أسافرُ في يوم الثلاثاء ليتني
أسافرُ في يوم الثلاثاء ليتني المؤلف: زكي مبارك |
أسافرُ في يوم الثلاثاء ليتني
سأعرف ما يوم الثلاثاء يفعل
أعندك يا باب الحديد حصانة
عليها إذا أخلفت وعدا أعوّل
سأرجع يا باب الحديد وأنثنى
لا عرف من بلواي ما كنت أجهل
عزيز على يوم الثلاثاء أن يرى
غرامي عن مصر الجديدة يرحل
أعود إليها كيف أسيوط قبلتي
إذا صلصل الوجد العصوف المزلزل
رجعت وأخلفت الوعود وللهوى
أعاجيب تختان العقول وتذهل
رجعت إلى روح هو الروح إنني
بنجواه استاف الحياة وأجدل
رجعت إليه فالتقيت بفاتن
أصيل كضوء الشمس بل هو آصل
إذا ثغره الوهّاج أرسل لمحةً
أضاءت له دنيا بمرآه تجمُل
وإن بغمَت عن صوته العذب بغمةٌ
فوسواسُ لحن الراح عن فيه ينقل
يناجى يناغى كيف اشرح إنني
لأعجز عن تصويره حين يقبل
ترشفت خديه بوهمي فصدّني
أفى الوهم إثم ايها المتبتل
وخداك ما خداك والجمر صارخا
أخفّ حريقا حين يطفى وأمهل
وعيناك ما عيناك والسحر كله
لعينيك عبد خاضع يتوسل
جبينٌ تمنّى البدر لو كان مثله
يؤجج نيران الغرام ويشعل
وروح كوحي الشعر يقبل مرة
وينفر مرات ويجفو فيقتل
تمر ليالٍ وهو غضبان باخل
وتمضى ليال وهو جذلان مفضل
أحاوره عند التلاقي بهيبة
وما كدت لولا هيبة الحسن أفعل
تبارك من أولى الجمال إمارة
يجور بها في الحب حينا ويعدل
جمال هو الصهباء يطغى رحيقها
فتاسر ألباب الندامى وتعقل
أعاقر من خديه أكواب خمرة
هي الجمر معصورا وأمضى وأقتل
جمالٌ حديثُ الحب خير شرابه
ويسكره أنى به أتغزل
أنادمهُ والكاس منه بعيدةٌ
ففي روحه كأس تصول وتجهل
ينافسه في لوعتي وصبابتي
ظباء لها في ساحة القلب منزل
ولكنه أنقى وأصفى سريرة
وألطف من كل الملاح وأنبل
به أصبحت حلوان دار صبابة
وللقلب في كل الملاعب منزل
فهل كان من حلوان حين جعلته
بأبراج حلوان يحل وينزل
أخاف عليه منه إن ثار غاضباً
يلوذ بأطياف العتاب ويعذل
مضت حججٌ بيضٌ ونحن أحبة
وكل غريم عن غرامي يسأل
فهل عرف الواشوان أين مكانه
وقد غرّبوا في الظن دهراً وشمألوا
يسائلني عنه فؤادي وما درى
بأنى باسرار الصبابة أبخل
فدع يا فؤادي دع سؤالك إنني
عن البوح محبوس ومثلك يعقل
فلو سأل الله العليم كتمتهُ
وأنكرت أنى من هواه مقتّل
كتمت عن اللَه احتراقي بحبه
عفا اللَه عن صب عن البوح ينكل
أقمنا معاً روحاً لروح بليلةٍ
هي الخلد منضوراً وأشهى وأجمل
مضى الليلُ لم نعرف دجاه ولم نقل
تمهّل قليلا ايها المتعجّل
وهل كنت في ليل وأنوار وجهه
تراع بها الشمس السطوع فتأفل
تشهّى طلوع الفجر والدهر هاجدٌ
يطيب له أنّا عن الفجر نغفل
وأزمع عند الصبح بيناً لرحلة
إلى بلد فيه لأهله منزل
فودّعته والقلب يرجو معاده
ألا إنني في اليأس أرجو وآمل
رسائل ما هذى الرسائل إنني
أصافحها حيناً وحيناً أقبّل
حروف كأنفاس الربيع سواحر
فواتنُ تسبى بالعبير وتخبل
حدائق من نور الجمال ونفحة
من اللؤلؤ المنثور للصب تبذل
قرأت الخطابين الكريمين مرةً
وألفاً وآلافا وإن كنت تجهل
أكاد إذا واجهت خطك أمتطى
ضلالي وأمضى هائما فأرتّل
أرتل قرآناً عن العشق فاتناً
وللعشق في روحي كتاب منزّل
أخطك هذا أم سطور روائع
من الوشم في الجسم الجميل تسجّل
سواد سواد القلب يشتاق نورَهُ
وتعشقه عين الغزال فتكحل
أخطك هذا لا تبح سروحيه
فعن مدمعي المسفوح يوما ستسأل
تواعدني لا وعد إني ليائس
كلوبتر بالأحلام والوصل تبخل
ألا إن داري في كلوبتر جنة
عليها بوحي الحب والسحر أنزل
هجرتك يا داري شهورا طويلة
وإني لمظلوم عن الظلم يسأل
أعود ولكن كيف لا المال فائض
ولا الدهر عن حرب المتيم يغفل
تحاول دار اسكندرية رجعتي
إليها متى يا دار إني لأجهل
غرامٌ طغى فاجتاح روحي وردها
أعاصير تيمي بالسعير فتقتل
دعا هاتفٌ بالصلح إني سمعته
وفي الراد أخبار تصاغ وتصقل
أسلّمت اليابان كيف أسلّمت
فأين إذن ذاك الضجيج المجلجل
وما حبهم للحرب والدهر كله
عليهم جحيمٌ ثائر يتغول
بلاد جلا عنها الأمان فأمرُها
إلى رحمة الأقدار حين تزلزل