إذا شئت هاجتني ديار محيلة
إذا شئت هاجتني ديار محيلة المؤلف: الفرزدق |
إذا شِئْتُ هَاجَتْني دِيَارٌ مُحِيلَةٌ
وَمَرْبِطُ أفْلاءٍ أمَامَ خِيَامِ
بحَيْثُ تَلاقَى الدّوُّ وَالحَمْضُ هاجَتا
لِعَيْنيَّ أغْرَاباً ذَوَاتِ سِجَامِ
فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا غَيرُ أثْلَمَ خاشَعٍ
وَغَيرُ ثَلاثٍ للرّمَادِ رِئَامِ
ألَمْ تَرَني عاهَدْتُ رَبّي، وَإنّني
لَبَيْنَ رِتَاجٍ قَائِمٌ وَمَقَامِ
على قَسَمٍ لا أشْتمُ الدّهْرَ مُسْلِماً،
وَلا خارِجاً مِنْ فيّ سوءُ كَلامِ
ألَمْ تَرَني وَالشِّعْرَ أصْبَحَ بَيْنَنَا
دُرُوءٌ مِنَ الإسْلامِ ذاتُ حُوَامِ
بهنّ شَفَى الرّحمنُ صَدرِي، وقَد جلا
عَشَا بَصَرِي مِنْهُنّ ضَوْءُ ظَلامِ
فأصْبَحْتُ أسْعَى في فَكَاكِ قِلادَةٍ
رَهِينَةِ أوْزَارٍ عَلَيّ عِظَامِ
أُحاذِرُ أنْ أُدْعَى وَحَوْضِي مُحَلِّقٌ،
إذا كانَ يَوْمُ الوِرْدِ يَوْمَ خِصامِ
وَلَمْ أنْتَهِ حَتى أحاطَتْ خَطِيئَتي
ورَائي وَدَقّتْ للدّهُورِ عِظَامي
لَعَمْرِي لَنِعمَ النِّحيُ كان لقَوْمِهِ
عَشِيّةَ غَبَّ البَيْعُ نِحْيُ حُمَامِ
بِتَوْبَةِ عَبْدٍ قَدْ أنَابَ فُؤادُهُ،
وَمَا كانَ يُعْطي النّاسَ غَيرَ ظِلامِ
أطَعْتُكَ يا إبلِيسُ سَبْعِينَ حِجّةً،
فَلَمّا انْتَهَى شَيْبي، وَتمّ تَمامي
فَرَرْتُ إلى رَبّي، وَأيْقَنْتُ أنّني
مُلاقٍ لأيّامِ المَنُونِ حِمَامي
ولمّا دَنَا رَأسُ الّتي كُنْتُ خَائِفاً،
وَكُنْتُ أرَى فِيهَا لَقَاءَ لِزَامِ
حَلَفْتُ على نَفْسي لأجْتَهِدَنّهَا
على حَالِهَا مِنْ صِحّةٍ وَسَقَامِ
ألا طالَ مَا قَدْ بِتُّ يُوضِعُ نَاقَتي
أبُو الجنّ إبْلِيسٌ بِغَيرِ خِطَامِ
يَظلُّ يَمَنّيني على الرّحْلِ وَارِكاً،
يَكُونُ ورَائي مَرّةً وَأمَامي
يُبَشِّرُني أنْ لَنْ أمُوتَ، وَأنّهُ
سَيُخُلِدُني في جَنّةٍ وَسَلامِ
فَقُلْتُ لَهُ: هَلاّ أُخَيَّكَ أخرَجَتْ
يَمِينُكَ مِنْ خُضرِ البُحُورِ طَوَامِ
رَمَيْتَ بِهِ في اليَمّ لَمّا رَأيْتَهُ
كَفِرْقَةِ طَوْدَيْ يَذْبُلٍ وَشَمَامِ
فَلَمّا تَلاقَى فَوْقَهُ المَوْجُ طَامِياً،
نَكَصْتَ، وَلَمْ تَحْتَلْ لَهُ بمَرَامِ
ألمْ تَأتِ أهلَ الحِجرِ والحِجرُ أهلُهُ
بأنْعَمِ عَيْشٍ في بُيُوتِ رُخَامِ
فَقُلْتَ اعْقِرُوا هذي اللَّقوحَ فإنّها
لكُمْ، أوْ تُنيخُوها، لَقُوحُ غَرَامِ
فَلَمّا أنَاخُوها تَبَرّأتَ مِنْهُمُ،
وَكُنْتَ نَكُوصاً عَنْدَ كلّ ذِمامِ
وَآدَم قَدْ أخرَجْتَهُ، وَهوَ ساكِنٌ
وَزَوْجَتَهُ، مِنْ خَيرِ دارِ مُقَامِ
وَأقْسَمْتَ يا إبْلِيسُ أنّكَ ناصِحٌ
لَهُ وَلَهَا، إقْسَامَ غَير إثَامِ
فَظَلاّ يُخِيطِانِ الوِرَاقَ عَلَيْهِما
بأيْدِيهِمَا مِنْ أكْلِ شَرّ طَعامِ
فكمْ من قُرُونٍ قد أطاعوكَ أصْبَحوا
أحادِيثَ كَانُوا في ظِلالِ غَمَامِ
وَمَا أنْتَ يا إبْلِيسُ بالمَرْءِ أبْتَغي
رِضَاهُ، وَلا يَقْتَادُني بِزِمَامِ
سأجزِيكَ من سَوْءاتِ ما كنتَ سُقتَني
إلَيْهِ جُرُوحاً فِيكَ ذاتَ كِلامِ
تُعَيِّرُها في النّارِ، وَالنّارُ تَلْتَقي
عَلَيْكَ بِزَقّومٍ لَهَا وَضِرَامِ
وإنّ ابنَ إبْلِيسٍ وَإبْلِيسُ ألْبَنَا
لَهُمْ بِعَذَابِ النّاسِ كُلَّ غُلامِ
هُمَا تَفَلا في فيَّ مِنْ فَمَوَيْهِمَا،
عَلى النّابِحِ العَاوِي أشَدُّ رِجَامِ