وأيضا فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة متفق عليه
وعن جبير بن نفير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال رأى رسول الله ﷺ علي ثوبين معصفرين فقال إن هذه من ثياب الكفار لا تلبسها رواه مسلم وعلل النهي عن لبسها بأنها من ثياب الكفار وسواء أراد أنها مما يستحله الكفار بأنهم يستمتعون بخلاقهم في الدنيا أو مما يعتاده الكفار لذلك كما أنه في الحديث قال إنهم يستمتعون بآنية الذهب والفضة في الدنيا وهي للمؤمنين في الآخرة ولهذا كان العلماء يجعلون اتخاذ الحرير وأواني الذهب والفضة تشبها بالكفار
ففي الصحيحين عن أبي عثمان الهندي قال كتب إلينا عمر رضي الله عنه ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد يا عتبة إنه ليس من كد أبيك ولا من كد أمك فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك وإياك والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير فإن رسول الله ﷺ نهى عن لبوس الحرير وقال إلا هكذا ورفع لنا رسول الله ﷺ بإصبعيه الوسطى والسبابة وضمهما
وروى أبو بكر الخلال بإسناده عن محمد بن سيرين أن حذيفة بن اليمان أتى بيتا فرأى فيه حادثتين فيه أباريق الصفر والرصاص فلم يدخله وقال من تشبه بقوم فهو منهم
وفي لفظ آخر فرأى شيئا من زي العجم فخرج وقال من تشبه بقوم فهو منهم
وقال علي بن أبي صالح السواق كنا في وليمة فجاء أحمد بن حنبل فلما دخل نظر إلى كرسي في الدار عليه فضة فخرج فلحقه صاحب الدار فنفض يده في وجهه وقال زي المجوس زي المجوس
وقال في رواية صالح إذا كان في الدعوة مسكر أو شيء من منكر آنية المجوس الذهب والفضة أو ستر الجدران بالثياب خرج ولم يطعم
ولو تتبعنا ما في هذا الباب عن النبي ﷺ مع ما دل عليه كتاب الله لطال بنا القول
فصل وأما الإجماع فمن وجوه
من ذلك أن أمير المؤمنين عمر في الصحابة رضي الله عنهم ثم عامة الأئمة بعده وسائر الفقهاء جعلوا في الشروط المشروطة على أهل الذمة من النصارى وغيرهم فيما شرطوه على أنفسهم أن نوقر المسلمين ونقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس ولا نتشبه بهم في شيء من ملابسهم قلنسوة أو عمامة أو نعلين أو فرق شعر ولا نتكلم بكلامهم ولا نكتنى بكناهم ولا نركب السروج ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله ولا ننقش خواتيمنا بالعربية ولا نبيع الخمور وأن نجز مقادم رءوسنا وأن نلزم زينا حيثما كان وأن نشد الزنانير على أوساطنا وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا ولا نظهر صليبا ولا كتبا من كتب ديننا في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نضرب بنواقيسنا في كنائسنا إلا ضربا خفيفا ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين رواه حرب بإسناد جيد
وفي رواية أخرى رواها الخلال وأن لا نضرب بنواقيسنا إلا ضربا خفيفا في جوف كنائسنا ولا نظهر عليها صليبا ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون وأن لا نخرج صليبا ولا كتابا في سوق المسلمين ولا نخرج باعوثا والباعوث أنهم يخرجون مجتمعين كما نخرج يوم الأضحى والفطر ولا شعانينا ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين وأن لا نجاوزهم بالجنائز ولا نبيع الخمور إلى أن قال وأن نلزم زينا حيثما كنا وأن لا نتشبه بالمسليمن في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا في مراكبهم ولا نتكلم بكلامهم ولا نكتني بكناهم وأن نجز مقادم رءوسنا ولا نفرق نواصينا وأن نشد الزنانير على أوساطنا
وهذه الشروط أشهر شيء في كتب الفقه والعلم وهي مجمع عليها في الجملة بين العلماء من الأئمة المتبوعين وأصحابهم وسائر الأئمة ولولا شهرتها عند الفقهاء لذكرنا ألفاظ كل طائفة فيها وهي أصناف
الصنف الأول ما مقصوده التمييز عن المسلمين في الشعور واللباس والأسماء والمراكب والكلام ونحوها ليتميز المسلم من الكافر ولا يشبه أحدهما الآخر في الظاهر ولم يرض عمر رضي الله عنه والمسلمون بأصل التمييز بل بالتمييز في عامة الهدى على تفاصيل معروفة في غير هذا الموضع
وذلك يقتضي إجماع المسلمين على التميز عن الكفار ظاهرا وترك التشبه بهم ولقد كان أمراء الهدى مثل العرين وغيرهما يبالغون في تحقيق ذلك بما يتم به المقصود
ومقصودهم من هذا التميز كما روى الحافظ أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده في شروط أهل الذمة عن خالد بن عرفطة قال كتب عمر رضي الله عنه إلى الأمصار أن لا يجزوا نواصيهم يعني النصارى ولا يلبسوا لبس المسلمين حتى يعرفوا
وقال القاضي أبو يعلى في مسألة حدثت في وقته أهل الذمة مأمورون بلبس الغيار فإن امتنعوا لم يجز لأحد من المسلمين صبغ ثوب من ثيابهم لأنه لم يتعين عليهم صبغ ثوب بعينه
قلت وهذا فيه خلاف هل يلزمون بالتغيير أو الواجب علينا إذا امتنعوا أن نغير نحن وأما وجوب أصل المغايرة فما علمت فيه خلافا
وقد روى أبو الشيخ الأصبهاني في شروط أهل الذمة بإسناده أن عمر كتب أن لا تكاتبوا أهل الذمة فيجري بينكم وبينهم المودة ولا تكنوهم وأذلوهم ولا تظلموهم ومروا نساء أهل الذمة أن لا يعقدن زناراتهن ويرخين نواصيهن ويرفعن عن سوقهن حتى نعرف زيهن من المسلمات فإن رغبن عن ذلك فليدخلن إلى الإسلام طوعا أو كرها
وروى أيضا أبو الشيخ بإسناده عن محمد بن قيس وسعيد بن عبد الرحمن بن حبان قال دخل ناس من بني تغلب على عمر بن عبد العزيز وعليهم العمائم كهيئة العرب فقالوا يا أمير المؤمنين ألحقنا بالعرب قال فمن أنتم قالوا نحن بنو تغلب قال أولستم من أواسط العرب قالوا نحن نصارى قال علي بجلم فأخذ من نواصيهم وألقى العمائم وشق رداء كل واحد شبرا يحترم به وقال لا تركبوا السروج واركبوا على الأكف ودلوا أرجلكم من شق واحد
وعن مجاهد بن الأسود قال كتب عمر بن عبد العزيز أن لا يضرب الناقوس خارجا من الكنيسة
وعن معمر أن عمر بن عبد العزيز كتب أن امنع من قبلك فلا يلبس نصراني قباء ولا ثوب خز ولا عصب وتقدم في ذلك أشد التقدم واكتب فيه حتى لا يخفى على أحد نهي عنه وقد ذكر لي أن كثيرا ممن قبلك من النصارى قد راجعوا لبس العمائم وتركوا لبس المناطق على أوساطهم واتخذوا الوفر والجمم وتركوا التقصيص ولعمري إن كان يصنع ذلك فيما قبلك إن ذلك بك ضعف وعجز فانظر كل شيء كنت نهيت عنه وتقدمت فيه إلا تعاهدته وأحكمته ولا ترخص فيه ولا تعد عنه شيئا
ولم أكتب سائر ما كانوا يأمرون به في أهل الكتاب إذ الغرض هنا التمييز وكذلك فعل جعفر بن محمد بن هرون المتوكل بأهل الذمة في خلافته واستشارته في ذلك الإمام أحمد بن حنبل وغيره وعهوده في ذلك وجوابات أحمد ابن حنبل له معروفة
ومن جملة الشروط ما يعود بإخفاء منكرات دينهم وترك إظهارها كمنعهم من إظهار الخمر والناقوس والنيران والأعياد ونحو ذلك
ومنها ما يعود بإخفاء شعار دينهم كأصواتهم بكتابهم
فاتفق عمر رضي الله عنه والمسلمون معه وسائر العلماء بعده ومن وفقه الله تعالى من ولاة الأمور على منعهم من أن يظهروا في دار الإسلام شيئا مما يختصون به مبالغة في أن لا يظهروا في دار الإسلام خصائص المشركين فكيف إذا عملها المسلمون وأظهروها هم
ومنها ما يعود بترك إكرامهم وإلزامهم الصغار الذي شرعه الله تعالى
ومن المعلوم أن تعظيم أعيادهم ونحوها بالموافقة فيها هو نوع من إكرامهم فإنهم يفرحون بذلك ويسرون به كما يغتمون بإهمال أمر دينهم الباطل
الوجه الثاني من دلائل الإجماع أن هذه القاعدة قد أمر بها غير واحد من الصحابة والتابعين في أوقات متفرقة وقضايا متعددة وانتشرت ولم ينكرها منكر
فعن قيس بن أبي حازم قال دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على امرأة من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تتكلم فقال ما لها لا تتكلم قالوا حجت مصمتة فقال لها تكلمي فإن هذا لا يحل هذا عمل الجاهلية فتكلمت فقالت من أنت قال امرؤ من المهاجرين فقلت من أي المهاجرين قال من قريش قالت من أي قريش قال إنك لسؤل وقال أنا أبو بكر قالت ما بقاؤنا على هذا الأمر الصلح ! الذي جاء الله به بعد الجاهلية قال بقاؤكم عليه ما استقامت لكم أئمتكم قالت وما الأئمة قال أما كان لقومكم رءوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم قالت بلى قال فهم أولئك على الناس رواه البخاري في صحيحه
فأخبر أبو بكر أن الصمت المطلق لا يحل وعقب ذلك بقوله هذا من عمل الجاهلية قاصدا بذلك عيب هذا العمل وذمه
وتعقيب الحكم بالوصف دليل على أن الوصف علة فدل على أن كونه من عمل الجاهلية وصف يوجب النهي عنه والمنع منه
ومعنى قوله من عمل الجاهلية أي إنه مما انفرد به أهل الجاهلية ولم يشرع في الإسلام فيدخل في هذا كل ما اتخذ من عبادة مما كان أهل الجاهلية يتعبدون به ولم يشرع الله التعبد به في الاسلام وإن لم ينوه عنه بعينه كالمكاء والتصدية فإن الله تعالى قال عن الكافرين وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية والمكاء الصفير ونحوه والتصدية التصفيق فاتخاذ هذا قربة وطاعة من عمل الجاهلية الذي لم يشرع في الإسلام
وكذلك بروز المحرم وغيره للشمس حتى لا يستظل بظل أو ترك الطواف بالثياب العادية أو ترك كل ما عمل في غير الحرم ونحو ذلك من أمور الجاهلية التي كانوا يتخذونها عبادات وإن كان قد جاء نهي خاص في عامة هذه الأمور بخلاف السعي بين الصفا والمروة وغيره من شعائر الحج فإن ذلك من شعائر الله وإن كان أهل الجاهلية قد كانوا يفعلون ذلك في الجملة
وقد قدمنا ما رواه البخاري في صحيحه عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس إياكم وزي أهل الشرك
وهذا نهي منه للمسلمين عن كل ما كان من زي المشركين
وقال الإمام أحمد في المسند حدثنا يزيد حدثنا عاصم عن أبي عثمان النهدي عن عمر أنه قال اتزروا وارتدوا وانتعلوا والبسوا الخفاف والسراويلات والقوا الركب وانزوا نزوا وعليكم بالمعدية وارموا الأغراض وذروا التنعم وزي العجم وإياكم والحرير فإن رسول الله ﷺ قد نهى عنه وقال لا تلبسوا من الحرير إلا ما كان هكذا واشار رسول الله ﷺ بإصبعيه
وقال أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا زهير حدثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان قال جاءنا كتاب عمر رضي الله عنه ونحن بأذربيجان يا عتبة ابن فرقد إياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير فإن رسول الله ﷺ نهانا عن لبوس الحرير وقال إلا هكذا ورفع لنا رسول الله ﷺ إصبعيه
وهذا ثابت على شرط الصحيحين
وفيه أن عمر رضي الله عنه أمر بالمعدية وهي زي بني معد بن عدنان وهم العرب فالمعدية نسبة إلى معد ونهى عن زي العجم وزي المشركين وهذا عام كما لا يخفى وقد تقدم هذا مرفوعا والله أعلم
وروى الإمام أحمد في المسند حدثنا أسود بن عامر حدثنا حماد بن سلمة عن ابي سنان عن عبيد بن آدم وأبي مريم وأبي شعيب أن عمر كان بلجابية فذكر فتح بيت المقدس قال حماد بن سلمة فحدثني أبو سنان عن عبيد بن آدم قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لكعب أين ترى أن أصلي فقال إن اخذت عني صليت خلف الصخرة فكانت القدس كلها بين يديك فقال عمر ضاهيت اليهودية لا ولكن أصلي حيث صلى رسول الله ﷺ فتقدم إلى القبلة فصلى ثم جاء فبسط رداءه فكنس الكناسة في ردائه وكنس الناس
قلت فصلاة رسول الله ﷺ في مسجد بيت المقدس في ليلة الإسراء قد رواها مسلم في صحيحه من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رسول الله ﷺ قال أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل عليع السلام اخترت الفطرة قال ثم عرج بنا إلى السماء وذكر الحديث
وقد كان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ينكر أن يكون صلى فيه لأنه لم يبلغه ذلك واعتقد أنه لو صلى فيه لوجب على الأمة الصلاة فيه
فعمر رضي الله عنه عاب على كعب الأحبار مضاهاة اليهودية أي مشابهتها في مجرد استقبال الصخرة لما فيه من مشابهة من يعتقدها قبلة باقية وإن كان المسلم لا يقصد أن يصلي إليها
وقد كان لعمر رضي الله عنه في هذا الباب من السياسات المحكمة ما هي مناسبة لسائر سيرته المرضية فإنه رضي الله عنه هو الذي استحالت ذنوب الإسلام بيده غربا فلم يفر عبقري فريه حتى صدر الناس بطعن فأعز الله به الإسلام وأذل الكفر وأهله وأقام شعائر الدين الحنيف ومنع من كل أمر فيه نزوع إلى نقض عرى الإسلام مطيعا في ذلك لله ورسوله وقافا عند كتاب الله ممتثلا لسنة رسول الله ﷺ محتذيا حذو صاحبيه مشاورا في أموره للسابقين الأولين مثل عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنهم وغيرهم ممن له علم أو فقه أو رأي أو نصيحة للاسلام وأهله حتى إن العمدة في الشروط على أهل الكتاب على شروطه وحتى منع من استعمال كافر أو ائتمانه على الأمة وإعزازه بعد أن أذله الله وحتى روى عنه أنه حرق الكتب العجمية وغيرها وهو الذي منع أهل البدع من أن ينبغوا وألبسهم ثوب الصغار حيث فعل بصبيغ بن عسل التميمي ما فعل في قصته المشهورة وستأتي عند ذكرها إن شاء الله تعالى في خصوص أعياد الكفار من النهي عن الدخول عليهم فيها ومن النهي عن تعلم رطانة الأعاجم ما يتبين به ثبوت قوة شكيمته في النهي عن مشابهة الكفار والأعاجم ثم ما كان عمر قد قرره من السنن والأحكام والحدود فعثمان رضي الله عنه أقر ما فعله عمر وجرى على سنته في ذلك فقد علم موافقة عثمان لعمر في هذا الباب
وروى سعيد في سننه حدثنا هشيم عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن أبيه قال خرج علي رضي الله عنه فرأى قوما قد سدلوا فقال ما لهم كأنهم اليهود خرجوا من فهورهم ورواه ابن المبارك وحفص بن غياث عن خالد
وفيه أنه رأى قوما قد سدلوا في الصلاة فقال كأنهم اليهود خرجوا من فهرهم وقد روينا عن ابن عمر وأبي هريرة أنهما كانا يكرهان السدل في الصلاة
وقد روى أبو داود عن سليمان الأحول وعسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه ومنهم من رواه عن عطاء عن النبي ﷺ مرسلا لكن قال هشيم حدثنا عامر الأحول قال سألت عطاء عن السدل في الصلاة فكرهه فقلت عن النبي ﷺ قال عن النبي ﷺ والتابعي إذا أفتى بما رواه دل على ثبوته عنده
لكن قد روي عن عطاء من وجوه جيدة أنه كان لا يرى بالسدل بأسا وأنه كان يصلي سادلا فلعل هذا كان قبل أن يبلغه الحديث ثم لما بلغه رجع أو لعله نسي الحديث والمسألة مشهورة وهو عمل الراوي بخلاف روايته هل يقدح في روايته
والمشهور عن أحمد وأكثر العلماء أنه لا يقدح فيها لما تحتمله المخالفة من وجوه غير ضعف الحديث
وقد روى عبد الرزاق عن بشر بن رافع عن يحيى بن أبي كثير عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أن أباه كره السدل في الصلاة قال أبو عبيدة وكان أبي يذكر أن النبي ﷺ نهى عنه
وأكثر العلماء يكرهون السدل مطلقا وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي والمشهور عن أحمد
وعنه أنه إنما يكره فوق الإزار دون القميص توفيقا بين الآثار في ذلك وحملا للنهي عن لباسهم المعتاد
ثم اختلف هل السدل محرم يبطل الصلاة
فقال ابن أبي موسى فإن صلى سادلا ففي الإعادة روايتان أظهرهما لا يعيد
وقال أبو بكر عبد العزيز إن لم تبد عورته فلا يعيد باتفاق ومنهم من لم يكره السدل وهو قول مالك وغيره
والسدل المذكور هو أن يطرح الثوب على إحدى كتفيه ولا يرد أحد طرفيه على كتفه الأخرى هذا هو المنصوص عن أحمد وعلله بأنه فعل اليهود
وقال أحمد بن حنبل قال أبو عبد الله والسدل أن يسدل أحد طرفي الإزار ولا ينعطف به عليه وهو لبس اليهود وهو على الثوب وغيره مكروه في الصلاة
وقال صالح بن أحمد سألت أبي عن السدل في الصلاة فقال يلبس الثوب فإذا لم يطرح أحد طرفيه على الآخر فهو السدل وهذا هو الذي عليه عامة العلماء
وأما ما ذكره أبو الحسن الآمدي وابن عقيل من أن السدل هو إسبال الثوب بحيث ينزل عن قدميه يجره فيكون هو إسبال الثوب وحره المنهي عنه فغلط مخالف لعامة العلماء وإن كان الإسبال والجر منهيا عنه بالاتفاق والأحاديث فيه أكثر وهو محرم على الصحيح لكن ليس هو السدل
وليس الغرض هنا عين هذه المسألة وإنما الغرض أن عليا رضي الله عنه شبه السادلين باليهود مبينا بذلك كراهة فعلهم
فعلم أن مشابهة اليهود أمر كان قد استقر عندهم كراهته
وفهر اليهود بضم الفاء مدراسهم وأصلها بهرو هي عبرانية فعربت هكذا ذكره الجوهري وكذلك ذكر ابن فارس وغيره أن فهر اليهود مدراسهم وفي كتاب العين عن الخليل بن أحمد أن فهر اليهود مدراسهم
وسنذكر عن علي رضي الله عنه من كراهية التكلم بكلامهم ما يؤيد هذا
وأما ما في الحديث المذكور من النهي عن تغطية الفم فقد علله بعضهم بأنه فعل المجوس عند نيرانهم التي يعبدونها فعلى هذا تظهر مناسبة الجمع بين النهي عن السدل وعن تغطية الفم بما في كل منهما من مشابهة الكفار مع أن في كل منهما معنى آخر يوجب الكراهة ولا محذور في تعليل الحكم بعلتين
فهذا عن الخلفاء الراشدين
وأما سائر الصحابة رضي الله عنهم فكثير مثل ما قدمناه عن حذيفة بن اليمان أنه لما دعي إلى وليمة فرأى شيئا من زي العجم خرج وقال من تشبه بقوم فهو منهم
وروى أبو محمد الخلال بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سأله رجل أحتقن قال احتقن لا تبد العورة ولا تستن بسنة المشركين
قوله لا تستن بسنة المشركين عام
وقال أبو داود حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا الحجاج بن حسان قال دخلنا على أنس بن مالك فحدثني أخي المغيرة قال وأنت يومئذ غلام ولك قرنان أو قصتان فمسح رأسك وبرك عليك وقال احلقوا هذين أو قصوهما فإن هذا زي اليهود
علل النهي عنهما بأن ذلك زي اليهود وتعليل النهي بعلة يوجب أن تكون العلة مكروهة مطلوبا عدمها فعلم أن زي اليهود حتى في الشعر مما يطلب عدمه وهو المقصود
وروى ابن أبي عاصم حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد الواسطي عن عمران بن حدير عن أبي مجلز أن معاوية قال إن تسوية القبور من السنة وقد رفعت اليهود والنصارى فلا تشبهوا بهم يشير معاوية إلى ما رواه مسلم في صحيحه عن فضالة بن عبيد أنه أمر بقبر فسوي ثم قال سمعت رسول الله ﷺ يأمر بتسويتها رواه مسلم
وعن أبي الهياج الأسدي عن علي أيضا قال أمرني النبي ﷺ أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته رواه مسلم
وسنذكر إن شاء الله تعالى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال من بنى ببلاد المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة
وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها كرهت الاختصار في الصلاة وقالت لا تشبهوا باليهود هكذا رواه بهذا اللفظ سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة وقد تقدم من رواية البخاري في المرفوعات
وروى سعيد حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب قال دخلت مع ابن عمر مسجدا بالجحفة فنظر إلى شرفات فخرج إلى موضع فصلى فيه ثم قال لصاحب المسجد إني رأيت في مسجدك هذا يعني الشرفات شبهتها بأنصاب الجاهلية فمر بها أن تكسر
وروى سعيد أيضا عن ابن مسعود أنه كان يكره الصلاة في الطاق وقال إنه من الكنائس فلا تشبهوا بأهل الكتاب
وعن عبيد بن أبي الجعد قال كان أصحاب محمد ﷺ يقولون إن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المسجد يعني الطاقات
وهذا الباب فيه كثرة عن الصحابة
وهذه القضايا التي ذكرناها بعضها في مظنة الاشتهار وما علمنا أحدا خالف ما ذكرناه عن الصحابة رضي الله عنهم من كراهة التشبه بالكفار والأعاجم في الجملة وإن كان بعض هذه المسائل المعينة فيها خلاف وتأويل ليس هذا موضعه
وهذا كما أنهم مجمعون على اتباع الكتاب والسنة وإن كان قد يختلف في بعض أعيان المسائل لتأويل
فعلم اتفاقهم على كراهة التشبه بالكفار والأعاجم
الوجه الثالث في تقرير الإجماع ما ذكره عامة علماء الإسلام من المتقدمين والائمة المتبوعين وأصحابهم في تعليل النهي عن أشياء بمخالفة الكفار أو مخالفة الأعاجم وهو أكثر من أن يمكن استقصاؤه وما من أحد له أدنى نظر في الفقه إلا وقد بلغه من ذلك طائفة وهذا بعد التأمل والنظر يورث علما ضروريا باتفاق الأئمة على النهي عن موافقة الكفار والأعاجم والأمر بمخالفتهم
وأنا أذكر من ذلك نكتا في مذاهب الأئمة المتبوعين اليوم مع ما تقدم في أثناء الكلام عن غير واحد من العلماء
فمن ذلك أن الأصل المستقر عليه الأمر في مذهب أبي حنيفة أن تأخير الصلوات أفضل من تعجيلها إلا في مواضع يستثنونها كاستثناء يوم الغيم وكتعجيل الظهر في الشتاء وإن كان غيرهم من العلماء يقول إن الأصل أن التعجيل أفضل فيستحبون التأخير للفجر والعصر والعشاء والظهر إلا في الشتاء في غير الغيم
ثم قالوا يستحب تعجيل المغرب لأن تأخيرها مكروه لما فيه من التشبه باليهود وهذا أيضا قول سائر الأئمة وهذه العلة منصوصة كما تقدم
وقالوا أيضا يكره السجود في الطاق لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب من حيث تخصيص الإمام بالمكان بخلاف ما إذا كان سجوده في الطاق وهذا أيضا ظاهر مذهب أحمد وغيره وفيه آثار صحيحة عن الصحابة ابن مسعود وغيره
وقالوا لا بأس أن يصلي وبين يديه مصحف معلق أو سيف معلق لأنهما لا يعبدان وباعتباره تثبت الكراهة إلى غيرهما ولا بأس أن يصلي على بساط فيه تصاوير لأن فيه استهانة بالصورة ولا يسجد على الصورة لأنه يشبه عبادة الصور وأطلق الكراهة في الأصل لأن المصلى معظم لله
قالوا ولو لبس ثوبا فيه تصاوير كره لأنه يشبه حامل الصنم ولا يكره تماثيل غير ذي روح لأنها لا تعبد
وقالوا أيضا إن صام يوم الشك ينوى أنه من رمضان كره لأنه تشبه بأهل الكتاب لأنهم زادوا في مدة صومهم
وقالوا أيضا فإذا غربت الشمس أفاض الإمام والناس معه على هيئتهم حتى يأتوا مزدلفة لأن فيه إظهار مخالفة المشركين
وقالوا أيضا لا يجوز الأكل والشرب والأدهان والتطيب في آنية الذهب والفضة للرجال والنساء للنصوص ولأنه تشبه بزي المشركين وتنعم بتنعم المترفين والمسرفين
وقالوا في تعليل المنع من لباس الحرير في حجة أبي يوسف ومحمد على أبي حنيفة في المنع من افتراشه وتعليقه والستر به لأنه من زي الأكاسرة والجبابرة والتشبه بهم حرام قال عمر إياكم وزي الأعاجم
وقال محمد في الجامع الصغير ولا يتختم إلا بالفضة
قالوا وهذا نص على أن التختم بالحجر والحديد والصفر حرام للحديث المأثور أن النبي ﷺ رأى على رجل خاتم أصفر فقال مالي أجد منك ريح الأصنام ورأى على آخر خاتم من حديد فقال مالي أرى عليك حلية أهل النار ومثل هذا كثير في مذهب أبي حنيفة وأصحابه
وأما مذهب مالك وأصحابه ففيه ما هو أكثر من ذلك حتى قال مالك فيما رواه ابن القاسم في المدونة لا يحرم بالأعجمية ولا يدعوا بها ولا يحلف قال ونهى عمر رضي الله عنه عن رطانة الأعاجم وقال إنها خب قال وأكره الصلاة إلى حجر منفرد في الطريق وأما أحجار كثيرة فجائز
قال ويكره ترك العمل يوم الجمعة كفعل أهل الكتاب يوم السبت والأحد
قال ويقال من تعظيم الله تعظيم ذي الشيبة المسلم قيل فالرجل يقوم للرجل له الفضل والفقه قال أكره ذلك ولا بأس بأن يوسع له في مجلسه قال وقيام المرأة لزوجها حتى يجلس من فعل الجبابرة وربما يكون الناس ينتظرونه فإذا طلع قاموا فليس هذا من فعل الإسلام وهو فيما ينهى عنه من التشبه بأهل الكتاب والأعاجم وفيما ليس من عمل المسلمين أشد من عمل الكوفيين وأبلغ مع أن الكوفيين يبالغون في هذا الباب حتى تكلم أصحاب أبي حنيفة في تكفير من تشبه بالكفار في لباسهم وأعيادهم
وقال بعض أصحاب مالك من ذبح بطيخة في أعيادهم فكأنما ذبح خنزيرا
وكذلك أصحاب الشافعي ذكروا هذا الأصل في غير موضع من مسائلهم كما جاءت به الآثار كما ذكر غيرهم من العلماء مثل ما ذكروه في النهي عن الصلاة في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها مثل طلوع الشمس وغروبها
ذكروا تعليل ذلك بأن المشركين يسجدون للشمس حينئذ كما في الحديث إنها ساعة يسجد لها الكفار
وذكروا في السحور وتأخيره أن ذلك فرق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب
وذكروا في اللباس النهي عما فيه تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال
وذكروا أيضا ما جاء من أن المشركين كانوا يقفون بعرفات إلى اصفرار الشمس ويفيضون من جمع بعد طلوع الشمس وأن السنة جاءت بمخالفة المشركين في ذلك بالتعريف إلى الغروب والوقوف بجمع إلى قبيل طلوع الشمس كما جاء في الحديث خالفوا المشركين وخالف هدينا هدي المشركين
وذكروه أيضا في الشروط على أهل الذمة منعهم من التشبه بالمسلمين في لباسهم وغيره مما يتضمن منع المسلمين أيضا من مشابهتهم في ذلك تفريقا بين علامة المسلمين وعلامة الكفار
وبالغ طائفة منهم فنهوا عن التشبه بأهل البدع مما كان شعارا لهم وإن كان في الأصل مسنونا كما ذكره طائفة منهم في تسنيم القبور فإن مذهب الشافعي أن الأفضل تسطيحها ومذهب أحمد وأبي حنيفة أن الأفضل تسنيمها ثم قال طائفة من أصحاب الشافعي بل ينبغي تسنيمها في هذه الأوقات لأن شعار الرافضة اليوم تسطيحها ففي تسطيحها تشبه بهم فيماهو شعار لهم
وقالت طائفة بل نحن نسطحها فإذا سطحناها لم يكن تسطيحها شعار لهم
واتفقت الطائفتان على أن النهي عن التشبه بأهل البدع فيما هو شعار لهم وإنما تنازعوا في أن التسطيح هل يحصل به ذلك أم لا
فإذا كان هذا في التشبه بأهل البدع فكيف بالكفار
وأما كلام أحمد وأصحابه في ذلك فكثير جدا أكثر من أن يحصر وقد قدمنا منه طائفة من كلامه عند ذكر النصوص عند قوله ﷺ من تشبه بقوم فهو منهم وقوله أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى لا تشبهوا بالمشركين وقوله إنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة مثل قول أحمد ما أحب لأحد أن يغير الشيب لا يتشبه بأهل الكتاب
وقال لبعض أصحابه أحب إليك أن تخضب ولا تشبه باليهود وكره حلق القفا وقال هو من فعل المجوس وقال من تشبه بقوم فهو منهم
وقال أكره النعل الصرار وهو من زي العجم
وكره تسمية الشهور بالعجمية والأشخاص بالأسماء الفارسية مثل آذرماه وقال للذي دعاه زي المجوس ونفض يده في وجهه وهذا كثير في نصوصه لا ينحصر
وقال حرب الكرماني قلت لأحمد الرجل يشد وسطه بحبل ويصلي قال على القباء لا بأس به وكرهه على القميص وذهب إلى أنه من اليهود فذكرت له السفر وأنا نشد ذلك على أوساطنا فرخص فيه قليلا وأما المنطقة والعمامة ونحو ذلك فلم يكرهه إنما كره الخيط وقال هو أشنع
قلت وكذلك كره أصحابه أن يشد وسطه على الوجه الذي يشبه فعل أهل الكتاب فأما ما سوى ذلك فإنه لا يكره في الصلاة على الصحيح المنصوص بل يؤمر من صلى في قميص واسع الجيب أن يحتزم كما جاء في الحديث لئلا يرى عورة نفسه
وقال الفقهاء من أصحاب الإمام أحمد وغيره منهم القاضي أبو يعلى وابن عقيل والشيخ أبو محمد عبد القادر الجيلي وغيرهم في أصناف اللباس وأقسامه ومن اللباس المكروه ما خالف زي العرب واشبه زي الأعاجم وعادتهم ولفظ عبد القادر ويكره كل ما خالف زي العرب وشابه زي الأعاجم
وقال أيضا اصحاب أحمد وغيرهم منهم أبو الحسن الآمدي المعروف بابن البغدادي وأظنه نقله أيضا عن ابي عبد الله بن حامد ولا يكره غسل اليدين في الإناء الذي لا أكل فيه لأن النبي ﷺ فعله وقد نص أحمد على ذلك وقال لم يزل العلماء يفعلون ذلك ونحن نفعله وإنما تنكره العامة وغسل اليدين بعد الطعام مسنون رواية واحدة
وإذا قدم ما يغسل فيه اليد فلا يرفع حتى يغسل الجماعة أيديهم لأن الرفع من زي الأعاجم
وكذلك قال الشيخ أبو محمد عبد القادر الجيلي ويستحب أن يجعل ماء اليد في طشت واحدة لما روي في الخبر لا تبددوا يبدد الله شملكم وروي أنه ﷺ نهى أن يرفع الطشت حتى يطف يعني يمتلئ
وقالوا أيضا ومنهم أبو محمد عبد القادر في تعليل كراهة حلق الرأس على إحدى الروايتين لأن في ذلك تشبها بالأعاجم وقال ﷺ من تشبه بقوم فهو منهم
بل قد ذكر طوائف من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما كراهة أشياء لما فيها من التشبه بأهل البدع مثل ما قال غير واحد من الطائفتين ومنهم عبد القادر ويستحب أن يتختم في يساره للآثار ولأن خلاف ذلك عادة وشعار للمبتدعة
وحتى إن طوائف من أصحاب الشافعي يستحبون تسنيم القبور وإن كانت السنة عندهم تسطيحها
قالوا لأن ذلك صار شعار المبتدعة
وليس الغرض هنا تقرير أعيان هذه المسائل ولا الكلام على ما قيل فيها بنفي ولا إثبات وإنما الغرض بيان ما اتفقت عليه العلماء من كراهة التشبه بغير أهل الإسلام
وقد يتردد العلماء في بعض فروع هذه القاعدة لتعارض الأدلة فيها أو لعدم اعتقاد بعضهم اندراجه في هذه القاعدة مثل ما نقله الأثرم قال
سمعت أبا عبد الله يسأل عن لبس الحرير في الحرب فقال أرجو أن لا يكون به بأس قال وسمعت أبا عبد الله يسأل عن المنطقة والحلية فيها فقال أما المنطقة فقد كرهها قوم يقولون هي زي الأعاجم وكانوا يحتجزون العمائم
وهذا إنما علق القول فيه لأن في المنطقة منفعة عارضت ما فيها من التشبه
ونقل عن بعض السلف أنه كان يتمنطق فلهذا حكى الكلام عن غيره وأمسك ومثل هذا هل يجعل قولا له إذا سئل عن مسألة فحكى فيها جواب غيره ولم يردفه بموافقة ولا مخالفة فيه لأصحابه وجهان
أحدهما نعم لأنه لولا موافقته له لكان قد أجاب السائل بغيره لأنه إنما سأله عن قوله ولم يسأله أن يحكي له مذهب الناس
والثاني لا يجعل بمجرد ذلك قولا له لأنه إنما حكاه فقط ومجرد الحكاية لا يدل على الموافقة وفي لبس المنطقة أثر وكلام ليس هذا موضعه
ولمثل هذا تردد كلامه في القوس الفارسية فقال الأثرم سألت أبا عبد الله عن القوس الفارسية فقال إنما كانت قسي الناس العربية ثم قال إن بعض الناس احتج بحديث عمر رضي الله عنه جعاب وأدم
قلت حديث أبي عمرو بن حماس قال نعم قال أبو عبد الله يقول فلا تكون جعبة إلا للفارسية والنبل فإنما هو قرن
قال الأثرم قلت لأبي عبد الله في تفسير مجاهد قلوبنا في أكنة قال كالجعبة للنبل قال فإن كان يسمى جعبة لنبل فليس ما احتج به الذي قال هذا بشيء
ثم قال ينبغي أن يسأل عن هذا أهل العربية
قال أبو بكر قيل لأبي عبد الله الدراعة يكون لها فرج فقال كان لخالد بن معدان دراعة لها فرج من بين يديها قدر ذراع قيل لأبي عبد الله فيكون لها فرج من خلفها قال ما أدري أما من بين يديها فقد سمعت من خلفها فلم أسمع قال إلا أن في ذلك سعة له عند الركوب ومنفعة
قال وقد احتج بعض الناس في هذا بقوله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ثم قال الأثرم قلت لأبي عبد الله واحتج بهذه الآية بعض الناس في القوس الفارسية ثم قلت إن أهل خراسان يزعمون أنه لا منفعة لهم في القوس العربية وإنما النكاية عندهم للفارسية قال كيف وإنما فتحت الدنيا بالعربية قال الأثرم قلت لأبي عبد الله ورأيتهم بالثغر لا يكادون يعدلون بالفارسية قال إنما رأيت الرجل بالشام متنكبا قوسا عربية
وروى الأثرم عن حفص بن عمر حدثنا رجاء بن مرجي حدثني عبد الله ابن بشر عن أبي راشد الحبراني وأبي الحجاج السكسكي عن علي رضي الله عنه قال بينما رسول الله ﷺ يتوكأ على قوس له عربية إذ رأى رجلا معه قوس فارسية فقال ألقها فهي ملعونة ولكن عليكم بالقسي العربية وبرماح الفنا فبها يؤيد الله الدين وبها يمكن لكم في الأرض
ولأصحابنا في القوس الفارسية ونحوها كلام طويل ليس هذا موضعه
وإنما نبهت بذلك على أن مالم يكن من هدي المسلمين بل هو من هدي العجم أو نحوهم وإن ظهرت فائدته ووضحت منفعته تراهم يترددون فيه ويختلفون لتعارض الدليلين دليل ملازمة الهدي الأول ودليل استعمال هذا الذي فيه منفعة بلا مضرة مع أنه ليس من العبادات ولا توابعها وإنما هو من الأمور الدنيوية
وأنت ترى عامة كلام أحمد إنما يثبت الرخصة بالأثر عن عمر أو بفعل خالد بن معدان ليثبت بذلك أن ذلك كان يفعل على عهد السلف ويقرون عليه فيكون من هدي المسلمين لا من هدي الأعاجم وأهل الكتاب
فهذا هو وجه الحجة لا أن مجرد فعل خالد بن معدان حجة
وأما ما في هذا الباب عن سائر أئمة المسلمين من الصحابة والتابعين وسائر الفقهاء فأكثر من أن يمكن ذكر عشره
وقد قدمنا في أثناء الأحاديث كلام بعضهم الذي يدل على كلام الباقين وبدون ما ذكرناه يعلم إجماع الأمة على كراهة التشبه بأهل الكتاب والأعاجم في الجملة وإن كانوا قد يختلفون في بعض الفروع إما لاعتقاد بعضهم أنه ليس من هدي الكفار أو لاعتقاد أن فيه دليلا راجحا أو لغير ذلك كما أنهم مجمعون على اتباع الكتاب والسنة وإن كان قد يخالف بعضهم شيئا من ذلك بنوع تأويل والله أعلم