=== باب آداب المشي إلى إليها متطهرا بخشوع لقوله ﷺ: "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدا إلى المسجد، فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في صلاة" [1] وأن يقول إذا خرج من بيته - ولو لغير الصلاة-: (بسم الله آمنت بالله، اعتصمت بالله، توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي).
وأن يمشي إليها بسكينة ووقار لقوله ﷺ: "وإذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا" [2] وأن يقارب بين خطاه ويقول: اللهم إني أسألك بحق [3] السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرًا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ويقول: (اللهم اجعل في قلبي نورا وفي لساني نورًا واجعل في بصري نورا وفي سمعي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا وعن يميني نورا وعن شمالي نورا وفوفي نورا وتحتي نورا اللهم أعطني نورا).
فإذا دخل المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى ويقول: (بسم الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. اللهم صل على محمد. اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك). وعند خروجه يقدم رجله اليسرى ويقول: (وافتح لي أبواب فضلك).
وإذا دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين لقوله ﷺ: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين".[4] ويشتغل بذكر الله أو يسكت، ولا يخوض في حديث الدنيا فما دام كذلك فهو في صلاح والملائكة تستغفر له ما لم يؤذ أو يحدث.
☰ جدول المحتويات
باب صفة الصلاة
يستحب أن يقوم إليها عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة إن كان الإمام في المسجد وإلا إذا رآه، قيل للإمام أحمد قبل التكبير تقول شيئا؟ قال: لا، إذ لم ينقل عن النبي ﷺ. ولا عن أحد من أصحابه، ثم يسوي الإمام الصفوف بمحاذاة المناكب والأكعب.
ويسن تكميل الصف الأول فالأول وتراص المأمومين وسد خلل الصفوف ويمنة كل صف أفضل، وقرب الأفضل من الإمام لقوله ﷺ: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى".[5] وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، ثم يقول وهو قائم مع القدرة: "الله أكبر" لا يجزئه غيرها، والحكمة في افتتاحها بذلك ليستحضر عظمة من يقوم بين يديه فيخشع. فإن مد همزة الله أو أكبر أو قال: إكبار لم تنعقد، والأخرس يحرم بقلبه ولا يحرك لسانه وكذا حكم القراءة والتسبيح وغيرهما.
ويسن جهر الإمام بالتكبير لقوله ﷺ: "إذا كبر الإمام فكبروا" [4] وبالتسميع لقوله: "وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد".[4]
ويسر مأموم ومنفرد ويرفع يديه ممدودتي الأصابع مضمومة، ويستقبل ببطونهما القبلة إلى حذو منكبيه إن لم يكن عذر، ويرفعهما إشارة إلى كشف الحجاب بينه وبين ربه كما أن السبابة إشارة إلى الوحدانية، ثم يقبض كوعه الأيسر بكفه الأيمن ويجعلها تحت سرته ومعناه ذل بين يدي ربه (. ويستحب نظره إلى موضع سجوده في كل حالات الصلاة إلا في التشهد فينظر إلى سبابته.
ثم يستفتح سرا فيقول: (سبحانك اللهم وبحمدك) ومعنى سبحانك اللهم أي أنزهك التنزيه اللائق بجلالك يا الله. وقوله وبحمدك، قيل: معناه أجمع لك بين التسبيح والحمد. (وتبارك اسمك) أي البركة تتال بذكرك. (وتعالى جدك) أي جلت عظمتك. (ولا إله غيرك) أي لا معبود في الأرض ولا في السماء بحق سواك يا الله. ويجوز الاستفتاح بكل ما ورد.
ثم يتعوذ سرا فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وكيفما تعوذ من الوارد فحسن. ثم يبسمل سرا، وليست من الفاتحة ولا غيرها، بل آية من القرآن قبلها وبين كل سورتين سوى براءة والأنفال. ويسن كتابتها أوائل الكتب كما كتبها سليمان عليه السلام، وكما كان النبي ﷺ يفعل. وتذكر في ابتداء جميع الأفعال؛ وهي تطرد الشيطان. قال أحمد: لا تكتب أمام الشعر ولا معه.
ثم يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية مشددة، وهي ركن في كل ركعة كما في الحديث: "لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب". وتسمى أم القرآن لأن فيها الإلهيات والمعاد والنبوات وإثبات القدر. فالآيتان الأوليان يدلان على الإلهيات، و (ومالك يوم الدين) يدل على المعاد. (إياك نعبد وإياك نستعين) يدل على الأمر والنهي والتوكل وإخلاص ذلك كله لله، وفيها التنبيه على طريق الحق وأهله والمقتدى بهم، والتنبيه على طريق الغي والضلال.
ويستحب أن يقف عند كل آية لقراءته ﷺ. وهي أعظم سورة في القرآن، وأعظم آية فيه آية الكرسي وفيها إحدى عشرة تشديدة. ويكره الإفراط في التشديد والإفراط في المد، فإذا فرغ قال: آمين بعد سكتة لطيفة، ليعلم أنها ليست من القرآن، ومعناها: اللهم استجب، يجهر بها إمام ومأموم معا في صلاة جهرية، ويستحب سكوت الإمام بعدها في صلاة جهرية لحديث سمرة. ويلزم الجاهل تعلمها فإن لم يفعل مع القدرة لم تصح صلاته، ومن لم يحسن شيئا منها ولا من غيرها من القرآن لزمه أن يقول: "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" لقوله ﷺ: "إن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله وهلله وكبره ثم اركع" رواه أبو داود والترمذي.
ثم يقرأ البسملة سرا، ثم يقرأ سورة كاملة ويجزي آية، إلا أن أحمد استحب أن تكون طويلة، فإن كان في غير الصلاة فإن شاء جهر بالبسملة وإن شاء أسر، وتكون السورة في الفجر من طوال المفصل، وأوله (ق) لقول أوس: "سألت أصحاب محمد ﷺ: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاثا، وخمسا وسبعا وتسعا، وإحدى عشرة وثلاث عشرة" وحزب المفصل واحد، ويكره أن يقرأ في الفجر من قصاره من غير عذر كسفر ومرض ونحوهما.
ويقرأ في المغرب من قصاره ويقرأ فيها بعض الأحيان من طواله لأنه ﷺ قرأ فيها بالأعراف. ويقرأ في البواقي من أوساطه إن لم يكن عذر وإلا قرأ بأقصر منه. ولا بأس بجهر امرأة في الجهرية إذا لم يسمعها أجنبي. والمتنفل في الليل يراعي المصلحة، فإن كان قريبا منه من يتأذى بجهره أسر، وإن كان ممن يستمع له جهر، وإن أسر في جهر وجهر في سر، بنى على قراءته. وترتيب الآيات واجب لأنه بالنص، وترتيب السور بالاجتهاد لا بالنص في قول جمهور العلماء فتجوز قراءة هذه، قبل هذه ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة في كتابتها. وكره أحمد قراءة حمزة والكسائي، والإدغام الكبير لأبي عمرو. ثم يرفع يديه كرفعه الأول بعد فراغه من القراءة وبعد أن يثبت قليلا حتى يرجع إليه نفسه، ولا يصل قراءته بتكبير الركوع، ويكبر فيضع يديه مفرجتي الأصابع على ركبتيه ملقما كل يد ركبة، ويمد ظهره مستويا ويجعل رأسه حياله لا يرفعه ولا يخفضه، لحديث عائشة، ويجافي مرفقيه عن جنبيه لحديث أبي حميد، ويقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم لحديث حذيفة رواه مسلم، وأدنى الكمال ثلاث، وأعلاه في حق الإمام عشر، وكذا حكم سبحان ربي الأعلى في السجود.
ولا يقرأ في الركوع والسجود لنهيه ﷺ عن ذلك. ثم يرفع رأسه ويرفع يديه كرفعه الأول قائلا إمام ومنفرد: "سمع الله لمن حمده" وجوبا، ومعنى سمع: استجاب. فإذا استتم قائما قال: "ربنا ولك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد" وإن شاء زاد: "أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد". وله أن يقول غيره مما ورد. وإن شاء قال: "اللهم ربنا لك الحمد" بلا واو لوروده في حديث أبي سعيد وغيره.
فإن أدرك المأموم الإمام في هذا الركوع فهو مدرك للركعة. ثم يكبر ويخر ساجدا ولا يرفع يديه فيضع ركبته ثم يديه ثم وجهه، ويمكن جبهته وأنفه وراحتيه من الأرض، ويكون على أطراف أصابع رجليه موجها أطرافها إلى القبلة؛ والسجود على هذه الأعضاء السبعة ركن، ويستحب مباشرة المصلى ببطون كفيه وضم أصابعهما موجهة إلى القبلة غير مقبوضة، رافعا مرفقيه.
وتكره الصلاة في مكان شديد الحر أو شديد البرد لأنه يذهب الخشوع، ويسن للساجد أن يجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه، ويضع يديه حذو منكبيه، ويفرق بين ركبتيه ورجليه.
ثم يرفع رأسه مكبرا ويجلس مفترشا يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وبنصب اليمنى ويخرجها من تحته، ويجعل بطون أصابعها إلى الأرض لتكون أطراف أصابعها إلى القبلة، لحديث أبي حميد في صفة صلاة النبي ﷺ، باسطا يديه على فخذيه مضمومة الأصابع ويقول: "رب اغفر لي" ولا بأس بالزيادة لقول ابن عباس كان النبي ﷺ يقول بين السجدتين: "رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقنى وعافني" [6] رواه أبو داود.
ثم يسجد الثانية كالأولى، وإن شاء دعا فيه لقوله ﷺ "وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم" [5] رواه مسلم، وله عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ كان يقول في سجوده: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره".[5]
ثم يرفع رأسه مكبرا قائما على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه لحديث وائل، إلا أن يشق لكبر أو مرض أو ضعف. ثم يصلي الركعة الثانية كالأولى إلا في تكبيرة الإحرام والاستفتاح ولو لم يأت به في الأولى، ثم يجلس للتشهد مفترشا جاعلا يديه على فخذيه، باسطا أصابع يسراه مضمومة مستقبلا بها القبلة، قابضا من يمناه الخنصر والبنصر، محلقا إبهامه مع وسطاه.
ثم يتشهد سرا، ويشير بسبابته اليمنى في تشهده إشارة إلى التوحيد، ويشير بها عند دعائه في صلاة وغيرها، لقول ابن الزبير: "كان النبي ﷺ يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها" [5] رواه أبو داود. فيقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأي تشهد تشهده مما صح عن النبي ﷺ جاز، والأولى تخفيفه وعدم الزيادة عليه وهذا التشهد الأول.
ثم إن كانت الصلاة ركعتين فقط صلى على النبي ﷺ فيقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ويجوز أن يصلي على النبي ﷺ مما ورد. وآل محمد أهل بيته، وقوله: "التحيات" أي جميع التحيات لله تعالى استحقاقا وملكا، "والصلوات" الدعوات "والطيبات" الأعمال الصالحة، فهو سبحانه يُحَيَّى ولا يُسَلَّم عليه لأن السلام دعاء.
وتجوز الصلاة على غير النبي ﷺ منفردا إذا لم يكثر ولم تتخذ شعارا لبعض الناس، أو يقصد بها بعض الصحابة دون بعض. وتسن الصلاة على النبي ﷺ في غير الصلاة، وتتأكد تأكدا كثيرا عند ذكره، وفي يوم الجمعة وليلتها. ويسن أن يقول: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر. وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال" وإن دعا بغير ذلك مما ورد فحسن. لقوله ﷺ: "ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه" [4] ما لم يشق على المأموم.
ويجوز الدعاء لشخص معين لفعله ﷺ في دعائه للمستضعفين بمكة، ثم يسلم وهو جالس، مبتدئا عن يمينه قائلا. "السلام عليكم ورحمة الله" وعن يساره كذلك. والالتفات سنة، ويكون عن يساره أكثر بحيث يرى خده. ويجهر إمام بالتسليمة الأولى فقط ويسرهما غيره، ويسن حذفه وهو عدم تطويله أي لا يمد به صوته، وينوي به الخروج من الصلاة، وينوي أيضا السلام على الحفظة وعلى الحاضرين.
وإن كانت الصلاة أكثر من ركعتين نهض مكبرا على صدور قدميه إذا فرغ من التشهد الأول، ويأتي بما بقى من صلاته كما سبق، إلا أنه لا يجهر ولا يقرا شيئا بعد الفاتحة، فإن فعل لم يكره.
ثم يجلس في التشهد الثاني متوركا يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما عن يمينه، ويجعل إليته على الأرض، فيأتي بالتشهد الأول، ثم بالصلاة على النبي ﷺ، ثم بالدعاء، ثم يسلم. وينحرف الإمام إلى المأمومين على يمينه أو على شماله، ولا يطيل الإمام الجلوس بعد السلام مستقبل القبلة. ولا ينصرف المأموم قبله لقوله ﷺ: "إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بانصراف".[5] فإن صلى معهم نساء انصرف النساء وثبت الرجال قليلا لئلا يدركوا من انصرف منهن.
ويسن ذكر الله والدعاء والاستغفار عقب الصلاة فيقول: استغفر الله – ثلاثا، ثم يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله. لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن. لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. "اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد".
ثم يسبح ويحمد ويكبر كل واحدة ثلاثا وثلاثين، ويقول تمام المائة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير". ويقول بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب قبل أن يكلم أحدا من الناس: "اللهم أجرني من النار" سبع مرات. والإسرار بالدعاء أفضل، وكذا بالدعاء المأثور، ويكون بتأدب وخشوع وحضور قلب ورغبة ورهبة لحديث: "لا يستجاب الدعاء من قلب غافل" ويتوسل بالأسماء والصفات والتوحيد، ويتحرى أوقات الإجابة، وهي ثلث الليل الآخر، وبين الأذان والإقامة، وإدبار الصلاة المكتوبة، وآخر ساعة يوم الجمعة. وينتظر الإجابة ولا يعجل فيقول: قد دعوت ودعوت فلم يستحب لي. ولا يكره أن يخص نفسه إلا في دعاء يؤمن عليه، ويكره رفع الصوت.
ويكره في الصلاة التفات يسير، ورد بصره إلى السماء، وصلاته إلى صورة منصوبة أو إلى وجه آدمي، واستقبال نار ولو سراجا، وافتراش ذراعيه في السجود. ولا يدخل فيها وهو حاقن أو حاقب أو بحضرة طعام يشتهيه، بل يؤخرها ولو فاتته الجماعة. ويكره مس الحصى، وتشبيك أصابعه، واعتماده على يديه في جلوس، ولمس لحيته، وعقص شعره، وكف ثوبه. وإن تثاءب كظم ما استطاع، فإن غلبه وضع يده في فمه. ويكره تسوية التراب بلا عذر. ويرد المار بين يديه ولو بدفعه، آدميا كان المار أو غيره، فرضا كانت الصلاة أو نفلا؛ فإن أبى فله قتاله ولو مشى يسيرا.
ويحرم المرور بين المصلِّي وبين سترته وبين يديه إن لم يكن له سترة، وله قتل حية وعقرب وقملة، وتعديل ثوب وعمامة، وحمل شيء ووضعه. وله إشارة بيد ووجه وعين لحاجة.
ولا يكره السلام على المصلي وله رده بالإشارة ويفتح على أمامه إذا أُرتج عليه أو غلط، وإن نابه شيء في صلاته سبح رجل وصفقت امرأة. وإن بدره بصاق أو مخاط وهو في المسجد بصق في ثوبه وفي غير المسجد عن يساره، ويكره أن يبصق قدامه أو عن يمينه.
وتكره صلاة غير مأموم إلى غير سترة ولو لم يخش مارا، من جدار أو شيء شاخص كحربة أو غير ذلك مثل آخرة الرحل، ويسن أن يدنو منها لقوله: ﷺ "إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة ويدن منها" [4] وينحرف عنها يسيرا لفعله ﷺ. وإن تعذر خط خطا، وإذا مر من ورائها شيء لم يكره، فإن لم يكن سترة أو مر بينه وبينها امرأة أو كلب أو حمار بطلت صلاته.
وله قراءة في المصحف والسؤال عند آية الرحمة والتعوذ عند آية العذاب.
والقيام ركن في الفرض لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} إلا العاجز أو عريان أو خائف أو مأموم خلف إمام الحي العاجز عنه. وإن أدرك الإمام في الركوع فبقدر التحريمة.
وتكبيرة الإحرام ركن، وكذا قراءة الفاتحة على الإمام والمنفرد، وكذا الركوع لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} وعن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رجلا دخل المسجد فصلى ثم جاء إلى النبي ﷺ فسلم عليه. قال له: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلّ. فعلها ثلاثا. فقال: والذي بعثك بالحق نبيا لا أحسن غير هذا فعلمني. قال له النبي ﷺ: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حق تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم اجلس حتى تطمئن جالسا. ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" رواه الجماعة. فدل على أن المسمى في هذا الحديث لا يسقط بحال؛ إذ لو سقطت لسقطت عن هذا الأعرابي الجاهل.
والطمأنينة في هذه الأفعال ركن لما تقدم. "ورأى حذيفة رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده فقال له: ما صليت، ولو مت لمت على غير فطرة الله التي فطر عليها محمدا ﷺ".
والتشهد الأخير ركن لقول ابن مسعود: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله، السلام على جبريل وميكائيل، فقال النبي ﷺ: لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا التحيات لله" [7] رواه النسائي، ورواته ثقات.
والواجبات التي تسقط سهوا (ثمانية): التكبيرة غير الأولى، والتسميع للإمام والمنفرد، والتحميد للكل، وتسبيح ركوع وسجود، وقول "رب اغفر لي"، والتشهد الأول والجلوس له، وما عدا ذلك سنن أقوال وأفعال.
فسنن الأقوال سبع عشرة: الاستفتاح والتعوذ والبسملة والتأمين وقراءة السورة في الأوليين وفي صلاة الفجر والجمعة والعيد والتطوع كله والجهر والإخفات وقول "ملء السماء والأرض إلى آخره"، وما زاد على المرة في تسبيح ركوع وسجود وقول "رب اغفر لي" والتعوذ في التشهد الأخير والصلاة على آل النبي ﷺ والبركة عليه وعليهم. وسوى ذلك فسنن أفعال مثل كون الأصابع مضمومة مبسوطة مستقبلا بها القبلة عند الإحرام والركوع والرفع منه، وحطهما عقب ذلك، وقبض اليمين على كوع الشمال وجعلهما تحت سرته، والنظر إلى موضع سجوده، وتفريقه بين قدميه، في قيامه ومراوحته بينهما، وترتيل القراءة، والتخفيف للإمام، وكون الأولى أطول من الثانية، وقبض ركبتيه بيديه مفرجتي الأصابع في الركوع، ومد ظهره مستويا، وجعل رأسه حياله، ووضع ركبتيه قبل يديه في سجوده، ورفع يديه قبلهما في القيام، وتمكين جبهته وأنفه من الأرض، ومجافاة عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه، وإقامة قدميه وجعل بطون أصابعهما إلى الأرض مفرقة، ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطة الأصابع إذا سجد وتوجيه أصابع يديه مضمومة إلى القبلة، ومباشرة المصلى بيديه وجبهته وقيامه إلى الركعة على صدور قدميه معتمدا بيديه على فخذيه، والافتراش في الجلوس بين السجدتين والتشهد، والتورك في الثاني، ووضع يديه على فخذيه مبسوطتين مضمومتي الأصابع مستقبلا بهما القبلة بين السجدتين وفي التشهد، وقبض الخنصر والبنصر من اليمنى وتحليق إبهامها مع الوسطى والإشارة بسبابتها، والالتفات يمينا وشمالا في تسليمه، وتفضيل الشمال على اليمين في الالتفات.
وأما سجود السهو فقال أحمد: يحفظ فيه عن النبي ﷺ خمسة أشياء: سلم من اثنتين فسجد، وسلم من ثلاث فسجد، وفي الزيادة والنقصان، وقام من الثنتين فلم يتشهد. قال الخطابي: المعتمد عليه عند أهل العلم هذه الأحاديث الخمسة يعني حديثي ابن مسعود وأبي سعيد وأبي هريرة وابن بحينة. وسجود السهو يشرع للزيادة والنقص وشك في فرض ونفل، إلا أن يكثر فيصير كوسواس فيطرحه. وكذا في الوضوء والغسل وإزالة النجاسة، فمتى زاد من جنس الصلاة قياما أو ركوعا أو سجودا أو قعودا عمدا بطلت، وسهوا يسجد له لقوله ﷺ: "إذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين" [4] رواه مسلم. ومتى ذكر عاد إلى ترتيب الصلاة بغير تكبير، وإن زاد ركعة قطع متى ذكر، وبنى على فعله قبلها، ولا يتشهد إن كان قد تشهد، ثم سجد وسلم. ولا يعتد بالركعة الزائدة مسبوق، ولا يدخل معه من علم أنها زائدة، وإن كان إماما أو منفردا فنبهه ثقتان لزمه الرجوع ولا يرجع إن نبهه واحد إلا أن يتيقن صوابه لأنه ﷺ لم يرجع إلى قول ذي اليدين.
ولا يبطل الصلاة عمل يسير كفتحه ﷺ الباب لعائشة وحمله أمامة ووضعها. وإن أتى بقول مشروع في الصلاة في غير موضعه كالقراءة في القعود والتشهد في القيام، لم تبطل به.
وينبغي السجود لسهوه لعموم قوله ﷺ: "إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين"، [4] وإن سلم قبل إتمامها عمدا بطلت. وإن كان سهوا ثم ذكر قريبا أتمها ولو خرج من المسجد أو تكلم يسيرا لمصلحتها، وإن تكلم سهوا أو نام فتكلم أو سبق على لسانه حال قراءته كلمة من غير القرآن لم تبطل، وإن قهقه بطلت إجماعا، لا إن تبسم.
وإن نسي ركنا غير التحريمة فذكره في قراءة الركعة التي بعدها بطلت التي تركه منها وصارت الأخرى عوضا عنها، ولا يعيد الافتتاح قاله أحمد، وإن ذكره قبل الشروع في القراءة عاد فأتى به وبما بعده، وإن نسي التشهد الأول ونهض لزمه الرجوع والإتيان به ما لم يستتم قائما، لحديث المغيرة رواه أبو داود، ويلزم المأموم متابعته ويسقط عنه التشهد ويسجد للسهو.
ومن شك في عدد الركعات بنى على اليقين، ويأخذ مأموم عند شكه بفعل إمامه، ولو أدرك الإمام راكعا وشك هل رفع الإمام رأسه قبل إدراكه راكعا لم يعتد بتلك الركعة، وإذا بنى على اليقين أتى بما بقي، ويأتي به المأموم بعد سلام إمامه ويسجد للسهو، وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد معه ولو لم يتم التشهد ثم يتمه بعد سجوده.
ويسجد مسبوق لسلامه مع إمامه سهوا ولسهوه معه وفيما انفرد به، ومحله قبل السلام إلا إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر لحديث عمران وذي اليدين، وإلا في ما إذا بنى على غالب ظنه إن قلنا به فيسجد ندبا بعد السلام، لحديث علي وابن مسعود، وإن نسيه قبل السلام أو بعده أتى به ما لم يطل الفصل، وسجود السهو وما يقول فيه وبعد رفعه كسجود الصلاة.
باب صلاة التطوع
قال أبو العباس: التطوع تكمل به صلاة الفرض يوم القيامة إن لم يكن أتمها، وفيه حديث مرفوع، وكذلك الزكاة وبقية الأعمال. وأفضل التطوع الجهاد، ثم توابعه من نفقة فيه وغيرها، ثم تعلّم العلم وتعليمه، قال أبو الدرداء: "العالم والمتعلم في الأجر سواء، وسائر الناس همج لا خير فيهم".
وعن أحمد: طلب العلم أفضل الأعمال لمن صحت نيته. وقال: تذاكر بعض ليلة أحب إلي من إحيائها. وقال: يجب أن يطلب الرجل من العلم ما يقوم به دينه. قيل له: مثل أي شيء؟ قال: الذي لا يسعه جهله: صلاته وصومه ونحو ذلك ثم بعد ذلك الصلاة لحديث: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة"، [8] ثم بعد ذلك ما يتعدى نفعه من عيادة مريض أو قضاء حاجة مسلم، أو إصلاح بين الناس، لقوله ﷺ: "ألا أخبركم بخير أعمالكم، وبأفضل من درجة الصوم والصلاة؟ إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة" صححه الترمذي.
وقال أحمد: إتباع الجنازة أفضل من الصلاة. وما يتعدى نفعه يتفاوت، فصدقة على قريب محتاج أفضل من عتق، وهو أفضل من صدقة على أجنبي إلا زمن مجاعة، ثم حج. وعن أنس مرفوعا: "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع" قال الترمذي: حسين غريب.
قال الشيخ: تعلم العلم وتعليمه يدخل في الجهاد، وأنه نوع منه. وقال: استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهارا أفضل من الجهاد الذي لم يذهب فيه نفسه وماله. وعن أحمد ليس يشبه الحج شيء للتعب الذي فيه ولتلك المشاعر، وفيه مشهد ليس في الإسلام مثله: عشية عرفة. وفيه إنهاك المال والبدن. وعن أبي أمامة: "أن رجلا سأل النبي ﷺ أي الأعمال أفضل؟ قال: عليك بالصوم فإنه لا مثل له" [2] رواه أحمد وغيره بسند حسن. وقال الشيخ: قد يكون كل واحد أفضل في حال، لفعل النبي ﷺ وخلفائه بحسب الحاجة والمصلحة، ومثله قول أحمد: انظر ما هو أصلح لقلبك فافعله. ورجح أحمد فضيلة الفكر على الصلاة والصدقة، فقد يتوجه منه أن عمل القلب أفضل من عمل الجوارح، وأن مراد الأصحاب عمل الجوارح ويؤيده حديث: "أحب الأعمال إلى الله الحب في الله والبغض في الله" [9] وحديت "أوثق عرى الإيمان".
وآكد التطوع الكسوف، ثم الوتر، ثم سنة الفجر، ثم سنة المغرب، تم بقية الرواتب. ووقت صلاة الوتر بعد العشاء إلى طلوع الفجر، والأفضل آخر الليل لمن وثق بقيامه، وإلا أوتر قبل أن يرقد؛ وأقله ركعة وأكثره إحدى عشرة، والأفضل أن يسلم من ركعتين ثم يوتر بركعة، وإن فعل غير ذلك مما صح عن النبي ﷺ فحسن، وأدنى الكمال ثلاث، والأفضل بسلامين ويجوز بسلام واحد، ويجوز كالمغرب.
والسنن الراتبة عشر، وفعلها في البيت أفضل، وهي: ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتا الفجر.
ويخفف ركعتي الفجر ويقرأ فيهما بسورتي الإخلاص، أو يقرأ في الأولى بقوله تعالى:{قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} الآية، التي في البقرة. وفي الثانية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } الآية. وله فعلها راكبا.
ولا سنة للجمعة قبلها، وبعدها ركعتان أو أربع، وتجزيء السنة عن تحية المسجد، ويسن له الفصل بين الفرض والسنة بكلام أو قيام لحديث معاوية، ومن فاته شيء منها استحب له قضاؤه. ويستحب أن يتنفل بين الأذان والإقامة.
والتراويح سنة سنها رسول الله ﷺ، وفعلها جماعة أفضل. ويجهر الإمام بالقراءة لنقل الخلف عن السلف. ويسلم من كل ركعتين لحديث "صلاة الليل مثنى مثنى".[4] ووقتها بعد العشاء، وسنتها قبل الوتر إلى طلوع الفجر. ويوتر بعدها. فإن كان له تهجد جعل الوتر بعده لقوله ﷺ: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا"؛ [4] فإن أحب من له تهجد متابعة الإمام قام إذا سلم الإمام فجاء بركعة لقوله ﷺ: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" [10] صححه الترمذي.
ويستحب حفظ القرآن إجماعا، وهو أفضل من سائر الذكر، ويجب منه ما يجب في الصلاة. ويبدأ الصبي وليه به قبل العلم إلا أن يعسر، ويسن ختمه في كل أسبوع، وفيما دونه أحيانا. ويحرم تأخير القراءة إن خاف نسيانه، وبتعوذ قبل القراءة، ويحرص على الإخلاص ودفع ما يضاده، ويختم في الشتاء أول الليل، وفي الصيف أول النهار.
قال طلحة بن مصرف: "أدركت أهل الخير من هذه الأمة يستحبون ذلك، يقولون: إذا ختم أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي وإذا ختم أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح" رواه الدارمي عن سعد بن أبي وقاص، إسناده حسن. ويحسن صوته بالقرآن ويرتله، ويقرأ بحزن وتدبر، ويسأل الله تعالى عند آية الرحمة، ويتعوذ عند آية العذاب. ولا يجهر بين مصلين أو نيام أو تالين جهرا يؤذيهم.
ولا بأس بالقراءة قائما وقاعدا ومضطجعا وراكبا وماشيا. ولا تكره في الطريق ولا مع حدث أصغر، وتكره في المواضع القذرة، ويستحب الاجتماع لها والاستماع للقارئ، ولا يتحدث عندها بما لا فائدة فيه. وكره أحمد السرعة في القراءة، وكره قراءة الألحان وهو الذي يشبه الغناء، ولا يكره الترجيع. ومن قال في القرآن برأيه وبما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار، وأخطأ ولو أصاب.
ولا يجوز للمحدث مس المصحف، وله حمله بعلاقة أو في خرج فيه متاع وفي كمه، وله تصفحه بعود ونحوه، وله مس تفسير وكتب فيه قرآن. ويجوز للمحدث كتابته من غير مس، وأخذ الأجرة على نسخه. ويجوز كسيه الحرير. ولا يجوز استدباره أو مد الرجل إليه ونحو ذلك مما فيه ترك تعظيمه، ويكره تحليته بذهب أو فضة، وكتابة الأعشار وأسماء السور وعدد الآيات وغير ذلك مما لم يكن على عهد الصحابة.
ويحرم أن يكتب القرآن أو شيء فيه ذكر الله بغير طاهر، فإن كتب به أو عليه وجب غسله، وإن بلي المصحف أو اندرس دفن لأن "عثمان ( دفن المصاحف بين القبر والمنبر".
وتستحب النوافل المطلقة في جميع الأوقات إلا أوقات النهي. وصلاة الليل مرغب فيها وهي أفضل من صلاة النهار، وبعد النوم أفضل لأن الناشئة لا تكون إلا بعده، فإذا استيقظ ذكر الله تعالى وقال ما ورد، ومنه: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله". ثم إن قال: "اللهم اغفر لي"، أو دعا استجيب له. فإن توضأ وصلى قبلت صلاته. ثم يقول: "الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور. لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك سبحانك. استغفرك لذنبي وأسألك رحمتك. اللهم زدني علما ولا تزع قلبي بعد إذ هديتني وهب به من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره"، ثم يستاك.
فإذا قام إلى الصلاة إن شاء استفتح باستفتاح المكتوبة وإن شاء بغيره كقوله: "اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق والساعة حق. اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولا قوة إلا بك".[4]
وإن شاء قال: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ".
ويسن أن يستفتح تهجده بركعتين خفيفتين، وأن يكون له تطوع يداوم عليه، وإذا فاته قضاه.
ويستحب أن يقول عند الصباح والمساء ما ورد، وكذلك عند النوم والانتباه، ودخول المنزل والخروج منه، وغير ذلك. والتطوع في البيت أفضل وكذا الإسرار به إن كان مما لا تشرع له الجماعة، ولا بأس بالتطوع جماعة إذا لم يتخذ عادة. ويستحب الاستغفار بالسحر والإكثار منه، ومن فاته تهجده قضاه قبل الظهر، ولا يصح التطوع من مضطجع.
وتسن صلاة الضحى ووقتها من خروج وقت النهي إلى قبيل الزوال، وفعلها إذا اشتد الحر أفضل؛ وهي ركعتان وإن زاد فحسن.
وتسن صلاة الاستخارة، إذا هم بأمر فيركع ركعتين من غير الفريضة ثم يقول: "اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسميه بعينه - خير لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري (عاجله وآجله) فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه. واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به." ثم يستشير. ولا يكون وقت الاستخارة عازما على الفعل أو الترك.
وتسن تحية المسجد وسنة الوضوء (وإحياء ما بين العشاءين). وسجدة التلاوة سنة مؤكدة وليست بواجبة لقول عمر "من سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه". رواه في الموطأ وتسن للمستمع. والراكب يومئ بسجوده حيث كان وجهه، والماشي يسجد بالأرض مستقبل القبلة. ولا يسجد السامع لما روي عن الصحابة وقال ابن مسعود للقارئ وهو غلام: "اسجد فإنك إمامنا".
وتستحب سجدة الشكر عند تجدد نعمة ظاهرة عامة أو أمر يخصه. ويقول إذا رأى مبتلى في دينه أو بدنه: "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا".
وأوقات النهي خمسة: بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وبعد طلوعها حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، وبعد صلاة العصر حتى تدنو من الغروب، وبعد ذلك حتى تغرب. ويجوز قضاء الفرائض فيها، وفعل النذورات وركعتي الطواف، وإعادة جماعة إذا أقيمت وهو في المسجد، وتفعل صلاة الجنازة في الوقتين الطويلين.
باب صلاة الجماعة
أقلها اثنان في غير جمعة وعيد، وهي واجبة على الأعيان حضرا وسفرا حتى في خوف لقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} الآية. وتفضل على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، وتفعل في المسجد. والعتيق أفضل، وكذلك الأكثر جماعة، وكذلك الأبعد.
ولا يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه إلا أن يتأخر، فلا يكره ذلك لفعل أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف.
وإذا أقيمت الصلاة فلا يجوز الشروع في نفل، وإن أقيمت وهو فيها أتمها خفيفة. ومن أدرك ركعة مع الإمام فقد أدرك الجماعة، وتدرك بإدراك الركوع مع الإمام. وتجزيء تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع لفعل زيد بن ثابت وابن عمر، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة. وإتيانه بهما أفضل خروجا من خلاف من أوجبه، فإن أدركه بعد الركوع لم يكن مدركا للركعة وعليه متابعته، ويسن دخوله معه للخبر.
ولا يقوم المسبوق إلا بعد سلام الإمام التسليمة الثانية، فإن أدركه في سجود السهو بعد السلام لم يدخل معه، وإن فاتته الجماعة استحب له أن يصلى معه لقوله ﷺ: "من يتصدق على هذا فيصلي معه".[11]
ولا تجب القراءة على مأموم لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} قال أحمد: أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة.
وتسن قراءته فيما لا يجهر فيه الإمام، أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين يرون القراءة خلف الإمام فيما أسر فيه خروجا من خلاف من أوجبه، لكن تركناه إذا جهر الإمام للأدلة. ويشرع في أفعالها بعد إمامه من غير تخلف بعد فراغ الإمام، فإن وافقه كره، وتحرم مسابقته؛ فإن ركع أو سجد قبله سهوا رجع ليأتي به بعده، فإن لم يفعل عالما عمدا بطلت صلاته. وإن تخلف عنه بركن بلا عذر فكالسبق به، وإن كان لعذر، من نوم أو غفلة أو عجلة إمام فعله ولحقه، وإن تخلف بركعة لعذر تابعه فيما بقي من صلاته وقضاها بعد سلام الإمام.
ويسن له إذا عرض عارض لبعض المأمومين يقتضي خروجه أن يخفف، وتكره سرعة تمنع مأموما من فعل ما يسن.
ويسن تطويل قراءة الركعة الأولى أطول من الثانية، ويستحب للإمام انتظار الداخل ليدرك الركعة إن لم يشق على مأموم.
وأولى الناس بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله. وأما تقديم النبي ﷺ أبا بكر مع أن غيره أقرأ منه كأبي ومعاذ، فأجاب أحمد أن ذلك ليفهموا أنه المقدم في الإمامة الكبرى، وقال غيره: لما قدمه مع قوله يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة علم أن أبا بكر أقرؤهم وأعلمهم، لأنهم لم يكونوا يتجاوزون شيئا من القرآن حتى يتعلموا معانيه والعمل به كما قال ابن مسعود "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات من القرآن لم يتجاوزهن حتى يتعلم معانيهن والعمل بهن".
وروى مسلم عن أبي مسعود البدري يرفعه: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا".[5]
ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه. وفي الصحيحين: "يؤمكم أكبركم" وفي بعض ألفاظ ابن مسعود: "فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما" [5] أي إسلاما.
ومن صلى بأجرة لم يصل خلفه. قال أبو داود: سئل أحمد عن إمام يقول: أصلي بكم رمضان بكذا وكذا فقال: اسأل الله العافية، ومن يصلي خلف هذا؟! ولا يصلى خلف عاجز عن القيام، إلا إمام الحي - وهو كل إمام مسجد راتب - إذا اعتل صلوا وراءه جلوسا.
وإن صلى الإمام وهو محدث أو عليه نجاسة ولم يعلم إلا بعد فراغ الصلاة لم يعد من خلفه، وأعاد الإمام وحده في الحدث، ويكره أن يؤم قوما أكثرهم يكرهه بحق. ويصح ائتمام متوضئ بمتيمم.
والسنة وقوف المأمومين خلف الأمام لحديث "جابر وجبار لما وقفا عن يمينه ويساره أخذ بأيديهما فأقامهما خلفه" رواه مسلم.
وأما "صلاة ابن مسعود بعلقمة والأسود وهو بينهما" فأجاب ابن سيرين أن المكان كان ضيقا. وإن كان المأموم واحدا وقف عن يمينه، وإن وقف عن يساره أداره عن يمينه ولا تبطل تحريمته. وإن أم رجلا وامرأة وقف الرجل عن يمينه والمراة خلفه، لحديث أنس رواه مسلم
وقرب الصف منه أفضل، وكذا قرب الصفوف بعضها من بعض، وكذا توسطه الصف لقوله ﷺ: "وسطوا الإمام وسدوا الخلل".[9] وتصح مصافة صبي لقول أنس: "صففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز خلفنا". وإن صلى فذا لم تصح، وإن كان المأموم يرى الإمام أو من وراءه صح ولو لم تتصل الصفوف، وكذا لو لم ير أحدهما إن سمع التكبير لإمكان الاقتداء بسماع التكبير كالمشاهدة.
وإن كان بينهما طريق وانقطعت الصفوف لم يصح، واختار الموفق وغيره أن ذلك لا يمنع الاقتداء لعدم النص والإجماع.
ويكره أن يكون الإمام أعلى من المأمومين قال ابن مسعود لحذيفة: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى". رواه الشافعي بإسناد ثقات. ولا بأس بعلو يسير كدرجة منبر لحديث سهل "أنه ﷺ صلى على المنبر ثم نزل القهقرى وسجد" [4] الحديث. ولا بأس بعلو مأموم لأن "أبا هريرة صلى على ظهر المسجد بصلاة الإمام" رواه الشافعي، ويكره تطوّع الإمام في موضع المكتوبة بعدها، لحديث المغيرة مرفوعا رواه أبو داود لكن قال أحمد: لا أعرفه عن غير علي. ولا ينصرف المأموم قبله لقوله ﷺ: "لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالانصراف".[5] ويكره لغير الإمام اتخاذ مكان في المسجد لا يصلي فرضه إلا فيه لنهيه ﷺ عن إيطان كإيطان البعير.
ويعذر في ترك الجمعة والجماعة مريض وخائف ضياع ماله أو ما هو مستحفظ عليه، لأن المشقة اللاحقة بذلك أكثر من بلل الثياب بالمطر الذي هو عذر بالاتفاق، لقول عمر: "كان النبي ﷺ ينادي مناديه في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر. صلوا في رحالكم"، [4] أخرجاه، ولهما عن ابن عباس "أنه قال لمؤذنه في يوم مطير يوم جمعة: إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل: حي على الصلاة قل: صلوا في بيوتكم. فكأن الناس استنكروا ذلك فقال: فعله من هو خير مني - يعني رسول الله ﷺ - وإني كرهت أن أخرجكم في الطين والدحض".
ويكره حضور المسجد لمن أكل ثوما أو بصلا ولو خلا من آدمي لتأذي الملائكة بذلك.
باب صلاة أهل الأعذار
يجب أن يصلي المريض قائما في فرض لحديث عمران: "صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب" رواه البخاري. زاد النسائي "فإن لم تستطع فمستلقيا" ويومئ لركوعه وسجوده برأسه ما أمكنه لقوله ﷺ: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".[4]
وتصح صلاة فرض على راحلة واقفة أو سائرة خشية تأذ بوحل ومطر لحديث يعلى بن أمية رواه الترمذي وقال: العمل عليه عند أهل العلم.
والمسافر يقصر الرباعية خاصة، وله الفطر في رمضان. وإن ائتم بمن يلزمه الإتمام أتم. ولو أقام لقضاء حاجة بلا نية إقامة ولا يعلم متى تنقضي، أو حبسه مطر أو مرض قصر أبدا. والأحكام المتعلقة بالسفر أربعة: القصر والجمع، والمسح، والفطر.
ويجوز الجمع بين الظهرين وبين العشائين في وقت أحدهما للمسافر. وتركه أفضل غير جمعي عرفة ومزدلفة، ولمريض يلحقه بتركه مشقة لأنه "ﷺ جمع من غير خوف ولا سفر". وثبت الجمع للمستحاضة وهو نوع مرض. واحتج أحمد بأن المرض أشد من السفر، وقال: الجمع في الحضر إذا كان من ضرورة أو شغل.
وقال: صحت صلاة الخوف عن النبي ﷺ من ستة أوجه أو سبعة كلها جائزة، وأما حديث سهل فأنا أختاره، وهي صلاة ذات الرقاع "طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو. وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم" [5] متفق عليه، وله أن يصلي بكل طائفة صلاة ويسلم بها، رواه أحمد وأبو داود والنسائي. ويستحب حمل السلاح فيها لقوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} ولو قيل بوجوبه لكان له وجه لقوله تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ}.
وإذا اشتد الخوف صلوا رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} يومئون إيماء بقدر الطاقة، ويكون السجود أخفض من الركوع، ولا تجوز جماعة إذا لم تمكن المتابعة.
باب صلاة الجمعة
وهي فرض عين على كل مسلم بالغ عاقل ذكر حر مستوطن ببناء يشمله اسم واحد، ومن حضرها ممن لا تجب عليه أجزأته، وإن أدرك ركعة أتمها جمعة وإلا أتمها ظهرا. ولا بد من تقدم خطبتين فيهما حمد الله والشهادتان والوصية بما يحرك القلوب، وتسمى خطبة. ويخطب على منبر أو موضع عال، ويسلم على المأمومين إذا خرج وإذا أقبل عليهم، ثم يجلس إلى فراغ الأذان لحديث ابن عمر رواه أبو داود، ويجلس بين الخطبتين جلسة خفيفة لما في الصحيحين من حديث عمر، ويخطب قائما لفعله ﷺ ويقصد تلقاء وجهه ويقصر الخطبة. وصلاة الجمعة ركعتان يجهر فيهما بالقراءة، يقرأ في الأولى بالجمعة، والثانية بالمنافقين، أو بسبح والغاشية صح الحديث بالكل. ويقرأ في فجر يومها بالم السجدة وسورة الإنسان؛ وتكره المداومة على ذلك. وإن وافق عيد يوم جمعة سقطت الجمعة عمن حضر العيد إلا الإمام فلا تسقط عنه.
والسنة بعد الجمعة ركعتان أو أربع، ولا سنة لها قبلها، بل يستحب أن يتنفل بما شاء. ويسن لها الغسل والسواك والطيب ويلبس أحسن ثيابه، وأن يبكر ماشيا، ويجب السعي بالنداء الثاني بسكينة وخشوع، ويدنو من الإمام، ويكثر الدعاء في يومها رجاء إصابة ساعة الاستجابة وأرجاها آخر ساعة بعد لعصر إذا تطهر وانتظر صلاة المغرب لأنه في صلاة، ويكثر الصلاة على النبي ﷺ في يومها وليلتها، ويكره أن يتخطى رقاب الناس إلا أن يرى فرجة لا يصل إليها إلا به، ولا يقيم غيره ويجلس مكانه ولو عبده أو ولده.
ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين يخففهما، ولا يتكلم ولا يعبث والإمام يخطب لقوله ﷺ: "ومن مس الحصى فقد لغا" [12] صححه الترمذي. ومن نعس انتقل من مجلسه، لأمره ﷺ بذلك، صححه الترمذي.
باب صلاة العيدين
إذا لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال خرج من الغد فصلى بهم. ويسن تعجيل الأضحى وتأخير الفطر، وأكله قبل الخروج إليها في الفطر تمرات وترا، ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي. وإذا غدا من طريق رجع من آخر. وتسن في صحراء قريبة فيصلي ركعتين، يكبر تكبيرة الإحرام ثم يكبر بعدها ستا، ويكبر في الثانية خمسا يرفع يديه مع كل تكبيرة، ويقرأ فيهما "بسبح والغاشية"، فإذا فرغ خطب ولا يتنفل قبلها ولا بعدها في موضعها. ويسن التكبير في العيدين وإظهاره في المساجد والطرق, والجهر به من أهل القرى والأمصار، ويتأكد في ليلة العيدين وفي الخروج إليها، وفي الأضحى يبتدئ التكبير المطلق من ابتداء عشر ذي الحجة، والمقيد من صلاة الفجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق. ويسن الاجتهاد في العمل الصالح أيام العشر.
باب صلاة الكسوف
ووقتها من حين الكسوف إلى التجلي. وهي سنة مؤكدة حضرا وسفرا حتى للنساء، ويسن ذكر الله والدعاء والاستغفار والعتق والصدقة. ولا تعاد إن صليت ولم يتجل، بل يذكرون الله ويستغفرونه حتى يتجلى. وينادى لها: "الصلاة جامعة". ويصلي ركعتين يجهر فيهما بالقراءة ويطيل القراءة والركوع والسجود، كل ركعة بركوعين، لكن يكون في الثانية دون الأولى، ثم يتشهد ويسلم، وإن تجلى فيها أتمها خفيفة لقوله ﷺ: "فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم".[13]
باب صلاة الاستسقاء
وهي سنة مؤكدة حضرا وسفرا وصفتها صفة صلاة العيد، ويسن فعلها أول النهار، ويخرج متخشعا متذللا متضرعا، لحديث ابن عباس صححه الترمذي، فيصلي بهم ثم يخطب خطبة واحدة ويكثر فيها الاستغفار ويدعو ويرفع يديه ويكثر منه ويقول: "اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا سحا عاما طبقا دائما نافعا غير ضار عاجلا غير آجل، اللهم أسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأَحْيِ بلدك الميت. اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق، اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك. "اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع وأسقنا من بركات السماء وأنزل علينا من بركاتك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا".
ويستحب أن يستقبل القبلة في أثناء الخطبة، ثم يحول رداءه فيجعل ما على الأيمن على الأيسر وعكسه لأنه ﷺ حول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة ثم حول رداءه، متفق عليه. ويدعو سرا حال استقبال القبلة، وإن استسقوا عقب صلاتهم أو في خطبة الجمعة أصابوا السنة، ويستحب أن يقف في أول المطر ويخرج رحله وثيابه ليصيبها المطر، ويخرج إلى الوادي إذا سال، ويتوضأ ويقول إذا رأى المطر: "اللهم صيبا نافعا".
وإذا زادت المياه وخيف من كثرة المطر استحب أن يقول: "اللهم حوالينا ولا علينا. اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر" ويدعو عند نزول المطر ويقول: "مطرنا بفضل الله ورحمته". وإذا رأى سحابا أو هبت ريح سأل الله من خيره واستعاذ من شره.
ولا يجوز سب الريح، بل يقول: "اللهم إني أسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به. اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا، اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا". وإذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: "اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك. سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته". وإذا سمع نهيق حمار أو نباح كلب استعاذ بالله من الشيطان. وإذا سمع صياح الديك سأل الله من فضله.
باب الجنائز
يجوز التداوي اتفاقا ولا ينافي التوكل، ويكره الكي، وتستحب الحمية، ويحرم بمحرم أكلا وشربا وصوت ملهاة لقوله ﷺ "لا تداووا بحرام".[9] وتحرم التميمة وهي عوذة أو خرزة تعلق، ويسن الإكثار من ذكر الموت والاستعداد له،. وعيادة المريض. ولا بأس أن يخبر المريض بما يجد من غير شكوى بعد أن يحمد الله. ويجب الصبر، والشكوى إلى الله لا تنافيه بل هي مطلوبة. ويحسن الظن بالله وجوبا ولا يتمنى الموت لضر نزل به. ويدعو العائد للمريض بالشفاء، فإذا نزل به استحب أن يلقن "لا إله إلا الله" ويوجه إلى القبلة فإذا مات أغمضت عيناه. ولا يقول أهله إلا الكلام الحسن لأن الملائكة يؤمنون على ما يقولون. ويسجى بثوب ويسارع في قضاء دينه وإبراء ذمته من نذر أو كفارة لقوله ﷺ: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" [14] حسنه الترمذي، ويسن الإسراع في تجهيزه لقوله ﷺ "لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله" [9] رواه أبو داود، ويكره النعي وهو النداء بموته.
وغسله والصلاة عليه وحمله وتكفينه ودفنه موجها إلى القبلة فرض كفاية، ويكره أخذ الأجرة على شيء من ذلك، وحمل الميت إلى غير بلده لغير حاجة. ويسن للغاسل أن يبدأ بأعضاء الوضوء والميامن، ويغسله ثلاثا أو خمسا، ويكفي مرة. وإذا ولد السقط لأكثر من أربعة أشهر غسل وصلي عليه لقوله ﷺ: "والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة" [15] صححه الترمذي ولفظه "والطفل يصلى عليه"، [16] ومن تعذر غسله لعدم ماء أو غيره يمم، والواجب في كفنه ثوب يستر جميعه.
فإن لم يجد ما يستره ستر العورة ثم رأسه وما يليه ويجعل على باقي جسده حشيش أو ورق. ويقوم الإمام في الصلاة عليه عند صدر رجل ووسط امرأة، ويكبر فيقرأ الفاتحة، ثم يكبر فيصلي على النبي ﷺ، ثم يكبر ويدعو للميت، ثم يكبر الرابعة ويقف بعدها قليلا، ثم يسلم واحدة عن يمينه. ويرفع يديه مع كل تكبيرة، ويقف مكانه حتى ترفع، روي ذلك عن عمر.
ويستحب لمن لم يصل عليها أن يصلي عليها إذا وضعت أو بعد الدفن على القبر ولو جماعة إلى شهر من دفنه، ولا بأس بالدفن ليلا، ويكره عند طلوع الشمس وعند غروبها وقيامها، ويسن الإسراع بها دون الخبب، ويكره جلوس من تبعها حتى توضع على الأرض للدفن، ويكون التابع لها متخشعا متفكرا في مآله، ويكره التبسم والتحدث في أمر الدنيا.
ويستحب أن يدخله قبره من عند رجليه إن كان أسهل، ويكره أن يسجى قبر رجل ولا يكره للرجل دفن امرأة وثم محرم. (واللحد أفضل) من الشق، ويسن تعميقه وتوسيعه، ويكره دفنه في تابوت. ويقول عند وضعه "بسم الله وعلى ملة رسول الله".
ويستحب الدعاء عند القبر بعد الدفن واقفا عنده، ويستحب لمن حضر أن يحثو عليه من قبل رأسه ثلاث حثيات.
ويستحب رفع القبر قدر شبر، ويكره فوقه لقوله ﷺ لعلي: "لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته" رواه مسلم.
ويرش عليه الماء ويوضع عليه حصباء تحفظ ترابه، ولا بأس بتعليمه بحجر ونحوه ليعرف لما روي في قبر عثمان بن مظعون، ولا يجوز تجصيصه ولا البناء عليه، ويجب هدم البناء ولا يزاد على تراب القبر من غيره للنهي عنه رواه أبو داود. ولا يجوز تقبيله ولا تخليقه ولا تبخيره ولا الجلوس عليه ولا التخلي عليه وكذلك بين القبور، ولا الاستشفاء بترابه. ويحرم إسراجه واتخاذ المسجد عليه ويجب هدمه. ولا يمشي بالنعل في المقبرة للحديث قال أحمد: وإسناده جيد.
وتسن زيارة القبور بلا سفر لقوله ﷺ "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد".[17] ولا يجوز للنساء لقوله ﷺ: "لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج" [18] ورواه أهل السنن، ويكره التمسح به والصلاة عنده وقصده لأجل الدعاء، فهذه من المنكرات بل من شعب الشرك. ويقول الزائر والمار بالقبر: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم".
ويخير بين تعريفه وتنكيره في سلامه على الحي، وابتداؤه سنة، ورده واجب. ولو سلم على إنسان ثم لقيه ثانيا وثالثا أو أكثر سلم عليه. ولا يجوز الانحناء في السلام ولا يسلم على أجنبية إلا عجوز لا تشتهى. ويسلم عند الانصراف، وإذا دخل على أهله سلم وقال: "اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج، بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا، وعلى الله توكلنا". وتسن المصافحة لحديث أنس، ولا يجوز مصافحة المرأة، ويسلم على الصبيان، ويسلم الصغير والقليل والماشي والراكب على ضدهم. وإن بلغه رجل سلام آخر استحب له أن يقول: "عليك وعليه السلام".
ويستحب لكل واحد من المتلاقيين أن يحرص على الابتداء بالسلام ولا يزيد على قوله: "السلام عليكم ورحمه الله وبركاته". وإذا تثاءب كظم ما استطاع فإن غلبه غطى فمه. وإذا عطس خمر وجهه وغض صوته وحمد الله تعالى جهرا بحيث يسمع جليسه، ويقول سامعه: يرحمك الله. ويرد عليه العاطس بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم. ولا يشمت من لا يحمد الله. وإن عطس ثانيا وثالثا شمته وبعدها يدعو له بالعافية.
ويجب الاستئذان على من أراد الدخول عليه من قريب وأجنبي، فإن أذن له وإلا رجع، والاستئذان ثلاثا لا يزيد عليها، وصفة الاستئذان: "السلام عليكم. أأدخل؟" ويجلس حيث ينتهي به المجلس، ولا يفرق بين اثنين إلا بإذنهما.
ويستحب تعزية المصاب بالميت، ويكره الجلوس لها ولا تعيين فيما يقول المعزي، بل يحثه على الصبر ويعده بالأجر، ويدعو للميت ويقول المصاب: "الحمد لله رب العالمين، إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها"، وإن صلى عملا بقوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} فحسن، فعله ابن عباس، والصبر واجب.
ولا يكره البكاء على الميت، وتحرم النياحة. والنبي ﷺ بريء من الصالقة والحالقة والشاقة، فالصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة التي تحلق شعرها، والشاقة التي تشق ثوبها ويحرم إظهار الجزع.
كتاب الزكاة
تجب في بهيمة الأنعام والخارج من الأرض والأثمان وعروض التجارة بشروط خمسة: الإسلام، والحرية، وملك النصاب، وتمام الملك والحول، وتجب في مال الصبي والمجنون، روي عن عمر وابن عباس وغيرهما، ولا يعرف لهما مخالف، وتجب فيما زاد على النصاب بالحساب إلا في السائمة فلا زكاة في وقصها، ولا في الموقوف على غير معين كالمساجد، وتجب في غلة أرض موقوفة على معين.
ومن له دين على مليء كقرض وصداق جرى في حول الزكاة من حين ملكه ويزكيه إذا قبضه أو شيئا منه. وهو ظاهر إجماع الصحابة ولو لم يبلغ المقبوض نصابا، ويجزئ إخراجها قبل قبضه لقيام سبب الوجوب لكن تأخيرها إلى القبض رخصة فليس كتعجيل الزكاة، ولو كان بيده بعض نصاب وباقيه دين أو ضال زكى ما بيده.
وتجب أيضا في دين على غير مليء ومغصوب ومجهود إذا قبضه، روي عن علي وابن عباس للعموم، وإذا استفاد مالا فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول الإنتاج السائمة وربح التجارة لقول عمر: "اعتد عليهم بالسخلة ولا تأخذها منهم" رواه مالك، ولقول علي، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة.
ويضم المستفاد إلى ما بيده إن كان نصابا من جنسه أو في حكمه كفضة مع ذهب، فإن لم يكن من جنس النصاب ولا في حكمه فله حكم نفسه.
باب زكاة بهيمة الأنعام
لا تجب إلا في السائمة وهي التي ترعى أكثر الحول، فلو اشترى لها أو جمع لها ما تأكل فلا زكاة فيها. وهي ثلاثة أنواع:
(أحدها): الإبل، فلا زكاة فيها حتى تبلغ خمسا ففيها شاة. وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه إجماعا في ذلك كله. فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض وهي التي لها سنة. فإن عدمها أجزأه ابن لبون وهو ما له سنتان. وفي ست وثلاثين بنت لبون، وفي ست وأربعين حقة لها ثلاث سنين، وفي إحدى وستين جذعة لها أربع سنين، وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان، وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون. ثم تستقر الفريضة في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة. فإذا بلغت مائتين اتفق الفرضان فإن شاء أخرج أربع حقائق، وإن شاء خمس بنات لبون.
(الثاني): البقر، ولا زكاة فيها حتى تبلغ ثلاثين فيجب فيها تبيع أو تبيعة كل منهما له سنة، وفي أربعين مسنة لها سنتان، وفي ستين تبيعان، ثم في كل ثلاثين تبيع،. وفي كل أربعين مسنة.
(الثالث): الغنم، ولا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين ففيها شاة إلى مائة وعشرين. فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين. فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ففيها أربع شياه، ثم في كل مائة شاة. ولا يؤخذ تيس ولا هرمة أي كبيرة، ولا ذات عوار أي عيب، ولا تؤخذ الربى وهي التي لها ولد تربيه، ولا حامل، ولا السمينة، ولا خيار المال لقوله ﷺ: "ولكن من أوسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره" [9] رواه أبو داود. والخلطة في المواشي تصير المالين كالمال الواحد.
باب زكاة الخارج من الأرض
تجب في كل مكيل مدخر من قوت وغيره بشرطين: أحدهما: بلوغ النصاب وهو خمسة أوسق - والوسق ستون صاعا وتضم ثمرة العام الواحد وزرعه بعضها إلى بعض في تكميل النصاب. الثاني: أن يكون النصاب مملوكا له وقت الوجوب، فلا تجب فيما يكتسب اللقاط، أو يوهب له، أو يأخذه أجرة لحصاده. ويجب العشر فيما سقي بلا مؤنة، ونصفه بها، وثلاثة أرباع بهما. فإن تفاوتا فبأكثرهما نفعا، ومع الجهل العشر.
ويجب إخراج زكاة الحب مصفى والثمر يابسا. ولا يصح شراء زكاته ولا صدقته، فإن رجعت إليه بإرث جاز. ويبعث الإمام خارصا ويكفي واحد، ويترك الخارص له ما يكفيه وعياله رطبا؛ فإن لم يترك فلرب المال أخذه. وكره أحمد الحصاد والجذاذ ليلا، ولا تتكرر زكاة معشرات ولو بقيت أحوالا ما لم تكن للتجارة فتقوم عند كل حول.
باب زكاة النقدين
نصاب الذهب عشرون مثقالا، ونصاب الفضة مائتا درهم. وفي ذلك ربع العشر، ويضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب، وتضم قيمة العروض إلى كل منهما. ولا زكاة في حلي مباح، فإن أعد للتجارة ففيه الزكاة. ويباح للذكر من الفضة الخاتم، وهو في خنصر يسراه أفضل. وضعف أحمد التختم في اليمين.
ويكره لرجل وامرأة خاتم حديد وصفر ونحاس، نص عليه. ويباح من الفضة قبيعة السيف وحلية المنطقة لأن الصحابة رضي الله عنهم اتخذوا المناطق محلاة بالفضة، ويباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت عادتهن بلبسه.
ويحرم تشبه رجل بامرأة وعكسه في لباس وغيره.
باب زكاة العروض
تجب فيها إذ بلغت قيمتها نصابا إذا كانت للتجارة. ولا زكاة فيما أعد للكراء من عقار وحيوان وغيرهما.
باب زكاة الفطر
وهي طهرة للصائم من اللغو والرفث، وهي فرض عين على كل مسلم إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته صاع عنه وعمن يمونه من المسلمين، ولا تلزمه عن الأجير، فإن لم يجد عن الجميع بدأ بنفسه ثم الأقرب فالأقرب. ولا تجب عن الجنين إجماعا، ومن تبرع بمؤنة مسلم شهر رمضان لزمته فطرته. ويجوز تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز تأخيرها عن يوم الفطر، فإن فعل أثم وقضى، والأفضل يوم العيد قبل الصلاة. والواجب صاع من تمر أو بر أو زبيب أو شعير أو أقط، فإن عدمها أخرج ما يقوم مقامها من قوت البلد. وأحب أحمد تنقية الطعام وحكاه عن ابن سيرين، ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد وعكسه.
باب إخراج الزكاة
لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها مع إمكانه إلا لغيبة الإمام أو المستحق، وكذا الساعي له تأخيرها عند ربها لعذر قحط ونحوه كمجاعة. احتج أحمد بفعل عمر.
باب أهل الزكاة
وهم ثمانية لا يجوز صرفها إلى غيرهم للآية:
الأول والثاني: الفقراء والمساكين. ولا يجوز السؤال وله ما يغنيه، ولا بأس بمسألة شرب الماء والاستعارة والاستقراض، ويجب إطعام الجائع وكسوة العاري وفك الأسير.
الثالث: العاملون عليها كجاب وكاتب وعداد وكيال، ولا يجوز من ذوي القربى، وإن شاء الإمام أرسله من غير عقد، وإن شاء ذكر له شيئا معلوما.
الرابع: المؤلفة قلوبهم وهم السادات المطاعون في عشائرهم من كافر يرجى إسلامه أو مسلم يرجى بعطائه قوة إيمانه أو إسلام نظيره أو نصحه أو كف شره، ولا يحل للمسلم أن يأخذ ما يعطى لكف شره كرشوة.
الخامس: الرقاب وهم المكاتبون، ويجوز أن يفدى بها أسير مسلم بأيدي الكفار لأنه فك رقبة، ويجوز أن يشتري منها رقبة ويعتقها لعموم قوله: {وَفِي الرِّقَابِ}
السادس: الغارمون وهم المدينون، وهم ضربان: أحدهما من غرم لإصلاح ذات البين، وهو من تحمل مالا لتسكين فتنة. الثاني: من استدان لنفسه في مباح.
السابع: في سبيل الله وهم الغزاة فيدفع لهم كفاية غزوهم ولو مع غناهم، والحج في سبيل الله.
الثامن: ابن السبيل وهو المسافر المنقطع به الذي ليس معه ما يوصله إلى بلده، فيعطى ما يوصله إليه ولو مع غناه ببلده. وإن ادعى الفقر من لا يعرف بالغنى قبل قوله وإن كان جلدا وعرف له كسب لم يجز إعطاؤه، وإن لم يعرف له كسب أعطي بعد إخباره أنه لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب. وإن كان الأجنبي أحوج فلا يعطى القريب، ويمنع البعيد ولا يحابي بها قريبا، ولا يدفع بها مذمة، ولا يستخدم بها أحدا، ولا يقي بها ماله.
وصدقة التطوع مسنونة كل وقت، وسرا أفضل، وكذلك في الصحة وبطيب نفس، وفي رمضان لفعله ﷺ، وفي أوقات الحاجة لقوله تعالى: {فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ}. وهي على القريب صدقة وصلة ولاسيما مع العداوة لقوله ﷺ: "تصل من قطعك" [19] ثم الجار لقوله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} ومن اشتدت حاجته لقوله تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}. ولا يتصدق بما يضره أو يضر غريمه أو من تلزمه مؤنته.
ومن أراد الصدقة بماله كله وله عائلة يكفيهم بكسبه وعلم من نفسه حسن التوكل استحب، لقصة الصديق، وإلا لم يجز ويحجر عليه. ويكره لمن لا صبر له على الضيق أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة. ويحرم المن في الصدقة وهو كبيرة يبطل ثوابها. ومن أخرج شيئا يتصدق به ثم عارضه شيء استحب له أن يمضيه، وكان "عمرو ابن العاص إذا أخرج طعاما لسائل فلم يجده عزله" ويتصدق بالجيد، ولا يقصد الخبيث فيتصدق به، وأفضلها جهد المقل ولا يعارضه خبر: "خير الصدقة ماكان عن ظهر غنى" [17] المراد جهد المقل بعد حاجة عياله.
كتاب الصيام
صوم رمضان أحد أركان الإسلام، وفرض في السنة الثانية من الهجرة، فصام رسول الله ﷺ تسع رمضانات. ويستحب ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، ويجب صوم رمضان برؤية هلاله فإن لم ير مع الصحو أكملوا ثلاثين يوما ثم صاموا من غير خلاف. وإذا رأى الهلال كبر ثلاثا وقال: "اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضاه، ربي وربك الله هلال خير ورشد" [20] ويقبل فيه قول واحد عدل حكاه الترمذي عن أكثر العلماء؛ وإن رآه وحده وردت شهادته لزمه الصوم ولا يفطر إلا مع الناس، وإذا رأى هلال شوال لم يفطر.
والمسافر يفطر إذا فارق بيوت قريته، والأفضل له الصوم خروجا من خلاف أكثر العلماء. والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما أبيح لهما الفطر، فإن خافتا على ولديهما فقط أطعمتا عن كل يوم مسكينا. والمريض إذا خاف ضررا كره صومه للآية. من عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا. وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار أو دخل إلى حلقه ماء بلا قصد لم يفطر.
ولا يصح الصوم الواجب إلا بنية من الليل، ويصح صوم النفل بنية من النهار قبل الزوال وبعده.
باب ما يفسد الصوم
من أكل أو شرب، أو استعط بدهن أو غيره فوصل إلى حلقه، أو احتقن أو استقاء فقاء، أو حجم أو احتجم فسد صومه، ولا يفطر ناس بشيء من ذلك. وله الأكل والشرب مع شك في طلوع الفجر لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}.
ومن أفطر بالجماع فعليه كفارة ظهار مع القضاء، وتكره القبلة لمن تتحرك شهوته. ويجب اجتناب كذب وغيبة وشتم ونميمة كل وقت لكن للصائم آكد، ويسن كفه عما يكره، وإن شتمه أحد فليقل: إني صائم.
ويسن تعجيل الفطر إذا تحقق الغروب وله الفطر بغلبة الظن، ويسن تأخير السحور ما لم يخش طلوع الفجر، وتحصل فضيلة السحور بأكل أو شرب وإن قل. ويفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى التمر، فإن لم يجد فعلى الماء، ويدعو عند فطره. ومن فطر صائما فله مثل أجره.
ويستحب الإكثار من قراءة القرآن في رمضان والذكر والصدقة. وأفضل صيام التطوع صيام يوم وإفطار يوم، ويسن صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأيام البيض أفضل، ويسن صوم يوم الخميس والاثنين وستة أيام من شوال ولو متفرقة، وصوم تسع ذي الحجة وآكدها التاسع وهو يوم عرفة وصوم المحرم وأفضله التاسع والعاشر.
ويسن الجمع بينهما وكل ما ذكر في يوم عاشوراء من الأعمال غير الصيام فلا أصل له، بل هو بدعة. ويكره إفراد رجب بالصوم، وكل حديث في فضل صومه والصلاة فيه فهو كذب.
ويكره إفراد الجمعة بالصوم. ويكره تقدم رمضان بيوم أو يومين. ويكره الوصال. ويحرم صوم العيدين وأيام التشريق. ويكره صوم الدهر. وليلة القدر معظمة يرجى إجابة الدعاء فيها لقوله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}. قال المفسرون: في قيامها والعمل فيها خير من قيام ألف شهر خالية منها. وسميت ليلة القدر لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، وهي مختصة بالعشر الأواخر وليالي الوتر، وآكدها ليلة سبع وعشرين. ويدعو فيها بما علمه النبي ﷺ لعائشة: "اللهم إنك عفو كريم تحب العفو، فاعف عني".[21] والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
هامش
- ↑ أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي
- ↑ 2٫0 2٫1 النسائي وأحمد
- ↑ جاء في حاشية نسخة أشرف على تصحيحها الشيخ: محمد بن عبد العزيز بن مانع ما نصه: قوله: أسألك بحق السائلين إلخ قد ورد بذلك حديث ولم يجزم تقي الدين ابن تيمية بصحته وذكر غيره أن في سنده (عطية العوفي) وهو شيعي مدلس فلا يعتد على نقله. وعلى تقدير صحته فقد أوله العلماء: بأن حق السائلين الإجابة وحق ممشاي الإثابة ونحو ذلك وإجابة الدعاء والإثابة على الأعمال الصالحة من الله تعالى فلا يحتج به على سؤال الله بأحد من خلقه فهو منهي عنه غير جائز.
- ↑ 4٫00 4٫01 4٫02 4٫03 4٫04 4٫05 4٫06 4٫07 4٫08 4٫09 4٫10 4٫11 4٫12 متفق عليه
- ↑ 5٫0 5٫1 5٫2 5٫3 5٫4 5٫5 5٫6 5٫7 5٫8 مسلم
- ↑ أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد
- ↑ النسائي وابن ماجة وأحمد والدارمي
- ↑ سنن ابن ماجه وأحمد والدارمي
- ↑ 9٫0 9٫1 9٫2 9٫3 9٫4 أبو داود
- ↑ أصحاب السنن وأحمد والدارمي
- ↑ سنن أبي داود والترمذي وأحمد والدارمي
- ↑ صحيح مسلم
- ↑ صحيح البخاري
- ↑ الترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي
- ↑ أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد
- ↑ الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد
- ↑ 17٫0 17٫1 البخاري
- ↑ أصحاب السنن وأحمد
- ↑ مسند أحمد
- ↑ سنن الدارمي
- ↑ الترمذي وابن ماجه