أَرى جُملَةً في صَفحَةِ الكَونِ لا تُقرا
أَرى جُملَةً في صَفحَةِ الكَونِ لا تُقرا المؤلف: شكيب أرسلان |
أَرى جُملَةً في صَفحَةِ الكَونِ لا تُقرا
وَعاطِفَةً في النَفسِ تَدري وَلا تُدرى
وَناراً بِأَحناءِ الأَضالِعِ كُلَّما
تَخَلَّلَها بَردُ اليَقينِ ذَكَت جَمرا
هِيَ النارُ في الأَحشاءِ لَكِنَّها هُدى
لِمَن كانَ لا يَرضى بِإيمانِهِ الكُفرا
عَلى ضَوئِها سارَ الأَئِمَةِ قَبلَنا
وَهَزّوا عَلى الأَملاكِ أَلوِيَةً حَمرا
وَكَم شاهَدوها بِالحِجازِ وَنورُها
يَضيءُ بِأَعناقِ الأَيانِقِ مِن بُصرى
وَلَولا سَناها ما دَرى ذو بَصيرَةٍ
أَقلَبا حَوى بَينَ الجَوانِحِ أَم صَخرا
وَلَولاهُ لَم تَعرِف عَنِ الروحِ سيرَةً
وَلا أَثَراً عَنها قَصَصنا وَلا إِثرا
لَقَد غابَ عَنها كَنهُها وَمَكانُها
وَلَكِن عَلى الأَكوانِ آثارُها تَترى
لَها كُلُّ آنٍ في البَرِيَّةِ مَظهَرٌ
يُخبِرُ أَنَّ اللَهَ أَودَعَها سَرا
دُخانٌ بِلا عودٍ وَعُرفٌ بِلا كَبا
وَبَرقٌ بِلا سَلكٍ وَسَرى بِلا إِسرا
فَمَن يَتَأَمَّلُ في البَعيدِ يُجدِ لَدى
جَوانِبِهِ أَشياءَ لا تَقبَلُ الحَصرا
وَمَن يَتَرَوّى في دُموعٍ يُسيلُها
يَخُض عِندَها مِن بَينِ أَعينِهِ البَحرا
رَأَيتُ عَلى طُرسِ الوُجودِ صَحائِفاً
يُداوِلُ فيها رَبَّها النَظمُ وَالنَثرا
مُنَظَّمَةٌ حَبا مُشَتَّتَةً قَلى
مُؤَلَّفَةً عَرفا مُخلِفَةً نَكرا
جُنودُهُ مِنَ الأَرواحِ قَد أَصبَحَ الهَوى
لِأَشكالِها سَمطاً وَأَصبَحَتِ الدرا
لَها في صَباباتِ القُلوبِ مَذاهِبٌ
فَأَشرَفَها حَبا بِأَشرَفِها مُغرى
كَما هامَ قَلبي بِالخَليلِ بنِ مِردَمِ
هُناكَ الهَوى العُذرِيُّ قَد صَحِبَ العُذرا
أَجَلَّ سَراةَ الشامِ بَيتاً وَإِنَّهُ
لِأَحدَثِهِم سَنا وَأَكبَرُهُم قَدرا
وَأَرحَبَهُم ذَرعاً وَأَطوَلُهُم يَداً
وَأَكرَمُهُم نَجراً وَأَصدَقُهُم فَجرا
وَأُقسِمُ أَنّي ما رَأَيتُ نَظيرَهُ
فَتى سَبٌ الأَشياخَ في قَطرِهِ خَبَرا
وَلَألَأَ نورُ المُصطَفى في نِجارِهِ
فَعَمَّ عَدياً مَجدَ نِسبَتِهِ الزَهرا
أَتاني قَصيدَ مِنهُ يَبغي إِجازَتي
وَهَل لِضَّيلِ النَجمِ أَن يُقبِسَ البَدرا
وَكَيفَ يُجيزُ المَرءَ مَن بانَ شَأوُهُ
عَلَيهِ وَهَل لِلفَترِ أَن يَعدِلَ الشَبرا
وَجادَ بِشِعرٍ كِدتُ عِندَ نَشيدِهِ
أُشَكِّكُ هَل بِالشِعرِ جادَ أَمِ الشِعرى
يُساجِلُني حَرُّ القَريضِ وَهَل تَرى
يُساجِلُ هَذا التُربِ ذِيالِكَ التِبرا
إِجازَةٌ مِثلي مِثلُهُ خالِصَ الدَعا
بِتَوفيقِهِ وَاللَهِ يَربي لَهُ العُمرا
وَإِنّي أَرى فيهِ مُذِ اليَومَ مُفرَدا
كَذاكَ يُرَجّى البَدرُ مِن شَهدِ الشَهرا
شَهِدتُ بِهِ في الحُسنِ بَدراً وَفي التُقى
شَهِدتُ بِهِ سيماءَ مَن شَهِدوا بَدرا