الرئيسيةبحث

أسلُ الديارَ عنِ الحبيبِ في الحشا

أسلُ الديارَ عنِ الحبيبِ في الحشا

أسلُ الديارَ عنِ الحبيبِ في الحشا
المؤلف: محمود سامي البارودي



أسلُ الديارَ عنِ الحبيبِ في الحشا
 
دَارٌ لَهُ مَأْهُولَة ٌ وَمَقَامُ
وَمِنَ الْعَنَاءِ سُؤَالُ خاشِعَة ِ الصُّوَى
 
بِيَدِ الْفَنَاءِ، جَوَابُهَا إِرْمَامُ
ذَكَرَتْ بِهَا النَّفْسُ اللَّجُوجُ زَمَانَهَا
 
إِنَّ التَّذَكُّرَ لِلنُّفُوسِ غَرَامُ
إذْ للهوى ثمرٌ يرفُّ، وللصبا
 
كَأْسٌ تُشَفُّ، وَلِلْمُنَى إِلْمَامُ
تَسْتَنُّ فِيهَا الْعِينُ بَيْنَ مَخَانِسٍ
 
فيها السلامُ تعانقٌ وَ لزامُ
فِي فِتْيَة ٍ فَاضَ النَّعِيمُ عَلَيْهِمُ
 
وَ نماهمُ التبجيلُ وَ الإعظامُ
ذَهَبَتْ بِهِمْ شِيَمُ الْمُلُوكِ، فَلَيْسَ فِي
 
تلعابهمْ هذرٌ، وَ لاَ إبرامُ
لاَ يَنْطِقُونَ بِغَيْرِ آدَابِ الْهَوَى
 
سُمُحُ النُّفُوسِ، عَلَى الْبَلاَءِ كِرَامُ
منْ كلَّ أبلجُ، يستضاءُ بنورهِ
 
كالبدرِ، جلى صفحتيهِ غمامُ
سهلُ الخليفة ِ، لاَ يسوءُ جليسهُ
 
يَبْقَى، وَعَاقِبَة ُ النُّفُوسِ حِمَامُ
متواضعٌ للقومِ، تحسبُ أنهُ
 
مولى لهمْ في الدارِ، وهوَ همامُ
تتقاصرُ الأفهامُ دونَ فعالهِ
 
وَتَسِيرُ تَحْتَ لِوَائِهِ الأَقْوَامُ
فإذا تكلمَ فالرؤسُ خواضعٌ
 
وَإِذَا تَنَاهَضَ فَالصُّفُوفُ قِيَامُ
حتى انتبهنا بعدَ ما ذهبَ الصبا
 
إِنَّ الْخَلاَعَة َ وَالصِّبَا أَحْلاَمُ
لاَ تَحْسَبَنَّ الْعَيْشَ دَامَ لِمُتْرَفٍ
 
هَيْهَاتَ، لَيْسَ عَلَى الزَّمَانِ دَوَامُ
تأتي الشهورُ، وتنتهى أيامها
 
لَمْعَ السَّرَابِ، وَتَنْقَضِي الأَعْوَامُ
وَالنَّاسُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَارِدٌ
 
أوْ صَادِرٌ، تَجْرِي بِهِ الأَيَّامُ
فَادْرَأْ هُمُومَ النَّفْسِ عَنْكَ إِذَا اعْتَرَتْ
 
بالكأسِ؛ فهيَ على الهمومِ حسامُ
فالعيشُ ليسَ يدومُ في ألوانهِ
 
إِلاَّ إِذَا دَارَتْ عَلَيْهِ الْجَامُ
مِنْ خَمْرَة ٍ تَذَرُ الْكَبِيرَ إِذَا انْتَشَى
 
بعدَ اشتعالِ الشيبِ وَ هوَ غلامُ
لعبَ الزمانُ بها، فغادرَ جسمها
 
شبحاً تحارُ لدركهِ الأفهامُ
حَمْرَاءُ، دَارَ بِهَا الْحَبَابُ فَصَوَّرَتْ
 
فلكاً تحفُّ سماءهُ الأجرامُ
لاَ تَسْتَقِيمُ الْعَيْنُ فِي لَمَعَانِهَا
 
وَ تزلُّ عندَ لقائها الأقدامُ
تَعْشُو الرِّكَابُ، فَإِنْ تَبَلَّجَ كَأْسُهَا
 
ساروا، وإنْ زالَ الضياءُ أقاموا
حُبِسَتْ بِأَكْلَفَ، لَمْ يَقُمْ بِفِنَائِهِ
 
نورٌ، وَ لمْ يبرح~~ْ عليهِ ظلامُ
حَتَّى إِذَا رَقَدَتْ، وَقَرَّ قَرَارُهَا
 
سلستْ؛ فليسَ لذوقها إيلامُ
تَسِمُ الْعُيُونَ بِنَارِهَا، لَكِنَّهَا
 
بردٌ على شرابها وَ سلامُ
فاصقلْ بها صدأ الهمومِ، وَ لا تكنْ
 
غرًّأ تطيرُ بلبهِ الأوهامُ
وَ اعلمْ بأنَّ المرءَ ليسَ بخالدٍ
 
وَ الدهرُ فيهِ صحة ٌ وَ سقامُ
يهوى الفتى طولَ الحياة ِ، وَ إنها
 
دَاءٌ لَهُ دُونَ الشَّغَافِ عُقَامُ
فَاطْمَحْ بِطَرْفِكَ، هَلْ تَرَى مِنْ أُمَّة ٍ
 
خَلَدَتْ؟ وَهَلْ لابْنِ السَّبِيلِ مُقَامُ؟
هذي المدائنُ قدْ خلتْ منْ أهلها
 
بَعْدَ النَّعِيمِ، وَهَذِهِ الأَهْرَامُ
لا شيءَ يبقى، غيرَ أنَّ خديعة ً
 
فِي الدَّهْرِ تَنْكُلُ دُونَهَا الأَحْلاَمُ
و لقدْ تبينتُ الأمورَ بغيرها
 
وَ أتى على َّ النقضُ وَ الإبرامُ
فإذا السكونُ تحركٌ، وَ إذا الخموُ
 
دُ تلهبٌ، وإذا السكوتُ كلامُ
وَ إذا الحياة ُ - وَ لاَ حياة َ - منية ٌ
 
تَحْيَا بِهَا الأَجْسَادُ وَهْيَ رِمَامُ
هذا يحلُّ وَ ذاكَ يرحلُ كارهاً
 
عنهُ: فصلحٌ تارة ً، وخصامُ
فالنورُ - لوْ بينتَ أمرك - ظلمة ٌ
 
وَالْبَدءُ ـ لَوْ فَكَّرْتَ فِيهِ ـ خِتَامُ