ألا هكذا في الله تمضي العزائم المؤلف: أسامة بن منقذ |
ألا هكذا في الله تمضي العزائم
وتمضِي لدى الحربِ السّيوفُ الصّوارمُ
وتُسَتَنْزَلُ الأعداءُ مِن طَودِ عزِّهم
وليس سِوى سُمرِ الرِّماحِ سَلاَلم
وتُغزَى جيوشُ الكُفرِ في عُقرِ دَارها
ويوطا حماها والأنوف رواغم
ويوفي الكرام الناذرون بنذرهم
وإن بذلت فيه النفوس الكرائم
نذرنا مسير الجيش في صفر فما
مَضى نصفُه، حتى انْثَنى وهو غَائِمُ
بعثناه من مصر إلى الشام قاطعاً
مفاوز وخد العيس فيهن دائم
ونَاهيكَ مِن أرضِ الجِفارِ إذا التَظَى
بجنبيه مشبوب من القيظ جاحم
وصارَت عُيون الماءِ كالعَينٍ عِزَّة ً
إذا ما أتَاهَا العسكُر المتزاحمُ
فما هاله بعد الديار ولا ثنى
عزيمتَه جَهدُ الظَّما والسَمائِمُ
يهجر والعصفور في قعر وكره
ويَسرى إلى الأعداءِ، والنِجمُ نَائِمُ
إذا ما طَوى الراياتِ وقْت مَسيرِه
غَدت عوضاً منها الطّيورُ الحَوائِمُ
تباري خيولاً ما تزال كأنها
إذا مَا هيَ انْقضَّت نُسورٌ قَشاعِمُ
فإن طلبت قصداً تساوين سرعة ً
قوادمُها في جوِّها والقَوائِمُ
هي الدُّهمُ ألواناً وصِبغَ عَجاجَة ٍ
فإن طلبت أعداءها فالأداهم
تُصاحبها علماً بأن سوف نَغتدِي
بها ولها في الكافرين مطاعم
كما أنَّ وحشَ القَفرِ ما زال منهمُ
مدَى الدّهرِ أعراسٌ لهُم وولائِمُ
خيول إذا ما فارقت مصر تبتغي
عدى ً فلها النصر المبين ملازم
يسير بها ضرغام في كل مأزق
وما يصحب الضرغام إلا الضراغم
ورفقته عين الزمان وحاتم
ويحيى وإن لاقى المنية حاتم
مضى طاهر الأثواب من كل ريبة
شهيداً، كما تمضي السَّراة ُ الأكارِمُ
هنيئاً له يسقى الرحيق إذا غدت
تحييه في الخلد الحسان النواعم
ولو أننا نبكي على فقد هالك
لقلَّت له منَّا الدّموعُ السَّواجِمُ
ولكننا بعنا الإله نفوسنا
ورحنا وما منا على البيع نادم
تهونُ علينَا أن تُصاب نفوسُنا
إذا لم تصبنا في الحياة المآثم
وما خام إذ لاقى همام وصنوه
عشية َ أصواتُ الرجالِ هَمَاهِمٌّ
وبرقية شاموا السيوف فلم يعش
لبارقها في ساحة الشامِ شَائِمُ
وأفناء جند لو توجه جمعهم
لرومية جالت عليها المقاسم
وجمع مماليك بأفعالنا اقتدوا
فكلُّهمُ بالطّعنِ والضربِ عالِمُ
وسِنْبِسُ قد شادُوا المعاليِ بفعلهم
وليس لهم إلا العوالي دعائم
وثَعلبة ٌ أضَحْوا بنا قد تأَسَّدُوا
فما لهُم في المشركين مُقَاوِمُ
وإنّ جُذاماً لم يزل قطُّ منهمُ
قدِيماً لحِبلِ الكُفر بِالشّامِ جاذِمُ
جيوشٌ أفدنَاها اعتزاماً ونجدة ً
فطاعننا منهم ومنا العزائم
إذا ماأثاروا النقَّع، فالثغُر عابسٌ
وإن جرَّدوا الأسيافَ فالثغرُ باسمُ
ولمّا وَطُوا أرضَ الشاڑم تحالَفت
فأضحْت جميعاً عُربُها والأعاجمُ
وواجهَهُمْ جمعُ الفرنجِ بحملة ٍ
تهونُ على الشُّجعانِ منها الهزائِمُ
فلقوهم رزق الأسنة وانطووا
عليهم فلم ينجم من الكفر ناجم
وما زالت الحرب العوان أشدها
إذا ما تَلاقى العسكرُ المتَصَادِمُ
يشبههم من لاح جمعهم له
بلجة بحر موجها متلاطم
وحسْبُكَ أن لم يبقَ في القومِ فارسٌ
من الجيشِ إلاّ وهو للرّمحِ حَاطِمُ
وعادُوا إلى سِلّ السيوفِ؛ فقطِّعَتْ
رؤوس وحزت للفرنج غلاصم
فلم ينج منهم يوميذاك مخبر
ولا قيلَ: هذا وحدَه اليومَ سَالِمُ
كذلِكَ ما ينفَكُّ تُهدَى إلى العِدَا
وللوحشِ أعراسٌ لهم وماڑتمُ
وتسري لهم آراؤنا وجيوشنا
بداهية ٍ تبيضُ منها المقَادِمُ
نقتلهم بالرأي طوراً وتارة ً
تدوسُهُم منا المَذاكي الصَّلادِمُ
وما العازم المحمود إلا الذي يرى
مع العَزمِ في أحوالِه، وهو حَازِمُ
وقد غَرَّق الكفَّارَ منه بقطْرَة ٍ
سحاب انتقام عندنا متراكم
فكيفَ إذا سالَت عليهم سُيولُنا
وجاشَت لنا تلك البحارُ الخَضَارِمُ
وما نحن بالإسلام للشرك هازم
ولكننا الإيمان للكفر هادم
فقُولوا لِنور الدّين، لا فُلَّ حدُّه
ولا حكمت فيه الليالي الغواشم
تجهَّزْ إلى أرضِ العدوِّ ولا تَهنْ
وتُظهرْ فُتوراً أَن مَضت منك حَارِمُ
فما مثلها تبدي احتفالاً به ولا
تُعَضُّ عليها للملوكِ الأباهِمُ
فعندك من ألطاف ربك ما به
علمنا يقيناً أنه لك راحم
أعادَك حياً بعد أن زعَم الورَى
بأنك قد لاقيت ما الله حاتم
بوقتٍ أصابَ الأرضَ ما قد أصابَها
وحلت بها تلك الدواهي العظائم
وخيم جيش الفكر في أرض شيزر
فسيقت سبايا واستحلت محارم
وقد كان تاريخ الشآم وهلكه
ومن يحتويه أنَّه لك عًّادمُ
فقم واشكر الله الكريم بنهضة
إليهمْ، فشكرُ اللّهِ للخلق لاَزِمُ
فنحن على ما قد عهدت نروعهم
ونحلِفُ جَهداً أنّنا لا نُسالمُ
وغَاراتُنا ليست تَفَتَّرُ عنهُم
يَسوقُ أساطيلَ الفَرنجِ اليهمُ
وأسطولُنا أضعافُ ما كان سائراً
إليهم فلا حِصنٌ لَهُم منه عَاصِمُ
ونَرجو بأن نَجتاحَ باقِيَهم بِه
وتحوى الأسارى منهم والغنائم
على أنَّنا نِلنا مِنَ المجدِ مَا بِه
نفاخر أملاك الورى ونقاوم
ولكننا نبغي المثوبة جهدنا
وطاقَتنا، واللّهُ معطٍ وحَارمُ
ونَختِمُ بالحسنى الفَعال، وإنّما
ترين أعمال الرجال الخواتم
فمن حاتم ما نال ذا الفخر حاتم
وصَلتَ، فأغنيتَ الأنامَ عن الحيَا
وصُلْتَ؛ فخافَت من سُطاك الصَّوارِمَ
وجدت على بخل الزمان فأين من
نداك السكوب المستهل الغمائم
تكفلت للإسلام أنك مانع
حماه مبيح ما حمى الكفر هادم
فأصبحت ترعى سرحه بصريمة
من العزْمِ، لم تبلُغ مَداها العَزائمُ
وأيدته بالعدل والبذل والتقى
وضرب الطلى والصالحات دعائم
فعدل مزيل كل ظلم وجوده
وجود مذيل ما تصون الخواتم
رميت العدا بالأسد في أجم القنا
على الجُرد، تقتادُ الرَّدى وهو رَاغِمُ
بمثلِ أتِيِّ السّيلِ، ضاقَ به الفَضَا
وضَاق على الأعداءِ منه المخَارمُ
يُبارِين شُهبَ القَذِفَ يَحمِلن مثلَها
من الحَتْف، للباغي الرّجيم رَوَاجِمُ
سرايَا كَموجِ البحرِ، في لَيلِ عِثْيرٍ
بِه مِن عَوالِيهِمْ نجومٌ نَواجِمُ
تسيرُ جيوشُ الطَّير فوق جيوشِها
لها كل يوم من عداها ولائم
فإن خَفَضَ الفُرسانُ للطَّعنِ في الوغَى
رِماحَهمُ انقضَّت عليها القَشاعِمُ
تعرَّض منها فَوق غزَّة عارِضٌ
سحاب المنايا فوقه متراكم
فللَّنقعِ سُحبٌ، والسيوفُ بوارقٌ
وللدم وبل والنبات جماجم
بوارق منها الغوث لا الغيث يرتجى
أشائم لا يروى بها الدهر شائم
فليس لراج غير عفوك ملجأ
وليس لعاص لم ينب منك عاصم
تنزهت عن أموال من أنت قاتل
فقد جُهلَتْ بين الجيوشِ المقَاسِمُ
فنهبك أرواح تنفلها الظبا
وسُمرُ العَوالِي، والبلادُ مغانِمُ
فلا مورد إلا يمازجه دم
ولا مرتع إلا رعته المناسم
فسيفُك للخصمِ المعانِدِ خاصِمٌ
وعدلُك للشكْوى وللجَور شَاكُمِ
خلطتَ السُّطَا بالعَدل، حتّى تألَّفَتْ
أسود الشرى والمطفلات الروائم
يشن أبو الغارات غارات جوده
على ماله وهوالمطيع المسالم
ويبعثها شعث النواصي كأنها
ذئاب الفلا تردي عليها الضراغم
تلظ بأرض المشركين كأنها
صواد إلى ورد حوان حوائم
فَويح العِدَا من بأسها، إنما سرَى
إليها ولم تشعر ردى وأداهم
فهمُ جُزُرٌ للبيضِ، والبيضُ كالدَّمَى
سبايا تهادى والبلاد معالم
غزوتَهمُ في أرضِهم وبلادِهْم
وجحفلُهُم في أرضها مُتزَاحمُ
فأفنيتَهم قَتْلاً وأسرا بأسرهِم
فناجيهم مستسلم أو مسالم
فلمَّا أبادتهُم سيوفُك، وانجَلت
عن الأرضِ منهمْ ظُلمة ٌ ومظالِمُ
غروتهم في البحر حتى كأنما الـ
أساطيل فيه موجه المتلاطم
على الماء طير ما لهن قوادم
يصرِّفُها فُرسانُها بأعنَّة ٍ
جرت حيث لم توصل بهن الشكائم
إذا دفعوها قلت: فرسان غارة
سروا بجياد ما لهن قوائم
دماؤهم في البحر حمر سوائح
وهامهم في البر سحم جواثم
فلم يَخفَ في فجٍ من الأرضِ هارِبٌ
ولم ينج في لج من الماء عائم
وعاد الأسارى مردفين وسفنهم
تُقادُ، كما قاد المهارِي الخَزَائِمُ
وقد شمر الملكان في الله طالبي
رضاه بعزم لم تعقه اللوائم
بجد هو العضب الحسام وحده
لعادية الأعداء والكفر حاسم
وقامَا بنصر الدّين، واللّهُ قائمٌ
بنصرِهما، ما دامَ للسيفِ قائمُ
وما دون أن يفنى الفرنج وتفتح الـ
ـلادُ، سوى أن يُمضِيَ العزمَ في
ا مَلِكاً، قد أحمد اللّهُ سعيَه
ونيّتَه، واللّهُ بالسِرِّ عالِمُ
تَهنَّ ثناءً، طبَّق الأرضَ نَشرُه
هو المسك لا ما ضمنته اللطائم
ثناءً به يحدو الحداة وينشد الـ
ـرواة وتشدو في الغصون الحمائم
يسير مع الركبان أنى تيمموا
على أنه في ساحة الحي هاجم
أميرَ الجيوشِ، اسمَع مقالة َ بائِح
بشكركَ، يُبدي مثلَ ما هو كاتِمُ
بِفَضْلِك اڑلَى صادقاً، إنَّ فكرَه
لعاص له في نظم ما هو ناظم
كأن بديعي شعره وبيانه
حروف اعتلال والهموم جوازم
على أنه كالصم صبراً وقسوة ً
تحز المدى في قلبه وهو كاظم
فما يَعرف الشَّكوى ولا يَستكينُ للـ
ـخُطوبِ، ولا تُوهى قواهُ العَظائِمُ
ولو كان سَحباناً أجرَّ لسانَه
ألا هكذا في الله تمضي العزائم
هيَ السّحرُ، لا ما سارَ عن أرض بابلٍ
هي الدّرُّ، لا ما ألَّفته النَّواظِمُ
فريدة دهر للقلوب تهافت
علَيها، وللأَسماعِ فيها تَزاحُمُ
إذا أُنشِدَتْ في مَحفل قال سامعٌ:
أنفَثة سِحرٍ، أم رُقًى ، وتمائمُ
ولولا رجاء الصالح الملك الذي
بدولَته الدّهرُ المقطِّبُ باسِمُ
وأنِّي أُمَنِّي النفسَ لثْمَ بنانِه
وما كانَ قبلِي للسحائبِ لأُثمُ
ففيها مَنايا للأَعَادِي قَواصِمٌ
وفيها بحارٌ للعطايا خَضَارِم
وحطي رحال الشكر عني ببابه
بحيثُ اعْتِدَا الآمالِ في المالِ حَاكِمُ
ويعجب مني الناس حت يقول من
رآني إلى الجنات قد عاد آدم
قضيت لبعدي عن ذراه ندامة ً
ولا عجبٌ إن ماتَ بالهمِّ نَادِمُ
أتتك ابنة ُ الفِكر الحسيرِ؛ وإنَّها
تسيرُ مَسيرَ البَدْر، والليلُ عَاتِمُ
بمدْحٍ بديعٍ من وليٍّ مُمَدَّحٍ
جَديرٍ بأن يُغْلى به السَّومَ سائِمُ
تَسومُ جميلَ الرأى ، لا المالَ، إنَّه
بذولٌ له فيما قضَتْه المكارِمُ
تَضمَّنُ روضاً، زهرُه مدحُ مجدك الـ
ـعَليِّ، وأوراقُ الكّتابِ كَمائمُ
فدُمتَ، ودامتْ هالة ٌ، أنت بدرُها
ومُلْكُكَ، ما كَّر الجديدانِ، دَائمُ