الرئيسيةبحث

إعراب لا إله إلا الله

إعراب
لا إله إلا الله
  ► ☰  
بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي

قال الشيخ العلامة جمال الدين [ عبد الله بن ] يوسف بن هشام الأنصاري، رحمه الله تعالى، ونفعنا بتحقيقاته:

أما بعد حمد الله، والصلاة على رسوله محمّد، ﷺ، فهذه رسالة كتبتها في إعراب لا إله إلا الله سألني في وضعها بعض الأصحاب، فأجبته مستمدا من الكريم الوهاب.

[جواز الرفع والنصب في الاسم الواقع بعد إلا]

يجوز الرفع فيما بعد إلا والنصب. والأول أكثر.

نص على ذلك جماعة منهم العلّامة محمد بن [محمد] بن عمرون في شرحه على المفصل. وظاهر كلام ابن عصفور والأبذي يقتضي أن النصب على الاستثناء أفصح أو مساو للرفع على بعض الوجوه، كما سيأتي تقريره.

[أوجه الرفع]

فأما الرفع فمن ستة أوجه:

أولها: أن خبر "لا" محذوف، و"إلّا الله" بدل من موضع لا مع اسمه، أو من موضع اسمها قبل دخولها. وقع للنحويين الحَمْلان.

وهذا الإِعراب مشهور في كلام جماعة من أكابر هذه الصناعة، قيل أطبق عليه المعربون من المتقدمين وأكثر المتأخرين.

قلت: وقد استشكل من قاعدة أن البدل لا بد أن يصحّ إحلاله في محل المبدل منه، وهو على نية تكرار العامل. ولا يصح تكرار "لا" لو قلت إلا عبد الله في قولك: لا أحد فيها إلا عبد الله. لم يجزْ.

وأجاب الشلوبين بأن هذا في معنى ما فيها من أحدٍ إلّا عبدُ الله، ويمكنك في هذا الإحلال.

قال ابن عصفور رحمه الله تعالى: وهذا الإشكال لا يتقرر، لأنه لا يلزم أن يحلّ "أحد" الواقع بعد إلّا، إنما يلزم تقدير العامل في المبدل منه، والعامل في المبدل منه الابتداء، فإذا أبدلت منه كان مبتدأ، وخبره محذوف. والتقدير في لا أحد فيها إلّا عبد الله: لا فيها [أحدٌ] إلا عبدُ الله.

وهذا فيه تأمل يظهر بما ذكره النحويون، في مسألة (ما زيدٌ بشيءٍ إلا شيءٌ لا يعبأ به) من أن "إلّا شيء" بالرفع لا غير على اللغتين.

أما عند بني تميم فلأن "بشيء" في محل رفع، وتعذر حمله على اللفظ لأن الباء لا تزاد في الإيجاب.

وأما عند أهل الحجاز فلأنهم وإن أعملوا ما وبشيء في محل نصب عندهم، فإعمالها مشروط بعدم انتقاض النفي. فما بعد "إلا" لا يمكن تقدير عملها فيه، والبدل على نية التكرار، ولذلك قال سيبويه: وتستوي اللغتان.

وقد زعم ابن خروف أن مراده بالاستواء فيما قبل إلّا وفيما بعدها من المستثنى والمستثنى منه.

قال ابن الضائع: "وغلط الأستاذ أبو علي في النقل عنه، فنقل الاستواء فيما بعد إلا، لا فيما بعد المجرور، حتى يرد عليه بأنه لا يجوز بدلا مرفوع من منصوب".

قال ابن الضائع: وعِندي أن القياس أن يبقوا على لغتهم في المجرور، وإلا كان يلزم الرفع في قولنا: ما زيدٌ قائماَ بل قاعدٌ، وكذا في لكنْ. ولم ينقل عن الحجازيين رجوعهم إلى اللغة التميمية في ذلك. وإنما نقل عنهم الرفع فيما بعد بل ولكن على جهة الابتداء. فهاهنا ينبغي أن يرجع فيما بعد "إلا"على النصب على الاستثناء. فقول سيبويه استوت اللغتان في الرفع، ينبغي أن يحمل على ما بعد إلّا. ولا حجة لهم في قول سيبويه: وصارت "ما"على أقيس اللغتين، فإنه يمكن حمله على ما بعد إلّا، كما قالوا في: ما زيد إلا منطلق، رجعوا إلى اللغة التميمية.

ويقوي أنه يريد ما بعد إلا تقديره وقوله: كأنك قلت: ما زيد إلا شيء لا يعبأ به.

وقول الأستاذ "لا يبدل مرفوع من منصوب"، جوابه أن البدل هنا بالحمل على المعنى. فإن الشرط في البدل تقدير تكرار العامل، فإن العامل يتكرر على أن البدل مرفوع. ويظهر البدل هنا في أنه لا يعمل فيه اللفظ المتقدم العامل في المبدل منه، بل الابتداء قولهم "لا إله إلا الله"، ألا ترى أنه بدل على تقدير ما لنا أو ما في الوجود. ولا يجوز تقدير لا في الوجود إلا الله، لأن "لا" لا تلغي إلا مكررة. وكذا البدل هنا على تقدير: ما زيد إلا شيء. وكأن "ما" لها عملان، عمل فيما بعد إلا وهو الرفع، وعمل فيما قبلها وهو النصب، فترك الأول على أحد العملين، وحمل الثاني، وهو ما بعد إلا، على العمل الآخر. انتهى.

وفي كلامه نظران:

الأول: قوله "ولا يجوز تقدير لا في الوجود إلا الله" ليس معنا في اللفظ إلا "لا" واحدة وهي عاملة. نعم إذا أعربناه على ما سبق بدلا نوينا تكرار لا، وانتفى عمل تلك المقدرة بالدخول على المعرفة. ومن أين لزوم التكرار لتلك المقدّرة. ولو قيل إنها تكررت في الجملة كان كافيا في جوابه.

الثاني: جعله باب "لا إله إلا الله " وباب "ما زيدٌ بشيءٍ إلا شيء" سواء. ولقائل أن يقول بينهما فرق، بأن "الله" مرفوع بدلا من منصوب.

وقد يعتذر له عن الثاني بأن "إلا الله" بدل من موضع اسم لا، لا من "لا" مع اسمها. بل لا يفتقر إلى ذلك جميعه، فإن العامل المقدر مع البدل هو الابتداء، وهو صالح للعمل في البدل والمبدل منه، كما تقدم في كلام ابن عصفور.

وقد رأيت في المجد المؤثل مما كتبته على المفصل أن الرفع في "ما زيد بشيء إلا شيء" يحتمل ثلاثة أوجه: إما البدل من جهة المعنى كما سبق، وإما على موضع "بشيء" قبل دخول "ما"، و إما على أن الرفع في الثاني هو الرفع في الأول، لو اتصف الأول بصفته من الإِثبات. وشبهت ذلك بمسألة التنزيل في توريث ذوي الأرحام في الفرائض، أي إعطاء الذكر ما للأنثى التي أدلى بها، وبالعكس، مع مراعاة العدد منه نفسه، فليتأمل.

ثانيها: أن خبر "لا" محذوف، كما سبق، والإبدال من الضمير المستكن فيه. وهذا لا كلفة فيه، واختاره بعض المتأخرين.

ثالثها: أن الخبر محذوف كما سبق، و"إلا الله" صفة لإله على الموضع، أي موضع لا مع اسمها، أو موضع اسمها قبل دخول "لا".

ولا يستنكرون وقوع "إلا" صفة، فقد جاء {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}. ويصير المعنى: لا إلهَ غير الله في الوجود. وقد جاء {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} بالوصف، لكنّ الخبر المحذوف قدّره بعضهم "في الوجود"، وقدّره بعضهم "كائن"، وبعضهم "لنا".

قيل والتقديران الأولان أولى من حيث كونه أدل على التوحيد المطلق من غير تقييد. ولذلك جاء {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وأعقب بقوله {لا إِلَهَ إِلّاَ هُوَ}.

وقد يقال إذا قدِّر "لنا" فالمراد لنا أيها العالَم الذي هو كل موجود سوى الله عز وجل، فاتحدت التقادير.

وقد رد الإمام فخر الدين على من قدر الخبر "في الوجود" لأن هذا النفي عام مستغرق، فتقييده بالوجود مخصص، فلا يبقى النفي على عمومه المراد منه، فلا يكون هذا إقرارا بالوحدانية على الإطلاق.

قال الأندلسي: "لا إله حقيقة إلا من له الخلق والأمر، لا بد أن يكون موجودا فينعكس بعكس النقيض فما ليس موجودا ليس بإله. والمراد بقوله "في الوجود" مسمى الوجود الصادق على العيني والذهني، فنفي الإله عن الوجود نفي لحقيقته".

وفي ري الظمآن: "لا يتصور نفي الماهية عندنا إلا مع الوجود. هذا مذهب أهل السنة، خلافا للمعتزلة فإنهم يثبتون الماهية عارية عن الوجود، والدليل يأبى ذلك".

رابعها: أن يكون الاستثناء مفرغا، و"إله" اسم "لا" بني معها، و"إلا الله" الخبر.

و هذا منقول عن الشلوبين فيما علقه على المفصل، ونقله عن الزمخشري في حواشيه ابن عمرون، وإن كان في المفصل قال غيره، وذهب إلى أن الخبر محذوف.

ومقتضى كلام ابن خروف على ما نقله عنه ابن الضائع قول الشاعر:

ألا طعان ألا فُرسانَ عاديةً ** ألا تجشّؤُكم حوَلْ التنَّانير

من أنه أعرب ( إلّا تجشؤكم) خبر لا، لكن رده عليه بوجهين، أحدهما: أن "لا" لا تعمل في الموجب. الثاني: أنها لا تعمل في الموجب مع المعرفة، وهما لازمان لإعراب "إلّا الله" خبرا.

وفي الوجهين نظر، لأنّ "لا" عند سيبويه وجمهور البصريين لا عمل لها في الخبر إذا بني الاسم معها. وقولك لا رَجُلَ حاضرٌ، بمثابة: هل مِنْ رجلٍ حاضر؟ الجواب كالسؤال.

واستدل لذلك ابن عصفور في شرحه للإيضاح بجواز حمل جميع التوابع لاسمها على الموضع قبل الخبر.

والقائل إن "لا" ترفع الخبر الأخفش وتابعوه.

وبنى ابن عصفور على الاختلاف جواز: لا رجلَ ولا امرأة قائمان. على القول الأول، وامتناعه على الثاني. مع أن كلام أبي البقاء في اللباب وابن يعيش في شرح المفصل ما يوهم أن خلاف سيبويه والأخفش في "لا" مطلقا المبني معها الاسم والمعرب، حيث عللا مذهب سيبويه بضعف عمل لا.

ولكن ابن مالك في التسهيل نقل الاتفاق على عمل "لا" في الخبر إذا كان اسمها معربا، واختار قوله الأخفش فيما إذا بني الاسم معها.

ورتب أبو البقاء على الخلاف أن قوله الشاعر:

فلا لَغْوٌ ولا تأثيم فيها **وما فاهوا به أبدا مُقيم

لا يحتاج إلى تقدير "فيها" عند سيبويه، بل الثابت "فيها" خبر الاثنين، ويحتاج لتقدير "فيها" أخرى عند سيبويه في أحد قوليه، وعند الأخفش.

وكنت عرضت هذا النظر على شيخنا أبي حيان فقال: كلام ابن الضائع محمول على مذهب من يرى أنها عاملة في الخبر مطلقا. ثم اعترض عليه من وجه آخر، وهو أنه يلزم أن تعمل "لا" في المعرفة. وهذا إن تم به الاعتراض على الأخفش فسيبويه سالم منه، حيث يقول إن "لا" لا عمل لها في الخبر.

على أن ابن عمرون حين نقل هذا الإِعراب عن الزمخشري في الحواشي، ردّه بأن المعرفة لا تكون خبرا عن النكرة. فيقال له هذا لا يضر سيبويه إذا كان مع النكرة ما يسوغ الإخبار عنها، وهي متقدمة على المعرفة حفظا للأصول، وقد أعرب: كم جربيا أرضك؟ مبتدأ مقدما وخبرا مؤخرا.

على أن ما ذكره ابن الضائع من أن "لا" لا تعمل في الموجب، قد يقال فيه إن تلك "لا" العاملة عمل ليس، من حيث إنها إنما عملت للشبه بليس من جهة النفي، فإذا زال النفي زال الشبه فزال العمل. أما لا النافية للجنس فعملها إنما هو بالحمل على إن، وهي للإثبات.

وقد قال العطار في شرح الكراسة: إذا قلت "لا فيها رجل" رفعت على الابتداء لا غير، لأنه لا يتقدم خبر "ما" الحجازية، يعني "لا" العاملة عمل ليس. وإلا فالعاملة عمل إنّ امتناع التقديم فيها لأجل تركبها مع لا. وإن حملت كلامه على الإِطلاق، فالكلام معه كالكلام مع ابن الضائع.

وقد رد ابن الحاجب على من جعل "إلا الله" خبرا. وسبق إلى ذلك الأندلسي، قال: لأنه مستثنى من الاسم، ولا يجوز أن يكون المستثنى خبرا عن المستثنى منه لأنه مبين له. ويمكن أن يقال لا نسلّم أن الاستثناء إخراج من المحكوم عليه بل من الحكم. سلّمنا أنه إخراج من المحكوم عليه، لكن المستثنى منه المحكوم عليه ليس اسم "لا" الذي أخبر عنه ب "إلا الله"، إلا أنه حذف لقصد التفريغ وأقيم المستثنى مقامه، وأعرب بإعرابه.

وهذا فرق ما بين الأقوال السابقة. وهذا حيث جعلنا الاستثناء فيها تاما، وهنا مفرغا، مع أن الخبر وهو "موجود" فيهما محذوف. إلا أن ذلك حذف لمحذوف محكوم له بحكم الثابت، وهذا فيه حذف لمحذوف معرض عنه في الإعراب.

وقد ردّ أبو البقاء العكبري هذا الإعراب أيضا في شرح الخطب النباتية، بأنه يلزم منه الإخبار بالخاص عن العام، وهذا مع الإخبار بالمعرفة عن النكرة.

ويمكن أن يقال إنما يمنع ذلك في الإثبات، كقولنا: الحيوان إنسان. أما في النفي فلا. وقد ردّ ابن عمرون قول من جعل "إلا الله" خبرا بجواز نصب "إلا الله" على الاستثناء، ومحال نصب خبر لا المشبهة بأن، وإن كان الرفع المشهور. انتهى.

ولقائل أن يقول إذا نصبنا لم نعتقد الخبر إلا محذوفا. ولا يحسن الرد بهذا على من جعل "إلا" خبرا، مع تجويزه الوجوه السابقة. والله أعلم.

خامسها: أن "لا إله" في موضع الخبر، و"إلا الله" في موضع المبتدأ. ذكر ذلك الزمخشري في كلام تلقفه عنه بعض تلامذته، وكتب ما ملخصه: اعلم أن متقدمي الشيوخ ذهبوا إلى أن قولنا: لا إله إلا الله، كلام غير مستقل بنفسه، بل بتقدير خبر، أي في الوجود، أو موجود، أو لنا. تقدير قولنا: لا رجلَ في الدار إلا زيدٌ. فجعلوا الكلام جملتين. وليس كذلك، ولا يحتاج إلى تقدير، لأن الكلام لا يخلو من وجهين: أحدهما أصل الكلام. الثاني: تفريع يزيد الكلام تحقيقا، وفائدة زائدة. نحو: ما جاءني رجل. يفيد نفي واحد غير معين، فيجوّز السامع مجيء اثنين. [فلذلك يصح أن يقول: ما جاءني رجل بل رجلان]. فإذا قيل: ما جاءني من رجل، [فيعلم السامع أنه لم يجئه أحد من جنس الرجال]، فلم يصحّ: ما جاءني من رجل بل رجلان.

وكذا {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} و {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ}، لو لم يأت ب "ما" جوّزنا أن اللين واللعن كانا للسببين المذكورين ولغيرهما، وحين دخلت "ما" قطعنا بأن اللين لم يكن إلا للرحمة، وأن اللعن لم يكن إلّا لأجل نقض الميثاق.

والاستثناء من تفريعات الكلام يزيده تأكيدا، فأصل الكلام: جاءني زيد. وهذا لا يقتضي قطع السامع بأن غير زيد لم يجيء، فإذا أريد جمع المعنيين، مجيء زيد ونفي مجيء، غيره قيل: ما جاءني إلا زيد.

وكذا في مسألتنا: الله إله، يوازن: زيد منطلق. فلما فرّع عليه وقيل "لا إله إلا الله" أفاد الفائدتين: إثبات الإلهية لله تعالى، ونفيها عمّا سواه.

فإذن "لا إله" في موضع الخبر، و"إلا الله" في موضع المبتدأ. يوضح هذا أن "لا" تطلب النكرة أبدا، لا تقول: لا زيد منطلق. والمبتدأ يجب أن يكون معرفة والخبر نكرة.

ثم تكلم بكلم آخر. [ انتهى ملخص كلام الزمخشري ].

وهذا الإعراب ارتضاه جماعة منهم ابن الحاجب وبعض مشايخنا، وذكره في ابتداء تدريسه قاضي القضاة جلال الدين القزويني، رحمه الله، بالقاهرة، وأنكره بعض العلماء، ولم يبين لفساده معنى، وقد رُدّ بمخالفته الإجماع من وجهين: أحدهما أن "لا" إنما يبنى معها المبتدأ لا الخبر. الثاني: جوار النصب بعد إلّا.

وفي بقية الكلام المنسوب للزمخشري، رحمة الله عليه، تعقّب.

سادسها: أن تكون "لا" مبنية مع اسمها، و"إلا الله" مرفوع بإله، ارتفاع الاسم بالصفة، واستغني بالمرفوع عن الخبر، كما في مسألة: ما مضروب الزيدان، وما قائم العمران.

وشجعني على ذلك قول الزمخشري رحمه الله تعالى: إله بمعنى مألوه، من أُلِه إذا عُبِد. ولو قلت: لا معبود إلا الله، لم يمتنع فيه ما ذكرت.

وعلى ذلك اعتراضان: الأول أن هذا الوصف الرافع لمكتفى به ينظر في دخول النواسخ عليه، فقد منع سيبويه: إنّ قائما أخواك.

الثاني: أنه على تقدير عمل "إله" يكون ذلك مطوّلا فيقتضي ذلك تنوينه. والتطويل كما يكون بالعمل نصبا، كذلك يكون بالعمل رفعا.

ففي مسائل ابن جني رحمه الله تعالى لشيخه: إذا قلت: يا منطلق وزيد، وعطفت على المرفوع في منطلق، وقلت إنّ العامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه، أتنصب "منطلق"أم ترفعه؟ فاستقر أمرهما بعد محاورة طويلة على أن ينصب، وأنه مطوّل.

والجواب عن الأول: أن الأخفش قد أجاز: إنّ قائما أخواك. ومنع سيبويه لها إنما هو لعدم مسوغ الابتداء بالنكرة.

قال بعض الفضلاء من أهل العصر، وقد عرضت ذلك عليه وارتضاه: قد خطر لي أن نحو "ليس قائم أخواك" يتفق الإمامان على إجازته.

وعن الثاني: أن ابن كيسان اختار حذف التنوين من نحو ذلك، وجعل منه {لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ} و {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ}. وإن كان جمهور البصريين يؤولون ذلك.

قال بعض مشايخنا: وأرى أن مذهب ابن كيسان أولى لعدم التكلف.

[وجها النصب]

وأما النصب في "إلا الله"فمن وجهين:

أولهما: أن يكون على الاستثناء إذا قدر الخبر محذوفا، أي لا إله في الوجود إلا الله عز وجل. ولا يرجح عليه الرفع على البدل، كما هو مقدر في الاستثناء التام غير الموجب، من جهة أن الترجيح هناك لحصول المشاكلة في الإتباعِ دون الاستثناء. حتى لو حصلت المشاكلة فيهما استويا، نحو: ما ضربت أحدا إلا زيدا.

نص على ذلك جماعة منهم الأُبذي رحمه الله تعالى. بل إذا حصلت المشاكلة في النصب على الاستثناء وفاتت في الإتباع ترجح النصب على الاستثناء. وهذا كذلك يترجح النصب في القياس، لكن السماع والأكثر الرفع. ولا يستنكر مثل ذلك، فقد يكون الشيء شاذا في القياس وهو واجب الاستعمال. وليس هذا موضع بسط ذلك.

وقاك أبو الحسن الأبذي في شرح الكراسة: إنك إذا قلت: لا رجل في الدار إلا عمرو، كان نصب "إلا عمرو" على الاستثناء أحسن من رفعه على البدل، لما في ذلك من المشاكلة.

على أن أبا القاسم الكرماني رحمه الله تعالى قال في كتاب الغرائب، في قوله تعالى: {لا إِلَهَ إِلّاَ هُوَ}: ولا يجوز النصب هنا، لأن الرفع يدل على أن الاعتماد على الثاني، والنصب يدل على أن الاعتماد على الأول. يعني إنك إذا أبدلت فما بعد إلا مسند إليه كالذي قبلها، إلا أن الاعتماد في الحكم على البدل، وإذا نصبت فما بعد إلا ليست مسندا إليه، إنما هو مخرج.

وقد اعترض عليه بأنه لا فرق في المعنى بين قولنا: ما قام القوم إلا زيدٌ وإلا زيدا، إلا من حيث ان الرفع أولى من جهة المشاكلة.

وكلام الكرماني لا يقتضي منع النصب مطلقا، بل في الآية من جهة الأرجحية التي يجب حمل أفصح الكلام عليها.

وقي كلام بعضهم أرجحية الرفع لأن فيه إعراضا عن غير الله تعالى وإقبالا عليه بالكلية. وأما الاستثناء فيقتضي الاشتغال بنفي السابق وإثبات اللاحق، ففيه اشتغال بهما جميعا. وهذا قد يرجح به النصب..

ثانيهما: أن يكون الخبر محذوفا كما سبق، و"إلا الله" صفة لاسم "لا" على اللفظ. وفي عبارة بعضهم أو على الموضع بعد دخول "لا"، وهما متقاربان كما سبق مثلهما في اللفظ.

قال الأبذيَ: ولا يجوز البدل من اسم "لا" عام اللفظ، يعني في: لا رجلَ في الدار إلا، زيدا، لأن البدل في نية تكرار العامل، ولو قدر فسد المعنى، وعملت "لا" في المعرفة. انتهى.

وقال ابن الحاجب رحمه الله تعالى: لأن "لا" إنما عملت للنفي. وفيه ما سبق.

وقال النيلي: "وإن شئت قلت إنَّ "مِنْ" مقدرة في النفي إذا كان مفردا، وجاء بعد إلا موجب لا يصح تقدير "من" فيه. وقيل لأن تقدير "لا" يقتضي النفي، ووقوعه بعد إلا يقتضي الإثبات، فيفضي إلى التناقض".

وقد تلخص في "لا إله إلا الله" عشرة أوجه: الرفع من ستة أوجه، غير أن البدل من الموضع إما من موضع اسم لا قبل الدخول، وإما من لا مع اسمها، فيتقدر سبعة.

والنصب من وجهين إلا أن في وجه الصفة، إما أنه صفة للفظ اسم لا إجراء لحركة البناء مجرى حركة الإعراب، وإما أن يكون صفة لموضعه بعد دخول لا، فيتقدر ثلاثة مع السبعة، فتلك عشرة كاملة.

والذي في كلام ابن عصفور من ذلك أربعة أوجه، وهو أكثر من وسّع في "إلّا" من الأوجه.

انتهى ما خطر لي في هذه المسألة من الأوجه الواضحة، والله يرزقنا منه المسامحة.

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحابته أجمعين.

تمت بحمد الله وعونه وحسن توفيقه