إِلى مِثلِ هَذا في الخُطوبِ العَظائِمِ
إِلى مِثلِ هَذا في الخُطوبِ العَظائِمِ المؤلف: شكيب أرسلان |
إِلى مِثلِ هَذا في الخُطوبِ العَظائِمِ
أَرى مُنتَهى بَطشِ اللَيالي الغَواشِمِ
وَهَل بَعدَ هَذا الخَطبُ خَطبٌ نُعِدُّهُ
مُصاباً بِعِلمٍ أَو بَلاءً بِعالَمِ
مُصابٌ لِما قضد فاتَ أَنسى وَمَأتَمٌ
بِهِ خَتَمتَ آلامَ سودِ المَآتِمِ
وَلا غضروَ فيهِ فاجِعاً عَمَّ رَزؤُهُ
فَمَوتُ رِجالِ العِلمِ مَوتُ العَوالِمِ
مَصابيحٌ في الدُنيا إِذا هِيَ أُطفِئَت
دُجى الناسِ في لَيلٍ مِنَ الجَهلِ قاتِمِ
وَأَعلامُ رُشدٍ في البَرِيَّةِ يَهتَدي
بِها كُلُّ سارٍ في المَجاهِلِ هائِمِ
وَلَكِنَّها الدُنيا لَعَمري أولِعتُ
بِنَكبِ العُلى مِن عَهدِها المُتَقادِمِ
يُرَجّي التِهابَ النارِ بِالماءِ عِندَها
وَلَيسَ يَرجى صَفوُها كُلَّ حازِمِ
أَحَقّاً عِبادَ اللَهِ ذا اليَومَ قَد خَبا
شِهابُ العُلى وَاِندَكَّ طَودُ المَكارِمِ
وَأَنَّ المَعالي وَالمَعاني فَجِعتُ
بِخَطبٍ لِسُمرِ الخَطِّ وَالبيضِ ثالِمِ
وَما لِشُئونِ العِلمِ سالَت شُئونُها
عَلى جَنّاتِ الفَضلِ سَحَّ الغَمائِمِ
أَجَل ماتَ مَن قَد كانَ لِلفَضلِ سَيِّداً
بِفاجِئٍ خَطَبَ داهِمِ أَيُّ داهِمِ
قَضى اليَومَ عَبدُ اللَهِ فِكري الَّذي سَعى
لِنَيلِ المَعالي مُنذُ نوطَ التَمائِمِ
وَخَلَفَتِ الأَقلامَ وَالصُحُفَ بَعدَهُ
بِحُزنِ إِلَيَّ يَومَ القِيامَةِ دائِمِ
وَأَضحى بِهِ أَضحى وَقَد كانَ يَومَهُ
وَلَذّاتِهِ قَد نَغَّصَت بِالعَلاقِمِ
وَباتَت ثُغورٌ كُنَّ فيهِ بَواسِماً
وَغادَرَها ذا النَعيُ غَيرَ بَواسِمِ
نَعِيٌّ سَرى مِلءَ المَسامِعِ وَقعُهُ
إِذاً لَصَحا مِن غَفلَةِ كُلِّ نائِمِ
كَذا فَليَكُن غَورُ الكَواكِبِ في الثَرى
كَذا فَليَكُن غيضَ البِحارِ الخَضارِمِ
مُصيبَةُ مَجدٍ أَسكَرَت بِسَماعِها
نُهى الناسِ حَتّى أَقعَدَت كُلَّ قائِمِ
فَقَدنا أَميراً كانَ غُرَّةَ عَصرِنا
وَحيلَةُ أَجيادِ العُلا وَالمَعاصِمِ
فَقَدنا أَميرَ النَظمِ وَالنَثرِ راقِيا
مِنَ الأَمرِ أَعلا ما اِرتَجَت نَفسُ رائِمِ
فَواهاً بلِأَقوالٍ لَهُ قَد أَعارَها
سَلاسَتُهُ وَاللُطفُ مَرُّ النَسائِمِ
وَرِقَّةَ أَلفاظِ صِحاحٍ أَعارِبَ
كَساها بِتَفويفِ طِرازِ الأَعاجِمِ
نِظامٌ مُبانٍ يَخجَلُ الرَوضَ بَهجَةً
وَصَيدُ مَعانٍ في شُرودِ النَعائِمِ
مَحاسِنُ روحٍ ما اِبتَغَت في زَمانِها
سِوى الخَيرَ وَالمَعروفُ يَوماً لِآدَمي
وَلا وَرَدَت غَيرَ الشَهامَةِ مَورِداً
وَلا عَرَفت مِن أَينَ بابُ المَآثِمِ
خَلائِقُ أَمثالِ الرِياضِ نواضُرُ
تَضوعُ مِنها عُرفُ زَهرِ الكَمائِمِ
وَقَد كانَ أَذكى مِن سَنا النارِ رَبِّها
وَأَقطَعُ رَأياً مِن شِفارِ الصَوامِ
فَلَمّا ثَوى تَحتَ الرِغامِ وَذَلَّلَت
بِمَصرَعِهِ لِلعِلمِ شَمَّ المَراغِمِ
بَكَتهُ عُيونُ المَكرُماتِ وَأَعلَمَت
عَلَيهِ المَعالي كَيفَ نَوحُ الحَمائِمِ
وَلَم أَرَ خَطباً مِثلَهُ أَوهَنَ القُوى
بِهِ وَقَد اِنحَلَّت عُقودُ العَزائِمِ
سَأَندِبُهُ لا زاخِراً دَرَّ مَدمَعُ
وَلا سامِعاً في الحُزنِ لَومَةً لائِمِ
وَلا أَنسَ عِندي مِن نَفائِسِ لَفظِهِ
قَلائِدَ أَغلى مِن لَآلي العَيالِمِ
وَكُنتُ مَلَلتُ الشِعرَ حَتّى كَرِهتُهُ
وَأَصبَحَ عِندي في عِدادِ المَحارِمِ
إِلى أَن قَضَت أَوصافُهُ بِرِثائِهِ
فَأَصبَحَ عِندي اليَومَ ضَربَةَ لازَمِ
عَلى أَنَّني إِن لَم أَكُن قَبلَ ناظِماً
أَعَدَّ وَلِنُطقي فيهِ مُهجَةَ ناظِمِ
فَمِن وَصفِهِ دَرَّ المَحامِدِ وَالثَنا
وَمِن نَوحُهُ دَرُّ الدموعِ السَواجِمِ
أَيا راحِلاًُ عَنا إِلى المُلكِ الَّذي
دَعاهُ إِلى عَيشٍ مِنَ الخُلدِ ناعِمِ
فَلَعَمرُكَ هَذِهِ غايَةَ الخَلقِ كُلُّهُم
وَلَو عُمرُ المَخلوقِ عُمرِ القَشاعِمِ
حَباكَ إِلَهي كُلَّ رَوحٍ وَراحَةٍ
وَجادَت ثَرى مَثواكَ سُحبُ المَراحِمِ
وَإِنَّ لَنا في نَجلِكَ اليَومَ سَلوَةٌ
وَتَعزِيَةً يُؤسى بِها قَلبُ واجِمِ
يَدومُ لَنا الشَهمُ الأَمينُ مُؤَيِّداً
وَنَسأَلُ رَبُّ العَرشِ حُسنَ الخَواتِمِ