الرئيسيةبحث

أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين/وفاة أبي بكر الصديق - أبو بكر يستشير أصحابه في عمر


[167]
 
وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
22 جمادى الآخرة سنة 13 هـ ( 23 آب أغسطس سنة 634 م)

توفي أبو بكر رضي الله عنه لثمان بقين من جمادی الآخرة ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء وهو ابن ثلاث وستين سنة، وكان قد سمه اليهود في أرز وقيل في حريرة

[168]وهي الحساء، فأكل هو والحارث بن كلدة وقال لأبي بكر أكلنا طعاماً مسموماً سم سنة فماتا بعده بسنة، وقيل إنه اغتسل وكان يوما بارداً فحم خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى الصلاة فأمر عمر أن يصلي بالناس[1]. ولما مرض قال له الناس ألا ندعو الطبيب؟ فقال: أتاني وقال لي أنا فاعل ما أريد، فعلموا مراده وسكتوا عنه ثم مات.

وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال، وأوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عمیس وابنه عبد الرحمن[2] وأن يكفن في ثوبيه ويشتري معها ثوب ثالث. وقال: الحي أحوج إلى الجديد من الميت إنما هو للمهلة والصَّديد. غسلت أبا بكر زوجته أسماء ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت إني صائمة وهذا يوم شديد البرد فهل عليّ غسل؟ قالوا لا[3].

[169]وقد روي أنه اغتسل في يوم بارد فحم فمن ذلك يتبين أن الجو كان بارداً في هذه الأيام فإنه حم بسبب استحمامه في يوم بارد. كذلك غسل في يوم بارد؛ لذلك نرجح أن سبب وفاته كان تأثره بالبرد لا بسبب السم الذي قيل إن اليهود دسوه له في الحساء؛ لأن حادثة السم المزعومة كانت قبل وفاته بسنة. ودفن ليلة وفاته وصلى عليه عمر بن الخطاب وكبَّر عليه أربعاً في مسجد رسول الله ﷺ بين القبر والمنبر، ودخل قبره ابنه عبد الرحمن وعمر وعثمان وطلحة وجعل رأسه عند كتفي النبي ﷺ وألصقوا لحده بلحد النبي ﷺ وجعل قبره مثل قبره مسطحاً وناحت عليه عائشة والنساء فنهاهن عن البكاء عمر فأبين فقال لهشام بن الوليد ادخل فأخرج إليّ ابنة أبي قحافة. فأخرج إليه أم فروة بنت أبي قحافة أخت أبي بكر فعلاها بالدِّرة (السوط) ضربات فتفرق النوح حين سمعن ذلك . وكان آخر ما تكلم به «توفني مسلماً وألحقني بالصالحين» وكانت عائشة رضي الله عنها تمرضه.

أبو بكر يستشير أصحابه في عمر

قد أبو بكر في مرضه الذي توفي فيه لعمر بن الخطاب عقد الخلافة من بعده، ولما أراد العقد له دعا [170]عبد الرحمن بن عوف . فقال : أخبرني عن عمر . فقال يا خليفة رسول الله : هووالله أفضل من رأيك فيه من رجل ، ولكن فيه غلظة . فقال أبو بكر : ذلك لأنه يراني رقيقة ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيرة مما هو عليه . ويا أبا محمد قد رمقته فرأيتني إذا غضبت على الرجل في الشيء ، أراني الرضا عنه ، وإذا لنت له أراني الشدة عليه ، لا تذكر يا أبا محمد مما قلت لك شيئا . قال : نعم . ثم دعا عثمان بن عفان ، فقال : يا أبا عبد الله أخبرني عن عمر . قال : أنت أخبر به . فقال أبو بكر : علي ذلك يا أبا عبد الرحمن . قال : اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته ، وأن ليس فينا مثله . قال أبو بكر : يا أبا عبد الله لا تذكر ما ذكرت لك شيئا . قال : أفعل , فقال أبو بكر : لو تركته ما عدوتك وما أدري لعله تاركه ، والخيرة له ألا يلي من أموركم شيئا ولوددت أني كنت خلوأ من أموركم ، وأني كنت فيمن مضى من سلفكم . يا أبا عبد الله لا تذكر ما قلت لك من أمر عمر ، ولا مما دعوتك له شيئا ودخل على أبي بكر طلحة بن عبيد الله . فقال : . م . جمعه ۱۷۱ سه [171]6 استخلفت على الناس عمر ، وقد رأيت ما يلقي الناس منه وأنت معه ، فكيف به إذا خلا بهم ، وأنت لاق ربك فسائلك عن رعيتك ؟ فقال أبو بكر : وكان مضطجعة أجلسوني . فأجلسوه . فقال لطليحة : «أبالله تفرقني أو بالله تخوفني ، إذا لقيت الله ربي فساءلني قلت : استخلفت على أهلك خير أهلك ؟ . وأشرف أبو بكر على الناس من حظيرته وأساء بنت عمیس ممسكته موشومة اليدين وهو يقول : « أترضون بمن أستخلف عليكم فإني والله ما الوت من جهد الرأي ، ولا وليت ذا قرابة ، وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا فقالوا : و سمعنا وأطعنا » قال الواقدي : دعا ابو بکر عثمان خالية . فقال له بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين . أما بعد » ثم أغمي عليه فذهب عنه . فكتب عثمان : « أما بعد فإني أستخلف عليکم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيرة » ثم أفاق أبو بكر فقال : « اقرأ علي » فقرأ عليه فكبر أبو بكر . أكتب : « (( [172]وقال : «أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي». قال : نعم . قال : «جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله» وأقرها أبو بكر رضي الله عنه من هذا الموضع. فأبو بكر كان يرى ويعتقد أن عمر بن الخطاب خير من يتولى الخلافة بعده مع شدته. والحقيقة أنه كان كذلك.

هامش

  1. اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة. عن عبد الرحمن بن أبي بکر.
  2. في نزهة النواظر أن الذي غسله علي رضي الله عنه، وهذا غير ثابت، والصواب أن أسماء زوجته هي التي غسلته.
  3. راجع طبقات ابن سعد «أبو بكر».

*