أَخَذَ الْكَرَى بِمَعَاقِدِ الأَجْفَانِ
أَخَذَ الْكَرَى بِمَعَاقِدِ الأَجْفَانِ المؤلف: محمود سامي البارودي |
أَخَذَ الْكَرَى بِمَعَاقِدِ الأَجْفَانِ
وَهَفَا السُّرَى بِأَعِنَّة ِ الْفُرْسَانِ
وَاللَّيْلُ مَنْثُورُ الذَّوَائِبِ ضَارِبٌ
فَوْقَ الْمَتَالِعِ وَالرُّبَا بِجِرَانِ
لاَ تَسْتَبِينُ الْعَيْنُ فِي ظَلْمَائِهِ
إلاَّ اشتعالَ أسنة ِ المرانِ
نَسْرِي بِهِ مَا بَيْنَ لْجَّة ِ فِتْنَة ٍ
تسمو غواربها على الطوفانِ
في كلَّ مربأة ٍ، وكلَّ ثنية ٍ
تهدارُ سامرة ٍ، وَ عزفُ قيانِ
تسنُّ عادية ٌ، وَ يصهلُ أجردٌ
و تصيحُ أحراسٌ، وَ يهتفُ عانى
قومٌ أبى الشيطانُ إلاَّ نزعهمْ
فتسللوا منْ طاعة ِ السلطانِ
مَلأَوا الْفَضَاءَ؛ فَمَا يَبِينُ لِنَاظِرٍ
غَيْرُ الْتِمَاعِ الْبِيضِ وَالْخُرْصَانِ
فالبدرُ أكدرُ، وَ السماءُ مريضة ٌ
وَالْبَحْرُ أَشْكَلُ، وَالرِّمَاحُ دَوَانِي
وَالْخَيْلُ وَاقِفَة ٌ عَلَى أَرْسَانِهَا
لِطِرَادِ يَوْمِ كَرِيهَة ٍ، وَرِهَانِ
وضعوا السلاحَ إلى الصباحِ، وَ أقبلوا
يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسُنِ النِّيرانِ
حتى إذا ما الصبحُ أسفرَ، وَ ارتمتْ
عينايَ بينَ رباً، وبين محاني
فإذا الجبالُ أسنة ٌ، وإذا الوها
دُ أعنة ٌ، والماءُ أحمرُ قاني
فتوجستْ فرطُ الركابِ
لِتَهَابَ؛ فَامْتَنَعَتْ عَلَى الأَرْسَانِ
فزعتْ؛ فرجعتِ الحنينَ، وَ إنما
تحنانهاشجنٌ منَ الأشجانِ
ذَكَرَتْ مَوَارِدَهَا بِمِصْرَ. وَأَيْنَ مِنْ
مَاءٍ بِمِصْرَ مَنَازِلُ الرُّومَانِ؟
وَ النفسُ مولعة ٌ - وَ إنْ هيَ صادفتْ
خَلَفاً ـ بِأَوَّلِ صَاحِبٍ وَمَكَانِ
فَسَقَى السَّمَاكَ مَحَلَّة ً وَمَقَامَة ً
في مصرَ كلَّ روية ٍ مرنان
حتى تعودَ الأرضُ بعدَ محولها
شَتَّى النَّمَاءِ، كَثِيرَة َ الأَلْوَانِ
بَلَدٌ خَلَعْتُ بِهَا عِذَارَ شَبِيبَتِي
وَطَرَحْتُ فِي يُمْنَى الْغَرَامِ عِنَانِي
فَصَعِيدُهَا أَحْوَى النَّبَاتِ، وَسَرْحُهَا
ألمى طوعُ تقلبِ الأزمانِ
حملَ اتلزمانُ عليَّ ما لمْ أجنهِ
إِنَّ الأَمَاثِلَ عُرْضَة ُ الْحدثَانِ
نقموا عليَّ - وَ قدْ فتكتُ - شجاعتي
إِنَّ الشَّجَاعَة َ حِلْيَة ُ الْفِتْيَانِ
فليهنإِ الدهرُ الغيورُ برحلتي
عَنْ مِصْرَ، وَلْتَهْدَأْ صُرُوفُ زَمَانِي
فَلَئِنْ رَجَعْتُ، وَسَوْفَ أَرْجِعُ وَاثِقاً
باللهِ - أعلمتُ الزمانَ مكاني
صَادَفْتُ بَعْضَ الْقَوْمِ حَتَّى خَانَنِي
وَحَفِظْتُ مِنْهُ مَغِيبَهُ فَرَمَانِي
زَعَمَ النَّصِيحَة َ ـ بَعْدَ أَنْ بَلَغَتْ بِهِ ـ
غِشًّا، وَجَازَى الْحَقَّ بِالْبُهْتَانِ
فليجر بعدُ كما أرادَ بنفسهِ
إن الشقيَّ مطية ُ الشيطانِ
وَ كذا اللئيمُ إذا أصابَ كرامة ً
عَادَى الصَّدِيقَ، وَمَالَ بِالإِخْوَانِ
كلُّ امرئٍ يجري على أعراقهِ
والطَّبْعُ لَيْسَ يَحُولُ فِي الإِنْسَانِ
فعلامَ يلتمسُ العدوُّ مساءتي؟
منْ بعدِ ما عرفَ الخلائقُ شاني
أَنَا لاَ أَذِلُّ، وَإِنَّمَا يَزَعُ الْفَتَى
فقدُ الرجاءِ وقلة ُ الأعوانِ
فَلْيَعْلَمَنَّ أَخُو الْجَهَالَة ِ قَصْرَهُ
عَنِّي وَإِنْ سَبَقَتْ بِهِ قَدَمَانِ
فَلَرُبَّمَا رَجَحَ الْخَسِيسُ مِنَ الْحَصَى
بِالدُّرِّ عِنْدَ تَمَاثُلِ الْمِيزَانِ
شَرَفٌ خُصِصْتُ بِهِ، وَأَخْطَأَ حَاسِدٌ
مَسْعَاتَهُ، فَهَذَى بِهِ، وَقَلاَنِي