الرئيسيةبحث

أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم/ذكر مملكة الإسلام

ذكر مملكة الإسلام

اعلم أن مملكة الإسلام حرسها الله تعالى ليست بمستوية فيمكن أن توصف بتربيع أو طول وعرض، وإنما هي متشعبة يعرف ذلك من تأمل مطالع الشمس ومغاربها، ودوخ البلدان وعرف المسالك ومسح الأقاليم بالفراسخ. وسنجتهد في تقريب الوصف وتصويره لذوي العقول والإفهام إن شاء الله تعالى.

الشمس تغرب في حافة بلد المغرب ويرونها تنزل في البحر المحيط، وكذلك أهل الشام يرونها تغيب في بحر الروم. وإقليم مصر يأخذ من البحر الرومي طولا إلى بلد النوبة، ويقع بين بحر القلزم وتخوم المغرب. ويمتد المغرب من تخوم مصر إلى البحر المحيط، مثل الشريطة يضغطه، من قبل الشمال بحر الروم ومن قبل الجنوب بلدان السودان. ويمد إقليم الشام من تخوم مصر نحو الشمال إلى بلد الروم، فيقع بين بحر الروم وبادية العرب. ويتصل البادية وبعض الشام بجزيرة العرب، ويدور على الجزيرة بحر الصين إلى عبادان من أرض مصر. ويتصل أرض العراق بالبادية وبعض الجزيرة. ويتصل بتخوم العراق الشمالية إقليم أقور فيمتد إلى بلد الروم وقد تقوس عليه الفرات من نحو الغرب، ووقع خلف الفرات بقية البادية وطرف من الشام، فهذه أقاليم العرب.

ووقعت خوزستان والجبال على تخوم العراق الشرقية وطائفة من الجبال، وإقليم الرحاب على تخوم أقور الشرقية. ووقعت فارس وكرمان والسند خلف خوزستان على صف واحد، البحر جنوبيها والمفازة وخراسان شماليها. وتاخمت السند وخراسان من قبل الشرق بلدان الكفر، وتاخمت الرحاب بلد الروم من قبل الغرب والشمال. ووقع إقليم الديلم بين الرحاب والجبال والمفازة وخراسان. فهذه مملكة الاسلام فتدبرها وفيها تفتل وتعرج لمن شقها من شرقها إلى غربها. ألا ترى إنك إذا أخذت من البحر المحيط إلى مصر كنت على الاستواء ثم تميل يسيراً إلى العراق ثم تنفتل في أقاليم الاعاجم وخراسان مائلة إلى جهة الشمال، أولا ترى أن الشمس تطلع عن يمين بخارا من نحو أسبيجاب.

وأما مساحتها على الوصف الذي شرحناه فإنك تأخذ من البحر المحيط إلى القيروان مائة وعشرين مرحلة، ثم إلى النيل ستين مرحلة، ثم إلى دجلة خمسين مرحلة، ثم إلى جيحون ستين مرحلة، ثم إلى تونكت خمسة عشر يوماً، ثم إلى طراز خمسة عشر يوماً، وإن عطفت إلى فرغانة فمن جيحون إلى أوزكند ثلاثين مرحلة، وإن عطفت إلى كاشخر فأربعين مرحلة. ووجه آخر تأخذ من سواحل اليمن إلى البصرة خمسين يوماً، ثم إلى أصفهان مائة فرسخ وثمانية وثلاثين، ثم إلى نيسابور ثلاثين مرحلة، ثم إلى جيحون عشرين مرحلة، ثم إلى طراز ثلاثين مرحلة، وهذا على الاستواء، ويسقط إقليم مصر والمغرب والشام.

وأما العرض فمختلف جداً لأن إقليم المغرب قليل العرض وكذلك مصر، ثم إذا حاذيت الشام إتسعت المملكة، تم لا تزال تتسع حتى تصير وراء جيحون إلى بلد السند نحو ثلاثة أشهر وأما أبو زيد فجعل العرض من ملطية، مادأ على الجزيرة والعراق وفارس وكرمان إلى أرض المنصورة، ولم يذكر المراحل إلا أنها تكون نحو أربعة أشهر غير عشرة أيام، والذي ذكرنا أبين واتقن فمن أقصى المشرق بكاشخر إلى السوس الأقصى نحو عشرة أشهر.

قدر للخليفة سنة 232 ما يرتفع من الخراج والصدقات، سوى الحمايات والجبايات من جميع المملكة، فبلغ ألفي ألف وثلاثمائة ألف وعشرين ألفاً ومائتين وأربعة وستين ديناراً ونصفاً. قال وحسب خراج الروم للمعتصم فبلغ خمسمائه قنطار وكذا قنطاراً، فإذا به أقل من ثلاثة آلاف ألف دينار، فكتب إلى ملك الروم: إن أخس ناحية عليها أخس عبيدي، خراجها أكثر من خراج أرضك.

وطول المملكة على ما قدمنا ألفان وستمائة فرسخ، كل مائة فرسخ ألف ألف ومائتا ألف ذراع. فالفرسخ اثنا عشر ألف ذراع، والذراع أربعة وعشرون أصبعا. والاصبع ست حبات شعير مصفوفة بطون بعضها إلى بعض. والميل ثلت الفرسخ. وفي البريد خلاف بالبادية. والعراق اثنا عشر ميلاً، وبالشام وخراسان ستة، ألا ترى كيف بني بخراسان على كل فرسخين رباط، ورتب فيه أصحاب البريد، فبهذا نأخذ.