أَلا قُل لِمَن في الدُجى لَم يَنَم
أَلا قُل لِمَن في الدُجى لَم يَنَم المؤلف: شكيب أرسلان |
أَلا قُل لِمَن في الدُجى لَم يَنَم
طِلابَ المَعالي سَميرَ الأَلَم
وَمَن أَرَقتَهُ دَواعي الهَوى
فَدونَ الَّذي أَرَقتَهُ الحَكَم
فَكَم في الزَوايا تَخبا فَتى
طَريدَ الكِتابِ شِريدِ القَلَم
يَرى الأَرضَ ضيقاً كَشَقِّ اليَراعِ
وَيَهوي عَلى ذا الوُجودِ العَدَم
وَكَم ذا بِجَسرَينِ مِن لَيلَةٍ
عَلى مِثلِ جَمرِ الغَضا في الضَرَم
تَمَنّى الأَديبُ بِها نَدحَةً
وَلوباتٍ يَرعى هُناكَ الغَنَم
وَكَم سَرَوةَ تَحتَ جُنحِ الظَلامِ
كَسَرَ بِصَدرِ الأَديبِ اِنكَتَم
يَخافُ بِها حَرَكاتُ الغُصونِ
وَيَخشى النَسيمُ إِذا ما نَسَم
وَإِن تَشدُ وَرقاءَ في أَيكَةٍ
تُؤَرِّقهُ في صَوتِها وَالنَغَم
وَكَم باتَ لِلنَجمِ يَرعى إِذا
أُديمَ السَما بِالنُجومِ اِتَّسَم
وَطالَ بِهِ اللَيلُ حَتّى غَدا
يَظُنُّ عَمودَ الصَباحِ اِنحَطَم
وَمِن ذُعرِهِ خالَ إِنَّ النُجومَ
لَتَهدي إِلى مِسكِهِ عَن أُمَم
إِذا ما السِماكُ بَدا رامِحاً
تَوَهَّمَهُ نَحوَهُ قَد هَجَم
وَلَولا الدُجى لَم يَتِمَّ النَجا
وَقَد أَمكَنَ الظُلمُ لَولا الظُلَم
وَلِلَهِ دَرُّ القَرى إِذ خَفَتهُ
فَما بِالسُهولَةِ يَخفى العَلَم
فَجِسرَينِ زَبدينَ وَالأَشعَري
دِيارٌ بِها قَد أَوى وَاِعتَصَم
وَنَحوَ المَليحَةِ رامَ الخَفا
وَكَم بِالمَليحَةِ مِن مُتَّهَم
دِيارَ أَبي أَهلَها غَدرَهُ
وَآواهُ مِنها الوَفا وَالكَرَم
وَلا شَكَّ رَقوا لِأَحوالِهِ
طَريداً يُعاني الجَوى وَالسَقَم
لَيالي كانونَ في الأَربَعينَ
وَبَردُ العَشِيّاتِ أَغلى الفَحَم
بِأَرضِ ثَراها سَماءَ وَماءِ
فَفَوقي السَواقي وَتَحتَ الدِيَم
يَجولُ وَقَد صارَ مِثلَ الخَيالِ
وَدَقَّ فَلَو لاحَ لَم يَقتَحِم
وَفَوقَ الخُدودِ كَلَونِ البِهارِ
وَتَحتَ المَآقي كَلَونِ العَنَم
وَفي كُلِّ يَومٍ في كَبسِهِم وَبَحثِ
وَإِنّى تَوَلّى وَأَينَ اِنهَزَم
وَقَد كانَ في كَبسِهِم بَيتِهِ
بِجَلقٍ قالٌ وَقيلٌ عَمَم
فَكانَت عَلى كُتبِهِ غارَةً
كَغاراتِ عُربِ الصَفا بِالنِعَم
وَقالوا سَيَنفي إِلى رَودَسِ
وَقالوا سَيَجزي بِما قَد جَرَم
وَقالوا سَيَحمِلُهُ أَدَهَمَ
بِمَرقاهُ لا تَستَريحُ القَدَم
وَبَعضٌ بِسِجنٍ عَلَيهِ قَضى
وَبَعضٌ بِضَربٍ عَلَيهِ حَكَم
وَكُردُ عَلِيٍّد غَداً عَبرَةً
فَغايَ وَمِنهُ الرَجاءُ اِنصَرَم
فيا كُردُ لا تُحزِنَنكَ الخُطوبُ
فَإِنَّ الهُمومَ بِقَدرِ الهِمَم
وَمَن رامَ إِن يَتَعاطى البَيا
نَ تَوَقَّعَ إِن يُبتَلى بِالنَقَم
فَذي حَرفَةِ القَولِ حَريفَةً
وَكَم أَدرَكتُ مِن لَبيبٍ وَكَم
وَكَم كَتبَةً أَعقَبَت نَكبَةً
وَكَم مِن كَلامٍ لِقَلبٍ كَلَم
وَمَن بِالكِتابَةِ أَبدى هَوىً
فَإِنَّ الكَآبَةَ مِنهُ القَسَم
فَيا كُردُ صَبراً عَلى مِحنَةٍ
فَكَم مِحنَةٍ شيبَت مِن لِمَم
وَصَبراً عَلى وَرَقاتٍ لَها
عُيونَ المَعاني يُبكينَ دَم
وَواهاً لِباقاتٍ زَهَرَ غَدَوتَ
لَها جامِعاً يا أَخي مِن قَدَم
أَزاهِرَ تُسهِرُ في جَمعِها
فَلا غَروَ أَن فاحَ عُرفٌ فَنَم
وَما نَمَّ الأَبَنشَرُ ذَكي
وَطيبَ يَفوقُ عَرارَ الأَكَم
فَقولوا لِواشٍ بِكُردِ عَلِيٍّ
نَشَرتُ الثَنا حينَ حاوَلتُ ذَم
فَما كانَ كُردُ سِوى صادِقٍ
لِدَولَتِهِ طالَما قَد خَدَم
وضما وَجَدوا عِندَهُ ريبَةً
تَعدُ وَلَو في صِغارِ اللِمَم
فَهَل يُطفِئونَ بِأَفواهِهِم
مِنَ النورِ ما قَد رَآهُ الأُمَم
وَما دامَ ناظِمٌ في شامِنا
فَما نُستَضامُ وَلا نَهتَضِم
وَلَولا العِنايَةَ مِن ناظِمٍ
لَما كانَ شَملٌ لَنا مُنتَظَم
وَقانا دَسائِسَ أَهلَ النِفا
قِ وَردُ الوُشاةِ وَجَلى الغِمَم
وَقَد أَضحَتِ الشامُ في عَهدِهِ
يُصَوِّبُ عَلَيها عِهادُ النِعَم
وَباتَت مِنَ الزورِ في مَأمَنٍ
وَحَقَّ الأَمانِ بِبابِ الحَرَم