إذا وعد الحجاج أو هم أسقطت
إذا وعد الحجاج أو هم أسقطت المؤلف: الفرزدق |
إذا وَعَدَ الحَجّاجُ أوْ هَمَّ أسقَطَتْ
مَخافَتُهُ مَا في بُطُونِ الحَوَامِلِ
لَهُ صَوْلَةٌ مَنْ يُوقَهَا أنْ تُصِيبَهُ،
يَعِشْ وَهُوَ منها مُستَخَفُّ الخَصائِلِ
وَلمْ أرَ كالحَجّاجِ عَوْناً على التّقَى،
وَلا طَالِباً يَوْماً طَرِيدَةَ تَابِلِ
وَمَا أصْبَحَ الحَجّاجُ يَتْلُو رَعَيّةً
بِسِيرَةٍ مُخْتَالٍ، وَلا مُتَضَائِلِ
وكمْ من عَشِي العَيْنَينِ، أعمى فؤادُهُ
أقَمْتَ وَذِي رَأسٍ عَنِ الحقّ مائلِ
بسَيْفٍ بهِ لله تَضْربُ مَنْ عَصَى
على قَصَرِ الأعناقِ فَوْق الكَواهلِ
شَفَيتَ مِنَ الدّاءِ العِرَاقَ فَلمْ تَدَعْ
بِهِ رِيبَةً بَعْدَ اصْطِفاقِ الزّلازِلِ
وَكانُوا كَذِي داءٍ، أصَابَ شِفاءَهُ
طَبيبٌ بهِ، تحتَ الشّراسيفِ داخِلِ
كَوَى الدّاءَ بالمِكْوَاةِ حتى جَلا بِها
عن القَلْبِ عَينيْ كلّ جِنّ وَخابِلِ
وَكُنّا بأرْضٍ يا ابن يوسُفَ لمْ يكُنْ
يُبَالي بهَا ما يَرْتَشِي كُلُّ عَامِلِ
يَرَوْنَ إذا الخَصْمانِ جاءَا إلَيْهِمُ،
أحَقَّهُمَا بالحَقّ أهْل الجَعائِلِ
وَما تُبْتَغَى الحاجاتُ عندَكَ بالرُّشَى،
ولا تُقْتَضى إلاّ بِما في الرّسائلِ
رَسَائِلِ الأسْمَاءِ مَنْ يدعُه بهَا
يَجِدْ خَيرَ مَسؤولٍ عَطاءً لِسائِلِ
وَهُمْ لَيْلَةَ الأهْوَازِ حِينَ تَتابَعُوا
وَهُمْ بجُنُودٍ مِنْ عَدُوٍّ وَخاذِلِ
كَفاكَ بحَوْلٍ مِنْ عَزِيزٍ وَقُوّةٍ،
وَأعطَى رِجالاً حَظَّهُمْ بالشّمائِلِ
فأصْبَحتَ قد أبْرَأتَ ما في قُلُوبهِمْ
مِنَ الغِشّ من أفناءِ تلكَ القَبائِلِ
فَما النّاسُ إلاّ في سَبيلَينِ مِنهُمَا:
سَبِيلٌ لحَقٍّ أوْ سَبِيلٌ لِبَاطِلِ
فَجَرّدْ لهُمْ سَيْفَ الجِهادِ، فإنّما
نُصِرْتَ بتَفْوِيضٍ إلى ذي الفَواضِلِ
وَلا شَيءَ شَرٌّ مِنْ شَرِيرَةِ خَائِنٍ
يجِيءُ بِهَا يَوْمَ ابْتِلاءِ المَحَاصِلِ
هيَ العارُ في الدّنْيَا عَلَيْهِ، وَبَيْتُهُ
بهَا يَوْمَ يَلْقَى الله شَرُّ المَداحِلِ
أظُنُّ بَنَاتِ القَوْمِ كلَّ حَبِيّة
سيَمنعنَ منهُمْ كلَّ وُدّ وَنائِلِ
فَبَدَّلَهُمْ ما في العِيابِ، إذا انتَهْوا
إليكُنّ، وَاستبْدَلن عَقْدَ المَحامِلِ
سُيُوفَ نَعَامٍ غَيرَ أنّ لحَاهُمُ
على ذَقَنِ الأحناكِ مِثلُ الفَلائِلِ
عسَى أنْ يذُدن الناس عنكمْ إذا التقتْ
أسَابيُّ مُجْرٍ للقِتَالِ وَنَازِلِ
ومَا القَوْمُ إلاّ مَنْ يُطاعِنُ في الوَغى،
وَيَضرِبُ رأس المُستَميتِ المُنازِلِ
فِدىً لكَ أُمّي اجَعلْ علَيهمْ علامةً،
وَحَرِّمْ عَلَيهِمْ صَالحاتِ الحَلائِلِ
نُزَيِّلُ بَينَ المُؤمِنِينَ وَبَيْنَهُمْ،
إذا دَخَلُوا الأسْوَاقَ وَسطَ المَحافلِ
فَلا قَوْمَ شَرٌّ مِنهُمْ، غَيرَ أنّهُمْ
تَظُنّهُمُ أمْثَال تُرْكٍ وَكَابُلِ
تَرَى أعْيُنَ الهَلْكَى إلَيْهِ، كأنّها
عُيُونُ الصّوَارِ حُوَّماً بِالمَنَاهِلِ
يُرَاقِبْنَ فَيّاضاً، كَأنّ جِفَانَهُ
جَوَابي زَرُودَ المُترَعاتُ العَدامِلِ
وَقائِلَةٍ لي: ما فَعَلْتَ، إذا التَقَتْ
وَرَاءَكَ أبْوَابُ المَنَايَا القَوَاتِلِ؟
فَقُلْتُ لها: ما بِاحْتِيَالٍ وَلا يَدٍ
خَرَجْتُ مِنَ الغُمّى، ولا بالجَعائِلِ
وَلكِنّ رَبّي رَبُّ يُونُسَ إذْ دَعا
مِنَ الحُوتِ في موْجٍ من البحرِ سائلِ
دعَا رَبَّهُ، والله أرْحَمْ مَنْ دَعَا،
وَأدْناهُ مِنْ داعٍ دَعَا مُتضَائِلِ
وَمَا بَيّنَ الأيّامَ إلاّ ابنُ لَيْلَةٍ
رُكُوباً لهَا، وَالدّهرُ جَمُّ التَّلاتِلِ،
لَهُ لَيْلَةُ البَيضَاءِ، إذْ أنا خَائِفٌ
لذَنْبي، وَإذْ قَلْبي كَثِيرُ البَلابِلِ
فَما حَيّةٌ يُرْقَى أشَدَّ شَكِيمَةً،
ولا مِثْلَ هَذا مِنْ شَفيعٍ مُناضِلِ
يَجِدُّ إذا الحَجّاجُ لانَ، وَإنْ يَخَفْ
لَهُ غَضَباً يَضْرِبْ برِفْقِ المُحاولِ