أيُرْجِعُ مَيْتاً رَنّة ٌ وَعَوِيلُ
أيُرْجِعُ مَيْتاً رَنّة ٌ وَعَوِيلُ المؤلف: الشريف الرضي |
أيُرْجِعُ مَيْتاً رَنّة ٌ وَعَوِيلُ
ويشفى بإسراب الدموع غليل
نُطِيلُ غَرَاماً، وَالسّلُوُّ مُوَافِقٌ
ونبدي بكاء والعزاء جميل
شَبَابُ الفَتى لَيلٌ مُضِلٌّ لطُرْقِهِ
وَشَيبُ الفَتى عَضبٌ عَلَيهِ صَقيلُ
فَمَا لَوْنُ ذا قَبَلَ المَشيبِ بدائِمٍ
ولا عصر ذا بعد الشباب طويل
وحائل لون الشعر في كل لمة
دَلِيلٌ عَلى أنّ البَقَاءَ يَحُولُ
نؤمل أن نروى من العيش والردى
شَرُوبٌ لأِعْمَارِ الرّجَالِ أكُولُ
وهيهات ما يغنى العزيز تعزز
فيبقى ولا ينجي الذليل خمول
نقول مقيل في الكرى لجنوبنا
وَهَل غَيرُ أحشَاءِ القُبُورِ مَقيلُ
دَعِ الفِكْرَ في حُبّ البَقاءِ وَطولِهِ
فهمك لا العمر القصير يطول
ولا ترج أن تعطى من العيش كثرة
فكل مُقام في الزمان قليل
وَمَنْ نَظَرَ الدّنْيَا بِعَينِ حَقيقَة ٍ
درى أن ظلاًّ لم يزل سيزول
تُشَيَّعُ أظْعَانٌ إلى غَيرِ رَجْعَة ٍ
وَتُبْكَى دِيَارٌ بَعْدَهمْ وَطُلُولُ
لماذا تربي المرضعات طماعة
لماذا تخلَّى بالنساء بعول
ألَيسَ إلى الآجَالِ نَهوِي، وَخَلفَنا
مِنَ المَوْتِ حَادٍ لا يَغُبُ عَجُولُ؟
فمحتضر بين الأقارب أو فتى
تشحط ما بين الرماح قتيل
إذا لم يكن عقل الفتى عون صبره
فَلَيسَ إلى حُسْنِ العَزَاءِ سَبِيلُ
وإن جهل الأقدار والدهر عاقل
فأضيع شيء في الرجال عقول
تغير ألوان الليالي وتنمحي
بِهِ غُرَرٌ مَعْلُومَة ٌ وَحُجُولُ
تعزَّ أمين الله واستأنف الأسى
ففي الأجر من عظم المصاب بديل
وما هذه الأيام إلا فوارس
تُطَارِدُنَا، وَالنّائِبَاتُ خُيُولُ
وإن زال نجم من ذؤابة هاشم
فَلا عَجَبٌ، إنّ النّجومَ تَزُولُ
مَضَى وَالذِي يَبقَى أحَبُّ إلى العُلى
وَأهدَى إلى المَعرُوفِ حِينَ يُنيلُ
بقاءَك نهوى وحده دون غيره
فَدَعْ كُلّ نَفسٍ ما سِوَاكَ تَسيلُ
وَمَوْتُ الفتى خَيرٌ لَهُ من حَيَاتِهِ
إذا جاور الأيام وهو ذليل
تَلَفّتْ إلى آبَائِكَ الغُرّ هَل تَرَى
مِنَ القَوْمِ بَاقٍ جاوَزَتْهُ حُبُولُ
وَهل نالَ في العَيشِ الفتى فوْقَ عمرِهِ
وهل بُلَّ من داء الحمام غليل
وَمَن ماتَ لمْ يَعلَمْ وَقد عانَقَ الثّرَى
بكاه خليل أم سلاه خليل
فكَفْكِفْ عِنانَ الوَجدِ، إمّا تَعزّياً
وَإمّا طِلاباً أنْ يُقَالَ حَمُولُ
فكُلٌّ، وَإن لمْ يَعجلِ المَوْتُ، ذاهِبٌ
ألا إنّ أعْمَارَ الأنَامِ شُكُولُ
وللحزن ثورات تجور على الفتى
كما صرعت هام الرجال شمول
لقد كنت أوصى بالبكاء من الجوى
لَوَ أنّ غَرَاماً بالدّمُوعِ غَسِيلُ
فَأمّا، وَلا وَجْدٌ يَزُولُ بعَبرَة ٍ
فصبر الفتى عند البلاء جميل
وكَم خالَطَ الباكينَ مِن سنّ ضَاحكٍ
وبين رغاء الرازحات صهيل
وإني أراني لا ألين لحادثٍ
لَهُ أبَداً وَطْءٌ عَليّ ثَقِيلُ
وَأُغضِي عَنِ الأقدارِ، وَهيَ تَنوبُني
وما نظري عند الأمور كليلُ
يُهَوِّنُ عِندي الصّبرَ ما وَقَعَتْ بِهِ
صروف اللّيالي والخطوب نزولُ
وما أنا بالمغضي على ما يعيبني
وَلا أنَا عَنْ وُدّ القَرِيبِ أحُولُ
وَلا قَائِلٌ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ ضِدّهُ
وَلَوْ نَالَ مِنْ جِلْدِي قَناً وَنُصُولُ
وَلَوْلا أمِيرُ المُؤمِنِينَ تَحَضّرَتْ
بيَ البِيدَ هَوْجاءُ الزّمَامِ ذَمُولُ
وَطَوّحَ بي، في كُلّ شَرْقٍ وَمَغرِبٍ
زَمَانٌ ضَنِينٌ بِالرّجَاءِ بَخِيلُ
ولكنهُ أعلى محلّي على العدا
وعلم نطقي فيه كيف يقول
وعوّدني من جود كفيه عادة
أعُوجُ إلَيْهَا بِالمُنى وَأمِيلُ
يُقولونَ: لوْ أمّلْتَ في النّاسِ غَيرَهُ
وَهَلْ فَوْقَهُ للسّائِلِينَ مَسُولُ
وَمَنْ يَكُ إقْبَالُ الخَلِيفَة ِ سَيفَه
يلاق الليالي وهي عنه نكولُ
وَمَنْ كَانَ يَرْمي عَن تَقَدّمِ باعِه
يصبْ سهمه أغراضه ويؤل
فَتًى تُبصِرُ العَلْيَاءُ في كُلّ مَوْقِفٍ
بِهِ الرّمْحَ أعمَى وَالحُسَامَ ذَلِيلُ
ويدخلُ أطراف القنا كل مهجة ٍ
بِهَا أبَداً غِلٌّ عَلَيْهِ دَخِيلُ
إذا لاحَ يَوْمُ الرّوْعِ في سرْجِ سابحٍ
تَنَاذَرَهُ بَعْدَ الرّعِيلِ رَعِيلُ
بَقِيتَ، أمِيرَ المُؤمِنِينَ، فَإنّما
بَقَاؤكَ بِالعِزّ المُقِيمِ كَفِيلُ
ولا ظفرت منك الليالي بفرصة ٍ
وَلا غَالَ قَلباً بَينَ جَنبِكَ غُولُ
وأُعطيتُ ما لم يُعط في الملك مالك
فإنّك فضل والأنامُ فضولُ