أكذا المنون تقنطر الأبطالا
أكذا المنون تقنطر الأبطالا المؤلف: الشريف الرضي |
أكذا المنون تقنطر الأبطالا
أكذا الزمان يضعضع الأجبالا
أكذا تصاب الأسد وهي مذلة
تَحْمي الشُّبُولَ، وَتَمنَعُ الأغيَالا
أكذا تقام عن الفرائس بعد ما
ملأت هماهمها الورى أوجالا
أكذا تحط الزاهرات عن العلى
مِنْ بَعدِما شَأتِ العُيُونَ مَنَالا؟
أكذا تكب البزل وهي مصاعب
تطوي البعيد وتحمل الأثقالا
أكذا تغاض الزاخرات وقد طغت
لجباً وأردت الظماءُ زلالا
يا طالب المعروف حلَّق نجمه
حُطّ الحُمُولَ وَعَطّلِ الأجمَالا!
وأقم على يأس فقد ذهب الذي
كَانَ الأنَامُ عَلى نَداهُ عِيَالا
من كان يقري الجهل علما ثاقباً
والنقص فضلاً والرجاء نوالا
ويجبن الشجعان دون لقائه
يَوْمَ الوَغَى، وَيُشَجَعُ السّؤّالا
خلع الردى ذاك الرداء نفاسة
عنا وقلص ذلك السربالا
خبر تمخض بالأحبة ذكره
قَبلَ اليَقِينِ، وَأسْلَفَ البَلبَالا
حتى إذا جلَّى الظنون يقينه
صدع القلوب وأسقط الأحمالا
الشك أبرد للحشا من مثله
يا ليت شكي فيه دام وطالا
جَبَلٌ تَسَنّمَتِ البِلادُ هَضَابَهُ
وَتَخَرّمَ الأذْوَاءَ وَالأقْيَالا
يا طَوْدُ! كَيفَ وَأنتَ عاديُّ الذُّرَى
ألقى بجانبك الردى زلزالا
إنْ قَطّعَ الآمَالَ مِنكَ، فإنّهُ
مِنْ بَعْدِ يَوْمِكَ قَطّعَ الأُمّالا
ما كنت أول كوكب ترك الدنا
وسما إلى نظرائه فتعالى
أنَفاً مِنَ الدّنْيَا بَتَتَّ حِبَالَهَا
ونزعت عنك قميصها الأسمالا
ذا المنزل المظعان قد فارقته
يا شَافيَ الأدْوَاءِ كَيفَ جَهِلْتَهُ
داءً رَمَاكَ بِهِ الزّمَانُ عُضَالا
وَصَلَ الدّمُوعَ، وَقَطّعَ الأوْصَالا
يا آمِرَ الأقْدارِ كَيْفَ أطَعتَهَا
أوَمَا وَقَاكَ جَلالُكَ الآجَالا
كَيفَ اغتَفَلْتَ، فَفاجأتْكَ بِغُرّة ٍ
أوَ لَيسَ كُنتَ المِخلَطَ المِزْيَالا
لم تكف يا كافي الكفاة منية
وَتَصَوّبَ الوَادي إلَيْكَ، فَسَالا
ألاّ وَقَى المَجْدُ المُؤثَّلُ رَبَّهُ
ألاّ زَوَى المِقدارُ، ألاّ حَالا
ألاّ أقَالَتْكَ اللّيَالي عَثْرَة ً
يا من إذا عثر الزّمان أقالا
إن الذي أنجى إليك بسهمه
قدر ينال ذبابه الريبالا
لا مُسْمِعُ الإنْبَاضِ منهُ، فيُتّقَى
يوماً ولا مالي الجفير نبالا
وأرى الليالي طارحات حبالها
تَسْتَوْثِقُ الأعْيَانَ وَالأرْذَالا
يبرين عود النبع غير فوارق
بين النبات كما برين الضالا
لا تـأمن الدنيا عليك فإنها
ذاتُ البُعُولِ تُبَدِّلُ الأبْدَالا
وَتَنَاذَرِ الدّهْرَ الذِي شرَعَ الرّدَى
وتخرم الأذواد والأقيالا
واسترجع الأملاك قسراً بعد ما
رَكِبُوا مِنَ الشّرَفِ المُطِلّ جِبَالا
وطوى مقاول من نزار ذادة
في الحَرْبِ لا كُشفاً وَلا أمْيَالا
قَوْمٌ، إذا وَقَعَ الصّرِيخُ تَنَاهَضُوا
بالخيل قُباً والقني طوالا
وَتُرَى خِفافاً في الوَغَى، فإذا انتَدَوْا
وتلاغط النادي رأَيت ثقالا
صاحت بهم نوب الليالي صيحة
فَتَتَابَعُوا لِدُعَائِهَا أرْسَالا
يَتَوَاكَلُونَ المَوْتَ جُبْناً بَعدَمَا
كَانُوا أُسُودَ مَغَاوِرٍ أبْطَالا
نزعوا الحمائل عن عواتق فتية
كانوا لكل عظيمة حُمالا
مِنْ بَعْدِ مَا دَعَموا القِبابَ وَخيّسوا
ذُلُلَ المَطِيّ وَدَمَّنُوا الأطْلالا
عرب إذا دفعوا الجياد لغارة
هزوا العباب وخضخضوا الأوشالا
مِنْ كُلّ مُنْهِبِ مَالِه سُؤّالَهُ
أو بالغ بعطائه ما نالا
أو بائت يرعى النجوم لغارة
ويَعدّ للمغدى قناً ونصالا
لَمْ تَرْهَبِ الأقْدارُ عِزّتَهُ، وَلا
اتقت النوائب جمعه العضالا
وعصائب اليمن الذين تبوَّأُ وأ
قُلَلَ الهِضَابِ وَشَرّدُوا الأوْعَالا
كانوا فحول وغى تساند بالقنا
لا كالفحول تساند الأجذالا
زَفَرَ الزّمَانُ عَلَيهِمُ، فَتَطارَحُوا
فِرَقاً وَطَارُوا بِالمَنُونِ جِفَالا
وَعَلى الهَبَاءَة ِ آلُ بَدْرٍ إنّهُمْ
طَرَحُوا لَهُ الأسْلابَ وَالأنْفَالا
مِنْ بَعدِ ما خَلَطوا العَجاجَ وَجلجلوا
تِلْكَ الزّعَازِعَ وَالقَنَا العَسّالا
وَالمُنذِرُونَ الغُرُّ شَرّدَ مِنْهُمُ
حيا على لقم العراق حلالا
والأزد شيريون أبرز منهم
مُتَفَيّئِينَ مِنَ النّعِيمِ ظِلالا
مِنْ مَعشَرٍ وَرَدُوا المَنونَ، وَمَعشرٍ
سَلَبوا الحِجالَ، وَألبَسوا الأحجَالا
قد غادروا الإيوان بعد فراقهم
يَنعَى القَطِينَ وَيَندُبُ الحُلاّلا
إن كنت تأمل بعدهم مهلاً فقد
مَنّتْكَ نَفْسُكَ في الزّمَانِ ضَلالا
لمن الضوامر عريت أمطاؤها
حول الخيام تنازع الأمطالا
بُدّلْنَ مِنْ لُبْسِ الشّكِيمِ مَقاوِداً
مَرْبُوطَة ً، وَمِنَ السّرُوجِ جِلالا
فجعت بمنصلت يعرّض للقنا
أعناقها ويحصن الأكفالا
لمن المطايا غير ذات رحائل
فَارَقْنَ ذاكَ السَّدْوَ وَالإرْقَالا
أمست تمنع بالسقاب وطالما
جعل الظبا لرضاعهنَّ فصالا
من كان يحمل فوقهنّ عصابة
مِثْلَ الصّقُورِ غَرَانِقاً أزْوَالا
من كان يجشمهن كل مفازة
تلد المنون وتنبت الأهوالا
لمن النصول نشبن في أغمادها
كَلَفَ الظُّبَى لا يَنْتَظِرْنَ صِقَالا
لمن الأسنة قد نصلن عن القنا
وَعَدِمْنَ جَرّاً في الوَغَى وَمَجَالا
إن صين سردك في العياب فطالما
أمْسَى عَلَيْكَ مُذَيَّلاً وَمُذالا
كَمْ حجّة ٍ في الدّينِ خُضْتَ غِمارَها
هَدْرَ الفَنِيقِ تَخَمّطاً وَصِيَالا
بسنان رمحك أو لسانك موسعاً
طَعْناً يَشُقّ عَلى العِدَا وَجِدالا
إن نكّس الإسلام بعدك رأسه
فَلَقَدْ رُزِي بِكَ مُوْئِلاً وَمآلا
واهاً على الأقلام بعدك إنها
لَمْ تَرْضَ غَيرَ بَنَانِ كَفّكَ آلا
أَفقدن منك شجاع كل بلاغة
إن قال جلَّى في المقال وجالا
مَنْ لَوْ يَشَا طَعْنَ العِدَا بُرؤوسِها
وَأثَارَ مِنْ جِرْيَالِهَا قَسْطَالا
سلطان ملك كنت أنت تعزه
ولرب سلطان أعزّ رجالا
إنّ المُشَمِّرَ ذَيْلَهُ لكَ خِيفَة ً
أرْخَى وَجَرّرَ بَعْدَكَ الأذْيَالا
مَا كنتُ أخشَى أنْ تَزِلّ لحَادِثٍ
قَدَمٌ جَعَلْتَ لهَا الرّكَابَ قِبَالا
يا شَامِتاً بالسّيْفِ أُغْمِدَ غَرْبُهُ
كم هب مندلق الغرار وصالا
إن طوح الفعَّال دهرٌ ظالمٌ
فلقد أقام وخّلد الأفعالا
طَلَبُوا التُّرَاثَ، فلَم يَرَوْا من بعدهِ
إلا عُلاً وفضائلاً وجلالا
هيهات فاتهم تراث مخاطر
حَفِظَ الثّنَاءَ، وَضَيّعَ الأمْوَالا
قَدْ كانَ أعرَفَ بالزّمَانِ وَصَرْفِهِ
من أن يثمّر أو يجمّع مالا
مفتاح كل ندى ورب معاشر
كانوا على أموالهم أقفالا
كان الغريبة في الأنام فأصبحوا
مِنْ بَعْدِ غَارِبِ نَجْمِهِ أمثَالا
قَرْمٌ، إذا كَحَلَتْ بهِ ألحَاظَهَا
شوس القروم تقطع الأبوالا
وَإذا تَجَايَشَتِ الصّدُورُ بِمَوْقِفٍ
حَبَسَ الكَلامَ وَقَيّدَ الأقْوَالا
بِصَوَائِبٍ كَالشّهْبِ تَتْبَعُ مِثْلَها
ورعال خيل يتّبعنَ رعالا
مَنْ فاعلٌ من بعده كفعاله
أوْ قَائِلٌ مِنْ بَعْدِهِ مَا قَالا
سمع يرفع للسوال سجوفه
وَيُحَجّبُ الأهْزَاجَ وَالأرْمَالا
يا طالباً من ذا الزّمان شبيهه
هيهات كلفت الزمان محالا
إنَّ الزّمان أضن بعد وفاته
من إن يعيد لمثلهِ أشكالا
وأرى الكمال حنى عليه لأنَّهُ
غَرَضُ النّوَائِبِ مَنْ أُعِيرَ كمَالا
صَلّى الإلَهُ عَلَيكَ مِنْ مُتَوَسِّدٍ
بَعْدَ المِهَادِ، جَنَادِلاً وَرِمَالا
كَسَفَ البِلَى ذاكَ الجَمالَ المُجتَلى
وَأجَرّ ذاكَ المِقْوَلَ الجَوّالا
ورأيت كل مطية قد بدلت
مِنْ بَعْدِ يَوْمِكَ بالزّمَامِ عِقَالا
طرح الرجال لك العمائم حسرة
لمّا رَأوْكَ تَسِيرُ أوْ إجْلالا
قالوا، وَقد فُجِئوا بنَعشِكَ سَائراً:
من ميل الجبل العظيم فمالا
وَتَبَادَرُوا عَطّ الجُيُوبِ، وَعاجلوا
عَضّ الأنَامِلِ يَمْنَة ً وَشِمَالا
مَا شَقّقُوا إلاّ كُسَاكَ، وَألّمُوا
إلاّ أنَامِلَ نِلْنَ مِنْكَ سِجَالا
وَمُعَوَّلاً لِمُؤمَّلٍ وَثِمَالا
فَرَغَتْ أكُفٌّ مِنْ نَوَالِكَ بَعدَها
وَأطَالَ عُظْمُ مُصَابِكَ الأشْغَالا
أعزز عليَّ بان يهزك طالب
فَتَضَنّ، أوْ تَلْوِي النّوَالَ مَطَالا
أو أن تبدل من يؤمك زائراً
بَعْدَ التّهَلّلِ، عِندَكَ استِهلالا
أوْ أنْ يُنَادِيكَ الصّرِيخُ لكُرْبَة ٍ
حُشِدَتْ عَلَيْهِ، فَلا تُجيب مَقالا
يا كَاشِفَ الأمحَالِ كَيفَ رَضِيتَهُ
لمقيل جنبك منزلاً ممحالا
قَدْ كُنتُ آمُلُ أنْ أرَاكَ، فأجتَني
فَضْلاً، إذا غَيرِي جنَى أفضَالا
وَأُفِيد سَمعَكَ مِقوَلي وَفَضَائِلي
وتفيدني أيامك الإقبالا
وَأعدُّ مِنكَ لرَيْبِ دَهرِي جُنّة ً
تَثني جُنُودَ خُطُوبِهِ فُلاّلا
وطواك دهرك غير طي صيانة
وَأعَادَ أعْلامَ الهُدَى أغْفَالا
قَبْرٌ بِأعْلَى الرّيّ شُقّ ضَرِيحُهُ
لأَعزَّ حقره الردى أعجالا
إن يمسِ موعظة الرجال فطالما
أمسى مهاباً للورى ومهالا
لتسلّب الدنيا عليه فإنها
نَزَعَتْ بِهِ الإحْسَانَ وَالإجْمَالا
ورعاه من أرعى البرية سيبه
وَسَقَاهُ مَنْ أسْقَى بِهِ الآمَالا