أقداح وأحلام المؤلف: بدر شاكر السياب |
- أنا لا أزال و في يدي قدحي ياليل أين تفرق الشرب
- ما زلت أشربها و أشربها حتى ترنح أفقك الرحب
- الشرق عُفر بالضباب فما يبدو فأين سناك يا غرب؟
- ما للنجوم غرقن ، من سأم في ضوئهن و كادت الشهب ؟
- أنا لا أزال و في يدي قدحي ياليل أين تفرق الشرب ؟
- الحان بالشهوات مصطخب حتى يكاد بهن ينهار
- و كأن مصاحبيه من ضرج كفان مدهما لي العار
- كفان ؟!بل ثغران قد صبغا بدم تدفق منه تيار
- كأسان ملؤهما طلى عصرت من مهجتين رماهما الحب
- آو مخلبان عليهما مزق حمراء تزعم أنها قلب
- الخمر جمعت الدهور , ومافيهن بين جوانب الحان
- ياويحها! أسكرتُ أم سكرتْأم نحن في السكرات سيّان
- رمت العوالم والدهور على ثغري وفوق يدي وأجفاني
- كفي تمدّ فما تناولني كأسا لعيني خمرها نهب
- وأصافح الدنيا .. فياعجبا البعد لان .. وأعرض القرب !
- يا ليل ، أين تطوف بي قدمي ؟ في أي منعرج من الظلم
- تلك السبيل أكاد أعرفها بالأمس خاصر طيفها حلمي
- هي غمد خنجرك الرهيب ، و قد جردته و مسحت عنه دمي
- تلك السبيل على جوانبها تتمزق الخطوات أو تكبو
- تتثاءب الأجساد جائعة فيها كما يتثاءب الذئب
- حسناء يلهب عريها ظمأي فأكاد أشرب ذلك العريا
- و أكاد أحطمه ، فتحطمني عينان جائعتان كالدنيا
- غرست يد الحمى على فمها زهرا طوى شهواتها طيّا
- إن فتحته بحرها شفة سكرى يعربد فوقها ندب
- رقص اللهيب على كمائمه و مشى الطلاء يهزه الوثب
- عين يرنح هدبها نفسي وفم يقطع همسه الداء
- ويد على كتفي مجلجلة رباه .. ويك !أتلك حواء
- لا كنت آدمها و لا لفحت فردوسي الخمري صحراء
- صوت النعاس يرن في أفقي فتذوب ناعسة به السحب
- إن الفراش يقيك ياقدمي سوء العثار إذا دجى درب
- أنا حائر متوجف قلق كالظل بين جوانب البحر
- المد قربني إلى شبحي والآن تبعدني يد الجزر
- وأنا الضياء تخيفني دجن وأخاف أن سأضيع في الفجر
- يانوم كل عوالمي حجب ولو التقيتك ذابت الحجب
- و انثال ، من سهري على سهري ينبوعك المتثائب الرطب
- أثملت بين جوانحي أملا ماكنت أعلم أنه أمل
- مثل الفراشة عاد يحبسها دوح بذائب طله خضل
- لولا خفوق جناحها غفلت بيض الأزاهر عنه والمقل
- أنا من ظلالك بين أودية عذراء ، كل سهادها عشب
- هام الضباب على جوانبها طل الوشاح كنجمة تخبو
- أنا كوكب ظمآن ترعشه نطف مؤرجة من السحر
- أنا غير جسمي عالمي حلم بكر الظلال ، ولمحه عمري
- قلبي تغرّب عن أحبته وانسل من نغماته وتري
- فإذا لثمت فغير خادعة باتت لكل مخادع تصبو
- وإذا شدوت أرن في أفق عبر السماء غنائي العذب
- هو يافؤادي طيفها مسحت عنه التراب أنامل الغسق
- هو غير تلك أما ترى ألقا هو من دمائك أنت من حرقي
- هو غيرها .. غدرت ، وبادلني حبي ، و ضمد بالسنا أفقي
- ومن المهازل أن يرى أمدا بين الخيانة و الهوى _ هدب ؟
- أين العوالم كيف غيّرها نوم يرف وخاطر صب
- خفقت ذوائبها على شفتي و سنى فأسكر عطرها نفسي
- نهر من النفحات أرشفني ريحا تريب مجامر الغلس
- فكأن نايا ضمخته يدا آذار ناغم ليلة العرس
- فغفا و ما زالت ملاحنه ملء الفضاء يعيدها الحب
- أو أن سوسنة يراقصها رجع الغناء بشعرها تربو
- ياقبلة أخذت على عجل أفدي بعمري ذلك العجلا
- الشعر ستّر بالظلال فمي فهوى على الوجنات واشتعلا
- فعلى جوانبهن منه سنا يدعوه من جهل الهوى : خجلا
- فضح احمرارك ياخدود فما زال يفضحني بما يحبو
- هو طفلك اللاهي ينازعه أبدا إلى زهراتك اللعب
- يا جسم ذاك الطيف ، ايا شبحا من ذكرياتي يا هوى خدعا
- لعناتي الحنقات ما برحت تعتاد خدرك و الظلام معا
- خفقت بأجنحة الغراب على عينيك تنشر حولك الفزعا
- الصبح ، صبحك ، ضحك شامتة دام و لليلك مضجع ينبو
- و إذا هلكت غدا ، فلا تجدي قبرا و مزق صدرك الذئب ؟
- و البوم يملأ عشه نتفا من شعرك المتعفر الضجر
- و يعود ثغرك للذباب لقى و يداك مثقلتان بالحجر
- لا تدفعان أذاه عن شفة بالأمس أخرس لغوها و تري
- و ليسق من دمك الخبث غدا دوح تعشش فوقه الغرب
- تأوي الصلال إلى جوانبه غرثى و يعوي تحته الكلب
- ويعود من خشباته نزق جان ، بمقبض خنجر دام
- ويعد منه سرير زانية تهوى فتثقله بآثام
- وتظل أعواد المشانق من أعواده ، كسيت بأجسام
- حتى إذا عصف الذبول به وهوى عليه المعول العضب
- كان الوقود لقدر ساحرة بين المقابر شأنها القشب