ذكر المذاهب والذمة
اعلم أن المذاهب المستعملة اليوم في الإسلام التي لها خاص وعام
ودعاة وجمع، ثمانية وعشرون مذهبا. أربعة قي الفقه، وأربعة في الكلام، وأربعة في الحكم فيهما، وأربعة مندرسة، وأربعة في الحديث، وأربعة غلب عليها أربعة، وأربعة رستاقية. فأما الفقهيات: فالحنفية والمالكية والشفعوية والداودية. وأما الكلاميات: فالمعتزلة والنجارية والكلابية والسالمية. وأما الذين لهم فقه وكلام: فالشيعة والخوارج والكرامية والباطنية. وأما أصحاب الحديث: فالحنبلية والراهوية والاوزاعية والمنذرية. وأما المندرسة: فالعطائية والثورية والاباضية والطاقية. وأما التي في الرساتيق: فالزعفرانية والخرمدينية والابيضية والسرخسية. وأما التي غلب عليها أربعه من شكلها: فالاشعرية على الكلابية، والباطنية على القرمطية، والمعتزلة على القدرية، والشيعة على الزيدية، والجهمية على النجارية. فهذه جمل المذاهب المستعملة اليوم ثم تنشعب إلى فرق لا تحصى.
ولما ذكرنا القاب وأسماء تتكرر ولا تزيد على ما ذكرنا، يعرف ذلك العلماء، وهن أربعة ملقبة، وأربعة ممتدحة، وأربعة منكو رة، وأربعة نحتلف فيها، وأربعة لقب بها أهل الحديث، وأربعه معناهن واحد، وأربعة يميزهن النحارير. فأما الملقبة فالروافض والمجبرة والمرجئة والشكاك. وأما الممتدحة فأهل السنة والجماعة وأهل العدل والتوحيد والمؤمنون وأصحاب الهدى. وأما المنكورة فالكلابية ينكرون الجبر والحنبلية ينكرون النصب ومنكرو الصفات ينكرون التشبيه ومثبتوها ينكرون التعطيل. وأما المختلف فيها فعند الكرامية الجبر جعل الاستطاعة مع الفعل، وعند المعتزلة جعل الشر بقدر الله تعالى وأن يقال أفعال العباد مخلوقة الله. والمرجئة عند أهل الحديث من أخر العمل عن الايمان، وعند الكرامية من نفى فرض الاعمال، وعند المامونية من وقف في الايمان، وعند أصحاب الكلام من وقف في أصحاب الكبائر ولم يجعل منزلة بين منزلتين. والشكاك عند أصحاب الكلام من وقف في القرآن، وعند الكرامية من استثنى في الايمان. والروافض عند الشيعة من أخر خلافة علي، وعند غيرهم من نفى خلافة العمرين. وأما أربعة معناهن واحد: فالزعفرانية والواقفية والشكاك والرستاقية. وأما أربعة لقب بها أهل الحديث: فالحشوية والشكاك والنواصب والمجبرة. وأما ألتي يميزهن كل نحرير، فأهل الحديث من الشفعوية، والثورية من الحنفية، والنجارية من الجهمية، والقدرية من المعتزلة. واعلم أن اصل مذاهب المسلمين كلها منشعبة من أربع: الشيعة والخوارج والمرجئة والمعتزلة. واصل افتراقهم قتل عثمان، ثم تشعبوا ولا يزالون مفترقين إلى خروج المهدي. والارجاء هاهنا هو الوقف في أهل الكبائر يدخل فيه أهل الرأي والحديث. وقالت المعتزلة كل مجتهد مصيب في الفروع حسب واحتجوا بالذين اشكلت عليهم القبلة وقت النبي، ﷺ، فصلى كل قوم إلى جهة، فلم يأمرمن أخطأ بالإعادة، بل جعله بمثابة من أصابها. وهذه المقالة تعجبني ألا ترى إن أصحاب النبي ﷺ، قد اختلفوا وجعل اختلافهم رحمة. وقال بأيهم اقتديتم أهتديتم وقال سفيان بن عيينة. إن الله تعالى لا يعذب احداً على ما أختلف فيه العلماء، أولا ترى أن القاضي إذا اجتهد في قضية لم يجز لغيره أن يبطلها وإن كانت عنده خطأ. وقالت طائفة من الكرامية كل مجتهد مصيب في الاصول والفروع جميعا إلا الزنادقة، واحتج صاحب هذه المقالة، وهو قول جماعة من المرجئة بخبر النبي ﷺ، يفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتين وسبعين في الجنة وواحدة في النار. وقال بقية الأئمة: لا مصيب إلا من وافق الحق وهم صنف واحد، واحتجوا بالخبر الآخر إثنتان وسبعون في النار وواحدة ناجية وهذا أشهر، إلا أن الأول أصح أسنادا والله أعلم. فإن صح الأول فالهالكة هما الباطنية، وإن صح الثاني فالناجية السواد الأعظم. ولم أر السواد الأعظم إلا من أربعة مذاهب أصحاب أبي حنيفة بالمشرق، وأصحاب مالك بالمغرب، وأصحاب الشافعي بالشاش وخزائن نيسابور، وأصحاب الحديث بالشام واقور والرحاب، وبقية الأقاليم ممتزجون. قد بينت ذلك في شرح الأقاليم من هذا الكتاب.
وأما أصحاب القراءات المستعملة اليوم فعلى أربعة أقسام: حروف أهل الحجاز وهن أربع قراءة نافع وابن كثير وشيبة وأبي جعفر. وحروف أهل العراق وهن أربع حرف عاصم وحمزة والكسائي وأبي عمرو. وقراءة أهل الشام وهي لعبد الله بن عامر. وحروف الخاص وهن أربع قراءة يعقوب الحضرمي واختيار أبي عبيد واختيار أبي حاتم وقراءة الأعمش، وأكثر الائمة على أن الجميع على صواب. وقد أخترت من المذاهب مذهب أبي حنيفة رحه للخلال ألتي أذكرها في إقليم العراق. ومن الحروف مقرأ أبي عمران عبد الله بن عامر اليحصبي للمعاني ألتي أصفها في إقليم أقور.
واعلم أن الناس قد عدلوا عن مذهب أبي حنيفة في أربع: صلاة العيدين إلا بزبيد وبيار، وصدقة الخيل، وتوجيه الميت عند الموت، والتزام الاضحية إلا ببخارا والري. وعدلوا من مذهب مالك في أربع: الصلاة قدام الإمام إلا بالمغرب ويوم الجمعة بمصر وصلاة الجنائز بالشام، وفي أكل لحوم الكلاب إلا بمدينتين بالمغرب تباع جهراً وتطرح في هرائس مصر ويثرب سراً، وفي الخروج من الصلاة بتسليمة واحدة إلا ببعض بلدان المغرب، وفي المسامحة في تسبيحات الركوع والسجود إلا الجهال. وعدلوا عن مذهب الشافعي في أربع: الجهر بالبسملة إلا بالمشرق في مساجد أصحابه، وكذلك القنوت في الفجر، وفي إحضار النية مع تكبيرة الافتتاح، وفي ترك القنوت في الوتر في غير نصف رمضان الأخير إلا بنسا.
وعدلوا عن مذهب داود في أربع: تزويج ما فوق الأربع، وإعطاء الابنتين النصف، ولا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، وفي مسألة العول. وعدلوا عن مذهب أصحاب الحديث في أربع: المتعة في الحج، والمسح على العمامة، وترك التيمم بالرمل، وانتقاض الوضوء بالقهقهة. إلا أنه قد وافقهم الأربع أربعة: في القهقهة أبو حنيفة رحه، وفي المتعة الشيعة، وفي التيمم الشافعي، وفي المسح على العمامة الكرامية. وعدلوا عن مذهب الشيعة في أربع: المتعة ووقوع طلاق الثلاث والمسح على الرجلين والحيعلة في الآذان. وعدلوا عن مذهب الكرامية في أربع: المسامحة في النية عند كل فريضة، وصلاة الفريضة على الدابة، وجواز الصوم لمن أكل بعد طلوع الفجروهولا يعلم، وصحة صلاة من طلعت الشمس وهوفيها. وخالف العوام الجميع في أربع: تكبير أيام التشريق، والصلاة قبل العيدين، وترك الدخول من. منى آخر يوم قبل الزوال، وغسل القدم ثلاث مرات في الوضوء.
وقلما رأيت فقهاء أبي حنيفة رحه ينفكون من أربع من الرياسة مع لباقة فيها والحفظ والخشية والورع. وأصحاب مالك من أربع الثقل والبلادة والديانة والسنة. وأصحاب الشافعي من أربع النظر والشغب والمروة والحمق. وأصحاب داود من أربع من الكبرة والحدة والكلام واليسار. والمعتزلة من أربع من اللطافة والدراية والفسق والسخرية. والشيعة من أربع البغضة والفتنة واليسار والصيت. وأصحاب الحديث من أربع القدوة والهمة والانفاق والغلبة. والكرامية من أربع التقى والعصبية والذل والكدية. والادباء من أربع الخفة والعجب والتصرف والتجمل. والمقرئين من أربع الطمع واللواطة والرياء والسمعة.
وأما الاديان الذين هم ذمة فأربعة اليهود والنصارى والمجوس والصابئون.
ونحن نذكرغلبة كل قوم ممن ذكرنا في مواضعهم، بلا ميل ولا تعصب إن شاء الله تعالى. ونصف ما فيهم من خيروشر. فإن قيل أكثر ما ذكرته خطأ وخلاف ما يعرفه الناس حتى أنك خالفت الاصول، بجعلك الاقسام رباعيات وعدلت عن السباعيات، بعد ما قد علمت أن الله عز إسمه، خلق السموات والأرض سبعاً سبعاً والأيام والليالي سبعاً سبعاً، والأرزاق من سبع، ونزل القرآن على سبعة أحرف، والمساجد سبعة. وذكر ما سنجيب عن بعضه، فالجواب إنا قد تحرزنا بقولنا المذاهب المستعملة ولم نقل فرق المسلمين. وأما وجود الآمر على خلاف ما ذكرنا في البعض فذلك ندر والأغلب ما ذكرنا. وأما السامرة فإنهم صنف من اليهود، ألا ترى إن نبيهم موسى عم. وأما الرباعيات وإن كانت اتفقت وما تقصدناها، فإن لها نظائر في الاصول وهي أن الكتب أربعة، وخلق الإنسان من أربع، والطبائع أربع، والفصول أربعة، والأنهار أربعة، وأركان الكعبة أربعة، وأشهر الحرم أربعة. وحدثنا أبو بكر أحمد بن عبدان بالأهواز، قال: حدثنا محمد بن معاوية الأنصاري قال: حدثنا إسماعيل بن صبيح عن سفيان الحريري عن عبد المؤمن عن زكرياء أبي يحيى عن الأصبغ بن نباتة أنه سمع علياً رضه، يقول: إن القرآن نزل ربعاً فينا وربعاً في عدونا وربعاً سيراً وأمثالاً وربعاً فرائض وأحكاماً، فهذه أصول أيضا لا تنكر.