرحنا. قال ويقال أيضاً: بشرت بهذا الأمر أبشر بشوراً، أي فرحت واستبشرت، على معنى أبشرت، وهي في قضاعة؛ وقرأ أبو عمرو: " إنّ الله يبشرك " بالتخفيف. " مطلب الكلام على مادة خ ف ى " وقال اللحياني: خفيت الشيء أخفيته خفياً وخفيّاً إذا استخرجته وأظهرته؛ وأنشد:
خفاهنّ من أنفاقهنّ كأنّما ... خفاهنّ ودق من سحاب مركّب قال أبو علي: وغيره يروى: من عشيّ مجلّب، أي مصوّب. ويقال: اختفيت الشيء، أي أظهرته. وأهل الحجاز يسمون النّبّاش: المختفى، لأنه يستخرج أكفان الموتى. وأخفيت الشيء أخفيه إخفاء إذا سترته؛ قال الله عزّ وجلّ: " أكاد أخفيها " وهي قراءة العامة والناس؛ وروى عن سعيد بن جبير: أنه كان يقرأ (أكاد أخفيها( أي أظهرها، وقال أبو عبيدة: أخفيت الشيء كتمته وأظهرته. ويقال: دعوت الله خُفية وخِفية، أي في خفض، قال الله عزّ وجلّ: " ادعوا ربّكم تضرعاً وخفية " وهي قراءة الناس والمجتمع عليها، وكان عاصم يقرأ " تضرّعاً وخفية " في جميع القرآن. وقال اللحياني وأبو نصر: الخافي: الجنّ. قال اللحياني يقال: أصابته ريح من الخوافي، وأصابته ويح من الخافي، وهو واحد الخوافي، وقال أبو نصر: الخوافي جمع الجمع، وسمعت أبا بكر بن دريد يقول: إنما قيل لهم خاف لخفائهم واستتارهم عن العيون. وقال اللحياني: الخوافي من السّعف: ما دون القلبة، واحدتها خافية، والخوافي من ريش الطائر: ما دون المناكب، وهي أربع ريشات. قال ويقال لأربع ريشات في مقدّم الجناح: القوادم، ثم تليها أربع ريشات مناكب، ثم تليها أربع ريشات خواف، ثم يلي الخوافي أربع أباهر. وقال غيره: في جناح الطائر عشرون ريشة مما يلي الجنب، فأربع قوادم، وأربع مناكب، وأربع كلي، وأربع خواف، وأربع أباهر. ويقال: برح الخفاء، أي ظهر الأمر، وصار كأنه في براح، وهو المكان المستوي المتّسع. وقال اللحياني قال بعضهم: برح الخفاء، أي ذهب السّر وظهر؛ والخفاء ههنا: السّر. وقال: الخفاء مصدر خفى يخفى خفاء؛ وقال بعضهم: الخفاء المتطأطئ من الأرض، وابراح: المرتفع الظاهر، فيقول: ارتفع المتطأطئ حتى صار كالمرتفع الظاهر؛ وقال أبو نصر: الخفاء: ما غاب عنك. " مطلب الكلام على مادة خيف وخوف " وقال اللحياني يقال: الناس أخياف في هذا الأمر، أي مختلفون لا يستوون. ويقال: خيّفت المرأة أولادها إذا جاءت بهم أخيافاً، أي مختلفين؛ ويقال: تخيّفت الإبل وتبرقطت إذا اختلفت وجوهها في المرعى. والخيف: ما ارتفع عن مجرى السيل وانحدر عن غلظ الجبل، ومنه مسجد الخيف بمنىً. ويقال: أخاف الرجل فهو مخيف إذا أتى الخيف، والقوم مخيفون. والخيف: جلد ضرع الناقة، يقال: ناقة خيفاء، والجمع خيفاوات وخيف، ويقال: بعير أخيف إذا كان واسع الخيف، وهو جلد الثّيل؛ وأنشدنا أبو نصر: صوّى لها ذا كدنة جلذيّا ... أخيف كانت أمه صفيّاً وقال اللحياني يقال: خيفت الناقة تخيف خيفاً إذا اتسع جلد ضرعها. ويقال: فرس أخيف، والأنثى خيفاء، والجمع خيف، إذا كانت إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء. والخيفان: الجراد إذا صارت فيها ألوان مختلفة، واحدتها خيفانة، وبه سميت الفرس خيفانة لسرعتها، وقال أبو بكر: إنما قيل للفرس خيفانة لأن الجرادة إذا ظهرت فيها تلك الألوان كان أسرع لطيرانها. وقال اللحياني: تخوّفت الشيء تنقّصته، قال الله عزّ وجلّ: " أو يأخذهم على تخوّف " أي على تنقصّ. ويقال: تحوّفت الشيء بالحاء غير معجمة، إذا أخذت من حافاته. وقال أبو نصر: وجمع مخيف إذا أخاف من ينظر إليه. وحائط مخوف، وغر مخوف، وطريق مخوف، إذا كان يفرق منه. وقال اللحياني: وقد يقال: ثغر مخيف إذا كان يخيف أهله. ويقال: خفت من الشيء أخاف خوفاً وخيفةً وخيفاً، وهو جمع خيفة، قال الهذلي: فلا تقعدنّ على زخّة ... وتضمر في القلب وجداً وخيفا والزّخّة: الدّفعة، يقال: زخّ في صدره يزخّ زخّاً، أي دفع، ومنه قيل للمرأة مزخّة. ويقال: فلان خائف والقوم خائفون وخوّف وخيّف، قال الله تبارك وتعالى: " أن تدخلوها إلا خائفين( " وفي حرف أبيٍّ وابن مسعود " أن يدخلوها إلا خيّفاً " والخافة: خريطة من أدم ضيّقة الرأس واسعة الاسفل، تكون مع مشتار العسل إذا صعد ليشتار. وحدّثنا أبو عبد الله نفطويه قال حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثني عميّ صبّاح بن خاقان قال قال خالد بن صفوان لبعض الولاة: قدمت فأعطيت كلاً بقسطه من وجهك وكرامتك، حتى كأنك لست من أحد، أو حتى كأنك من كل أحد. وأنشدني أبو بكر بن الأنباري قال أنشدني أبي عن أحمد بن عبيد:
ما لرسولي أتاني منك بالياس ... وقال أظهرت بعدي جفوة القاسي إني أحبّك حبذاً لا لفاحشة ... والحبّ ليس به في الله من باس وقرأت على أبي بكر بن دريد: ولمّا أبى إلا جماحاً فؤاده ... ولم يسل عن ليلى لمال ولا أهل تسلّى بأخرى غيرها فإذا التي ... تسلّى بها تعزى بليلى ولا تسلى وأنشدنا أبو عبد الله: يا منية النفس إن أعطيت منيتها ... وسؤلتي إن دنونا أو نأيناك هل بعثنا ببديل منذ لم نركم ... فما بشيء من الأشياء بعناك إن كنت لم تذكرينا عند فرقتنا ... فيشهد الله أنّا ما نسيناك وحدّثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: تذاكر قوم صلة الرّحم وأعرابي جالس، فقال: منسأة في العمر، مرضاة للرب، محبّة في الأهل. وحدّثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: وصف أعرابيّ ناقة فقال: إذا اكحالّت عينها، وأللت أذنها، وسجح خدّها، وهدل مشفرها، واستدارت جمجمتها، فهي الكريمة. قال أبو علي: سجح: سهل وحسن. وهدل: استرخى. وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا عبد الرحمن قال سمعت عمي يقول سمعت أعرابية تقول لرجل: رماك الله بليلة لا أخت لها، أي لا تعيش بعدها. وحدذثنا أبو بكر قال حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال قال أكثم بن صيفيّ: سوء حمل الفاقة يحرض الحسب، ويقويّ الضّرورة، ويذئر أهل الشّماتة. قال أبو علي: يذئر: يحرّش، يقال: أذرأته بأخيه إذا حرّشته عليه وأولعته به، وقد ذئر هو ذأراً حين أذرأته؛ قال الشاعر: ولقد أتاني عن تميم أنّهم ... ذرئوا لقتلي عامر وتغضّبوا وحدّثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال قال بعض العرب: أولى الناس بالفضل أعودهم بفضله، وأعون الأشياء على تذكية العقل التعلم، وأدلّ الأشياء على عقل العاقل حسن التدبير. وحدّثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال قال رجل من العرب: ما رأيت كفلان، إن طلب حاجة غضب قبل أن يردّ عنها، وإن سئل حاجة ردّ صاحبها قبل أن يفهمها. وحدّثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال قال بعض الأعراب: لا أعرف ضراً أوصل إلى نياط القلب من الحاجة إلى من لم تثق بإسعافه ولا تأمن ردّه، وأكلم المصائب فقد خليل لا عوض منه. وحدّثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: ذكر رجل حاتماً الطائي فقال: كان إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا أسر أطلق. وحدّثنا قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: قيل لأعرابي: أيّ شيء أمتع؟ فقال: ممازحة المحبّ، ومحادثة الصديق، وأمانيّ تقطع بها أيّامك. وحدّثنا قال حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابياً يقول: من لم يرض عن صديقه إلا بإيثاره على نفسه دام سخطه، ومن عاتب على كل ذنب كثر عدّوه، ومن لم يؤاخ من الإخوان إلا من لا عيب فيه قلّ صديقه. وأنشدنا أبو عبد الله: الرّمح لا أملأ كفي به ... واللّبد لا أتبع تزاوله يقول: لا أقاتل بالرمح وحده فأشغل كفي به دون غيره من السلاح، ولكني أقاتل به وبغيره، وإذا زال اللّبد عن متن الفرس لم أزل معه وثبتّ؛ يصف نفسه بالفروسية. وحدّثنا أبو بكر ابن الأنباري قال حدّثنا عبد الله بن خلف عن موسى بن صالح عن معاوية بن صدقة الجحدريّ قال: كان رجل من مجاشع يقال له: سعد بن مطرّف، يهوى ابنة عمّ له يقال لها: سعاد، فكان يأتيها ويتحدث إليها ولا يعلمها بما هو عليه من حبّها، حتى سلّ جسمه ونحل بدنه، فبينا هو ذات يوم معها جالس إذ نظر إليها وأنشأ يقول: وما عرضت لي نظرة مذ عرفتها ... فأنظر إلا مثّلت حين أنظر أغار على طرفي لها فكأنني ... إذا رام طرفي غيرها لست أبصر وأحذر أت تصغي إذا بحت بالهوى ... فأكتمها جهدي هواي وأستر فلّما سمعت ذلك منه ساءها وكرهت أن ينشر خبرهما، فأقصته وأظهرت هجره؛ فكتب إليها: متّ شوقاً وكدت أهلك وجداّ ... حين أبدى الحبيب هجراً وصدّا بأبي من إذا دنوت إليه ... زادني القرب منه نأياً وبعدا لا وحبّيه لا وحقّ هواه ... ما تناسيته ولا خنت عهدا حاش لله أن أكون خلّيا ... من هواه وقد تقطّعت وجدا كيف لا كيف عن هواه سلوّى ... وهو شمس الضحى إذا ما تبدّى فكانت تحب مواصلته؛ وتشفق من الفضيحة فتظهر هجره وتبعده، فلم يزل عليل البدن والقلب. وأنشدنا أبو بكر الأنباري قال أنشدني أبي: ألمّت وهل إلمامها لك نافع ... وزادت خيالاً والعيون هواجع بنفسي من تنأى ويدنو خيالها ... ويبذل عنها طيفها ويمانع خليليّ أبلاني هوى متمنع ... له شيمة تأبى وأخرى تطاوع وإن شفاء النفس لو تعلمينه ... حبيب موات أو شباب مراجع وأنشدنا أبو بكر بن دريد للمجنون: وإني لأستغشي وما بي نعسة ... لعلّ خيالاً منك يلقى خياليا وأخرج من البيوت لعلني ... أحدّث عنك النفس في السر خاليا أصبراً ولمّا تمض لي غير ليلة ... رويد الهوى حتى يغبّ لياليا أرى الدهر والأيام تفنى وتنقضي ... وحبّك ما يزداد إلا تماديا وأنشدنا أبو عبد الله بن نفطويه لمجنون: وعلّقت ليلى وهي غر صغيرة ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا ... إلى الآن لم نكبر ولم تكبر البهم وأنشدنا أبو عبد الله أيضاً في هذا المعنى لخالد بن المهاجر: أمست منازلكم بمكّة منكم ... قفراً وأصبحت المعالم خالية لو كنت أملك رجعكم لرجعتكم ... قد كنتم زينى بها وجماليه علّقتها غراً غلاماً ناشئاً ... غضّ الشّباب وعلّقتني جاريه حتى استوينا لم تزل لي خلّة ... أبكي إذا ظعنت بعين باكيه وأنشدنا أيضاً: إذا حجبت لم يكفك البدر فقدها ... وتكفيك فقد البدر إن حجب البدر وحسبك من خمر تفوتك ريقها ... ووالله ما من ريقها حسبك الخمر وأنشدنا أيضاً: قد قلت للبدر واستعبرت حين بدا ... يا بدر ما فيك لي من وجهها خلف تبدو لنا كلّما شئنا محاسنها ... وأنت تنقص أحياناً وتنكسف وقرأت على أبي بكر بن دريد لجميل بن معمر العذري: تنادى آل بثينة بالرّواح ... وقد تركوا فؤادك غير صاح فيالك منظراً ومسير ركب ... شجاني حين أمعن في الفياح ويا لك خلّة ظفرت بعقلي ... كما ظفر المقامر بالقداح أريد صلاحها وتريد قتلي ... فشتّى بين قتلي والصلاح لعمر أبيك لا تجدين عهدي ... كعهدك في المودّة والسّماح ولو أرسلت تستهدين نفسي ... أتاك بها رسولك في سراح وقرأت عليه أيضاً: فإن يك جثماني بأرض سواكم ... فإنّ فؤادي عندك الدّهر أجمع إذا قلت هذا حين أسلو وأجتري ... على صرمها ظلّت لها النّفس تشفع وإن رمت نفسي كيف آتي لصرمها ... ورمت صدوداً ظلّت العين تدمع وكتبت من كتاب أبي بكر بن دريد رحمه الله وقرأت عليه أيضاً قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه: ألا يا كأس قد أفنيت قولي ... فلست بقائل إلا رجيعا ولست بنائم إلا بهمّ ... ولا مستيقظ إلا مروعا أؤمّل أن ألاقي آل كأس ... كما يرجو أخو السّنة الرّبيعا وإنك لو نظرت فدتك نفسي ... إلى كبدي وجدت بها صدوعا وقرأت عليه أيضاً: ولما بدا لي منك ميل مع العدى ... سواي ولم يحدث سواك بديل صددت كما صدّ الرّميّ تطاولت ... به مدّة الأيام وهو قتيل وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا إبراهيم بن عبد الله الورّاق: نزفت دمعي وأزمعت الفراق غداً ... فكيف أبكي ودمع العين منزوف واسأتا من عيون العاشقين غداً ... إذا رحلت ودمع العين موقوف وأنشدنا قال أنشدنا أبو الحسن بن البراء لإبراهيم بن المهديّ:
لم ينسنيك سرور لا ولا حزن ... وكيف لا كيف ينسى وجهك الحسن ما زلت مذ كلفت نفسي بحبكم ... كلّى بكلّك مشغول ومرتهن نور تجسّم من شمس ومن قمر ... حتى تكامل منه الرّوح والبدن قال أبو بكر: ويروى: ولا خلا منك قلبي لا ولا بدني ... كلّى بكلّك مشغول ومرتهن قال أبو بكر وأنشدني أبي للحسن بن وهب: بأبي كرهت النار لما أوقدت ... فعرفت ما معناك في إبعادها هي ضرّة لك بالتماع ضيائها ... وبحسن صورتها لدى إيقادها وأرى صنيعك بالقلوب صنيعها ... بسيالها وأراكها وعرادها شركتك في كل الأمور بحسنها ... وضيائها وصلاحها وفسادها وقرأت علىأبي بكر بن دريد لأبي الشّيص: وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخّر عنه ولا متقدّم أجد الملامة في هواك أحبّهم ... حبّاً لذكرك فليلمني اللّوّم أشبهت أعدائي فصرت أحبّهم ... إذ صار حظّي منك حظّي منهم وأهنتني فأهنت نفسي صاغراً ... ما من يهون عليك ممن أكرم وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدني أبو الحسن بن البراء لإبراهيم بن المهدي: إذا كلّمتني بالعيون الفواتر ... رددت عليها بالدموع البوادر فلم يعلم الواشون ما دار بيننا ... وقد قضيت حاجاتنا بالضمائر أقاتلتي ظلماً بأسهم لحظها ... أما حكم يعدىعلى طرف جائر فلو كان للعشّاق قاض من الهوى ... إذاً لقضى بين الفؤاد وناظري قال أبو بكر: وسرق هذا المعنى خالد الكاتب فقال: أعان طرفي على جسمي وأحشائي ... بنظرة وقفت جسمي على دائي وكنت غرّاً بما يجنى على بدني ... لا علم لي أن بعضي بعض أدوائي وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو الحسن بن البراء لبعض شواعر الأعراب: ولو نظروا بين الجوانح والحشا ... رأوا من كتاب الحبّ في كبدي سطرا ولو جرّبوا ما قد لقيت من الهوى ... إذاً عذروني أو جعلت لهم عذرا صددت وما بي من صدود ولا قلىً ... أزورهم يوماً وأهجرهم شهرا وأنشدني أيضاً قال أنشدني علي بن محمد المدائني قال أنشدنا أبو الفضل الربعيّ الهاشمي قال أنشدنا إسحاق بن ابراهيم الموصلي: أخاف عليها العين من طول وصلها ... فأهجرها الشهرين خوفاً من الهجر وما كان هجراني لها عن ملالة ... ولكنني أمّلت عاقبة الصبر أفكّر في قلبي بأيّ عقوبة ... أعاقبه فيكم لترضوا فما أدري سوى هجركم والهجر فيه دماره ... فعاقبته فيكم من الهجر بالهجر فكنت كمن خاف النّدى أن يبلّه ... فعاذ من الميزاب والقطر بالبحر وقال أبو زيد: من أمثال العرب " برّق لمن لا يعرفك " يضرب مثلاً للذي يوعد من يعرفه؛ يقول: اصنع هذا بمن لا يعرفك. وقال الأصمعيّ: ومن أمثالهم " حرّك خشاشه " إذا عمل بما يؤذيه. ويقال: " ضرب لذلك الأمر جروته " أي وطّن عليه نفسه. ويقال: " لوى عنه عذاره " أي عصاه فلم يطعه في أمره. ويقال: " شرّاب بأنقع " أي معاود للأمور يأتيها مرة بعد مرة. وسألنا أبا عبد الله عن بيت أبي العميثل بعد أن قرأناه على أبي بكر بن دريد مصححين له: أيام ألحف مئزري عفر الملا ... وأعضّ كلّ مرجّل ريّان فأخبرنا عن أحمد بن يحيى بهذا التفسير قال ألحف: ألبس. والعفر: التراب، يقول: أجرّه عليه من الخيلاء والنشاط. والملا: الفضاء. وأغضّ: أنقصه وأشرب ما فيه. والمرجّل: زقّ سلخ من قبل رجله. وريّان: ممتلئ؛ قال وقال سعدان، أنشدنيه أبو العميثل وهذا معناه؛ وقال ابن الأعرابيّ أغضّ: أكفّ. والمرجّل: الشّعر يرحّل ويهيّأ، وريّان من الدّهن، وهو كقول الأعشى: ولقد أرجّل جمّتي بعشيّة ... للشرب قبل سنابك المرتاد ولم ينكر القول الأول، وقال: قد سمعته من قائله. " مطلب الكلام في تفسير مادة أكل "
وقال أبو نصر: إنه لذو أكلة في الناس، أي ذو نميمة ووقيعة؛ وقال أبو عبيد عن الأصمعيّ: إنه لذو أكلة في الناس وأكلة، أي ذو غيبة يغتابهم؛ وقال اللحياني: إنه لذو أكلة وإكلة للحوم الناس. وقالوا جميعاً الأكلة: اللّقمة، يقال: ما أكلت إلا أكلة، والأكلة الفعلة: الوتحدة من الأكل . الإكلة: الحال التي تأكل عليها قاعداً أو متكئاً. وقال اللحياني الأكال: ما يؤكل، يقال: ما ذقت اليوم أكلاً. والأكلة غير ممدود والإكلة والأكال: الحكّة، يقال: إنه ليجد أكلة على فعلة، وإكلة وأكالاً؛ ويقال: أكلت الناقة تأكل أكلاً إذا نبت وبر جنينها في بطنها فوجدت لذلك حكّة وأذى، وناقة أكلة على فعلة. وقال الأصمعيّ: بأسنانه اكل إذا كانت متأكّلة، وقال أبو نصر: يقال: كثرت الآكلة في أرض بني فلان، أي الراعية؛ وقال اللحياني: الأكلة على فعلة. وقال الأصمعيّ: تأكّل السيف تأكّلاً إذا توهّج من الحدّة؛ قال أوس بن حجر: وأبيض صوليّاً كأن غراره ... تلألؤ برق في حبّي تأكّلا وزاد اللحياني، والتأكّل: شدة بريق الكحل إذا كسر أو الفضة أو الصّبر. وقالوا جميعاً: فلان ذو أكل إذا كان ذا حظّ ورزق في الدنيا، والجميع الآكال. وقال اللحياني: يقال: أكل بستانك دائم، أي ثمره. وقال أبو نصر والأصمعي: ثوب ذو أكل إذا كان كثير الغزل صفيقاً. وإنه لذو أكل إذا كان ذا رأي وعقل، وقال اللحياني فيهما بالتقيل أكل. وقال اللحياني الأكيل: الطعام المأكول، والأكيل: الذي يأكل معك رجلاً كان أو امرأة، يقال: هذا أكيلي وهذه أكيلي، ولغة أبي الجراح: هذة أكيلتي. ورجل أكول، وقوم أكّال وأكلة، يقال: هم أكلة رأس، أي قليل بقدر ما يشبعهم رأس. وقال اللحياني والمئكلة: ضرب من البرام، وضرب من الأقداح؛ وكلّ ما أكل فيه فهو مئكلة، والجمع مآكل. ورجل وكل، أي ضعيف ليس بنافذ. ورجل أكلة، أي كثير الأكل وأنشدنا أبو عبد الله بن نفطويه: أيا زينة الدنيا التي لا ينالها ... مناي ولا يبدو لقلبي صريمها بعيني قذاة من هواك لو أنها ... تداوي بمن أهوى لصحّ سقيمها وبرء قذاة العين إن لم يكن لها ... طبيب يداوي نظرة تستديمها فما صبرت عن ذكرك النفس ساعة ... وإن كنت أحياناً كثر ألومها عليّ نذور تبرز خالياً ... لعيني وأيام كثير أصومها وحدّثني أبو يعقوب ورّاق أبي بكر بن دريد قال حدّثني محمد بن الحسن عن المفضل بن محمد ابن العلاف قال: لما قدم بغاء ببني نمير أسرى، كنت كثيراً ما أذهب إليهم فأسمع منهم وكنت لا أعدم أن ألقى الفصيح منهم، فأتيتهم يوماً في عقب مطر، إذا فتىً حسن الوجه قد نهكه المرض ينشد: ألا يا سنا برق على قلل الحمى ... لهنّك من برق عليّ كريم لمعت اقتذاء الطّير والقوم هجّع ... فهيّجت أسقاماً وأنت سليم فهل من معير طرف عين خليّة ... فإنسان طرف العامري كليم رمى طرفه البرق الهلالي رمية ... بذكر الحمى وهناً فبات يهيم فقلت له: يا هذا إنك لفي شغل عن هذا؛ فقال: صدقت، ولكن أنطقتني البرق؛ ثم اضطجع فما كان ساعة حتى مات، فما يتوهّم عليه غير الحب . وكان أبو بكر بن دريد - رحمه الله - كثراً ما ينشد آخر بيت من هذه الأبيات، ثم أنشدني يوماً: ثقي بجميل الصبر منّى على الدهر ... ولا تثقي بالصّبر على الهجر وإني لصبّار على ما ينوبني ... وحسبك أن الله أثنى على الصبر ولست بنظّار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس للمجنون: أصلّي فما أدري إذا ذكرتها ... أثنتين صلّيت الضّحى أم ثمانيا أراني إذا صلّيت يممّت نحوها ... بوجهي وإن كان المصلّى يمانيا وما بي إشراك ولكنّ حبّها ... كعود الشّجا أعيا الطبيب المداويا كطلب ما قالته بعض نساء العرب تصف زوجها بمكارم الأخلاق لأمّها وحدثنا أبو بكر - رحمه الله - قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: وصفت أعرابية زوجها بمكارم الأخلاق عند أمها فقالت: يا أمّه، من نشر ثوب الثناء فقد أدّى واجب الجزاء؛ وفي كتمان الشّكر جحود لما وجب من الحق، ودخول في كفر النّعم؛ فقالت لها أمها: أي بنيّة! أطبت الثناء، وقمت بالجزاء، ولم تدعي للذم موضعاً؛ إني وجدت من عقل لم يعجل بذمٍّ ولا ثناء إلا بعد اختبار؛ فقالت: يا أمّه، ما مدحت حتى اختبرت، ولا وصفت حتى عرفت. وحدثنا أيضاً عن العكليّ عن ابن أبي خالد عن الهيثم قال: كتب مالك بن أسماء بن خارجة إلى الهيثم بن الأسود الخعيّ، يشكر له قيامه بأمر رجل من آل حذيفة بن بدر عند الحجّاج حتى خلّصه منه: أما بعد، فإنه لما كلّت الألسن عن بلوغ ما استحققت من الشكر، كان أعظم الحيل عنديفي مكافأتي إخلاصكصدق الضمير، وكما لم نعرف الزيادة في العلا إذ جريت غاية طولك جهلنا غاية الثناء عليك، فليس لك من الناس إلا ما ألهموا من محبتك، فأنت كما وصف الواصف إذ يقول: فما تعرف الأوهام غاية مدحه ... يقيناً كما ليست بغايته تدري وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثني أبي عن بعض أصحابه قال: وقّع جعفر بن يحيى بن خالد ابن برمك في كتاب صديق له: ما جاوزتني نعمة خصصت بها، ولا قصرت دوني ما كان بك محلّها. قال: ووقّع إلى عمرو بن مسعدة، إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيراً، وإذا كان الإيجاز كافياً كان الإكثار عيّاً. وحدثنا أيضاً عن أبيه عن أحمد بن عبيد قال أخبرنا العتبي عن أبيه قال: أتت رملة بنت معاوية مراغمة لزوجها عمرو بن عثمان بن عفّان فقال: مالك يا بنيّة؟ أطلّقك زوجك؟ قالت: لا، الكلب أضنّ بشحمته، ولكنه فاخرني، فكلما ذكر رجلاً من قومه ذكرت رجلاً من قومي، حتى عدّ ابني منه، فوددت أن بيني وبينه البحر الأخضر؛ فقال لها: يا بينة، آل أبي سفيان أقل حظاً في الرجال من أن تكوني رجلاً. وحدثني أبو بكر بن دريد رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: مر أعرابي برجل يكنى أبا الغمر، وكان ضخماً جسيماً، وكان بوّباً لبعض الملوك، فقال: أعن الفقير الحسير، فقال: ما ألحف سائلكم، وأكثر جائعكم! أراحنا الله منكم؛ فقال له الأعرابي: لو فرّق قوت جسمك في جسوم عشرة منا لكفانا طعامك في يوم شهراً، وإنك لعظيم الّرطة، شديد الضّرمة؛ لو ذرّى بحبقتك بيدر لكفته ريح الجربياء. وحدثنا أبو عبد الله نفطويه قال حدّثنا محمد بن موسى السامي قال حدّثنا الأصمعيّ قال: دخل رجل من الأعراب على رجل من أهل الحضر فقال له الحضريّ: هل لك إلى أن أعلّمك سورة من كتاب الله؟ فقال: إني أحسن من كتاب الله ما إن علمت به كفاني؛ قال: وما تحسن؟ قال: أحسن سوراً؛ قال: اقرأ؛ فقرأ فاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد، وإّنا أعطيناك الكوثر؛ فقال له الرجل: اقرأ السورتين - يريد المعوذتين - ؛ فقال: قدم عليّ ابن عمّ لي فوهبتهما له، ولست براجع في هبتي حتى ألقى الله. وحدثنا أبو بكر - رحمه الله - قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: سمع يونس رجلاً ينشد: استودع العلم قرطاساً فضيّعه ... وبئس مستودع العلم القراطيس قال: قاتله الله! ما أشد صبابته بالعلم وصيانته للحفظ! إنّ علمك من روحك، ومالك من بدنك، فصن علمك صيانتك روحك، ومالك صيانتك بدنك. وقرأت على أبي بكر بن دريد للنمر بن تولب: أودى الشباب وحبّ الخالة الخلبه ... وقد برئت فما بالصدر من قلبه وقد تثلّم أنيابي وأدركني ... قرن عليّ شديد فاحش الغلبه وقد رمى بسراه اليوم معتمداً ... في المنكبين وفي الساقين والرّقبة
أودى: ذهب وهلك. والخالة جمع خائل، مثل بائع وباعة. والخلبة جمع خالب، مثل كافر وكفرة؛ يخبر أنه شيخ قد ترك صحبة الشباب والفتيان، وهم الخالة الخلبة الذين يختالون في مشيتهم ويخلبون النساء. ثم قال: برئت، أي برئ صدري من ودّهم والعلاقة بهم، فما به قلبه من ودّهم، يقال للإنسان وغريه من الحيوان: ما به قلبه، أي ما به وجع ولا مكروه، وأصله من القلاب، قال الأصمعيّ: القلاب: أن تصيب الغدّة القلب، فإذا أصابته لم يلبث البعير أن تقتله. وقوله أدركني قرن: يعني الهرم. وقوله: " وقد رمى بسراه اليوم معتمداً " فالسّرى جمع سروة، مثل رشوة ورشى، وهو نصل السهم إذا كان مدّوراً مدملكاً ولا عرض له؛ يريد أن الهرم قد رمى بسهامه في جميع جسده فأضعفه، كما قال: " في المنكبين وفي الساقين والرقبة " وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم قال: سمعت الأصمعيّ كثيراً ما يقول: من قعد به نسبه، نهض به أدبه. وأنشدنا أبو بكر بن دريد الخارجة بن فليح المللي: أحنّ إلى ليلى وقدشطّ وليها ... كما حنّ محبوس عن الإلف نازع إذا خوّفتني النفس بالنأي تارة ... وبالصّرم منها أكذبتها المطامع أكلّ هواك الطّرف عن كل بهجة ... وصمّت عن الداعي سواك المسامع وقرأت عليه لجميل بن معمر العذري: ألم تعلمي يا عذبة الماء أنني ... أظلّ إذا لم أسق ماءك صاديا وما زلت بي يا بثن حتى لو أنني ... من الوجد أستبكي الحمام بكى ليا وددت على حبّ الحياة لو أنها ... يزاد لها في عمرها من حياتيا وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى: ومستوحش للبين يبدي تجلدا ... كما أوحش الكفين فقد الأصابع وكم قد رأينا من قتيل لخلّة ... بسهم التّجنيّ أو بسهم التقاطع وكم واثق بالدهر والدهر مولع ... بتألي شتى أو بتفريق جامع وأنشدنا أيضاً قال أنشدنا إبراهيم بن عبد الله لعليّة بنت المهدي: تجنّب فإن الحبّ داعية الحبّ ... وكم من بعيد وهو مستوجب القرب تفكّر فإن حدّثت أن أخا هوى ... نجا سالماً فارج النّجاة من الحب فأحسن أيام الهوى يومك الذي ... تروّع بالتحريش منه وبالعتب إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضا ... فأين حلاوات الرسائل والكتب وقال الأصمعيّ: من أمثال العرب " إنّه لساكن الرّيح " يقال ذلك للرجل الوادع. ويقال: " إنّه لواقع الطائر " مثل للرجل الساكن الأمر. ويقال: " في رأسه نعرة " مثل للرجل الطامح الرأس، الذي لا يستقر. ويقال: " الخرق شؤم " يراد به أن الرجل إذا خرق في أمر دخل عليه شؤمه. ويقال: " الرّفق يمن " وهو خلافه. " مطلب تفسير مادة ك ل ل " وقال أبو نصر يقال: كلّ بصره يكلّ كلولا، وكلّ لسانه يكلّ كلّة وكلولا، وكلّ السيف كلّة وكلاً إذا لم يقطع، وكلّ في الإعياء كلالا، وكلّل يكلّل تكليلا إذا حمل على القوم، يقال: كلّل تكليلة السّبع. والكلالة: ما دون الوالد والولد، وانكلّت المرأة إذا ما تبسمت، وانكلّ السحاب إذا ما تبسم بالبرق، وكلأ يكلّئ تكلئة وتكليئاً، وكلّى تكلية إذا أتى مكاناً فيه مستتر، والكلاء والمكلا: مكان ترفأ فيه السفن، وهو ساحل كل نهر. قال أبو علي وقال أبو زيد: كلأ القوم السفينة تكليئاً إذا حبسوها. وكلأت في الطعام تكليئاً وأكلأت إكلاء إذا أسلفت فيه. وما أهطيت فيه من الدراهم نسيئة فهي الكلاة. قال أبو عليّ وقال أبو نصر: الكالئ: الدّين المؤخر، لم يهمزه الأصمعي وهمزه غيره. وأنشدني الأصمعيّ: وإذا تباشرك الهمو ... م فإنّها كال وناحز وفي الحديث عن النبي ﷺ: أنه نهى عن الكالئ بالكالئ كأنه نهى عن الدين بالدين، وهو النسئة بالنسيئة؛ وأبو عبيدة يهمز الكالئ. ويقال: تكلأت كلأة إذا استنسأت. ويقال: بلغ الله بك أكلأ العمر، يعني آخره. ويقال: اكتلأت من الرجل اكتلاء إذا احترست منه، واكتلأت عيني اكتلاء إذا لم تنم وسهرت. " مطلب ما وقع بين المأمون والجارية بحضرة هارون الرشيد "
وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثني أبي قال حدّثني عبد الله بن عمرو بن عبد الرحمن الورّاق قال حدّثنا المفضل بن حازم قال حدّثنا منصور البرمكي قال: كان لهارون الرشيد جارية غلاميّة، - يعني وصيفة على قدّ الغلام - وكان المأمون يميل إليها وهو إذ ذاك أمرد، فوقفت يوماً تصبّ على يد الرشيد من إبريق معها، والمأمون جالس خلف الرشيد؛ فأشار المأمون إليها كأنه يقبلّها، فأنكرت ذلك بعينيها، وأبطأت في الصبّ على مقدار نظرها إلى المأمون وإشارتها إليه؛ فقال الرشيد: ما هذا! ضعي الإبريق من يدك، ففعلت؛ فقال: والله لئن لم تصدقيني لأقتلنك، فقالت: يا سيدي، أشار إليّ عبد الله كأنه يقبلني فأنكرت ذلك؛ فالتفت إلى المأمون ونظر إليه كأنه ميّت لما دخله من الجزع والخجل، فرحمه وضمّه إليه وقال: يا عبد الله، أتحبها؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين؛ قال: هي لك، قم فادخل في تلك القبة، ففعل؛ ثم قال: هل قلت في هذا الأمر شعراً؟ قال: نعم يا سيدي، ثم أنشد: ظبي كتبت بطرفي ... من الضمير إليه قبلته من بعيد ... فاعتلّ من شفتيه ورد أخبث رد ... بالكسر من حاجبيه فما برح مكاني ... حتى قدرت عليه " مطلب ما قيل في عناق الحبيب " ومن أحسن ما قيل في العناق ما أنشدناه أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا عبد الله بن خلف قال: أنشدني أحمد بن يحيى بن أبي فنن: خلوت فنادمتها ساعة ... على مثلها يحسد الحاسد كأنّا وثوب الدجى مسبل ... علينا لمبصرنا واحد قال أبو بكر: وسرق هذا المعنى ابن المعتز فقال: ما أقصر الليل على الراقد ... وأهون السّقم على العائد يفديك ما أبقيت من مهجتي ... لست لما أوليت بالجاحد كأنني عاتقت ريحانة ... تنفّست في ليلها البارد فلو ترانا في قميص الدجى ... حسبتنا من جسد واحد وأحسن في ذها المعنى علي بن العباس الرومي وأنشدناه الناجم عنه: أعانقها والنفس بعد مشوقة ... إليها وهل بعد العناق تداني وألثم فاهاكي تموت حرارتي ... فيشتدّ ما ألقى من الهيمان ولم يك مقدار الذي بي من الهوى ... ليشفيه ما ترشف الشفتان كأن فؤادي ليس يشفى غليله ... سوى أن يرى الروحان يمتزجان ولبعضهم في هذا المعنى: رأيت شخصك في نومي يعانقني ... كما يعانق لام الكاتب الألفا ولبشار: فبتنا معاً لا يخلص الماء بيننا ... إلى الصبح دوني حاجب وستور أخذ منه علي بن الجهم فقال: فبتنا جميعاً لو تراق زجاجة ... من الخمر فيما بيننا لم تسرّب " ما قيل في وصف الشعر بفتح الشين " وأحسن ما قيل في الشعر قول ابن الرومي أنشدناه الناجم عنه: وفاحم وارد يقبّل مم ... شاه إذا اختال مرسلاً غدره أقبل كالليل من مفارقه ... منحدراً لا يذم منحدره حتى تناهى إلى مواطئه ... يلثم من كل موطئ عفره كأنه عاشق دنا شغفاً ... حتى قضى من حبيبه وطره وقرأت على أبي بكر بن دريد لبكر بن النطاح: بيضاء تسحب من قيام فرعها ... وتغيب فيه وهو وحف أسحم فكأنها فيه نهار ساطع ... وكأنه ليل عليها مظلم ولمسلم: أجدك ما تدرين أن ربّ ليلة ... كأنّ دجاها من قرونك تنشر وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله لعبد الله بن المعتز: سقتني في ليل شبيه بشعرها ... شبيهة خديها بغير رقيب فأمسيت في ليلين بالشعر والدجى ... وشمسين من خمر وخدّ حبيب " مطلب ما قيل في فتور الطرف " ومن أحسن ما قيل في فتور الطّرف قول أبي النواس: ضعيفة كرّ الطّرف تحسب أنها ... قريبة عهد بالإفاقة من سقم وقرأت على أبي بكر بن دريد لنفسه: ليس السليم سليم أفعى حرة ... لكن سليم المقلة النجلاء نظرت ولا وسن يخالط عينها ... نظر المريض بسورة الإغفاء
ولعبد الله بن المعتز: وتجرح أحشائي بعين مريضة ... كما لان متن السيف والحدّ قاطع عليم بما يخفى فؤادي من الهوى ... جواد يهجراني وللوصل مانع وأنشدنا أبو بكر التاريخي قال أنشدني البحتري لنفسه: وفي القهوة أشكال ... من الساقي وألوان حباب مثل ما يض ... حك عنه وهو جذلان وسكر مثل ما أسك ... ر طرف منه وسنان وطعم الريق إذ جاد ... به الصّب هيمان لنا من كفّه راح ... ومن ريّاه ريحان وقرأت على أبي بكر بن دريد لعديّ بن الرّقاع: وكأنها وسط النساء أعارها ... عينيه أحور من جاذر طاسم وسنان أقصده النعاس فرنقت ... في عينه سنة وليس بنائم " مطلب ما قيل في الريق " ومن أحسن ما قيل في الريق ما أنشدناه أبو بكر بن الأنباري لبشار: يا أطيب الناس ريقاً غير مختبر ... إلا شهادة أطراف المساويك منّيتنا زورة في النوم واحدة ... فاثنى ولا تجعليها بيضة الديك يا رحمة الله حلي في منازلنا ... حسبي برائحة الفردوس من فيك ولعلي بن العباس الرومي أنشدناه الناجم عنه: تعلّك ريقاً يطرد النوم برده ... ويشفي القلوب الحائمات الصواديا وهل ثغب حصباؤه مثل ثغرها ... يصادف إلا طيب الطعم صافيا وله أيضاً أنشدناه الناجم عنه: يا ربّ ريق بات بدر الدجى ... يمجه بين ثناياكا يروي ولا ينهاك عن شربه ... والماء يرويك وينهاكا " من أحسن ما قيل في طروق الخيال " ومن أحسن ما قيل في طروق الخيال قول البحتري - وهو أحد المحسنين فيه حتى قيل: طيف البحتري - أنشدنيه التاريخي عنه: ألمت بنا بعد الهدوء فسامحت ... بوصل متى تطلبه في الجد تمنع وولت كأن البين يخلج شخصها ... أوان تولت من حشاي وأضلعي وأنشدنا بعض أصحابنا للمؤمل: أتاني الكرى ليلاً بشخص أحبه ... أضاءت له الآفاق والليل مظلم فكلمني في النوم غير مغاضب ... وعهدي به يقظان لا يتكلم وذكر العباس بن الأحنف ما العلة في طروق الخيال فقال: خيالك حين أرقد نصب عيني ... إلى وقت انتباهي لا يزول وليس يزورني صلة ولكن ... حديث النفس عنك به الوصول وتبعه الطائي فقال: زار الخيال لها لابل أزاركه ... فكر إذا نام فكر الخلق لم ينم ظبي تقنّصته لما نصبت له ... في آخر الليل أشراكاً من الحلم وأنشدنا علي بن هارون المنجم لعلي بن يحيى المنجم: بأبي والله من طرقا ... كابتسام البرق إذ خفقا زارني طيف الحبيب فما ... زاد أن أغرى بي الأرقا " من أحسن ما قيل في مشي النساء " ومن أحسن ما قيل في مشي النساء ما أنشدناه صاحبنا أبو علي بن الأعرابي: شبهت مشيتها بمشية ظافر ... يختال بين أسنّة وسيوف صلف تناهت نفسه في نفسه ... لمّا انثنى بسنانه المرعوف وقرئ على أبي بكر بن الانباري في شعر ابن مقيل وأنا أسمع: يززن للمشي أوصالاً منعمة ... هزّ الجنوب معاً عيدان يبرينا أو كاهتزاز رديني تناوله ... أيدي التجار فزادوا متنه لينا يمشين هيل النقا مالت جوانبه ... ينهال حيناً وينهاه الثرى حينا ولعمر بن أبي ربيعة قرأته على أبي عبد الله بن نفطويه: أبصرتها غدوة ونسوتها ... يمشين بين المقام والحجر بيضاً حساناً خرائدا قطفا ... يمشين هوناً كمشية البقر قد فزن بالحسن والجمال معاً ... وفزن رسلاً بالدل والخفر وللعباس بن الأحنف: شمس مقدرة في خلق جارية ... كأنّما كشحها طيّ الطوامير كأنها حين تمشي في وصائفها ... تمشي على البيض أو زرق القوارير " مطلب ما قيل في الحسن " ومما قيل في الحسن:
إذا عبتها شبهتها البدر طالعاً ... وحسبك من عيب لها شبه البدر وأنشدنا الناجم لنفسه في غير هذا المعنى: طالبت من شرد نومي وذعر ... بقبلة تحسن في القلب الأثر فقال لي مستعجلاً وما انتظر ... ليس لغير العين حظ في القمر أخذه من علي بن الجهم حيث يقول: وقلن لنا نحن الأهلة غنما ... نضئ لمن يسري بليل ولا نقرى فلا نيل إلا ما تزود ناظر ... ولا وصل إلا بالخيال الذي يسرى " ما قيل في القيان والعود " ومن أحسن ما قيل في قينة: من كفّ جارية كأن بنانها ... من فضة قد طرقت عنابا وكأن يمناها إذا نطقت بها ... تلقى على يدها الشمال حسابا وحدّثنا أبو عبد الله بن نفطويه قال حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال: سمع بعض العرب صوت العود، فقيل له: ما تسمع؟ فقال: حسناً، ولكن اقطع هذا الأبحّ فإني أشؤه - يريد البمّ - . ومن أحسن ما قيل في العود: فكأنه في حجرها ولد لها ... ضمته بين ترائب ولبان طوراً تدغدغ بطنه فإذا هفا ... عركت له أذناً من الآذان ومن أحسن ما شبه به العود ما أنشدناه بعض أصحابنا: كأن تثماله ساق إلى قدم ... نيطت إلى فخذ بانت عن الكفل آذانه منه قد جمعن أربعة ... تجيب أربعة في كف معتمل فذا إن وهذا فيه زمزمة ... وذاك صاف وهذا فيه كالصّحل وللحمدوني: وناطق بلسان لا ضمير له ... كأنه فخذ نيطت إلى قدم يبدي ضمير سواه في الحديث كما ... يبدي ضمير سواه الخط بالقلم ومن احسن ما يقل في وصف مغنيات قول ابن الرومي، وأنشدناه الناجم عنه: وقيان كأنها أمهات ... عاطفات على بنيها حواني مطفلات وما حملن جنيناً ... مرضعات ولسن ذات لبان ملقمات أطفالهنّ ثدياً ... ناهدات كأحسن الرمان مفعمات كأنها حافلات ... وهي صفر من درة الألبان كل طفل يدعى بأسماء شتى ... بين عود مزهر وكران أمّه دهرها تترجم عنه ... وهو بادي الغنى عن الترجمان " وصية بعض الحكماء لابنه " وحدّثنا أبو بكر دريد رحمه الله قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قال بعض الحكماء لابنه: يا بني، اقبل وصيتي وعهدي، إن سرعة ائتلاف قلوب الأبرار، كسرعة اختلاط قطر الطر بماء الأنهار؛ وبعد قلوب الفجار من الائتلاف، كبعد البهائم من التعاطف وإن طال اعتلافها على أرى واحد؛ كن يا بني بصالح الوزراء أغنى منك بكثرة عدتهم، فإن اللؤلؤة خفيف محملها كثير ثمنها، والحجر فادح حمله قليل غناؤه. " حكمة من حكم الأحنف بن قيس " وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي زيد قال حدّثنا هشام بن حسان الفردوسي عن الحسن قال: قال الأحنف بن قيس: الكذوب لا حيلة له؛ والحسود لا راحة له؛ والبخيل لا مروءة له؛ والملول لا وفاء له؛ ولا يسود سيء الأخلاق؛ ومن المروءة إذا كان الرجل بخيلاً أن يكتم ويتجمل. وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم قال: قيل للأحنف: بم بلغت ما بلغت؟ قال: لو عاب الناس الماء ما شربته. قال: وقال: من لم يسخ نفساً عن الحظ الجسيم للعيب الصغير، لم يعد سفيقاً على نفسه، ولاصائناً لعرضه. وقال الأصمعي: من أمثال العرب: " دع بنيات الطريق " أي اقصد لمعظم الشأن. ويقال: " لا توبس الثرى بيني وبينك " أي لا تقطع الودّ الذي بيننا. ويقال: " السعيد من اتعظ بغيره " يراد من رأى غيره فاتعظ سعد. ويقال: " طويته على بللته " يراد استبقيته قبل أن يبلغ فساده، وذلك أن السقاء إذا طويته وهو مبتل تثنى، وإذا طوي وهو يابس تكسر، أي فقد طلبت مصلحته. " مطلب ما تقول العرب في معنى لا أفعل ذلك أبداً " وقال أبو زيد: يقال: لا تري ذلك يا فلان ما سمر ابنا سمير، وهما الليل والنهار؛ وأنشدنا ابن الأعرابي: وشبابي قد كان من لذة العي ... ش فأودى وغاله ابنا سمير
وقال أبو زيد: ولا أفعل ذلك ما أبس عبد بناقته، وهو تحريكه شفتيه حين يريد أن تقوم له؛ وقال ابن الأعرابي: وإبساسه: استدراره إياها للحلب وخدعه لها ولطفه بها؛ وأنشدني لأبي زبيد: فلحا الله صاحب الصلح منا ... ما أطاف المبس بالدهماء وقال أبو زيد: ولا أفعل ذلك ما غرّد الطائر تغريداً. ولا أفعل ذلك آخر الأوجس، وهو الدهر. وأنشدني أبو بكر بن دريد لمرار الفقعسي: لا يشترون بهجعة هجعوا بها ... ودواء أعينهم خلود الأوجس وقال اللحياني: لا أفعل ذلك سجيس الأوجس؛ وسجيس عجيس، وزاد ابن الأعرابي: وما غبا غبيس؛ وانشد: قد ورد الماء بليل قيس ... نعم وفي أم البنين كيس عن الطعام ما غبا غبيس ولا أفعله السمر والقمر. ولا أفعله ما حدا الليل النهار. وما أرزمت أم حائل، والحائل: الأنثى من أولاد الإبل؛ قال أبو ذؤيب: فتلك التي لا يبرح القلب حبها ... ولا ذكرها ما أرزمت أم حائل ولا أفعله يد المسند وهو الدهر؛ قال الشاعر: لقلت من القول مالايزا ... ل يؤثر عني يد المسند ولا أفعله يد الدهر. ولا أفعله ما أنّ في السماء نجماً؛ معناه ما كان في السماء نجم. ولا أفعله ما سجع الحمام. وما حملت عيني الماء. وما بل بحرصوفة. ولا أفعل ذلك ما أطّت الإبل. وأطيطها: حنينها؛ وقال أبو عبيد: أطيط الإبل: نقيض جلودها عند الكنطة؛ قال الأعشى: ألست منتهياً عن نحت أثلتنا ... ولست ضائرها ما أطت الإبل وقال اللحياني: ولا أفعل ذلك ما لألأت الفور والعفر والظباء، أي ما حركت أذنابها. ولا أفعل ذلك ما حنت الدهماء؛ وهي ناقة. ولا أفعل ذلك ما حنت النيب. قال أبو علي: وقال أبو زيد: لا أفعل ذلك ما اختلف الملوان والأجدان، وهما الليل والنهار؛ وزاد اللحياني: والجديدان، وهما الليل والنهار. وقال يعقوب: والفتيان، وهما الليل والنهار أيضاً، وكذلك العصران. وغيره يقول العصرا: الغداة والعشي؛ وهو الأجود عندنا. وزاد ابن الأعرابي: ولا أفعله القرتين. وأنشدنا ابن الأعرابي للصلتان العبدي في الفتيين: ما لبث الفتيان أن عصفا بهم ... ولكل حصن يسراً مفتاحا وأنشد أيضاً في العصرين: ولا يلبث العصران يوم وليلة ... إذا طلبا أن يدركا ما تيمما وأنشد يعقوب في الملوين لابن مقبل: ألا يا ديار الحيّ بالسبعان ... أملّ عليها بالبلى الملوان وقال أبو زيد: لا أفعل ذلك ما هدهد الحمام، أي ما غرّد. وما خالفت درة جرة، وما اختلفت الدرة والجرة، واختلافهما أن الدرة تسفل إلى الرجلين والجرة تعلو إلى الرأس. ولا آتيك حتى يبيض القار. ولا آتيك سجيس الليالي؛ وأنشد ابن الأعرابي: ذخرت أبا عمرو لقومك كلهم ... سجيس الليالي عندنا أكرم الذخر وقال أبو زيد: ولا أفعل ذلك حتى يجن الضب في أثر الإبل الصادرة. ولا أفعل ذلك أبد الأبيد، وأبد الآبدين، وأبد الأبدية؛ وزاد اللحياني: وأبد الآباد. وقال أبو زيد: ويقال لا آتيك سن الحسل: أي حتى يسقط فوه، وهو لا يسقط أبداً، إنما أسنانه كالمنشار؛ وأنشد ابن الأعرابي وغيره: تسألني عن السنين كم لي ... فقلت لو عمرت عمر الحسل أو عمر نوح زمن الفطحل ... والصخر مبتل كطين الوحل وسألت أبا بكر بن دريد رحمه الله عن زمن الفطحل فقال: تزعم العرب أنه زمان كانت فيه الحجارة رطبة. " مطلب شرح مادة و ت ر " وقال الأصمعيّ: الحتار: الوتر الذي يكون في القوس، وحتار كل شيئ: وترته، وهو حرفه، ووتره كل شيء: حرفه. ووترة الأنف: حرفه؛ ويقال: ما زال على وتيرة واحدة، أي على طريقة واحدة؛ والوتيرة: حلقة يتعلم عليها الطعن؛ وأنشد: تبارى قرحة مثل ال ... وتيرة لم تكن مغدا قال أبو علي: المغد النتف. والوتيرة: شيء مستطيل من الأرض ينقاد؛ قال الهذلي: فذاحت بالوتائر ثم بدت ... يديها عند جانبها تهيل وقال الأصمعيّ: فذاحت أسرعت. وبدت: فرقت؛ وحدثنا أبو بكر بن الأنباري عن أبيه عن أحمد بن عبيد قال: قال أبو عمر الشيباني: ذاحت: حفرت. والوتيرة: الفترة والتواني، قاله أبو نصر؛ وأنشد لزهير:
نجاء مجد ليس فيه وتيرة ... وتذبيبها عنه بأسحم مذود وقال أبو نصر: سمعت من غير الأصمعيّ: الوتائر: ما بين الأصابع، الواحدة وتيرة؛ وقال الأصمعيّ: الوتر: الفرد، وأهل الحجاز يفتحون الواو في الفرد ويكسرونها في الذحل، ومن تحتهم من قيس وتميم يسوونهما في الكسر؛ ويقولون في الفرد: أوترت أوتر إيتاراً، وفي الذحل: وترته فأنا أتره ترة ووتراً. ويقال: تواترت الإبل والقطا إذا جاءت بعضها خلف بعض ولم يجئن مصطفات؛ وأنشد: قرينة سبع إن تواترن مرة ... ضربن فصفت أرؤس وجنوب ومنه واتركتبك. والمواترة: أن يجيء السيء وبينهما هنية، فإن تتابعت فليست بمتواترة. ويقال: وتر قوسه وأوترها. وقرأت على أبي بكر بن دريد للنمر بن تولب: أشاقتك أطلال دوارس من دعد ... خلاء مغانيها كحاشية البرد على أنها قالت عشية زرتها ... هبلت ألم ينبت لذا حلمه بعدي أشتاقتك: هيجتك وشوقتك. والمغاني: المنازل التي كانوا يغنون بها، أي يقيمون بها، واحدها مغنىً. وهبلت: ثكلت؛ والعرب تقول: لأمك الهبل، أي الثكل. وقوله : ألم ينبت لذا حلمه بعدي، يعني ضرس حلمه وهو أقصى الأضراس وآخرها نباتاً. وقال يعقوب: يقال: سانيته وفانيته وصاديته وداليته وراديته، وهي المساناة والمفاناة والمصاداة والمدلاة والمراداة، وهي المساهلة؛ وأنشد للبيد: وسانيت من ذي بهجة ورقيته ... عليه السموط عابس متغضب وفارقته والودّ بيني وبينه ... وحسن الثناء من وراء المغيب إذا الله سنّى عقد أمر تيسراً وأنشد: وأخبرنا الغالبي قال قال لنا ابن كيسان أبو الحسن: أنشدني هذا البيت المبرد: فلا تيأسا والستغورا الله إنه ... إذا الله سنّى عقد أمر تيسرا استغوراه: سلاه الغيرة، وهي الميرة، أي سلاه الرزق. وأنشد يعقوب لنصيب في المفاناة: تقيمه تارةً وتقعده ... كما يفاني الشموس قائدها وأنشد في المصاداة لمزرد: ظللنا نصادي أمنا عن حميتها ... كأهل الشموس كلهم يتودّد وقال العجاج في المدالاة: يكاد ينسل من التصدير ... على مدالاتي والتوقير وقرأت على أبي بكر في المراداة لطفيل الغنوي: يرادى على فأس اللجام كأنّما ... يرادى به مرقاة جذع مشذب وقال غير يعقوب: راديته وداريته واحد. وقرأنا على أبي بكر بن دريد للغنوي: ظللنا معاً جارين نحترس الثأى ... يسائرني من نطفة وأسائره وصف سبعاً. نحترس الثأى، أي كل واحد منا يخاف صاحبه أن يغدر به. والثأى: الفساد، وأصله في الخرز، وهو أن تنخرم الخرزتان فتصيرا واحدة فيتسع الثقب فيفسد، ثم جعل مثلاً لكل فساد. ويسائرني، من السؤر وهي البقية، أي يرد قبلي فيبقى لي، وأرد قبله فأبقي به. " مطلب خطبة عتبة بمكة عام حج وما دار بينه وبين الأعرابي " وحدّثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو عثمان عن العتبي عن أبيه عن هشام بن صالح عن سعيد قال: حج عتبة سنة إحدى وأربعين - والناس قريب عهدهم بفتنة - فصلى بمكة الجمعة، ثم قال: أيها الناس، إنا قد ولينا هذا المقام الذي يضاعف فيه للمحسن الأجر، وعلى المسيء فيه الوزر؛ ونحن على طريق ما قصدنا، فلا تمدوا الأعناق إلى غيرنا، فإنها تنقطع دوناا؛ وربّ متمن حتفه في أمنيته، فاقبلوا العافية ما قبلناها فيكم وقبلناها منكم؛ وإياكم ولواً فإنها أتعبت من كان قبلكم، ولن تريح من بعدكم؛ وأنا أسأل الله أن يعين كلاً على كل. فصاح به أعرابي: أيها الخليفة؛ فقال: لست به ولم بتعد؛ فقال: يا أخاه، فقال: سمعت فقل؛ فقال: تالله أن تحسنوا وقد أسأنا، خير من أن تسيئوا وقد أحسنا، فإن كان الإحسان لكم دوننا فما أحقكم باستتمامه وإن كان منا؛ فما أولاكم بمكافاتنا؛ رجل من بني عامر بن صعصعة يلقاكم بالعمومة، ويقرب غليكم بالخؤلة؛ قد كثرة العيال، ووطئه الزمان؛ وبه فقر، وفيه أجر، وعنده شكر. فقال عتبة: أستغر الله منكم، وأستعينه عليكم؛ قد أمرنا لك بغناك، فليت إسراعنا إليك، يقوم بإبطائنا عنك.
وحدّثنا أبو بكر قال أخبرنا العكلي قال حدّثنا أحمد بن محمد المزني قال: قال أبو جهم بن حذيفة لمعاوية: نحن عندك يا أمير المؤمنين كما قال عبد المسيح لابن عبد كلال: نميل على جوانبه كأنا ... نميل إذا نميل على أبينا نقلبه لنخبر حالتيه ... فنخبر منهما كرماً ولينا فأمر له بمائة ألف. حديث أسيد بن عنقاء الفزاري وما كان من مواساة عميلة الفزاري له وما مدحه به. وحدّثنا أبو بكر بن شقير النحوي في منزله في غلة صافي ونحن يومئذ نقرأ عليه كتب الواقدي في المغازي وكان يرويها عن أحمد بن عبيد عن الواقدي، قال حدّثنا أحمد بن عبيد بن ناصح قال: كان أسيد ابن عنقاء الفزاري من أكثر أهل زمانه وأشدهم عارضة ولساناً، فطال عمره، ونكبه دهره، واختلت حالته؛ فخرج عشية يتبقّل لأهله، فمر به عميلة الفزاري فسلم عليه وقال: يا عم، ما أصارك إلى ما أرى من حالك؟ فقال: بخل مثلك بماله، وصوني وجهي عن مسألة الناس؛ فقال: والله لئن بقيت إلى غد لأغيرن ما أرى من حالك؛ فرجع ابن عنقاء إلى أهله فأخبرها بما قال له عميلة؛ فقالت له: لقد غرك كلام غلام جنح ليل؛ فكأنما ألقمت فاه حجراً متململاً بين رجاء ويأس، فلما كان السحر سمع رغاء الإبل، وثغاء الشاء، وصهيل الخيل، ولجب الأموال فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا عميلة ساق إليك ماله؛ قال: فاستخرج ابن عنقاء ثم قسم ماله شطرين وساهمه عليه؛ فأنشأ ابن عنقاء يقولك رآني على ما بي عميلة فاشتكى ... إلى ماله حالي أسر كما جهر دعاني فآساني ولو ضن لم ألم ... على حين لا بدو يرجى ولا حضر ولما رأى المجد استعيرت ثيابه ... تردّى رداء سابغ الذيل وأتزر غلام رماه الله بالخير مقبلاً ... له سيماء لا تشق على البصر كأن الثريا علقت فوق نحره ... وفي أنفه الشعرى وفي خده القمر إذا قيلت العوراء أغضى كأنه ... ذليل بلا ذل ولو شاء لانتصر وأنشدنا أبو عبد الله قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي: كريم يغض الطرف فضل حيائه ... ويدنو وأطراف الرماح دواني وكالسيف إن لاينته لان متنه ... وحدّاه إن خاشنته خشنان وأنشدنا أبو بكر بن دريد: يشبهون ملوكاً في تجلتهم ... وطول أنضية الأعناق والأمم إذا غدا المسك يجري في مفارقهم ... راحوا كأنهم مرضى من الكرم وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال انشدنا أحمد بن يحيى: تخالهم للحلم صماً عن الخنا ... وخرساً عن الفحشاء عند التهاتر ومرضى إذا لاقوا حياءً وعفةً ... وعند الحروب كالليوث الخوادر لهم ذل إنصاف ولين تواضع ... بهم ولهم ذلت رقاب المعاشر كأن بهم وصماً يخافون عاره ... وما وصمهم إلا اتقاء المعاير وأنشدنا أيضاً عن أبي العباس: أحلام عاد لا يخاف جليسهم ... إذا نطقوا العوراء غرب لسان إذا حدثوا لم تخش سوء أسماعهم ... وإن حدثوا أدوا بحسن بيان وأنشدني أيضاً قال أنشدني أبي: يصمّ عن الفحشاء حتى كأنه ... إذا تركت في مجلس القوم غائب له حاجب عن كل ما يصم الفتى ... وليس له عن طالب العرف حاجب وأنشدنا أيضاً قال أنشدني أبي لبكر بن النطاح يمدح خربان بن عيسى قال: وكان أبو عبيدة يقول: لم أسمع لهؤلاء المدثين مثل هذا: لم ينقطع أحد إليك بوده ... إلا اتقته نوائب الحدثان كل السيوف يرى لسيفك هيبة ... وتخافك الأرواح في الأبدان قالت معدّ والقبائل كلّها ... إن المنية في يدي خربان ملك إذا أخذ القناة بكفه ... وثقت بشدة ساعد وبنان وقرأت على أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة عن أبيه للأسدي: ولائمة لامتك يا فيض في الندى ... فقلت لها هل يقدح اللّوم في البحر أرادت لتثنى الفيض عن عادة الندى ... ومن ذا الذي يثنى السحاب عن القطر مواقع جود الفيض في كل بلدة ... مواقع ماء المزن في البلد القفر وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن أبيه عن يونس عن أبي عمرو بن العلاء قال: لما توج النعمان واطمأن به سريره، دخل عليه الناس وفيهم أعرابي فأنشأ يقول: إذا سست قوماً فاجعل الجود بينهم ... وبينك تأمن كل ما تتخوف فإن كشفت عند الملمات عورة ... كفاك لباس الجود ما يتكشف فقال: مقبول منك نصحك، ممن أنت؟ قال: انا رجل من جرم؛ فأمر له بمائة ناقة؛ وهي أول جائزة أجازها. وقرأت على أبي بكر وأنشدناه أبو عبد الله نفطويه عن أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي لقيس ابن عاصم المنقري: إني امرؤ لا يعتري حسبي ... دنس يفنده ولا أفن من منقر في بيت مكرمة ... والفرع ينبت حوله الغصن خطباء حين يقول قائلهم ... بيض الوجوه مصاقع لسن لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم لحفظ جواره فطن وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم عن أبي عبيدة للعرندس أحد بني بكر بن كلاب يمدح بني عمرو الغنويين قال: وكان الأصمعيّ يقول: هذا المحال، كلابيّ يمدح غنوياً!: هينون لينون أيسار ذوو كرم ... سواس مكرمة أبناء أيسار إن يسألوا الخير يعطوه وإن خبروا ... في الجهد أدرك منهم طيب أخبار فيهم ومنهم يعد الخير متلّداً ... ولا يعدّ نثا خزي ولا عار لا ينطقون عن الأهواء إن نطقوا ... ولا يمارون إن ماروا بإكثار من تلق منهم لاقيت سيّدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري وقرأت عليه للنمر بن تولب: ثم استمرت تريد الريح مصعدة ... نحو الجنوب فعزتها على الريح قوله: تريد الريح؛ يعني الطريدة تستقبل الريح أبداً، وإنما تفعل ذلك لتبرد أجوافها باستقبال الريح. وعزّتها: غلبتها، يعني فرسه غلبت الطريدة، والدليل على ذلك قوله قبل هذا البيت: لقد غدوت بصهبي وهي ملهبة ... إلهابها كضرام النار في الشيح وصهبى: اسم فرسه؛ ثم قال: جاءت لتسنحني يسراً فقلت لها ... على يمينك إنّي غير مسنوح جاءت، يعني الطريدة. لتسنحني، أي لتمضي على يساري، ثم قال: ثم استمرت تريد الريح. وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: قال بعض الحكماء: إن مما سخا بنفس العاقل عن الدنيا علمه بأن الأرزاق فيها لم تقسم على قدر الأخطار. وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال حدّثنا عمر ين شبّة يا بنيّ، لا يهدينّ أحدكم إلى ربّه ما يستحي أن يهديه إلى حريمه، فإن الله أكرم الكرماء، وأحق من اختير له. قال: وكان يقول: يا بنيّ، تعلّموا العلم ، فإنكم إن تكونوا صغار قوم فعسى أن تكونوا كبراءهم، واسوءتا! ماذا أقبح من شيخ جاهل؟ وكان يقول: إذا رأيتم خلّةً رائعة من شر من رجل فاحذروه وإن كان عند الناس رجل صدق، فإن لها عنده أخوات، وإذا رأيتم خلة رائعة من خير من رجل فلا تقطعوا إناتكم منه وإن كان عند الناس رجل سوءٍ، فإن لها عنده أخوات. وقال: الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم. وحدّثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: وجد في حكمة فارس: إني وجدت الكرماء والعقلاء يبتغون إلى كل صلة ومعروف سبباً؛ ورأيت المودّة بين الصالحين سريعاً اتصالها، بطيئاً انقطاعها، ككوب الذهب سريع الإعادة إن أصابه ثلم أو كسر؛ ورأيت المودة بين الأشرار بطيئاً اتصالها، سريعاً انقطاعها، ككوب الفخّار، إن أصابه ثلم أو كسر فلا إعادة له؛ ورأيت الكريم يحفظ الريم على اللّقاءة الواحدة ومعرفة اليوم؛ ورأيت اللئيم لا يحفظ إلا رغبةً أو رهبة. " مطلب خطبة عتبة بمصر وكان قد غضب لأمور بلغته عن أهلها "
وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو عثمان عن العتبي عن أبيه عن هشام بن صالح عن سعد قال: كنا بمصر فبلغنا أمور عن أهلها، فصعد عتبة المنبر مغضباً فقال: أيا حاملين ألأم أنوف ركّبت بين أعين، إنما قلّمت أظفاري عنكم ليلين مسّى إياكم، وسألتكم صلاحكم لكم إذ كان فسادكم راحعاً عليكم؛ فأمّا إذ رأيتم إلا الطعن في الولاة والتنقّص للسلف، فوالله لأقطّعن على ظهوركم بطون السياط، فإن حسمت داءكم وإلا فالسيف من ورائكم؛ فكم من موعظة منّا لكم محبتها قلوبكم، وزجرة صمّت عنها آذانكم؛ ولست أبخل عليكم بالعقوبة إذ جدتم لنا بالمعصية، ولا أويسكم من مراجعة الحسنى إن صرتم إلى التي هي أبرّ وأتقى. وحدثنا أبو رحمه الله قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: قال الأجنف بن قيس: إن الله جعل أسعد عباده عنده وأرشدهم لديه وأحظاهم يوم القيامة، أبذلهم لمعروف يداً، وأكثرهم على الإخوان فضلاً، وأحسنهم له على ذلك شكراً. وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري - رحمه الله - قال حدّثني أبي عن أحمد بن عبيد عن الزيادي عن المطلب بن المطلب بن أبي وداعة عن جده قال: رأيت رسول الله ﷺ وأبا بكر رضي الله تعالى عنه عند باب بني شيبة فمرّ رجل وهو يقول: يا أيّها الرجل المحوّل رحله ... ألاّ نزلت بآل عبد الدار هبلتك أمّك لو نزلت برحلهم ... منعوك من عدم ومن إفتار قال: فالتفت رسول الله ﷺ إلى أبي بكر فقال: " أهكذا قال الشاعر " ؟ قال: لا والذي بعثك بالحق، لكنه قال: يا أيها الرجل المحوّل رحله ... إلا نزلت بآل عبد مناف هبلتك أمك لو نزلت برحلهم ... منعوك من عدم ومن إقراف الخالطين فقيرهم بغنيّهم ... حتى يعود فقيرهم كالكافي ويكلّلون جفانهم بسديفهم ... حتى تغيب الشمس في الرّجّاف منهم عليّ والنبيّ محمد ... القائلان هلّم للأضياف قال: فتبسّم رسول الله ﷺ وقال: " هكذا سمعت الرّواة ينشدونه " . وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم وعبد الرحمن عن الأصمعي عن بعض موالي بني أميّة قال: خرج داود بن سلم إلى حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية، فلما قدم عليه قام غلمانه إلى متاعه فأدخلوه وحطّوا عن راحلته، فلما دخل أنشده: ولما دفعت لأبوابهم ... ولاقيت حرباً لقيت النجاجا وجدناه يحمده المعتفون ... ويأبى على العسر إلا سماحا ويغشون حتى ترى كلبهم ... يهاب الهرير وينسى النّباحا فأمر له بجوائز كثيرة، ثم استأذنه في الانصراف فأذن له وأعطاه ألف دينار، فلما خرج من عنده وغلمانه جلوس لم يقم إليه أحد منهم ولم يعنه، فظن أن حرباً ساخط عليه فرجع إليه وقال: أواجدٌ أنت عليّ؟ قال: لا، ولم ذلك؟ فأخبره خبر الغلمان، قال: ارجع إليهم فسلهم، فرجع إليهم فسألهم، فقالوا: إنا ننزل الضيف ولا نرحّله، فلما قدم المدينة، سمع الغاضريّ بحديثه فأتاه فقال: إني أحب أن أسمع هذا الحديث منك، فحدّثه، فقال: هو يهوديّ أو نصرانيّ إن لم يكن فعل الغلمان أحسن من شعرك. وقرأت علي أبي بكر بن دريد للنمر بن تولب: تضمّنت أدواء العشيرة بينها ... وأنت على أعواد نعشٍ تقلّب قوله: تضمنت أدواء العشيرة بينها، أي ضمنت ما كان في العشيرة من داء أو فساد إذ كنت فيهم حيّاً، وأنت اليوم على أعواد نعش. قال الأصمعي: تضمنت: أصلحت، والمعنى عندي: أنه كان يضمن دماء العشيرة فيصلح بينها.
" مطلب امتداح أبي العتاهية لعمر بن العلاء وحسد الشعراء له على أعطاه من الجائزة وحدّثنا " أبو بكر بن الأنباري قال حدّثنا عبد الله بن خلف قال حدّثنا إسحاق بن محمد النجعيّ قال حدّثني محمد بن سهل قال حدّثني المدائني قال: امتدح أبو العتاهية عمر بن العلاء مولى عمرو ابن حريث صاحب المهديّ، فأمر به بسبعين ألف درهم، وأمر من حضره من خدمه وغلمانه أن يخلعوا عليه، فخلعوا عليه حتى لم يقدر على القيام لما عليه من الثياب؛ ثم إن جماعة من الشعراء كانوا بباب عمر، فقال بعضهم: يا عجباً للأمير، يعطى أبا العتاهية سبعين ألف درهم! فبلغ ذلك عمر فقال: عليّ بهم، فأدخلوا عليه، فقال: ما أحسد بعضكم لبعض يا معشر الشعراء! إن أحدكم يأتينا يريد مدحنا فيشبّب في قصديته يصديقته بخمسين بيتاً، فما يبلغنا حتى تذهب لذاذة مدحه ورونق شعره، وقد أتانا أبو العتاهية فشبّب بيتين ثم قال: إني أمنت من الزمان وريبه ... لما علقت من الأمير حبالا لو يستطيع الناس من إجلاله ... لحذوا له حرّ الوجوه نعالا ما كان هذا الجود حتى كنت يا ... عمراً ولو يوماً تزول لزالا إنّ المطايا تشتكيك لأنها ... قطعت إليك سباسباً ورمالا فإذا أتين بنا أتين مخفّةً ... وإذا رجعن بنا رجعن ثقالا فقال له عمر حين مدحه: أقم حتى أنظر في أمرك، فأقام أياماً ولم ير شيئاً، وكان عمر ينتظر مالاً يجيء من وجه فأبطأ عليه، فكتب إليه أبو العتاهية: يا بن العلاء ويا بن القوم مرداس ... إني امتدحتك في صحبي وجلاسي أثني عليك ولي حال تكذّبني ... فيما أقول فأستحيي من الناس حتى إذا قيل ما أعطاك من صفد ... طأطأت من سوء حال عندها راسي فقال عمر لحاجبه: اكفنيه أياماً، فقال له الحاجب كلاماً دفعه به، وقال له: تنتظر، فكتب إليه أبو العتاهية: أصابت علينا جودك العين يا عمر ... فنحن لها نبغي التمائم والنّشر أصابتك عين في سخائك صلبةٌ ... ويا ربّ عين صلبة تفلق الحجر سنرقيك بالأشعار حتى تملّها ... فإن لم تفق منها رقيناك بالسّور قال: فضحك عمر، وقال لصاحب بيت ماله: كم عندك؟ قال: سبعون ألف درهم، قال: ادفعها إليه، ويقال: إنه قال له: اعذرني عنده ولا تدخله عليّ فإني أستحي منه. قال أبو عليّ: قال الأصمعي: من أمثال العرب: " العبد من لاعبد له " أي من لم يكن له عبد ولا كافٍ امتهن نفسه. ويقال: " لو كويت على داء لم أكره " أي لو عوتبت على ذنب ما امتعضت. ويقال: " كمبتغي الصيد في عرّيسة الأسد " يضرب مثلاً للرجل يطلب الغنيمة في موضع الهلكة. ويقال : " أجود من لافظة " وأراد بلافظة البحر. ويقال: " أجبن من صافر " وأراد بصافر: ما يصفر من الطير، وإنما يوصف بالجبن لأنه ليس من سباعها. وقرأنا على أبي بكر بن دريد قول الراجز: قد علمت إن لم أجد معينا ... لأخلطنّ بالخلوق طينا يعني امرأته، يقول: قد علمت إن لم أجد معينا يعينني على سقيها، سأستعين بها وأستعملها حتى يختلط ما عليها من الخلوق بالطين والماء. " مطلب ما تقول العرب في معنى أخذت الشيء كله " وقال يعقوب بن السكيت: يقال: أخذه بأجمعه وأجمعه، وأخذه بحذافيره، وقال أبو عبيدة عن الكسائي: اخذه بحذافيره وجذاميره وجزاميره وجراميزه؛ وحكى عن أبي عبيدة: بربّانه بفتح الراء في معناها؛ وعن الأصمعي: بربّانه أي بجميعه؛ قال: وقال الفرّاء: أخذه بصنايته وسنايته مثله. وقال يعقوب: وأخذه بجلمته، وقال لي أبو يكر بن الأنباري: وبجلمته أيضاً، وقال يعقوب: وأخذه بزغبره، وقال لي أبو بكر بن الأنباري: يقال: بزغبره، وأظنني سمعت اللغتين جميعاً من أبي بكر ابن دريد، وقال يعقوب: وأخذه بزوربره، وأنشد لابن أحمر: وإن قال غاوٍ من تنوخ قصيدةً ... بها جربٌ عدّت عليّ بزوبرا
وقال أبو عبيدة: وأخذه بزأبره، وقال يعقوب: وأخذه بصبرته وبأصباره، وأخذه بزأبجه وبزأمجه، وأخذه بأصليته، وأخذه بظليفته، وأخذه مكهملا؛ قال: حكى أبو صاعد: أخذه بزوبره وبأزمله: كلّه أخذه بربغه وبحداثته وبربّانه. قال أبو الحسن بن كيسان: هذه الثلاثة معناها: بأوّله وابتدائه، وأنشد لابن أحمر: وإنّما العيش بربّانه ... وأنت من أفنانه مقتفر أخبرني بذلك الغالبي عن ابن كيسان، وروى أبو عبيدة في بيت ابن أحمر. وأنت من أفنانه معتصر وقال أبو نصر وغيره عن الأصمعي: إنه قال: بربّانه: بحداثته. " مطلب شرح مادة جلا وجلل " وقال الأصمعي: جلوت العروس أجلوها فهي مجلوّة، وجلوت المرآة أجلوها فهي مجلوّة، ومصدرهما جميعاً جلاء، ويقال: أعط العروس جلوتها، وقد جلاّها زوجها وصيفةً أي اعطاها حين سئل الجلوة، وزوجها يجلّيها تجلية. وجلّى الطائر تجلية إذا أبصر الصيد من مكان بعيد. وجلّ القوم يجلّون جلولاً، وجلا القوم يجلون جلاءً إذا خرجوا من بلد إلى بلد، ومنه قيل: استعمل فلان على الجالّة والجالية، وهو أن يجعل على قوم خرجوا من بلد إلى بلد، فالجالّة من جللت، والجالية من جلوت. وجلّ البعر يجلّه جلاً إذا التقطه. والجلّة: البعر. والإبل الجلالة: التي تأكل الجلّة. ويقال: خرج الإماء يجتللن، أي يأخذن الجلّة، وأنشد لعمر بن لجأ يصف ناقة: تحسب مجتلّ الإماء الحرّم ... من هدب الضّمران لم يحزّم تحسب، أي تكفي. والمجتلّة: التي تلقط الجلّة. وقوله: من هدب الضمران، أي من بعر إبل رعت هدب الضمران فبعرت، وذكر الضمران لأنه من أجود ما يرعى. وقوله: لم يحزّم، أي هو بعر منثور لم يحزم كما يحزّم الضمران إذا احتطب. وجلّ الرجل يجلّ جلّة إذا عظم وغلظ، وكذلك الصبيّ والعود. وإبلٌ جلّة، أي مسنّة، وقد جلّت إذا أسنّت، ومشيخة جلّة أي مسانّ، والواحد جليل. والمجلّة: صحيفة كان يكتب فيها شيء من الحكم؛ وأنشد بيت النابغة الذبياني: مجلّتهم ذات الإله ودينهم ... قويمٌ فما يرجون غير العواقب قال أبو حاتم: يروي مجلّتهم ومحلّتهم، فمن روى مجلتهم، أراد الصحيفة، ومن روى محلتهم، أراد بلادهم الشام. والجلل: الصغير اليسير. والجليل: العظيم. وقال أبو نصر: والجلل: العظيم أيضاً. وقال أبو بكر بن الأنباري: وجدت في كتاب أبي عن أحمد بن عبيد عن أبي نصر، كان الأصمعي يقول: الجلل: الصغير اليسير، ولا يقول: الجلل: العظيم. قال أبو علي قال الأصمعي: لا يقال: الجلال إلا في الله عزّ وجلّ، وقال أبو حاتم: وقد يقال، وأنشد: فلا ذا جلالٍ هبنه لجلاله ... ولا ذا ضياعٍ هنّ يتركن للفقر وجلّ كل شيء: العظيم منه. وقرأت على أبي بكر بن دريد في كتاب الأبواب للأصمعيّ: فعلت ذاك من جلل كذا وكذا، أي من عظمه في صدري. وقال أبو نصر: فعلت ذاك لجللك وجلالك أي لعظمتك في صدري، وأنشد الأصمعيّ لجميل: رسم دارٍ وقفت في طلله ... كدت أقضي الغداة من جلله ورويت من غير هذا الوجه تفسير من جلله: من أجله. ويقال: فعلت ذلك من أجلك وجللك وجلالك، وأنشد الأصمعيّ في جلالك: وغيدٍ نشاوى من كرىً فوق شزّبٍ ... من الليل قد نبهّتهم من جلالكا أي من أجلك. والجلّى: الأمر العظيم، وجمعها جلل. والجليل: الثّمام، واحدته جليلة، وأنشد الأصمعيّ: ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةً ... بوادٍ وحولي إذخرٌ وجليل وذكر شيوخنا: أن النبي ﷺ سمع بلالاً ينشد هذا البيت فقال: " حننت يابن السوداء " . ويقال هو ابن جلا، أي المنكشف المشهور الأمر، وأنشد الأصمعيّ: أنا ابن جلا وطلاع الثّنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني قال: وابن أجلى مثله، وأنشد للعجاج: لاقوا به الحجاج والإصحارا ... به ابن أجلى وافق الإسفارا قال: ولم أسمع بابن أجلى إلا في بيت العجاج. وقوله: لاقوا به، أي بذلك المكان، وقوله الإصحارا أي وجدوه مصحراً، ووجدوا به ابن أجلى، كما تقول: لقيت به الأسد، أي كأني لقيت بلقائي إياه الأسد. وقوله: وافق الإسفارا، أي واضحاً مثل الصّبح. وقال غيره: عينٌ جلّية، أي بصيرة، قال أبو داود الإيادي:
بل تأمّل وأنت أبصر منّى ... قصد دير السوى بعينٍ جليةٍ والجلّية أيضاً: الأمر البيّن الواضح، قال النابغة: فآب مضلّوه بعينٍ جلّية ... وغودر بالجولان حزم ونائل وقال الأصمعي: والجلا: انحسار الشعر من مقدّم الرأس، رجلٌ أجلى وامرأة جلواء، وقد جلى يجلى جلاً مقصور. وقرأت على أبي بكر بن دريد لبكر بن النطاح: ولو خذلت أمواله جود كفّه ... لقاسم من يرجوه شطر حياته ولو لم يجد في العمر قسماً لزائر ... لجاد له بالشطر من حسناته وأنشدني بعض أصحابنا لبكر بن النطاح: وإذا بدا لك قاسمٌ يوم الوغى ... يختال خلت أمامه قنديلا وإذا تعرّض للعمود وليه ... خلت العمود بكفه منديلا قالوا وينظم فارسين بطعنةٍ ... يوم اللقاء ولا يراه جليلا لا تعجبوا فلو أنّ طول قناته ... ميلٌ إذاً نظم الفوارس ميلا وأنشدني بعض أصحابنا له: يا عصمة العرب التي لو لم تكن ... حيّاً إذاً كانت بغير عماد إن العيون إذا رأتك حدادها ... رجعت من الإجلال غير حداد وإذا رميت الثغر منك بعزمة ... فتحت منه مواضع الأسداد فكأن رمحك منقعٌ في عصفر ... وكأن سيفك سلّ من فرصاد لو صاد من غضبٍ أبو دلفٍ على ... بيض السيوف لذبن في الأغماد أذكى وأوقد للعداوة والقرى ... نارين نار وغىً ونار رماد وقرأت على أبي بكر بن دريد لليلى الأخيلية، وقال لي: كان الأصمعي يرويها لحميد بن ثور الهلالي قال أبو علي: فكذا وجدته بخط ابن زكريا ورّاق الجاحظ في شعر حميد: يا أيها السدم الملّوى رأسه ... ليقود من أهل الحجاز بريما أتريد عمرو بن الخليع ودونه ... كعبٌ إذاً لوجدته مرءوما إن الخليع ورهطه في عامر ... كالقلب أُلبس جؤجؤاً وحزيما لا تغزونّ الدهر آل مطرّف ... لا ظالماً أبداً ولا مظلوما قومٌ رباط الخيل وسط بيوتهم ... وأسنةٌ زرقٌ تخال نجوما ومخرّق عنه القميص تخاله ... وسط البيوت من الحياء سقيما حتى إذا رفع اللواء رأيته ... تحت اللواء على الخميس زعيما لن تستطيع بأن تحوّل عزهم ... حتى تحول ذا الهضاب يسوما إن سالموك فدعهم من هذه ... وارقد كفى لك بالرقاد نعيما قال أبو علي: البريم: الخيط فيه سواد وبياض. ويقال للقطيع من الغنم إذا كان فيه معزٌ: بريم. وسألت أبا بكر بن دريد عن معنى قول المتنخّل الهذلي: عقّوا بسهم فلم يشعر به أحد ... ثم استفاءوا وقالوا حبذا الوضح فقال: يقال: عقّى بسهم إذا رمى به نحو السماء لا يريد به أحداً، وإذا اجتمع الفريقان للقتال ثم بدا لأحد الفريقين وأرادوا الصلح رموا بسهم نحو السماء، فعلم الفريق الثاني أنهم يريدون الصلح فتراسلوا في ذلك. واستفاءوا: رجعوا عما كانوا عليه. وقالوا حبذا الوضح أي اللبن، أي حبذا الإبل والغنم نأخذها في الدية، كما قال الآخر: ظفرت بهجمةٍ سودٍ وحمرٍ ... تسرّ بما يساء به اللبيب أي فرحت بالدية. " مطلب كتاب الحسن بن سهل إلى محمد بن سماعة القاضي يطلب إليه رجلاً يستعين به في أموره " وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا الحسن بن خضر عن أبيه قال: كتب الحسن بن سهل إلى محمد ابن سماعة القاضي: أما بعد، فإنني احتجت لبعض أموري إلى رجل جامع لخصال الخير ذي عفّة ونزاهة طعمةٍ، قد هذّبته الآداب، وأحكمته التجارب؛ ليس بظنين في رأيه، ولا بمطعون في حسبه؛ إن اؤتمن على الأسرار قام بها، وإن قلّد مهماً من الأمور أجزأ فيه؛ له سنٌّ مع أدب ولسان، تقعده الرزانة ويسكنه الحلم، قرد فرّ عن عن ذكاء وفطنة، وعضّ على قارحة من الكمال؛ تكفيه اللحظة، وترشده السكتة؛ قد أبصر خدمة الملوك وأحكمها، وقام في أمورهم فحمد فيها؛ له أناة الوزراء، وصولة الأمراء، وتواضع العلماء، وفهم الفقهاء، وجواب الحكماء؛ لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده، يكاد يسترق قلوب الرجال بحلاوة لسانه وحسن بيانه؛ دلائل الفضل عليه لائحة، وأمارات العلم له شاهدة؛ مضطلعاً بما استنهض، مستقلاً بما حُمّل؛ وقد آثرتك بطلبه، وحبوتك بارتياده؛ ثقةً بفضل اختيارك ومعرفةً بحسن تأتيك؛ فكتب إليه: إني عازم أن أرغب إلى الله جل وعز حولاً كاملاً في ارتياد مثل هذه الصفة، وأفرّق الرسل الثقات في الآفاق لالتماسه، وأرجو أن يمن الله بالإجابة، فأفوز لديك بقضاء حاجتك والسلام. وأخبرنا أبو عبد الله قال حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال حدّثت عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: وصف رجل رجلاً فقال: كان والله سمحاً سحاً، يمر سهلاً؛ بينه وبين القلب نسب، وبين الحياة سبب؛ إنما هو عيادة مريض، وتحفة قادم، وواسطة قلادة. قال أبو عبد الله وحدّثنا أبو العباس قال: وصف أعرابي رجلاً فقال: كان والله مطلول المحادثة، ينبذ إليك الكلام على أدراجه، كأنّ في كل ركنٍ من أركانه قلباً يقد. قال أبو علي: يعني مستحدث الحديث. " مطلب ما تقول العرب في معنى ما بالدار أحد " وقال يعقوب بن السكيت: يقال ما بالدار أحدٌ، وما بها دويٌّ ودعويٌّ وطهويٌّ ودبيٌّ ولا عي قروٍ . قال أبو علي: وقال لي الغالبي: قال لنا ابن كيسان: دوّى منسوب إلى الدوية. وقال اللحياني: دعويٌّ من دعوت. ودبيٌّ من دببت، وزاد نمّيٌّ من نممت. الأصكعي: يقال: ما بالدار عريب. قال أبو علي: معناه معرب، أي ما جاء بها أحد؛ قال عبيد: فعردة فقفا حبرٍّ ... ليس بها منهم عريب وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدنا أبو العباس: أميم أمنك الدار غيّرها البلى ... وهيفٌ بجولان التراب لعوب بسابس لم يصبح ولم يمس ثاوياً ... بها بعد بين الحي منك عريب وما بها دبّيجٌ، ودريبج فعّيل من الدبج، وهو النقش والزيين، وأصله فارسي مأخوذ من الديباج، وأنشد ابن الأعرابي: هل تعرف المنزل من ذات الهوج ... ليس بها من الأنيس دبّيج وما بها دوري؛ وقال اللحياني: دوريٌّ ودؤريٌّ، يهمز ولا يهمز. قال أبو علي: دوري منسوب إلى الدور، فأما دؤري بالهمز، فهو عندنا غلط. وما بها طورىء، قال أبو علي: منسوب إلى الطورة، وفي بعض اللغات الطيرة. وما بها وابرٌ، وما بها نافخ ضرمة وما بها صافرٌ، وما بها ديار؛ وأنشدنا غيره لجرير: وبلدةٍ لبس بها ديّار ... تنشق في مجهولها الأبصار وقال اللحياني: وما أرم، على فعل. وقال أبو زيد: ما بها أرم ولا أريمٌ، على فعيل؛ وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري: تلك القرون ورثنا الأرض بعدهم ... فما يحسّ عليها منهم أرم وقال ابن الأعرابي: ما بها آرمٌ، على فاعل، وما بها أيرميٌّ وإرميٌّ. وقال اللحياني: ما بها وابنٌ ووابرٌ؛ وأنشد ابن الأعرابي: يميناً أرى من آل زبّان وابراً ... فيفلت مني دون منقطع الحبل وقال ابن الأعرابي: وما بها أمرٌ. وقال الأصمعي والكسائي: وما بها شفرٌ؛ وأنشدني ابن الأنباري: فوالله لا تنفك مناً عداوةٌ ... ولا منهم ما دام من نسلنا شفر وقال اللحياني: ما بها شفرٌ ولا شفر. وقال غيره: ما بها طؤويٌّ، على مثال قولك: طعويّ، وما بها طوئيٌّ، على مثال طوعيٍّ؛ وأنشدني أبو بكر بن دريد وأبو بكر بن الأنباري للعجاج: وبلدةٍ ليس بها طوئيٌّ ... ولا خلا الجنّ بها إنسيّ
وزاد اللحياني: ما بها طاويٌّ غير مهموز. أبو زيد: ما بها تأمور، مهموز، أي ما بها أحد. ويقال: ما في الركيّة تأمور، يعني الماء، وهو قياس على الأول. الأصمعي: ما بها كرّابٌ ولا كتيع، أنشدني ابن الأنباري: أجدّ الحيّ فاتملوا سراعاً ... فما بالدار إذ ظعنوا كتيع ولا بها داريٌّ، قال الأصمعي وأبو عمرو: الداريّ: الذي لا يبرح ولا يطلب معاشاً، قال الراجز: لبّث قليلاً يلحق الداريّون ... ذوو الجباب البدّن المكفيّون سوف ترى إن حضروا ما يغنون وحقيقته أنه منسوب إلى الدار للزومه لها. وحكى يعقوب عن غيرهم: ما بها عينٌ ولا عينٌ، وقال الأصمعي: العين: الجماعة؛ وأنشد: إذا رآني واحداً أو في عين ... يعرفني أطرق إطراق الطّحن والطّحن: دويبة تكون في الرمل نثل العظاءة. وزاد أبو عبيد عن الفر!ّاء: ما بها عائنٌ. وزاد اللحياني: وما بها عائنة. وقال غيره: ما بها طارفٌ ولا أنيس. وقال اللحياني: ما بها تامور ولا تومور. وقال ابن الأعرابي: ما بها عائرة عينين. وقال غيره: يقال إن له من المال عائرة عينين، أي مال يعير فيه البصر ها هنا وها هنا من كثرته. و قال أبو عبيدة: عليه مال عائرة عين، يقال هذا للكثير، لأنه من كثرته يملأ العينين حتى يكاد يفقؤهما من كثرته. وسألت أبا بكر عن معنى قول المتنخل: لكن كبير بن هندٍ يو ذلكم ... فتخ الشمائل في أيمانهم روح فقال: فتخ الشمائل مفتوحة الشمائل، لأنهم قد أمسكوا بها الدرق، وأصل الفتخ: اللين والاسترخاء. وقوله: في أيمانهم روحٌ، أي تباعد عن الجنب، لأنهم قد رفعوها بالسيوف وأمالوها للضرب. وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه: العهد عهدان فعهد امرئٍ ... يأنف أن يغدر أو ينقصا يرعى بظهر الغيب إخوانه ... حفظاً ويستقبلهم بالرضا لو قابل السيف على حدّه ... في بعض ما فيه أخوه مضى وعهد ذي لونين ملالةٍ ... يوشك إن ودّك أن يبغضا ليس له صبر على صاحب ... إلا قللاً ريث أن يرفضا خلته مثل الخضاب الذي ... بينا تراه قانياً إذ نضا إن لم تزره قال قد ملّني ... وبالحرى إن زرت أن يعرضا فإن أسأ يوماً فعاتبته ... قال عفا ربك عما مضى ولن تراه الدهر في حالة ... إلا عبوس الوجه قد حمّضا قال أبو علي: أنشدنا أبو بكر عن أبي حاتم: وإن سعيد الجدّ من بات ليلة ... وأصبح لم يؤشب ببعض الكبائر فمولاك لا يهضم لديك فإنما ... هضيمة مولى المرء جدع المناخر وجارك لا يذممك إنّ مسبّة ... على المرء في الأذنين ذمّ المحاور وإن قلت فاعلم ما تقول فإنه ... إلى سامع ممن يغادي وآثر فإنك لا تستطيع ردّ مقالة ... شأتك وزلّت عن فكاهة فاغر كما ليس رامٍ بعد إرسال سهمه ... على رده قبل الوقوع بقادر إذا أنت عاديت الرجال فلا تزل ... على حذرٍ لا خير في غير حاذر ومن لا ياصنع في أمورٍ كثيرةٍ ... يضرّس بأنيابٍ ويوطأ بحافر ترى المرء مخلوقاً وللعين حظّها ... وليس بأحناء الأمور بخابر فذاك كماء البحر لست مسيغه ... ويعجب منه ساجياً كل ناظر وتلقى الأصيل الفاضل الرأي جسمه ... إذا ما مشى في القوم ليس بقاهر كذلك جفنٌ عن طول مكثه ... على حد مفتوق الغرارين باتر وعاشٍ بعينيه لما لا يناله ... كساعٍ برجليه لإدراك طائر ومستنزل حرباً على غير ثروة ... كمقتحم في البحر ليس بماهر وملتمس رداً لمن لا يودّه ... كمعتذر يوماً إلى غير عاذر ومتخذ عذراً فعاد ملامة ... كوالي اليتامى ما لهم غير وافر فسارع إذا سافرت في الحمد واعلمن ... بأنّ ثناء الركب حظّ المسافر وطاوعهم فيما أرادوا وقل لهم ... فدىً للذي رمتم كلال الأباعر فإن كنت حظٍّ من المال فالتمس ... به الأجر وارفع ذكر أهل المقابر فإني رأيت المال يفنى وذكره ... كظلٍّ يقيك الظلّ حرّ الهواجر وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري: سميت معناً يمعنٍ ثم قلت له ... هذا سميّ فتىً في الناس محمود أنت الجواد ومنك الجود أوله ... فإن فقدت فما جودٌ بموجود من نور وجهك تضحى الأرض مشرقةً ... ومن بنانك يجري الماء في العود أضحت يمينك من جود مصورةً ... لا بل يمينك منها صورة الجود خطبة بعض الأعراب في قومه وقد ولاه جعفر بن سليمان بعض مياههم وحدّثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: ولى جعفر بن سليمان أعرابياً بعض مياههم، فخطبهم يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن الدنيا دار بلاغ، والآخرة قرار؛ فخذوا لمقركم من ممركم، ولا تهتكوت أستاركم، عند من لا تخفى عليه أسراركم؛ وأخرجوا من الدنيا قلوبكم، قبل أن تخرج منها أبدانكم؛ ففيها حييتم، ولغيرها خلقتم؛ إن الرجل إذا هلك، قال الناس ما ترك، وقالت الملائكة ما قدم، فلله آباؤكم! قدموا بعضاً، يكن لكم قرضاً؛ ولا تخلّفوا كلا، يكن عليكم كلا؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. وحدّثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: قلت لأعرابي ما تقول في المراء؟ قال: ما عسى أن أقول في شيء يفسد الصداقة القديمة، ويحلّ العقدة الوثيقة؛ أقلّ ما فيه أن يكون دربه للمغالبة، والمغالبة من أمتن أسباب الفتنة. وحدّثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو الحسن بن خضر عن حماد بن إسحاق الموصل قال سمعت أبي يقول: قال رجل من العجم لملكٍ كان في دهره: أوصيك بأربع خلال ترضي بهن ربك، وتصلح بهن رعيّتك؛ ولا يغرّنّك ارتقاء السهل إذا كان المنحدر وعراً؛ ولا تعدنّ عدةً ليس في يدك وفاؤها. واعلم أن لله نقماتٍ فكن على حذر. واعلم أن للأعمال جزاءً فاتّقِ العواقب. وقرأنا على أبي بكر بن دريد قول الشاعر: وعازبٍ قد علا التهويل جنبتيه ... لا تنفع النعل في رقراقه الحافي باكرته قبل أن تلغى عصافره ... مستخفياً صاحبي وغيره الخافي عازب: بعيد لا يأتيه أحد. والتهاويل: الألوان المختلفة من الحمرة والشقرة والصفرة. والجنبة: ضرب من النبات. وقوله: لا تنفع النعل، يقول: لا تنفعه النعل من كثرة نداه. ورقراقه: ما رترقرق منه. وتلغى: تصيح. وحدّثنا أبو بكر بن أبي الأزهر قال حدّثنا الزبير بن بكار قال: كان هارون الرشيد كثيراً ما يستنشد أبي لعبد الله بن مصعب: وإني إن أقصرت من غير بغضةٍ ... لراعٍ لأسباب المودة حافظ وما زال يدعوني إلى الصرم ما أرى ... فآبى وتنثنيني عليك الحفائظ وأنتظر الإقبال بالودّ منكم ... وأصبر حتى أوجعتني المغايظ وأنتظر العتبى وأغضي على القذى ... ألاين طوراً مرةً وأغالظ وجربت ما يسلى المحب عن الصبا ... فأقصرت والتجريب للمرء واعظ وأنشدني أبو يعقوب وراق أبي كبر بن دريد قال أنشدني أحمد بن عبيد الجوهري قال: أنشدت لمخلد الموصلي: أقول لنضوٍ أنفد السير نيهاً ... فلم يبق منها غير عظم مجلّد خذي بي ابتلاك الله بالشوق والهوى ... وشاقك تحنان الحمام المغرد فمرّت حذاراً خوف دعوة عاشق ... تشقّ بي الظلماء في كل فدفد فلما ونت في السير تثنيت دعوتي ... فكانت لها سوطاً إلى ضحوة الغد مطلب قصيدة ذي الإصبع العدواني التي منها البيت الشمهور؛ يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي الخ. وقرأت على أبي بكر بن دريد قصيدة ذي الإصبع العدواني واسمه حرثان بن محرّث، وأملاها علينا الأخفش وأولها في الروايتين: ولي ابن عمٍّ على ما كان من خلق وقرأنا على أبي كبر بن الأنباري فزادنا عن أبيه عن أحمد بن عبيد قبل هذا البيت الأول أبياتاً أولها:
يا من لقلبٍ طويل البث محزون ... أمسى تذكر ريا أم هارون أمسى تذكرها من بعد ما شحطت ... والدهر ذو غلظةٍ حيناً وذو لين فإن يكن حبها أمسى لنا شجنا ... وأصبح الوأي منها لا يواتيني فقد غنينا وشمل الدار يجمعنا ... أطيع ريا وريا لا تعاصيني نرمي الوشاة فلا نحظى مقاتلهم ... بصادقٍ من صفاء الود مكنون ولي ابن عمر على ما كان من خلق ... مختلفان فأقليه ويقليني أزرى بنا أننا شالت نعامتنا ... فخالني دونه خلته دوني لاه ابن عمك لا أفضلت في حسبٍ ... عني ولا أنت دياني فتخزوني ولا تقول عيالي يو مسبغةٍ ... ولا بنفسك في العزاء تكفيني فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي ... فإن ذلك مما ليس يشجيني ولا يرى فيّ غير الصبر منقصةٌ ... وما سواه فإن الله يكفيني لولا أواصر قربي لست تحفظها ... ورهبة الله في مولىً يعاديني إذاً بريتك برياً لا انجبار له ... إني رأيتك لا تنفك تبريني إن الذي يقبض الدنيا ويبسطها ... إن كان أغناك عني سوف يغنيني ألله يعلمني والله يعلمكم ... والله يجزيكم عني ويجزيني ماذا عليّ وإن كنمت ذوي رحمي ... ألا أحبكم إذ لم تحبوني لو تشربون دمي لم يرو شاربكم ... ولا دماؤكم جمعاً ترويني ولي ابن عم لو أن الناس في كبدٍ ... لظلّ محتجراً بالنبل يرميني يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حيث تقول الهامة اسقوني عني إليك فما أمي براعية ... ترعى المخاض ولا رأيي بمغبون إني أبيٌّ أبيٌّ ذو محافظة ... وابن أبيٍّ أبيٍّ من أبيين لا يخرج القسر مني غير مأبيةٍ ... ولا ألين لمن لا يبتغي ليني عفٌّ ندودٌ إذا ما خفت من بلدٍ ... هوناً فلست بوقافٍ على الهون كل امرئ صائر يوماً لشيمته ... وإن تخلّق أخلاقاً إلى حين والله لو كرهت كفي مصاحبتي ... لقلت إذ كرهت قربي لها بيني إني لعمرك ما بابي بذي غلقٍ ... عن الصديق ولا خيري بممنون وما لساني على الأذى بمنطلق ... بالنكرات ولا فتكي بمأمون عندي خلائق أقوام ذوي حسبٍ ... وآخرين كثير كلهم دوني وأنتم معشرٌ زيدٌ على مائة ... فأجمعوا أمركم طراً فكيدوني فإن علمتم سبيل الرشد فانطلقوا ... وإن جهلتم سبيل الرشد فأتوني يا ربّ ثوب حواشيه كأوسطه ... لاعيب في الثوب من حسن ومن لين يوماً شددت على فرغاء فاهقةٍ ... طوراً من الدهر تاراتٍ تماريني قد كنت أعطيم مالي وأمنحكم ... ودي على مثبتٍ في الصدر مكنون يا رب شديد الشغب ذي لجب ... دعوتهم راهنٍ منهم ومرهون رددت باطلهم في رأس قائلهم ... حتى يظلوا جميعاً ذا أفانين يا عمرو لو لنت ألفيتني يسراً ... سمحاً كريماً أجازي من يجازيني " مطلب وصف صعصعة بن صوحان للناس وقد سأله معاوية ذلك " وحدّثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة قال: قال معاوية لصعصعة بن صوحان: صف لي الناس، فقال: خلق الناس أخيافاً: فطائفة للعبادة، وطائفة للتجارة؛ وطائفة خطباء؛ وطائفة للبأس والنجدة؛ ورجرجة فيما بين ذلك، يكدورن الماء، ويغلون السعر، ويضيقون الطريق. قال أبو علي: الرجرجة: شرار الناس ورذالهم؛ وأصل الرجرجة: الماء الذي قد خالطه لعاب، وجمعه رجارج؛ قال هميان بن قحافة: فأسأرت ف يالحوض حضجاً حاضجاً ... قد عاد من أنفاسها رجارجا
وقال اللحياني: الرجرج: اللعاب؛ قال ابن مقبل: كاد اللعاب من الخوذان يسحطها ... ورجرجٌ بين لحييها حناطيل " حديث قيس بن رفاعة مع الحارث بن أبي شمر الغساني " وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو عثمان عن التنوزي عن أبي عبيدة قال: كان قيس بن رفاعة يفد سنةً إلى النعمام اللخمي بالعراق وسنةً إلى الحارث بن أبي شمر الغساني بالشام؛ فقال له يوماً وهو عنده: يابن رفاعة، بلغني أنك نفضل النعمان عليّ، قال: وكيف أفضله عليك أبيت اللعن! فوالله لقفاك أحسن وجهه، ولأمك أشرف من أبيه، ولأبوك أشرف من جميع قومه، ولشمالك أجود من يمينه، ولحرمانك أنفع من نداه، ولقليلك أكثر من كثيره، ولثمادك أغزر من غديره، ولكرسيك أرفع من سريره، ولجدولك أغمر من بحوره، وليومك أفضل من شهوره، ولشهرك أمد من حوله، ولحولك خير من حقبه، ولزندك أورى من زنده، ولجندك أعز من جنده، وإنك لمن غسان أرباب الملوك، وإنه لمن لخمٍ الكثيري النوك، فكيف أفضله عليك! وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي قال حدّثني عبد الله ابن شبيب قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري قال قال معاوية: لقد وضعت رجلي في الركاب يوم صفين غير مرة، فما يمنعني من الانهزام إلا أبيات ابن الإطنابة: أبت لي عفتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح وإعطائي على الإعدام مالي ... وضربي هامة البطل المشيح وقولي كلما جشأت وجاشت ... رويدك تحمدي أو تستريحي لأدفع عن مآثر صالحاتٍ ... وأحمي بعد عن عرضٍ صحيح قال أبو علي: المشيح: المبادر المنكمش، ويقال: بطل مشيح، أي حامل، وقال الأصمعي: شايحت في لغة تميم وقيس: حاذرت، وفي لغة هذيل: جددت في الأمر. وحدّثنا أبو بكر عن أبي حاتم عن أبي زيد عن المفضل الضبيّ قال: كنت مع إبراهيم ابن عبد الله بن الحسن صاحب أبي جعفر في اليوم الذي قتل فيه، فلما رأى البياض يقل والسواد يكثر قال لي: يا مفضل، أنشدني شيئاً يهوّن عليّ بعض ما أرى، فأنشدته: ألا أيها الناهي فزاده بعدما ... أجدت لغزو إنما أنت حالم أرى كل ذي تبلٍ يبيت بهمه ... ويمنع منه النوم إذ أنت نائم قعوا وقعةً من يحى يخز بعدها ... وإن يخترم لم تتبعه الملاوم قال فرأيته يتطاول على سرجه، ثم حمل كانت آخر العهد به. وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه لأبي سعد المخزومي: من لي بردّ الصبا واللهو والغزل ... هيهات ما فات من أيامك الأول طوى الجديدان ما قد كنت أنشره ... وأنكرتني ذوات الأعين النّجل وقد نهاني النهي عنها وأدبني ... فلست أبكي على رسمٍ ولا طلل مالي وللدمنة البوغاء أندبها ... وللمنازل من خوفٍ ومن ملل متى ينال الفتى اليقظان همته ... إذ المقام بدار اللهو والغزل في الخيل والخافقات السود لي شغلٌ ... ليس الصبابة والصهباء من شغلي ما كان لي أملٌ في غير نكرمة ... والنفس مقرونة بالحرص والأمل ذنبي إلى الخيل كرى في جوانبها ... إذا مشى الليث فيها مشى مختبل ولي من الفيلق الجاواء غمرتها ... إذا تقحّمها الأبطال بالحيل كم جأنبٍ خشنٍ صبّحت عارضه ... بعارضٍ للمنايا مسبل هطل وغمرةٍ خضب أعلاها وأسفلها ... بالضرب والطعن بين البيض والأسل سل الجرادة عني يوم تحملني ... هل فاتني بطلٌ أو خمت عن بطل وهل شآني إلى الغيات سابقها ... وهل فزعت إلى غير القنا الذبل مالي أرى ذمتي يستمطرون دمي ... ألست أولاهم بالقول والعمل كيف السبيل إلى وردٍ خبعثنة ... طلائع الموت وأنيابه العصل وما يريدون لولا الحين من أسدٍ ... بالليل مشتملٍ بالجمر مكتحل لا يشرب الماء إلا من قليب دمٍ ... ولا يبيت له جارٌ على وجل لولا الإمام ولولا حق طاعته ... لقد شربت دماً أحلى من العسل وقرأت على أبي بكر بن دريد للفند الزماني واسمه شهل بن شيبان: صفحنا عن بني ذهلٍ ... وقلنا القوم إخوان عسى الأيام أن يرجع ... ن قوماً كالذي كانوا فلما صرّح الشرّ ... فأمسى وهو عريان ولم يبق سوى العدوا ... ن جنّاهم كما دانوا مشينا مشية الليث ... غدا والليث غضبان قال أبو علي: يروى عدا وغدا بالعين والغين، ويروى شددنا شدة الليث فمن روى شددنا فالأجود عدا بالعين غير المعجمة، ومن روى مشينا. فالأجود غدا بالغين المعجمة بضربٍ فيه توهينٌ ... وتخضيعٌ وإقران وأنشدنا أبو بكر عن أبيه عن أبي رستم مستملي يعقوب هذا البيت: بضرب فيه تأييمٌ ... وتفجيعٌ وإرنان وطعنٍ كفم الزق ... غدا والزق ملآن وفي الشر نجاةٌ حي ... ن لا ينجيك إحسان وبعض الحلم عند الجه ... ل للذلة إذعان وقرأت عليه لأبي الغول الطهوي وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه إلى آخر بيت فيه: فدت نفسي وما ملكت يميني ... فوارس صدّقوا فيهم ظنوني فوارس لا يملون المنايا ... إذا دارت رحى الحرب الزبون ولا يجزون من حسنٍ بسيءٍ ... ولا يجزون من غلظٍ بلين ولا تبلى بسالتهم وإن هم ... صلوا بالحرب حيناً بعد حين هم منعوا حمى الوقبى بضرب ... يؤلّف بين أشتات المنون فنكّب عنهم درء الأعادي ... وداووا بالجنون من الجنون ولا يرعون أكناف الهويني ... إذا حلّوا ولا روض الهدون وحدثني أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: رأيت رجلاً بالجفر من بني العنبر بن لوثة بل هوج ظاهر أحفظ خلق الله للشعر، وكان إذا قال له قائل: أنشدنا، تمر له وشتمه، وإذا أنشد وحدّث اندفق منه ثبج بحر مع فصاحة وحسن إنشاد، فأنشدني يوماً من غير أن أستنشده: فدت نفسي وما ملكت يميني الأبيات كلها وحدّثنا أبو بكر عن أبي حاتم قال: لم يرث أحدٌ قتيلاً قومه إلا قيس بن زهير، فإنه رثى حذيفة بن بدر وبنو عبس تولت قتله: ألم تر أن خير الناس أضحى ... علىجفر الهباءة ما يريم ولولا بغيه مازلت أبكى ... عليه الدهر ما بدت النجوم ولكنّ الفتى حمل بن بدرٍ ... بغى والبغي مرتعه وخيم أظنّ الحلم دلّ على قومي ... وقد يستجهل الرجل الحليم " مطلب حديث الأصمعي مع امرأة ثكلى من بني عامر نزل بها " وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: نزلت على امرأة من بني عامر بن صعصعة وقد مات ابنٌ لها، وهي من القلق على مثل الرضفة، فقامت تعالج لي طعاماً، فقلت لها: يا هذه، إنك لفي شغل عن هذا، فقالت: والله لا تجوز بيتي إلا مقرياً، ولكن أنشدني أبياتاً أسلوبهنّ، فإني أراك لوذعياً، فأنشدتها أبيات نويرة بن حصين المازني يرثي ابنه: إني أرى للشامتين تجلدي ... وإني كالطاوي الجناح على كسر يرى واقعاً لم يدر ما تحت ريشه ... وإن ناء لم يسطع نهوضاً إلى وكر فلولا سرور الشامتين بكبوتي ... لما رقأت عيناي من واكفٍ يجري على من كفاني والعشيرة كلها ... نوائب ريب الدهر في عثرة الدهر ومن كانت الجارات تأمن ليله ... إذا خفن من باتت غوائله تسري بصير بما فيه لهنّ حصانةٌ ... غبيٌّ عن المحجوب بالباب والستر يكفّ أذاه بعد ما بذل عرفه ... ويحلم حلماً لا يذم ولا يزري ويأخذ ممن رام بالهصر هيضه ... إذا ما أراد الأخذ بالهصر والقسر ولا ينظر الأيسار إن نال يسره ... ولا ينثني عن فعل خير لدى العسر ولا يتأرّى للعواقب إن رأى ... له فرصةً يشفى بها وحر الصدر ولكنه ركّاب كل عظيمة ... يضيق بها صدر الحسود على الأمر ولست وإن خبّرت أن قد سليته ... بناسٍ أبا سوداء إلا على ذكر شمائل منه طيبات يعدنني ... وأخلاق محمودٍ لدى الزاد والقدر فتى شعشع يروى السنان بكفه ... ويجمع للمولى العطاء مع النصر قال: فكأني والله زبرت الأبيات في صدرها، فما زالت تنشدها وتصلح طعامي حتى قرتني ورحت من عندها. وقرأت على أبي بكر لقيس بن زهير: شفيت النفس من حمل بن بدرٍ ... وسيفي من حذيفة قد شفاني فإن أك قد بردت بهم غليلي ... فلم أقطع بهم إلا بناني وقال قرأت عليه للحارث بن وعلة الجرمي: قومي هم قتلوا أُميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي فلئن عفوت لأعفون جللاً ... ولئن سطوت لأوهنن عظمي لا تأمنن قوماً ظلمتهم ... وبدأتهم بالشتم والرغم أن يأبروا نخلاً لغيرهم ... والشيء تحقره وقد ينمى وزعمتم أن لا حلوم لنا ... " إنّ العصا قرعت لذي الحلم " ووطئنا وطئاً على حنقٍ ... وطء المقيد نابت الهرم وتركتنا لحماً على وضمٍ ... لو كنت تستبقي من اللحم وقرأت عليه لأعرابي قتل أخوه ابنه، فقدم إليه ليقتاد منه فألقى السيف من يده وهو يقول: أقول للنفس تأساءً وتعزيةً ... إحدى يدي أصابتني ولم ترد كلاهما خلفٌ من فقد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي وأملاهما علينا نفطويه. وأنشدنا أبو بكر عن أبي عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة لهشام أخي ذي الرمة: تعزيت عن أوفى بغيلان بعده ... عزاءً وجفن العين ملآن مترع نعى الركب أوفي حين وافت ركابهم ... لعمري لقد جاءوا بشرٍّ وأوجعوا نعوا باسق الأخلاق لا يخلفونه ... تكاد الجبال الصمّ منه تصدع خوى المسجد المعمور بعد ابن دلهمٍ ... وأمسى بأوفى قومه قد تضعضعوا فلم ينسي أوفى المصيبات بعده ... ولكنّ نكء القرح بالقرح أوجع " مطلب شرح مادة غ ر ر " قال أبو علي قال أبو نصر: يقال كانذ لك في غرارتي وحداثتي، أي في غرتي. وعيشٌ غرير إذا كان لا يفزع أهله. وامرأة غريرة إذا لم تجرب الأمور، ورجل غرّ وامرأة غرٌّ إذا كانا غير مجربين للأمور. ويقال: ما غرك بفلان، أي كيف اجترأت عليه. قال الله عز وجل " ما غرك بربك الكريم " . ويقال: من غرك من فلان، أي من أوطأك عشوةً. وفي عشوة ثلاث لغات، يقال: عِشوة وعَشوة وعُشوة. ويقال: أنا غريرك من فلان أي لن يأتيك منه ما تغتر به. كأنه قال: أنا القيّم لك ذباك. ويقال: اتانا على غرارٍ وغشاش، أي على عجلة. ويقال: ما نومه إلا غرار،أي قليل، ويقال: غارت الناقة تغار غراراً إذا رفعت لينها. والغرور: مكاسر الجلد، واحدها غرٌ؛ قال دكين بن رجاء الفقيمي: كأن غرّ إذ تجنبنه ... سير صناعٍ في خريز تكلبه يعني أن تثنى الشعرة أو الليفة ثم تدخل السير في ثنى الشعرة المثنية ثم تجذبه فتخرج السير مع الشعرة. وزعموا أن رؤبة بن العجاج اشترى ثوباً من بزاز فلما استوجبه قال: اطوه على غره، أي على كسور طيه. ويقال: ضرب نصله على غرارٍ واحد، أي على مثال واحد؛ قال الهذلي: سديد العير لم يدحض عليه ال ... غرار فقدحه زعلٌ دروج ويقال: ليت هذا اليوم غرار شهرٍ في الطول، أي مثال شهر في الطول. والغراران ما عن يمين النصل وشماله. وغرار السيف: حدّه؛ قال الأصمعي يقال: بني بنو فلان بيوتهم على غرارٍ واحد، أي على سطر واحد. ويقال: غرّ الظائر فرخه غراً إذا زفه؛ وقرأت على أبي بكر للشماخ: ولما رأيت الأمر عرش هويةٍ ... تسليت حاجات الفؤاد بشمّرا
قوله: ولما رأيت الأمر عرش هوية، مثلٌ. والعرش: الخشب الذي يطوى به أعلى البئر، قال أبو زيد: البئر المعروشة: التي طويت قدر قامة من أسفلها بالحجارة ثم طوى سائرها بالخشب وحده وذلك الخشب هو العرش. قال الأصعمي: المعروشة: المطوية بالخشب، والساقي إذا قام على العرش فهو على خطرٍ إن زلق وقع في البئر. والهوية: البئر، يقول: لما رأيت الأمر شديداً ركبت شمّر، وشمر اسم ناقته. " حديث المهلب بن أبي صفرة مع رجل من الخوارج كان مختفياً في عسكره يريد اغتياله " وحدّثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد المهلبي قال: قيل للمهلب: إن فلاناً عينٌ للخوارج في عسكرك، وإنه يتكفن بالسلاح إذا دعوا للحرب ليغتالك ويلحق بالخوارج؛ فبعث إليه، فأتى به فقال له: قد تقرر عندنا كيدك لنا، ولم نقدم من أمرك على ما عزمنا عليه إلا بعد ما لم يدع اليقين للشك معترضاً، فاختر أي قتلة تحب أن أقتلك؟ فقال: سيفٌ مجهز أو عطفة كريم محتقرٍ لضغن ذوي الضغائن، قال: فإنها عطفة كريم محتقر للذنوب، فخلى سبيله، فكان بعد ذلك من أوثق أصحابه عنده. وحدّثنا أيضاً قال حدّثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد قال: أوفد المهلب كعب بن معدان الأشقري حين هزم عبد ربه الأصغر وأحلى قطرياً حتى أخرجه من كرمان نحو أرض خرسان، فقال له الحجاج: كيف كانت محاربة المهلب للقوم؟ قال: كان إذا وجد الفرصة سار كما يسور الليث، وإذا دهمته الطحمة راغ كما يروغ الثعلب، وإذا ماده القوم صبر صبر الدهر، قال: وكيف كان فيكم؟ قال: كان لنا منه إشفاق الوالد الحدب، وله منا طاعة الولد البر، قال: فكيف أفلتكم قطريٌّ؟ قال: كادنا ببعض ما كدناه به، والأجل أحصن جنّة وأنفذ عدّة، قال: فكيف اتبعتم عبد ربه وتركتموه؟ قال: آثرنا الحد على الفل، وكانت سلامة الجند أحب إلينا من شجب العدو، فقال له الحجاج: أكنت أعددت هذا الجواب قبل لقائي؟ قال: لا يعلم الغيب إلا الله. وحدّثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو حاتم قال: أتيت أبا عبيدة ومعي شعر عروة بن الورد فقال لي: ما معك؟ فقلت: شعر عروة، فقال: فارغٌ حمل شعر فقير ليقرأه على فقير، فقلت له: ما معي غيره، فأنشدني أنت ما شئت، فأنشدني: يا ربّ ظلّ عقابٍ قد وقيت بها ... مهري من الشمس والأبطال تجتلد ورب يوم حمى أرعيت عقوته ... خيلي اقتصاراً وأطراف القناقصد ويوم لهوٍ لأهل الخفض ظل به ... لهوى اصطلاء الوغى وناره تقد مشهراً موقفي والحرب كاشفةٌ ... عنها القناع وبحر الموت يطرد ورب هاجرةٍ تغلي مراجلها ... مخرتها بمطايا غارةٍ تخد تجتاب أودية الأفزاع آمنةً ... كأنها أسدٌ تقتادها أسد فإن أمت حتف أنفي لا أمت كمداً ... على الطعان وقصر العاجز الكمد ولم أقل لم أساق الموت شاربه ... في كأسه والمنايا شرعٌ ورد ثم قال: هذا الشعر! لا ما تعللون به أنفسكم من أشعار المخانيث! قال أبو بكر: والشعر لقطري ابن الفجاءة. " حديث المفضل الضبي وقد دخل على المهدي فاستنشده " وحدّثنا قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي زيد عن المفضل الضبي قال: دخلت على المهدي فقال لي قبل أن أجلس: أنشدني أربعة أبيات لا تزد عليهن - وعنده عبد الله بن مالك الخزاعي - فأنشدته: وأشعث قد قدّ الشفار قميصه ... يجر شواءً بالعصا غير منضج دعوت إلى ما نابني فأجابني ... كريمٌ من الفتيان غير مزلج فتىً يملأ الشيزى ويروي سنانه ... ويضرب في رأس الكمي المدجج فتى ليس بالراضي بأدنى معيشة ... ولا في بيوت الحي بالمتولج فقال المهدي: هو هذا - وأشار إلى عبد الله بن مالك - فلما انصرفت بعث إليّ بألف دينار، وبعث إلي عبد الله بأربعة آلاف درهم. وقرأت على أبي بكر لعبد الرحمن بن زيد: يؤسى عن زيادة كلّ حيٍّ ... خلي ما تأوبه الهموم فلو كنت القتيل وكان حياً ... لطالب لا ألف ولا سئوم ولا هيّابةٌ بالليل نكسٌ ... ولا ضرعٌ إذا أمسى نؤوم وكيف تجلد الأقوام عنه ... ولم يقتل به الثأر المنيم وغشومٌ حين يبصر مستقادٌ ... وخير الطالبي الترة الغشوم وأنشدنا أبو بكر بن أبي الأزهر مستملي أبي العباس محمد بن يزيد قال: أنشدنا الزبير لأبي الهيذام المري في أخيه: سأبكيك بالبيض الرقاق وبالقنا ... فإن بها ما يدرك الماجد الوترا ولست كمن يبكي أخاه بعبرة ... يعصرها من جفن مقلته عصرا وإنا أناسٌ ما تفيض دموعنا ... على هالك منا وإن قصم الظهرا وأنشدنا ابو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى: ولقد رأيت مطيةً معكوسة ... تمشي بكلكلها وتزجيها الصبا ولقد رأيت سبيئة من أرضها ... تسبي القلوب وما تنيب إلى هوى ولقد رأيت الخيل أو أشباهها ... تثنى معطّفةً إذا ما تجتلى ولقد رأيت جواراً بمفازة ... تجري بغير قوائم عند الجرا ولقد رأيت غضيضةً هركولةً ... رود الشباب غريرةً عادت فتى ولقد رأيت مكفراً ذا نعمةٍ ... جهدوه بالأعمال حتى قدوني قال أبو العباس: المطبة المعكوسة: سفينة. والسبيئة من أرضها: خمرٌ. والخيل أو أشباهها عني بها تصاوير في وسائد. وجوارياً بمفازة، عني بهن السراب. والغضيضة الهركولة: امرأة. وعادت، من العيادة. ومكفراً ذا نعمة، عني به السيف. وأنشدنا أبو بكر بن السراج لعلي بن أبي العباس الرومي: خجلت خدود الورد من تفضيله ... خجلاً توردها عليه شاهد لم يخجل الورد المورد لونه ... إلا وناحله الفضيلة عاند للنرجس الفضل المبين وإن أبى ... آبٍ وحاد عن الطريقة حائد فصل القضية أن هذا قائد ... زهر الرياض وأن هذا طارد شتان بين اثنين هذا موعدٌ ... بتسلب الدنيا وهذا واعد وإذا احتفظت به فأمتع صاحبٍ ... بحياته لو أن حياً خالد ينهى النديم عن القبيح بلحظه ... وعلى المدامة والسماع مساعد أطلب بعيشك في الملاح سميّه ... أبداً فإنك لا محالة واجد والورد إن فتشت فردٌ في اسمه ... ما في الملاح له سميٌّ واحد هذي النجوم هي التي ربتهما ... بحياً السحاب كما يربي الوالد فتأمل الأخوين من أدناهما ... شبهاً بوالده فذاك الماجد أين الخدود من العيون نفاسةً ... ورياسة لولا القياس الفاسد وأنشدني أبو المياس قال أنشدني الأخيطل لنفسه بواسط: سقياً لأرضٍ إذا ما شئت نبهني ... بعد الهدوء بها قرع النواقيس كأن سوسنها في كل شارقة ... على الميادين أذناب الطواويس وأنشدنا أبو بكر بن أبي الأزهر قال أنشدنا الزبير: نجوم وأقمارٌ من الزهر طلع ... لذي اللهو في أكنافها متمنع نشاوى تثنيها الرياح فتنثني ... ويلثم بعضٌ بعضها ثم ترجع كأن عليها من مجاجة طلها ... لآلئ إلا أنها هي ألمع ويحدها عنها الصبا فكانها ... دموعٌ مراها البين والبين يفجع وحدّثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو عثمان عن سعيد بن سعدة الأخفش قال: اعتذر رجل من العرب إلى بعض ملوكهم فقال: إن زلتي وإن كانت قد أحاطت بحرمتي، فإن فضلك يحيط بها، وكرمك يوفي عليها، ثم قال: إني إليك سلمت كانت رحلتي ... أرجو الإله وصفحك المبذولا إن كان ذنبي قد أحاط بحرمتي ... فأحط بذنبي عفوك المأمولا وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو عثمان قال خدثنا أبو قلابة الجرمي قال: تخلفت عن حلقة العتبي أياماً، فكتب إليّ: تركتنا ترك رجلٍ أوحده جرمٌ، أو أغناه علم، فإن كان عن جرم فعن غير إرادة بقلب ولا تعمد بلسان، وإن كان عن علم غنيت به فتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين.
وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو عثمان عن العتبي قال: قال عبد الله بن علي على بعد قتله من قتل من بني أمية لإسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاصي: أساءك ما فعلت بأصحابك؟ فقال: كانوا يداً فقطعتها، وعضداً ففتتها، ومرةً فنقضتها، وركناً فهدمته، وجناحاً فهضته؛ فقال: إني لخليق أن ألحقك بهم، قال: إني إذاً لسعيد. وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو عثمان عن العتبي قال: تذاكر قوم في مجلس الأحنف الطعام والنساء، فقال الأحنف: جنبوا مجالسكم النساء والطعام، فإني أكره للرجل السري أن يكون وصّافاً لبطنه وقد عرف ما يحور إليه، ولفرجه وقد علم أين مجلسه. " قصيدة السموءل بن عادياء " قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر للسموءل بن عادياء اليهودي: إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل إذا المرء لم يحمل على النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل تعيرنا أنا قليلٌ عديدنا ... فقلت لها إن الكرام قليل وما قلّ من كانت بقاياه مثلنا ... شبابٌ تسامى للعلا وكهول وما ضرنا أنا قليلٌ وجارنا ... عزيزٌ وجار الأكثرين ذليل لنا جيلٌ يحتله من نجيره ... منيعٌ يرد الطرف وهو كليل رسا أصله تحت الثرى وسما به ... إلى النجم فرعٌ لا يرام طويل وإنا لقومٌ ما نرى القتل سبّة ... إذا ما رأته عامرٌ وسلول يقرب حبّ الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول وما مات منا سيد حتف أنفه ... ولا طل منا حيث كان قتيل قال أبو علي وهذا مثل قول عمرو بن شأس: لسنا نموت على مضاجعنا ... بالليل بل أدواؤنا القتل تسيل على حد الظبات نفوسنا ... وليست على غير السيوف تسيل صفونا فلم نكدر وأخلص سرنا ... إناث أطابت حملنا وفحول علونا إلى خير الظهور وحطنا ... لوقت إلى خير البطون نزول فنحن كماء المزن ما في نصابنا ... كهام ولا فينا يعد بخيل وننكر إن شئنا على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول اذا سيد منا خلا قام سيد ... قؤول لما قال الكرام فعول وما أخمدت نار لنا دون طارق ... ولا ذمنا في النازلين نزيل وأيامنا مشهورة في عدونا ... لها غرر معلومة وحجول وأسيافنا في كل غرب ومشرق ... بها من قراع الدارعين فلول معول ألا تسل نصولها ... فتغمد حتى يستباح قبيل سلى إن جهلت الناس عنا وعنهم ... وليس سواء عالم وجهول فأن بنى الديان قطب لقومهم ... تدور رحاهم وتجول و أنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى للفرزدق: يفلقن هامن لم تنله سيوفنا ... بأسيافنا هام الملوك القماقم قال أبو العباس: هاتنبيه والتقدير يفلقن بأسيافنا هام الملوك القماقم، ثم قال: ها للتنبيه، ثم قال مستفهماً: من لم تنله سيوفنا؟ . قال أبو بكر: وسمعت شيخاً منذ حين يعيب هذا الجواب ويقول: يفلقن هاماً جمع هامة، وهام الملوك مردود على هاماً ، كما قال جل ثناؤه: " إلى صراط مستقيم صراط الله " فاحتججت عليه بقوله لم تنله، وقلت له: لو أراد الهام لقال: لم تنلها لأن الهام مؤنثة لم يؤثر عن العرب فيها تذكيره ، ولم يقل أحد منهم: الهام فلقته، كما قالوا: النخل قطعته، والتذكير والتأنيث لا يعمل قياساً إنما يبنى فيه على السماع واتباع الأثر. وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي لمطيع بن إياس الكوفي يرثي يحيى بن زياد الحارثي: وينادونه وقد صم عنهم ... ثم قالوا وللنساء نحيب ما الذي غال أن تحير جواباً ... أيها المصقع الخطيب الأديب فلئن كنت لا تحير جواباً ... فما قد ترى وأنت خطيب في مقال وما وعظت بشىء ... مثل وعظ بالصمت اذ لا تجيب وقرأت على أبي بكر في أشعار هذيل - ولم أر أحداً يقوم بأشعار هذيل غيره - لأبي حراش الهذلي: حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا ... حراش وبعض الشر أهون من بعض فوالله لا أنسى قتيلاً رزئته ... بجانب قوسي ما مشيت على الأرض بلى إنها تعفو الكلوم وإنما ... نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي ولم أدر من ألقى عليه رداءه ... خلا أنه قد سل عن ماجد محض ولم يك مثلوج الفؤاد مهبجاُ ... أضاع الشباب في الربيلة والخفض ولكنه قد لوحته مخامصٌ ... على أنه ذو مرة صادق النهض كأنهم يشبثون بطائرٍ ... خفيف المشاش عظمه غير ذي نحض يبادر قرب الليل فهو مهابذ ... يحث الجناح بالتبسط والقبض قال أبو علي: المثلوج: البليد، ومثله فول الآخر: ولكن قلباً بين جنبيك بارد والمهبج: المنتفخ، ويروى: مهبلاً، وهو الثقيل الجافي. والربلية: الخفض والدعة، ويروى الربالة، وهو كثرة اللحم لا اللحم نفسه. والمهابذ: المجاهد في العدو والسير، ويقال:أهذب وأهبذ إذاً اجتهد في الإسراع. وقرأت عليه لأبي عطاء السندي في ابن هبيرة: ألا إن عيناً لم تجد يوم واسط ... عليك بجاري دمعها لجمود عشيّة قام النائحات وشقتت ... جيوبٌ بأيدي مأتمٍ وخدود فإن تمس مهجور الفناء فربّما ... أقام به بعد الوفود وفود فإنك لم تبعد على متعهد ... بلى كل من تحت التراب بعيد وأملى علينا أبو بكر بن الأنباري هذه القصيدة لجميل قال: وقرأتها على أبي بكر بن دريد في شعر جميل، وفي الروايتين آختلاف في تقديم الاْبيات وتاْخيرها وفي اْلفاظ بعض البيوت: ألا ليت أيام الصّفاء تعود ... ودهراً تولّى يا بثين جديد فنغنى كما كنّا نكون وأنتم ... صديق وإذا ما تبذلين زهيد خليلي ما أخفي من الوجد ظاهرٌ ... فدمعي بما أخفي لغداة شهيد ألا قد أرى والله أن ربّ عبرةٍ ... اذا الدار شطّت بيننا سترود إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي ... من الحب قالت ثابتٌ ويزيد وإن قلت ردي بعض عقلي أعش به ... مع الناس قالت ذاك منك بعيد فلا أنا مردودٌ بما جئت طالباً ... ولا حبها فيما يبيد يبيد جزتك الجوازي با بثين ملامةً ... إذا ما خليلٌ راح وهو حميد وقلت لها بيني وبينك فاعلمي ... من الله ميثاقٌ لنا وعهود وقد كان حُبيّكم طريفاً وتالداً ... وما الحب إلا طارفٌ وتليد وإن عروض الوصل بني وبينها ... وإن سهلته بالمنى لكؤد فأفنيت عيشي بانتظاري نوالها ... وأبلت بذاك الدهر وهو جديد فليت وشاة الناس بيني وبينها ... تذوف لهم سمّاً طماطم سود وحدّثني أبو بكر بن الأنباري قال حدّثني أبي قال: أنشدنا أحمد بن عبيد لامرأة من الأعراب لعمرك ما الرزية فقد مال ... ولا شاةٌ تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد قرمٍ ... يموت بموته بشرٌ كثير قال أبو علي: وانشديهما بعض أصحابنا وقال في البيت الأول: " هلك مال " وقال الثاني: " هلك ميتٍ " و " خلقٌ كثير " . وأنشدني بعض أصحابنا لعلي بن العباس الرومي: خير ما استعصمت به الكف غضبٌ ... ذكرٌ حده أنيث المهز ما تأملته بعينيك إلا ... أرعشت صفحتاه من غير هز ما أبالي أصممت شفرتاه ... في محزٍّ أم جارتا عن محزّ مطلب خطبة المأمون الحارثي في نادي قومه
وحدّثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو عثمان عن التنوزي عن أبي عبيدة قال: قعد المأمون الحارثي في نادي قومه فنظر إلى السماء والنجوم ثم أفكر طويلاً ثم قال: أرعوني أسماعكم، وأصغوا إليّ قلوبكم، يبلغ الوعظ منكم حيث أريد؛ طمح بالأهواء الأشر، وران على القلوب الكدر، وطخطخ الجهل النظر، وإن فيما نرى لمعتبراً لمن اعتبر أرضٌ موضوعة، وسماءٌ مرفوعة؛ وشمس تطلع وتغرب، ونجوم تسري فتغرب؛ وقمرٌ تطلعه النحور، وتمحقه أدبار الشهور؛ وعاجزٌ مثرٍ، وحولٌ مكدٍ، وشابٌ مختضر، ويفن قد غبر؛ وراحلون لا يؤوبون، وموقوفون لا يفرطون؛ ومطرٌ يرسل بقدر، فيحيي البشر، ويورق الشجر، ويطلع الثمر، وينبت الزهر؛ وماء يتفجر من الصخر الأير، فيصدع المدر عن أفنان الخضر؛ فيحيي الأنام، ويشبع السوام،وينمي الأنعام؛ إن في ذلك لأوضح الدلائل على المدبر المقدر، البارئ المصور. يا أيها العقول النافرة، والقلوب النائرة؛ أنّى تؤفكون، وعن أي سبيل تعمهون، وفي أي حيرة تهيمون، وإلى أي غاية توفضون؛ لو كشفت الأغطية عن القلوب، وتجلت الغشاوة عن العيون، لصرح الشك عن اليقين؛ وأفاق من نشوة الجهالة، من استولت عليه الضلالة. قال أبو علي: قوله طمح: ارتفع وعلا. وران: غاب؛ قال عبدة بن الطبيب: أوردته القوم قد ران النعاس بهم ... فقلت إذ نهلوا من جمهه فيلوا ران بهم: غلب، قال الله تعالى: " كلا بل ران على قلوبهم " . وطخطخ: أظلم. والمختضر: الذي يموت حدثاً، وهو مأخوذ من الخضرة، كأنه حصد أخضر. وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: كان شاب من العرب يلقى شيخاً منهم فيقول: استحصدت يا عماه! فيقول له الشيخ: يا بن أخي وتختضرون، فمات الشاب قبل الشيخ بمدة طويلة. ويفرطون: يقدمون. وقال أبو عبيدة قال الأموي: الحجر الأيرّ على مثال الأصم: الصلب. وتوفضون: تسرعون، يقال: أوفض إيفاضاً إذا أسرع، قال الله جل وعز: " كأنهم إلى نصبٍ يوفضون " . فأما يفيضون فيدفعون، قال الأصمعي: يقال أفاض من عرفة إلى منىً أي دفع. " مطلب ما دار بين معاوية بن أبي سفيان وعرابة بن أوس من الحديث " وحدّثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا الرياشي عن العتبي عن رجل من الأنصار من أهل المدينة قال: قال معاوية لعرابة بن أوس بن حارثة الأنصاري: بأي شيء سدت قومك يا عرابة؟ قال: وأصبحت في أمر العشيرة كلها ... كذي الحلم يرضى ما يقول ويعرف وذاك لأني لا أعادي سراتهم ... ولا عن أخي ضرائهم أتتكف وإني لأعطي سائلي ولربما ... أكلف ما لا أستطيع فأكلف وإني لمذموم إذا قيل حاتم ... نبا نبوةً إن الكريم يعنف ووالله إني لأعفو عن سفيههم، وأحلم عن جاهلهم، وأسعى في حوائجهم، وأعطي سائلهم؛ فمن فعل فعلي فهو مثلي، ومن فعل أحسن من فعلي فهو أفضل مني، ومن قصر عن فعلي فأنا خير منه؛ فقال معاوية: لقد صدق الشماخ حيث يقول فيك: رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين إذا ما رايةٌ رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال أنشدنا أبو حاتم: ألوم النائبات من الليالي ... وما تدري الليالي من ألوم ولكن المنية لو أصيبت ... بمصرعه هي الثأر المنيم وكان أخي زعيم بني حييٍّ ... وكل قبيلة لهم زعيم وكنت إذا الشدائد أرهقتني ... يقوم بها وأقعد لا أقوم وأنشدنا أبو بكر عن أبي حاتم للعجير السلولي: تركنا أبا الأضياف في ليلة الصبا ... بمر ومردي كل خصم يجادله تركنا فتى قد أيقن الجوع أنه ... إذا ما ثوى في أرحل القوم قاتله فتىً قُدّ قَدّ السيف لامتضائل ... ولا رهلٌ لباته وبآدله إذا القوم أموا بيته فهو عامد ... لأحسن ما ظنوا به فهو فاعله جوادٌ بدنياه بخيل بعرضه ... عطوف على المولى قليلٌ غوائله فتى ليس لابن العم كالذئب إن رأى ... بصاحبه يوماً دماً فهو آكله إذا جد عند الجد أرضاك جده ... وذو باطل إن شئت أرضاك باطله يرسك مظلوماً ويرضيك ظالماً ... وكل الذي حملته فهو حامله قال أبو علي قال الفراء: البأدلة: ما بين العنق إلى الترقوة وجمعه بآدل؛ وقال أبو عمرو: واحدها بأدلٌ بغير هاء. وقال قطرب: البآدل ويقال البهادل: أصول الثديين. وقرأت على أبي بكر رحمه الله للحسين بن مطير الأسدي: أما على معن وقولا لقبره ... سقتك الغوادي مربعاً ثم مربعا فيا قبر معن أنت أول حفرة ... من الأرض خطت للسماحة مضجعا ويا قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البر والبحر مترعا بلى وقد وسعت الجود والجود ميت ... ولو كان حياً ضقت حتى تصدعا فتىً عيش في معروفة بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مرتعا ولما مضى معنٌ مضى الجود وانقضى ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا وقرأت عليه لبعض الشعراء: ماذا أحال وثيرة بن ماك ... من دمع باكيةٍ عليك وباك ذهب الذي كانت معلقةً به ... حدق العناة وأنفس الهلاك قال أبو علي: أحال: صبّ، يقال: إنه ليحيل الماء من البئر في الحوض أي يصب؛ وقال لبيد: يحيلون السجال على السجال وقرأت عليه لمسلم بن الوليد: قبرٌ بحلوانٍ أسر ضريحه ... خطراً تقاصر دونه الأخطار نفضت بك الأحلاس نفض إقامة ... واستعجلت نزاعها الأمصار فاذهب كما ذهبت غوادي مزنةٍ ... أثنى عليها السهل والأوعار سلكت بك العرب السبيل إلى العلا ... حتى إذا سبق الردى بك حاورا وأنشدني أبو محمد عبد الله بن جعفر درستويه النحوي قال: أنشدنا عبد الله بن جوان صاحب الزيادي، ولم يسم قائلها، وأملاها علينا أبو سعيد السكري لأبي العتاهية في بعض إخوانه: وقد كنت أغدو إلى قصره ... فقد صرت أغدو إلى قبره أخٌ طالما سرني ذكره ... فقد صرت أشجى لدى ذكره وكنت أراني غنياً به ... عن الناس لو مد في عمره وكنت إذا جئت في حاجة ... فأمري يجوز على أمره فتىً لم يمل الندى ساعة ... على عسره كان أو يسره تظل نهارك في خيره ... وتأمن ليلك من شره فصار عليٌّ إلى ربه ... وكان عليٌ فتى دهره أتم وأكمل ما لم يزل ... وأعظم ما كان في قدره أتته المنية مغتالةً ... رويداً تخلل من ستره فلم تغن أجناده حوله ... ولا المزمعون علىنصره وخلى القصور التي شادها ... وحل من القبر في قعره وبدل بالفرش بسط الثرى ... وطيب ندى الأرض من عطره وأصبح يهدى إلى منزل ... عميقٍ تؤنق في حفره تغلق بالترب أبوابه ... إلى يوم يؤذن في حشره أشد الجماعة وجداً به ... أشد الجماعة في طمره فلست مشيعه غازياً ... أميراً يسير إلى ثغره ولا متلقيه قافلاً ... بقتل عدوٍّ ولا أسره وتطريه أيامنا الباقيات ... لدينا إذا نحن لم نطره فلا يبعدن أخي ثاوياً ... فكل سيمضي على إثره قال الأصمعي من أمثال العرب: " خل سبيل من وهي سقاؤه " يراد به من لم يستقم أمره فلا تعبأ به. ويقال: " يشوب ولا يروب " مثل للرجل يخلط. ويقال: " أذل من فقعٍ بقرقر " والفق: الكء الأبيض. والقرقر: القاع الأملس. ويقال: " شر الرأي الدبري " يراد به الذي يجيء بعد أن فات الأمر. " مطلب شرح مادة جبأ وجأب " وقال أبو نصر يقال: قد جبأ عليه الأسود يجبأ جبئاً وجبوءاً إذا خرج عليه. وجبأت عن كذا وكذا إذا هبته وارتدعت عنه، ومنه قيل: رجل جبأ؛ وقال رجل من بني شيبان: وما أنا من ريب المنون بجبإٍ ... ولا أنا من سيب الإله بآيس ويقال للمرأة إذا كانت كريهة المنظر ولا تستحلى: إنها لتجبأ عنها العين. وقال حميد بن ثور:
ليست إذا سمنت بجائبةٍ ... عنها العيون كريهة المس والجبأة: خشبة الحذاء. والجبء: الكمء والجمع جبأة، وقال أبو زيد: الحبأة منها الحمر. والكمء واحد الكمأة. والجأب: الحمار الغليظ. والجأب: المغرة. والجِبَا مقصور مكسور: ما جمعت في الحوض من الماء. والجَبَا مفتوح مقصور: ما حول البئر. والجبء نقرة في الجبل تمسك الماء. وحدّثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: كان عبد الله بن عامر بن كريز من فتيان قريش جوداً وحياءاً وكرماً، فدخل أعرابي البصرة فسأل عن دار ابن عامر فأُرشد إليها، فجاء حتى أناخ بفنائها فاشتغل عنه الحاجب والعبيد، فبات القفر، فلما أصبح ركب ناقته ووقف على الحاجب، وأنشأ يقول: كأني ونضوي عند باب ابن عامر ... من الجوع ذئباً قفرةٍ هلعان وقفت وصنبر الشتاء يلفني ... وقد مس بردٌ ساعدي وبناني فما أوقدوا ناراً ولا عرضوا قرى ... ولا اعتذروا من عثرةٍ بلسان فقال بعض شعراء البصريين: كم من فتىً تحمد أخلاقه ... وتسكن العافون في ذمته قد كثر الحاجب أعداءه ... وأحقد الناس على نعمته فبلغ ذلك ابن عامر، فعاقب الحاجب وأمر ألا يغلق بابه ليلاً ولا نهاراً. وحدّثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: كان المغيرة بن شعبة أعور دميماً آدم، فهجاه رجل من أهل الكوفة فقال: إذا راح في قبطيةٍ متأزراً ... فقل جعلٌ يستن في لبنٍ محض فأقسم لو خرت من استك بيضةٌ ... لما انكسرت من قرب بعضك من بعض قال أبو بكر فقلت لأبي حاتم: ما أظن أحداً يسبقه إلى قوله: " جعل يستن في لبن محض " فقال: بلى، كان إبراهيم بن عربي والي اليمامة، فصعد المنبر يوماً وعليه ثيابٌ بيض فبدا وجهه وكفاه، فقال الفرزدق: ترى منبر العبد اللئيم كأنما ... ثلاثة غربانٍ عليه وقوع قال: فهذا يشبه ذلك وإن لم يكنه. قال أبو حاتم: وخرج نصيب من عند هشام وعليه ثياببيض، فنظر إليه الفرزدق فقال: كأنه لما بدا للناس ... أير حمارٍ لف في قرطاس وأنشدنا أبو بكر رحمه الله شنئتكم حتى كأنكم الغدر ... وعتكم حتى كأنكم الهجر وما زلت أرشو الدهر صبراً على التي ... تسوء إلى أن سرني فيكم الدهر وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي: أما إذ قد بليت بسوء رأيٍ ... فما لك عند ربك من خلاق ستعلم أن حر الشعر أمضى ... وأبلغ فيك من حر الحلاق سمجت فكنت أقبح من شقاقٍ ... تشاب به الدناءة أو نفاق وأظلم منك حر الوجه حتى ... كأن سواده ليل المحاق ولولا وقفةٌ للبين فيها ... متاعٌ من وداع واعتناق وآمال مسوفة لقلنا ... كأنك قد خلقت من الفراق وأنشدنا عبد الله بن جعفر النحوي قال أنشدنا أبو العباس المبرد لعبد الصمد بن المعذل يهجر ابن أخيه أحمد: لو كان يعطي المنى الأعمام في ابن أخ ... أصبحت في جوف قرقورٍ إلى الصين قد كان همٌّ طويلٌ لا ينام له ... لو أن رؤيتنا إياك في الحين فكيف يا لصبر إذ أصبحت أكثر في ... مجال أعيننا من رمل يبرين يا أبغض الناس في فقر وميسرة ... وأقدر الناس في دنيا وفي دين تيه الملوك إذا فلسٌ ظفرت به ... وحين تفقده ذل المساكين لو شاء ربي لأضحى واهباً لأخي ... بمض ثكلك أجراً غير ممنون وكان أحظى له لو كان متزراً ... في السالفات على غرمول عنين وقائلٍ لي ما يضنيك قلت له ... شخصٌ ترى عينه عيني فيضنيني إن القلوب لتطوى منك يابن أخي ... إذا رأتك على مثل السكاكين وقرأنا على أبي بكر بن دريد لرجل يصف جملاً: تبين القرنين فانظر ما هما ... أحجراً أم مدراً تراهما إنك لن تذل أو تغشاهما ... وتبرك الليل إلى ذراهما القرنان: اللذان يبنيان على البئر يعرض عليهما الخشب، فالبعير ينفر منه أول ما يراه ثم يذل حتى يجيء فيبرك عنده من الأنس به. وذراهما: كنفهما. وأنشدني بعض أصحابنا لعلي بن العباس الرومي وأهدى قدحاً إلى يحيى بن المنجم: وبديعٍ من البدائع يسبى ... كل عقل ويطبى كل طرف دق في الحسن والملاحة حتى ... ما يوفيه واصفٌ حق وصف كفم الحب في الملاحة أو أش ... فى وإن كان لا يناغى بحرف تنفذ العين فيه حتى تراها ... أخطأته من رقة المستشف كهواء بلا هباء مشوبٍ ... بضياء أرقق بذاك وأصف وسط القدر لم يكبر لجرعٍ ... متوالٍ ولم يصغر لرشف لا عجول على العقول جهول ... بل حليم عنهن في غير ضعف ما رأى الناظرون قداً وشكلاً ... فارساً مثله على بطن كف فيه لوزٌ معقربٌ عطفته ... حكماء الغيوب أحسن عطف مثل عطف الأصداغ في وجناتٍ ... من غزالٍ يزهى بحسنٍ وظرف وقرأت على أبي بكر بن دريد للمقنع الكندي: يعاتبني في الدين قومي وإنما ... ديوني في أشياء تكسبهم حمدا ألم ير قومي كيف أوسر مرة ... وأعسر حتى تبلغ العسرة الجهدا فما زادني الإقتار منهم تقرباً ... ولا زادني فضل الغنى منهم بعدا أسد به ما قد أخلوا وضيعوا ... ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدا وفي جفنةٍ ما يغلق الباب دونها ... مكللةٍ لحماً مدفقة ثردا وفي فرسٍ نهدٍ عتيقٍ جعلته ... حجاباً لبيتي ثم أخدمته عبدا وإن الذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عمي لمختلفٌ جدا أراهم إلى نصري بطاءً وإن هم ... دعوني إلى نصر أتيتهم شدا فإن يأكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم ... وإن هم هووا غيي هويت لهم رشدا وإن زجروا طيراً بنحسٍ تمر بي ... زجرت لهم طيراً تمر بهم سعدا ولا أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا لهم جلّ مالي إن تتابع لي غنىً ... وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً ... وما شيمةٌ لي غيرها تشبه العبدا قال أبو علي كان أبو بكر بن دريد يقول: كسبت المال وكسبته غيري، ولا يجيز أكسبته. وغيره يقول كسبت المال وأكسبته غيري. وهما عندي جائزان كسبته وأكسبته. " مطلب قصيدة جحدر التي قالها وهو في حبس الحجاج " وأنشدنا أبو بكر عن الأشنانداني لجحدر وكان لصاً مبراص فأخذه الحجاج فحبسه، فقال في الحبس: تأوبني فبت لها كنيعاً ... همومٌ ما تفارقني حواني هي العواد لا عواد قومي ... أطلن عيادتي في ذا المكان إذا ما قلت قد أجلين عني ... ثنى ريعانهن عليّ تاني وكان مقر منزلهن قلبي ... فقد أنفهنه والهم ىني أليس الله يعلم أن قلبي ... يحبك ايها البرق اليماني وأهوى أن أرد إليك طرفي ... على عدواء من شغلي وشاني نظرت وناقتاي على تعاد ... مطاوعة الأزمة ترحلان إلى ناريهما وهما بعيدٌ ... تشوقان المحب وتوقدان ومما هاجني فازددت شوقاً ... بكاء حمامتين تجاوبان تجاوبتا بلحنٍ أعجميٍّ ... على غصنين من غربٍ وبان فكان البان أن بانت سليمى ... وفي الغرب اغترابٌ غير داني أليس الليل يجمع أم عمرو ... وإيانا فذاك لنا تداني نعم وترى الهلال كما أراه ... ويعلوها النهار كما علاني فما بين النفرق غير سبع ... بقين من المحرم أو ثماني فيا أخويّ من كعب بن عمرو ... أقلا اللوم إن لم تنفعاني إذا جاوزتما سعفات حجرٍ ... وأودية اليمامة فانعياني وقولا جحدرٌ أمسى رهيناً ... يحاذر وقع مصقول يماني يحاذر صولة الحجاج ظلماً ... وال الحجاج ظلام لجاني إلى قوم إذا سمعوا بقتلي ... بكى شبانهم وبكى الغواني فإن أهلك فرب فتىً سيبكي ... عليّ مهذبٍ رخص البنان ولم أك قد قضيت حقوق قومي ... ولا حق المهند والسنان قال أبو علي المبر: الغالب. والكنيع: المنقبض. وأنفهنه: أعيينه، وأنشدني بعض أصحابنا أحسبه قال لأبي العتاهية: لا تفخرن بلحية ... كثرث منابتها طويله تهوى بها هوج الريا ... ح كأنها ذنب الحسيله قد يدرك الشرف الفتى ... يوماً ولحيته قليله قال أبو علي الحسيلة: العجلة. " مطلب خطبة عبد الله بن الزبير لما سأل الوفد عن مصعب فأثنوا عليه خيراً " وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة قال: قدم وفد العراق على ابن الزبير وهو في المسجد الحرام فسلموا عليه فسألهم عن مصعب، فقالوا: أحسن الناس سيرة، وأقضاه بحق، وأعدله في حكم، فلما صلى الجمعة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: قد جربوني ثم جربوني ... من غلوتين ومن المئين حتى إذا شابوا وشيبوني ... خلوا عناني ثم سيبوني أيها الناس، إني سالت الوفد عن مصعب فأحسنوا الثناء عليه وذكروا ما أحبه، وإن مصعباً أطبى القلوب حتى ما تعدل به، والأهواء حتى ما تحول عنه؛ واستمال الألسن بثنائها، والقلوب بنصحها، والنفوس بمحبتها؛ فهو المحبوب في خاصته، المحمود في عامته، بما أطلق الله به لسانه من الخير، وبسط يده من البذل، ثم نزل. وحدّثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال: قدم أعرابي البصرة فنزل على قوم من بني العنبر وكان فصيحاً، فكنا نسير إليه فلا نعدم منه فائدة، فجدر ثم برأ فأتيناه يوماص فأنشدنا: ألم ياتها أني تلبست بعدها ... مفوفة صناعها غير أخرقا وقد كنت منها عارياً قبل لبسها ... فكان لباسيها أمر وأعلقا قال أبو علي: أعلق: أشد مرارة، وهذه الكلمة أول كلمة سمعتها من أبي بكر بن دريد، دخلت عليه وهو يملى على الناس؛ العرب تقول: هذا أعلق من هذا، أي أمر منه، وأنشدنا: نهار شراحيل بن طودٍ يريبني ... وليل أبي ليلى أمر وأعلق أي أشد مرارة. وحدّثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: قدم أعرابي من بني ضبة البصرة فخطب امرأة من قومه فشطوا عليه في المهر، فأنشأ يقول: خطبت فقالوا هات عشرين بكرةً ... ودرعاً وجلباباً قهذا هو المهر وثوبين مرويين في كل شتوةٍ ... فقلت الزنا خيرٌ من الجرب القشر وأنشدنا أبو بكر بن دريد قال أنشدني أبو عثمان سعيد بن هارون: وشعثاء غبراء الفروع منيفة ... بها توصف الحسناء أو هي أجمل دعوت بها أبناء ليل كأنهم ... وقد أبصروها معطشون قد انهلوا يصف ناراً وجعلها شعثاء لتفرق لهبها. وغبراء الفروع لدخانها. والفروع: الأعالي. ومنيفة: مرتفعة، يريد أنها على جبل أو في مكان عال. وقوله: بها توصف الحسناء، أي بها تشبه الجارية، وذلك أن العرب تصف الجارية فتقول: كأنها شعلة نار أو كأنها بيضة أدحيٍّ. وقوله: دعوت بها أبناء ليل، يعني النار دعا بضوئها أبناء ليل، أي قوماً سروا ليلاً فجاروا عن القصد. وقوله: كأنهم وقد أبصروها معطشون، يعني أنهم من فرحهم بهذه النار كأنهم قوم كانت عطشت إبلهم فأنهلوا، أي رويت إبلهم. تم الجزء الأول من كتاب الأمالي ويليه الجزء الثاني وأوله وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم وعبد الرحمن عن الأصمعي الخ.