الرئيسيةبحث

الأزهر

الأزهر
المؤلف: أحمد شوقي


قال أمير الشعراء أحمد شوقي في ذكرى الأزهر :


قُم في فَمِ الدُنيا وَحَيِّ الأَزهَرا ∴ وَانثُر عَلى سَمعِ الزَمانِ الجَوهَرا

وَاجعَل مَكانَ الدُرِّ إِن فَصَّلتَهُ ∴ في مَدحِهِ خَرَزَ السَماءِ النَيِّرا

وَاذكُرهُ بَعدَ المَسجِدَينِ مُعَظِّمًا ∴ لِمَساجِدِ اللهِ الثَلاثَةِ مُكبِرا

وَاخشَع مَلِيًّا وَاقضِ حَقَّ أَئِمَّةٍ ∴ طَلَعوا بِهِ زُهرًا وَماجوا أَبحُرا

كانوا أَجَلَّ مِنَ المُلوكِ جَلالَةً ∴ وَأَعَزَّ سُلطانًا وَأَفخَمَ مَظهَرا

زَمَنُ المَخاوِفِ كانَ فيهِ جَنابُهُمْ ∴ حَرَمَ الأَمانِ وَكانَ ظِلُّهُمُ الذَرا

مِن كُلِّ بَحرٍ في الشَريعَةِ زاخِرٍ ∴ وَيُريكَهُ الخُلُقُ العَظيمُ غَضَنفَرا

لا تَحذُ حَذوَ عِصابَةٍ مَفتونَةٍ ∴ يَجِدونَ كُلَّ قَديمِ شَيءٍ مُنكَرا

وَلَوِ استَطاعوا في المَجامِعِ أَنكَروا ∴ مَن ماتَ مِن آبائِهِم أَو عُمِّرا

مِن كُلِّ ماضٍ في القَديمِ وَهَدمِهِ ∴ وَإِذا تَقَدَّمَ لِلبِنايَةِ قَصَّرا

وَأَتى الحَضارَةَ بِالصِناعَةِ رَثَّةً ∴ وَالعِلمِ نَزرًا وَالبَيانِ مُثَرثِرا

يا مَعهَدًا أَفنى القُرونَ جِدارُهُ ∴ وَطَوى اللَيالِيَ رَكنُهُ وَالأَعصُرا

وَمَشى عَلى يَبَسِ المَشارِقِ نورُهُ ∴ وَأَضاءَ أَبيَضَ لُجِّها وَالأَحمَرا

وَأَتى الزَمانُ عَلَيهِ يَحمي سُنَّةً ∴ وَيَذودُ عَن نُسُكٍ وَيَمنَعُ مَشعَرا

في الفاطِمِيّينَ انتَمى يَنبوعُهُ ∴ عَذبَ الأُصولِ كَجَدِّهِم مُتَفَجِّرا

عَينٌ مِنَ الفُرقانِ فاضَ نَميرُها ∴ وَحيًا مِنَ الفُصحى جَرى وَتَحَدَّرا

ما ضَرَّني أَن لَيسَ أُفقُكَ مَطلَعي ∴ وَعَلى كَواكِبِهِ تَعَلَّمتُ السُرى

لا وَالَّذي وَكَلَ البَيانَ إِلَيكَ لَم ∴ أَكُ دونَ غاياتِ البَيانِ مُقَصِّرا

لَمّا جَرى الإِصلاحُ قُمتَ مُهَنِّئًا ∴ بِاسمِ الحَنيفَةِ بِالمَزيدِ مُبَشِّرا

نَبَأٌ سَرى فَكَسا المَنارَةَ حَبرَةً ∴ وَزَها المُصَلّى وَاستَخَفَّ المِنبَرا

وَسَما بِأَروِقَةِ الهُدى فَأَحَلَّها ∴ فَرعَ الثُرَيّا وَهيَ في أَصلِ الثَرى

وَمَشى إِلى الحَلَقاتِ فَانفَجَرَت لَهُ ∴ حَلقًا كَهالاتِ السَماءِ مُنَوِّرا

حَتّى ظَنَنّا الشافِعِيَّ وَمالِكًا ∴ وَأَبا حَنيفَةِ وَابنَ حَنبَلِ حُضَّرا

إِنَّ الَّذي جَعَلَ العَتيقَ مَثابَةً ∴ جَعَلَ الكِنانِيَّ المُبارَكَ كَوثَرا

العِلمُ فيهِ مَناهِلًا وَمَجانِيًا ∴ يَأتي لَهُ النُزّاعُ يَبغونَ القِرى

يا فِتيَةَ المَعمورِ سارَ حَديثُكُمْ ∴ نَدًّا بِأَفواهِ الرِكابِ وَعَنبَرا

المَعهَدُ القُدسِيُّ كانَ نَدِيُّهُ ∴ قُطبًا لِدائِرَةِ البِلادِ وَمِحوَرا

وُلِدَت قَضِيَّتُها عَلى مِحرابِهِ ∴ وَحَبَت بِهِ طِفلا وَشَبَّتْ مُعصِرا

وَتَقَدَّمَت تُزجي الصُفوفَ كَأَنَّها ∴ «جاندَركُ» في يَدِها اللِواءُ مُظَفَّرا

هُزّوا القُرى مِن كَهفِها وَرَقيمِها ∴ أَنتُم لَعَمرُ اللهِ أَعصابُ القُرى

الغافِلُ الأُمِّيُّ يَنطُقُ عِندَكُمْ ∴ كَالبَبَّغاءِ مُرَدِّدًا وَمُكَرِّرا

يُمسي وَيُصبِحُ في أَوامِرِ دينِهِ ∴ وَأُمورِ دُنياهُ بِكُمْ مُستَبصِرا

لَو قُلتُمُ اختَر لِلنِيابَةِ جاهِلا ∴ أَو لِلخَطابَةِ باقِلا لَتَخَيَّرا

ذُكِرَ الرِجالُ لَهُ فَأَلَّهَ عُصبَةً ∴ مِنهُم وَفَسَّقَ آخَرينَ وَكَفَّرا

آباؤُكُم قَرَؤوا عَلَيهِ وَرَتَّلوا ∴ بِالأَمسِ تأريخَ الرِجالِ مُزَوَّرا

حَتّى تَلَفَّتَ عَن مَحاجِرِ رَومَةٍ ∴ فَرَأى «عُرابي» في المَواكِبِ قَيصَرا

وَدَعا لِمَخلوقٍ وَأَلَّهَ زائِلاً ∴ وَارتَدَّ في ظُلَمِ العُصورِ القَهقَرى

وَتَفَيَّؤوا الدُستورَ تَحتَ ظِلالِهِ ∴ كَنَفًا أَهَشَّ مِنَ الرِياضِ وَأَنضَرا

لا تَجعَلوهُ هَوًى وَخُلقًا بَينَكُمْ ∴ وَمَجَرَّ دُنيا لِلنُفوسِ وَمَتجَرا

اليَومَ صَرَّحَتِ الأُمورُ فَأَظهَرَتْ ∴ ما كانَ مِن خُدَعِ السِياسَةِ مُضمَرا

قَد كانَ وَجهُ الرَأيِ أَن نَبقى يَدًا ∴ وَنَرى وَراءَ جُنودِها إِنكِلتِرا

فَإِذا أَتَتنا بِالصُفوفِ كَثيرَةً ∴ جِئنا بِصَفٍّ واحِدٍ لَن يُكسَرا

غَضِبَتْ فَغَضَّ الطَرفَ كُلُّ مُكابِرٍ ∴ يَلقاكَ بِالخَدِّ اللَطيمِ مُصَعَّرا

لَم تَلقَ إِصلاحًا يُهابُ وَلَم تَجِد ∴ مِن كُتلَةٍ ما كانَ أَعيا «مِلنَرا»

حَظٌّ رَجَونا الخَيرَ مِن إِقبالِهِ ∴ عاثَ المُفَرِّقُ فيهِ حَتّى أَدبَرا

دارُ النِيابَةِ هَيَّأَت دَرَجاتُها ∴ فَليَرقَ في الدَرَجِ الذَوائِبُ وَالذُرا

الصارِخونَ إِذا أُسيءَ إِلى الحِمى ∴ وَالزائِرونَ إِذا أُغيرَ عَلى الشَرى

لا الجاهِلونَ العاجِزونَ وَلا الأُلى ∴ يَمشونَ في ذَهَبِ القُيودِ تَبَختُرا