آهِ طِيبُ العيش عني نَزَحَا
آهِ طِيبُ العيش عني نَزَحَا المؤلف: رشيد أيوب |
آهِ طِيبُ العيش عني نَزَحَا
وَجيوشُ الهمّ سَدّت طُرُقي
وفَشا الشيبُ برَأسي فَمَحَا
صبغَةً كانت بهِ كالغَسَقِ
قَلَبَت قلبي على جمرِ الغَضَا
نُوَبُ الأيامِ في عهدِ المَشيب
وبأحشائي حُسَامٌ مُنتَضى
ضَاقَ عَنهُ ذلك الصّدرُ الرّحيب
يا شباباً يومَ عني أعرَضَا
دبّ في جسمي الضّنى أيّ دبيب
فأنا ذاك الّذي مَا برحَا
دامِعَ العَين كَثيرَ الأرَقِ
صارَ لمّا بنتَ عَنهُ شَبَحَا
لا يُرَى لولا لهيب الحرَقِ
يا شباباً كان لي نِعمَ الرّفيق
أينَما سرنا وفي أيِّ مَكان
نَستَمِدّ الحُبّ من بحرٍ عميق
وغَرَامٌ مُطلَقٌ فِيهِ العِنان
في زَمانٍ كان لي نِعمَ الصّديق
آه واشوقي لذَيّاكَ الزّمان
حيثُ كوبُ الحبّ فيهِ طَفحَا
وَحُمَيّا الحُبِّ قلبي قد سُقي
وَحُمَيّا اللّذّات منهُ مَرَحَا
عند رَوضٍ بالصّفَا مُندَفِقِ
فَدعا الدهرُ علَينَا بالشتات
فَتَفَرّقنَا كَأن لم نَكُنِ
مثل برقٍ أومَمَت تلكَ الحياة
أو كحلمٍ مرّ عند الوَسَنِ
صَبّتِ الدنيَا عليّ الحَسَرَات
وَزَمَاني يَنقَضي بالمِحَنِ
باتَ قَلبي بالأسى مُتّشِحا
وجُفوني غمضهَا لم تذُقِ
يَا شَباباً مُنذُ عني جَمَحَا
لم أزَل أرعَى نجوم الأفُقِ
تائِهاً في الليلِ ما بينَ الصّخور
عندَ شاطي البَحرِ في ضَوءِ القمر
اسألُ الأموَاجَ عن أهلِ القُبور
ومن الأفلاكِ استَقصي الخبَر
وأزُورُ الرّوضَ أُصغي للطيور
عندما غَنّت وقد لاحَ السَّحَر
كلّما هَبّ نسيمٌ في الضّحى
أو شَدَت وَرقاءُ بين الوَرَقِ
يا شبابي لك ذكرٌ قدحَا
جذوَةً تمحُو بجسمي ما بقي
نَخَرَ الحزنُ عِظامي وَمشى
في فؤادي مسرِعاً في تَلَفِي
يا شبابي لا تُصَدّق مَن وَشى
عُد فإني ذلك الخلّ الوَفي
وَرَعاكَ اللهُ رفقاً بالحَشَا
فَبِهَا ما بَينَنا سرٌّ خَفِي
شَفّها وَجدٌ بها فَاتّضَحَا
من حِجابٍ بالجَوَى مُنخرِقِ
ولَها قَلبٌ عَلَيها رَشَحا
نزوَةُ حَمرَاءَ لَون الشّفَقِ
يا شباباً قَد طوَتهُ بعدما
نشَرَتهُ في الدّنى أيدي الدهور
كنتُ كالمغرُور فيهِ مثلَما
كان غَيري في هَوَاهُ بغرُور
كان ظَنّي فيهِ يبقى طالَما
أنا باقٍ عندما الدنيَا تجُور
فإذا بالدهرِ فيهِ شَطَحَا
وأنا في ما بقي من رَمَقِي
صحت لمّا للنّوَى قَد جَنَحَا
يا شبابي هل لنا أن نَلتَقي
باطِلاً أدعو شبابي كي يَعود
فَكَأني بِشبابي عَهد عاد
إنما قد قِيلَ في دارِ الخُلود
سوفَ نلقى ربّنا يومَ المَعاد
فإلى ذاكَ اللّقا أرعى العهود
يا شبَابي لابِساً ثوبَ الحِداد
ليَ طَرفٌ بالبُكا قد صَفحا
وَلِنَفسي غَيرهُ لم يَرُقِ
أتَعاطَى في اعتزالي القَدحَا
لَيتَني مِن سكرَتي لم أفِقِ