أفاطم ما أنسى نعاس ولا سرى المؤلف: الفرزدق |
أفاطِمَ! ما أنْسَى نُعاسٌ وَلا سُرًى
عَقابِيلَ، يَلْقَانَا مِرَاراً غَرَامُهَا
لِعَيْنَيكِ وَالثّغْرِ الّذي خِلْتُ أنّهُ
تَحَدّرَ مِنْ غَرَّاءَ بِيضٍ غَمامُهَا
وَذَكّرَنِيهَا أنْ سَمِعْتُ حَمَامَةً
بكَتْ فبكى فوْقَ الغُصُونِ حَمامُهَا
نَؤومٌ عنِ الفَحشاءِ لا تَنطِقُ الخَنا،
قليلٌ، سَوى تَخبيلِها القَوْمَ، ذامُهَا
أفاطِمَ! ما يُدرِيكِ ما في جَوَانحي
مِنَ الوَجْدِ وَالعَينِ الكَثِيرِ سِجَامُهَا
فَلَوْ بِعْتِني نَفْسِي التي قَدْ ترَكْتِها
تَساقَطُ تَترَى، لافْتَداها سَوَامُهَا
لأعطَيتُ مِنها ما احتكَمتِ وَمِثْلَهُ،
وَلوْ كان ملءَ الأرْضِ يُحدى احتكامُها
فَهَلْ لكِ في نَفْسِي فتَقْتَحمي بهَا
عِقاباً، تَدَلّى للحَيَاةِ اقْتِحَامُهَا
لَقَدْ ضَرَبَتْ، لَوْ أنّهُ كان مُبْقِياً،
حَيَاةً على أشْلاءِ قَلْبي سِهَامُهَا
قَدِ اقتَسَمَتْ عَيْنَاكِ يَوْمَ لَقِيتِنَا
حُشاشَةَ نَفسٍ ما يَحِلُّ اقِتسامُهَا
فكَيْفَ بِمَنْ عَيناهُ في مُقْلَتَيِهِمَا
شِفَاءٌ لنَفْسٍ، فيهما، وَسَقَامُهَا
إذا هيْ نأتْ عَنِّي حَنَنتُ، وَإنْ دَنَتْ
فأبْعَدُ من بَيْضِ الأنوقِ كَلامُهَا
وَتَمنَعُ عَيْني وَهيَ يَقظَى شِفاءَها،
وَيُبْذَلُ لي عِنْدَ المَنَامِ حَرَامُهَا
وكائِنْ مَنَعْتُ القَوْمَ من نوْم لَيلةٍ،
وَقَدْ مَيّلَتْ أعْناقَهُمْ، لا أنامُهَا
لأدْنُو منْ أرْضٍ لأرْضِكِ إن دَنَتْ
بهَا بِيدُهَا مَوْصُولَةٌ وإكَامُهَا
أفاطِمَ ما مِنْ عاشِقٍ هُوَ مَيّتٌ
من الناسِ إنْ لم يُرْدِ نَفسِي حُسامُهَا
وَلَجتِ بعَينَيْكِ الصَّيودَينِ مَوْلِجاً
من النّفسِ إنْ لم يوقِ نَفسِي حِمامُهَا
لَقَدْ دَلّهَتْني عَنْ صَلاتي، وَإنّهُ
لَيَدْعُو إلى الخَيْرِ الكَثِيرِ إمَامُهَا
أيَحْيَا مريضٌ بَعدَما مُيِّتَتْ له
سَوادُ التي تحتَ الفُؤادِ قيامُهَا
أيُقْتَلُ مَخضُوبُ البَنَانِ مُبَرْقَعٌ
بِمَيْتٍ خُفَاتاً لَمْ تُصِبْهُ كِلامُهَا
فَهَلْ أنْتِ إلاَّ نَخْلَةٌ غَيرَ أنّني
أرَاهَا لِغَيري ظِلّهَا وَصِرَامُهَا
وَمَا زَادَني نَأيٌ سُلُوّاً ولا قِرىً
مِنَ الشّامِ قَد كادَتْ يبُورُ أنامُهَا
إذا حُرِّقَتْ منهُمْ قُلُوبٌ، وَنُفّذَتْ
مِنَ القَوْمِ أكْبَادٌ أُصيبَ انْتِظامُهَا
كمَا نُحِرَتْ يَوْمَ الأضاحي بِبَلْدَةٍ
من الهَدْيِ خَرَّتْ للجُنُوبِ قِيامُهَا
ألا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تَغَيّرَ بَعْدَنَا
أُدَيْعاصُ أنْقَاءِ الحِمَى وَسَنَامُهَا
كأنْ لمْ تُرَفِّعْ بالأُكَيْمَةِ خَيْمَةً
عَلَيْهَا نَهَاراً، بالقُنيِّ ثُمامُهَا
أقامَتْ بها شَهْرَينِ حتى إذا جَرَى
عَلَيهِنّ مِنْ سافي الرّياحِ هَيامُهَا
أتاهُنّ طَرّادُونَ كُلَّ طُوَالَةٍ
عَلَيْهَا مِنَ النَّيّ المُذابِ لِحَامُهَا
عَلَيْهِنّ رَاحُولاتُ كُلِّ قَطِيفَةٍ،
مِنَ الخَزّ أوْ مِنْ قَيصرَانَ عِلامُهَا
إلَيْكَ أقَمْنَا الحَامِلاتِ رِحَالَنَا
وَمُضْمَرَ حاجاتٍ إلَيْكَ انصِرامُهَا
فرَعنَ وَفَرّغنَ الهُمومَ التي سَمَتْ
إلَيْكَ بِنَا، لمّا أتَاكَ سَمامُهَا
وَكَائِنْ أنَخْنَا من ذَراعَيْ شِمِلّةٍ
إلَيْكَ، وَقَدْ كَلّتْ وَكلَّ بغامُهَا
وَقَدْ دأبَتْ عِشرِينَ يَوْماً وَلَيْلَةً،
يُشَدّ بِرُسْغَيْها إلَيْكَ خِدامُهَا
وَلا يُدْرِكُ الحَاجاتِ بَعْدَ ذِهابِهَا
مِنَ العِيسِ بالرُّكْبانِ إلاّ نَعَامُهَا
لَعَمرِي لَئِنْ لاقَتْ هشاماً لطالَ مَا
تمَنّتْ هشاماً أنْ يكونَ استِقامُهَا
إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ المُنَهِّتُ دُونَهُ،
وَمِنْ عَرْضِ أجبالٍ عَلَيهَا قَتامُهَا
وَقَوْمٍ يَعضّونَ الأكُفَّ، صُدورُهُمْ
عَليّ وَغارَى، غَيرُ مُرْضىً رِغامُهَا
نمَتْكَ مَنَافٌ ذِرْوَتَاهَا إلى العُلى،
وَمِنْ آلِ مَخْزُومٍ نَماكَ عِظامُهَا
ألَيسَ امْرُؤٌ مَرْوَانُ أدْنَى جُدوده،
لَهُ مِنْ بَطاحِيَّ لُؤَيٍّ كِرَامُهَا
أحَقَّ بَني حَوّاءَ أنْ يُدْرِكَ الّتي
عَلَيْهِمْ لَهُ، لا يُستَطاعُ مَرَامُهَا
أبَتْ لِهشامٍ عادَةٌ يَسْتَعِيدُهَا،
وَكَفُّ جَوَادٍ لا يُسَدُّ انْثِلامُهَا
كما انْثَلَمتْ من غَمرِ أكدَرَ مُفَعَمٍ
فُرَاتِيّةٌ يَعْلُو الصَّرَاةَ التِطَامُهَا
هِشامٌ فَتى النّاسِ الذي تَنْتهي المُنى
إلَيْهِ، وَإنْ كانَتْ رِغاباً جِسامُهَا
وَإنّا لَنَستحْيِيكَ مِمّنْ وَرَاءَنَا
مِنَ الجَهْدِ، وَالآرَامُ تُبْلى سِلامُهَا
فَدُونَكَ دَلْوِي إنّهَا حِينَ تَستَقي
بفَرْغٍ شَديِدٍ للدّلاءِ اقْتِحامُهَا
وَقَدْ كانَ مِتْراعاً لهَا وَهيَ في يدي
أبُوكَ، إذا الأْورَادُ طَالَ أُوَامُهَا
وَإنّ تَمِيماً مِنْكَ حَيثُ تَوَجّهَتْ،
على السِّلمِ، أوْ سَلِّ السيوف خِصَامُها
همُ الإخوَةُ الأدْنَوْنَ وَالكاهلُ الذي
بهِ مُضَرٌ عند الكِظاظِ ازْدِحَامُهَا
هِشامٌ خِيَارُ الله للنّاسِ، وَالّذِي
بِهِ يَنْجَلي عن كلّ أرْضٍ ظَلامُهَا
وَأنْتَ لِهَذا النّاسِ بَعْدَ نَبِيّهِمْ،
سَمَاءٌ يُرَجّى للمُحُولِ غَمامُهَا
وَأنْتَ الّذي تَلْوِي الجُنُودُ رُؤوسَها
إلَيْكَ، ولَلأيْتَامِ أنْتَ طَعامُهَا
إليكَ انتَهَى الحاجاتُ وانقَطَعَ المُنى،
وَمَعْرُوفَهَا في راحَتَيْكَ تَمامُهَا