► فهرس :إسلام | ☰ |
{{{{{1}}}}}
☰ جدول المحتويات
- مقدمة المؤلف (رحمه الله)
- سبب تأليفه كتاب التوحيد
- كتاب التوحيد
- إثبات النفس لله من الكتاب
- باب ذكر البيان من خبر النبي ﷺ في إثبات النفس لله على مثل موافقة التنزيل الذي بين الدفتين مسطور وفي المحاريب والمساجد والبيوت والسكك مقروء
- باب ذكر إثبات العلم لله جل وعلا
- باب ذكر إثبات وجه الله
- باب ذكر البيان من أخبار النبي المصطفى ﷺ في إثبات الوجه لله جل ثناؤه وتباركت أسماؤه موافقة لما تلونا من التنزيل الذي هو بالقلوب محفوظ وبين الدفتين مكتوب وفي المحاريب والكتاتيب مقروء
- باب ذكر صورة ربنا جل وعلا
- باب ذكر أخبار رويت عن النبي
- باب ذكر إثبات العين لله جل وعلا
- باب إثبات السمع والرؤيه لله جل وعل
- باب البيان من سنن النبي ﷺ
- باب ذكر إثبات اليد للخالق البارئ جل وعلا
- باب ذكر البيان من سنة النبي ﷺ
- باب ذكر قصة ثابتة في إثبات يد الله جل ثناؤه
- باب ذكر سنة ثالثة في إثبات اليد لله الخالق البارئ
- باب ذكر سنة رابعة مبينة ليدي خالقنا
- باب ذكر سنة خامسة تثبت أن لمعبودنا يدا
- باب ذكر صفة خلق الله آدم ﷺ
- باب ذكر سنة سابعة تثبت يد الله
- باب ذكر سنة ثامنة
- باب ذكر سنة تاسعة تثبت يد الله جل وعلا
- باب ذكر سنة عاشرة
- باب تمجيد الرب نفسه
- باب ذكر السنة الثانية عشرة
- باب السنة الثالثة عشرة في إثبات يدي الله
- باب ذكر إمساك الله اسمه وجل ثناءه السموات والأرض وما عليها على أصابعه
- باب إثبات الأصابع لله
- باب ذكر إثبات الرجل لله
- باب ذكر استواء خالقنا العلي الأعلى
- باب ذكر البيان أن الله في السماء
- باب ذكر سنن النبي ﷺ
- باب ذكر الدليل على أن الإقرار بأن الله في السماء من الإيمان
- باب أخبار ثابتة السند صحيحة القوام
- أبواب إثبات صفة الكلام لله
- باب ذكر تكليم الله كليمه موسى..
- الأدلة من الكتاب
- الأدلة من السنة
- باب ذكر البيان
- باب صفة تكلم الله بالوحي وشدة خوف السموات منه وذكر صعق أهل السموات وسجودهم لله عزوجل
- باب من صفة تكلم الله بالوحي
- باب صفة نزول الوحي على النبي ﷺ
- باب إن الله جل وعلا يكلم عباده يوم القيامة من غير ترجمان يكون بين الله وبين عباده بذكر لفظ عام مراده خاص
- باب ذكر بعض ما يكلم به الخالق جل وعلا عباده
- باب ذكر البيان الشافي لصحة ما ترجمته للباب قبل هذا
- باب الفرق بين كلام الله تباركت أسماؤه وجل ثناؤه المؤمن الذي قد ستر الله عليه ذنوبه وبين كلام الله الكافر الذي كان في الدنيا غير مؤمن بالله العظيم كاذبا على ربه ضالا عن سبيله كافرا بالآخرة
- باب ذكر البيان من كتاب ربنا المنزل على نبيه المصطفى ﷺ ومن سنة نبينا محمد ﷺ على الفرق بين كلام الله الذي به يكون خلقه وبين خلقه الذي يكون بكلامه وقوله والدليل على نبذ قول الجهمية الذين يزعمون أن كلام الله مخلوق جل ربنا وعز عن ذلك
- الأدلة من الكتاب
- الفرق بين الخلق والأمر
- الأدلة من السنة
- تابع الأدلة من السنة
- باب من الأدلة التي تدل على أن القرآن كلام الله الخالق وقوله غير مخلوق لا كما زعمت الكفرة من الجهمية المعطلة
- باب ذكر البيان أن الله ينظر إليه جميع المؤمنين يوم القيام برهم وفاجرهم وإن رغمت أنوف الجهمية المعطلة المنكرة لصفات خالقنا جل ذكره
- باب ذكر البيان
- باب ذكر البيان أن جميع المؤمنين يرون الله يوم القيامة مخليا به وذكر تشبيه النبي ﷺ برؤية القمر خالقهم ذلك اليوم بما يدرك عليه في الدنيا عيانا ونظرا ورؤية
- باب ذكر البيان
- باب ذكر الأخبار المأثورة
- باب ذكر أخبار رويت عن عائشة
- ذكر حكاية معمر سمعت عمي يحكيه عن عبد الرزاق عن معمر في خبر ليس إسناده من شرطنا
- باب ذكر إثبات ضحك ربنا
- باب ذكر أبواب شفاعة النبي ﷺ
- باب ذكر الشفاعة التي خص الله بها النبي ﷺ
- باب ذكر الدليل أن هذه الشفاعة التي وصفنا أنها أول الشفاعات هي التي يشفع بها النبي ﷺ ليقضي الله بين الخلق فعندها يأمره الله أن يدخل من لا حساب عليه من أمته الجنة من الباب الأيمن فهو أول الناس دخولا الجنة من المؤمنين
- باب ذكر البيان أن هذه الشفاعة التي ذكرت أنها أول الشفاعات إنما هي قبل مرور الناس على الصراط حين تزلف الجنة فإن الله قال وأزلفت الجنة للمتقين
- باب ذكر البيان أن للنبي ﷺ شفاعات يوم القيامة في مقام واحد واحدة بعد أخرى
- ذكر البيان أن النبي ﷺ أول شافع وأول مشفع يوم القيامة
- باب ذكر شدة شفقة النبي ﷺ ورأفته ورحمته بأمته وفضل شفقته على أمته، على شفقة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم على أممهم
- باب ذكر الدليل على صحة ما أولت قوله يدعو بها أن معناها قد دعا بها على ما حكيته عن العرب أنها تقول يفعل في موضع فعل
- باب ذكر ما كان من تخيير الله نبيه محمدا ﷺ بين إدخال نصف أمته الجنة وبين الشفاعة فاختار النبي ﷺ لأمته الشفاعة إذ هي أعم وأكثر وأنفع لأمته خير الأمم من إدخال بعضهم الجنة
- باب ذكر الدليل على أن الأنبياء قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين إنما دعا بعضهم فيما كان الله جعل لهم من الدعوة المجابة سألوها ربهم ودعا بعضهم بتلك الدعوة على قومه ليهلكوا في الدنيا والدليل على أنه لم يكن أحد منهم أرأف بأمته من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تسليما لأنه اختبأ دعوته شفاعة لأمته يوم القيامة
- باب ذكر لفظة رويت عن النبي ﷺ في ذكر الشفاعة حسبت المعتزلة والخوارج وكثير من أهل البدع وغيرهم لجهلهم بالعلم وقلة معرفتهم بأخبار النبي ﷺ أنها تضاد قول النبي ﷺ عند ذكر الشفاعة إنها لكل مسلم وليست كما توهمت هؤلاء الجهال بحمد الله ونعمته وسأبين بتوفيق خالقنا أنها ليست متضادة
- باب ذكر الدليل على أن النبي ﷺ إنما أراد بالكبائر في هذا الموضع ما هو دون الشرك من الذنوب
- باب ذكر البيان أن شفاعة النبي ﷺ التي ذكرت أنها لأهل الكبائر وهي على ما تأولته وأنها لمن قد أدخل النار من غير أهل النار والذين هم أهلها أهل الخلود فيها بل لقوم من أهل التوحيد ارتكبوا ذنوبا وخطايا فأدخلوا النار ليصيبهم سفعا منها
- باب إرضاء الله تعالى نبيه محمدا ﷺ في الشفاعة يوم القيامة مرة بعد أخرى حتى يقر بأنه قد رضي بما قد أعطى في أمته من الشفاعة
- باب ذكر البيان أن من قضاء الله إخراجهم من أهل النار من أهل التوحيد بالشفاعة يصيرون فيها فحما يميتهم الله فيها إماتة واحدة ثم يؤذن بعد ذلك في الشفاعة وصفة إحياء الله إياهم بعد إخراجهم من النار وقبل دخولهم الجنة بلفظة عامة مرادها خاص
- باب ذكر البيان أن هؤلاء الذين ذكروا في هذه الأخبار أنهم يخرجون من النار فيدخلون الجنة إنما يخرجون من النار بالشفاعة في خبر ابن عليه أذن بالشفاعة فجيء بهم
- باب ذكر الدليل على أن النبي ﷺ إنما أراد بقوله فيصيرون فحما أي أبدانهم خلا صورهم وآثار السجود منهم إن الله حرم على النار أكل أثر السجود من أهل التوحيد بالله فنعوذ به من النار وعذابها
- باب ذكر البيان أن من قضى الله إخراجهم من النار من أهل التوحيد الذين ليسوا بأهل النار أهل الخلود فيها يموتون فيها إماتة واحدة تميتهم النار إماتة ثم يخرجون منها فيدخلون الجنة لا أنهم يكونون أحياء يذوقون العذاب ويألمون من حر النار حتى يخرجوا منها
- باب ذكر خبر روى عن النبي ﷺ في إخراج شاهد أن لا إله إلا الله من النار
- باب ذكر البيان أن النبي ﷺ يشفع للشاهد لله بالتوحيد الموحد لله بلسانه إذا كان مخلصا ومصدقا بذلك بقلبه، لا لمن تكون شهادته بذلك عن تصديق القلب
- باب ذكر خبر دال على حصة ما تأولت على صحة ما تأولت إنما يخرج من النار شاهد أن لا إله إلا الله إذا كان مصدقا بقلبه بما شهد به لسانه إلا أنه كنى عن التصديق بالقلب بالخير فعاند بعض أهل الجهل والعناد وادعى أن ذكر الخير في هذا الخبر ليس بإيمان قلة علم بدين الله وجرأة في تسمية المنافقين مؤمنين
- باب ذكر الأخبار المصرحة عن النبي ﷺ أنه قال إنما يخرج من النار من كان في قلبه في الدنيا إيمان دون من لم يكن في قلبه في الدنيا إيمان
- باب ذكر البيان أن المقام الذي يشفع فيه النبي ﷺ لأمته هو المقام المحمود الذي وعده الله في قوله عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا
- باب ذكر الدليل أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري لها إلى هذا الموضع في شفاعة النبي ﷺ في إخراج أهل التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة مرادها خاص
- باب ذكر البيان أن الصديقين يتلون النبي ﷺ في الشفاعة يوم القيامة ثم سائر الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين يتلون الصديقين ثم الشهداء يتلون الأنبياء عليهم السلام إن صح الحديث
- باب ذكر كثر من يشفع له الرجل الواحد من هذه الأمة مع الدليل على صحة ما ذكرت قبل أن يشفع يوم القيامة غير الأنبياء عليهم السلام
- باب ذكر ما يعطي الله من نعم الجنة وملكها تفضلا منه وسعة رحمته آخر من يخرج من النار فيدخل الجنة ممن يخرج من النار حبوا وزحفا لا من يخرج منها بالشفاعة بعد ما محشتهم النار وأماتهم فصاروا فحما قبل أن يخرجه الله بتفضيله وكرمه وجوده
- باب ذكر البيان أن الرجل الذي ذكرنا صفته وخبرنا أنه آخر أهل النار خروجا من النار ممن يخرج من النار زحفا لا ممن يخرج بالشفاعة وهو آخر أهل الجنة دخولا الجنة وأن من يخرج بالشفاعة يدخلون الجنة قبله وأن هذا الواحد يبقى بعدهم بين الجنة والنار ثم يدخله الله بعد ذلك الجنة بفضله ورحمته لا بشفاعة أحد ويعطيه تفضلا منه وكرما وجودا ما ذكر في الخبر من الجنة مع الدليل على أن الله عزوجل يخرج من النار ممن قد أحرقتهم النار خلا آثار السجود منهم قبل القضاء بين جميع الناس
- باب ذكر البيان أن النار إنما تأخذ من أجساد الموحدين وتصيب منهم على قدر ذنوبهم وخطاياهم وحوباتهم التي كانوا ارتكبوها في الدنيا مع الدليل على ضد قول من زعم ممن لم يتحر العلم ولا فهم أخبار النبي ﷺ أن النار لا تصيب أهل التوحيد ولا تمسهم وإنما يصيبهم حرها وأذاها وغمها وشدتها مع الدليل على أنه قد يدخل النار بارتكاب المعاصي في الدنيا إذا لم يتفضل الله ولم يتكرم بغفرانها من كان في الدنيا يعمل الأعمال الصالحة من الصيام والزكاة والحج والغزو وكيف يأمن يا ذوي الحجا النار من يوحد الله ولا يعمل من الأعمال الصالحة شيئا
- باب ذكر أخبار رويت عن النبي ﷺ ثابتة من جهة النقل جهل معناها فرقتان
- باب ذكر أخبار ثابتة السند صحيحة القوام قد يحسب كثير من أهل الجهل أنها خلاف هذه الأخبار التي قدمنا ذكرها لاختلاف ألفاظها وليست عندنا مخالفة لسر معناها ونؤلف بين المراد من كل منها بعد ذكرنا الأخبار بألفاظها إن الله وفق لذلك وشاءه
- باب ذكر أخبار رويت أيضا في حرمان الجنة على من ارتكب بعض المعاصي التي لا تزيل الإيمان بأسره وجهل معناها المعتزلة والخوارج فأزلوا اسم المؤمن عن مرتكبها ومرتكبي بعضها أنا ذكارها بأسانيدها ومبين معانيها ومؤلف بين معانيها ومعاني الأخبار التي قدما ذكرها التي احتج بها المرجئة وتوهمت أن مرتكب هذه الذنوب والخطايا كامل الإيمان لا نقص في إيمانهم إن وفق الله ذلك وشاء
- باب ذكر الدليل على أن قوله
- باب ذكر موضع عرش الله قبل خلق السموات
مقدمة المؤلف (رحمه الله)
الحمد الله العلي العظيم السميع البصير الحكيم الكريم اللطيف الخبير، ذي النعم السوابغ والفضل الواسع والحجج البوالغ، تعالى ربنا عن صفات المحددين؛ وتقدس عن شبه المخلوقين؛ وتنزه عن ما قالة المعطلين؛ علا ربنا فكان فوق سبع سمواتة عاليا؛ ثم على عرشه استوى؛ يعلم السر واخفى؛ ويسمع الكلام والنجوى؛ لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء؛ ولا في لجج البحار؛ ولا في الهواء.
والحمد لله الذي أنزل القرآن بعلمه؛ وأنشأ خلق الآنسان من تراب بيده؛ ثم كونة بكلمتة واصطفى رسوله إبراهيم "عليه السلام" بخلته؛ ونادى كليمه موسى صلوات الله عليه فقربه نجيا؛ وكلمه تكليما؛ وأمر نبيه نوحا ﷺ بصنعة الفك على عينه؛ وخبرنا أن أنثى لا تحمل ولا تضع إلا بعلمه؛ كما أعلمنا أن كل شيء هالك إلا وجهه؛ وحذر عباده نفسه التي لا تشبه أنفس المخلوقين.
(أحمده) على ما منّ عليّ من الإيمان بجميع صفات ربي «عَزَّ وجَلّ» التي وصف بها نفسه في الحكم تنزيله وعلى لسان نبيه ﷺ حمد شاكر لنعمائه التي لا يحصها أحد سواه.
(وأشكره) شكرا مصدقا بحسن آلاءه، التي لا يقف على كثرتها غيره جل وعلا وأؤمن به إيمان معترف بوحدانيته راغب في جزيل ثوابه وعظيم ذخره بفضل كرمه وجوده، راهب وجل خائف من أليم عقابه من كثرة ذنوبه وخطإياه وحوباته.
(وأشهد) أن لا إله إلا الله؛ إلها واحدا فردا صمدا قاهرا رؤوفا رحيما؛ لم يتخذ صاحبة ولا ولدا؛ ولا شريكا له في ملكه؛ العدل في قضائة؛ الحكيم في فعاله؛ القائم بين خلقه بالقسط؛ الممتنّ على المؤمنين بفضله؛ بذل لهم الإحسان؛ وزين في قلوبهم الإيمان؛ وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان؛ وأنزل على نبيه الفرقان؛ علم القرآن؛ فتمت نعماء ربنا جل وعلا وعظمت آلاؤه على المطيعين له؛ فربنا (جل ثناؤه) المعبود موجودا والمحمود ممجدا.
(وأشهد) أن محمدا ﷺ رسوله المصطفى ونبيه المرتضى، اختاره الله لرسالته ومستودع أمانته، فجعله خاتم النبيين وخير خلق رب العالمين؛ أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الذين كله ولو كره المشركون؛ بعثه بالكتاب المسطور؛ في اللوح المحفوظ؛ فبلغ عن الله «عَزَّ وجَلّ» حقائق الرسالة؛ وأنقذ به أمته من الردى والضلالة؛ قام بأمر الله تعالى بما استرعاه ربه من حقه واستحفظه من تنزيله؛ حتى قبضه الله إلى كرامته ومنزله أهل ولايته؛ الذين رضي أعمالهم حميدا، رضيا سعيدا، كما سبق له من السعادة في اللوح المحفوظ، والإمام المبين، قبل أن ينشئ الله نسمته؛ فعليه صلوات الله وسلامه حيا محمودا؛ وميتا مفقودا؛ وأفضل صلاة وأنماها؛ وأزكاها وأطيبها؛ وأبقى الله في العالمين محبته؛ وفي المقربين مودته، وجعل في أعلى عليين درجته؛ صلى الله عليه وعلى آله الطيبين.
سبب تأليفه كتاب التوحيد
أما بعد: فقد أتى علينا برهة من الدهر وأنا كاره الاشتغال بتصنيف ما يشوبه شيء من حسن الكلام من الكتب؛ وكان أكثر شغلنا بتصنيف كتب الفقه التي هي خلو من الكلام في الأقدار الماضية التي قد كفر بها كثير من منتحلي الإسلام وفي صفات الله «عَزَّ وجَلّ» التي نفاها ولم يؤمن بها المعطلون؛ وغير ذلك من الكتب التي ليست كتب الفقه؛ وكنت أحسب أن ما يجري بيني وبين المناظرين من أهل الأهواء؛ في جنس الكلام في مجالسنا؛ ويظهر لأصحابي الذين يحضرون المجالس والمناظرة من إظهار حقنا على باطل مخالفينا كاف عن تصنيف الكتب على صحة مذهبنا وبطلان مذاهب القوم وغنية عن الإكثار في ذلك؛ فلما حدث في أمرنا ما حدث مما كان الله (قد قضاه وقدر كونه مما لا محيص لأحد ولا موئل عما قضى الله) كونه في اللوح المحفوظ قد سطره من حتم قضائه. فمنعنا عن الظهور ونشر العلم وتعليم مقتبس العلم ما كان الله قد أودعنا من هذه الصناعة، كنت أسمع من بعض أحداث طلاب العلم والحديث ممن لعله كان يحضر بعض مجالس أهل الزيغ والضلالة؛ من المعطلة؛ والقدرية المعتزلة؛ ما تخوفت أن يميل بعضهم عن الحق والصواب من القول؛ إلى البهت والضلال في هذين الجنسين من العلم؛ (فاحتسبت في تصنيف كتاب يجمع هذين) الجنسين من العلم بإثبات القول بالقضاء السابق؛ والمقادير النافذة قبل حدوث كسب العباد؛ والإيمان بجميع صفات الرحمن الخالق جلا وعلا؛ مما وصف الله به نفسه في محكم تنزيله؛ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد؛ وبما صح وثبت عن نبينا ﷺ بالأسانيد الثابتة الصحيحة؛ بنقل أهل العدالة موصولا إليه ﷺ؛ ليعلم الناطر في كتابنا هذا ممن وفقة الله لإدراك الحق والصواب؛ ومنّ عليه بالتوفيق لما يحب ويرضى صحة مذهب أهل الآثار في هذين الجنسين من العلم؛ وبطلان مذاهب أهل الأهواء والبدع؛ الذين هم في ربيهم وضلالتهم يعمهون. وبالله ثقتي؛ وإياه أسترشد؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قد بدأت كتاب القدر فأمليته؛ وهذا:
كتاب التوحيد
إثبات النفس لله «عَزَّ وجَلّ» من الكتاب
فأول ما نبدأ به من ذكر صفات خالقنا جل وعلا في كتابنا هذا: ذكر نفسه جل ربنا عن أن تكون نفسه كنفس خلقه؛ وعز أن يكون عدما لا نفس له؛ قال الله جل ذكره لنبيه محمد ﷺ: (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة) فأعلمنا ربنا أن له نفسا كتب عليها الرحمة: أي ليرحم بها من عمل سوءً بجهالة ثم تاب من بعده؛ على ما دل سياق هذه الآية؛ وهو قوله: (أنه من عمل منكم سوءً بجهالة ثم تاب من بعدة وأصلح فإنه غفور رحيم)؛ والله (جل ذكره) لكليمه موسى: (ثم جئت على قدر ياموسى واصطنعتك لنفسي)؛ الله أن له نفسا اصطنع لها كليمه موسى ﷺ؛ وقال جلا وعلا: (ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد) فثبت الله (أيضا) في هذه الآية أن له نفسا؛ وقال روح الله عيسى بن مريم مخاطبا ربه: (تعلم في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب)؛ فروح الله عيسى بن مريم يعلم أن لمعبوده نفسا.
باب ذكر البيان من خبر النبي ﷺ في إثبات النفس لله «عَزَّ وجَلّ» على مثل موافقة التنزيل الذي بين الدفتين مسطور وفي المحاريب والمساجد والبيوت والسكك مقروء
1 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال: ثنا أبو معاوية؛ قال: ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله ﷺ (يقول الله: أنا مع عبدي حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم).
2 - حدثنا عبد الله بن سعيد الأشج؛ قال: ثنا ابن نمير؛ قال: ثنا الأعمش بهذا السند مثله.
3 - حدثنا بشر بن خالد العسكري؛ قال: ثنا محمد - يعني بن جعفر - عن شعبة عن سليمان وهو الأعمش قال: سمعت ذكوان يحدث عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: (قال الله: عبدي عند ظنه بي وأنا معه إذا دعاني؛ إن ذكرني في نفسي ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم وأطيب).
4 - حدثنا محمد بن يحيى وعبد الرحمن بن بشر؛ قالا: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس قال رسول الله ﷺ قال الله : (ابن آدم اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي؛ فإن ذكرتني في ملإ ذكرتك في ملأ من الملائكة أو قال في ملأ خير منهم). فقال عبد الرحمن: ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي.
5 - حدثنا عبد الجبار بن العلا العطار، قال: ثنا سفيان عن محمد بن عبد الرحمن وهو مولى آل طلحة عن كريب، عن ابن عباس: (أن النبي ﷺ حين خرج إلى صلاة الصبح وجويرية جالسة في المسجد فرجع حين تعالى النهار قال: لم تزالي جالسة بعدي؟ قالت: نعم، قال: قد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت بهن لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ومداد كلماته، ورضى نفسه وزنة عرشه).
قال أبو بكر: (خبر شعبة عن محمد بن عبد الرحمن من هذا الباب خرجته في كتاب الدعاء).
6 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرني أنس بن عياض، عن الحرث وهو ابن أبي ذباب، عن عطاء بن مينا، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: (لما قضى الله الخلق كتب في كتابه على نفسه فهو موضوع عنده: أن رحمتي نالت غضبي).
(قال لنا يونس قال لنا أنس: نالت).
7 - حدثنا يحيي بن حبيب الحارثي، قال: حدثنا خالد - يعني ابن الحرث - عن محمد بن عجلان.
وحدثنا محمد بن العلا أبو كريب، قال: حدثنا أبو خالد عن ابن عجلان، عن أبي هريرة قال: (قال رسول الله ﷺ: (لما خلق الله الخلق كتب بيدة على نفسه أن رحمتي تغلب غضبي).
قال أبو بكر: فالله جلا وعلا أثبت في آي من كتابه أن له نفسا، وكذلك قد بين على لسان نبيه ﷺ أن له نفسا، كما أثبت النفس في كتابه، وكفرت الجهمية بهذه الآي، وهذه السنن، وزعم بعض جهلتهم أن الله تعالى إنما أضاف النفس إليه على معنى إضافة الخلق إليه، وزعم أن نفسه غيره، كما أن خلقه غيره وهذا لا يتوهمه ذو لب وعلم فضلا عن أن يتكلم به. قد أعلم الله في محكم تنزيله أنه كتب على نفسه الرحمة أفيتوهم مسلم أن الله تعالى كتب على غيره الرحمة؟ وحذر الله العباد نفسه. أفيحل لمسلم أن يقول: إن الله حذر العباد غيره؟ أو يتأول قوله لكليمه موسى: (واصطنعتك لنفسي) فيقول معناه: واصطنعتك لغيرى من الخلوق، أو يقول: أراد روح الله يقوله: (ولا أعلم ما في نفسك) أراد ولا أعلم ما في غيرك؟ هذا لا يتوهمه مسلم ولا يقوله إلا معطل كافر.
8 - حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا أبو النعمان قال: ثنا مهدي بن ميمون، قال: حدثني محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: (التقى آدم وموسى (عليهما السلام) فقال له موسى: أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة، قال آدم لموسى عليهما السلام: أنت الذي اصطفاك الله برسالاته واصطنعك لنفسه وأنزل عليك التوراة؟ قال: نعم، قال: فهل وجدته كتبه لي قبل أن يخلقني؟ قال: نعم، قال: فحج آدم موسى (عليهما السلام)، ثلاث مرات)، يريد: كرر هذا القول ثلاث مرات.
9 - حدثنا أبو موسى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا همام، قال: ثنا قتادة، عن أبي قلابة، عن ابن أسماء، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله ﷺ فيما يروى عن ربه : (إني حرمت على نفسي الظلم وعلى عبادي فلا تظالموا، كل بني آدم يخطئ بالليل والنهار ثم فاغفر له ولا أبالي، وقال: يا بني آدم كلكم كان ضالا إلا من هديت، وكلكم كان جائعا إلا من أطعمت)، فذكر الحديث.
10 - حدثنا محمد بن يحيى، ثنا أبو مسهر عبد الأعلى، بن مسهر، قال: ثنا سعيد ابن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر، عن رسول الله ﷺ عن الله : (أنه قال: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا).
باب ذكر إثبات العلم لله جل وعلا
تباركت أسماؤه وجل ثناؤه، بالوحي المنزل على النبي المصطفى ﷺ الذي يقرأ في المحاريب والكتاتيب من العلم الذي هو من علم العام، لا بنقل الأخبار التي هي من نقل علم الخاص، ضد قول الجهمية المعطلة الذين لا يؤمنون بكتاب الله، ويحرفون الكلم عن مواضعه، تشبها باليهود ينكرون أن لله علما، يزعمون أنهم يقولون إن الله هو العالم، وينكرون أن لله علما مضافا إليه من صفات الذات. قال الله جل وعلا في محكم تنزيله: (لكن الله يشهد بما أنزل إليك، أنزله بعلمه) وقال «عَزَّ وجَلّ»: (فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله). فأعلمنا الله أنه أنزل القرآن بعلمه، وخبّرنا جل ثناؤه أن أنثى لا تحمل ولا تضع إلا بعلمه فأضاف الله جل وعلا إلى نفسه العلم الذي خبرنا أنه أنزل القرآن بعلمه، وإن من أنثى لا تحمل ولا تضع لا بعلمه.
فكفرت الجهمية وأنكرت أن يكون لخالقنا علما مضافا إليه من صفات الذات تعالى الله عما يقول الطاعنون في علم الله علوا كبيرا، فيقال لهم: خبرونا عمن هو عالم بالأشياء كلها، أله علم أم لا؟ فإن قال: الله يعلم السر والنجوى وأخفى وهو بكل شيء عليم، قيل له: فمن هو عالم بالسر والنجوى وهو بكل شيء عليم، أله علم أم لا علم له؟ فلا جواب لهم لهذا السؤال إلا الهرب، (فبهت الذي كفر، والله لا يهدي القوم الظالمين).
باب ذكر إثبات وجه الله
الذي وصفه بالجلال والإكرام في قوله: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)، ونفى عنه الهلاك إذا أهلك الله ما قد قضى عليه الهلاك مما قد خلقه الله للفناء لا للبقاء (جل ربنا) عن أن يهلك شيء منه مما هو من صفات ذاته، قال الله جل وعلا: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).
وقال: (كل شيء هالك إلا وجهه) وقال لنبيه ﷺ: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه).
وقال: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله).
فأثبت الله لنفسه وجها بالجلال والإكرام، وحكم لوجهه بالبقاء، ونفى الهلاك عنه. فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر مذهبنا: أن نثبت لله ما أثبته الله لنفسه، نقر بذلك بألسنتنا، ونصدق ذلك بقلوبنا، من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين، عز ربنا عن أن يشبه المخلوقين، وجل ربنا عن مقالة المعطلين، وعز أن يكون عدما كما قاله المبطلون، لأن ما لا صفة له عدم؛ تعالى الله عما يقول الجهميون الذين ينكرون صفات خالقنا الذي وصف بها نفسه في محكم تنزيله، وعلى لسان نبيه محمد ﷺ. قال الله (جل ذكره) في سورة الروم: (فآت ذا القربى حقه) إلى قوله (ذلك خير للذين يريدون وجه الله) وقال: (وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله، وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله)، وقال: (إنما نطعمكم لوجه الله) وقال: (وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى).
باب ذكر البيان من أخبار النبي المصطفى ﷺ في إثبات الوجه لله جل ثناؤه وتباركت أسماؤه موافقة لما تلونا من التنزيل الذي هو بالقلوب محفوظ وبين الدفتين مكتوب وفي المحاريب والكتاتيب مقروء
11 - (1): حدثنا عبد الجبار بن العلى العطار وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي قالا: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر قال: لم نزلت هذه الآية على رسول الله ﷺ: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم) قال النبي ﷺ: (أعوذ بوجهك)، قال: (أو من تحت أرجلكم) قال النبي ﷺ: (أعوذ بوجهك الكريم)، قال: (أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض)، قال: (هاتان أهون وأيسر). هذا لفظ حديث المخزومي ومعنى حديثهما واحد.
12 - (2): حدثنا عبد الجبار بن العلاء ويعقوب بن إبراهيم الدورقي والحسين بن الحسين وأبو عمار الحسين بن حريث وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي، قالوا: ثنا سفيان، عن الزهري، عن عامر بن سعد عن أبيه، قال مرضت بمكة عام الفتح، فذكروا الحديث بتمامه.
وقالوا في الخبر قال: (قلت يا رسول الله أخلف عن هجرتي؟ فقال: إنك لن تخلف بعدي فتعمل عملا تريد به وجه الله إلا ازددت به رفعة ودرجة)، قال أبو بكر: قد أمليت طرق هذا الخبر في أبواب الوصايا.
13 - (3): حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال: ثنا حماد - يعني بن زيد - عن عطاء بن السائب، عن أبيه، قال: (كنا جلوسا في المسجد فدخل عمار بن فصلى صلاة أخفها، فمر بنا فقيل له: يا أبا اليقظان: خففت الصلاة فقال: أوخفيفة رأيتموها؟ قلنا: نعم، قال: أما إني قد دعوت فيها بدعاء قد سمعته من رسول الله ﷺ ثم مضى فاتّبعه رجل من القوم قال عطاء يرونه أبي اتبعه ولكنه كره أن يقول اتبعته، فسأله عن الدعاء ثم رجع فأخبرهم بالدعاء: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أجمعين أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي، اللهم وأسالك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق والعدل في الغضب والرضا، وأسالك القصد في الفقر والغنى وأسالك نعيما لا يبيد، وأسالك قرة عين لا تنقطع، وأسالك الرضا بعد القضاء، وأسالك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، وأسالك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين).
قال أبو بكر: ألا يعقل ذوو الحجا - يا طلاب العلم - أن النبي ﷺ لا يسأل ربه ما لا يجوز كونه، ففي مسألة النبي ﷺ ربه لذة النظر إلى وجهه أبين البيان وأوضح الوضوح أن لله «عَزَّ وجَلّ» وجها، يتلذذ بالنظر إليه مَن منّ الله جل وعلا عليه وتفضل بالنظر إلى وجهه.
وللنظر إلى وجهه يوم المعاد باب سيأتي في موضعه، منّ الله بهذه الكرامة على من يشاء من عباده المؤمنين.
قد أمليت أخبار النبي ﷺ: (من صام يوما في سبيل الله ابتغاء وجه الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا) بعضه في كتاب الجهاد، فأغنى ذلك عن تكراره في هذا الموضع.
14 - (4): وروى سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي نهيك، عن ابن عباس عن رسول الله ﷺ قال: (من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن ساءلكم بوجه الله فأعطوه).
حدثناه نصر بن علي الجهضمي، وإسماعيل بن بشر بن منصور السليمي، قالا: ثنا خالد بن الحرث، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة ...
15 - (5): ثنا أحمد بن داود الواسطي، قال: ثنا وهب - يعني ابن جرير - قال: ثنا شعبة، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة «رضي الله ع» عن النبي ﷺ قال: (مثل المجاهد في سبيل الله ابتغاء وجه الله، مثل القائم المصلي حتى يرجع المجاهد).
قال أبو بكر: قد أمليت هذا الباب في فضائل الجهاد.
16 - (6): حدثنا بشر بن خالد العسكري، قال: ثنا محمد، عن شعبة، عن سليمان - وهو الأعمش -، قال: سمعت أبا وائل، قال: قال عبد الله: (قسم رسول الله ﷺ قسما فقال رجل: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، فأتيت النبي ﷺ فذكرت ذلك له فاحمر وجهه، قال شعبة: وأظنه قال وغضب حتى وددت أني لم أخبره، قال شعبة: أحسبه قال: يرحمنا الله وموسى، شك شعبة في (يرحمنا الله وموسى) قد أوذي بأكثر من هذا فصبر).
قال أبو بكر: قد أمليت طرق هذا الحديث في باب صبر الإمام على أذى الرعية.
17 - (7): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا أبو المغيره، قال: ثنا أبو بكر - يعني ابن عبد الله بن أبي مريم الغساني -، قال: حدثني ضمرة بن حبيب، عن أبي الدرداء عن زيد بن ثابت: أن النبي ﷺ علمه وأمره أن يتعاهد أهله في كل صباح: (لبيك اللهم لبيك وسعديك، والخير في يديك، ومنك وإليك)، الحديث بتمامه، وفي هذا الحديث (اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك وشوقا إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة) الحديث بطوله أمليته في كتاب الدعاء.
قال أبو بكر: وهذا الخبر أيضا داخل في إثبات اليد لله «عَزَّ وجَلّ»، سيأتي أبواب إثبات اليد في موضعه من هذا الكتاب.
18 - (8): حدثنا محمد بن الحسن (بن) تسنيم، قال: ثنا محمد - يعني ابن بكر البرساني -، قال: ثنا أبو العوام - يعني عمران القطان -، عن عاصم عن أبي وائل: أن شبث بن ربعي صلى إلى جنب حذيفة، فبزق بين يديه فقال حذيفة إن رسول الله ﷺ نهى عن ذا، ثم قال: (إن المسلم إذا دخل في صلاته أقبل الله إليه بوجهه فيناجيه، فلا ينصرف حتى ينصرف عنه أو يحدث حدثا).
19 - (9): حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا يحيى قال: ثنا الأعمش قال: ثنا شقيق قال: كنا عند حذيفة، فقام شبث بن ربعي فصلى فبصق بين يديه، فقال له حذيفة: يا شبث: لا تبصق بين يديك، ولا عن يمينك (فإن عن يمينك) كاتب الحسنات، ولكن عن يسارك، أو من ورائك، فإن العبد إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم قام إلى الصلاة أقبل الله عليه بوجهه، فيناجيه فلا ينصرف عنه حتى ينصرف أو يحدث سوءً".
قال أبو بكر: لم أجد في كتابي "حتى ينصرف" وأظن الوراق أسقطه، خرجت هذا الباب في (كتاب الصلاة).
- (10): حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو داود، سليمان بن داود، قال: ثنا أبان - يعني بن يزيد -، عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن الحارث الأشعري، أن رسول الله ﷺ قال: (إن الله أوحى إلى يحيى بن زكريا ﷺ بخمس كلمات أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن)، فذكر الحديث بطوله، وقال في الحديث: (وإذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا، فإن الله يقبل بوجهه إلى وجه عبده).
قال أبو بكر: قد أمليت خبر أبي توبة الربيع بن نافع عن معاوية بن سلام بهذا الخبر بطوله في كتاب الصلاة.
فعيسى روح الله قد حث نبي الله يحيى بن زكريا أن يعلم بني إسرائيل ما أمره الله بإعلامه، وفيما أمر الله يحيى بن زكريا بإعلامه بني إسرائيل: أن الله يقبل بوجهه إلى وجه عبده إذا قام إلى الصلاة، ففي هذا ما بان وثبت وصح أن بني إسرائيل كانوا موقنين بأن لخالقهم وجها يقبل به إلى وجه المصلى له.
ونبينا ﷺ قد أعلم أمته ما أمر الله «عَزَّ وجَلّ» به يحيى بن زكريا عليهما السلام أن يأمر به بني إسرائيل لتعلم وتستيقن أمته أن لله وجها يقبل به على وجه المصلي له، كما أوحى إليه فيما أنزل عليه من الفرقان. (فأينما تولوا.. ) أي بصلاتكم (فثم وجه الله).
20 - (11): حدثنا عبد الله بن الحكم بن أبي زياد القطواني قال: حدثنا محمد - يعني ابن عبيد - قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن حبيب، عن ناعم مولى أم سلمة، عن عبد الله بن عمرو قال: حججنا معه حتى إذا كنا ببعض طريق مكة رأيته تيمم - وطرح شيء له فجلس تحتها، ثم قال: رأيت رسول الله ﷺ تحت هذه الشجرة، إذ أقبل رجل من هذا الشعب فسلم على رسول الله ﷺ ثم قال: يا رسول (الله): إني أريد الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، قال: هل من أبويك أحد حي؟ قال: نعم يا رسول الله كلاهما، قال: ارجع فابرر والديك قال: فولى راجعا من حيث جاء).
21 - (12): حدثنا علي بن الحسين الدرهمي، قال: ثنا أبو عبد الصمد العمي يعني: عبد العزيز بن عبد الصمد عن أبي عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه: (أن رسول الله ﷺ قال: جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتمها وما فيهما، وما بين أن القوم وبين أن ينظروا إلى وجه ربهم في جنة عدن إلا رداء الكبرياء على وجهه).
22 - (13): حدثنا عبد الله بن محمد الزهري قال: ثنا سفيان عن الأعمش، قال: سمعت أبا وائل يقول: سمعت خبابا يقول: (هاجرنا مع رسول الله ﷺ نبتغي وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من حسناته شيئا منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك بردة، فإذا جعلناها على رأسه بدت رجلاه، وإذا جعلناها على رجليه بدا رأسه، وأمرنا النبي ﷺ أن نجعل على رجليه شيئا من الإذخر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها).
قال أبو بكر: خرجت طرق هذا الخبر في كتاب الجنائز في باب الاستدلال بأن الكفن من جميع المال.
23 - (14): حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عاصم قال: ثنا همام، عن قتادة، عن موروق، عن أبي الأحواص، عن عبد الله عن النبي ﷺ قال: (إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها).
قال أبو بكر: قد أمليت طرق هذا الخبر في غير هذا الكتاب، في خبر فضيل بن مرزوق، عن عطية عن أبي سعيد عن النبي ﷺ في الدعاء عند الخروج إلى الصلاة، فيه: (وأقبل الله عليه بوجهه).
24 - (15): حدثنا محمد بن يحيى بن ضريس، قال: ثنا بن فضيل عن فضيل بن مرزوق؛
حدثنا محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا آدم بن أبي إياس، قال: ثنا سليم بن حيان، عن فضيل بن مرزوق، فذكر الحديث بتمامه.
قال: محمد بن خلف في حديثه، قال رسول الله ﷺ، وقال ابن يحيى بن ضريس رفعه إلى النبي ﷺ.
25 - (16): وفي خبر زيد بن أبي أنيسة، عن القاسم بن عوف الشيباني، عن علي بن حسين، قال: قال: حدثتنا أم سلمة: أن نبي الله ﷺ قال: (من أدى زكاة ماله، طيب النفس بها، يريد بها وجه الله والدار الآخرة).
حدثناه زكريا بن يحيى بن أبان، قال: ثنا عمرو بن خالد، وعلي بن معبد، قالا: ثنا عبيدالله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، قد أمليته بتمامه في كتاب الزكاة.
26 - (17): وفي خبر عامر بن سعيد بن أبي وقاص عن أبيه، فقال النبي ﷺ: (إنك لن تخلف بعدي، فتعمل عملا صالحا تبتغي به وجه الله (إلا) ازددت درجة ورفعة).
وقال أيضا في الخبر: (إنك لن تنفق نفقةً تريد بها وجه الله إلا أجرت عليها).
قال أبو بكر: أمليت هذا الخبر في كتاب الوصايا.
27 - (18): حدثنا محمد بن رافع قال: ثنا يحيى بن آدم، قال: ثنا شريك عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: إذا لبست المرأة ثيابها ثم خرجت قيل: أين تذهبين؟ فتقول: أعود مريضا، أو أصلي على جنازة، أو أصلي في مسجد، فقيل: وما تريدين؟ بذلك؟ فتقول وجه الله، والذي لا إله غيره: ما التمست المرأة وجه الله بمثل أن تقر في بيتها وتعبد ربها.
قال أبو بكر: هذا باب طويل، لو استخرج في هذا الكتاب أخبار النبي ﷺ التي فيها ذكر وجه ربنا جل وعلا لطال الكتاب، وقد خرجنا كل صفة من هذه الأخبار في مواضعها في كتب مصنفة.
باب ذكر صورة ربنا جل وعلا
وصفة سبحات وجهه «عَزَّ وجَلّ»، تعالى ربنا أن يكون وجه ربنا كوجه بعض خلقه، وعز ألا يكون له وجه، إذ الله قد أعلمنا في محكم تنزيله أن له وجها، ذواه بالجلال والإكرام، ونفى عنه الهلاك.
28 - (1): حدثنا يوسف بن موسى، ثنا جرير، عن العلا - وهو ابن المسيب -، عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله ﷺ: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل النهار قبل الليل، وعمل الليل قبل النهار، حجابه النار، لو كشف طباقها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره، واضع يده لمسيء الليل ليتوب بالنهار، ومسيء النهار ليتوب بالليل، وحتى تطلع الشمس من مغربها).
29 - (2): حدثنا سلم بن جنادة القرشي، قال: ثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى، قال: قام فينا رسول الله ﷺ بخمس كلمات: أن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، يرفع إليه عمل الليل بالنهار، وعمل النهار بالليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقة).
30 - (3): حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن يحيى قالا: ثنا أبو عاصم عن سفيان، عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة، عن أبي موسى، قال: قام فينا رسول الله ﷺ بأربع: أن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النار، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره). وقال محمد بن يحيى: (يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل).
31 - (4): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا محمد بن عبيد وأبو نعيم، قالا: ثنا المسعودي عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة عن أبي موسى قال: قام فينا رسول الله ﷺ بأربع قال ابن يحيى: بمثله وزاد فيه) ثم قرأ أبو عبيدة: (أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين).
حدثنا بحر بن نصر بن سابق الخولاني قال: ثنا أسد - بن موسى السنة قال: ثنا المسعودي بهذا الإسناد مثله، سواء، وقال: ويرفعه.
(5): حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا جرير عن الأعمش، عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى عن النبي ﷺ مثل حديث أبي عاصم وقال: (يد الله مبسوطة).
32 - (6): حدثنا محمد بن عثمان العجلي، قال: ثنا عبيدالله بن موسى، قال ثنا سفيان، عن حكيم بن الديلم، عن أبي بردة عن أبي موسى قال: (قام فينا رسول الله ﷺ بأربع: فقال: إن الله إلا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النار، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره).
33 - (7): حدثنا بحر بن نصر الخولاني، قال: ثنا أسد قال: ثنا أبو غسان - محمد بن مطرف، عن أبي حازم عن عبيدالله بن مقسم أنه ذكر: (أن دون الرب يوم القيامة سبعين ألف حجاب، حجاب من ظلمة لا ينفذها شيء وحجاب من نور لا ينفذها شيء، وحجاب من ماء لا يسمع حسيس ذلك الماء شيء إلا خلع قلبه إلا من يربط الله على قلبه).
34 - (8): حدثنا بحر بن نصر، قال: ثنا أسد، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر عن مجاهد، قال: (بين الملائكة وبين العرش سبعون حجابا من نور وحجاب من ظلمة، وحجاب من نور، وحجاب من ظلمة).
قال أبو بكر: لم أخرج في هذا الكتاب من المقطعات، لأن هذا من الجنس الذي نقول: إن علم هذا لا يدرك إلا بكتاب الله وسنة نبيه المصطفى ﷺ. لست أحتج في شيء من صفات خالقي «عَزَّ وجَلّ» إلا بما هومسطور في الكتاب أو منقول عن النبي ﷺ بالأسانيد الصحيحة الثابتة.
أقول وبالله توفيقي، وإياه أسترشد: قد بين الله «عَزَّ وجَلّ» في محكم تنزيله الذي هو مثبت بين الدفتين: أن له وجها، وصفه بالجلال والإكرام والبقاء فقال جل وعلا: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) ونفى ربنا جلا وعلا عن وجهه الهلاك في قوله: {كل شيء هالك إلا وجهه} وزعم بعض جهلة الجهمية: أن الله «عَزَّ وجَلّ» إنما وصف في هذه الآية (نفسه) التي أضاف إليها الجلال، بقوله: {تبارك اسم ربك ذى الجلال والإكرام}، وزعمت أن الرب هو: ذو الجلال والإكرام، لا الوجه.
قال أبو بكر: قولي وبالله توفيقي: هذه دعوى، يدعيها جاهل بلغة العرب، لأن الله «عَزَّ وجَلّ» قال: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}.
فذكر الوجه مضموما في هذا الموضع، مرفوعا، وذكر الرب - بخفض الباء - بإضافة الوجه ولو كان قوله (ذو الجلال والإكرام) مردودا إلى ذكر الرب في هذا الموضوع لكانت القراءة (ذي الجلال والإكرام) مخفوضا كما كان الباء مخفوضا في ذكر الرب جل وعلا.
ألم تسمع قوله : {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام} فلما كان الجلال والإكرام في هذه الآية صفة للرب، خفض ذي الباء الذي ذكر في قوله (ربك)، ولما كان الوجه في تلك الآية مرفوعة التي كانت صفة الوجه مرفوعة، فقال: {ذو الجلال والإكرام}.
فتفهموا يا ذوي الحجا هذا البيان، الذي هو (مفهوم في خطاب العرب، لا تغالطوا فتتركوا سواء السبيل، وفي هاتين الآتين) دلالة أن وجه الله صفة من صفات الله، صفات الذات، لا أن وجه الله هو الله، ولا أن وجهه غيره، كما زعمت المعطلة الجهمية، لأن وجه الله لو كان الله لقرئ: "ويبقى وجه ربك ذي يالجلال والإكرام".
فما لمن لا يفهم هذا القدر من العربية، ووضع الكتب على علماء أهل الآثار، القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم ﷺ وزعمت الجهمية - عليهم لعائن الله - أن أهل السنة ومتبعي الآثار القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم ﷺ المثبتين لله «عَزَّ وجَلّ» من صفاته ما وصف الله به نفسه في محكم تنزيله المثبت بين الدفتين وعلى لسان نبيه المصطفى ﷺ بنقل العدل عن العدل موصولا إليه مشبهة جهل منهم بكتاب ربنا وسنة نبينا ﷺ وقلة معرفهم بلغة العرب، الذين بلغتهم خوطبنا.
وقد ذكرنا من الكتاب والسنة في ذكر وجه ربنا، بما فيه الغنية والكفاية ونزيده شرحا، فاسمعوا الآن أيها العقلاء: ما تذكر من جنس اللغة السائر بين العرب، هل يقع اسم المشبهة على أهل الآثار ومتبعي السنن؟
نحن نقول: وعلماؤنا جميعا في جميع الأقطار إن لمعبودنا «عَزَّ وجَلّ» وجها كما أعلمنا الله في محكم تنزيله، فذواه بالجلال والإكرام، وحكم له بالبقاء، ونفى عنه الهلاك، ونقول: إن لوجه ربنا «عَزَّ وجَلّ» من النور والضياء والبهاء ما لو كشف حجابه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره، محجوب عن أبصار أهل الدنيا، لا يراه بشر ما دام في الدنيا الفانية.
ونقول: إن وجه ربنا القديم لا يزال باقيا، فنفى عنه الهلاك والفناء ونقول: إن لبني آدم وجوها كتب الله عليها الهلاك، ونفى عنها الجلال والإكرام غير موصوفة بالنور والضياء، والبهاء التي وصف الله بها وجهه. تدرك وجوه بني آدم أبصار أهل الدنيا، لا تحرق لأحد شعرة فما فوقها، لنفي السبحات عنها، التي بينها نبينا المصطفى ﷺ لوجه خالقنا.
ونقول: إن وجوه بني آدم محدثة مخلوقة، ولم تكن، فكوّنها الله بعد أن لم تكن مخلوقة، أوجدها بعدما كانت عدما، وإن جميع وجوه بني آدم فانية غير باقية تصير جميعا ميتا ورميما، ثم ينشئها الله بعدما قد صارت رميما، فتلقى من النشور والحشر والوقوف بين يدي خالقها في القيامة ومن المحاسبة بما قدمت يداه وكسبه في الدنيا ما لا يعلم صفته غير الخالق البارئ. ثم تصير إما إلى جنة منعمة فيها، أو إلى النار معذبة فيها، فهل يخطر - يا ذوي الحجا - ببال عاقل مركب فيه العقل يفهم لغة العرب، ويعرف خطابها، ويعلم التشبيه، أن هذا الوجه شيبه بذاك الوجه؟ وهل هاهنا - أيها العقلاء - تشبيه وجه ربنا (جل ثناؤه) الذي هو كما وصفنا وبينا صفته من الكتاب والسنة بتشبيه وجوه بني آدم التي ذكرناها ووصفناها غير اتفاق اسم الوجه، وإيقاع اسم الوجه على وجه بني آدم كما سمى الله وجهه وجها؟ ولوكان تشبيها من علمائنا لكان كل قائل إن لبني آدم وجها وللخنازير والقردة والكلاب، والسباع، والحمير، والحيات، والعقارب، وجوها، قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة، والكلاب، وغيرها مما ذكرت.
ولست أحسب أن أعقل الجهمية المعطلة عند نفسه، ولو قال له أكرم الناس عليه: وجهك يشبه وجه الخنزير والقردة، والدب، والكلب، والحمار، والبغل ونحو هذا إلا غضب، لأنه خرج من سوء الأدب في الفحش في المنطق من الشتم للمشبه وجهه بوجه ما ذكرنا، ولعله بعد يقذفه ويقذف أبويه.
ولست أحسب أن عاقلا يسمع هذا القائل المشبه وجه ابن آدم بوجوه ما ذكرنا إلا ويرميه بالكذب، والزور، والبهت أو بالعته، والخبل، أو يحكم عليه بزوال العقل، ورفع القلم، لتشبيه وجه ابن آدم بوجوه ما ذكرنا.
فتفكروا يا ذوي الألباب، أوجوه ما ذكرنا أقرب شبها بوجوه بني آدم أو وجه خالقنا بوجوه بني آدم؟ فإذالم تطلق العرب تشبيه وجوه بني آدم بوجوه ما ذكرنا من السباع أو اسم الوجه قد يقع على جميع وجوهها كما يقع اسم الوجه على وجوه بني آدم - فكيف يلزم أن يقال لنا أنتم مشبهة؟
ووجوه بني آدم، ووجوه ما ذكرنا من السباع والبهائم محدثة، كلها مخلوقة، قد قضى الله فناءها وهلاكها وقد كانت عدما فكوّنها الله وخلقها وأحدثها.
وجميع ما ذكرناه من السباع والبهائم لوجوهها أبصار وخدود وجباه، وأنوف وألسنة، وأفواه، وأسنان، وشفاه.
ولا يقول مركب فيه العقل لأحد من بني آدم: وجهك شبيه بوجه الخنزير ولا عينك شبيهة بعين قرد، ولا فمك فم دب، ولا شفتاك كشفتي كلب ولا خدك خد ذئب إلا على المشاتمة، كما يرمي الرامي الإنسان بما ليس فيه.
فإذا كان ما ذكرنا على ما وصفنا ثبت عند العقلاء وأهل التمييز، أن من رمى أهل الآثار القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم ﷺ بالتشبيه فقد قال الباطل والكذب، والزور والبهتان، وخالف الكتاب والسنة وخرج من لسان العرب.
وزعمت المعطلة من الجهمية: أن معنى الوجه الذي ذكر الله في الآي التي تلونا من الكتاب الله، وفي الأخبار التي روينا عن النبي ﷺ كما تقول العرب: وجه الكلام، ووجه الثوب، ووجه الدار، فزعمت - لجهلها بالعلم - أن معنى قوله: وجه الله: كقول العرب: وجه الكلام، ووجه الثوب، وزعمت أن الوجوه من صفات المخلوقين.
وهذه فضيحة في الدعوى، ووقوع في أقبح ما زعموا أنهم يهربون منه، فيقال لهم: أفليس كلام بني آدم، والثياب والدور مخلوقة؟ فمن زعم منكم أن معنى قوله (وجه الله) كقول العرب: (وجه الكلام) و(وجه الثوب) و(وجه الدار) أليس قد شبه - على أصلكم - وجه الله بوجه الموتان؟ لزعمكم - يا جهلة - أن من قال من أهل السنة والآثار القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم ﷺ: وجه وعينان، ونفس، وإن الله يبصر ويرى ويسمع: أنه مشبه خالقه بالمخلوقين.
فإذا كان على ما زعمتم بجهلكم، فأنتم شبهتم معبودكم بالموتان.
نحن نثبت لخالقنا جل وعلا صفاته التي وصف الله «عَزَّ وجَلّ» بها نفسه في محكم تنزيله، على لسان نبيه المصطفى ﷺ مما ثبت بنقل العدل عن العدل موصولا إليه. ونقول كلاما مفهوما موزونا، يفهمه كل عاقل. نقول: ليس إيقاع اسم الوجه للخالق البارئ بموجب - عند ذوى الحجا والنهى - أنه يشبه وجه الخالق بوجوه بني آدم.
قد أعلمنا الله جل وعلا في الآي - التي تلوناها قبل - أن لله وجها، ذواه بالجلال والإكرام، ونفى الهلاك عنه، وخبرنا في محكم تنزيله أنه يسمع ويرى، فقال جلا وعلا لكليمه موسى ولأخيه هارون (صلوات الله عليهما): (إنني معكما أسمع وأرى)، وما لا يسمع ولا يبصر كالأصنام، التي هي من الأوثان.
ألم تسمع مخاطبة خليل الله (صلوات الله عليه) أباه: (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا)، أفلا يعقل - يا ذوي الحجا - من فهم عن الله هذا: أن خليل الله صلوات الله عليه وسلامه لا يوبخ أباه على عبادة ما لا يسمع ولا يبصر (ثم يدعو إلى عبادة من لا يسمع ولا يبصر)، ولو قال الخليل - صلوات الله عليه - لأبيه: "أدعوك إلى ربي الذي لا يسمع ولا يبصر" لأشبه أن يقول: فما الفرق بين معبودك ومعبودي؟
والله قد أثبت لنفسه أنه يسمع ويرى، والمعطلة من الجهمية تنكر كل صفة لله جل وعلا وصف بها نفسه في محكم تنزيله، أو على لسان نبيه ﷺ لجهلهم بالعلم، وقال «عَزَّ وجَلّ»: (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا. أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون. إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا)
فأعلم الله «عَزَّ وجَلّ» أن من لا يسمع ولا يعقل: كالأنعام، بل هم أضل سبيلا، فمعبود الجهمية - عليهم لعائن الله - كالأنعام التي لا تسمع ولا تبصر. والله قد ثبت لنفسه: أنه يسمع ويرى، والمعطلة من الجهمية تنكر كل صفة لله وصف بها في محكم تنزيله أو على لسان نبيه ﷺ لجهلهم بالعلم، وذلك أنهم وجدوا في القرآن أن الله قد أوقع أسماء من أسماء صفاته على بعض خلقه، فتوهموا - لجهلهم بالعلم - أن من وصف الله (بتلك الصفة التي وصف الله) بها نفسه، قد شبهه بخلقه، فاسمعوا - يا ذوي الحجا - ما أبين من جهل هؤلاء المعطلة.
أقول: وجدت الله وصف نفسه في غير موضع من كتابه، فأعلم عباده المؤمنين أنه سميع بصير، فقال: (وهو السميع البصير)، وعلمنا جل وعلا أنه يرى فقال: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) وقال لموسى وهارون (عليهما السلام): (إنني معكما أسمع وأرى). فأعلم «عَزَّ وجَلّ» أنه يرى أعمال بني آدم، وأن رسوله - وهو بشر - يرى أعمالهم أيضا، وقال: (أولم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء) وبنو آدم يرون أيضا الطير مسخرات في جو السماء وقال: { واصنع الفلك بأعيننا } وقال: { تجري بأعيننا } وقال: { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا }، فثبّت ربنا «عَزَّ وجَلّ» لنفسه عينا، وثبت لبني آدم أعينا فقال: { ترى أعينهم تفيض من الدمع }.
فقد خبرنا أن ربنا أن له عينا، وعلمنا أن لبني آدم أعينا، وقال لإبليس عليه لعنة الله: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) وقال: (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) وقال: (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه). فثبت ربنا جل وعلا لنفسه يديْن، وخبرنا أن لبني آدم يديْن، فقال: (ذلك بما قدمت أيديكم) وقال: (ذلك بما قدمت يداك) وقال: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) وقال: (الرحمن على العرش استوى).
وخبرنا: أن ركبان الدواب يستوون على ظهورها، وقال في ذكر سفينة نوح: (واستوت على الجودي) أفيلزم - ذوي الحجا - عند هؤلاء الفسقة أن من ثبت لله ما ثبت الله في هذا الآي أن يكون مشبها خالقه بخلقه، حاش لله أن يكون هذا تشبيها كما ادعوا لجهلهم بالعلم.
نحن نقول: إن الله سميع بصير كما أعلمنا خالقنا وبارؤنا، ونقول من له سمع وبصر من بني آدم: فهو سميع بصير، ولا نقول: إن هذا تشبيه المخلوق بالخالق.
ونقول: إن لله «عَزَّ وجَلّ» يدين، يمينين لا شمال فيهما، قد أعلمنا الله أن له يدين، وخبرنا نبينا ﷺ أنهما يمينان لا شمال فيهما.
ونقول: إن من كان من بني آدم سليم الجوارح والأعضاء فله يدان: يمين وشمال
ولا نقول: إن يد المخلوقين كيد الخالق - عز ربنا عن أن تكون يده كيد خلقه - وقد سمى الله لنا نفسه عزيزا، وسمى بعض الملوك عزيزا، فقال: (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه) وسمى إخوة يوسف أخاهم يوسف عزيزا، فقالوا: (يا أيها العزيز أن له أبا شيخا كبيرا) وقال: (قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر). فليس عزة خالقنا العزة التي هي صفة من صفات ذاته، كعزة المخلوقين الذين أعزهم الله بها، ولو كان كل اسم سمى الله لنا به نفسه وأوقع ذلك الاسم على بعض خلقه: كان ذلك تشبيه الخالق بالمخلوق على ما توهم هؤلاء الجهلة من الجهمية، لكان كل من قرأ القرآن وصدقه بقلبه أنه قرآن ووحي وتنزيله قد شبه خالقه بخلقه.
وقد أعلمنا ربنا - - أنه الملك، سمى بعض عبيده ملكا فقال: (وقال الملك ائتوني به) وأعلمنا جل جلاله أنه العظيم، وسمى بعض عبيده عظيما فقال: (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) وسمى الله بعض خلقه عظيما فقال: (وهو رب العرش العظيم). فالله أوقع اسم الله العظيم على عرشه، والعرش مخلوق. وربنا الجبار المتكبر فقال: (السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر) وسمى بعض الكفار متكبرا جبارا فقال: (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار).
وبارؤنا «عَزَّ وجَلّ» الحفيظ العليم، وخبرنا أن يوسف "عليه السلام" قال للملك: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) وقال: (وبشروه بغلام عليم)، وقال: (بغلام حليم) فالحليم والعليم اسمان لمعبودنا جل وعلا قد سمى الله بهما بعض بني آدم، ولو لزم - يا ذوي الحجا - أهل السنة والآثار إذا أثبتوا لمعبودهم يدين كما ثبتهما الله لنفسه وثبتوا له نفسا «عَزَّ وجَلّ»، وأنه سميع بصير، يسمع ويرى، ما ادعى هؤلاء الجهلة عليهم أنهم مشبهة، للزم كل من سمى الله ملكا أو عظيما ورؤوفا ورحيما وجبارا ومتكبرا أنه قد شبه خالقه «عَزَّ وجَلّ» بخلقه، حاش لله أن يكون من وصف الله جل وعلا، بما وصف الله به نفسه، في كتابه، أو على لسان نبيه المصطفى ﷺ مشبها خالقه بخلقه.
(فأما احتجاج الجهمية): على أهل السنة والآثار في هذا النحو بقوله: (ليس كمثله شيء)، فمن القائل إن لخالقنا مثلا أو إن له شبيها؟ وهذا من التمويه على الرعاع والسفل، ويموهون بمثل هذا على الجهال يوهمونهم أن من وصف الله بما وصف به نفسه في محكم تنزيله أو على لسان نبيه ﷺ فقد شبه الخالق بالمخلوق، وكيف يكون يا ذوي الحجا خلقه مثله؟
نقول: الله القديم لم يزل، والخلق محدث مربوب، والله الرازق، والخلق مرزوقون، والله الدائم الباقي وخلقه هالك غير باق، والله الغني عن جميع خلقه، والخلق فقراء إلى الله خالقهم، وليس في تسميتنا بعض الخلق ببعض أسامي الله بموجب عند العقلاء الذين يعقلون عن الله خطابه أن يقال: إنكم شبهتم الله بخلقه إذ أوقعتم بعض أسامي الله على خلقه وهل يمكن عند هؤلاء الجهال حل هذه الأسامي من المصاحف أو محوها من صدور أهل القرآن أو ترك تلاوتها في المحاريب وفي الجدور والبيوت؟
أليس قد أعلمنا منزل القرآن على نبيه ﷺ أنه الملك وسمى بعض عبيده ملكا، وخبرنا أنه السلام، وسمى تحية المؤمين بينهم سلاما في الدنيا وفي الجنة فقال: (تحيتهم يوم يلقونة سلام)، ونبينا المصطفى ﷺ قد كان يقول يوم فراغه من تسليم الصلاة: (اللهم أنت السلام ومنك السلام) وقال «عَزَّ وجَلّ»: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا).
فثبت بخبر الله أن الله هو السلام، كما في قوله: (السلام المؤمن المهيمن)، وأوقع هذا الاسم على غير الخالق البارئ، وأعلمنا «عَزَّ وجَلّ» أنه المؤمن، وسمى بعض عباده (المؤمنين) فقال: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم)، وقال: (إنما المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله) الآية، وقال: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) وقال: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) وقد ذكرنا قبل أن الله خبر أنه سميع بصير، وقد أعلمنا أنه جعل الإنسان سميعا بصيرا فقال: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر) إلى قوله: (فجعلناه سميعا بصيرا).
والله الحكم العدل وخبرنا نبينا ﷺ أن عيسى بن مريم ينزل قبل قيام الساعة (حكما عدلا وإماما مقسطا)، والمقسط أيضا اسم من أسامي الله «عَزَّ وجَلّ» في خبر أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة «رضي الله ع» عن النبي ﷺ في أسامي الرب «عَزَّ وجَلّ» فيه (والمقسط) وقال في ذكر الشقاق بين الزوجين: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها)، فأوقع اسم الحكم على حكمي الشقاق.
والله العدل، وأمر عباده بالعدل والإحسان، والنبي ﷺ قد خبر: (أن المقسطين في الدنيا على منابر من نور أو من لؤلؤ يوم القيامة) فاسم المقسط قد أوقعه النبي ﷺ على بعض أوليائه الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا، وفي خبر عياض بن حمار أن النبي ﷺ قال: (أهل الجنة ثلاثة: عفيف متصدق، وذو سلطان مقسط، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم): حدثنا أبو موسى، قال: ثنا محمد بن عدي قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن مطرف، عن عياض بن حمار المجاشعي، قال: سمعت رسول ﷺ يقول.
قال أبو بكر: وإن كان المقسط اسم من أسامي ربنا جل وعلا وبارئنا الحليم (جل ربنا، وسمى الله إبراهيم "عليه السلام" حليما فقال: (أن إبراهيم لحليم أواه منيب)، وأعلمنا أن نبيا محمدا المصطفى ﷺ رؤوف رحيم، فقال في وصفه: {حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}، والله الشكور وسمى بعض عباده الشكور، فقال: {وقليل من عبادي الشكور} فسمى الله القليل من عباده الشكور. والله العلي، وقال في مواضع من كتابه: يذكر نفسه «عَزَّ وجَلّ»: {إنه علي حكيم} وقد سُمي بهذا الاسم كثير من الآدميين؛ لم نسمع عالما ورعا، زاهدا فاضلا فقيها ولا جاهلا أنكر على أحد الآدميين تسمية ابنه عليا ولا كره أحد منهم هذا الاسم للآدميين، قد دعا النبي ﷺ علي بن أبي طالب «رضي الله ع» باسمه، حين وجه إليه فقال: (ادع لي عليا).
والله الكبير وجميع المسلمين يوقعون اسم (الكبير) على أشياء ذوات عدد من المخلوقين، يوقعون اسم (الكبير) على الشيخ الكبير وعلى الرئيس، وعلى كل عظيم، وكثير من الحيوان وغيرها.
ذكر الله قول إخوة يوسف للملك: {أن له أبا شيخا كبيرا}. وقالت الخثعمية للنبي ﷺ: (أن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا) فلم ينكر النبي ﷺ عليها تسميتها أباها كبيرا، ولا قال لها: إن الكبير اسم (من أسامي) الله تعالى، (وفي قصة شعيب: {وأبونا شيخ كبير} …. ).
وربنا «عَزَّ وجَلّ» الكريم، والنبي ﷺ قد أوقع اسم الكريم على جماعة من الأنبياء، فقال: (أن الكريم بن الكريم بن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم). وقال «عَزَّ وجَلّ»: {فأنبتنا فيها من كل زوج كريم} فسمى النبي ﷺ كل واحد من هؤلاء الأنبياء كريما.
والله الحكيم، وسمى كتابه حكيما، فقال: {الم. تلك آيات الكتاب الحكيم}. وأهل القبلة يسمون (لقمان الحكيم)، إذ الله أعلم أنه آتاه الحكمة، فقال: {ولقد آتينا لقمان الحكمة} وكذلك العلماء يقولون: قال الحكيم من الحكماء، ويقولون: فلان حكيم من الحكماء.
والله جل وعلا الشهيد، وسمى الشهود الذين يشهدون على الحقوق شهودا، فقال: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم}، وقال أيضا: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}.
وسمى الله «عَزَّ وجَلّ» ثُم نبيه المصطفى ﷺ وجميعُ أهل الصلاة المقتول في سبيل الله شهيدا.
والله الحق، قال الله «عَزَّ وجَلّ»: {فالحقُ والحقَ أقول}، وقال: {فتعالى الله الملك الحق}، وقال «عَزَّ وجَلّ»: {ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق} وقال: {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل} وقال: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات و أمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم} وقال: {وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم} وقال: {وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك} وقال: {الملك يومئذ الحق للرحمن}، وقال: {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق} وقال: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق} وقال جل وعلا لنبيه ﷺ: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله}. فكل صواب وعدل في حكم أو فعل ونطق: فاسم الحق واقع عليه، وإن كان اسم الحق اسما من أسامي ربنا «عَزَّ وجَلّ» لا يمنع أحد من أهل القبلة من العلماء من إيقاع اسم الحق على كل عدل وصواب.
والله الوكيل، كما قال الله «عَزَّ وجَلّ»: {وهو على كل شيء وكيل} والعرب لا تمانع بينها من إيقاع اسم (الوكيل) على من يتوكل لبعض بني آدم، والنبي ﷺ في خبر جابر قد قال له: (اذهب إلى وكيلي بخيبر)، وفي أخبار فاطمة بنت قيس في مخاطبتها للنبي ﷺ: لما أعلمته أن زوجها طلقها، قالت: وأمر وكيله أن يعطيني شيئا، وأنها تقالت ما أعطاها وكيل زوجها.
و العجم أيضا يوقعون اسم (الوكيل) على من يتوكل لبعض الآدميين، كإيقاع العرب سواء.
وأعلم الله أنه مولى الذين آمنوا في قوله: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} وقال «عَزَّ وجَلّ»: {ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون}، فأوقع اسم الموالي على العصبة، وقال النبي ﷺ: (من كنت مولاه فعلي مولاه). وقد أمليت هذه الأخبار في فضائل علي بن أبى طالب.
وقال ﷺ لزيد بن حارثة لما اشتجر جعفر وعلي بن أبى طالب وزيد بن حارثة في ابنة حمزة: قال لزيد: (أنت أخونا ومولانا) فأوقع اسم المولى - أيضا - على المولى من أسفل، كما أوقع اسم المولى على المولى من أعلى.
فكل معتق قد يقع عليه اسم مولى، ويقع على المعتق اسم مولى.
وقال ﷺ في خبر عائشة (رضى الله عنها): (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل)، فقد أوقع الله، ثم رسوله، ثم جميع العرب و العجم اسم (المولى) على بعض المخلوقين، والله «عَزَّ وجَلّ» الولي، وقد سمى الله نبيه ﷺ وليا، فقال: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة} الآية.
فسمى الله هؤلاء المؤمنين أيضا الذين وصفهم في الآية: أولياء، المؤمنين، و أعلمنا - أيضا - ربنا «عَزَّ وجَلّ» أن بعض المؤمنين أولياء بعض في قوله: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}. وقال «عَزَّ وجَلّ»: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}.
والله جل وعلا الحي، واسم الحي قد يقع أيضا على كل ذي روح، قبل قبض النفس وخروج الروح منه قبل الموت، قال الله : {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي}، واسم الحي قد يقع أيضا على الموتان، قال الله تعالى: {والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها}، وقال الله تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيء حي}، وقال النبي ﷺ: (من أحيا أرضا ميتة فهي له).
والله الواحد. وكل ما له عدد من الحيوان والموتان فاسم الواحد قد يقع على كل واحد من جنس منه، إذا عد قيل: واحد واثنان وثلاثة، إلى أن ينتهي العدد إلى ما انتهى إليه، وإذا كان واحد من ذلك الجنس قيل: هذا واحد، وكذلك يقال: هذا الواحد: صفته كذا وكذا، لا تمانع العرب في إيقاع اسم الواحد على (ما) بينت. وربنا جل وعلا الوالي، وكل من له ولاية من أمر المسلمين فاسم الوالي واقع عليه عند جميع أهل الصلاة من العرب.
وخالقنا جل وعلا التواب، قال الله «عَزَّ وجَلّ»: {إن الله كان توابا رحيما}. وقد سمى الله جميع من تاب من الذنوب توابا، فقال: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، ومعقول عند كل مؤمن أن هذا الاسم الذي هو اسم الله ليس هو على معنى ما سمى الله التائبين به، لأن الله إنما أخبر أنه يحب التوابين: أي من الذنوب والخطايا، وجل ربنا وعز أن يكون اسم التواب له على المعنى الذي أخبر أنه يحب التوابين من المؤمنين.
ومعبودنا (جل جلاله) الغني، قال تعالى: {والله الغني وأنتم الفقراء} واسم الغني قد يقع على كل من أغناه الله تعالى بالمال، قال (جلا وعلا ذكره): {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله}، وقال: {إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} وقال النبي ﷺ عند بعثه معاذا إلى اليمن: (وأعلِمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم).
وقال ضمام بن ثعلبة للنبي ﷺ: (آالله أمرك أن تأخذ الصدقة من أغنيائنا فتردها على فقرائنا؟ فقال: نعم).
وربنا جل وعلا النور، وقد سمى الله بعض خلقه نورا، فقال: {مثل نوره كمشكاة فيها مصباح} وقال: {نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء}، وقال: {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، يقولون ربنا أتمم لنا نورنا} وقال: {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم}.
قال أبو بكر: قد كنت خبرت منذ دهر طويل أن بعض من كان يدعي العلم ممن كان لا يفهم هذا الباب يزعم أنه غير جائز أن يقرأ: {الله نور السموات والأرض} وكان يقرأ: {الله نوَّر السماوات والأرض} فبعثت إليه بعض أصحابي وقلت له: ما الذي تنكر أن يكون لله «عَزَّ وجَلّ» اسم يسمي الله بذلك الاسم بعض خلقه؟ فقد وجدنا الله قد سمى بعض خلقه بأسام هي له أسامي، وبعثت له بعض ما قد أمليته في هذا الفصل، وقلت للرسول: قل له قد روي عن النبي ﷺ بالإسناد الذي لا يدفعه عالم بالأخبار ما يثبت أن الله نور السموات والأرض، قلت في خبر طاووس عن ابن عباس أن النبي ﷺ كان يدعو: (اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن)، الحديث بتمامه قد أمليته في كتاب الدعوات وفي كتاب الصلاة أيضا، فرجع الرسول وقال: لست أنكر أن يكون الله تعالى نورا، كما قد بلغني بعد أنه رجع.
قال أبو بكر: وكل من فهم عن الله خطابه: يعلم أن هذه الأسامي التي هي لله تعالى أسامي، بين الله ذلك في كتابه وعلى لسان نبيه ﷺ، مما قد أوقع تلك الأسامي على بعض المخلوقين، ليس على معنى تشبيه المخلوق بالخالق لأن الأسامي قد تتفق وتختلف المعاني، فالنور: وإن كان اسما لله فقد يقع اسم النور على بعض المخلوقين، فليس معنى النور الذي هو اسم لله في المعنى مثل النور الذي هو خلق الله.
قال الله جل وعلا: {يهدي الله لنوره من يشاء} وأعلم أيضا أن لأهل الجنة نورا يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، وقد أوقع الله اسم النور على معان.
وربنا جل وعلا الهادي، وقد سمى بعض خلقه هاديا، فقال «عَزَّ وجَلّ» لنبيه: {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد}، فسمى نبيه ﷺ هاديا، وإن كان الهادي اسما لله «عَزَّ وجَلّ».
والله الوارث، قال الله تعالى: {وأنت خير الوارثين} وقد سمى الله من يرث من الميت ماله (وارثا)، فقال «عَزَّ وجَلّ»: {وعلى الوارث مثل ذلك} فتفهموا - يا ذوي الحجا - ما بينت في هذا الفصل، تعلموا وتستيقنوا أن لخالقنا «عَزَّ وجَلّ» أسام قد تقع تلك الأسامي على بعض خلقه في اللفظ لا على المعنى، على ما قد بينت في هذا الفصل من الكتاب و السنة ولغة العرب.
فإن كان علماء الآثار الذين يصفون الله بما وصف به نفسه (وبما جاء) وعلى لسان نبيه ﷺ مشبهة على ما يزعم الجهميه المعطلة، فكل أهل القبلة إذا قرؤا كتاب الله فآمنوا به بإقرار باللسان وتصديق بالقلب، وسموا الله بهذه الأسامي - التي خبر الله بها أنها له أسامي وسموا هؤلاء المخلوقين بهذه الأسامي التي سماهم الله بها - هم مشبهة.
فعود مقالتهم هذه توجب أن على أهل التوحيد الكفر بالقرآن، وترك الإيمان به، وتكذيب القرآن بالقلوب، والإنكار بالألسن، فاقذر بهذا من مذهب واقبح بهذه الوجوه عندهم، عليهم لعائن الله، وعلى من ينكر جميع ما وصف الله به نفسه في محكم تنزيله، و الكفر بجميع ما ثبت عن نبينا المصطفى ﷺ بنقل أهل العدالة موصولا: إليه في صفات الخالق جل وعلا.
باب ذكر أخبار رويت عن النبي
تأولها بعض من لم يتحر العلم على غير تأويلها، ففتن عالما من أهل الجهل و الغباوة، حملهم الجهل بمعنى الخبر على القول بالتشبيه، جل وعلا عن أن يكون وجه خلق من خلقه مثل وجهه، الذي وصفه الله بالجلال و الإكرام، ونفي الهلاك عنه.
1 - (35): حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، قال: ثنا شعيب يعني ابن الليث قال: ثنا الليث، عن محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ أنه قال: (لا يقولن أحدكم لأحد: قبح الله وجهك، ووجها أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورته).
2 - (36): وحدثنا الربيع بهذا الإسناد سواء، قال: (إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته).
3 - (37): حدثنا أبو موسى، محمد بن المثنى قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن بن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: (إذا ضرب أحدكم فليتجنب الوجه، ولا يقل قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورته).
4 - (38): وحدثنا بندار قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال حدثني ابن عجلان، قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، ولا يقولن قبح الله وجهك)، بمثل حديث أبي موسى.
5 - (39): حدثنا أبو موسي، قال: ثنا يحيى، عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: (إذا ضرب أحدكم فيجتنب الوجه).
قال أبو بكر: ليس في خبر ابن عجلان أكثر من هذا.
6 - (40): حدثنا نصر بن علي الجهضمي، قال: أخبرني أبي، قال: ثنا المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب - وهو الأزدي عبد الملك بن مالك المراغي - عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: (إذا قاتل أحدكم فيجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته).
قال أبو بكر: توهم بعض من لم يتحر العلم أن قوله: (على صورته) يريد صورة الرحمن (عز ربنا وجل) عن أن يكون هذا معنى الخبر، بل معنى قوله: (خلق آدم على صورته): الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب والمشتوم؛ أراد ﷺ أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب، الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب، والذي قبح وجهه، فزجر ﷺ أن يقول: (ووجه من أشبه وجهك، لأن وجه آدم شبيه وجوه بنيه، فإذا قال الشاتم لبعض بني آدم: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، كان مقبحا وجه آدم (صلوات الله عليه وسلامه)، الذي وجوه بنيه شبيهة بوجه أبيهم، فتفهموا - رحمكم الله - معنى الخبر، لا تغلطوا ولا تغالطوا فتضلوا عن سواء السبيل، وتحملوا على القول بالتشبيه الذي هو ضلال.
7 - (41): وقد رويت في نحو هذا لفظة أغمض يعني من اللفظة التي ذكرناها في خبر أبي هريرة وهو ما حدثنا (به) يوسف بن موسى قال: ثنا جرير عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر: قال: قال رسول الله ﷺ: (لا تقبحوا الوجه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن).
8 - (42): وروى الثوري هذا الخبر مرسلا، غير مسند، حدثنا أبو موسى، محمد بن المثني، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء: قال: قال رسول الله ﷺ: (لا يقبح الوجه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن).
قال أبو بكر: وقد افتتن بهذه اللفظة التي في خبر عطاء عالم ممن لم يتحر العلم، وتوهموا أن أضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر من إضافة صفات الذات، فغلطوا في هذا غلطا بينا، وقال مقالة شنيعة، مضاهية لقول المشبهة، أعاذنا الله وكل المسلمين من قولهم.
والذي عندي - في تأويل هذا الخبر - إن صح من جهة النقل موصولا: فإن في الخبر عللا ثلاثا:
•إحداهن: أن الثوري قد خالف الأعمش في إسناده فأرسل الثوري ولم يقل: عن ابن عمر.
•والثانية: أن الأعمش مدلس، لم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت.
•والثالثة: أن حبيب بن أبي ثابت أيضا مدلس، لم يعلم أنه سمعه من عطاء. سمعت إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد يقول: ثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش قال: قال حبيب بن أبي ثابت: لو حدثني رجل عنك بحديث لم أبال أن أرويه عنك، يريد لم أبال أن أدلسه.
قال أبو بكر: ومثل هذا الخبر، لا يكاد يحتج به علماؤنا من أهل الأثر، لا سيما إذا كان الخبر في مثل هذا الجنس، فيما يوجب العلم لو ثبت، لا فيما يوجب العمل بما قد يستدل على صحته وثبوته بدلائل من نظر وتشبيه وتمثيل بغيره من سنن النبي ﷺ من طريق الأحكام والفقه.
فإن صح هذا الخبر مسندا بأن يكون الأعمش قد سمعه من حبيب بن أبي ثابت، وحبيب قد سمعه من عطاء بن أبي رباح، وصح أنه عن ابن عمر على ما رواه الأعمش فمعنى هذا الخبر عندنا أن إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر إنما هو من إضافة الخلق إليه. لأن الخلق يضاف إلى الرحمن إذ الله خلقه، وكذلك الصورة تضاف إلى الرحمن، لأن الله صورها، ألم تسمع قوله «عَزَّ وجَلّ»: {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه}، فأضاف الله الخلق إلى نفسه، إذ الله تولى خلقه، وكذلك قول الله «عَزَّ وجَلّ» {هذه ناقة الله لكم آية}، فأضاف الله الناقة إلى نفسه، وقال: {تأكل في أرض الله} وقال: {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}، قال: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده}. فأضاف الله الأرض إلى نفسه، إذ الله تولى خلقها فبسطها، وقال: (فطرة الله التي فطر الناس عليها)، فأضاف الله الفطرة إلى نفسه إذ الله فطر الناس عليها.
فما أضاف الله إلى نفسه على معنيين: أحدهما: إضافة الذات، والآخر: إضافة الخلق. فتفهموا هذين المعنيين، لا تغالطوا. فمعنى الخبر إن صح من طريق النقل مسندا، فإن ابن آدم: خلق على الصورة التي خلقها الرحمن، حين صور آدم، ثم نفخ فيه الروح، قال الله جل وعلا: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم} والدليل على صحة هذا التأويل:
9 - (43): أن أبا موسى، محمد بن المثنى قال: ثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو قال: ثنا المغيره - وهو ابن عبد الرحمن، عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: (خلق الله آدم على صورته، وطوله ستون ذراعا).
10 - (44): حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم قال: ثنا عبد الرزاق، قال ثنا معمر عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن محمد رسول الله ﷺ، فذكر أحاديث، وقال: … قال رسول الله ﷺ: (خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه، قال اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاسمع ما يجيبونك، وإنها تحيتك وتحية ذريتك، قال فذهب فقال: السلام عليكم فقالوا السلام عليكم ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، قال فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعا، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن).
قال أبو بكر: فصورة آدم ستون ذراعا، التي أخبر النبي ﷺ أن آدم ﷺ خلق عليها، لا على ما توهم بعض من لم يتحر العلم، فظن أن قوله (على صورته): صورة الرحمن، صفة من صفات ذاته، جل وعلا عن أن يوصف بالموتان والأبشار، قد نزه الله نفسه وقدس عن صفات المخلوقين، فقال: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وهو كما وصف نفسه في كتابه على لسان نبيه، لا كصفات المخلوقين من الحيوان، ولا من الموتان، كما شبه الجهمية معبودهم بالموتان، ولا كما شبه الغالية من الروافض معبودهم ببني آدم، قبح الله هذين القولين وقائلهما.
11 - (45): حدثنا أحمد بن منيع، ومحمود بن خداش، قال: ثنا أبو سعد الصاغاني، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العليهة عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا: لرسول الله ﷺ: انسب لنا ربك، فأنزل الله «عَزَّ وجَلّ»: {قل هو أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد}، قال: ولم يكن له شبيه ولا عدل، وليس كمثله شيء، وقال محمود بن خداش في حديثه: (الصمد لم يلد ولم يولد، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله لا يموت ولا يورث). والباقي مثل لفظ أحمد بن منيع سواء.
باب ذكر إثبات العين لله جل وعلا
على ما ثبته الخالق البارئ لنفسه في محكم تنزيله، وعلى لسان نبيه ﷺ، قال الله «عَزَّ وجَلّ» لنبيه نوح صلوات الله عليه: (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا)، وقال جل وعلا: {تجري بأعيننا}، وقال «عَزَّ وجَلّ» في ذكر موسى: {وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني}، وقال: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}.
فواجب على كل مؤمن أن يثبت لخالقه وبارئه ما ثبّت الخالق البارئ لنفسه، من العين. وغير مؤمن من ينفي عن الله ما قد ثبته الله في محكم تنزيله ببيان النبي ﷺ الذي جعله الله مبينا عنه، «عَزَّ وجَلّ»، في قوله: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}، فبين النبي ﷺ أن لله عينين، فكان بيانه موافقا لبيان محكم التنزيل الذي هو مسطور بين الدفتين، مقروء في المحاريب والكتاتيب.
1 - (46): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الله بن يزيد المقري قال: ثنا حرملة بن عمران التجيبي، عن أبي يونس سليم جبير مولى أبي هريرة عن أبي هريرة أنه قال في هذه الآية: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، إن الله نعما يعظكم به، إن الله كان سميعا بصيرا}: رأيت رسول الله ﷺ يضع إبهامه على أذنه وإصبعه التي (تليها) على عينه، قال أبو هريرة «رضي الله ع»: (رأيت رسول الله ﷺ يفعل ذلك).
2 - (47): حدثنا محمد، قال: ثنا عبد الله، بن يزيد المري، قال: ثنا أبي، قال: ثنا حرمة عن عمران، قال: حدثني أبو يونس قال: سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية: {ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} قرأ إلى قوله: {سميعا بصيرا} فيضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه، ويقول: هكذا سمعت رسول الله ﷺ يقرؤها ويضع أصبعيه).
قال أبو بكر: أملاه إسحق بن موسى بن عبد الله بن يزيد بن حصن الخطمي الأنصاري، على جماعة من أصحابنا، وأنا حاضر المجلس فكتبته بخطي، إلا أني خائف أن أكون أخذت بعض الألفاظ عن المستلمي.
3 - (48): إملاء علينا عن أنس بن عياض قال: حدثني عبيدالله بن عمر (قال حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر) عن عبد الله بن عمر أن رسول الله ﷺ قال (إن الله ليس بأعور، إلا أن المسيح الدجال أعور عين اليمنى كأنها عنبة طافية).
4 - (49): حدثنا يحيى بن حكيم قال: ثنا عبد الوهاب، بن عبد الحميد الثقفي قال: ثنا عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر: أن الرسول الله ﷺ: ذكر المسيح الدجال بين ظهراني الناس، فقال: (يا أيها الناس إن ربكم ليس بأعور، ولكن المسيح الدجال أعور عينه اليمنى كأنها عنبة طافية).
5 - (50): حدثنا الحسن بن قزعة بن عبيد الهاشمي، قال: عاصم بن هلاك يعني البارقي، قال: ثنا أيوب، عن نافع عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: (ألا إن الله ليس بأعور، ألا وإن المسيح الدجال أعور عينه اليمنى كأنها عنبة طافية).
6 - (51): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ أنه قال: (الدجال هو أعور هجان، أشبه الناس بعبد العزى بن قطن، فأما هلك الهلك فإن ربكم ليس بأعور). قال محمد بن جعفر: قال شعبة: (فحدثت به قتادة، فحدث نحوا من هذا).
7 - (52): حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا إبراهيم وهو ابن طهمان عن أبي الزبير عن جابر عن النبي ﷺ قال: (يخرج الدجال في خفة من الزمان، ) فذكر الحديث بطوله، و قال: (يأتي الناس فيقول: أنا ربكم، وهو أعور، وإن ربكم ليس بأعور).
8 - (53): حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال: ثنا عمي، قال: حدثني مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشيخ، عن أبيه، عن عروة بن الزبير قال: قالت أم سلمة زوج النبي ﷺ ذكرت المسيح الدجال ليلة، فلم يأتني النوم، فلما أصبحت دخلت على رسول الله ﷺ فأخبرته، فقال: (لا تفعلي، فإنه إن يخرج وأنا حي يكفيكموه الله بي، وإن يخرج بعد أن أموت يكفكموه الله بالصالحين، ثم قال: ما من نبي إلا وقد حذر أمته الدجال، وإني أحذركموه، إنه أعور وإن الله ليس بأعور، إنه يمشي في الأرض، وإن الأرض والسماء لله، إلا أن المسيح عينه اليمنى كأنها عنبة طافية).
قال أبو بكر: هذا باب طويل، خرجته في كتاب الفتن، في قصة الدجال.
9 - (54): حدثنا عبد القدوس بن محمد بن شعيب، قال: ثنا عمي، (عمر بن) صالح بن عبد الكبير، قال: حدثني عمي أبو بكر بن شعيب، عن أبيه، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: (أنذركم الدجال، أما إنه أعور عين اليمنى وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه: ك ف ر. يقرءوه كل مؤمن يقرأ، وكل مؤمن لا يقرأ. ).
باب إثبات السمع والرؤيه لله جل وعل
الذي هو كما وصف نفسه: سميع بصير، ومن كان معبودهم غير سميع بصير، قال الله تعالى: (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء)، (وقال «عَزَّ وجَلّ» في قصة المجادلة: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله.. الآية).
قال أبو بكر: (قد كنت أمليت في كتاب الظهار خبر عائشة «رضي الله ع»: (سبحان ربي وبحمده، وسع سمعه الأصوات، إن المجادلة تشكو إلى النبي ﷺ فيخفى علي بعض كلامها، فأنزل الله: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله))، وقال «عَزَّ وجَلّ»: (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجوهم) الآية.
وقد أعلمنا ربنا الخالق البارئ أنه يسمع قول من كذب على الله وزعم أن الله فقير، فكذبهم الله في مقالتهم تلك، فرد الله ذلك عليهم، وخبر أنه الغني وهم الفقراء، وأعلم عباده المؤمنين أنه السميع البصير، فكذلك خبّر المؤمنين أنه قد سمع قول المجادلة وتحاور النبي ﷺ والمجادلة، وخبرت الصديقة بنت الصديق «رضي الله ع» أنه يخفى عليها بعض كلام المجادلة مع قربها منها فسبحت خالقها الذي وسع سمعه الأصوات، وقالت: (سبحان من وسع سمعه الأصوات)، فسمع الله جل وعلا كلام المجادلة، وهو فوق سبع سموات مستو على عرشه وقد خفي بعض كلامها على من حضرها وقرب منها، وقال «عَزَّ وجَلّ» لكليمه موسى وأخيه ابن أمه هارون، يؤمنهما فرعون[1] حين خافا أن يفرط عليهما أو أن يطغى: (إنني معكما أسمع وأرى)، فأعلم الرحمن جل وعلا أنه سمع مخاطبة كليمه موسى وأخيه هارون (عليهما السلام) وما يجيبهما به فرعون، وأعلم أنه يرى ما يكون من كل منهم، وقال جل وعلا: (سبحان الذي أسرى بعبده (ليلا من المسجد الحرام) إلى قوله: (السميع البصير).
وقال في سورة حم المؤمن: (فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير). واستقصاء ذكر قوله السميع البصير يطول بذكر جميعه الكتاب.
وقال «عَزَّ وجَلّ» - لكليمه موسى ولأخيه هارون صلوات الله عليهما: (كلا فاذهب بآياتنا إنا معكم مستمعون)، فأعلم جل وعلا عباده المؤمنين أنه هو كان يسمع ما يقول لكليمه موسى وأخيه. وهذا من الجنس الذي أقول: استماع الخالق ليس كاستماع المخلوق.
قد أمر الله - أيضا - موسى ﷺ أن يستمع لما يوحى فقال: (فاستمع لما يوحى)، فلفظ الاستماعين واحد، معناهما مختلف، لأن استماع الخالق غير استماع المخلوقين، عز ربنا وجل عن أن يشبهه شيء من خلقه، وجل عن أن يكون فعل أحد من خلقه شبيها بفعله، «عَزَّ وجَلّ».
وقال الله «عَزَّ وجَلّ» (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) وليس رؤية الله أعمال من ذكر عملهم في هذه الآية كرؤية رسول الله والمؤمنين، (وإن كان اسم الرؤية يقع على رؤية الله أعمالهم وعلى رؤية رسول الله ورؤية المؤمنين).
(قال أبو بكر): وتدبروا - أيها العلماء ومقتبسو العلم - مخاطبة خليل الرحمن أباه، وتوبيخه إياه لعبادته من كان يعبد تعقلوا توفيق خالقنا جل وعلا صحة مذهبنا، وبطلان مذهب مخالفينا من الجهمية المعطلة.
قال خليل الرحمن - صلوات الله وسلامه عليه - لأبيه: (لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا)، أفليس من المحال - يا ذوي الحجا - أن يقول خليل الرحمن لأبيه آزر: (لم تعبد ما لا تسمع ولا يبصر) ويعيبه بعبادة ما لا يسمع ولا يبصر ثم يدعوه إلى عبادة من لا يسمع ولا يبصر، كالأصنام التي هي من الموتان لا من الحيوان أيضا؟ فكيف يكون ربنا الخالق البارئ السميع البصير كما يصفه هؤلاء الجهال المعطلة؟ عز بنا وجل عن أن يكون غير سميع ولا بصير (فهو كعابد الأوثان والأصنام لا يسمع ولا يبصر) أو كعابد الأنعام، ألم بسمعوا قول خالقنا وبارئنا: (أفأنت تكون عليه وكيلا. أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم كالأنعام) الآية. فأعلمنا «عَزَّ وجَلّ» أن من لا يسمع ولا يعقل: كالأنعام، بل هم أضل سبيلا.
باب البيان من سنن النبي ﷺ
على تثبيت السمع والبصر لله، موافقا لما يكون من كتاب ربنا، إذ سننه ﷺ إذا ثبتت بنقل العدل موصولا إليه لا تكون أبدا إلا موافقة لكتاب الله، حاشا لله أن يكون شيء منها أبدا مخالف لكتاب الله أو لشيء منه فمن ادعى من الجهلة أن شيئا من سنن النبي ﷺ إذا ثبت من جهة النقل مخالف لشيء من كتاب الله فأنا الضامن بتثبيت صحة مذهبنا على ما أبوح به منذ أكثر من أربعين سنة.
1 - (55): حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب: قال: ثنا عمي، قال: حدثني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: حدثني عروة بن الزبير أن عائشة «رضي الله ع» زوج النبي ﷺ حدثته أنها قال لرسول الله ﷺ: " هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي علي ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يحبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل ﷺ فناداني فقال: يا محمد إن الله «عَزَّ وجَلّ» قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني أمرك، وبما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فعلت، فقال له رسول الله ﷺ: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله، لا يشرك به شيئا.
2 - (56): حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: ثنا المعتمر قال: سمعت أبي يقول: ثنا أبو عثمان عن أبي موسى. وثنا: محمد بن بشار والحسين بن الحسن وغيرهما، قالا: قال بندار ثنا، وقال الحسين، أخبرنا مرحوم العطار، قال: ثنا أبو نعامة السعدي، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى الأشعري، وهذا حديث مرحوم، قال: كنت مع رسول الله ﷺ في غزاة، فلما أقبلنا وأشرفنا على المدينة كبر الناس تكبيرة رفعوا بها أصواتهم فقال: رسول الله ﷺ: (أن ربكم ليس بأصم ولا غائب)، وقال المعتمر في حديثه: فقال رسول الله ﷺ: (إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا).
3 - (57): حدثنا سلم بن جنادة، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى، فذكر الحديث وقال: فقال رسول الله ﷺ: "أيها الناس إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا". خرجت طرق هذا الخبر في كتاب الذكر والتسبيح.
قال أبو بكر: فاسمعوا يا ذوي الحجا ما نقول في هذا الباب ونذكر بهت الجهمية وزورهم وكذبهم على علماء أهل الآثار ورميهم خيار الخلق بعد الأنبياء بما الله قد نزههم عنه وبرأهم منه، بتزوير الجهمية على علمائنا (أنهم مشبهة، فاسمعوا ما أقول وأبين من مذاهب علمائنا)، تعلموا وتستيقنوا بتوفيق خالقنا أن هؤلاء المعطلة يبهتون العلماء ويرمونهم بما الله نزههم عنه.
نحن نقول: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى وتحت الأرض السابعة السفلى، وما في السموات العلى، وما بينهما من صغير وكبير، لا يخفى على خالقنا خافية في السموات السبع والأرضين السبع، ولا مما بينهم ولا فوقهم، ولا أسفل منهن لا يغيب عن بصره من ذلك شيء، يرى ما في جوف البحار ولججها كما يرى عرشه الذي هو مستو عليه.
وبنو آدم وإن كانت لهم عيون يبصرون بها فإنهم إنما يرون ما قرب من أبصارهم، مما لا حجاب ولا ستر بين المرئي وبين أبصارهم، وما يبعد منهم وإن كان يقع اسم القرب عليه في بعض الأحوال، لأن العرب التي خوطبنا بلغتها قد تقول: قرية كذا منا قريبة وبلدة كذا قريبة منا ومن بلدنا، ومنزل فلان قريب منا. وإن كان بين البلدين وبين القريتين وبين المنزلين فراسخ. والبصير من بنى آدم لا يدرك ببصره شخص آخر من بني آدم وبينهما فرسخان فأكثر، وكذلك لا يرى أحد من الآدميين ما تحت الأرض إذا كان فوق المرئي من الأرض والتراب قدر أنملة أو أقل منها بقدر ما يغطي ويواري الشيء، (وكذلك لا يدرك بصره إذا كان بينهما حجاب من حائط أو ثوب، صفيق أو غيرهما مما يستر الشيء) عن عين الناظر، فكيف يكون يا ذوي الحجا مشبها من يصف عين الله بما ذكرنا وأعين بني آدم بما وصفنا؟
ونزيد شرحا وبيانا؛ نقول: عين الله «عَزَّ وجَلّ» قديمة، لم تزل، باقية، ولا تزال محكوم لها بالبقاء، منفي عنها الهلاك والفناء، وعيون بني آدم محدثة مخلوقة، كانت عدما غير مكونة، فكونها الله وخلقها بكلامه الذي هو صفة من صفات ذاته، وقد قضى الله وقدّر أن عيون بني آدم تصير إلى بلاء عن قليل، والله نسأل خير ذلك المصير وقد يعمي الله عيون كثير من الآدميين فيذهب بأبصارها قبل نزول المنايا بهم، ولعل كثيرا من أبصار الآدميين قد سلط خالقنا عليها ديدان الأرض حتى تأكلها وتفنيها بعد نزول المنية بهم، ثم ينشئها الله بعد، فيصيبها ما قد ذكرنا قبل في ذكر الوجه، (فما الذي يشبه يا ذوي الحجا عين الله التي هي موصوفة بما ذكرنا عيون بني آدم التي وصفناها بعد)؟
ولست أحسب: لو قيل لبصير - لا آفة ببصره ولا علة بعينه ولا نقص، بل هو أعين أكحل أسود الحدق شديد بياض العينين أهدب الأشفار: عينك كعين فلان، الذي هو: صغير العين أزرق، أحمر بياض العينين، قد تناثرت أشفاره وسقطت، أو كان أخفش العين، أزرق، أحمر بياض شحمها، يرى الموصوف الأول: الشخص من بعيد، ولا يرى الثاني مثل ذلك الشخص من قدر عشر ما يرى الأول، لعلة في بصره أو نقص في عينه، إلا غضب من هذا وأنف منه، فلعله يخرج إلى القائل له ذلك إلى المكروه من الشتم والأذى.
ولست أحسب عاقلا يسمع هذا المشبه عيني أحدهما بعيني الآخر، إلا وهو يكذب هذا المشبه عين أحدهما بعين الآخر، ويرميه بالعته والخبل والجنون، ويقول له: لو كنت عاقلا يجري عليك القلم: لم تشبه عيني أحدهما بعيني الآخر. وإن كانا جميعا يسميان بصيرين، إذ ليسا بأعميين، ويقال لكل واحد منهما عينان يبصر بهما، فكيف لو قيل له: عينك كعين الخنزير والقرد والدب والكلب، أو غيرها من السباع، أو هوام الأرض والبهائم، فتدبروا - يا ذوي الألباب - أبين عيني خالقنا الأزلي الدائم الباقي، الذي لم يزل ولا يزال، وبين عيني الإنسان من الفرقان أكثر أو مما بين أعين بني آدم وبين عيون ما ذكرنا؟ تعلموا (وتستيقنوا أن من سمى علماءنا مشبهة) غير عالم بلغة العرب، ولا يفهم العلم، إذ لم يجز تشبيه أعين بني آدم بعيون) المخلوقين، من السباع والبهائم والهوام، وكلها لها عيون يبصرون بها، وعيون جميعهم محدثة مخلوقة، خلقها الله بعد أن كانت عدما، وكلها تصير إلى فناء وبلى، وغير جائز إسقاط اسم العيون والأبصار عن شيء منها، فكيف يحل لمسلم لو كانت الجهمية من المسلمين أن يرموا من (يثبت لله عينا بالتشبيه، (فلو كان كل ما وقع} عليه الاسم كان مشبها لما يقع عليه ذلك الاسم)، لم يحز قراءة كتاب الله، ووجب محو كل آية بين الدفتين فيها ذكر نفس الله أو عينه أو يده، ولوجب الكفر بكل ما في كتاب الله «عَزَّ وجَلّ» من ذكر صفات الرب، كما يجب الكفر بتشبيه الخالق بالمخلوق، إلا أن القوم جهلة، لا يفهمون العلم، ولا يحسنون لغة العرب، فيضلون ويضلون.
والله نسأل العصمة والتوفيق والرشاد في كل ما نقول وندعو إليه.
باب ذكر إثبات اليد للخالق البارئ جل وعلا
والبيان أن الله تعالى له يدان، كما أعلمنا قي محكم تنزيله أنه خلق آدم ﷺ بيديه؛ قال «عَزَّ وجَلّ» لإبليس: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي).
وقال جل وعلا تكذيبا لليهود حين قالوا: (يد الله مغلولة) فكذبهم في مقالتهم وقال: (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء).
وأعلمنا أن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه و (يد الله فوق أيديهم) وقال: (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون)
وقال: (تعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) وقال: (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما).
باب ذكر البيان من سنة النبي ﷺ
على إثبات يد الله جل وعلا موافقا لما تلونا من تنزيل ربنا لا مخالفا. قد نزه الله نبيه، وأعلى درجته، ورفع قدره عن أن يقول إلا ما هو موافق لما أنزل الله عليه من وحيه.
1 - (58): حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال: ثنا حماد بن زيد عن مطر الوارق، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر، قال: لما تكلم معبد الجهني قي القدر … فذكر الحديث بطوله، قد أمليته في كتاب الإيمان.
وفي الخبر؛ قال عبد الله بن عمر: حدثني عمر بن الخطاب: أن رسول الله ﷺ (التقى آدم وموسى، فقال موسى: أنت الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته ونفخ فيك من روحه، أمرك بأمره فعصيته، فأخرجتنا من الجنة. فقال له آدم: قد آتاك الله التوراة، فهل وجدت فيها كتبت على الذنب قبل أن أعمله. قال: نعم. قال: فحج آدم موسى فحج آدم موسى) عليهما السلام.
2 - (59): حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، قال: ثنا سفيان قال: ثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة «رضي الله ع»: أن النبي ﷺ: قال: "احتج آدم وموسى عليهما السلام، فقال موسى: يا آدم: أنت أبونا، خيبتنا وأخرجتنا من الجنة. فقال آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى عليهما السلام".
3 - (60): حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا المعتمر قال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة «رضي الله ع»، قال: رسول الله ﷺ: (احتج آدم وموسى عليهما السلام …) فذكر عمرو الحديث.
4 - (61): حدثنا عمرو، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال. ثنا محمد بن عمرو، قال ثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال حدثنا عمرو، قال: ثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قال رسول الله ﷺ. وثنا عمرو بن مرة، الحديث. وثنا يحيى بن حكيم، قال: ثنا عبد الوهاب، قال ثنا محمد بن عمرو، فذكر الحديث نحوه.
5 - (62): حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري، قال: ثنا صفوان - يعني بن عيسى - قال: ثنا الحرث بن عبد الرحمن، قال: أخبرني يزيد بن هرمز عن أبي هريرة «رضي الله ع»، قال: قال رسول الله ﷺ: (احتج آدم وموسى عليهما السلام، فقال موسى: أنت آدم، خلقك الله بيده) فذكر الحديث بطوله، قد أمليته في كتاب (القدر).
حدثنا أحمد بن ثابت، قال: ثنا صفوان عن الحرث، قال: أخبرني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة مثل هذا الحديث، لم يزد ولم ينقص.
6 - (63): حدثنا محمد بن بشار، وأبو موسى قالا: ثنا يحيى قال: بندار: ثنا محمد بن عمرو، وقال: أبو موسى عن محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو سلمة عن أبي هريرة «رضي الله ع»، قال: قال رسول الله ﷺ: (احتج آدم وموسى فقال له موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأسكنه جنته) فذكر الحديث بطوله.
7 - (64) حدثنا يوسف بن موسى، قال: ثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال رسول الله ﷺ: (احتج آدم وموسى فقال موسى: يا آدم: أنت خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه) وذكر الحديث بطوله.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن حماد، قال: ثنا أبو عوانه، عن سليمان وهو الأعمش بهذا الإسناد مثله.
قال أبو بكر: (هذا الباب قد أمليته بتمامه في كتاب القدر. قال أبو بكر: فكليم الله خاطب آدم عليهما السلام أن الله خلقه بيده ونفخ فيه من روحه، على ما هو محفوظ بين الدفتين من إعلام الله جل وعلا عباده المؤمنين: أنه خلق آدم ﷺ بيده.
باب ذكر قصة ثابتة في إثبات يد الله جل ثناؤه
بسنة صحيحة عن النبي ﷺ بيانا أن الله خط التوراة بيده لكليمه موسى، وإن رغمت أنوف الجهمية.
1 - (65): حدثنا عبد الجبار بن العلاء المكي، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، قال: أخبرنا طاووس قال: سمعت أبا هريرة «رضي الله ع»: يذكر عن النبي ﷺ (أنه) قال: (احتج آدم وموسى عليهما السلام فقال موسى: يا آدم: أنت أبونا خيبتنا و أخرجتنا من الجنة، فقال آدم يا موسى: اصطفاك الله بكلامه وخط لك (التوراة) بيده، تلوم على أمرك قد قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة. قال: فحج آدم موسى عليهما السلام).
حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، وهو ابن دينار، عن طاووس (أنه) سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله ﷺ بمثله، وقال وخط لك التوراة بيده. ولم يذكر: (فحج آدم موسى).
حدثنا عمرو بن علي قال: ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاووس (أنه) سمع أبا هريرة «رضي الله ع» قال: قال رسول الله ﷺ ... بمثل حديث عبد الجبار، وقال: (وخط لك التوراة بيده)؛ وقال: أتلومني).
2 - (66): حدثنا أبو موسى، قال: ثنا محمد بن أبي عدي عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله: (يجتمع المؤمنون يوم القيامة، فيهمون بذلك، أو يلهمون به، فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فأراحنا من مكاننا هذا فيأتون آدم: فيقولون يا آدم: أنت أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء …)، فذكر الحديث بطوله. قال أبو بكر: خبر شعبة عن قتاده: قد خرجته في أبواب الشفاعة.
3 (67): حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، قال: ثنا معتمر بن سليمان قال أبي، عن سليمان، عن أبي صالح،، أبي هريرة «رضي الله ع» عن النبي ﷺ قال: (احتج آدم وموسىعليهما السلام فقال موسى: يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ فقال آدم: وأنت يا موسى اصطفاك الله بكلامة، تلومني على عمل كتبه الله علي قبل أن يخلق السموات والأرض؟ (قال) فحج آدم موسى).
قد أمليت هذا الباب بتمامه في كتاب القدر.
باب ذكر سنة ثالثة في إثبات اليد لله الخالق البارئ
وكتب الله بيده على نفسه أن رحمته تغلب غضبه، وفي هذه الأخبار التي نذكرها في هذا الباب إثبات صفتين لخالقنا البارئ مما ثبتها الله لنفسه، في اللوح المحفوظ والامام المبين، ذكر النفس واليد جميعا، وإن رغمت أنوف الجهمية.
1 - (68): حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، قال: ثنا خالد بن كريب - يعني ابن الحرث عن محمد بن عجلان، وثنا محمد بن العلا بن كريب وعبد الله بن سعيد الأشج، قال: ثنا أبو خالد عن ابن عجلان عن أبيه، عن أبي هريرة (رضى الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ: "لما خلق الله الخلق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي".
2 - (69): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى قال ثنا ابن عجلان بهذا الإسناد قال: "لما خلق الله آدم كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي".
3: (70): حدثنا يحيى بن حكيم، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال ثنا محمد بن عجلان قال: سمعت أبي، عن أبي هريرة «رضي الله ع» عن النبي ﷺ قال: إن الله لما خلق الخلق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي "
4 - (71): حدثنا يحيى بن حكيم، ثنا أبو، عن الأعمش، عن ذكوان عن أبي هريرة «رضي الله ع» عن النبي ﷺ قال: "لما خلق الله الخلق كتب كتابا و جعله (فوق) العرش: إن رحمتي تغلب غضبي ".
باب ذكر سنة رابعة مبينة ليدي خالقنا «عَزَّ وجَلّ»
مع البيان: أن لله يدين، كما أعلمنا في محكم تنزيله، أنه خلق آدم بيديه، وكما أعلمنا أن له يدين مبسوطتين، ينفق كيف يشاء.
1 - (72): حدثنا يوسف بن موسى، قال: ثنا جرير وابن فضيل، عن إبراهيم الهجري، وثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا جعفر بن عوف، قال: ثنا إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: قال رسول الله ﷺ وقال ابن يحيى يرفعه، قال: (إن الله تعالى يفتح أبواب السماء في ثلث الليل الباقي، فيبسط يديه فيقول: " ألا عبد يسألني فأعطيه (قال: فما يزال كذلك حتى يسطع الفجر - وقال ابن يحيى: فيبسط يده: ألا عبد يسألني فأعطيه).
قال أبو بكر: خرجت هذا الحديث بتمامه بعد عند ذكر نزول الرب «عَزَّ وجَلّ» كل ليلة بلا كيفية نزول نذكره، لأنا لا نصف معبودنا إلا بما وصف به نفسه، إما في كتاب الله، أو على لسان نبيه ﷺ، بنقل العدل عن العدل موصولا إليه، لا نحتج بالمراسيل ولا بالأخبار الواهية، ولا نحتج أيضا في صفات معبودنا بالآراء والمقاييس.
باب ذكر سنة خامسة تثبت أن لمعبودنا يدا
يقبل بها صدقة المؤمنين، عز ربنا وجل عن أن تكون يده كيد المخلوقين.
1 - (73): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يزيد - يعني ابن هارون عن محمد بن عمرو، عن سعيد بن أبي سعيد مولى المهري، عن أبي هريرة (رضى الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ: " أن أحدكم ليتصدق بالتمرة من طيب، ولا يقبل الله إلا طيبا، فيجعلها الله في يده اليمنى، ثم يربيها ما يربي أحدكم فلوه أو فصيله، حتى تصير مثل أحد ".
2 - (74): حدثنا محمد، قال: ثنا يزيد بن هارون قال: ثنا محمد - يعني ابن عمرو - عن سعيد بن أبي سعيد مولى المهري، عن أبي هريرة (رضى الله عنه) عن النبي ﷺ قال: " إن أحدكم ليتصدق بالتمرة إذا كانت من الطيب ولا يقبل الله إلا طيبا فيجعلها الله في كفه فيربيها كما يربي أحدكم مهرة أو فصيله، حتى تعود في يده مثل الجبل".
قال أبو بكر: هو اللفظة - يعني تعود - من الجنس الذي أقول: إن العود قد يقع على البدء. وأقول: العرب قد تقول (عاد) على معنى صار. وبيقين يعلم أن تلك التمرة التي تصدق بها المتصدق: لم تكن مثل الجبل قبل أن يتصدق بها المتصدق، ثم صغرت فصارت مثل تمرة تحويها يد المتصدق، ثم أعادها الله إلى حالها فصيرها كالجبل. ولكن كانت التمر مثل تمرة تحويها يد المتصدق، فلما تصدق بها صيرها الله الخالق البارئ مثل الجبل. فمعنى قوله: (حتى تعود مثل الجبل): أي تصير مثل الجبل، فافهموا سعة لسان العرب، لا تخدعوا فتغالطوا فتتوهموا أن المظاهر لا تجب عليه الكفارة إلا بتظاهر مرتين، فإن هذا القول خلاف سنة النبي المصطفى ﷺ وخلاف قول العلماء، قد بينت هذه المسالة في موضعها.
3 - حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا يعلى، قال: ثنا محمد بن عمرو، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، بهذا ولم يرفعه.
4 - (75): حدثنا محمد في عقب حديث يزيد، وثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن وهب، قال: ثنا هشام وهو ابن سعد عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: " ما تصدق أحد بصدقة من كسب يريد من كسب طيب إلا تقبلها الله بيمينه، ثم غذاها كما يغذوا أحدكم فلوه أو فصيله، حتى تكون التمرة مثل الجبل ".
5 - (76): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى - يعني ابن سعيد قال: ثنا ابن عجلان، قال: ثنا سعيد بن يسار، عن أبي هريرة («رضي الله ع») قال: قال رسول الله ﷺ: " من تصدق بصدفة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا ولا يصعد إلى السماء إلا الطيب فيقع في كف الرحمن فيربيه كما يربي أحدكم فصيله حتى أن التمرة لتعود مثل الجبل العظيم ".
6 - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثنا عمي قال: ثنا هشام ابن سعد بمثل حديث يونس.
7 - (77): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا ابن أبي مريم، أخبرنا بكر - يعني ابن مضر قال: ثنا ابن عجلان، قال: أخبرني أبو الحباب، سعيد بن يسار، أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله ﷺ قال بمثله، وقال: " إلا وهو يضعها في يد الرحمن أو في كف الرحمن وقال: حتى أن التمرة لتكون مثل الجبل العظيم ".
8 - (78): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا الليث قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن سعيد بن يسار أخي أبي مزرد أنه سمع أبا هريرة («رضي الله ع») يقول: قال رسول الله ﷺ: " ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الله بيمينه، وإن كانت مثل تمرة فتربو له في كف الرحمن، حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربى أحدكم فلوه أو فصيله".
9 - (78): حدثنا محمد، قال: ثنا هشام بن عمار، قال: ثنا صدقة قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، «رضي الله ع» عن النبي ﷺ قال: " ما من امرئ يتصدق بصدقة ... ".
10 - (79): قال أبو يحيى: بهذا، يعني حديث: ابن أبي مريم، حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن وهب: أن مالكا أخبره عن يحيى بن سعيد، سعيد بن يسار، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: " من تصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا كان إنما يضعها في كف الرحمن يربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله، حتى تكون مثل الجبل ".
11 - حدثنا يونس، في عقبه، قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: ثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضى الله عنه، عن النبي ﷺ بمثله.
12 - وحدثنا محمد بن يحيى، قال: وفيما قرأت على عبد الله بن نافع، وثنا روح، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال ابن نافع عن أبي هريرة، وقال: ابن يحيى وهذا حديثه: أن رسول الله ﷺ قال: بمثله، وقال: " إنما يضعها في كف الرحمن ".
13 - حدثنا محمد، قال: ثنا يعلى بن عبيد، قال: ثنا يحيى يعني ابن سعيد، عن سعيد بن يسار أبي الحباب، أنه سمع أبا هريرة بهذا الحديث موقوفا، وقال: " إلا وضعها حين يضعها في كف الرحمن، حتى أن الله ليربي … ".
قال أبو بكر: خرجت هذا الباب في كتاب الصدقات، أول باب من أبواب صدقة التطوع.
14 - (80): حدثنا محمود بن غيلان، قال: ثنا وهب بن جرير، بن حازم بن العباس، قال: ثنا أبي، قال، سمعت عبيدالله بن عمر يحدث عن حبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة «رضي الله ع»، وذكر النبي ﷺ: فقال: " إذا تصدق الرجل بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا أخذها الله بيمينه، فيربيها لأحدكم اللقمة والتمرة، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله، حتى أنها لتكون أعظم من أحد ".
15 - (81): حدثنا الحسين بن الحسن، وعتبة بن عبد الله، قالا: ثنا ابن المبارك قال: ثنا عبيدالله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي الحباب وهو سعيد بن يسار عن أبي هريرة (رضى الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ: " ما من عبد مسلم يتصدق من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أن يأخذه بيمينه) فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه - أو قال فصيله - حتى تبلغ التمرة مثل أحد "، وقال عتبة: " قلوصه أو فصيله " ولم أضبط عن عتبة " مثل أحد ".
16 - (82): حدثنا محمد بن رافع وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم، قالا، ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا معمر، عن أيوب، عن القاسم بن محمد، عن أبي هريرة (رضى الله عنه)، قال: قال رسول الله ﷺ " إن العبد إذا تصدق من طيب تقبلها الله منه، ويأخذها بيمينه فرباها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله، وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله - أو قال في كف الله - حتى تكون مثل الجبل فتصدقوا ".
باب ذكر صفة خلق الله آدم ﷺ
والبيان الشافي أنه خلقه بيديه، لا بنعمتيه على ما زعمت الجهمية المعطلة إذ قالت: إن الله يقبض بنعمته من جميع الأرض قبضة فيخلق منها بشرا، وهذه السنة السادسة في إثبات اليد للخالق الباري جل وعلا.
1 - (83): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، وابن أبي عدي، ومحمد بن جعفر، و عبد الوهاب الثقفي، قالوا: ثنا عوف عن قسامة بن زهير المازني، عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله ﷺ وقال بعد الوهاب قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منها الأحمر والأسود، وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب ".
2 - (84): وحدثنا أبو موسى، قال: ثنا يحيى بن سعيد وثنا محمد بن رافع، قال: ثنا النضر بن شميل، وثنا أحمد بن سعيد الدرامي، قال: ثنا أبو عاصم كلهم عن عوف، وثنا أبو هاشم، وزياد بن أيوب، قال، ثنا أبو سفيان - يعني الحميري - سعيد بن يحيى الواسطي قال: ثنا عوف عن قسامة ابن زهير، عن أبي موسى قال: قال رسول الله ﷺ: إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأبيض والأسود، وبين ذلك، السهل والحزن والخبيث ".
هذا حديث أبي هشام، وحديث أبي رافع وأبي موسى مثله، غير أنهما زادا، " الأحمر والطيب "، وزاد أبو موسى في آخره " وبين ذلك "، وقال الدارمي: " من جميع الأرض جاء منهم السهل والحزن والخبيث والطيب والأحمر والأسود ". وقال أبو موسى: قال: حدثني قسامة بن زهير.
باب ذكر سنة سابعة تثبت يد الله
و البيان أن يد الله هي العليا، كما أخبر الله في محكم تنزيله: (يد الله فوق أيديهم)، فخبر النبي ﷺ أيضا "أن يد الله هي العليا " أى فوق المعطي و المعطى جميعا.
1 - (85): حدثنا يحيى حكيم قال: ثنا أبو قتيبة، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن مسلم بن جندب، عن حكيم بن حزام، قال: سألت النبي ﷺ فألحفت في المسألة، فقال: " يا حكيم، ما أكثر مسألتك؟، إن هذا المال حلوة خضرة، وإنما هو أوساخ أيدي الناس، وإن يد الله هي العليا ويد المعطي التي تليها ويد السائل أسفل من ذلك".
2 - (86): حدثنا بندار، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: حدثني ابن أبي ذئب، عن مسلم بن جندب، عن حكيم بن حزام، قال: سألت رسول الله ﷺ من المال، وألححت عليه، فقال، وما أكثر مسألتك يا حكيم، إن هذا المال حلوة خضرة، وهي مع ذلك أوساخ أيدي الناس، وإن يد الله فوق يد المعطي، ويد المعطي فوق يد المعطى، ويد المعطى أسفل الأيدي ".
قال أبو بكر: مسلم بن جندب قد سمع من ابن عمر غير شيء، وقال أمرني ابن عمر أن أشتري له بدنة، فلست أنكر أن يكون قد سمع من حكيم بن حزام.
3 - (87): حدثنا يوسف بن موسى، قال: ثنا جرير، عن إبراهيم بن مسلم الهجري، وثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا (أسباط قال: ثنا) إبراهيم الهجري، وثنا محمد بن بشار قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن إبراهيم الهجري، قال: سمعت أبا الأحوص، عن عبد الله، عن النبي ﷺ: أنه قال: " الأيدي ثلاثة: يد الله العليا ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى إلى يوم القيامة، فاستعف من السؤال ما استطعت". هذا لفظ حديث بندار، وقال يوسف، ومحمد بن رافع، عن أبي الاحوص، عن عبد الله، وقال ابن رافع " فيد المعطي الثاني "، وقال يوسف " ويد المعطي التي تليها وقال: استعفوا عن السؤال ما استطعتم " وكلهم أسند الخبر.
4 - (88): حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبيدة بن حميد، قال، حدثني أبو الزعراء وهو عمرو بن عمرو عن أبي الأحوص، عن أبيه، مالك بن نضلة، قال: قال رسول الله ﷺ: "الأيدي ثلاثة، فيد الله العليا ويد المعطي التي تليها ويد السائل السفلى، فأعط الفضل ولا تعجز عن نفسك".
قال أبو بكر: أبو الزعراء هذا: عمرو بن عمرو بن أخي أبي الأحوص. وأبو الزعراء الكبير الذي روى عن ابن مسعود اسمه: عبد الله ابن هانئ.
باب ذكر سنة ثامنة
تبين وتوضح: أن لخالقنا جل وعلا يدين كلتاهما يمينان، لا يسار لخالقنا «عَزَّ وجَلّ»، إذ اليسار من صفة المخلوقين، فجل ربنا عن أن يكون له يسار، مع الدليل على أن قوله «عَزَّ وجَلّ»: {بل يداه مبسوطتان } أراد - عز ذكره - باليدين اليدين لا النعمتين كما ادعت الجهيمة المعطلة.
1 - (89): حدثنا محمد بن بشار، وأبو موسى محمد بن المثنى، ومحمد بن يحيى، ويحيى بن حكيم، قالوا: ثنا صفوان بن عيسى، قال ثنا الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذُباب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قال رسول الله ﷺ: " لما خلق الله آدم، ونفخ فيه الروح عطس فقال الحمد الله، فحمد الله بإذن الله ، فقال له ربه: رحمك الله يا آدم، وقال له: يا آدم، اذهب إلى أولئك الملائكة، إلى ملإ منهم جلوس، فقل السلام عليكم، فقالوا: وعليك السلام (ورحمة الله وبركاته)، ثم رجع إلى ربه «عَزَّ وجَلّ» فقال: هذه تحيتك وتحية بنيك وبنيهم، فقال الله له ويداه مقبوضتان اختر أيهما شئت قال: اخترت يمين ربي، وكلتا يدي ربي يمين مباركة، ثم بسطها فإذا فيها آدم وذريته، فقال: أي رب ما هؤلاء؟، قال: هؤلاء ذريتك، فإذا كان إنسان مكتوب عمره بين عينيه، وإذا فيهم رجل أضوؤهم، (أو من أضوئهم)، لم يكتب له إلا أربعين سنة، فقال: يا رب (من) هذا؟ فقال: هذا ابنك داود وقد كتبت له أربعين سنة، فقال: يا رب زده في عمره، قال: ذاك الذي كتبت له، قال: فإني جعلت له من عمري ستين سنة، قال: أنت وذاك، فقال: ثم أسكن الجنة ما شاء الله، ثم أهبط منها، وكان آدم يعد لنفسه فأتاه ملك الموت فقال له آدم: قد عجلت، قد كتب لي ألف سنة، قال: بلى، ولكنك جعلت لابنك داود منها ستين سنة، فجحد فجحدت ذريته، ونسي فنسيت ذريته، فيومئذ أمر بالكتاب والشهود ".
هذا حديث (بندار) غير أنه قال: " رحمك الله يا آدم "، وقال: " أو من أضوئهم، قال: يا رب ما هذا " وقال أبو موسى: " عمره مكتوب عنده ": لم يقل " بين عينيه "، وقال: " إذ لآدم ألف سنة، وقال: وإذا فيهم رجل أضرؤهم أو من أضوئهم لم يكتب له إلا أربعين سنة قال: أي رب ما هذا؟ قال: هذا ابنك داود، قال: يا رب زده، وقال: عجلت أليس كتب الله لي ألف سنة؟ وقال: ما فعلت فجحد " وهكذا قال يحيى بن حكيم في هذه الأحرف كما قال أبو موسى.
2 - (90): حدثنا محمد بن يحيى، وعبد الرحمن بن بشر، قالا: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة (رضى الله عنه)، فذكر أخبارا عن النبي ﷺ قال: قال رسول الله ﷺ: " يمين الله ملأى، لا يغيضها نفقة، سحاء بالليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فانه لم يغض ما في يمينه ". قال: "وعرشه على الماء، وبيمينه الأخرى القبض، يرفع ويخفض ".
هذا لفظ حديث عبد الرحمن، قال: محمد بن يحيى في حديثه: " يمين الله ملأى، لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار " وقال: " فإنه لم ينقص مما في يمينه وعرشه على الماء، وبيده الأخرى القبض ".
باب ذكر سنة تاسعة تثبت يد الله جل وعلا
وهي: إعلام النبي ﷺ أن الله غرس كرامة أهل الجنة بيده وختم عليها.
1 - (91): حدثنا محمد بن ميمون المكي، قال: ثنا سفيان، قال: حدثني من لم تر عيناك مثله، ثم حدثنا مرة فقال: ثنا الأبرار، قلنا من؟ قال: عبد الملك بن سعيد بن أبجر، ومطرف بن طريف، عن الشعبي، قال: سمعت المغيرة بن شبعة على منبره قال: قال رسول الله ﷺ " إن موسى سأل ربه «عَزَّ وجَلّ» فقال يا رب: أخبرني بأدنى أهل الجنة منزلة، قال: هو عبد يأتي بعدما يدخل أهل الجنة الجنة فيقال له: ادخل فيقول: كيف أدخل وقد سكن أهل الجنة الجنة، وأخذوا منازلهم، وأخذوا أخذاتهم، فيقال له: أما ترضى أن يكون لك مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا؟ قال: فيقول نعم، قال فترضى أن يكون لك مثل ما كان لملكين من ملوك الدنيا؟ أترضى أن يكون لك مثل ما كان لثلاثة ملوك من ملوك الدنيا؟، قال ": رب رضيت قال لك مثله ومثله وعشرة أضعافه، ولك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك، فقال، يا رب، فأخبرني بأعلاهم منزلة قال: هذا أردت، فسوف أخبرك، قال: غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر (ذلك) على قلب بشر، ومصداق ذلك في كتاب الله «عَزَّ وجَلّ»: { فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } "
باب ذكر سنة عاشرة
تثبتت يد الله، وهو إعلام النبي ﷺ أمته قبض الله الأرض يوم القيامة، وطيه جل وعلا سمواته بيمينه، مثل المعنى الذي هو مسطور في المصاحف، متلو في المحاريب والكتاتيب والجدور.
1 - (92): حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن أبي شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة كان يقول: قال رسول الله ﷺ " يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، فأين ملوك الأرض ".
2 - (93): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا أبو اليمان، قال: ثنا شعيب وهو ابن أبي حمزة عن الزهري، قال: أخبرني أبو سلمة، أن أبا هريرة (رضى الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ: " يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك فأين ملوك الأرض ".
3 - (94): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عبد الرحمن بن خالد وهو ابن مسافر عن ابن شهاب. وثنا محمد أيضا قال: ثنا إسحق بن إبراهيم بن العلاء، قال: ثنا عمرو ابن الحرث، قال: حدثني عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، قال: أخبرني الزهري، عن أبي سلمة، أن أبا هريرة («رضي الله ع»)، قال سمعت رسول الله ﷺ بمثله، يقول.
قال لنا محمد بن يحيى: الحديثان عندنا محفوظان - يعني عن سعيد وأبي سلمة).
4 - حدثنا حماد بحديث سعيد بن المسيب، قال ثنا نعيم بن حماد قال: ثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا يونس.
قال أبو بكر: إنما قلت في ترجمة الباب بمثل المعنى الذي هو مسطور في المصاحف لأن الله «عَزَّ وجَلّ» قال: { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه }.
باب تمجيد الرب «عَزَّ وجَلّ» نفسه
عند قبضته الأرض بإحدى يديه، وطيه السماء بالأخرى، وهما يمينان لربنا، لا شمال له، تعالى ربنا عن صفات المخلوقين. وهي السنة الحادية عشرة في تثبيت يدي خالقنا «عَزَّ وجَلّ».
1 - (95): حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا إسحق بن عبد الله - يعني ابن أبي طلحة - عن عبيد بن مقسم، عن أبن عمر، " أن رسول الله ﷺ قرأ هذه الآيات يوما على المنبر{{ وما قدروا الله حق قدره الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه } الآية، ورسول الله ﷺ يقول: هكذا بأصابعه يحركها يمجد الرب نفسه أنا الجبار أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم، فرجف برسول الله ﷺ المنبر حتى قلنا ليخرّن به.
2 - حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، قال: ثنا بهز بن أسد قال: ثنا حماد وهو ابن سلمة عن إسحق بن عبد الله، عن عبيدالله بن مقسم، عن ابن عمر، قال: " قرأ النبي ﷺ هذه الآية وهو على المنبر {و السموات مطويات بيمينه} قال: يقول الله: أنا الجبار المتكبر، أنا الملك يمجد نفسه، فجعل النبي ﷺ يرددها حتى ظننت أنه سيخر به ".
3 - (96): حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: ثنا سعيد بن منصور قال: ثنا يعقوب، عن أبي حازم، عن عبيدالله بن مقسم، أنه نظر إلى عبد الله ابن عمر، كيف يحكي رسول الله ﷺ، قال: يأخذ الرب جل وعلا سمواته وأراضيه بيديه، (وجعل يقبض يديه ويبسطهما) يقول الله أنا الرحمن حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل (شيء) منه حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله ﷺ "؟
4 - (97): حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرنا هشام وهو ابن سعد عن عبيدالله بن مقسم عن عبد الله بن عمر قال: رأيت رسول الله ﷺ على المنبر يقول " { والأرض جميعا فيضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه }، ثم يقول: أنا الله الرحمن الجبار، أين المتكبرون؟ " حتى إني أخشى أن يسقط به المنبر، هكذا ثنا يونس ليس بين هشام بن سعد وبين عبيدالله بن مقسم أحد.
باب ذكر السنة الثانية عشرة
في إثبات يدي ربنا «عَزَّ وجَلّ»، وهي البيان أن الله تعالى إنما يقبض الأرض بيده يوم القيامة، بعد ما يبدلها فتصير الأرض خبزة لأهل الجنة، لأن الله يقبضها وهي طين وحجارة ورضرض وحمأة ورمل وتراب.
1 - (98): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا أبو صالح، قال، حدثني الليث قال: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله ﷺ قال: " تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم بيده خبزته في السفر، نزلا لأهل الجنة، فأتى رجل من اليهود فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم، ألا أخبرك، كما قال رسول الله ﷺ (قال: فنطر رسول الله ﷺ إلينا) ثم ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال، ألا أخبرك بأدامهم؟ قال: بلى، قال: لام، ونون، وما هذا؟ قال: ثور ونون يأكل من زيادة كبدهما سبعون ألفا ".
باب السنة الثالثة عشرة في إثبات يدي الله «عَزَّ وجَلّ»
وهي إعلام النبي ﷺ أن يدي الله يبسطان لمسيء الليل ليتوب بالنهار، ولمسئ النهار ليتوب بالليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
7 - (99): حدثنا محمد بن عبد الله المبارك، قال: ثنا وهب بن جرير قال: ثنا شبعة، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى، عن النبي ﷺ قال: " إن الله «عَزَّ وجَلّ» يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده - يعني بالنهار - ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها ".
قال أبو بكر: لم يقل المخزومي "بالنهار"، قد أمليت هذا الباب بتمامه في كتاب التوبة والإنابة، فاسمع الدليل على معنى هذا الخبر أن الله تعالى يبسط يده على لفظ الخبر، ليعلم ويتيقن أن عمل الليل يرفع إلى الله قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل.
8 - (100) حدثنا محمد بن عبد الله المخزمي قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير، قال ثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى، قال: قام فينا رسول الله بخمس كلمات: قال: "إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، ولكن يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
9 - (101): حدثنا محمد بن عبد الله، ثنا وهب بن جرير، قال: أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيجة، عن أبي موسى عن النبي ﷺ قال: قام فينا رسول الله ﷺ بأربع: "إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل"
باب ذكر إمساك الله اسمه وجل ثناءه السموات والأرض وما عليها على أصابعه
جل ربنا عن أن تكون أصابعه كأصابع خلقه، وعن أن يشبه شيء من صفات ذاته صفات خلقه، وقد أجل الله قدر نبيه ﷺ عن أن يوصف الخالق البارئ بحضرته بما ليس من صفاته، فيسمعه فيضحك عنده، ويجعل بدل وجوب النكير والغضب على المتكلم به ضحكا تبدو نواجذه، تصديقا وتعجبا لقائله. لا يصف النبي ﷺ بهذه الصفة مؤمن مصدق برسالته.
1 - (102): حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا الأعمش، وحدثنا يوسف بن موسى، قال: ثنا أبو معاوية وجرير، واللفظ لجرير وحدثنا: سلم بن جنادة، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال أتى النبي ﷺ رجل من أهل الكتاب، فقال: يا أبا القاسم: أبلغك أن الله «عَزَّ وجَلّ» يحمل الخلائق على أصبع والسموات على أصبع والأرضين على أصبع والشجر على أصبع والثرى على أصبع، قال: فضحك النبي ﷺ حتى بدت نواجذه، قال: فأنزل الله تعالى: { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة } إلى آخر الآية.
2 - (103): وحدثنا أبو موسى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، وحدثنا: محمد بن بشار، (بندار)، وقال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، وسليمان، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله قال: " جاء يهودي إلى رسول الله ﷺ فقال: " يا محمد إن الله يمسك السموات على أصبع والأرضين على أصبع والجبال على أصبع والشجر على أصبع والخلائق على أصبع، ويقول: أنا الملك، فضحك رسول الله ﷺ حتى بدت نواجذه وقال: { وما قدروا الله حق قدره }.
3 - (104): حدثنا يحيى بن حكيم، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا سفيان، قال حدثني منصور، وسليمان الأعمش بهذا الإسناد، (الحديث بتمامه).
حدثنا بندار في عقيب خبره قال: ثنا يحيى، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله قال: " فضحك النبي ﷺ تعجبا وتصديقا له ".
فقال أبو موسى في عقب خبره: قال يحيى: زاد فيه فضيل بن عياض، عن منصور عن عبيدة، عن عبد الله: فضحك رسول الله ﷺ تعجبا وتصديقا له.
4 - حدثنا: أبو موسى في عقب حديث يحيى بن سعيد، قال: ثنا أبو المساور، قال: ثنا أبو عوانه، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة عن عبد الله، عن النبي ﷺ بنحوه، كذا حدثنا به أبو موسى قال: بنحوه.
قال: أبو بكر: الجواد قد يعثر في بعض الأوقات وهم يحيى بن سعيد في إسناد خبر الأعمش، مع حفظه وإتقانه وعلمه بالأخبار، فقال: عن عبيدة عن عبد الله، وإنما هو: عن علقمة.
وأما خبر (منصور) فهو: عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله، والإسنادان ثابتان صحيحان: منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله، والأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله. غير مستنكر لإبراهيم النخعي مع علمه وطول مجالسته أصحاب ابن مسعود أن يروي خبرا عن جماعة من أصحاب ابن مسعود عنه.
5 - (105): حدثنا يوسف بن موسى، قال: ثنا جرير، عن منصور عن إبراهيم، عن عبيدة السلماني، عن عبد الله قال: " جاء حبر من اليهود إلى رسول الله ﷺ فقال: " إنه إذا كان يوم القيامة جعل الله السموات على أصبع، والأرضين على أصبع، والجبال والشجر على أصبع، والماء والثرى على اصبع، والخلائق كلها على أصبع، ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك أنا الملك، قال: فلقد رأيت رسول الله ﷺ: { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون }.
6 - (106): حدثنا أبو زرعة؛ عبيدالله بن عبد الكريم، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، وهو يحيى بن المهلب، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس، قال: مر يهودي بالنبي ﷺ فقال: "يا أبا القاسم، ما تقول: إذا وضع الله السماء على ذه، والأرضين على ذه، والماء على ذه، و الجبال على ذه، وسائر الخلق ذه، فأنزل الله: { ما قدروا الله حق قدره }.
قال أبو بكر: فلعل متوهما يتوهم ممن لم يتحر العلم ولا يحسن صناعتنا في التأليف بين الأخبار، فيتوهم أن خبر ابن مسعود يضاد خير ابن عمر، وخبر أبي سعيد يضاد خيرهما، وليس كذلك، وهو عندنا بحمد الله ونعمته: أما خبر ابن مسعود فمعناه أن الله جل وعلا يمسك ما ذكر في الخبر على أصابعه، على ما في الخبر سواء، قبل تبديل الله الأرض غير الأرض، لأن الإمساك على الأصابع غير القبض على الشيء، وهو مفهوم في اللغة التي خوطبنا بها (لأن الإمساك على الشيء بالأصابع غير القبض على الشيء)، ونقول: ثم يبدل الله الأرض غير الأرض، كما أخبرنا منزل الكتاب على نبيه ﷺ في محكم تنزيله في قوله: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات}، وبين على لسان نبيه المصطفى ﷺ صفة تبديل الأرض غير الأرض، فاعلم ﷺ أن الله تعالى يبدلها فيجمعها خبزة واحدة، فيقبض عليها حينئذ كما خبر (في خبر) ابن عمر «رضي الله ع»، وانكفاءها كما أعلم في خبر أبي سعيد الخدري، فالأخبار الثلاثة كلها ثابتة صحيحة المعاني على ما بينا.
قال أبو بكر:
7 - (107): وروى نمر بن هلال، قال: ثنا الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله ﷺ في القبضتين: " هذه في الجنة ولا أبالي، وهذه في النار ولا ابالي ".
8 - حدثنا أبو موسى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم قال: ثنا النمر بن هلال النمري، حدثنا أبو موسى، قال: حدثني الحكم بن سنان، قال: ثنا بن عون قال: ثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ " إن الله تعالى قبض قبضة فقال: إلى الجنة برحمتي، وقبض قبضة فقال: إلى النار ولا أبالي ".
باب إثبات الأصابع لله «عَزَّ وجَلّ»
من سنة النبي ﷺ قيلا له، لا حكاية عن غيره، كما زعم بعض أهل الجهل والعناد أن خبر ابن مسعود ليس هو من قول النبي ﷺ (وإنما هو من قول اليهود، وأنكر أن يكون ضحك النبي ﷺ )، تصديقا لليهودي.
1 - (108): حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، والحسين بن عبد الرحمن الجرجرائي، ومحمد بن خلاد الباهلي، ومحمد بن ميمون ومحمد ابن منصور المكي، قالوا: ثنا الوليد بن مسلم، قال الزهري عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، (وقال محمد بن خلاد، ثنا المكي، حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) قال: حدثني بسر بن عبيدالله الحضرمي، قال: حدثني أبو إدريس الخولاني، قال: حدثني النواس بن سمعان الكلابي، قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: " ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الله تعالى إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه، وكان رسول الله ﷺ يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، والميزان بيد الرحمن يخفض ويرفع ".
هذا حديث الباهلي، وقال الآخرون: " فإذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه ". وقال محمد بن ميمون: "أو قال: يضع ويخفض "، بالشك. وقال الحسين بن عبد الرحمن، قال حدثني عبد الرحمن بن يزيد الأزدي، وقال هو والجرجرائي أيضا " يا مقلب القلوب "، و قال لنا عبد الله بن محمد الزهري مرة " ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع رب العالمين، فإذا شاء أن يقيمه أقامه، (إلا وهو بين أصبعين من أصابع رب العالمين)، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه ".
قال أبو بكر: بهذا الخبر استدل أن معنى قوله في خبر أبي موسى: " يرفع القسط ويخفضه "، أراد بالقسط الميزان، كما أعلم في هذا (الخبر أن) الميزان بيد الرحمن، يرفع ويخفض، فقال { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة }. قد أمليت هذا الباب في كتاب القدر.
2 - (109): وروى ابن وهب، قال: حدثني إبراهيم بن نشيط الوعلاني، عن ابن أبي الحسين وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، المكي، عن شهر بن حوشب، قال: سمعت أم سلمة تحدث أن رسول الله ﷺ كان يكثر في دعائه: " اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك "، (قالت): فقلت يا رسول الله: وإن القلوب لتتقلب؟ قال: " نعم، ما من خلق لله من بني آدم إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فإن شاء أقامه وإن شاء أزاغه ".
فنساله أن لا يزيع قلوبنا بعد إذ هدانا ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب.
3 - (110): حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا عمي، وروى عبد الله شراحبيل بن الحكم، عن عامر بن نائل، عن كثير بن مرة، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله ﷺ " إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الله، فإذا شاء صرفه وإذا شاء نكسه، ولم يعط الله أحدا من الناس شيئا هو خير من أن يسلك في قلبه اليقين، وعند الله مفاتيح القلوب، فإذا أراد الله بعبده خيرا، فتح له قفل قلبه، واليقين والصدق، وجعل قلبه وعاء، وعيا لما سلك فيه، وجعل قلبه سليما ولسانه صادقا، وخليقته مستقيمة، وجعل أذنه سميعة، وعينه بصيره، ولم يؤت أحد من الناس شيئا يعني هو شر من أن يسلك الله في قلبه الريبة، وجعل نفسه شرة شرهه مشرفة متطلعة، لا ينفعه المال وإن أكثر له، وغلق الله القفل على قلبه فجعله ضيقا حرجا، كإنما يصعد في السماء ".
4 - حدثناه: محمد بن يحيى، قال: حدثني إسحق بن إبراهيم الزبيدي، قال: حدثني عبد الله بن رجاء.
قال أبو بكر، أنا أبرأ من عهدة شرحبيل بن الحكم وعامر بن نائل، وقد أغنانا الله فله الحمد كثيرا عن الاحتجاج في هذا الباب بأمثالها، فتدبروا يا أولي الالياب ما نقوله في هذا الباب في ذكر اليدين، كنحو قولنا في ذكر الوجه والعينين، تستيقنوا بهداية الله إياكم وشرحه جل وعلا (صدوركم للايمان بما قصه الله جل وعلا)، في محكم تنزيله ونبيه ﷺ من صفات خالقنا «عَزَّ وجَلّ»، وتعلموا بتوفيق الله إياكم أن الحق والصواب والعدل في هذا الجنس مذهبنا، مذهب أهل الآثار ومتبعي السنن، وتقفوا على جهل من يسميهم مشبهة، إذ الجهيمة المعطلة جاهلون بالتشبيه.
نحن نقول: لله جل وعلا يدان كما أعلمنا الخالق البارئ في محكم تنزيله وعلى لسان نبيه المصطفى ﷺ ونقول: كلتا يدي ربنا «عَزَّ وجَلّ» يمين، على ما أخبر النبي ﷺ ونقول: (إن الله «عَزَّ وجَلّ» يقبض الأرض جميعا بإحدى يديه ويطوي السماء بيده الأخرى، وكلتا يديه يمين لا شمال فيهما، ونقول من كان من بني آدم سليم الأعضاء والأركان مستوي التركيب لا نقص في يديه، أقوى بني آدم وأشدهم بطشا، له يدان عاجز عن أن يقبض على قدر أقل من شعرة واحدة من جزء من أجزاء كثيرة، على أرض واحدة من سبع أرضين.
ولو أن جميع من خلقهم الله من بني آدم إلى وقتنا هذا وقضى خلقهم إلى قيام الساعة، لو اجتمعوا على معونة بعضهم بعضا وحاولوا على قبض أرض واحدة من الأرضين السبع بأيديهم كانوا عاجزين عن ذلك غير مستطيعين له، وكذلك لو اجتمعوا جميعا على طي جزء من أجزاء سماء واحدة لم يقدروا على ذلك ولم يستطيعوا وكانوا عاجزين عنه، فكيف يكون يا ذوي الحجا من وصف يد خالقه بما بينا من القوة والأيدي، ووصف يد المخلوقين بالضعف والعجز مشبها يد الخالق بيد المخلوقين؟ أو كيف يكون مشبها من يثبت أصابع على ما بينه النبي المصطفى ﷺ للخالق البارئ؟
ونقول: " إن الله جل وعلا يمسك السموات على أصبع، والأرضين على أصبع " تمام الحديث.
ونقول: إن جميع بني آدم منذ خلق الله آدم إلى أن ينفخ في الصور لو اجتمعوا على إمساك جزء من أجزاء كثيرة من سماء من سمواته أو أرض من أراضيه السبع بجميع أبدانهم كانوا غير قادرين على ذلك، ولا مستطيعين له، بل عاجزين عنه، فكيف يكون من يثبت لله «عَزَّ وجَلّ» يدين على ما ثبته الله لنفسه وأثبته له ﷺ مشبها يدي ربه بيدي بني آدم؟
نقول: لله يدان مبسوطتان، ينفق كيف يشاء، يهما خلق الله آدم ﷺ (وبيده كتب التوراة لموسى ﷺ، ويداه قديمتان لم تزالا باقيتين، وأيدي المخلوقين مخلوقة محدثة، غير قديمة فانية غير باقية، بالية تصير ميتة ثم رميما، ثم ينشئه الله خلقا آخر { تبارك الله أحسن الخالقين }، فاي تشبيه يلزم أصحابنا أيها العقلاء إذا أثبتوا للخالق ما أثبته الخالق لنفسه وأثبته له نبيه المصطفى ﷺ.
وقول هؤلاء المعطلة يوجب أن كل من يقرأ كتاب الله ويؤمن به اقرارا باللسان وتصديقا بالقلب فهو مشبه، لأن الله ما وصف نفسه في محكم تنزيله بزعم هذه الفرقة.
ومن وصف يد خالقه فهو يشبّه الخالق بالمخلوق، فيجب على قود مقالتهم أن يكفر بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه ﷺ، عليهم لعائن الله إذ هم كفار منكرون لجميع ما وصف الله به نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه، ﷺ غير مقرين بشيء منه ولا مصدقين بشيء منه.
نقول: لو شبه بعض الناس يد قوي الساعدين شديد البطش عالم بكثير من الصناعات جيد الخط سريع الكتابة بيد ضعيف البطش من الآدميين، خلو من الصناعات والمكاسب أخرق لا يحسن أن يخط بيده كلمة واحدة، أو شبه يد من ذكرنا أولا بالقوة والبطش الشديد، بيد صبي في المهد أو كبير هرم يرعش لا يقدر على قبض (ولا بسط) ولا بطش، أو نقول له: يدك شبيهة بيد قرد، أو خنزير، أو دب، أو كلب، أو غيرها من السباع، أما ما يقوله سامع هذه المقالة إن كان من ذوي الحجا والنهي: أخطأت يا جاهل التمثيل، ونكست التشبيه، ونطقت بالمحال من المقال، ليس كل ما وقع عليه اسم اليد جاز أن يشبه ويمثل إحدى اليدين بالأخرى وكل عالم بلغة العرب فالعلم عنده محيط أن الاسم الواحد قد يقع على الشيئين مختلفي الصفة، متبايني المعاني. وإذا لم يجز اطلاق اسم التشبيه، إذا قال المرء لابن آدم وللقرد يدان، وأيديهما مخلوقتان، فكيف يجوز أن يسمى مشبها من يقول لله يدان على ما أعلم في كتابه وعلى لسان نبيه ﷺ؟ ونقول لبني آدم يدان ونقول ويدا الله بهما خلق آدم، وبيده كتب التوراة لموسى ﷺ، ويداه مبسوطتان، ينفق كيف يشاء (وأيدي بني آدم) مخلوقة على ما بينت وشرحت قبل في باب الوجه والعينين وفي هذا الباب.
وزعمت الجهمية المعطلة " أن معنى قوله: { بل يداه مبسوطتان } أي نعمتاه وهذا تبديل لا تأويل.
والدليل على نقض دعواهم هذه أن نعم الله كثيرة لا يحصيها إلا الخالق البارئ، ولله يدان لا أكثر منهما. كما قال لإبليس عليه لعنة الله: { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي }، فأعلمنا جل وعلا أنه خلق آدم بيديه، فمن زعم أنه خلق آدم بنعمته كان مبدلا لكلام الله، وقال الله «عَزَّ وجَلّ»: { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه }، أفلا يعقل أهل الإيمان: أن الأرض جميعا لا تكون قبضة إحدى نعمتيه يوم القيامة، ولا أن السموات مطويات بالنعمة الآخرى.
ألا يعقل ذوو الحجا من المؤمنين: أن هذه الدعوى التي يدعيها الجهمية جهل، أو تجاهل شر من الجهل، بل الأرض جميعا قبضة ربنا جل وعلا، بإحدى يديه يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه وهي: اليد الأخرى، وكلتا يدي ربنا يمين، لا شمال فيهما جل ربنا وعز عن أن تكون له يسار إذ (كون) إحدى اليدين يسارا إنما يكون من علامات المخلوقين، جل ربنا وعز عن شبه خلقه، وافهم ما أقول من جهة اللغة، تفهم وتستيقن أن الجهمية مبدلة لكتاب الله، لا متأولة قوله: {بل يداه مبسوطتان} لو كان معنى اليد النعمة كما ادعت الجهمية لقرئت: بل يداه مبسوطة، أو منبسطة، لأن (نعم الله) أكثر من أن تحصى، ومحال أن تكون نعمه نعمتين لا أكثر.
فلما قال الله «عَزَّ وجَلّ» بل يداه مبسوطتان، كان العلم محيطا أنه ثبت لنفسه يدين لا أكثر منهما، وأعلم أنهما مبسوطتان ينفق كيف يشاء.
(والآية دالة أيضا على أن ذكر اليد في هذه) الآية ليس معناه النعمة، حكى الله جل وعلا قول اليهود فقال: { وقالت اليهود يد الله مغلولة } فقال الله «عَزَّ وجَلّ» ردا عليهم { غلت أيديهم} وقال: { بل يداه مبسوطتان }، وبيقين يعلم كل مؤمن أن الله لم يرد بقوله { غلت أيديهم }: أي غلت نعمهم، لا، ولا اليهود أن نعم الله مغلولة، وإنما رد الله عليهم مقالتهم وكذبهم في قولهم (يد الله مغلولة) وأعلم المؤمنين أن يديه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، وقد قدمنا ذكر انفاق الله «عَزَّ وجَلّ» بيديه في خبر همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ: " يمين الله ملأى، سحاء لا يغيضها نفقة ". فأعلم النبي ﷺ أن الله ينفق بيمينه، وهما يداه التي أعلم الله أنه ينفق بهما كيف يشاء.
وزعم بعض الجهمية: أن معنى قوله "خلق الله آدم بيديه" (أي بقوته) فزعم أن اليد هي القوة، وهذا من التبديل أيضا، وهو جهل بلغة العرب، والقوة إنما تسمى الأيد في لغة العرب لا اليد، فمن لا يفرق بين اليد والأيد فهو إلى التعليم والتسليم إلى الكتاتيب أحوج منه إلى الترؤس والمناظرة.
قد أعلمنا الله «عَزَّ وجَلّ» أنه خلق السماء بأيد، واليد واليدان غير الأيد، إذ لو كان الله آدم بأيد كخلقه السماء، دون أن يكون الله خص خلق آدم بيديه لما قال لإبليس {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}. ولا شك ولا ريب: أن الله «عَزَّ وجَلّ» قد خلق ابليس عليه لعنة الله أيضا بقوته، أي إذا كان قويا على خلقه فما معنى قوله: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} عند هؤلاء المعطلة، و البعوض والنمل وكل مخلوق فالله خلقهم عنده بأيد وقوة؟
وزعم من كان يضاهي بعض مذهبه مذهب الجهمية في بعض عمره لما لم يقبله أهل الآثار فترك أصل مذهبه عصبية: زعم أن خبر ابن مسعود الذي ذكرناه إنما ذكر اليهودي أن الله يمسك السموات على أصبع. الحديث بتمامه وأنكر أن يكون النبي ﷺ ضحك تعجبا وتصديقا له. (فقال: إنما هذا من قول ابن مسعود، لأن النبي ﷺ إنما ضحك تعجبا لا " تصديقا " لليهودي)، وقد كثر تعجبي من إنكاره ودفعه هذا الخبر، وكان يثبت الأخبار في ذكر الأصبعين. قد احتج في غير كتاب من كتبه بأخبار النبي ﷺ: (ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع رب العالمين)، فإذاكان هذا عنده ثابتا يحتج به، فقد أقر وشهد أن لله صابع، لأن مفهوما في اللغة: إذا قيل أصبعين من الأصابع: أن الأصابع أكثر من أصبعين، فكيف ينفي الأصابع مرة ويثبتها أخرى؟ فهذا تخليط في المذهب والله المستعان.
وقد حكيت مرارا عن بعض من كان يطيل مجالسته أنه قد انتقل في التوحيد منذ قدم نيسابور ثلاث مرات، وقد وصفت أقاويله التي انتقل من قول إلى قول، وقد رأيت في بعض كتبه يحتج بخبر ليث بن أبي سليم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي أمامة، عن النبي ﷺ، وبخبر خالد بن اللجلاج عن عبد الرحمن بن عائش، عن النبي ﷺ، قال: " رأيت ربي في أحسن صورة "، فيحتج مرة بمثل هذه الأسانيد الضعاف الواهية التي لا تثبت عند أحد له معرفة بصناعة الحديث. ثم عمد إلى أخبار ثابتة صحيحة من جهة النقل، مما هو أقل شناعة عند الجهيمة المعطلة من قوله (رأيت ربي في أحسن صورة)، فيقول: هذا كفر بإسناد ويشنع على علماء الحديث بروايتهم تلك الأخبار الثابتة الصحيحة والقول بها قلة رغبة وجهل بالعلم وعناد. والله المستعان، وإن كان قد رجع عن قوله، فالله يرحمنا وإياه.
باب ذكر إثبات الرجل لله «عَزَّ وجَلّ»
وإن رغمت أنوف المعطلة الجهمية الذين يكفرون بصفات خالقنا «عَزَّ وجَلّ» التي أثبتها لنفسه في محكم تنزيله وعلى لسان نبيه المصطفى ﷺ.
قال الله «عَزَّ وجَلّ» يذكر ما يدعو بعض الكفار من دون الله {ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبطرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم}.
فأعلمنا ربنا جل وعلا أن من لا رجل له ولا يد ولا عين ولا سمع فهو كالأنعام بل هو أضل. فالمعطلة الجهمية: الذين هم شر من اليهود والنصارى والمجوس، كالأنعام بل أضل. فالمعطلة الجهمية عندهم كالأنعام بل هم أضل.
1 - (111): فحدثنا محمد بن عيسى قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: حدثني محمد ابن إسحاق.
وحدثنا محمد بن أبان، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن (عتبة بن) المغيرة بن الأخنس، عن عكرمة (مولى ابن عباس)، عن ابن عباس: " أن رسول الله ﷺ أنشِد قول أمية ابن أبي الصلت الثقفي:
رجل وثور تحت رجل يمينةوالنسر للأخرى وليث مرصد
والشمس تصبح كل آخر ليلةحمراء يصبح لونها يتورد
تأبى فما تطلع لنا في رسلهاإلا معذبة والا تجلد
فقال رسول الله ﷺ صدق"
2 - حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا محمد بن عيسى - يعني ابن الطباع - قال ثنا عبدة - يعني ابن سليمان - قال: ثنا محمد بن إسحاق بهذا الإسناد مثله غير أنه قال: " إن النبي ﷺ قال: صدق أمية بن أبي الصلت، في بيتين من شعره قال: رجل وثور " بمثله لفظا واحدا.
3 - (112): حدثنا: محمد بن أبان قال: ثنا يونس بن بكير قال: أخبرنا محمد بن إسحاق، قال: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيره بن الأخنس عن عكرمة عن ابن عباس قال: " أنشِد رسول الله ﷺ بيتين من قول أمية بن أبي الصلت الثقفي:
رجل وثور تحت رجل يمينةوالنسر للأخرى وليث مرصد
فقال رسول الله ﷺ: (صدق)، وأنشد قوله:
لا الشمس تأبي فما تخرجإلا معذبة وإلا تجلد
فقال رسول الله ﷺ: صدق "
قال أبو بكر: وإلا تجلد معناه اطلعي، كما قال ابن عباس
4 - (113): حدثنا أبو هشام، زياد بن أيوب، قال: ثنا إسماعيل - يعني ابن علية - قال: ثنا عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكر القصة
قال عكرمة: فقلت لابن عباس: وتجلد الشمس؟ فقال: عضضت بهن أبيك، وإنما اضطره الروي إلى أن قال تجلد.
5 - (114): حدثنا بحر بن نصر بن سابق الخولاني، قال: ثنا أسد السنة - يعني ابن موسى - قال: ثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة قال: (حملة العرش أحدهم على صورة إنسان، والثاني على صورة ثور، والثالث على صورة نسر والرابع على صورة أسد) قال أبو بكر: سنذكر قوله: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله ذلك وقدره.
6 - (115): حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور السليمي قال: ثنا عبد الأعلى - يعني ابن عبد الأعلى السامي - قال: ثنا هشام وهو ابن حسان، عن محمد وهو ابن سيرين عن أبي هريرة «رضي الله ع» عن رسول الله ﷺ قال: " اختصمت الجنة والنار إلى ربهما فقالت الجنة: أي رب: ما لها إنما يدخلها ضعفاء الناس وسقطهم وقالت النار: أي رب إنما يدخلها الجبارون والمتكبرون فقال: أنت رحمتي أصيب بك من أشاء وأنت عذابي أصيب بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها. فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدا، وأنه ينشيء لها نشئا، وأما النار فيلقون فيها، ويقول: هل من مزيد؟ ويلقون فيها وتقول هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار فيها قدمه هناك تمتلئى ويدنو بعضها إلى بعض وتقول: قط قط.
7 - (116): حدثنا الفضل بن يعقوب الرخامي قال: ثنا الحسن بن بلال، قال ثنا حماد بن سليمة، قال: ثنا يونس بن عبيد عن ابن سيرين، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: " افتخرت الجنة والنار" فذكر نحوه.
8 - (117): حدثنا جميل بن الحسن الجهضمي، قال: ثنا محمد - يعني ابن مروان العقلي - قال: ثنا هشام عن محمد، عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قال رسول الله ﷺ بمثل حديث عبد الأعلى فقال: " وإنه ينشئ لها من يشاء " كذا قال وتقول: قط قط، بخفض القاف.
9 - (118): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا عثمان بن الهيثم بن جهم عن عوف عن محمد عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قال رسول الله ﷺ اختصمت الجنة والنار فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، قال: وقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا سفلة الناس وسقاطهم أو كما قال فقال الله لها أي للجنة: " أنت رحمتي أرحم بك من شئت من خلقي ولكل واحدة منكما ملؤها، فأما جهنم فإنها إلا تمتلئ حتى يضع الله قدمه فيها فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قد قد قد، وأما الجنة: فإن الله ينشئ لها خلقا.
10 - (119): حدثنا محمد، ثنا روح بن عبادة قال: ثنا عون عن محمد قال: قال أبو هريرة «رضي الله ع»: اختصمت الجنة والنار، بهذا ولم يرفعه، المعنى واحد ولفظهما مختلف.
11 - حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا حماد، عن عطاء بن السائب عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة عن أبي سعيد الخدري: أن النبي ﷺ قال: " افتخرت الجنة والنار.
12 - وقال محمد بن يحيى: وساق الحديث نحو حديثهم، قال محمد ثنا عقبة، قال: ثنا حماد، قال: أخبرنا يونس، عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ: بمثله غير أنه قال: " قط، قط، قط، "
13 - (120): حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم قال: عبد الرازق قال: ثنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما ثنا أبو هريرة «رضي الله ع» عن محمد رسول الله ﷺ فذكر أحاديث قال: قال رسول الله ﷺ: " تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمستكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم، قال الله للجنة: إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي، أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها، وأما النار فلا تتملئ حتى يضع الله رجله فيها فتقول: قط، قط، قط، فهنالك تتملئ ويزوي بعضها إلى بعض، لا يظلم الله «عَزَّ وجَلّ» من خلقه أحدا. وأما الجنة فإن الله «عَزَّ وجَلّ» ينشئ لها خلقا.
قال أبو بكر: ولم أجد في التصنيف هذه اللفظة مقيدة لا بنصب القاف ولا بخفضها.
14 - (121): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا الحجاج بن منهال، قال: ثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ قال: " افتخرت الجنة والنار: أي رب يدخلني الجبابرة والملوك والاشراف. وقالت الجنة: أي رب يدخلني الفقراء والضعفاء والمساكين، فقال الله للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء. وقال للجنة: أنت رحمتي وسعت كل شيء، ولكل واحدة منكما ملؤها. فأما النار (فليقى فيها أهلها فتقول: هل من مزيد؟ )، حتى يأتيها فيضع قدمه عليها فتنزوي، وتقول: قدني قدني، وأما الجنة فيبقى منها ما شاء الله أن يبقى فينشئ الله لها خلقا ممن يشاء "
15 - (122): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن بعد الله بن بعد الله بن عتبة، عن أبي هريرة «رضي الله ع»، عن رسول الله ﷺ قال: " اختصمت الجنة والنار " قال إسحاق: فذكر الحديث، وقال محمد بن يحيى: ولم أستزده على هذا، قال محمد بن يحيى: الحديث عن أبي هريرة الله عنه مستفيض، فأما عن أبي سعيد فلا.
16 - (123): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا ابن أبي مريم، قال أخبرنا عبد العزيز ابن محمد الداروردي، وقال: حدثني العلاء بن عبد الرحمن مولى الحرقة عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قال رسول الله ﷺ: " يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم رب العالمين فيقول: ألا ليتبع كل اناس ما كانوا يعبدون. فيمثل لصاحب الصليب صلبيه، ولصاحب التصوير تصويره، ولصاحب النار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون فيطلع عليهم رب العالمين فيقول ألا تتبعون الناس؟ فيقولون نعوذ بالله منك، الله ربنا وهذا مكاننا حتى نرى ربنا وهو يأمرهم ويثبتهم، ثم يتوارى، ثم يطلع فيقول ألا تتبعون الناس فيقولون نعوذ بالله منك الله ربنا وهذا مكاننا حتى نرى ربنا، وهو يأمرهم ويثبتهم. ثم قالوا: وهل نراه يا رسول الله؟ قال: وهل تتمارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله قال: فإنكم لا تتمارون في رؤيته تلك الساعة، ثم يتوارى، ثم يطلع عليهم فيعرفهم بنفسه، ثم يقول: أنا ربكم فاتبعون فيقوم المسلمون ويضع الصراط فيمر عليه مثل جياد الخيل والركاب، وقولهم عليه: سلم سلم، ويبقى أهل النار فيطرح منهم فيها فوج ثم يقال: هل امتلات؟ فتقول هل من مزيد، ثم يطرح فيها فوج آخر فيقال هل امتلات؟ فتقول هل من مزيد حتى إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن قدمه فانزوى بعضها إلى بعض، ثم قال: قط، قالت: قط، قط، فإذا صير أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار أتي بالموت ملببا فيوقف على السور الذى بين أهل الجنة وأهل النار، ثم يقال: يا أهل الجنة فيطلعون خائفين ثم يقال: يا أهل النار فيطلعون مستبشرين فرحين للشفاعة والهين، فيقال لأهل الجنة ولأهل النار: هل تعرفون هذا؟ فيقولون هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناه، هذا الموت الذي وكل بنا " فيضجع فيذبح ذبحا على السور، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت "
17 - (124): حدثنا أبوموسى محمد بن المثنى، ثنا عبد الصمد، ثنا أبان بن يزيد ثنا قتادة عن انس: أن رسول الله ﷺ قال: " لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد؟ فينزل رب العالمين فيضع قدمه فيها فينزوي بعضها إلى بعض فتقول بعزتك قط قط. وما يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا آخر فيسكنه الجنة في فضل الجنة".
18 - (125): حدثنا أبو موسى، ني عقبة، قال: ثنا عمرو بن عاصم قال: ثنا معتمر عن أبيه قال: ثنا قتادة عن أنس قال: ما تزال جهنم تقول هل من مزيد؟ قال: أبو موسى: فذكر نحوه غير أنه قال: أو كما قال.
19 - (125): حدثنا محمد بن عمر بن على بن عطاء بن مقدم قال: ثنا اشعث بن عبد الله الخراساني، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن رسول الله ﷺ قال: " يلقى في النار فتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رجله أو قدمه فتقول قط قط "
20 - (127): حدنا محمد بن يحيى قال: ثنا أبو سلمة وهو موسى بن إسماعيل قال: ثنا أبان - يعني ابن يزيد العطار - قال: ثنا قتادة، عن انس: (أن نبي الله ﷺ كان يقول: " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يدلي فيها رب العالمين قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط بعزتك، وما يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنه في فضول الجنة "
21 - (128): حدثنا أبو الفضل - رزق الله بن موسى - إملاء علينا ببغداد، قال: ثنا بهز - يعني ابن أسد - قال: ثنا أبان بن يزيد العطار، قال: ثنا قتادة، قال: ثنا أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ بمثل حديث عبد الصمد غير أنه قال: "فيدلي فيها رب العالمين قدمه"
22 - (129): حدثنا إسماعيل بن إسحاق الكوفي بالقسطاط قال: ثنا آدم - يعني ابن أبي إياس العسقلاني - قال: ثنا شيبان عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول ﷺ بمثله، وقال: " يضع رب العزة قدمه فيها، فتقول: قط قط ويزوي"، والباقي مثله.
23 - (130): حدثنا أبو هاشم، زياد بن أيوب، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: أخبرنا سعيد عن قتادة، عن أنس النبي ﷺ قال: " احتجت الجنة والنار فقالت النار: يدخلني الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: يدخلني الفقراء والمساكين، فأوحى الله إلى الجنة: أنت رحمتي أسكنك من شئت وأوحى إلى النار: أنت عذابي أنتقم بك ممن شئت، ولكل واحدة منكما ملؤها، فتقول - يعني النار - هل من مزيد حتى يضع فيها قدمه فتقول: قط قط ".
24 - (131): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا حجاج بن منهاك الأنماطي، قال: ثنا حماد، عن عمار، عن أبي هريرة «رضي الله ع» أن رسول الله ﷺ قال: " يلقى في النار أهلها وتقول: هل من مزيد حتى يأتيها ربها فيضع قدمه عليها، فينزوي بعضها (الى بعضها) وتقول: قط قط قط، حتى يأتيها ربها ".
هكذا قال لنا محمد بن يحيى: ثلاثا قط، بنصب القاف.
25 - (132): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا حماد، قال: ثنا عمار بن أبي عما عن أبي هريرة «رضي الله ع»: قال: سمعت رسول الله ﷺ. قال: محمد بن يحيى، فذكر الحديث
26 - (133): حدثنا محمد بن معمر، قال: ثنا روح، قال: ثنا سعيد عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ: " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل مزيد حتى يضع فيها رب العالمين قدمه فيزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط (قال أبو بكر: لم أجد في أصلي مقيدا (قط) بنصب القاف ولا بخفضها)، بعزتك وكرمك، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله خلقا فيسكنهم الجنة "
27 - (134): حدثنا محمد بن معمر، قال: ثنا روح قال: ثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ قال: " افتخرت الجنة والنار " وذكر نحو حديث حجاج بن منهال عن حماد وقال: حتى يأتيها فيضع قدمه عليها فتنزوى وتقول: قدني قدني، وأما الجنة فيبقى منها ما شاء الله، أو قال: قال أبو القاسم: " اختصمت الجنة "، فذكر مثل حديث عبد الأعلى، وقال إنه ينشئ لها ما شاء، وقال: " حتى يضع ينشيء الله لها خلقا ما شاء".
28 - (135): حدثنا محمد بن معمر، قال: ثنا روح، قال: ثنا هشام عن محمد عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قال رسول الله ﷺ أو قال: قال أبو القاسم: "اختصمت الجنة"، فذكر مثل حديث عبد الأعلى، وقال: "إنه ينشئ لها ما شاء" وقال: "حتى يضع فيها قدمه فهناك تمتلىء ويزوى بعضها إلى بعض وتقول: قط، قط".
29 - (136): حدثنا محمد بن معمر، قال: ثنا روح ثنا حماد، قال: ثنا عمار بن أبي عمار، قال: سمعت أبا هريرة «رضي الله ع» يقول: " إن رسول الله ﷺ قال: يلقى في االنار أهلها، وتقول هل من مزيد ويلقى فيها وتقول هل من مزيد؟ حتى يأتيها (ربها) فيضع عليها فتنزوي، وتقول: قط، قط، قط "
30 - (137): حدثنا سلم بن جنادة، عن وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد عن زياد مولى بني مخزوم، عن أبي هريرة «رضي الله ع» فقال: " ما تزال جهنم تسأل الزيادة حتى يضع الرب عليها قدمه، فتقول: رب قط رب قط "
سمعت أحمد بن سعيد الدارمي يقول: سمعت روح بن عبادة يقول: طلبت الحديث أو كتبت الحديث عشرين سنة، وصنفت عشرين سنة، قال الدرامي: فذكرته لأبي عاصم فقال: فلو كتب في العشرين أيضا ما الذي كان يجيء به؟ قال أبو بكر: اختلف رواة هذه الأخبار في هذه اللفظة في قوله قط أو قط، فروى بعضهم بنصب القاف، وبعضهم بخفضها، وهم أهل اللغة، ومنهم يقتبس هذا الشأن. ومحال أن يكون أهل الشعر أعلم بلفظ الحديث من علماء الآثار الذين يعنون بهذه الصناعة، يروونها ويسمعونها من ألفاظ العلماء ويحفظونها وأكثر طلاب العربية: إنما يتعلمون العربية من الكتب المشتراة أو المستعارة من غير سماع. ولسنا ننكر أن العرب تنصب بعض حروف الشيء وبعضها يخفض ذلك الحرف لسعة لسانها. قال المطلبي رحمة الله عليه: " لا يحيط أحد علما بالسنة العرب جميعا غير نبي " فمن ينكر من طلاب العربية هذه اللفظة بخفض القاف على رواة الأخبار مغفل ساه، لأن علماء الآثار لم يأخذوا هذه اللفظة من الكتب غير المسموعة بل سمعوها بآذانهم من أفواه العلماء. فأما دعواهم أن (قط) أنها: الكتاب، فعلماء التفسير قد اختلفوا في تأويل هذه اللفظة. ولسنا نحفظ عن أحد منهم أنهم تأولوا قط: الكتاب.
31 - (138): حدثنا محمد بن يحيى، قال ثنا بن يوسف، عن ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: في قوله (عجل لنا قِطنا) قال: عذبنا وثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا ابن يوسف، قال: ثنا سفيان، عن أشعث بن سوار، عن الحسن في قوله (ربنا عجل لنا قطنا): قال " عقوبتنا "
32 - (139): حدثنا عمي إسماعيل بن خزيمة، قال: ثنا عبد الرازق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: " نصيبنا من النار".
33 - (139): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا محمد بن يوسف، عن سفيان عن ثابت بن هرمز، عن سعيد بن جبير، في قوله: (عجل لنا قطنا) قال: نصيبنا من الجنة.
34 - (141): حدثنا سلم بن جنادة، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي المقدام ثابت بن هرمز عن سعيد بن جبير: (عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب): قال: " نصيبنا من الآخرة "
35 - (142): حدثنا عمي إسماعيل، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: ثنا معمر، عن عطاء الخراساني، في قوله (قطنا) قال: "قضاءنا".
36 - (143): حدثنا محمد بن عمر المقدمي، ثنا شعث بن عبد الله، عن شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد، في قوله (عجل لنا قطنا) قال: "رزقنا".
باب ذكر استواء خالقنا العلي الأعلى
الفعال لما يشاء على عرشه، فكان فوقه وفوق كل شيء عاليا كما أخبر الله جلا وعلا في قوله (الرحمن على العرش استوى)، وقال ربنا «عَزَّ وجَلّ»: (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش). وقال في تنزيل السجدة: (الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش). وقال الله تعالى: (وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء).
فنحن نؤمن بخبر الله جل وعلا أن خالقنا مستو على عرش، لا نبدل كلام الله ولا نقول قولا غير قيل لنا، كما قالت المعطلة الحهمية: إنه استولى على عرشه، لا استوى، فبدلوا قولا غير الذي قيل لهم، كفعل اليهود كما أمروا أن يقولوا: حطة فقالوا: حنطة، مخالقين لأمر الله جل وعلا، كذلك الجهمية.
1 - (144): حدثنا: أحمد بن نصر، قال: أخبرنا الدشتكي، عبد الرحمن بن عبد الله الرازي، قال: ثنا عمرو بن أبي قيس عن سماك بن حرب عن عبد الله ابن عميرة، عن الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب،: أنه كان جالسا في البطحاء في عصابة ورسول الله ﷺ جالس فيهم إذ علتهم سحابة فنظروا إليها، فقال: " هل تدرون ما اسم هذه؟ قالوا: نعم هذا السحاب، فقال رسول الله ﷺ: والمزن؟ فقالوا: والمزن. فقال رسول الله ﷺ والعنان؟، ثم قال: وهل تدرون كم بعد ما بين السماء والأرض؟ قالوا: لا والله ما ندري. قال: فإن بعد ما بينهما: إما واحدة وإما اثنتان وإما ثلاث وسبعون سنة إلى السماء التي فوقها كذلك، حتى عدهن سبع سموات كذلك ثم قال: فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله مثل ما بين سماء إلى سماء (ثم فوق ذلك ثمانية أوعال ما بين أظلافهن وركبهن كما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ظهورهن العرش، بين أعلاه واسفله مثل ما بين سماء إلى سماء، والله فوق ذلك). [2]
ورواه الوليد بن أبي ثور، عن سماك، عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف ابن قيس، قال: حدثني عباس بن عبد المطلب قال: كنا جلوسا بالبطحاء، في عصابة فيهم رسول الله ﷺ، فذكر الحديث بمثل معناه غير أنه قال: "وفوق السماء السابعة بحر ما بين أسفله وأعلاه كما بين سماء إلى سماء وفوق البحر ثمانية أوعال "
2 - (145): حدثناه: عباد بن يعقوب، الصدوق في أخباره، المتهم في رأيه، قال: ثنا الوليد بن أبي ثور قال أبو بكر: يدل هذا الخبر على أن الماء الذي ذكره الله في كتابه أن عرشه كان عليه هو البحر الذي وصفه النبي ﷺ في هذا الخبر، وذكر بعد ما بين أسفله وأعلاه، ومعنى قوله: (وكان عرشه على الماء) كقوله: (وكان الله عليما حكيما)، (كان الله عزيزا حكيما)
3 - (146): حدثنا سلم بن جنادة، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال وهو ابن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: اتاه رجل وقال: أرأيت قول الله تعالى (وكان الله) فقال ابن عباس: كذلك كان لم يزل.
4 - (147): حدثنا محمد بن بشار، ثنا وهب - يعني ابن جرير - قال: ثنا أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عم أبيه عن جدة، قال: أتى رسول الله ﷺ أعرابي فقال: يا رسول الله جهدت الآنفس، وضاع العيال، ونهكت الاموال وهلكت الأنعام فاستسق (الله) لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك، فقال رسول الله ﷺ: ويحك، أتدري ما تقول؟ فسبح رسول الله ﷺ، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من جميع خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك، أتدري ما الله؟ إن الله على عرشه، وعرشه على سمواته وسمواته على أرضه، هكذا وقال بأصابعه مثل القبة، وإنه ليئط به مثل أطيط الرحل بالراكب "
قرئ على أبو موسى، وانا اسمع أن وهبا حدثهم بهذا الإسناد مثله سواء.
قال أبو بكر: في خبر فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: " قال رسول الله ﷺ " وإذا سألتم الله فاسألوه الفردس، فإنه وسط الجنة، وأعلا الجنة وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة "
قال - يعني أبو بكر: أمليته في كتاب " الجهاد "
قال أبو بكر: " فالخبر يصرح أن عرش ربنا وجل وعلا فوق جنته، وقد أعلمنا جل وعلا أنه مستو على عرشه، فخالقنا عال فوق عرشه الذي هو فوق جنته "
5 - (148): حدثنا بحر بن نصر بن سابق الخولاني، قال: ثنا أسد - يعني ابن موسى - قال: ثنا عبد الرحمن بن الزناد عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: لما قضى الله الخلق كتبه في كتابه، فهو عنده فوق عرشه إن رحمتي غلبت غضبي "
قال أبو بكر: أمليت طرق هذا الخبر في غير هذا الكتاب فالخبر دال على أن ربنا جل وعلا فوق عرشه الذي كتابه أن رحمته غلبت رحمته عنده غضبه عنده.
6 - (149): حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا حماد - يعني ابن سلمة - عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: " ما بين كل سماء إلى أخرى مسيرة خمسمائة عام وما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله على العرش ويعلم أعمالكم "
7 - وحدثنا أحمد بن سنان، قال: ثنا يزيد بن هارون، وقال: ثنا حماد عن عاصم، عن المسيب بن رافع، عن وائل بن ربيعة عن عبد الله قال: " بين كل سماء مسيرة خمسمائة عامة"
8 - (150): حدثنا بحر بن نصر بن سابق الخولاني قال: ثنا أسد قال: ثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود قال: " ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، والعرش فوق السماء والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه"
وقد روى إسرائيل عن أبي إسحق عن عبد الله بن خليفة، أظنه عن عمر، أن امرأة أتت النبي ﷺ فقلت: ادع الله أن يدخلني الجنة فعظم الرب جل ذكره فقال: إن كرسيه وسع السموات والأرض، وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذ ركب من ثقله.
9 - (151): حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال: ثنا يحيى بن أبي بكير قال ثنا إسرائيل، قال أبو بكر: ما أدري الشك والظن أنه عن عمر هو من يحيى بن أبي بكير أم من إسرائيل، قد رواه وكيع بن الجراح عن إسرائيل عن أبي إسحق عن عبد الله بن خليفة مرسلا ليس فيه ذكر عمر لا بيقين ولا ظن، وليس هذا الخبر من شرطنا، لأنه غير متصل الإسناد، لسنا نحتج في هذا الجنس من العلم بالمراسيل المنقطعات.
10 - (152): حدثناه: سلم بن جنادة، قال: ثنا وكيع. قال ابن خزيمة: وثنا بشر بن خالد العسكري، قال: ثنا أبو اسامة، قال: ثنا زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن سعد بن معبد، عن أسماء بنت عميس، قالت: كنت مع جعفر بأرض الحبشة، فرأيت امرأة على رأسها مكتل من دقيق، فمرت برجل من الحبشة، فطرحه عن رأسها، فسفت الريح الدقيق، فقالت: أكلك إلى الملك، يوم يقعد على الكرسي، ويأخذ للمظلوم من الظالم).
11 - (153): حدثنا أبو موسى، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا همام قال: ثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبادة بن الصامت أن النبي ﷺ قال: (الجنة مائة درجة، بين كل درجتين كما بين السماء و الأرض، ومن فوقها يكون العرش، وإن الفردوس من أعلاها درجة ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة، فسلوه الفردوس).
وقد أمليت هذا الباب في كتاب ذكر نعيم الجنة.
12 - (154): حدثنا بندار، محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال ثنا سفيان، عن عمار، وهو الدهني، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس «رضي الله ع» قال: الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره).
13 - (155): حدثنا بندار، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا سفيان عن عمار، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: (الكرسي موضع القدمين)
14 - (156): حدثنا مسلم بن جنادة، ثنا وكيع، عن سفيان، عن عمار الدهني، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس «رضي الله ع» قال: (الكرسي موضع قدميه، والعرش لا يقدر قدره).
15 - (157): حدثنا محمد بن العلاء (أبو كريب)، قال: ثنا أبو اسامة عن هاشم وهو ابن عروة، عن أبيه، قال: قدمت على عبد الملك فذكرت عنده الصخرة التي ببيت المقدس فقال عبد الملك: (هذه صخرة الرحمن، التي وضع عليها رجله، فقلت: سبحان الله يقول الله : {وسع كرسيه السموات والأرض}، وتقول: وضع رجله على هذه، يل سبحان الله؟، إنما هذه جبل قد أخبرنا الله أنه يُنسف نسفا فيذرها قاعا صفصفا).
قال أبو بكر: ولعله يخطر ببال بعض مقتبسي العلم: أن خبر العباس بن عبد المطلب عن النبي ﷺ في بعد ما بين السماء إلى التي تليها خلاف خبر ابن مسعود، وليس كذلك هو عندنا، إذ العلم محيط أن السير يختلف، سير الدواب من الخيل والهجن والبغال والحمر والإبل، وسابق بني آدم يختلف أيضا، فجائز أن يكون النبي المصطفى ﷺ أراد بقوله بعد ما بينهما اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة، أي: بسير جواد الركاب من الخيل، وابن مسعود أراد مسيرة الرجال من بني آدم أو مسيرة البغال والحمر أو الهجن من البراذين أو غير الجواد من الخيل.
فلا يكون أحد الخبرين مخالفا للخبر الآخر، وهذا مذهبنا في جميع العلوم أن كل خبرين يجوز أن يؤلف بينهما في المعنى لم يجز أن يقال هما متضادان متهاتران، على ما قد بيناه في كتبنا.
16 - (158): حدثنا علي بن حجر السعدي، قال: ثنا شريك، وثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي، قال: أخبرنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سماك، عن عبد الله بن عميرة، عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب، في قوله {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية}، أملاك في صورة الأوعال).
انتهى حديث علي بن حجر، وزاد عبدة في حديثه (ما بين أظلافهم إلى ركبهم ثلاث وستون سنة)، قال شريك مرة: (ومناكبهم ناشبة بالعرش).
قال: ثنا سفيان عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: قال الله (سبقت رحمتي غضبي) وقال: (يمين الله ملأى سحاء لا يغيضها شيء بالليل والنهار).
17 - (159): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا معاوية بن عمرو، قال: ثنا زائدة عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبى هريرة «رضي الله ع» عن النبي قال: " احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، أغويت الناس أخرجتهم من الجنة؟ فقال آدم: وأنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه تلومني على عمل أعمله كتبه الله علي قبل أن يخلق السموات والأرض قال: فحج آدم موسى".
18 - (160): وحدثنا محمد بن عقبة قال: حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال: ثنا وكيع قال: ثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: "احتج آدم وموسى ... "، قال محمد بن يحيى: فذكر الحديث.
قال أبو بكر: خبر أبي صالح عن أبي هريرة، قد سمعه الأعمش عن أبي صالح وليس هو مما دلسه، وخبر أبي سعيد في هذا الإسناد صحيح لا شك فيه، وإنما الشك في خبر أبي سعيد في ذاك الإسناد دون خبر أبي هريرة كذلك.
19 - (161): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عمر بن حفص بن عياث قال: ثنا أبي قال: ثنا الأعمش، قال: ثنا أبو صالح قال: ثنا أبو صالح هريرة «رضي الله ع» قال، وأراه قد ذكر أبا سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: " احتج آدم وموسى" وساق الحديث.
باب ذكر البيان أن الله «عَزَّ وجَلّ» في السماء
كما أخبرنا في محكم تنزيله وعلى لسان نبيه ﷺ وكما (هو) مفهوم في فطرة المسلمين، علمائهم وجهالهم، أحرار هم ومماليكهم، ذكرانهم وإناثهم، بالغيهم وأطفالهم، كل من دعا الله جل وعلا: فإنما يرفع رأسه إلى السماء ويمد يديه إلى الله، إلى أعلاه لا إلى أسفل.
قال أبو بكر: قد ذكرنا استواء ربنا على العرش في الباب قبل، فاسمعوا الآن ما أتلو عليكم من كتاب ربنا الذي هو مسطور بين الدفتين، مقروء في المحاريب والكتاتيب، مما هو مصرح في التنزيل، أن الرب جل وعلا في السماء، لا كما قالت الجهمية المعطلة إنه في أسفل الأرضين - فهو في السماء - عليهم لعائن الله التابعة.
قال الله تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض). وقال الله تعالى: (أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا). أفليس قد أعلمنا يا ذوي الحجا خالق السموات والأرض وما بينهما في هاتين الآيتين أنه في السماء؟
وقال «عَزَّ وجَلّ»: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) أفليس العلم محيطا يا ذوي الحجا والالباب أن الرب جل وعلا فوق من يتكلم بالكلمة الطبية، فتصعد إلى الله كلمته؟ لا كما زعمت المعطلة الجهمية أنه تهبط إلى الله الكلمة الطبية كما تصعد إليه!
ألم تسمعوا يا طلاب العلم قوله لعيسى ابن مريم: (يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي)، أليس إنما يرفع الشيء من أسفل إلى علا لا من أعلا إلى أسفل؟ وقال الله «عَزَّ وجَلّ»: (بل رفعه الله إليه) ومحال أن يهبط الإنسان من ظهر الأرض إلى بطنها أو إلى موضع أخفض منه وأسفل فيقال: رفعه الله إليه لأن الرفعة في لغة العرب الذين بلغتهم خوطبنا لا يكون إلا من أسفل إلى أعلى وفوق.
ألم تسمعوا قول خالقنا جل وعلا يصف نفسه: (وهو القاهر فوق عباده)، أوليس العلم محيطا أن الله فوق جميع عباده من الجن والإنس والملائكة الذين هم سكان السموات جميعا؟
أولم تسمعوا قول الخالق البارئ (ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون)
فأعلمنا الجليل جل وعلا في هذه الآية أيضا أن ربنا فوق ملائكته وفوق ما في السموات وما في الأرض من دابة، وأعلمنا أن ملائكته يخافون ربهم الذي فوقهم.
والمعطلة تزعم أن معبودهم تحت الملائكة. ألم تسمعوا قول خالقنا (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه) أليس معلوما في اللغة السائرة بين العرب التي خوطبنا (بها) وبلسانهم نزل الكتاب أن تدبير الأمر من السماء إلى الأرض إنما يدبره المدبر، وهو في السماء لا في الأرض، كذلك مفهوم عندهم أن المعارج: المصاعد، قال الله تعالى: (تعرج الملائكة والروح إليه) وإنما يعرج الشيء من أسفل إلى أعلى وفوق لا من أعلى إلى دون وأسفل، فتفهموا لغة العرب لا تغالطوا.
وقال جل وعلا: (سبح اسم ربك الأعلى) فالأعلى: مفهوم في اللغة: أنه أعلى شيء وفوق كل شيء، والله قد وصف نفسه في غير موضع من تنزيله ووحيه: أعلمنا أنه العلي العظيم. أفليس العلي يا ذوي الحجا ما يكون عليا، لا كما تزعم المعطلة الجهمية أنه أعلى وأسفل ووسط ومع كل شيء وفي كل موضع من أرض وسماء وفي أجواف جميع الحيوان.
ولو تدبروا آية من كتاب الله (ووفقهم الله) لفهمهما لعقلوا أنهم جهال لا يفهمون ما يقولون وبان لهم جهل أنفسهم وخطأ مقالتهم.
وقال الله تعالى لما سأله كليمه موسى ﷺ أن يريه ينظر إليه: (قال لن تراني، ولكن انظر إلى الجبل ) إلى قوله (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) أفليس العلم محيطا يا ذوي الالباب أن الله - «عَزَّ وجَلّ» - لو كان في كل موضع ومع كل بشر وخلق كما زعمت المعطلة، لكان متجليا لكل شيء وكذلك جميع ما في الأرض لو كان متجليا لجميع أرضه سهلها ووعرها وجبالها، وبراريها ومفاوزها، ومدنها وقراها، وعمرانها وخرابها، وجميع ما فيها من نبات وبناء (لجعلها دكا) كما جعل الله الجبل الذي تجلى له دكا، قال الله تعالى: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا).
1 - (162): حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني وعلي بن الحسين، ويحيى بن حكيم، قالوا: ثنا معاذ بن نعاذ العنبري قال: ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك، عن النبي ﷺ في قوله (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) قال: بإصبعه هكذا، واشار بالخنصر من الظفر يمسكه بالإبهام
قال: فقال حميد لثابت: يا أبا محمد دع هذا، ما تريد إلى هذا، قال: فضرب ثابت منكب حميد وقال: ومن أنت ياحميد، وما أنت ياحميد، حدثني به أنس بن مالك عن رسول الله وتقول أنت: دع هذا. هذا لفظه.
2 - (163): حدثنا يحيى حكيم: وقال الزعفراني، وعلي بن الحسين عن حماد بن سلمة قال علي: ثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك عن رسول الله وقال الزعفراني عن ثابت البناني، عن انس عن رسول الله في قوله (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) قال هكذا ووصف معاذ أنه اخرج أول مفصل من خنصره، فقال له حميد الطويل: يا أبا محمد ما تريد إلى هذا؟ فضرب صدرة صربة شديدة وقال: أنت فمن أنت يا حميد، يحدثني أنس بن مالك عن رسول الله ﷺ وتقول: أنت ما تريد إلى هذا.
غير أن الزعفراني قال: " هكذا ووضع إبهامه اليسرى على طرف خنصر الأيسر على العقد الأول "
3 - (164): حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثنا أبي، ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا ثابت، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ (لما تجلى ربه للجبل رفع خنصره وقبض على مفصل منها فانساخ الجبل)، فقال له حميد أتحدث بهذا؟ فقال: حدثنا أنس عن النبي ﷺ، وتقول لا تحدث به.
4 - (165): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثابت عن أنس عن النبي ﷺ في قوله تعالى: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) قال: تجلى قال بيده هكذا ووصف عفان بطرف أصبعه الخنصر، قال: فساح الجبل، فقال حميد لثابت: أتحدث بمثل هذا؟ قال: (فرفع ثابت يده) فضرب صدره قال: حدثنيه أنس عن رسول الله وتقول: أتحدث بمثل هذا؟
5 - حدثنا محمد قال: ثنا الهيثم بن جميل قال: ثنا حماد عن ثابت عن أنس عن النبي ﷺ بمثله.
6 - (166): وحدثنا محمد قال: ثنا مسلم بن إبراهيم قال: ثنا حماد قال: ثنا ثابت، عن أنس أن النبي ﷺ تلا هذه الآية: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا) قال: فحكاه النبي ﷺ فوضع خنصره على إبهامه فساح الجبل فتقطع.
7 - وحدثنا محمد قال: ثنا حجاج - يعني ابن منهال - عن حماد بن سلمة بمثله. عن ثابت عن أنس «رضي الله ع» عن النبي: (أنه) قرأ هذه الآية: (فلما تجلى ربه للجبل)
8 - حدثنا محمد قال: ثنا سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: تلا رسول الله ﷺ: بهذا نحو حديثهم
فاسمعوا يا ذوي الحجا دليلا آخر من كتاب الله أن الله جلا وعلا في السماء مع الدليل على أن فرعون مع كفرة وطغيانه قد أعلمه موسى ﷺ بذلك وكانه قد علم أن خالق البشر في السماء: ألا تسمع قول الله يحكي عن فرعون قوله: {يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى}،
ففرعون - عليه لعنة الله - يأمر ببناء صرح، فحسب أنه يطلع إلى إله موسى، وفي قوله: {وإني لأظنه كاذبا}، دلالة على أن موسى قد كان أعلمه أن ربه - جل وعلا - أعلى وفوق.
وأحسب أن فرعون إنما قال لقومه {وإني لأظنه كاذبا} استدراجا منه لهم، كما خبرنا جل وعلا في قوله {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا}، فأخبر الله تعالى أن هذه الفرقة جحدت - يريد بألسنتهم - لما استيقنتها قلوبهم، فشبه أن يكون فرعون إنما قال لقومه { وإني لأظنه كاذبا}، وقلبه أن كليم الله من الصادقين لا من الكاذبين، والله أعلم أكان فرعون مستيقنا بقلبه على ما أولت أم مكذبا بقلبه ظانا أنه غير صادق.
وخليل الله إبراهيم "عليه السلام" عالم في ابتداء النظر إلى الكواكب والقمر والشمس أن خالقه عال فوق خلقه حين نظر إلى الكواكب والقمر والشمس، ألا تسمع قوله: {هذا ربي} ولم يطلب معرفة خالقه من أسفل، إنما طلبه من أعلى مستيقنا عند نفسه أن ربه في السماء لا في الأرض.
باب ذكر سنن النبي ﷺ
المثبتة أن الله جلا وعلا فوق كل شيء، وأنه في السماء، كما أعلمنا في وحيه على لسان نبيه، إذ لا يكون سنته أبدا المنقولة عنه بنقل العدل عن العدل موصولا إليه إلا موافقة لكتاب الله لا مخالفة له.
1 - (167): حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة، عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: أتت فاطمة رسول الله فسألته خادما فقال لها: قولي " اللهم رب السموات السبع، ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء منزل التوراة والإنجيل، وقال مرة والقرآن العظيم، فالق الحب والنوى، أعوذ بك من شر كل ذى شر أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الأخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر "
2 - حدثنا محمد بن الحرشي قال: ثنا زياد بن عبد الله البكائي، قال: ثنا الأعمش بهذا الإسناد نحوه.
3 - (168): حدثنا الواسطي، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله يأمرنا إذا أخذ أحدنا مضجعه أن يقول: " اللهم رب السموات ورب الأرض ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الأخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين وأغنني من الفقر. "
4 - (169): حدثنا محمد بن معمر قال: ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال ثنا وهيب، قال: ثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة «رضي الله ع»، قال: كان رسول الله ﷺ إذا آوى إلى فراشه قال: " اللهم رب السموات ورب الأرض ورب كل شيء فالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل، أعذني من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء اقض عني الدين وأغنني من الفقر. "
5 - (170): حدثنا أبو يحيى، محمد بن عبد الرحمن قال: ثنا عفان بن مسلم قال ثنا وهيب بهذا وقال: " رب السموات والأرض، ورب كل شيء أنت اخذ بناصيته أنت الأول فليس فوقك شيء ... إلى آخر بمثله ولم يذكر الزيادة في الوسط.
6 - (171): حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم قال: ثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما ثنا أبو هريرة «رضي الله ع» قال: قال رسول الله: الملائكة يتعاقبون فيكم، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ قالوا: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون "
7 - (172): حدثنا يوسف بن موسى قال: ثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قال رسول الله ﷺ. " "إن لله «عَزَّ وجَلّ» ملائكة يتعاقبون فيكم فإذا كانت صلاة الفجر نزلت ملائكة النهار فشهدوا معكم الصلاة جميعا، ثم صعدت ملائكة الليل، ومكثت معكم ملائكة النهار، فسألهم ربهم وهو أعلم بهم ما تركتم عبادي يصنعون؟ قالوا: فيقولون جئناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون. فإذا كانت صلاة العصر نزلت ملائكة الليل، فشهدوا معكم الصلاة جميعا، ثم صعدت ملائكة النهار، ومكثت ملائكة الليل، قال: فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم فيقول: ما تركتم عبادي يصنعون؟ قال: فيقولون جئناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون، قال: فحسبت أنهم يقولون: فاغفر لهم يوم الدين).
8 - حدثنا يحيى بن حكيم، قال: ثنا يحيى بن حماد، وقال: ثنا أبو عوانة، عن سليمان، وهو الأعمش، بهذا الإسناد، فذكر الحديث وقال: (وتركناهم وهم يصلون فاغفر لهم يوم الدين). ولم يشك.
خرجت هذا الباب بتمامه في كتاب الصلاة، وكتاب الإمامة.
9 - (173): وفي خبر ابن أبي نعم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ في قسمة الذهب التي بعث بها علي بن أبي طالب، من اليمن، قال النبي ﷺ: (أنا أمين من في السماء).
10 - (174): حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ابن فضيل، قال: ثتا عمارة، وثنا يوسف بن موسى، قال: ثنا جرير، عن عمارة، وهو ابن القعقاع عن ابن أبي نعم، عن أبي سعيد.
قال أبو بكر: قد أمليت أخبار المعراج في غير هذا الكتاب: (أن النبي ﷺ أتى بالبراق قال: فحملت عليه ثم انطلقت حتى أتينا السماء الدنيا.. ) الحديث بطوله. وفي الأخبار دلالة واضحة أن النبي ﷺ عرج به من الدنيا إلى السماء السابعة، وأن الله تعالى فرض عليه الصلوات على ما جاء في الأخبار، فتلك الأخبار كلها دالة على أن الخالق الباري فوق سبع سمواته لا على ما زعمت المعطلة أن معبودهم هو معهم في منازلهم وكفنهم (على ما هو على عرشه قد استوى).
11 - (175): وفي خبر الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء، في قصة قبض روح المؤمن وروح الكافر، قال في قصة قبض روح الؤمن: (فيقول أيتها النفس الطيبة المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء لا يتركونها في يده طرفة عين فيصعدون بها إلى السماء، فلا يمرون بها على جند من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون فلان بأحسن أسمائه، فإذا انتهى به إلى السماء فتحت له أبواب السماء، ثم شيعه شيعة من كل سماء مقربوها من السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة، ثم يقال: اكتبوا كتابه في عليين). فذكر الحديث بطوله.
12 - حدثناه يوسف بن موسى، قال: ثنا جرير، عن الأعمش، وثنا سلم ابن جنادة، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا الأعمش، الحديث بطوله. قد أمليته في كتاب (الجنائز).
13 - (وحدثا علي بن أبي المنذر، قال: ثنا ابن فضيل، قال: ثنا الأعمش، الحديث بطوله قد أمليته في كتاب الجنائز).
14 - (176): وفي خبر يونس بن خباب، عن المناهل بن عمرو، عن زاذان. عن البراء بن عازب، عن النبي. ﷺ في هذه القصة: (حتى إذا خرجت روحه وصلى عليه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء وفتحت أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه قبلهم، فإذا عرج بروحه قالوا: رب عبدك فلان، فيقول: أرجعوه فإني عهدت إليهم إني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة اخرى).
15 - وحدثنا محمد بن يحيى، قال ثنا عبد الرازق، عن معمر عن يونس بن خباب بهذا.
16 - ثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، وأسد بن موسى، قالا: ثنا أبن أبي ذئب.
17 - وحدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثنا عمي، عن أبي ذئب.
18 - وثنا محمد بن رافع، قال: ثنا أبن أبي فديك، قال: أخبرنا أبن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة «رضي الله ع»: أن النبي ﷺ قال: (إن الميت تحضره الملائكة، فإذاكان الرجل صالحا قيل: اخرجي أيتها النفس الطيبة، كانت في جسد طيب، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان. قال: فيقولون ذلك حتى تخرج، فإذا خرجت عرجت إلى السماء فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان، فيقال: مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فيقال لها كذلك حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الرب ). ثم ذكروا الحديث بطوله قد أمليته في أبواب عذاب القبر.
19 - (177): حدثنا رجاء بن محمد العذري، قال: ثنا عمران بن خالد بن طليق بن عمران بن حصين، قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده، (أن قريشا جاءت إلى الحصين وكانت تعظمه، فقالوا له: كلم لنا هذا الرجل فإنه يذكر آلهتنا ويسبهم، فجاءوا معه حتى جلسوا قريبا من باب النبي ﷺ ودخل الحصين، فلما رآه النبي ﷺ قال: (أوسعوا للشيخ وعمران وأصحابه متوافدون، فقال حصين: ما هذا الذي يبلغنا عنك أنك تشتم آلهتنا وتذكرهم، وقد كان أبوك جفنة وخبزا؟ فقال: يا حصين إن أبي وأباك في النار. يا حصين كم إلها تعبد اليوم؟ قال سبعة في الأرض وإله في السماء، قال: فإذا أصابك الضر من تدعو؟ قال: الذي في السماء، قال: فإذا هلك المال من تدعو؟ قال: الذي في السماء، قال: فيستجيب لك وحده وتشركهم معه). وذكر الحديث. وقد أمليته في كتاب الدعاء.
باب ذكر الدليل على أن الإقرار بأن الله «عَزَّ وجَلّ» في السماء من الإيمان
1 - (178): حدثنا أبو هاشم، زياد بن أيوب، قال: ثنا مبشر، يعني ابن إسماعيل الحلبي عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني هلال بن أبي ميمونة قال: حدثني عطاء بن يسار، قال: حدثني معاوية بن الحكم السلمي، قال: وكانت غنيمة لي ترعاها جارية لي قبل أحد والجوانية، فوجدتُ الذئب قد أخذ منها شاة وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون، فصككتها صكة، ثم انصرفت إلى رسول الله ﷺ فعظّم ذلك علي فقلت: يا رسول الله أفلا اعتقها؟ قال: بلى، ائتني بها فجئت بها إلى رسول الله ﷺ فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: فمن أنا؟ قالت: أنت رسول. الله، قال: إنها مؤمنة فأعتقها".
2 - (179): حدثنا بندار، وأبو قدامة، قالا: ثنا يحيى وهو ابن سعيد، قال بندار: ثنا الحجاج، عن يحيى بن أبي كثير. وقال: أبو قدامة عن حجاج، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير عن هلال أبو ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: "وكانت لي جارية ترعى غنما لي". فذكر الحديث بتمامه.
وفي الخبر فقال: ائتني بها، فقال: أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة".
قال أبو بكر: الحجاج هذا هو الحجاج بن أبي عثمان الصواف، سمعت محمد بن يحيى يقول: الحجاج متين، يريد أنه حافظ متقن.
3 - (180): حدثنا الربيع بن سليمان المرادى، قال: أخبرنا الشافعي، قال: أخبرنا مالك؛ وثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: ثنا محمد بن إدريس، الشافعي، قال: ثنا مالك:
4 - وثنا يوسف بن عبد الأعلى، وثنا ابن وهب، أن مالكا أخبره، عن هلال بن أسامة، عن عطاء بن يسار، عن الحكم أنه قال: أتيت رسول الله ﷺ فقلت يا رسول الله: إن جارية لي كانت ترعى غنما لي، فجئتها ففقدت شاة من الغنم، فسألتها عنها فقالت: أكلها الذئب، فأسفت وكنت من بني آدم فلطمت على وجهها، وعلي رقبة، أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله ﷺ: " أين الله؟ قالت في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها".
5 - (181): حدثنا محمد بن يحيى القطعي، قال: ثنا زياد بن الربيع، قال: ثنا محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة «رضي الله ع» أن محمد بن الشريد جاء بخادم سوداني عتماء إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إن أمي جعلت عليها عتق رقبة مؤمنة، فقال: يا رسول الله: هل يجزى أن أعتق هذه؟ فقال رسول الله ﷺ للخادم: " أين الله، فرفعت رأسها فقالت: في السماء، فقال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة".
6 - (182): حدثنا محمد بن رافع، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا المسعودي، عن عون بن عبد الله، عن أخيه عبيدالله بن عبد الله، عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ بجارية أعجمية، فقال: يا رسول الله: إن علي عتق رقبة مؤمنة، أفأعتق هذه؟ فقال لها رسول الله ﷺ: " أين الله؟ فأشارت إلى السماء، قال رسول الله: ومن أنا، قالت: فأشارت إلى رسول الله وإلى السماء، أي: أنت رسول الله، فقال رسول الله ﷺ: أعتقها فإنها مؤمنة".
7 - (183): حدثنا بحر بن نصر، قال: ثنا أسد السنة - يعني ابن موسى - قال: ثنا المسعودي بهذا مثله، وقال: (بجارية سوداء لا تفصح، فقال: إن علي رقبة مؤمنة، وقال لها رسول الله: ﷺ من ربك؟ فأشارت بيدها إلى السماء، ثم قال: من أنا؟ قالت بيدها ما بين السماء إلى الأرض تعني رسول الله"، والباقي مثله.
8 - (184): حدثنا محمد بن معمر، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا المسعودي، قال: أخبرني عون بن عبد الله بت عتبة، بهذا الإسناد مثله. وقال أيضا "بجارية عجماء لا تفصح، وقال: أعتقها"، وقال: فقال المسعودي مرة: "أعتقها فإنها مؤمنة".
قال أبو بكر: أمليت هذا الباب في كتاب الظهار في ذكر عتق الرقبة في الظهار.
9 - (185): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الرازق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة، عن رجل من الأنصار: "أنه جاء بامرأة سوداء، فقال: يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة، فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقها، فقال: أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت: نعم، قال: أتشهدين أني رسول الله، قالت: نعم، قال: أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟ قالت: نعم، قال: أعتقها".
رواه مالك عن ابن شهاب، عن عبيدالله، عن عبد الله مرسلا، عن النبي ﷺ.
10 - (186): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا بشر بن عمر، قال: ثنا مالك.
قال أبو بكر: " أخطأ الحسين بن الوليد في إسناد هذا الخبر، رواه عن مالك، عن الزهري، عن عبيدالله عن أبي هريرة «رضي الله ع»، عن النبي ﷺ.
11 - (187): حدثنا محمد بن عبد الوهاب، في عقب خبر المسعودي قال: أخبرنا الحسين بن الوليد، عن مالك بن أنس، عن الزهري، عن عبيدالله، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ نحوا من ذلك، يريد من حديث المسعودي عن عون؛ عن عبيدالله بن عبد الله، عن أبي هريرة قال: قال نحوا من ذلك، إلا أنه لم يقل إنها مؤمنة".
قال أبو بكر: لا شك ولا ريب، أن هذا غلط، ليس في خبر مالك ذكر أبي هريرة، فأما معمر في روايته فإنه قال: عن رجل من الأنصار، وأبو هريرة دوسي ليس من الأنصار، ولست أنكر أن يكون خبرا معمرا ثابتا صحيحا، ليس بمستنكر لمثل عبيدالله بن عبد الله أن يروي خبرا عن أبي هريرة، عن رجل من الأنصار، لو كان متن الخبر متنا واحدا، كيف وهما متنان، وهما علمي حديثان لا حديثا واحدا: حديث عون بن عبد الله في الامتحان، إنما أجابت السوداء بالإشارة، لا بالنطق؛ وفي خبر الزهري، أجابت السوداء بنطق: (نعم)، بعد الاستفهام، لما قال لها: أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ وفي الخبر أنها قالت: نعم، وكذا عن الاستفهام قال لها: أتشهدين أني رسول الله قالت: نعم، نطقا بالكلام، والإشارة باليد ليس النطق بالكلام. وفي خبر الزهري: زيادة الامتحان بالبعث بعد الموت، لما استفهمها أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟ فافهموا لا تغالطوا.
باب أخبار ثابتة السند صحيحة القوام
رواها علماء الحجاز والعراق، عن النبي ﷺ في نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة، نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب، من غير أن نصف الكيفية، لأن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا، وأعلمنا أنه ينزل. والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه ﷺ بيان ما بالمسلمين الحاجة إليه من أمر دينهم. فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية، إذ النبي ﷺ لم يصف لنا كيفية النزول.
وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح: أن الله جل وعلا فوق سماء الدنيا، الذي أخبرنا نبينا ﷺ أنه ينزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول: نزل من أسفل إلى أعلى، ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل.
1 - (188): حدثنا (بندار)، محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن أبي إسحاق، عن الأغر.
2 - وحدثنا محمد بن أبي صفوان، قال: ثنا بهز بن أسد، قال: ثنا شعبة، قال: أبو إسحاق قال: سمعت الأغر، قال: أشهد على أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري أنهما شهدا على رسول الله ﷺ أنه قال: " إن الله يمهل حتى يذهب ثلث الليل، فينزل فيقول: هل من سائل؟ هل من تائب؟ هل من مستغفر؟ هل من مذنب؟ فقال له رجل: حتى يطلع الفجر؟ قال: نعم".
(هذا حديث بندار، وفي حديث بهز بن أسد: هل من تائب؟ هل من مستغفر؟، فقال رجل لأبي إسحاق: حتى يطلع الفجر، قال: نعم)".
3 - (189): حدثنا (بندار)، قال: حدثنا ابن مهدي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأغر، أبي مسلم، قال: أشهد على أبي هريرة «رضي الله ع» وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله ﷺ وأنا اشهد عليهما بذلك: أن رسول الله ﷺ قال: "إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل نزل، إلى سماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر؟ هل من داع؟ هل من سائل؟ حتى يطلع الفجر".
قال أبو بكر: الحجازيون والعراقيون يختلفون في كنية (الأغر)، يقول الحجازيون الأغر أبو عبد الله، ويقول العراقيون أبو مسلم. وغير مستنكر أن يكون للرجل كنيتان، وقد يكون للرجل ابنان، اسم أحدهما: عبد الله، واسم الآخر: مسلم، فيكون له كنيتان على اسم ابنيه. وكذا ذو النورين له كنيتان: أبو عمرو وأبو عبد الله، هذا كثير في الكنى.
4 - حدثنا يوسف بن موسى، قال: ثنا جرير عن منصور، عن ابن إسحاق، نحو حديث شعبة في المعنى، ولفظهما مختلفان.
5 - (190): حدثنا أحمد بن سعيد الرباطي، قال: ثنا محاضر بن المورع، قال: ثنا الأعمش عن أبي صالح: قال: ذكر عن أبي سعيد أو عن أبي هريرة «رضي الله ع»، وأبي إسحاق وحبيب عن الأغر عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن الله يمهل حتى يذهب شطر الليل الأول، ثم ينزل إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، حتى ينشق الفجر".
6 - (191): حدثنا أحمد بن سعيد، قال: ثنا محاضر عن الأعمش، قال: قال أبو سفيان، عن جابر أنه قال: "ذاك في كل ليلة".
7 - حدثناه إسحاق بن وهب الواسطي، قال: ثنا محاضر بن المورع قال: ثنا الأعمش، ذكر عن أبي صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة، وأبي إسحاق، وحبيب عن الأغر عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: "قال رسول الله ﷺ: إن الله يمهل حتى يذهب شطر الليل الأول، ثم ينزل إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، حتى ينشق الفجر".
قال: وإن أبا سفيان قد ذكر عن جابر بن عبد الله أنه قال: "ذلك في كل ليلة".
8 - (192): حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، أن مالكا حدثه، عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة «رضي الله ع» أن رسول الله ﷺ قال: "ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟ ".
9 - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: حدثني عمي بمثله، وقال: عن أبي عبد الله سلمان الأغر، قال: "ينزل ربنا.. "، والباقي مثله.
10 - حدثنا أحمد، قال: أخبرنا عمي، قال: أخبرني يونس عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي عبد الله الأغر، أنهما سمعا أبا هريرة «رضي الله ع» يقول: قال رسول الله ﷺ: "ينزل ربنا " ثم ذكر مثله غير أنه لم يقل "حين يبقى ثلث الليل الأخير".
11 - وقال لنا أحمد مرة في خبر يونس: " ينزل ربنا حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى سماء الدنيا فيقول: من يسألني فأعطيه؟ من يدعوني أستجب له؟ من يستغفرني أغفر له؟ "
12 - وقال لنا أحمد مرة في خبر مالك: ثنا عمي قال: حدثني مالك بن أنس (و)، ثنا يحيى بن حكيم، قال: ثنا أبو دواد، قال: ثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن أبي سلمة، والأغر كليهما عن أبي هريرة «رضي الله ع» أخبرهما أن رسول الله ﷺ قال: " ... ".
13 - وحدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا أبي، عن ابن شهاب، عن أبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة، أنه أخبرهما: " أن رسول الله ﷺ ...
14 - وحدثنا محمد، قال ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري.
15 - وحدثنا محمد، قال: ثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال في حديث معمر، أخبرني أبو سلمة والأغر صاحب أبو هريرة.
16 - وفي حديث شعيب، قال: حدثني أبو سلمة، ابن عبد الرحمن، وأبو عبد الله الأغر، صاحب أبي هريرة، أن أبا هريرة،: أخبرنا أن النبي ﷺ قال: مثل حديث يونس، عن ابن وهب، عن مالك، وزاد في خبر شعيب (حتى الفجر)، غير أنه لم يقل في خبر يعقوب: (إلى سماء الدنيا).
17 - (193): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا أبو المغيره، قال: ثنا الأوزاعي عن يحيى، وهو ابن أبي كثير، قال: ثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا مضى شطر الليل الأول أو ثلثاه ينزل الله إلى سماء الدنيا فيقول هل من سائل يعطى؟ هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ حتى ينفجر الصبح".
18 - (194): حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: ثنا المعتمر قال: سمعت محمدا عن أبي سلمة، عن أبي هريرة «رضي الله ع» أن النبي ﷺ قال: " ينزل الله جل وعلا كل ليلة إلى سماء الدنيا لنصف الليل الآخر، أو لثلث الليل الآخر، فيقول: من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟، حتى يطلع الفجر، أو ينصرف القارئ من صلاة الصبح".
19 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا محمد بن عمرو.
20 - وحدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن عمرو، بهذا الإسناد، مثله، إلا أنه قال: "حتى ينفجر الصبح أو ينصرف القارئ من صلاة الصبح".
21 - حدثنا زيد بن أخزم، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا أبي، قال: سمعت النعمان يعني ابن راشد، يحدث عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة «رضي الله ع»، عن النبي ﷺ نحو حديث مالك، عن الزهري، وزاد، قال الزهري: "فلذلك كانوا يفضلون صلاة آخر الليل".
22 - (195): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا موسى بن هارون البردى، قال: ثنا هشام بن يوسف، عن معمر، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: "ينزل ربنا كل ليلة إذا مضى ثلث الليل الأول يقول: أنا الملك، أنا الملك، من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك إلى الفجر".
23 - حدثنا محمد بن الأعلى، الصنعاني، قال: ثنا المعتمر، قال سمعت عبيدالله عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة «رضي الله ع».
24 - وحدثنا محمد بن بشار، وعمرو بن علي، ويحيى بن حكيم، قال: يحيى: عن عبيدالله، قال أخبرني سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة «رضي الله ع».
25 - وحدثنا يحيى بن حكيم، قال: ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد، قال: ثنا هشام بن حسان، وعبيدالله، عن سعيد، عن أبي هريرة «رضي الله ع».
26 - وحدثنا يحيى بن حكيم قال: ثنا ابن أبي عدي، عن محمد بن إسحق قال: قال: أخبرني سعيد بن أبي سعيد عن عطاء، عن أبي هريرة.
27 - وثنا أبو موسى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي جعفر، أنه سمع أبا هريرة يقول ...
28 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا خالد يعني ابن الحرث قال: ثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي جعفر أنه سمع أبا هريرة، يقول ...
29 - وحدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا محاضر، قال: ثنا الأعمش، عن أبي صالح، ذكره عن أبي سعيد الخدري، أو عن أبي هريرة وأبي إسحاق وحبيب عن الأغر، عن أبي هريرة.
30 - وحدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم البزار، قال: ثنا أبو بدر، شجاع ابن الوليد، قال: ثنا سعيد بن سعيد قال: سمعت سعيد بن مرجانة، عن أبي هريرة «رضي الله ع».
31 - وحدثنا محمد بن يحيى وإسحاق بن وهب الواسطي، قالا: ثنا محاضر قال: ثنا سعد يعني ابن سعيد بن قيس. وقال إسحاق: ثنا سعد بن سعيد الأنصاري، قال: ثنا سعيد بن أبي سعيد بن مرجانة، قال: (سمعت أبا هريرة «رضي الله ع» يقول).
هكذا نسباه سعيد بن أبي سعيد بن مرجانة.
32 - وحدثنا محمد بن رافع، قال: ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، قال: حدثنا بن أبي ذئب، عن القاسم بن عباس، عن نافع بن جبير وهو ابن مطعم عن أبي هريرة «رضي الله ع» رفعوه جميعا إلى النبي ﷺ قال بعضهم: عن النبي ﷺ، وقال بعضهم: قال رسول الله ﷺ، فذكروا جميعا الحديث في نزول الرب جل وعلا كل ليلة إلى سماء الدنيا.
قال في خبر ابن أبي ذئب (ينزل الله شطر الليل فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى ترجل الشمس).
وألفاظ الآخرين خرجتها في كتاب الصلاة، خلا خبر المعتمر فإني لم أكن خرجته، وخبر المعتمد قبل خبر ابن أبي سعيد إلا أنه قال: "إن الله تعالى وتقدس ينزل تلك الساعة إلى سماء الدنيا فيقول: هل من داع فأجيبه؟ هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ ".
وفي جميع الأخبار: "ينزل إلى سماء الدنيا" خلا خبر محمد بن إسحاق، فإن فيه "يهبط الله إلى سماء الدنيا".
وفي خبر محاضر، قال الأعمش: وأرى أبا سفيان ذكره عن جابر أنه قال: "كل ليلة".
33 - حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: ثنا إسماعيل بن علية، عن هشام الدستوائي، أنه قال: "ذلك في كل ليلة".
34 - وحدثنا الزعفراني، قال: ثنا عبد الله بن بكر السهمي، قال: ثنا هشام.
35 - وثنا الزعفراني، أيضا، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا الدستوائي ...
36 - وثنا محمد بن عبد الله بن ميمون بالاسكندرية قال: ثنا الوليد، عن الأوزاعي، جميعا عن يحيى عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، قال: حدثني رفاعة الجهني.
37 - وثنا أبو هاشم زياد بن أيوب، قال: ثنا مبشر - يعني ابن إسماعيل الحلبي - عن الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: ثنا هلال بن أبي ميمونة، قال: حدثني عطاء بن يسار، قال: حدثني رفاعة بن عرابة الجهني، قال: " صدرنا مع رسول الله ﷺ من مكة، فجعلوا يستأذنون النبي ﷺ فجعل يأذن لهم، فقال النبي ﷺ: ما بال شق الشجرة الذي يلي رسول الله ﷺ أبغض إليكم من الشق الآخر؟ فلا يرى من القوم إلا باكيا. قال أبو بكر الصديق: إن الذي يستأذن بعد هذا في نفس لسفيه. فقام النبي ﷺ فحمد الله وأثنى عليه، وكان إذا حلف قال: والذي نفسي بيده، أشهد عند الله ما منكم أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ثم يسدد إلا سلك به في الجنة. ولقد وعدني ربي «عَزَّ وجَلّ» أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفا بغير حساب ولا عذاب، وإني أرجو أن تدخلوها حتى تبوءوا ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكنكم في الجنة..
ثم قال: "إذا مضى شطر الليل، أو قال ثلثاه ينزل الله إلى سماء الدنيا ثم يقول: لا أسأل عن عبادي غيري: من ذا الذي يسألني فأعطيه. من ذا الذي يدعوني فأجيبه. من ذا الذي يستغفرني فأغفر له. حتى ينفجر الصبح".
هذا لفظ حديث الوليد بن مسلم. خرجت ألفاظ الآخرين في أبواب الشفاعة، وحفظي أن في أخبار الآخرين: (إن الذي يستأذنك بعدها في نفس لسفيه).
وفي أخبار النبي ﷺ: أن يدخل من أمتي سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب، وإني لأرجو أن لا يدخلها حتى تبوءوا أنتم.. ".
38 - (197): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا هشام بن عبد الملك، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار.
39 - وثنا محمد بن أبي صفوان الثقفي، قال: ثنا بهز بن أسد، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا عمرو بن دينار، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: قال رسول ﷺ: " ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه. هل من مستغفر فأغفر له. "
وقال (بندار في حديثه): "ينزل الله : كل ليلة إلى سماء الدنيا".
40 - أخبرني سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، قال: ثنا سفيان، عن عمرو، عن نافع بن جبير، عن رجل من أصحاب النبي ﷺ قال: "إذا ذهب نصف الليل ينزل الله إلى سماء الدنيا، فيفتح بابها فيقول: من ذا الذي يسألني فأعطيه. من ذا الذي يدعوني فأستجيب له. حتى يطلع الفجر".
قال أبو بكر: ليس رواية سفيان بن عيينة مما توهن رواية حماد بن سلمة، لأن جبير بن مطعم هو: رجل من أصحاب النبي ﷺ، وقد يشك المحدث في بعض الأوقات في بعض رواة الخبر ويستقين في بعض الأوقات، وربما شك سامع الخبر من المحدث في اسم بعض الرواة، فلا يكون شك من شك في اسم بعض الرواة مما يوهن من حفظ اسم الراوي. حماد بن سلمة رحمه الله قد حفظ اسم جبير بن مطعم في هذا الإسناد، وإن كان ابن عيينة شك في اسمه فقال عن رجل من أصحاب النبي ﷺ. وخبر القاسم بن عباس: إسناد آخر، نافع بن جبير عن أبي هريرة «رضي الله ع»، وغير مستنكر لنافع بن جبير مع جلالته ومكانه من العلم أن يروي خبرا عن صحابي عن النبي ﷺ وعن جماعة من أصحاب النبي ﷺ أيضا. ولعل نافعا إنما روى خبر أبي هريرة عن النبي ﷺ الذي رواه عن أبيه لزيادة المعنى في خبر أبي هريرة، لأن في خبر أبي هريرة (فلا يزال كذلك حتى ترجل الشمس)، وليس في خبره عن أبيه ذكر الوقت، إلا أن في خبر (ابن عيينة): " حتى يطلع الفجر"، وبين طلوع الفجر وبين ترجل الشمس ساعة طويلة. فلفظ خبره الذي روى عنه أبيه، أو عن رجل من أصحاب النبي ﷺ غير مسمى بلفظ، غير لفظ خبره الذي روى عن أبي هريرة؛ فهذا كالدال على أنهما خبران لا خبرا واحدا.
41 - (198): حدثنا يوسف بن موسى، قال: ثنا جرير، وابن فضيل عن إبراهيم الهجري.
42 - وثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا إبراهيم، عن أبي الأحوص، رفعه.
وقال يوسف في حديثه: "قال رسول الله ﷺ: " إن الله يفتح أبواب السماء في ثلث الليل الباقي، ثم يهبط إلى سماء الدنيا، فيبسط يديه: ألا عبد يسألني فأعطيه؟ فما يزال كذلك حتى تسطع الشمس".
وقال محمد بن يحيى في حديثه: "فيبسط يده فيقول: ألا عبد.. ".
43 - وروى على بن زيد بن جدعان، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص، عن النبي ﷺ قال: " ينزل الله اليى سماء الدنيا كل ليلة فيقول: هل من داع؟ فأستجيب له؟ هل من سائل؟ فأعطيه؟ هل من مستغفر؟ فأغفر له.
44 - حدثناه محمد بن بشار، قال: ثنا هشام - يعني ابن عبد الملك - أخبرنا الوليد.
45 - وثنا محمد بن يحيى، قال ثنا أبو الوليد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن يزيد.
46 - (199): وروى الليث بن سعد، قال: حدثني زياد بن محمد، عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدرداء، عن رسول الله ﷺ قال: " إن الله «عَزَّ وجَلّ» ينزل في ثلاث ساعات بقين من الليل، يفتح الذكر في الساعة الأولى لم يره أحد غيره، فيمحو ما شاء ويثبت ما شاء، ثم ينزل في الساعة الثانية إلى جنة عدن، التي لم ترها عين، ولم تخطر على قلب بشر، ولا يسكنها بني آدم غير ثلاثة: النبيين والصديقين والشهداء، ثم يقول: طوبى لمن دخلك. ثم ينزل في الساعة الثالثة إلى سماء الدنيا بروحه وملائكته، فتنتفض فيقول: قيومي بعزتي، ثم يطلع إلى عباده فيقول: هل من مستغفر أغفر له، هل من داع أجيبه، حتى تكون صلاة الفجر".
ولذلك يقول: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا)، فيشهده الله وملائكة الليل والنهار".
حدثنا الامام: محمد بن يحيى، قال: ثنا سعيد بن أبي مريم المصرى، قال: ثنا الليث بن سعد.
47 - وثنا علي بن داود القنطري، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا الليث ابن سعد، بهذا الحديث بتمامه.
قال لنا علي بن داود، قال ابن بكير: في هذا الحديث ثم ينزل الله إلى سماء الدنيا، فتنتفض فيقول: قيومي بعزتي".
ولفظ متن خبر أبي صالح قال: " إذا كان في آخر ثلاث ساعات بقين من الليل، ينظر الله في الساعة الأولى، في الكتاب الذي لا ينظر فيه غيره فيمحو ما شاء ويثبت. ثم ينظر في الساعة الثانية في عدن، وهي مسكنه، لا يكون معه فيها إلا النبيون والصديقون والشهداء وفيها ما لم تره عين، ولم يخطر على قلب بشر. ثم هبط في الساعة الثالثة إلى سماء الدنيا فيقول: من يسألني؟ فأعطيه، من يستغفرني؟ فأغفر له، من يدعوني؟ فأجيبه حتى يطلع الفجر".
ثم قرأ (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا)، يشهده الله وملائكته.
48 - (200): روى عمرو بن الحرث، أن عبد الملك حدثه، عن المصعب بن أبي ذئب عن القاسم بن محمد، عن أبيه، أو عمه، عن جده، عن رسول الله ﷺ أنه قال: "ينزل الله «عَزَّ وجَلّ» ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا، فيغفر لكل شيء إلا الإنسان في قلبه شحناء، أو مشرك بالله.
حدثناه أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثني عمرو بن الحرث.
أبواب إثبات صفة الكلام لله «عَزَّ وجَلّ»
باب ذكر تكليم الله كليمه موسى..
خصوصية خصه الله بها من بين الرسل. بذكر آي مجملة غير مفسرة، فسرتها آيات مفسرات.
قال أبو بكر: نبدأ بذكر تلاوة الآي المجملة غير المفسرة، ثم نثني بعون الله وتوفيقه بالآيات المفسرات.
الأدلة من الكتاب
قال الله تعالى: (تلك الرسل فضلنا بعضها على بعض منهم من كلم الله.. ) الآية.
فأجمل الله تعالى ذكر من كلمه (الله) في هذه الآية فلم يذكره باسم ولا نسب ولا صفة فيعرف المخاطب بهذه الآية التالي لها أو سامعها من غيره أي الرسل الذي كلمه الله من بين الرسل. وكذلك أجمل الله أيضا في هذه الآية الجهات التي كلم الله عليها من علم أنه كلمهم من الرسل، فبين في قوله (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء)، الجهات التي كلم الله عليها بعض البشر. فأعلم أنه كلم بعضهم وحيا، أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء. وبين في قوله: (وكلم الله موسى تكليما) أن موسى ﷺ كلمه تكليما، فبين لعباده المؤمنين في هذه الآية ما كان أجمله في قوله (منهم من كلم الله)، فسمى في هذه الآية كليمه، وأعلم أنه موسى الذي خصه الله بكلامه، وكذلك قوله تعالى: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه) مفسر للآية الأولى؛ سمى الله في هذه الآية كليمه وأعلم أنه موسى، الذي خصه الله بالتسمية من بين جميع الرسل صلوات الله عليهم. وأعلم جل ثناؤه أن ربه الذي كلمه، وأعلم الله تعالى أنه اصطفى موسى برسالته وبكلامه، فقال «عَزَّ وجَلّ»: (يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي، فخذ ما آتيتك وكن مع الشاكرين). ففي هذه الآية: زيادة بيان، وهي: إعلام الله في هذه الآية بعض ما به كلم موسى. ألا تسمع قوله (إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي)، إلى قوله (وكن من الشاكرين).
وبين في آي أخر بعض ما كلمه الله «عَزَّ وجَلّ» به، فقال في سورة طه: (فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى، وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى، إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري.. )، إلى آخر القصة، وقال في سورة النمل: (إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر) إلى قوله: (فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها). إلى قوله: (يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم).
وقال في سورة القصص: (فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين). إلى آخر القصة.
فبين الله في الآيات الثلاث بعض ما كلم الله به موسى، مما لا يجوز أن يكون من ألفاظ ملك مقرب ولا ملك غير مقرب: غير جائز أن يخاطب ملك مقرب موسى فيقول: (إني أنا الله رب العالمين) أو يقول: (إني أنا ربك فاخلع نعليك).
قال الله تعالى: (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا)، فأعلم الله في هذه الآية أن له جل وعلا كلمة يتكلم بها.
الأدلة من السنة
فاسمعوا الآن سنن النبي ﷺ الصريحة، بنقل العدل عن العدل موصولا إليه، المبينة أن الله اصطفى موسى بكلامه خصوصية خصه بها من بين سائر الرسل عليهم السلام.
1 - (201): حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، وبشر بن معاذ العقدي، وأبو الخطاب والزيادي، قالوا: ثنا بشر وهو ابن المفضل قال: ثنا داود، عن الشعبي، عن أبي هريرة رض الله عنه عن النبي ﷺ قال: "لقي موسى آدم".
فذكروا الحديث بتمامه، وفي الخبر: " فقال آدم ألست موسى اصطفاك الله على الناس برسالاته وبكلامه.. "؟.
2 - قال يحيى بن حبيب، عن داود، عن عامر ...
3 - وثنا عبد الجبار بن العلاء، قال: ثنا سفيان عن عمرو وهو ابن دينار، قال: أخبرنا طاووس، قال سمعت أبا هريرة «رضي الله ع» يذكر عن النبي ﷺ فذكر هذا الحديث وقال: "فقال آدم: يا موسى: اصطفاك الله بكلامه، وخط لك بيده". ثنا به الزعفراني قال: ثنا سفيان بن عيينة، بهذا وقال: " وخط لك التوراة بيده". وقال عن طاوس، سمع أبا هريرة «رضي الله ع» يقول: قال رسول الله ﷺ.
4 - ثنا يوسف بن موسى، قال: ثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قال رسول الله ﷺ ... فذكر الحديث وقال: "قال آدم: أنت موسى، اصطفاك الله بكلامه، وبرسالته وكلمك تكليما".
5 - (حدثنا محمد بن بشار، ثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، عن سليم بهذا الإسناد، وقال: قال آدم: " أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه، وبرسالاته".. ).
6 - (202): حدثنا الربيع بن سليمان المرادى، قال: ثنا ابن وهب، عن سليمان بن بلال.
7 - (وثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني أخي، عن سليمان بن بلال)، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، قال: سمعت أنس بن مالك، يحدثنا عن ليلة اسرى بالنبي ﷺ، من مسجد الكعبة، الحديث بطوله. وقال: "حتى انتهى إلى قوله كل سماء فيها الأنبياء قد سماهم أنس، فوعيت منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة، بفضل كلام الله، فقال موسى: رب لم أظن أن يرفع علي فيه أحد، ثم علا به فوق ذلك، بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسن أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما شاء، فأوحى إليه فيما أوحى خمسين صلاة على أمته كل يوم وليلة، ثم هبط، ثم هبط، ثم بلغ موسى". فذكر باقي الحديث.
8 - (203): حدثنا علي بن المنذر، قال: ثنا محمد بن فضيل، قال: ثنا أبو مالك، وهو سعد بن طارق، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، وعن ربعي بن حراش، عن حذيفة قالا: قال رسول الله ﷺ: "يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف الجنة فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنة، فيقول: هل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم؟ فيقول: لست بصاحب ذلك، اعمدوا إلى ابني إبراهيم خليل ربه، فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك، إنما كنت خليلا من وراء وراء، اعمدوا إلى ابني موسى الذي كلمة الله تكليما، فيأتون موسى.. ". فذكروا الحديث بطوله. خرجته في كتاب ذكر نعيم الآخرة.
قال أبو بكر: هذه اللفظة " وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم" من إضافة الفعل إلى الفاعل الذي قد بينته في مواضع من كتبنا أن العرب قد تضيف الفعل إلى الفاعل، لأنها تريد أن الفعل بفعل فاعل.
9 - (204): حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قال: ثنا ابن أبي عدي عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق، أن جعفرا وهو ابن أبي طالب، قال: "يا نبي الله ائذن لي أن آتي أرضا أعبد الله فيها لا أخاف أحدا، قال: فأذن له فأتى أرض الحبشة".
قال: فحدثنا عمر بن العاص، أو قال: قال عمرو بن العاص: "لما رأيت جعفر وأصحابه آمنين بأرض الحبشة حسدته، قال: قلت لأستقبلن هذا وأصحابه، قال: فأتيت النجاشي فقلت: إن بأرضك رجلا ابن عمه بأرضنا يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد، وإنك والله إن لم تقتله وأصحابه لا أقطع إليك هذه القطيعة أبدا أنا ولا أحد أصحابي. قال: اذهب إليه فادعه، قال: قلت إنه لا يجيء معي (فأرسل معي رسولا)، فأتيته وهو بين ظهري أصحابه يحدثهم، قال: فقال له أجب، قال: فجئنا إلى الباب فناديت ائذن لعمرو بن العاص، فرفع صوته، ائذن لحزب الله، قال: فسمع صوته، فأذن له قبلي، قال: فوصف لي عمرو السرير، قال: وقعد جعفر بين يدي السرير وأصحابه حوله على الوسائد، قال: قال عمرو: فجئت فلما رأيت مجلسه قعدت بينه وبين السرير فجعلته خلف ظهري، قال: وأقعدت بين كل رجلين من أصحابه رجلا من أصحابي. قال: قال النجاشي: "نخر يا عمرو بن العاص (أي: تكلم)، قال فقلت ابن عم هذا بأرضنا، يزعم أن ليس للناس إله إلا إله واحد، وإنك والله لئن لم تقتله وأصحابه لا أقطع إليك هذه القطيعة أبدا أنا ولا أحد من أصحابي. قال: نخر يا حزب الله، نخر، قال: فحمد الله وأثنى عليه وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وقال: صدق، وهو ابن عمي، وأنا على دينه، قال عمرو: فوالله إني أول ما سمعت التشهد قط إلا يومئذ، قال بيده هكذا، ووضع ابن عدي يده على جبينه، وقال أوه أوه حتى قلت في نفسي العن العبد الحبشي ألا يتكلم، قال: ثم رفع يده، فقال: يا جعفر ما يقول في عيسى؟ قال: يقول هو روح الله وكلمته، قال: فأخذ شيئا تافها من الأرض، قال: ما أخطأ منه مثل هذه، ثم يا حزب الله، فأنت آمن بأرضي، من قاتلك قتلته، ومن سبك غرمته. قال: وقال: لولا ملكي وقومي لاتبعتك فقم. وقال لآذنه: انظر هذا، فلا تحجبه عني إلا أن أكون مع أهلي، فإن أبى إلا أن يدخل فإذن له. وقم أنت يا عمرو بن العاص، فوالله ما ابالي ألا تقطع إلي هذه القطعة أبدا أنت ولا أحد من أصحابك، قال: فلم نعد أن خرجنا من عنده فلم يكن أحد ألقاه خاليا أحب الي من جعفر، قال: فلقيته ذات يوم في سكة فنظرت فلم أر خلفه فيها أحدا، ولم أر خلفي أحدا، قال: فأخذت بيده، وقال: قلت: تعلم أني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، قال: غمز يدي، وقال: هداك الله فأثبت، قال: فأتيت أصحابي فواالله كأنما شهدوني وإياه، قال: فأخذوني فألقوا على وجهي قطيفة، فجعلوا يغموني بها وجعلت أمارسهم، قال: فأفلت عريانا ما علي قشرة، قال: فأتيت على حبشية فأخذت قناعها من رأسها، قال: وقالت لي بالحبشية: كذا وكذا، (فقلت لها، لذا ولدي)، قال: فأتيت جعفر وهو بين ظهري أصحابه يحدثهم قال: قلت ما هو إلا أن فارقتك، فعلوا بي وذهبوا كل شيء من الدنيا هو لي، وما هذا الذي ترى علي إلا من متاع حبشية. قال: فقال: انطلق، قال: فأتى الباب فنادى، ائذن لحزب الله، قال: فخرج الآذن، فقال إنه مع أهله، قال: استأذن لي، فأذن له فدخل. قال إن عمرو بن العاص قد ترك دينه واتبع ديني، قال: قال: كلا، قال: قلت بلى، قال: قال: كلا، قلت بلى، قال: كلا، قلت بلى، قال: فقال لآذنه: اذهب فإن كان كما يقول: فلا يكتبن لك شيئا إلا أخذه، قال: فكتبت كل شيء حتى كتبت المنديل وحتى كتبت القدح، قال: فلو أشاء أن آخذ من أموالهم إلى مالي فعلت، ثم كتب في الذين جاءوا في سفر المسلمين.
قال: أبو بكر بمعنى قوله "روح الله وكلمته" باب سيأتي في موضعه في هذا الكتاب إن شاء.
وأما الأخبار التي فيها ذكر الشفاعة الأولى "فيأتون موسى فيقولون أنت الذي كلمك الله تكليما". فأخرجتها في باب الشفاعات، فأغنى ذلك عن تكراره في هذا الموضع.
باب ذكر البيان
أن الله جل وعلى كلم موسى "عليه السلام" من وراء حجاب، من غير أن يكون بين الله وبين موسى ﷺ رسول يبلغه كلام ربه، ومن غير أن يكون موسى "عليه السلام" يرى ربه «عَزَّ وجَلّ» في وقت كلامه إياه.
1 - (205): حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثني عمي، قال: حدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب، «رضي الله ع» قال: قال رسول الله ﷺ إن موسى "عليه السلام" قال: يا رب: أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فأراه الله آدم.. فقال: أنت أبونا آدم، قال له آدم: نعم، قال: أنت الذي نفخ الله فيك من روحه وعلمك الاسماء كلها وأمر ملائكته فسجدوا لك؟ قال: نعم، قال: فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ قال له آدم: ومن أنت؟ قال: أنا موسى. قال: نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء حجاب، لم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه؟ قال: نعم. قال: فما وجدت في كتاب الله أن ذلك كان في كتاب الله «عَزَّ وجَلّ» قبل أن يخلق آدم؟ قال نعم. قال: فبم تلومني في شيء سبق من الله «عَزَّ وجَلّ» فيه القضاء قبلي؟ قال رسول الله ﷺ عند ذلك: "فحج آدم موسى" عليهما السلام.
باب صفة تكلم الله بالوحي وشدة خوف السموات منه وذكر صعق أهل السموات وسجودهم لله عزوجل
1 - (206): حدثنا ذكريا بن يحيى بن إياس المصري، قال: ثني نعيم بن حماد، قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن ابن أبي زكريا، عن رجاء بن حيوة، عن النواس بن سمعان، قال: قال رسول الله ﷺ: " إذا أراد الله «عَزَّ وجَلّ» أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي، أخذت السموات منه رجفة، أو قال رعدة شديدة، خوفا من الله، فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل على الملائكة، كلما مر بسماء سماء سأله ملائكتها: "ماذا قال ربنا يا جبريل؟ " فيقول جبريل ﷺ: قال الحق، وهو العلي الكبير، قال فيقولون: كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي حيث أمره الله".
قال أبو بكر: عبد الله بن أبي زكريا، أحد عبادهم.
باب من صفة تكلم الله «عَزَّ وجَلّ» بالوحي
والبيان أن كلام ربنا لايشبه كلام المخلوقين، لأن كلام الله كلام متواصل، لا سكت بينه، ولا سمت، لا ككلام الآدميين الذي يكون بين كلامهم سكت وسمت، لانقطاع النفس أو التذاكر أو العي، منزه الله مقدس من ذلك أجمع .
1 - (207): حدثنا علي بن الحسين بن إبراهيم بن الحر، قال: ثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق، عن عبد الله، قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، قال: فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، فإذا أتاهم جبريل فزّع عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل ماذا قال ربك؟ قال: يقول الحق. قال فينادون: الحق الحق".
2 - (208): حدثنا أبو موسى، وسلم بن جنادة، قالا: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا الأعمش، عن مسلم وهو ابن صبيح عن مسروق عن عبد الله، قال: "إن الله إذا تكلم بالوحي سمع أهل السموات للسماء صلصلة كجر السلسلة علي الصفا، فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، فإذاجاءهم جبريل فزع عن قلوبهم، قال: فيقولون: يا جبريل: ماذا قال ربك؟ قال: الحق". قال سلم: فيقول الحق، وقالا: فينادون: "الحق الحق".
3 - (209): حدثنا محمد بن بشار (بندار)، قال ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة.
وثنا بشر بن خالد، قال: ثنا محمد عن شعبة، عن سليمان قال: سمعت أبا الضحى يحدث عن مسروق قال: قال عبد الله: " إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان، فيرون أنه من أمر السماء، فيفزعون، فإذا سكن عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير".
هذا حديث محمد بن صبيح، الصواب مسلم بن صبيح.
وقال بندار عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله، قال: "إذا تكلم الله بالوحي، سمع أهل السموات للسموات صلصلة، كجر السلسلة على الصفوان فيفزعون، يرون أنه من أمر السماء حتى إذا فزع على قلوبهم ينادون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير".
4 - حدثنا أبو موسى، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا سفيان قال: ثنا منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: سئل عبد الله عن هذه الآية: (حتى إذا فزع عن قلوبهم) قال: إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات للسموات صلصلة كجر السلسلة على الصفا". قال أبو موسى فذكر نحوا مما ثنا أبو معاوية.
5 - (210): حدثنا عبد الله بن سعيد الأشج، قال: ثنا ابن أبي نمر، عن الأعمش عن مسلم عن مسروق، عن عبد الله قال: "إذا تكلم الله سبحانه وتعالى بالوحي، سمع أهل السموات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان، فيصعقون لذلك، ويخرون سجدا، فإذا علموا أنه وحي، فزع عن قلوبهم، قال: ردت إليهم ارواحهم، فينادي أهل السموات بعضهم بعضا ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير".
6 - (211): حدثنا سلم بن جنادة، قال: ثنا وكيع عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله، قال: " إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات للسموات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان، فيخرون سجدا، فيرفعون رؤوسهم فيقولون: ماذا قال ربكم؟ فيقولون: قال الحق وهو العلي الكبير".
7 - (212): حدثنا عبد الجبار بن العلاء، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي، قال: ثنا سفيان، عن عمرو وهو ابن دينار عن عكرمة، عن أبي هريرة «رضي الله ع» يبلغ به النبي ﷺ.
وقال المخزومي في روايته أن النبي ﷺ قال: إذا قضى الله في السماء أمرا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنها سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الذي قال الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترقو السمع وهم هكذا واحد فوق الآخر، وأشار سفيان بأصابعه وربما أدرك الشهاب المستمع فيحرقه، وربما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي أسفل منه ويرميها الآخر على من هو أسفل منه، فيلقيها على فم الساحر أو الكاهن، فيكذب عليها ما يريد، فيحدث بها الناس، فيقولون قد أخبرنا بكذا فوجدنا حقا، فيصدق بالكلمة التي سمعت من السماء".
هذا حديث عبد الجبار، إلا أنه قال: " إذا قضي الأمر في السماء". وقال المخزومي: " قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، قال: ومسترقو السمع بعضهم فوق بعض، فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، فيدركه الشهاب، فيلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فيكذب معها مائة كذبة، قال: فقال أليس قد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة".
قال أبو بكر: قد أمليت خبر ابن عباس عن رجال من الأنصار، "كنا عند النبي ﷺ إذا رمي بنجم فاستنار ... " الحديث بتمامه. وخبر سعيد بن جبير، عن ابن عباس في كتاب التوكل.
8 - (213): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، قال: " إذا حدث أمر عند العرش، سمعت الملائكة صوتا كجر السلسلة، قال: فيغشى عليهم، فاذا فزع عن قلوبهم، فيقولون: ماذا قال ربكم؟ فيقولون: ما شاء الله، الحق وهو العلي الكبير".
9 - حدثنا سلم بن جنادة، قال، ثنا وكيع، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك، قال: "إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات صلصلة كصلصلة الحديث على الصفوان".
10 - حدثنا سلم، قال: ثنا وكيع، عن يزيد بن إبراهيم، قال: سمعت الحسن يقول: "حتى إذا فزع عن قلوبهم، قال: تجلى على قلوبهم".
باب صفة نزول الوحي على النبي ﷺ
والبيان أنه قد كان يسمع بالوحي في بعض الأوقات، صوتا كصلصلة الجرس.
قال أبو بكر: قد كنت أمليت بعض طرق الخبر في كتاب صفة نزول القرآن.
1 - (214): فحدثنا يوسف بن عبد الأعلى، قال أخبرنا عبد الله بن وهب، أن مالكا حدثه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة «رضي الله ع»، أن الحرث بن هشام سأل رسول الله ﷺ: كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله ﷺ: "أحيانا مثل صلصلة الجرس، فهو أشده عليّ فيفصم عني وقد وعيت ما قال. وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول". قالت عائشة: "ولقد رأيته ينزل عليه الوحي (جبريل) في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقا".
باب إن الله جل وعلا يكلم عباده يوم القيامة من غير ترجمان يكون بين الله «عَزَّ وجَلّ» وبين عباده بذكر لفظ عام مراده خاص
1 - (215): حدثنا عبد الله بن سعيد الأشج، عن أبن نمير.
2 - وثنا علي بن خشرم، قال أخبرنا عيسى بن يونس، عن الأعمش؛
3 - وثنا الزعفراني، الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو معاوية الضرير ووكيع بن الجراح، واللفظ لوكيع، قال: ثنا الأعمش؛
4 - وثنا عبد الله بن سعيد الأشج، وأبو هاشم، زياد بن أيوب، قالا: ثنا وكيع، عن الأعمش؛
5 - وثنا أبو هاشم، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا الأعمش، عن خيثمة، عن عدي بن حاتم (كلهم قالوا: عن خيثمة، عن عدي بن حاتم)، قال: قال رسول الله ﷺ؛
6 - وحدثنا إسحاق بن منصور، قال أخبرنا أبو أسامة، عن الأعمش، قال: ثنا خيثمة بن عبد الرحمن، عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله ﷺ: "ما منكم من أحد إلا سيكلم ربه ليس بينه وبينه ترجمان، ثم ينظر من أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، ثم ينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، ثم ينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة". هذا لفظ حديث عيسى بن يونس.
وقال الزعفراني: "من استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل". وقال الأشج في حديث وكيع: " فينظر عمن أيمن منه فلا يرى إلا شيئا قدمه، وينظر عن من أشأم منه فلا يرى شيئا قدمه وينظر أمامه".
ومعاني أحاديثهم قريبة، وكلهم قالوا في الخبر "ما منكم أحد إلا سيكلمه ربه، وقال وسيكلمه ربه، أو قال سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان"؛ إلا أن في حديث أبي أسامة: "ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان".
7 - (216): حدثنا علي بن سلمة اللبقي حفظا، قال: ثنا زيد بن الحباب، قال: ثنا حسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله ﷺ: " ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان".
8 - (217): حدثنا عبد الله بن سعيد الأشج، قال: ثنا وكيع عن شريك، عن هلال بن أبي حميد، وهو الوزان، عن عبد الله بن عكيم الجهني، عن عبد الله بن مسعود، قال: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه فيقول: ابن آدم: ما غرك بي، ماذا عملت فيما علمت؟ ماذا أجبت المرسلين؟ ".
9 - (218): حدثنا زيد بن أخزم الطائي، قال: ثنا وحب بن جرير قال: ثنا أبي، قال سمعت الأعمش يحدث عن خيثمة، بن عبد الرحمن، عن عدي بن حاتم، عن النبي ﷺ قال: "أيمن أمرئ وأشأمه بين لحييه".
قال لنا زيد: سمعته مرتين، مرة رفعه ومرة لم يرفعه. وقال لنا زيد مرة، وسمعته مرة وسئل عنه فقال: لا أهاب أن أرفعه.
10 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو اسامة، عن جرير بن حازم، عن الأعمش، عن خيثمة بن عبد الرحمن، عن عدي بن حاتم، أنه قال: (أيمن امرئ وأشأمه بين لحييه).
قال أبو بكر: وهذا هو الصحيح.
باب ذكر بعض ما يكلم به الخالق جل وعلا عباده
مما ذكر النبي ﷺ: أن الله يكلمهم به من غير ترجمان يكون بين العزيز العليم وبين عباده، والبيان أن الله «عَزَّ وجَلّ» يكلم الكافر والمنافق أيضا تقريرا وتوبيخا.
1 - (219): حدثنا الحسين بن عيسى البسطامي، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا إسرائيل، قال: ثنا سعد الطائي، قال ثنا ابن خليفة قال: ثنا عدي بن حاتم، قال: كنت جالسا عند رسول الله ﷺ إذ جاءه رجل فشكا إليه الحاجة، وجاء آخر فشكا قطع السبيل، فقال لي رسول الله ﷺ هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها، فقال: لئن طالت بك حياة ليفتحن علينا كنوز كسرى، قلت: يا رسول الله، كسرى بن هرمز، قال: كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترى أن الرجل يجيء بملء كفه ذهبا أو فضة يلتمس من يقبله فلا يجد أحدا يقبله. وليلقين الله أحدكم يوم القيامة وليس بينه وبين ترجمان يترجم له فيقول: ألم أرسل إليك رسولا فيبلغك؟ فيقول بلى، فيقول: ألم أعطك مالا فأفضل عليك؟ فيقول بلى. فينظر عينه يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم. قال رسول الله ﷺ: فاتقوا النار ولو بشق تمرة، وإن لم تجدوا فبكلمة طيبة".
قال عدي: فلقد رأيت الظعينة يرتحلون من الحيرة حتى يطوفوا بالكعبة آمنين لا يخافون إلا الله. ولقد كنت فيمن افتتح كنوز كسرى، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال أبو القاسم ﷺ: "يجيء الرجل بملء كفه ذهبا أو فضة لا يجد من يقبله منه".
2 - حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عثمان بن عمرو بنحوه.
باب ذكر البيان الشافي لصحة ما ترجمته للباب قبل هذا
أن الله جل وعلا يكلم الكافر والمنافق يوم القيامة تقريرا وتوبيخا، وذكر إقرار الكافر في ذلك الوقت بكفره في الدنيا، وهو إقراره أنه لم يكن يظن في الدنيا أنه ملاق ربه يوم القيامة، فمن كان غير مؤمن في الدنيا غير مصدق بأنه ملاق ربه يوم القيامة، فكافر غير مؤمن. وذكر دعوى المنافق في ذلك الوقت أنه كان مؤمنا بربه «عَزَّ وجَلّ»، وبنبيه وبكتابه، صائما ومصليا، مزكيا في الدنيا وانطاق الله «عَزَّ وجَلّ» فخذ المنافق ولحمه وعظامه لما كان يعمل في الدنيا تكذيبا لدعواه بلسانه.
1 - (220): حدثنا عبد الجبار بن العلاء العطار، قال: ثنا سفيان، قال: سمعته وروح ابن القاسم منه يعني من سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة «رضي الله ع»، قال: "سأل الناس رسول الله ﷺ: فقالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس فيها سحاب. قالوا: لا يارسول الله. قال: فهل تضارون في الشمس عند الظهيرة ليست في سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فوالذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم كما لا تضارون في رؤيتهما.
قال: فيلقى العبد فيقول: أي قل يعني يا فلان: ألم أكرمك. ألم أسودك؟ ألم أزوجك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل وأتركك ترأس وتربع؟ قال: بلى يا ربي. قال: فظننت أنك ملاقي. قال: لا يا رب، قال: اليوم أنساك كما نسيتني.
قال: ثم يلقى الثاني: فيقول: ألم أكرمك، ألم أسودك، ألم أزوجك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل واتركك ترأس وتربع؟ قال: بلى يا رب. قال: فظننت أنك ملاقي؟ قال: لا يا رب. قال: فاليوم أنساك كما نسيتني.
قال: ثم يلقى الثالث فيقول: ما أنت؟ فيقول: أنا عبدك، آمنت بك وبنبيك وبكتابك، وصمت وصليت، وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع. فيقال له: أفلا نبعث عليك شاهدنا. قال: فينكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليه، قال: فيختم على فيه، ويقال لفخذه انطقي، قال: فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بما كان يعمل، فذلك المنافق، وذلك ليعذر من نفسه وذلك الذي سخط الله عليه.
قال: ثم ينادي مناد: "ألا اتبعت كل أمة ما كانت تعبد.. " فذكر الحديث بطوله.
2 - (221): حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، قال: ثنا سفيان عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قال قائلون: يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس في ظهيرة ليس في سحاب؟ قالوا: لا، قال: فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس فيها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فوا الذي نفسي بيده: ما تضارون إلا كما تضارون في رويتهما، يلقى العبد فيقول: أي قل: "ألم أكرمك؟ ألم أزوجك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل؟ ألم أتركك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. فيقول: إني أنساك كما نسيتني. قال ثم يلقى الثاني فيقول: أي قل: ألم أكرمك؟ ألم أزوجك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل؟ ألم أتركك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. فظننت أنك ملاقي؟، ثم يلقى الثالث فيقول: رب آمنت بك وبكتابك وصليت وتصدقت. قال: فيقول: ألا أبعث شاهدا يشهد عليك، فينكر في نفسه، من الذي يشهد عليه؟ قال: فيختم على فيه، ويقول لفخذه: انطقي، فتنطق فخذه، وعظمه ولحمه بما كان يفعل. فذلك المنافق. وذلك الذي يعذل نفسه وذلك سخط الله عليه.
فينادي مناد: ألا تتبع كل أمة ما كانت تعبد، فيتبع الشياطين، والصليب وأوليائهم إلى جهنم، وبقينا أيها المؤمنون، فيأتينا ربنا، فيقول: على ما هؤلاء؟ فنقول: نحن عباد الله المؤمنون آمنا بربنا، ولم نشرك به شيئا. وهو ربنا وهو يأتينا، وهو يثبتنا، وهذا مقامنا حتى يأتينا ربنا، فيقول: أنا ربكم فانطلقوا. فننطلق حتى نأتي الجسر، وعليه كلاليب من نار تخطف. عند ذلك حلت الشفاعة أي اللهم سلم، اللهم سلم، فإذا جازوا الجسر، فكل من أنفق زوجا من المال في سبيل الله مما يملك فتكلمه خزنة الجنة تقول: "يا عبد الله، يا مسلم هذا خير". فقال أبو بكر «رضي الله ع»: (يا رسول الله: إن هذا عبد لاتوى عليه، يدع بابا ويلج من آخر، فضرب كتفه وقال: إني لأرجو أن تكون منهم".
3 - حدثنا محمد بن ميمون المكي، قال: ثنا سفيان.. فذكر الحديث بطوله.
سمعت محمد بن ميمون يقول: " سئل سفيان عن تفسير حديث سهيل بن أبي صالح: " ترأس وتربع"، فقال: " كان الرجل إذا كان رأس القوم كان له المرباع، وهو الربع. وقال: قال النبي ﷺ لعدي بن حاتم حين قال: يا رسول الله إني على دين، قال: " أنا أعلم بدينك منك، إنك تستحل المرباع ولا يحل لك".
4 - حدثنا محمد بن منصور الجواز، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة «رضي الله ع» وحفظته أنا وروح بن القاسم، وردده علينا مرتين أو ثلاثة. قال الناس: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟، فقال رسول الله ﷺ: "هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا".
فذكر الحديث بطوله.
5 - (222): حدثنا عبد الله بن محمد الزهري غير مرة لفظا واحدا، قال:.. وثنا مالك بن سعير بن الجمس، أبو محمد قال: ثنا الأعمش عن أبي صالح: عن أبي هريرة وعن أبي سعيد، قالا: قال رسول الله ﷺ: " يؤتى بالعبد يوم القيامة، يقال له: ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا، وسخرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتربع؟ فكنت تظن أنك ملاقي في يومك هذا؟ قال: فيقول: لا، فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني".
غير أن عبد الله لم يقل في بعض المرات: بن الجمس أبو محمد.
6 - (223): حدثنا محمد بن يحيى، قال: أخبرنا أبو اليمان: قال: ثنا شعيب، يعني ابن أبي حمزة، عن الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، وعطاء بن يزيد الليثي، أن أبا هريرة «رضي الله ع» أخبرهما: أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فذكر الحديث بطوله. "فيقول: أنا ربكم، فيقولون، نعوذ بالله منك، هذا مكاننا، حتى يأتينا ربنا، فإذا جاءنا ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون. فيقولون: أنت ربنا فيدعوهم".
فذكر الحديث بطوله. وخرجته في غير هذا الباب، من حديث معمر، وإبراهيم بن سعد أنهما قالا: عن عطاء بن يزيد، وابن المسيب.
7 - (224): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا هشام بن سعد، قال: أخبرنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قلنا يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة". فذكر الحديث بطوله. وقال: " ثم يتبدى الله لنا في صورة غير صورته، التي رأيناه فيها أول مرة فيقول أيها الناس لحقت كل أمة بما كانت تعبد، وبقيتم، فلا يكلمه يومئذ إلا الأنبياء. فارقنا الناس في الدنيا ونحن كنا إلى صحبتهم فيها أحوج. لحقت كل أمة بما كانت تعبد، ونحن ننتظر ربنا الذي كنا نعبد. (فيقول: أنا ربكم، فيقولون، نعوذ بالله منك، فيقول: هل بينكم وبين الله آية تعرفونها). فنقول نعم: فيكشف عن ساق فنخر سجدا أجمعون. ولا يبقى أحد كان يسجد في الدنيا سمعة ولا رياء ولا نفاقا إلا على ظهره طبقا واحدا كلما أراد أن يسجد خر على قفاه، قال: ثم نرفع رؤوسنا، وقد عاد لنا على صورته التي رأيناه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فنقول: نعم أنت ربنا ثلاث مرات".
ثم ذكر باقي الحديث وقد خرجته بعد بيان معناه بيانا شافيا، بينت فيه جهل الجهمية، وافتراءهم على أهل الآثار، في إنكارهم هذا الخبر لما جهلوا معناه.
8 - (225): حدثنا محمد بن معمر ربعي القيسي، قال: ثنا يحيى بن حماد، قال: ثنا أبو عوانه، عن سليمان، قال: وحدثني أبو صالح، عن أبي هريرة «رضي الله ع» عن النبي ﷺ قال: " إن أحدكم ليلتفت ويكشف عن ساق.. ".
9 - (226): حدثني محمد بن بشار (بندار) قال: ثنا أبو عاصم، قال: سعدان ابن بشر، أخبرناه.
قال: ثنا أبو مجاهد الطائي، قال: حدثني محل بن خليفة عن عدي بن حاتم، قال: كنت عند رسول الله ﷺ فجاء إليه رجلان يشكوان إليه: أحدهما العيلة ويشكو الآخر: قطع السبيل. فقال رسول الله ﷺ: " أما قطع السبيل فلا يأتي عليك إلا قليل حتى تخرج العير من الحيرة إلى مكة بغير خفير، وأما العيلة فإن الساعة لا تقوم حتى يخرج الرجل صدقة ماله فلا يجد من يقبلها ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه حاجب يحجبه ولا ترجمان يترجم له، فيقول له: ألم آتك مالا؟ فيقول: بلى بلى، فيقول ألم أرسل إليك رسولا؟ فيقول: بلى. ثم ينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار، فليتق أحدكم النار ولو بشق تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة".
10 - (227): وفي خبر سماك بن حرب، عن عباد بن حبيش، عن عدي بن حاتم، عن النبي ﷺ ... وإن أحدكم لاقي الله «عَزَّ وجَلّ» فقائل ما أقول: ألم أجعلك سميعا بصيرا، ألم أجعل لك مالا وولدا؟، فماذا قدمت؟ فينظر من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فلا يجد شيئا ولا يتقي النار إلا بوجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة".
11 - (228): حدثناه محمد بن بشار (بندار)، قال: ثنا محمد، عن شعبة، عن سماك ... خرجته بطوله في كتاب "الصدقات"، من كتاب الكبير.
ورواه أيضا: قيس بن الربيع، عن سماك بن حرب، قال: حدثني عباد بن حبيش، عن عدي بن حاتم الطائي، قال أتيت النبي ﷺ وهو جالس في المسجد فقال: " يا قوم هذا عدي بن حاتم وكنت نصرانيا وجئت بغير أمان ولا كتاب فلما دفعت إليه: أخذ ثيابي وقد كان قبل ذاك قال: (إني لأرجو أن يجعل الله يده في يدي)، قال: فقام فلقيته امرأة وصبي معها، فقالا إن لنا إليك حاجة، فقام معهما، حتى قضى حاجتهما. ثم أخذ بيدي، حتى أتى داره، فألقيت له وسادة، فجلس عليها وجلست بين يديه فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما أفرّك أن يقال الله أكبر، فهل تعلم شيئا أكبر من الله؟ قال: قلت: لا. قال: فإن اليهود مغضوب عليهم، وإن النصارى ضلال؟ قال: قلت: فإني حنيف مسلم. قال: فرأيت وجهه ينبسط فرحا. قال: ثم أمرني فنزلت على رجل من الأنصار، قال: فجعلت آتيه طرفي النهار. قال: فبينما أنا عشية عند النبي ﷺ إذا أتاه قوم في ثياب من صوف من هذه النمار. قال: فصلى، ثم قام فحث عليهم، ثم قال: ولو بصاع، أو نصف صاع، ولو بقبضة، ولو بنصف قبضة، يقي أحدكم حر جهنم أو النار، ولو بتمرة، ولو بشق التمرة، فإن أحدكم لاقي الله فقائل له ما أقول لكم، فيقول: ألم أجعل لك سمعا؟ ألم أجعل لك بصرا؟ فيقول: بلى. ألم أجعل لك مالا وولدا، فيقول بلى. فأين ما قدمت لنفسك؟ قال: فينظر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، فلا يجد شيئا يقي به وجهه، فليق أحدكم وجهه من النار، ولو بشق تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة، فإني لا أخاف عليكم الفاقة، إن الله ناصركم ومعطيكم حتى تسير الظعينة فيما بين يثرب والحيرة أو أكثر ما تخاف على مطيتها السرق. قال: فجعلت أقول في نفسي: أين لصوص طيء؟ ".
12 - (229): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عاصم بن علي، قال: ثنا قيس بن الربيع.
قال أبو بكر: فخبر أبي سعيد، وأبي هريرة يصرحان أن الله «عَزَّ وجَلّ» يكلم المؤمنين والمنافقين يوم القيامة بلا ترجمان بين الله وبينهم، إذ غير جائز أن يقول غير الله الخالق البارئ لبعض عباده أو لجميعهم: (أنا ربكم)، ولا يقول (أنا ربكم) غير الله. إلا أن الله تعالى يكلم المنافقين على غير المعنى الذي يكلم المؤمنين، فيكلم المنافقين على معنى التوبيخ والتقرير. ويكلم المؤمنين يبشرهم بما لهم عند الله «عَزَّ وجَلّ» كلام أوليائه وأهل طاعته.
13 - (230): حدثنا يوسف، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم عن عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله ﷺ: " إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا الجنة. رجل يخرج من النار حبوا، فيقول الله له: "اذهب وادخل الجنة"، فكر الحديث بتمامه. خرجته بطرقه في غير هذا الكتاب. وسأبين ذكر الفرق بين كلام الله أولياءه وبين كلامه أعداءه في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله ذلك وقدره.
14 - (231): حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة عن الأعمش، عن خثيمة عن عدي بن حاتم، قال رسول الله ﷺ: " ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه حاجب"، فذكر أبو كريب الحديث.
باب الفرق بين كلام الله تباركت أسماؤه وجل ثناؤه المؤمن الذي قد ستر الله عليه ذنوبه وبين كلام الله الكافر الذي كان في الدنيا غير مؤمن بالله العظيم كاذبا على ربه ضالا عن سبيله كافرا بالآخرة
1 - (232): حدثنا أبو الأشعث، أحمد بن المقدام العجلي، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي قال: ثنا قتادة، عن صفوان بن محرز، عن ابن عمر، عن نبي الله ﷺ؛
2 - وثنا أبو موسى، محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة عن صفوان بن محرز، قال: بينما نحن مع ابن عمر ونحن نطوف بالبيت؛
3 - وثنا بندار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد وهشام عن قتادة، عن صفوان بن محرز، قال: بينما نحن مع ابن عمر، ونحن نطوف بالبيت؛
غير أني لم أضبط عن بندار سعيد.
4 - وثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال أخبرنا همام، قال: ثنا قتادة، عن صفوان بن محرز، قال: كنت آخذا بيد ابن عمر، فأتاه رجل فقال: كيف سمعت رسول الله ﷺ يقول في النجوى؟ فقال سمعت رسول الله ﷺ يقول إن الله «عَزَّ وجَلّ» يدني المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه، ثم يقول: أي عبدي: تعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول: نعم، أي ربي. حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك، قال: إني قد سترتها عليك في الدنيا، وغفرتها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته. وأما الكفار والمنافقون: (فيقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم إلا لعنة الله على الظالمين).
هذا حديث الزعفراني، وقال أبو موسى في حديثه: "وأما الكفار: فينادي على رؤوس الاشهاد: أين الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين؟ ".
5 - حدثنا الزعفراني، قال: ثنا عفان، قال: ثنا قتادة؛
6 - وحدثنا الزعفراني، قال: ثنا خلف، قال: ثنا أبو عوانة، عن قتادة، بهذا الإسناد وألفاظهم مختلفة.
باب ذكر البيان من كتاب ربنا المنزل على نبيه المصطفى ﷺ ومن سنة نبينا محمد ﷺ على الفرق بين كلام الله «عَزَّ وجَلّ» الذي به يكون خلقه وبين خلقه الذي يكون بكلامه وقوله والدليل على نبذ قول الجهمية الذين يزعمون أن كلام الله مخلوق جل ربنا وعز عن ذلك
الأدلة من الكتاب
قال سبحانه وتعالى: (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين). ففرق الله ببن الخلق والأمر، الذي به يخلق الخلق، بواو الاستئناف. وعلمنا الله جل وعلا في محكم تنزيله أنه يخلق الخلق بكلامه. وقوله (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون).
الفرق بين الخلق والأمر
فأعلمنا جل وعلا أنه يُكون كل مكون من خلقه بقوله: كن فيكون، وقوله (كن): هو كلامه الذي به يكون الخلق.
وكلامه «عَزَّ وجَلّ» الذي به يكون الخلق غير الخلق الذي يكون مكونا بكلامه، فافهم ولا تغلط ولا تغالط.
ومن عقل عن الله خطابه علم أن الله سبحانه لما أعلم عباده المؤمنين أنه يكون الشيء بقوله كن، أن القول الذي هو كن غير المكون بكن المقول له كن. وعقل عن الله أن قوله (كن) لو كان خلقا على ما زعمت الجهمية المفترية على الله كان الله إنما يخلق الخلق ويكونه بخلق، لو كان قوله (كن) خلقا.
فيقال لهم: يا جهلة، فالقول الذي يكون به الخلق على زعمكم لو كان خلقا ثم يكونه على أصلكم أليس قول مقالتكم الذي تزعمون أن قوله (كن) إنما يخلقه بقول قبله وهو عندكم خلق. وذلك القول يخلقه بقول قبله، وهو خلق، حتى يصير إلى ما لا نهابة له ولا عدد ولا أول، وفي هذا إبطال تكوين الخلق وإنشاء البرية وإحداث ما لم يكن قبل أن يحدث الله الشيء وينشئه ويخلقه. وهذا قول لا يتوهمه ذو لب لو تفكر فيه ووفق لإدراك الصواب والرشاد، قال الله سبحانه وتعالى: (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره). فهل يتوهم مسلم يا ذوي الحجا أن الله سخر الشمس والقمر والنجوم مسخرات بخلقه؟ أليس مفهوما عند من يعقل عن الله خطابه أن الأمر الذي سخر به المسخّر غير المسخّر بالأمر وأن القول غير المقول له. فتفهموا يا ذوي الحجا عن الله خطابه وعن النبي المصطفى ﷺ بيانه؛ لا تصدوا عن سواء السبيل، فتضلوا كما ضلت الجهمية عليهم لعائن الله.
الأدلة من السنة
فاسمعوا الآن الدليل الواضح البين غير المشكل من سنة النبي ﷺ بنقل العدل عن العدل موصولا إليه على الفرق بين خلق الله وبين كلام الله.
1 - (233): حدثنا عبد الجبار بن العلاء، قال: ثنا سفيان، عن محمد بن عبد الرحمن، وهو مولى طلحة عن كريب عن ابن عباس: أن النبي ﷺ حين خرج إلى صلاة الصبح وجويرية جالسة في المسجد فرجع حين تعالى النهار فقال: " لم تزالي جالسةً بعدي؟ قالت: نعم، قال: قد قلت بعدك أربع كلمات، لو وزنت بهن لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ومداد كلماته ورضا نفسه وزنة عرشه".
2 - (234): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد، وهو ابن جعفر؛
3 - وثنا أبو موسى، قال: حدثني محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن، قال: سمعت كريبا يحدث عن ابن عباس عن جويرية، " أن رسول الله ﷺ مر عليها"، فذكر الحديث وهو أتم من حديثه ابن عيينة، وقالا في الخبر: "سبحان الله عدد خلقه سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه.. ". وقال: في كل صفة ثلاث مرات. خرجته في كتاب الدعاء.
قال أبو بكر: فالنبي ﷺ ولي بيان ما أنزل الله عليه من وحيه، قد أوضح لأمته وأبان لهم أن كلام الله غير خلقه، فقال: "سبحان الله عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته"؛ ففرق بين خلق الله وبين كلماته، ولو كانت كلمات الله من خلقه لما فرق بينهما. ألا تسمعه حين ذكر العرش الذي هو مخلوق نطق ﷺ بلفظة لا تقع على العدد فقال: "زنة عرشه". والوزن غير العدد، والله جل وعلا قد أعلم في محكم تنزيله أن كلماته لا يعادلها ولا يحصيها محصٍ من خلقه، ودل ذوي الألباب من عباده المؤمنين على كثرة كلماته، وأن الإحصاء من الخلق لا يأتي عليها، فقال «عَزَّ وجَلّ»: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا)، وهذه الآية من الجنس الذي نقول: مجملة غير مفسرة، معناها: قل يا محمد لو كان البحر مدادا لكلمات ربي فكتبت به كلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا. والآية المفسرة لهذه الآية: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله (إن الله عزيز حكيم).. ). فلما ذكر الله الاقلام في هذه الآية، دل ذوي العقول بذكر الأقلام أنه أراد لو كان ما في الأرض من شجرة أقلام يكتب بها كلمات الله وكان البحر مدادا فنفد ماء البحر لو كان مدادا لم تنفد كلمات ربنا.
وفي قوله: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام) أيضا ذكر مجمل، فسره بالآية الأخرى، لم يرد في هذه الآية: أن لو كتبت بكثرة هذه الاقلام بماء البحر كلمات الله، وإنما أراد، لو كان ماء البحر مدادا كما فسره في الآية الأخرى.
وفي قوله جل وعلا: (لو كان البحر مدادا) الآية، قد أوقع اسم البحر على البحار، في هذه الآية، أي (على البحار كلها)، واسم البحر قد يقع على البحار كلها لقوله: (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك.. ) الآية. وكقوله: (والفلك تجري في البحر بأمره)، والعلم محيط أنه لم يرِد في هاتين بحرا واحدا من البحار، لأن الله يسير من أراد من عباده في البحار. وكذلك الفلك تجري في البحار بأمر الله، لا أنها كذا في بحر واحد وقوله: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام) يشبه أن يكون من الجنس الذي يقال: إن السكت ليس خلاف النطق، لم يدل الله بهذه الآية أن لو زيد من المداد على ماء سبعة أبحر لنفدت كلمات الله جل وعلا عن أن تنفد كلماته.
والدليل على صحة ما تأولت هذه الآية: أن الله جل وعلا: قد أعلم في هذه الآية الأخرى أن لو جيء بمثل البحر مدادا لم تنفد كلمات الله. معناه لو جيء بمثل البحر مدادا، فكتب به أيضا كلمات لم تنفد. واسم البحر كما علمت يقع على البحار كلها، ولو كان معنى قوله في هذا الموضع (قل لو كان البحر مدادا) بحرا واحدا، لكان معناه في هذا الموضع) (أنه لو كان به بحر واحد، لو كان مدادا لكلمات الله) وجئ بمثله أي ببحر ثان لم تنفد كلمات الله. فلم يكن في هذه الآية دلالة أن المداد لو كان أكثر من بحرين فكتب بذلك أجمع كلمات الله نفدت كلمات الله، لأن الله قد أعلم في الآية الأخرى: أن السبعة الأبحر لو كتب بهن جميعا كلمات الله لم تنفد كلمات الله.
تابع الأدلة من السنة
فاسمع الآن الأخبار الثابتة الصحيحة بنقل العدل إلى العدل موصولا إلى النبي ﷺ الدالة على أن كلمات ربنا ليست بمخلوقة، على ما زعمت المعطلة الجهمية عليهم لعائن الله.
4 - (235): حدثنا بحر بن نصر بن سابق الخولاني، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب وأبيه الحرث بن يعقوب؛
5 - حدثناه عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن سعد ابن أبي وقاص عن خولة بنت حكيم، أنها سمعت رسول الله يقول: "لو نزل أحدكم منزلا فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لا يضره شيء حتى يرحل منه".
قال يعقوب بن عبد الله، عن القعقاع بن حكيم، عن ذكوان أبي صالح عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: "يا رسول الله، ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة. فقال له رسول الله ﷺ: "أما أنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرك".
قال أبو بكر: قد أمليت هذا الباب بتمامه في كتاب "الطب والرقى". قال أبو بكر: أفليس العلم محيطا يا ذوي الحجا أنه غير جائز أن يأمر النبي ﷺ بالتعوذ من خلق الله من شر خلقه؟ هل سمعتم عالما يجيز، أن يقول الداعي: أعوذ بالكعبة من شر ما خلق؟ أو يجيز أن يقول: أعوذ بالصفا والمروة؟ أو أعوذ بعرفات ومنى، من شر ما خلق الله؟ هذا لا يقوله ولا يجيز القول به مسلم يعرف دين الله، محال أن يستعيذ مسلم بخلق الله من شر خلقه.
6 - (236): حدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب قال: ثنا إبراهيم - يعني ابن المنذرالخزامي - قال: ثنا إبراهيم بن المهاجر بن مسمار، قال: ثنا عمر بن حفص ابن ذكوان، عن مولى الحرقة، وهوعبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: " إن الله قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلما سمعت الملائكة القرآن قالت: طوبى لأمة ينزل هذا عليهم، وطوبى لألسن تتكلم بهذا، وطوبى لأجواف تحمل هذا"
قال أبو بكر: ولذكر القرآن أنه غير مخلوق مسألة طويلة تأتي في موضعها من هذا الكتاب إن وفق الله ذلك لإملائها.
باب من الأدلة التي تدل على أن القرآن كلام الله الخالق وقوله غير مخلوق لا كما زعمت الكفرة من الجهمية المعطلة
1 - (237): حدثنا محمد بن يحيى، قال ثنا سريح بن النعمان صاحب اللؤلؤ، عن ابن أبي الزناد، عن أبي الزناد، عن عروة بن الزبير عن نيار بن مكرم السلمي، صاحب رسول الله ﷺ قال: لما نزلت (ألم، غلبت الروم، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون)، إلى آخر الآيتين، خرج رسول الله ﷺ (فجعل يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: (ألم، غلبت الروم، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين)، فقال رؤساء مشركي مكة: يا ابن أبي قحافة: هذا مما أتى به صاحبك، قال: لا والله، ولكنه كلام الله وقوله. فقالوا: فهذا بيننا وبينك إن ظهرت الروم على فارس في بضع سنين، فتعال نناحبك، يريدون نراهنك، وذلك قبل أن ينزل في الرهان ما نزل. قال: فراهنوا أبا بكر ووضعوا رهائنهم على يدي فلان. قال: ثم بكروا، فقالوا: يا أبا بكر: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فاقطع بيننا وبينك شيئا ننتهي إليه".
باب ذكر البيان أن الله «عَزَّ وجَلّ» ينظر إليه جميع المؤمنين يوم القيام برهم وفاجرهم وإن رغمت أنوف الجهمية المعطلة المنكرة لصفات خالقنا جل ذكره
1 - (238): حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: ثنا المعتمر، قال سمعت إسماعيل، عن قيس، عن جرير؛
2 - وحدثنا محمد بن بشار (بندار) قال: وحدثني بزيد بن هارون، قال: أخبرنا إسماعيل؛
3 - وثنا أحمد بن المقدام العجلي، قال: ثنا معتمر عن إسماعيل؛
4 - وحدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، قال سمعت ابن أبي خالد؛
5 - وحدثنا يعقوب بن إبراهيم والحسن بن إبراهيم والحسن بن محمد الزعفراني، قالا: ثنا وكيع، قال: ثنا إسماعيل؛
6 - وحدثنا الزعفراني أيضا قال: ثنا يزيد بن هارون، قال أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد؛
7 - وحدثنا يحيى بن حكيم، قال: ثنا يحيى بن سعيد، ويزيد بن هارون: كلاهما عن ابن أبي خالد؛
8 - وحدثنا أبو هاشم، زياد بن أيوب، قال: ثنا مروان بن معاوية، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد؛
9 - وحدثنا عبد الله بن سعيد الأشج، قال: ثنا محمد بن فضيل قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد؛
10 - وحدثنا يوسف بن موسى، قال: ثنا جرير، ووكيع، وأبو أسامة ويعلي ومهران ابن أبي عمرو؛
11 - وحدثنا عبد الله بن محمد الزهري، قال: ثنا بن أبي عدي، عن شعبة، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن لبي حازم، عن جرير بن عبد الله، قال: كنا جلوسا عند النبي ﷺ: إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: إنكم سترون ربكم «عَزَّ وجَلّ» كما ترون هذا، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ: (فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها). هذا لفظ حديث يحيى بن حكيم.
وقال: بندار في حديث يزيد بن هارون (لا تضامون)، وفي حديث وكيع " أما إنكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر".
وقال الزعفراني في حديث يزيد بن هارون (لا تضامون)، وقال: ثم تلا رسول الله ﷺ (فسبح بحمد ربك).
وقال يحيى بن حكيم: " إنكم راؤون ربكم كما ترون هذا"، وقال أيضا: وتلا رسول الله ﷺ (فسبح بحمد ربك).
وفي حديث شعبة: " لا تضامون في رؤيته وحافظوا على صلاتين"، وقرأ: (فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها".
وقال مروان ابن معاوية: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، قال: ثنا قيس بن أبي حازم، قال: سمعت جرير بن عبد الله، وقال: "لا تضامون"، بالرفع. وقال: ثم ققرأ جرير (فسبح بحمد ربك)
وقال يوسف في حديثه: (ليلة البدر ليلة أربع عشرة). وقال: واللفظ لجرير.
12 - (239): حدثنا عبده بن عبد الله الخزاعي، قال: أخبرنا حسين الجعفي عن زائدة، قال: ثنا بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم، قال: ثنا جرير بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله ﷺ ليلة البدر، فنظر إلى القمر فقال " إنكم ترون ربكم «عَزَّ وجَلّ» يوم القيامة كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته".
13 (240): حدثنا يوسف بن موسى، قال: ثنا عاصم بن يوسف اليربوعي، قال ثنا ابن شهاب، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير، قال: قال رسول الله ﷺ: "إنكم سترون ربكم عيانا".
14 (241): حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، قال: ثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قلنا يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة، قال: "هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة من غير سحاب؟ قال: قلنا لا، قال: فهل تضارون في رؤية القمر في ليلة البدر، ليس في سحاب؟ قال: قلنا: لا، قال: فإنكم لا تضارون في رؤيته كما لا تضارون في رؤيتهما".
15 (242): حدثنا محمد بن يحيى، قال: وحدثني بن نمير، قال: حدثني يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة «رضي الله ع»؛
16 وحدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا وهب بن خالد، قال: ثنا مصعب بن محمد، عن أبي صالح، عن أبي هريرة «رضي الله ع»، (الحديث).
قال لنا محمد بن يحيى: " الحديث عندنا محفوظ عن أبي هريرة وعن أبي سعيد".
قال أبو بكر: "يعني أخطأ محمد بن يحيى". والصواب: قد روي الخبر أيضا عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة «رضي الله ع».
17 حدثنا عبد الجبار بن العلاء، قال: ثنا سفيان، قال سمعته وروح ابن القاسم منه - يعني ابن سهيل بن أبي صالح - عن أبيه عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: سأل الناس رسول الله ﷺ فقالوا: يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: "هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس فيها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال فهل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة، ليس فيها سحاب؟ قال: فوالذي نفسي بيده، لا تضارون في رؤية ربكم كما لا تضارون في رؤيتهما".
ثم ذكر الحديث بطوله، وقد أمليت هذا الخبر من قبل، عن عبد الله بن محمد الزهري، ومحمد بن منصور الجواز، ومحمد بن ميمون.
وقد روى أيضا خبر سهيل هذا مالك بن سعير بن الجمس، قال: ثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة وعن أبي سعيد، قالا: قال رسول الله ﷺ: "ويؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له: ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا، وولدا ... - إلى قوله - اليوم أنساك كما نسيتني".
18 (243): حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، غير مرة، قال: ثنا مالك بن سعير بن الجمس، وفي حديث سهيل هذا المعنى أيضا، لأن في خبره: ".. فيلقى العبد فيقال: أي قل: ألم أكرمك ... - إلى قوله - اليوم أنساك كما نسيتني".
فرواية مالك بن سعير دالة على صحة ما قاله، علمنا أن الخبر محفوظ عن أبي هريرة «رضي الله ع» وأبي سعيد.
(19)
وحدثنا بخبر سهيل طليق بن محمد الواسطي، بالبصره مختصرا. قال: ثنا أبو معاوية، قال: أخبرنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قلنا يا رسول الله: هل نرى ربنا؟ قال: "بلى، أليس ترون القمر ليلة البدر؟ قال: فوالله لترونه كما ترون القمر ليلة البدر لا تضارون في رؤيته".
قال أبو بكر: "ليس في خبر معاوية زيادة على هذا".
20 (244): حدثنا بحر بن نصر الخولاني، قال: ثنا أسد يعني ابن موسى قال: ثنا محمد ابن خازم، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة «رضي الله ع»، قال: قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا؟ قال: "الستم ترون القمر ليلة البدر لا تضارون في رؤيته؟ قالوا: بلى. قال: والله لتبصرنه كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضارون في رؤيته". يعني تزدحمون.
21 (245): حدثنا بحر بن نصر، قال: ثنا أسد ثنا شريك، بن عبد الله، عن هلال الوزان، عن عبد الله بن عكيم، قال: سمعت ابن مسعود بدأنا باليمين قبل الحديث، فقال: ".. والله إن منكم من أحد إلا سيخلو الله به كما يخلوا أحدكم بالقمر ليلة البدر، أو قال: ليلته، يقول: يا ابن آدم ما غرك؟ ابن آدم ما عملت فيما عملت؟ ابن آدم ماذا أجبت المرسلين".
باب ذكر البيان
أن جميع أمة النبي ﷺ برهم وفاجرهم، مؤمنهم ومنافقهم، وبعض أهل الكتاب يرون الله «عَزَّ وجَلّ» يوم القيامة؛ يراه بعض رؤية امتحان، لا رؤية سرور وفرح وتلذذ بالمنظر في وجه ربهم «عَزَّ وجَلّ» ذي الجلال والإكرام، وهذه الرؤية قبل أن يوضع الجسر بين ظهري جهنم. ويخص الله «عَزَّ وجَلّ» أهل ولايته من المؤمنين بالنظر إلى وجهه، نظر فرح وسرور وتلذذ.
1-(246): حدثنا أبو موسى، محمد بن المثنى، قال: ثنا ربعي بن عليه، عن عبد الرحمن ابن إسحق، عن زيد ابن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: سألنا رسول الله ﷺ فقلنا يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قال: قلنا لا، فقال: هل تضارون في القمر في ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قال: قلنا: لا، فقال: فإنكم ترون ربكم «عَزَّ وجَلّ» كذلك يوم القيامة. قال: يقال من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع الذين كانوا يعبدون الشمس الشمس فيتساقطون في النار. ويتبع الذين كانوا يعبدون القمر القمر فيتساقطون في النار، ويتبع الذين كانوا يعبدون الأوثان الأوثان، والأصنام الأصنام، وكل من كان يعبد من دون الله. فيتساقطون في النار. ويبقى المؤمنون ومنافقوهم بين أظهرهم وبقايا من أهل الكتاب، يقللهم بيده. فيقال لهم: ألا تتبعون ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد الله، ولم نر الله. قال: فيكشف عن ساق، فلا يبقى أحد كان يسجد لله إلا خر ساجدا، ولا يبقى أحد كان يسجد رياء وسمعة إلا وقع على قفاه. ثم يوضع الصراط بين ظهري جهنم"، ثم ذكر الحديث بطوله.
2-(247): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا هشام بن سعد، قال: ثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس في سحاب؟ قلنا لا يا رسول الله. قال: ما تضارون في رؤيته يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما، إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ألا تلحق - قال ابن يحيى: لعله قال - (كل أمة ما كانت تعبد)، فذكر الحديث بطوله وقال في الخبر: "فيكشف عن ساق فيخرون سجدا أجمعون، فلا يبقى أحد كان يسجد في الدنيا سمعة ولا رياء ولا نفاقا إلى على ظهره طبق، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه. قال: ثم يرفع برنا ومسيئنا، وقد عاد لنا في صورته التي رأيناه فيها أول مرة. فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعم. أنت ربنا، أنت ربنا، أنت ربنا، ثلاث مرات، ثم يضرب الجسر على جهنم.
3-(248): حدثناه أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثنا عمي، قال: ثنا الليث، عن هشام وهو ابن سعيد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قلنا يا رسول الله: (هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله ﷺ: " هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة صحوا وليس فيها سحاب؟ "). وذكر أحمد الحديث بطوله.
4-(249): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، وعطاء بن يزيد الليثي، أنا أبا هريرة «رضي الله ع» أخبرهما أن الناس قالوا للنبي: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال النبي ﷺ: " هل تمارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب، قالوا: لا يا رسول الله قال: هل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب، قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه كذلك. يحشر الناس يوم القيامة، فيقال: من كان يعبد شيئا فليتبعه. فمنهم من يتبع الشمس. ومنهم من يتبع القمر. ومنهم من يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله في غير صورته، فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك. هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه. فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون، فيقولون: أنت ربنا، فيدعوهم ويضرب الصراط بين ظهري جهنم، فأكون أول من يجيز الرسل بأمته ولا يتكلم يومئذ احدا إلا الرسل". فذكر الحديث.
5-(250): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا سليمان بن داود الهاشمي: قال: ثنا إبراهيم بن سعد: عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي: أن أبا هريرة «رضي الله ع» أخبره، قال: قال الناس يا رسول الله؛ وقال الهاشمي: "إن الناس قالوا يا رسول الله ... "؛
وساقا جميعا الحديث بهذا الخبر، غير أنهما اختلفا في اللفظة والشيء، والمعنى واحد.
6 (251): وحدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، قال: حدثني العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قال رسول الله ﷺ: " يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد، ثم يطلع عليهم رب العالمين فيقول ألا يتبع كل أناس ما كانوا يعبدون. فيمثل لصاحب الصليب صليبه. ولصاحب التصوير تصويره. ولصاحب النار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون. ويبقى المسلمون فيطلع عليهم رب العالمين، فيقول ألا تتبعون الناس، فيقولون: نعوذ بالله منك. الله ربنا، وهذا مكاننا حتى نرى ربنا. وهو يأمرهم ويثبتهم، ثم يتوراى ثم يطلع فيقول: ألا تتبعون الناس فيقولون: نعوذ بالله منك، الله ربنا هذا مكاننا حتى نرى ربنا، وهو يأمرهم ويثبتهم، قالوا وهل نراه يا رسول الله؟ قال: وهل تتمارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فإنكم لا تمارون في رؤيته في تلك الساعة، ثم يتوارى، ثم يطلع عليهم فيعرفهم بنفسه، ثم يقول: أنا ربكم فاتبعون فيقوم المسلمون ويضع الصراط فهم عليه مثل جياد الخيل، والركاب، وقولهم عليه سلم سلم". وذكر باقي الحديث.
7 (252): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى وقرأه علي من كتابي قال: ثنا سفيان، قال: ثنا مسلمة وهو ابن كهيل عن أبي الزعراء، قال: ذكروا الدجال عند عبد الله قال: "تفترقون أيها الناس عند خروجه ثلاث فرق" فذكر الحديث بطوله، وقال: ثم يتمثل الله للخلق فيلقى اليهود، فيقول من تعبدون؟ فيقولون: نعبد الله لا نشرك به شيئا، فيقول هل تعرفون ربكم؟ فيقول: سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه. فعند ذلك يكشف عن ساق فلا يبقى مؤمن ولا مؤمنة إلا خر لله سجدا" وذكر باقي الخبر؛ خرجت هذا الحديث بتمامه في كتاب "الفتن" في ذكر الدجال.
قال أبو بكر: (في) هذه الأخبار دلالة على أن قوله جل وعلا: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) إنما أراد الكفار الذين كانوا يكذبون بيوم الدين بضمائرهم فينكرون ذلك بألسنتهم، دون المنافقين الذين كانوا يكذبون بضمائرهم ويقرون بألسنتهم بيوم الدين رياء وسمعة؛ ألا تسمع إلى قوله عز وحل (ألا يظن أؤلئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم) إلى قوله تعالى: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) أي المكذبون بيوم الدين. ألا ترى أن النبي ﷺ قد أعلم أن منافقي هذه الامة يرون الله حين يأتيهم في صورته التي يعرفون. هذا في خبر أبي هريرة، وفي خبر أبي سعيد " فيكشف عن ساق فيخرون سجدا أجمعون". وفيه ما دل على أن المنافقين يرونه للاختبار والامتحان، فيريدون السجود فلا يقدرون عليه. وفي خبر أبي سعيد "فلا يبقى من كان يعبد صنما ولا وثنا ولا صورة إلا ذهبوا حتى يتساقطون في النار". فالله سبحانه وتعالى يحتجب على هؤلاء الذين يتساقطون في النار، ويبقى من كان يعبد الله وحده من بر وفاجر ومنافق وبقايا أهل الكتاب.
ثم ذكر في الخبر أيضا: "أن من كان يعبد غير الله من اليهود والنصارى يتساقطون في النار، ثم يتبدى الله «عَزَّ وجَلّ» لنا في صورة غير الصورة التي رأيناه فيها" وفي هذا الخبر ما بان وثبت وصح أن جميع الكفار قد تساقطوا في النار وجميع أهل الكتاب الذين كانوا يعبدون غير الله. وأن الله جل وعلا إنما يتراءى لهذه الأمة برها وفاجرها ومنافقها بعد ما تساقط أولئك في النار. فالله «عَزَّ وجَلّ» كان محتجبا عن جميعهم لم يره منهم أحد كما قال تعالى: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون)، فأعلمنا الله «عَزَّ وجَلّ» أن من حجب عنه يومئذ هم المكذبون بذلك في الدنيا، ألا تسمع قوله تعالى: (هذا الذي كنتم به تكذبون). وأما المنافقون فإنما كانوا يكذبون بذلك بقلوبهم ويقرون بألسنتهم رياء وسمعة، فقد يتراءى لهم رؤية امتحان واختبار، وليكن حجبه إياهم بعد ذلك عن رؤيته حسرة عليهم وندامة إذ لم يصدقوا به بقلوبهم وضمائرهم وبوعده ووعيده وما أمر به ونهى عنه وبيوم الحسرة والندامة. وفي حديث سهيل، عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال: " فيلقى العبد فيقول أي قل: ألم أكرمك - إلى قوله - "فاليوم انساك كما نسيتني". فاللقاء الذي في هذا الخبر غير التراءي، لأن الله «عَزَّ وجَلّ» يتراءى لمن يقول له هذا القول، وهذا الكلام الذي يكلم به الرب (جل ذكره) عبده الكافر يوم القيامة كلام من وراء حجاب من غير نظر الكافر إلى خالقه في الوقت الذي يكلم به ربه «عَزَّ وجَلّ»، وإن كلام الله إياه كلام توبيخ وحسرة وندامة للعبد، لا كلام بشر وسرور وفرح ونضرة وبهجة. ألا تسمعه يقول في الخبر بعد ما يتبع أولياء الشياطين واليهود والنصارى أولياءهم إلى جهنم قال: "ثم نبقى أيها المؤمنون فيأتينا ربنا، فيقول: على ما هؤلاء قيام؟ فيقولون: نحن عباد الله المؤمنون، وعبدناه وهو ربنا وهو آتنا ويثبتنا، وهذا مقامنا، فيقول "أنا ربكم ويضع الجسر". أفلا تسمع أن قوله: فيأتينا ربنا، إنما ذكره بعد تساقط الكفار واليهود والنصارى في جهنم. فهذا الخبر دال أن قوله: "فيلقى العبد" وهو لقاء غير الرؤية.
قال الله «عَزَّ وجَلّ»: (إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا) الآية، وقال: (فنذر الذين لا يرجون لقائنا في طغيانهم يعمهون) وقال: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) الآية، (وقال الذين لا يرجون لقائنا أئت بقرآن غير هذا أو بدله). والعلم محيط أن النبي ﷺ لم يرد بقوله: (من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقي الله يشرك دخل النار): لم يرد من يرى الله وهو يشرك به شيئا. واللقاء غير الرؤية والنظر. ولا شك ولا ارتياب أن قوله: (والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة) ليس معناه ورؤية الآخرة.
قال أبو بكر: قد بينت في كتاب الإيمان في ذكر شعب الإيمان وأبوابه معنى اللقاء، فأغنى ذلك عن تكراره في هذا الموضع.
باب ذكر البيان أن جميع المؤمنين يرون الله يوم القيامة مخليا به «عَزَّ وجَلّ» وذكر تشبيه النبي ﷺ برؤية القمر خالقهم ذلك اليوم بما يدرك عليه في الدنيا عيانا ونظرا ورؤية
1 (253): حدثنا عبد المجيد بن محمد الزهري، قال: ثنا بن أبي عدي، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس، عن أبي رزين قال: قلت: يا رسول الله أكلنا نرى الله مخليا به؟ قال: نعم. قال: وما آية ذلك في خلق الله؟ قال: أليس كلكم يرى القمر ليلة البدر، وإنما هو خلق من خلق الله، فالله أجل وأعظم".
2 (254): حدثنا أحمد بن سنان الواسطي قال: ثنا يزيد يعين ابن هارون قال: أخبرنا حماد، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن حدس، عن عمه، قال: قلت يا رسول الله: أكلنا يرى الله يوم القيامة؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال: أليس كلكم ينظر إلى القمر مخليا به؟ قلت: بلى، قال: فالله أعظم وذلك آيته في خلقه.
3 (255): حدثنا بحر بن نصر الخولاني قال: ثنا أسد يعني ابن موسى قال: ثنا حماد بن سلمة، بمثله سواء.. إلى قوله تعالى: " فالله أعظم" وزاد: قال: قلت يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ فقال: يا أبا رزين: أما مررت بوادي أهلك محلا ثم مررت به يهتز خضرا، ثم أتيت عليه محلا ثم مررت به يهتز خضرا؟ قلت: بلى، قال: كذلك يحيي الله الموتى، وكذلك آية الله في خلقه".
4 (256): حدثنا بحر بن نصر، قال: ثنا أسد، قال: ثنا يحيى بن سليم عن سليمان التميمي عن أسلم العجلي عن أبي مراية عن أبي موسى الأشعري، قال: " شخص الناس بأبصارهم، قال: رفعوا أبصارهم ينظرون. قال النبي ﷺ: ما تنظرون؟ قالوا الهلال، قال: فوالله لترون الله يوم القيامة كما ترون هذا الهلال.
قال أبو بكر: ذكر النبي ﷺ في هذا الخبر بهذا الإسناد علمي وهم، هذا من قبل أبي موسى الأشعري في هذا الإسناد لا من قول النبي ﷺ.
5 (257): حدثنا محمد بن عبد الأعلى: ثنا بشر يعني ابن المفضل التميمي، عن أسلم عن أبي مراية، قال: كان أبو موسى يعلمنا سنتنا وأمر ديننا فذكر الحديث، وقال: " فكيف إذا أبصرتم الله جهرة"
قال أبو بكر وذكر هذا القول من قبل أبي موسى لا عن النبي ﷺ.
باب ذكر البيان
أن رؤية الله التي يختص بها أولياؤه يوم القيامة، (هي) التي ذكر في قوله: (وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة). ويفضل بهذه الفضيلة أولياءه من المؤمنين، ويحجب جميع أعدائه عن النظر إليه من مشرك ومتهود ومتنصر ومتمجس ومنافق، كما أعلم في قوله: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون). وهذا نظر أولياء الله إلى خالقهم جل ثناؤه بعد دخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فيزيد الله المؤمنين كرامة وإحسانا إلى إحسانه تفضلا منه وجودا بإذنه إياهم والنظر إليه، ويحجب عن ذلك جميع أعدائه.
1 (258): حدثنا محمد بن بشار (بندار)، قال: ثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي، بن حسان، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب، عن النبي ﷺ في قوله تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند ربكم موعدا، قالوا: ألم تبيض وجوهنا وتنجنا من النار وتدخلنا الجنة؟ قال: فيكشف الحجاب. قال: فوا الله ما أعطاهم شيئا هو أحب إليهم من النظر".
2 (259): حدثنا يوسف بن موسى، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا حماد بن سلمة؛
3 وحدثنا بحر بن نصر الخولاني، وزكريا بن يحيى بن إياس، قالا: ثنا أسد وهو ابن موسى، قال ثنا حماد بن سلمة به؛
عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب، عن النبي ﷺ قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا: يا أهل الجنة إن لكم موعدا لم تروه، فقالوا: ما هو، ألم تبيض وجوهنا وتزحزحنا عن النار وتدخلنا الجنة؟ فيكشف الحجاب: فينظرون الله تعالى. فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم منه، ثم قرأ (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)".
هذا حديث يزيد بن هارون، وليس في خبر أسد بن موسى قراءة الآية. وقال بحر في حديثه: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه. فيقولون ما هو؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا وأدخلنا الجنة وأخرجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فوالذي نفسي بيده ما اعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه".
وفي خبر روح بن عبادة: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا، فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازيننا، ويبيض وجوهنا وأدخلنا الجنة ونجانا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فينظرون إليه، قال: فوالله ما أعطاهم الله شيئا قط هو أحب إليهم من النظر إليه".
3 (260): حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال: ثنا حماد يعني ابن زيد قال: ثنا ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه تلا هذه الآية (الذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة أعطوا فيها ما شاؤوا وما سألوا. قال: ثم يقال لهم: إنه بقي من حقكم شيء لم تعطوه. قال: يتجلى لهم فيصغر عندهم ما أعطوه عند ذلك، ثم تلا: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، قال: الحسنى نظرهم إلى ربهم (ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة) بعد نظرهم إلى ربهم.
4 (261): حدثنا محمد بن معمر، قال: ثنا روح، قال: ثنا حماد بن يزيد، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى. قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة أعطوا فيها ما سألوا، يقال لهم: إنه قد بقي من حقكم شيء لم تعطوه، قال: فيتجلى لهم . قال: وتلا هذه الآية: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى ربهم، ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة بعد نظرهم إلى ربهم".
5 (262): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: "الزيادة النظر إلى وجه الله".
6 (263): حدثنا محمد بن معمر، قال: ثنا روح، قال: ثنا سليمان بن المغيره عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه سئل عن قول الله : (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، قال: إن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة وأعطوا فيها من النعيم والكرامة نودوا: يا أهل الجنة إن الله قد وعدكم الزيادة، قال: فيكشف الحجاب، ويتجلى لهم ، فما ظنك بهم حين ثقلت موازينهم وحين طارت صحفهم في أيمانهم، وحين جازوا جسر جهنم فقطعوه، وحين دخلوا الجنة فأعطوا فيها من النعيم والكرامة. قال: فكأن هذا لم يكن شيئا فيما أعطوه".
7 (264): حدثنا سلم بن جنادة، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد، عن أبي بكر؛
8 وإسرائيل عن أبي إسحاق، عن مسلم بن يزيد، عن حذيفة، (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، قال: النظر إلى وجه الله «عَزَّ وجَلّ».
9 (265): وثنا بحر بن نصر، قال: ثنا أسد، قال: ثنا قيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، عن مسلم بن يزيد، عن حذيفة (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، قال: الزيادة النظر إلى وجه ربكم.
10 حدثنا سلم بن جنادة، قال: ثنا وكيع بن الجراح، عن سفيان عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، قال: النظر إلى وجه الله.
لم يقل سفيان في هذا السند عن أبي بكر، وقاله إسرائيل.
11 ورواه أبو الربيع، أشعث السمان، وليس ممن يحتج أهل الحديث بحديثه لسوء حفظه. رواه عن ابن إسحاق، عن عامر بن سعد، عن سعيد، بن نمران، عن أبي بكر الصديق «رضي الله ع».
12 حدثنا بحر بن نصر، قال: ثنا أسد، قال: ثنا أبو الربيع - قال أبو بكر: إسرائيل أولى بهذا الإسناد من أبي الربيع. سمعت أبا موسى يقول: كان عبد الرحمن بن مهدي يصحح أحاديث إسرائيل عن أبي إسحاق. وقال: إنما فاتني ما فاتني من الحديث، من حديث سفيان عن أبي إسحاق اتكالا مني على إسرائيل.
13 (266): حدثنا محمد بن معمر، قال: ثنا روح، قال: ثنا عوف عن الحسن، قال: "بلغني أن رسول الله ﷺ سئل: قيل: يا رسول الله، هل يرى الخلق ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله ﷺ: يراه من شاء أن يراه، فقالوا: يا رسول الله، فكيف يراه الخلق مع كثرتهم والله واحد؟ فقال رسول الله ﷺ: "أرأيتم الشمس والقمر في يوم صحو لا غيم دونهما، هل تضارون في رؤيتهما؟ قالوا: لا، قال: إنكم لا تضارون في رؤيته كما لا تضارون في رؤيتهما".
قال أبو بكر: إنما أمليت هذا الخبر مرسلا لأن بعض الجهمية ادعى بأن الحسن كان يقول: إن الزيادة: الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، تمويها على بعض الرعاع والسفل، وإن الحسن كان ينكر رؤية الرب «عَزَّ وجَلّ»؛ ففي رواية عوف عن الحسن بيان أنه كان مؤمنا مصدقا بقلبه مقرا بلسانه أن المؤمنين يرون خالقهم في الآخرة، لا يضارون في رؤيته كما لا تضارون في رؤية الشمس والقمر في الدنيا، إذا لم يكن دونهما غيم. وإن علمنا بأن هذا كان قول الحسن، فإن بحر بن نصر بن سابق الخولاني قال: ثنا أسد يعني ابن موسى، قال: ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن في قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) قال: الناظرة: الحسنة، حسنها الله بالنظر إلى ربها، "وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى ربها".
10 (267): حدثنا سلم بن جنادة، قال: ثنا وكيع، عن أبي بكر الهذلي، عن أبي تميمة وهو الهجيمي، عن أبي موسى، وهو الأشعري، (للذين أحسنوا الحسنى.. ) قال: الجنة، والزيادة هي: "النظر إلى الله «عَزَّ وجَلّ»".
11 (268): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة في قوله: (للذين أحسنوا الحسنى.. ) الجنة، والزيادة فيما بلغنا النظر إلى وجه الله «عَزَّ وجَلّ».
12 (269): حدثنا محمد بن معمر، قال: ثنا روح، قال: ثنا سعيد عن قتادة في قوله: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) قال: ذكر لنا أن المؤمنين إذا دخلوا الجنة ناداهم مناد، أن الله تبارك وتعلى وعدكم الحسنى وهي الجنة، وأما الزيادة: فالنظر إلى وجه الرحمن.
قال الله : (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة).
قال أبو بكر: فاسمعوا الآن خبرا ثابتا صحيحا من جهة النقل يدل على أن المؤمنين يرون خالقهم جل ثناؤه بعد الموت، وأنهم لا يرونه قبل الممات، ولو كان معنى قوله (لا تدركه الأبصار): على ما تتوهمه الجهمية المعطلة الذين يجهلون لغة العرب، فلا يفرقون بين النظر وبني الإدراك، لكان معنى قوله: (لا تدركه الأبصار) أي: أبصار أهل الدنيا قبل الممات.
13 (270): حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثنا عمي، قال: أخبرني يونس، ابن يزيد، عن عطاء الخرسإني، عن يحيى بن أبي عمرو، الشيباني، يحدث عن عمرو الحضرمي، من أهل حمص، عن أبي أمامة الباهلي قال: خطبنا رسول الله ﷺ يوما، كان أكثر خطبته ذكر الدجال. فأخذ يحدثنا عنه، حتى فرغ من خطبته". فذكر الحديث بطوله خرجته في كتاب الفتن.
وقال في الخبر: فيقول، يعني الدجال: أنا نبي ولا نبي بعدي. قال: ثم يثني فيقول: أنا ربكم وهو أعور، وربكم ليس بأعور، ولن تروا ربكم حتى تموتوا. وذكر الحديث بطوله.
قال أبو بكر: في قوله "لن تروا ربكم حتى تموتوا" دلالة واضحة. وذكر الحديث بطوله.
14 (271): حدثنا محمد بن منصور الجواز، أبو عبد الله، قال: ثنا يعقوب بن محمد ابن عيسى الزهري، قال: ثنا عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن بن عياش الأنصاري، ثم السمعي، عن دلهم بن الأسود، بن عبد الله عن أبيه، عن عمه لقيط بن عامر أنه خرج وافدا إلى رسول الله ﷺ ومعه نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق، قال: فقدمنا المدينة لانسلاخ رجب، فصلينا معه صلاة الغداة، فقام رسول الله ﷺ في الناس خطيبا فقال: "أيها الناس إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام إلا لأسمعكم، فهل من امرئ بعثه قومه فقالوا: اعلم، اعلم لنا ما يقول رسول الله ﷺ. لعله أن يلهيه حديث نفسه، أو حديث صاحبه، أو تلهيه الضلالة، ألا إني مسئول هل بلغت. إلا اسمعوا تعيسوا، إلا اجلسوا إلا اجلسوا. فجلس الناس، وقمت أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلت: (إني سائلك عن حاجتي، فلا تعجلن علي، قال: سل عن ما شئت)، قلت: يا رسول الله، هل عندك من الغيب؟ فضحك لعمر الله وهز رأسه، وعلم إني ابتغي تسقطه. فقال: ضن ربك بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله، وأشار بيده. فقلت: ما هن يا رسول الله؟ قال: علم المنية، قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه، وعلم يوم الغيث، يشرف عليكم أزلين مشفقين فيظل يضحك، قد علم أن غوثكم قريب. قال لقيط: فقلت: يا رسول الله لن نعدم من رب يضحك خيرا يا رسول الله. قال: وعلم ما في غد، قد علم ما أنت طاعم، غدا، ولا تعلمه. وعلم يوم الساعة. قال: وأحسبه ذكر ما في الأرحام. قال: قلت: يا رسول الله علمنا مما تعلم الناس وما تعلم، فأنا من قبيل لا يصدقون تصديقنا أحد من مذحج التي تدنو إلينا وخثعم التي توالينا وعشيرتنا التي نحن منها. قال: تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم، ثم تلبثون ما لبثتم، ثم تبعث الصيحة، فلعمر إلهك ما يدع على ظهرها شيئا إلا مات والملائكة الذين مع ربك. فخلت الأرض، فأرسلت السماء بهضيب من تحت العرش، فلعمر إلهك ما يدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى يخلقه من قبل رأسه فيستوى جالسا يقول ربك مهيم لما كان منه. يقول: يا رب أمس اليوم، لعهده بالحياة يحسبه حديثا بأهله. قلت: يا رسول الله: كيف يجمعنا بعد ما تمزقنا الرياح والبلي والسباع؟ قال: أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، الأرض أشرفت عليها مدرة بالية، فقلت لا تحيا أبدا، فأرسل ربك عليها السماء، فلم تلبث عنها إلا أياما حتى أشرفت عليها فإذا هي شربة واحدة. ولعمر إلهك: لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض. فتخرجون من الأصواء ومن مصارعكم، فتنظرون إليه وينظر إليكم. قال: قلت: يا رسول الله: كيف وهو شخص واحد ونحن ملء الأرض ننظر إليه وينظر الينا؟ قال: أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، الشمس والقمر: آية منه، صغيرة ترونهما في ساعة واحدة وتريانكم، لا تضامون في رؤيتهما، ولعمر إلهك: لهو على أن يراكم وترونه أقدر منهما على أن يريانكم وترونهما. قلت: يا رسول الله: فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه؟ قال: تعرضون عليه، باديةً له صفحاتكم، لا تخفى عليه منكم خافية. فيأخذ ربك «عَزَّ وجَلّ» بيده غرفة من الماء، فينضح بها قبلكم، فلعمر إلهك، ما تخطئ وجه واحد منكم منها قطرة. وأما المؤمن فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء. وأما الكافر: فتضمحه بمثل الحمم الأسود. ألا ثم ينصرف نبيكم، ويفرق على أثره الصالحون، أو قال: ينصرف على أثره الصالحون، قال: فيسلكون جسرا من النار، يطأ أحدكم الجمرة فيقول: حس. فيقول ربك: أو أنه قال: فتطلعون على حوض الرسول أظمأ ناهلة، والله ما رأيتها قط. فلعمر إلهك: ما يبسط (يده) أو قال: يسقط واحد منكم إلا وقع عليها، قدح يطهره من الطوف والبول والأذى، وتخلص الشمس والقمر أو قال: تحبس الشمس والقمر، فلا ترون منهما واحدا. فقلت: يا رسول الله: فبم نبصر يومئذ؟ قال: بمثل بصرك ساعتك هذه. وذلك في يوم أشرقت الأرض وواجهت الجبال، قال: قلت يا رسول الله: فبم نجازى من سيئاتنا وحسناتنا؟ قال ﷺ: الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها أو يعفو. قلت: يا رسول الله: فما الجنة وما النار؟ قال: لعمر إلهك: إن للجنة لثمانية أبواب، ما منهن بابان إلا وبينهما مسيرة الراكب سبعين عاما. وإن للنار سبعة أبواب، ما منهن بابان إلا بينهما مسيرة الراكب سبعين عاما. قلت: يا رسول الله: ما يطلع من الجنة؟ قال: أنهار من عسل مصفى، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من كأس ما لها صداع، ولا ندامة، وماء غير آسن، وفاكهة. ولعمر إلهك، ما تعلمون وخير من مثله معه وأزواج مطهرة. قلت: يا رسول الله: أولنا أزواج منهم أو منهن مصلحات. قال: الصالحات للصالحين، تلذونهم مثل لذاتكم في الدنيا، ويلذذنكم غير أن لا توالد. قلت: يا رسول الله! هذا أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه؟ قال: فلم يجبه النبي ﷺ. قلت: يا رسول الله، علام أبايعك؟ قال: فبسط النبي ﷺ يده. فقال: على إقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وزيال المشركين، إن الله لا يغفر أن يشرك به الها غيره. فقلت: وإن لنا ما بين المشرق والمغرب، فقبض (رسول الله ﷺ يده) وبسط أصابعه وظن إني مشترط شيئا لا يعطينه. فقلت: نحل منها حيث شئنا ولا يجن على امرئ إلا نفسه. قال: ذلك لك: حل منها حيث شئت، ولا يجن عليك إلا نفسك. فبايعناه: ثم انصرفنا. فقال: ها إن ذين، ها إن ذين، ها إن ذين، ثلاثا لمن يقرءني حديثا لأنهم من أتقى الناس لله في الأول والآخر. فقال كعب بن الخدارية: أحد بني بكر بن كلاب من هم يا رسول الله؟ فقال: بنو المنتفق، أهل ذلك منهم، قال: فأقبلت عليه. فقلت: يا رسول الله: هل لأحد ممن مضى منا في جاهليته من خير؟ فقال رجل من عرض قريش: والله إن اباك المنتفق في النار. قال: فكأنه وقع حر بين جلد وجهي ولحمه مما قال لأبي على رؤوس الناس، فهممت أن أقول: وأبوك يا رسول الله، ثم نظرت. فإذا الأخرى أجمل: فقلت: وأهلك يا رسول الله. قال: وأهلي. لعمر الله حيث ما أتيت عليه من قبر قرشي أو عامري مشرك فقل: أرسلني إليك محمد فأبشر بما يسوءك، تجر على بطنك ووجهك في النار. قال: فقلت: فما فعل ذلك بهم يا رسول الله وكانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه وكانوا يحسبونهم مصلحين؟ قال: ذلك بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم نبيا، فمن أطاع نبيه كان من المهتدين ومن عصى نبيه كان من الضالين.
قال أبو بكر محمد بن إسحاق: معنى قوله (غير أن لا توالد) أي: لا يشتهون الولد. لأن في خبر أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ: (إذا اشتهى أحدكم الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة". والله «عَزَّ وجَلّ» قد أعلم أن لأهل الجنة فيها ما تشتهي الآنفس وتلذ الأعين، ومحال أن يشتهي المشتهي في الجنة ولدا فلا يعطى شهوته والله لا يخلف الوعد. والأولاد في الدنيا: قد يكون على غير شهوة الوالدين. فأما في الجنة فلا يكون لأحد منهم ولد إلا أن يشتهي فيعطى شهوته على ما قد وعد ربنا أن لهم فيها ما تشتهي أنفسهم.
باب ذكر الأخبار المأثورة
في إثبات رؤية النبي ﷺ خالقه العزيز العليم المحتجب عن أبصار بريته قبل اليوم الذي تجزى فيه كل نفس بما كسبت يوم الحسرة والندامة، وذكر اختصاص الله نبيه محمدا ﷺ بالرؤية كما خص نبيه إبراهيم بالخلة من بين جميع الرسل وخص الله كل واحد منه بفضيلة وبدرجة سنية كرما منه وجودا، كما أخبرنا «عَزَّ وجَلّ» في محكم تنزيله في قوله: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات).
1 - (272): حدثنا محمد بن بشار (بندار)، وأبو موسى محمد بن المثنى، إمامان من أئمة علماء الهدى، قالا: ثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس «رضي الله ع»، قال: " أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد ﷺ ".
2 - (273): حدثنا محمد بن يحيى أسكنه الله جنته قال: ثنا يزيد بن أبي حكيم العدني، قال: ثنا الحكم بن أبان، قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت ابن عباس «رضي الله ع» سئل: هل رأى محمد ﷺ ربه؟ قال: نعم، قال: فقلت لابن عباس: أليس الله يقول: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار). قال: لا أم لك، ذلك نوره إذا تجلى بنوره لم يدركه شيء".
قال محمد بن يحيى: امتنع علي إبراهيم بن الحكم في هذا الحديث. فخار الله لي هذا أجل منه، يعني أن يزيد بن أبي حكيم أجل من إبراهيم ابن الحكم، أي أنه أوثق منه. قال محمد بن يحيى، قال له ابنه، يعني إبراهيم بن الحكم: تعالى حتى يحدثك، فلم أذهب.
3 - (274): حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، قال: ثنا موسى بن عبد العزيز القنبارى: قال: ثنا عبد الرحمن موسى - أصله فارسي سكن اليمن - قال: حدثني الحكم بن أبان، قال: حدثني عكرمة، قال: سئل ابن عباس: هل رأى محمد ربه، قال: نعم، قلت أنا لابن العباس: أليس يقول الرب «عَزَّ وجَلّ»: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار)؟ فقال: لا أم لك، وكانت كلمته لي: "ذلك نوره الذي هو نوره، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء".
4 - (275): حدثنا محمد بن عيسى، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الحرث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، عن عبد الله بن أبي سلمة، أن عبد الله بن عمر بن الخطاب بعث إلى عبد الله بن العباس يسأله: (هل رأى محمد ﷺ ربه؟ فأرسل إليه عبد الله بن العباس: أن نعم. فرد عليه عبد الله بن عمر رسولَه أن كيف رآه؟ فأرسل إليه أنه رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب على كرسي من ذهب تحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل، وملك في صورة ثور، وملك في صورة نسر، وملك في صورة أسد.
5 - (276): حدثنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق الشيخ الصالح قال: ثنا هاشم بن القاسم، عن قيس بن الربيع، عن عاصم الأحول عن عكرمة، عن ابن عباس «رضي الله ع»، قال: " أن الله اصطفى إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالكلام، واصطفى محمدا ﷺ بالرؤية".
6 - (277): حدثنا أبو بكر محمد بن سليمان الواسطي بالفسطاط، قال: ثنا محمد بن الصباح، قال: ثنا إسماعيل يعني ابن زكريا عن عاصم عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: "إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالكلام، ومحمدا بالرؤية".
7 - (278): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا محمد بن الصباح، قال: ثنا إسماعيل - يعني ابن زكريا عن عاصم، عن الشعبي، عن عكرمة، عن ابن عباس «رضي الله ع»: قال: "رأى محمد ربه".
8 - (279): حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: ثنا محمد بن الصباح، قال: ثنا إسماعيل يعني ابن زكريا، عن عاصم، عن الشعبي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: "رأى محمد ربه".
9 - (280): حدثنا إبراهيم بن عبد العزيز المقوم، قال: ثنا أبو بحر يعني عبد الرحمن بن عثمان البكراوي عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: "رأى محمد ربه".
10 - (281): حدثني عمي إسماعيل بن خزيمة، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرني المعتمر بن سليمان، عن المبارك بن فضالة، قال: "كان الحسن يحلف بالله لقد رأى محمد ربه".
قال أبو بكر: وقد اختلف عن ابن عباس في تأويل قوله: (ولقد رآه نزلة أخرى): فروى بعضهم عنه أنه رآه بفؤاده:
11 - (282): حدثنا القاسم بن محمد بن عباد المهلبي، قال: ثنا عبد الله بن داود الخريبي، عن الأعمش، عن زياد بن حصين عن أبي العاليه، عن ابن عباس «رضي الله ع» في قوله: (ولقد رآه نزلةً أخرى) قال: "رآه بفؤاده".
12 - (283): حدثنا عمي: إسماعيل، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيل عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (ما كذب الفؤاد ما رأى)، قال: (رآه بقلبه).
13 - (284): حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا محمد بن عمرو، عن أبي يلمة عن ابن عباس «رضي الله ع» قال: قد رأى محمد ربه.
14 - (285): حدثنا أبو موسى، وبندار قالا: ثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: (فأوحى إلى عبده ما أوحى)، قال: عبده محمد. وقال قتادة: قال الحسن: "عبده جبريل". قال بندار: قال الحسن: عبده جبريل لم يقولاها هنا.
15 - (286): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا قبيصة بن عقبة، قال: ثنا سفيان عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس «رضي الله ع»، قال: (رآه مرتين).
قال أبو بكر: احتج بعض أصحابنا بهذا الخبر أن ابن عباس «رضي الله ع» وأبا ذر كانا يتأولان هذه الآية أن النبي ﷺ رأى ربه بفؤاده لقوله بعد ذكر ما بينا (فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى). وتؤول أن قوله: (ثم دنا فتدلى) إلى قوله (فأوحى إلى عبده ما أوحى): أن النبي ﷺ دنا من خالقه «عَزَّ وجَلّ» قاب قوسين أو أدنى، وأن الله «عَزَّ وجَلّ» أوحى إلى النبي ﷺ ما أوحى، وأن فؤاد النبي ﷺ لم يكذب ما رأى، يعنون رؤيته خالقه جل وعلا.
قال أبو بكر: وليس هذا التأويل الذي تأولوه لهذه الآية بالبين، وفيه نظر، لأن الله إنما أخبر في هذه الآية أنه رأى من آيات ربه الكبرى. ولم يعلم الله في هذه الآية أنه رأى ربه جل وعلا. وآيات ربنا ليس هو ربنا جل وعلا. فتفهموا لا تغالطوا في تأويل هذه الآية.
واحتج آخرون من أصحابنا على الرؤية بما:
16 - (287): حدثنا عبد الجبار بن العلاء، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار عن عكرمة، قال: ابن عباس «رضي الله ع»: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك.. )، قال: رؤيا عين أريها النبي ليلة أسري به.
17 - حدثناه عبد الجبار مرة، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي أيضا بهذا الإسناد، عن ابن عباس في قوله: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك.. ) قال: "هي رؤيا عين أريها النبي ليلة أسري به". قال: والشجرة الملعونة في القرآن هي شجرة الزقوم.
18 - حدثناه عمر بن حفص الشيباني، قال: ثنا سفيان بمثل رواية عبد الجبار الثانية، وزاد ليس رؤيا منام.
19 - حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا ابن عيينة بهذا الإسناد بمثله، إلى قوله: "ليلة أسري به"، قال: وليس الخبر بالبين أيضا، إن ابن عباس أراد بقوله (رؤيا عين): رؤية النبي ربه بعينه.
لست استحل أن احتج بالتمويه، ولا استجيز أن أموه على مقتبسي العلم، فأما خبر قتادة والحكم بن أبان، عن عكرمة عن ابن عباس «رضي الله ع»، وخبر عبد الله بن أبي سلمة، عن ابن عباس «رضي الله ع» فبين واضح أن ابن عباس كان يثبت أن النبي قد رأى ربه.
20 - حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني، قال: ثنا عبده، يعني ابن سليمان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن ابن عباس، في قوله: (ولقد رآه نزلة أخرى) قال: رأى ربه.
21 - حدثنا هارون بن إسحاق، قال: ثنا عبده بن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عبد الله بن الحرث، بن نوفل، عن كعب، قال: (إن الله قسم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمد صلوات الله عليهما) فرآه محمد مرتين، وكلم موسى مرتين.
قال أبو بكر: والدليل على صحة ما ذكرت أن آيات ربنا الكبرى غير جائز أن يتأول أن آيات ربنا هي ربنا.
أخبار عبد الله بن مسعود:
22 - (288): حدثنا أحمد بن منيع، قال: ثنا عباد يعني ابن العوام عن الشيباني، قال: سألت زر بن حبيش، عن قول الله «عَزَّ وجَلّ»: (فكان قاب قوسين أو أدنى)، قال: فقال: أخبرني ابن مسعود أن النبي ﷺ: "رأى جبريل له ستمائة جناح".
23 - حدثنا سلم بن جنادة، قال: ثنا أبو معاوية، عن ابن إسحاق وهو الشيباني عن زر بن حبيش، عن عبد الله (ولقد رآه نزلة أخرى) قال: "رأى جبريل له ستمائة جناح".
24 - (289): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا النفيلي، قال: زهير قال: ثنا أبو إسحاق الشيباني، قال: سألت زر بن حبيش عن قول الله «عَزَّ وجَلّ» (فكان قاب قوسين أو أدنى)، قال: ثنا عبد الله بن مسعود "أنه رأى جبريل له ستمائة جناح".
25 - (290): حدثنا زكريا بن يحيى، بن إياس، قال: ثنا عمرو بن خالد يعني الحراني، قال: ثنا زهير، عن أبي إسحاق، قال: (أتيت زر بن حبيش وعلى درتان أو في أذني درتان، فألقيت علي منه محبه، فجعل الناس يقولون لي: سله سله، فسألته عن قوله «عَزَّ وجَلّ»: (فكان قاب قوسين أو أدنى) قال: ثنا ابن مسعود "أن رسول الله ﷺ قال: نظرت إلى جبريل له ستمائة جناح".
26 - (291): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا حجاج بن محمد، قال: ثنا حماد عن عاصم عن زر، عن ابن مسعود، في قوله: (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى)، قال: قال رسول الله ﷺ: "رأيت جبريل عند سدرة المنتهى عليه ستمائة جناح، يتناثر منها التهاويل الدر والياقوت".
27 - (292): حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال: ثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: "رأى رسول الله ﷺ جبريل في صورته على السدرة له ستمائة جناح".
28 - (293): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدى، قال: ثنا شعبة عن الشيباني، قال: سمعت زر بن حبيش، يقول: قال عبد الله ...
29 - (294): وثنا محمد قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثنا شعبة، عن الشيباني عن زر، عن عبد الله في قوله: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى)، قال: (رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح).
30 - (295): حدثنا محمد، ثنا أبو الوليد، قال: ثنا شعبة، عن الشيباني قال: سألت زر بن حبيش عن هذه الآية (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) فقال: قال عبد الله: "رأى رفرفا أخضر قد سد أفق السماء".
31 - (296): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عاصم عن زر عن عبد الله في قوله: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) قال: "رأى جبريل له ستمائة جناح ينتثر منها تهاويل الدر والياقوت".
32 - (297): ثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي، قال: ثنا يحيى ابن آدم، عن إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله في قوله تعالى: (ما كذب الفؤاد ما رأى) قال: (رأى رسول الله ﷺ جبريل في حلة رفرف، ملأ ما بين السماء والأرض".
33 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا خالد بن الحارث، قال: ثنا شعبة، عن الشيباني، عن زر، عن عبد الله، (لقد رأى من آيات ربه الكبرى)، أو (ولقد رآه نزلة أخرى) قال: (جبريل في صورته له ستمائة جناح).
34 - (298): حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا خالد بن الحارث، قال: ثنا شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) أو (ولقد رآه نزلة أخرى) قال: (رأى رفرفا أخضر سد أفق السماء).
35 - (299): حدثنا يحيى بن حكيم، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن حماد بن سلمة، عن عاصم ابن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبد الله رفعه، (ولقد رآه نزلة أخرى) قال: (رأيت جبريل عند السدرة له ستمائة جناح تنهال منها تهاويل الدر والياقوت).
36 - (3.. ): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا أبو حذيفة قال: ثنا سفيان عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: (أن جبريل طار والنبي ﷺ في الخلاء ففزع منه).
قال أبو بكر: الخلاء يريد الخلوة التي ضد الملأ، أي لم يكن في جماعة، كان وحده.
37 - (301): حدثنا يوسف بن موسى، قال: ثنا جرير عن أبي إسحاق وهو الشيباني قال: سمعت زر بن حبيش يحدث ابن مسعود أنه قال في هذه الآية: (قاب قوسين أو أدنى) قال: أن النبي ﷺ رأى جبريل له ستمائة جناح".
38 - (302): حدثنا محمد بن معمر، قال: ثنا روح قال: ثنا شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله في هذه الآية (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) قال: "رأى رفرفا أخضر، قد سد أفق السماء".
قال أبو بكر: خرجت بقية هذا الباب في كتاب التفسير وكذلك بقية تأويل قوله: (ولقد رآه نزلةً أخرى) خرجته في كتاب (التفسير).
وقال أبو بكر: فأخبار ابن مسعود دالة على أن قوله: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) وتأويله أي رأى جبريل على الصفة التي ذكر في هذه الأخبار، وأما قوله (ولقد رآه نزلة أخرى) فغير مستنكر أن يكون معنى هذه الآية على ما قال ابن عباس إن النبي ﷺ رأى ربه مرتين، لا تأويل قوله (لقد رأى من آيات ربه الكبرى). وقد روى عن أبي ذر خبر قد اختلف علماؤنا في تأويله، لأنه روي بلفظ يحتمل النفي والإثبات جميعا، على سعة لسان العرب.
39 - (303): حدثنا أبو موسى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا يزيد بن إبراهيم يعني التستري عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لأبي ذر: " لو رأيت رسول الله ﷺ لسألته، قال: عن أي شيء كنت تسأله؟ قال: لسألته: هل رأيت ربك؟ قال: قد سألته، فقال: (أنى أراه).
40 - (304): حدثنا يحيى بن حكيم، قال: ثنا عبد الرحمن، حدثنا علي عبد الحسين الدرهمي، قال: ثنا معاذ بن معاذ العنبري، عن يزيد بن إبراهيم التستري، عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق العقيلي، قال: قلت لأبي ذر: "لو رأيت رسول الله ﷺ لسألته، قال: عما كنت تسأله؟ قال إذن لسألته: هل رأى ربه؟ فقال: قد سألته أنا: فما قال؟ قال: "نور أنى أراه".
41 - (305): حدثنا سلم بن جنادة القرشي، قال: ثنا وكيع، عن يزيد بن إبراهيم، عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق، قال: قال رجل لأبي ذر لو رأيت رسول الله ﷺ لسألته، قال: عما كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله: هل رأيت ربك؟ قال أبو ذر: قد سألته، قال: "نور أنى أراه".
قال أبو بكر: في القلب من صحة سند هذا الخبر شيء، لم أر أحدا من أصحابنا من علماء أهل الآثار فطن لعلة في إسناد هذا الخبر، فإن عبد الله بن شقيق كأنه لم يكن يثبت أبا ذر ولا يعرفه بعينه واسمه ونسبه:
42 - (306): لأن أبا موسى محمد بن المثنى ثنا، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق، قال: أتيت المدينة، فإذا رجل قائم على غرائر سود، يقول: ليبشر أصحاب الكنوز بكرة في الحياة والموت، فقالوا: هذا أبو ذر، صاحب رسول الله ﷺ.
قال أبو بكر: فعبد الله بن شقيق يذكر بعد موت أبي ذر أنه رأى رجلا يقول هذه المقالة وهو قائم على غرائر سود، خُبِّرَ أنه أبو ذر، كأنه لا يثبته ولا يعلم أنه أبو ذر.
وقوله: "نور أنى اراه"، يحتمل معنيين: أحدهما نفي؛ أي: كيف أراه، وهو نور، والمعنى الثاني: أي كيف رأيته وأين رأيته وهو نور، لا تدركه الأبصار، إدراك ما تدركه الأبصار من المخلوقين، كما قال عكرمة: إن الله إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء.
والدليل على صحة هذا التأويل الثاني: أن امام أهل زمانه في العلم والأخبار: محمد بن بشار بندار ثنا بهذا الخبر قال:
43 - (307): حدثنا معاذ بن هشام: قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله لسألته، فقال: عن أي شيء كنت تسأله؟ فقال: كنت أسأله، هل رأيت ربك؟ فقال أبو ذر: قد سألته، فقال: "رأيت نورا".
44 - (308): حدثني يحيى بن حكيم، قال: ثنا عبد الرحمن بمثل حديث أبي موسى، وقال: (نورا أني أراه).
45 - (309): حدثنا بندار أيضا: قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا يزيد بن إبراهيم التستري، عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق قال: قلت: لأبي ذر لو رأيت النبي ﷺ لسألته، قال: وعن أي شيء كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله، هل رأيت ربك؟ قال: قد سألته فقال: (نور أنى أره). كذا قال لنا بندار أنى أراه، لا كما قال أبو موسى قال: إني أراه.
قال أبو بكر: قوله أنى يحتمل معنيين، أحدهما النفي والآخر الإثبات، قال الله تعالى: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) فمعنى (أنى): أي شئتم فيجوز أن يكون معنى خبر أبي ذر (أنى أراه)، فمعنى أنى في هذا الموضع: أي كيف شئتم وأين شئتم ويجوز أن يكون معنى خبر أبي ذر: (أنى أراه) أي أين أراه، أو كيف أراه، فهو نور كما رواه معاذ بن هشام، عن أبيه خبر أبي ذر: (رأيت نورا)، فعلى هذا اللفظ يكون معنى قوله: (أنى أراه) أي أين أراه أو كيف أراه؟ فإنما أرى نورا، والعرب قد تقول أنى على معنى النفي، كقوله «عَزَّ وجَلّ»: (أنى يكون له الملك علينا) الآية، يريدون: كيف يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه، فلو كان معنى قول أبي ذر من رواية يزيد بن إبراهيم التستري أنى أراه، أو أنى أراه على معنى نفي الرؤية، فمعنى الخبر: أنه نفى رؤية الرب، لأن أبا ذر قد ثبت عنه أن النبي ﷺ قد رأى ربه بقلبه".
46 - (310): حدثنا أحمد بن منيع، غير مرة قال: ثنا هشيم، قال: ثنا منصور: وهو ابن زاذان عن الحكم، عن يزيد بن شريك، الرشك، عن أب ذر، في قوله تعالى: (ولقد رآه نزلة أخرى) قال: (رآه بقلبه.. )، يعني النبي ﷺ.
حدثنا أبو هاشم زباد بن أيوب، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا منصور، عن الحكم عم يزيد بن شريك، بن الرشك، عن أبي ذر، قال: "رآه بقلبه ولم يره بعينه".
47 - (311): حدثنا أبو هاشم: قال: ثنا هشيم، عن العوام، وهو ابن حوشب عن إبراهيم التيمي، في قوله: (ولقد رآه نزلة أخرى)، قال: (رآه بقلبه ولم يره ببصره).
48 - (312): حدثنا محمد ين معمر، قال: ثنا روح، قال: أنبأ سالم أبو عبيدالله عن عبد الله بن الحرث بن نوفل، أنه قال (رأى النبي ربه بفؤاده ولم يره بعينه).
49 (313): حدثنا ابن معمر، قال: حدثنا الروح، عن سعيد، عن قتادة (ولقد رآه نزلةً أخرى)، قال: (رأى نورا عظيما عند سدرة المنتهى).
قال أبو بكر: فلو كان أبو ذر سمع النبي ﷺ ينكر رؤية ربه جل وعلا بقلبه وعينه جميعا في قوله (نورا أنى أراه) لما تأول الآية التي تلاها: قوله: (ولقد رآه نزلة أخرى) خلاف ما سمع النبي ﷺ يقول: إذ العلم محيط أن النبي ﷺ لا يقول خلاف الكتاب، ولا يكون الكتاب خلاف الثابت عنه وإنما يكون خبر النبي ﷺ أبدا موافقا لكتاب الله، لا مخالفا لشيء منه، ولكن قد يكون لفظ الكتاب لفظا عاما، مراده خاص من الكتاب والسنة، قد بينا جميعا من هذا الجنس في كتبنا المصنفة ما في بعضها الغنية والكفاية عن تكراره في هذا الموضع، ولولا أن تأويل هذه الآية قد صح عندنا وثبت عن النبي ﷺ أنه على غير ما تأوله أبو ذر رحمه الله، فجاز أن يكون خبرا أبي ذر اللذان ذكرناهما من الجنس الذي يقال: جائز أن يكون النبي ﷺ سأله أبو ذر، في بعض الأوقات، هل رأى ربه جل وعلا ولم يكن قد رآه بعد، فأعلمه أنه لم يره، ثم رأى ربه جل وعلا بعد ذلك، فتلا عليه الآية وأعلمه أنه رآه بقلبه، ولكن قد ثبت عن النبي ﷺ أنه سئل عن هذه الآية فأخبر أنه إنما رأى جبريل على صورته، فثبت أن قوله: (ولقد رآه نزلة أخرى): إنما هو رؤية النبي ﷺ جبريل، لا رؤية ﷺ ربه «عَزَّ وجَلّ»، وجائز أن يكون النبي ﷺ قد رأى ربه على ما أخبر ابن عباس «رضي الله ع»، ومن قال: ممن حكينا قوله أن محمدا ﷺ قد رأى ربه لتأويل هذه الآية (ولقد رآه نزلة أخرى)، وخبر أبي عمران الجوني، عن أنس بن مالك شبيه المعنى بخبر أبو ذر: (رأيت نورا).
50 - (314): حدثنا زكريا بن يحيى، بن إياس، قال: حدثني سعيد يعني ابن منصور قال: ثنا الحرث بن عبيد الإيادي، عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ: (بينما أنا جالس إذ جاء جبريل فوكز بين كتفي فقمت إلى شجرة مثل وكري الطير، فقعد في إحداهما وقعدت في الأخرى، فسمت فارتفعت حتى سدت الخافقين وأنا أقلب بصري، ولو شئت أن أمس السماء لمسست، فنظرت إلى جبريل كأنه حلس لاطئ، فعرفت فضل علمه بالله علي، وفتح لي بابين من أبواب الجنة، ورأيت النور الأعظم، وإذا دون الحجاب رفرف الدر والياقوت، فأوحى إلي ما شاء أن يوحي".
قال أبو بكر: فأما قوله: جل وعلا: (ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى) ففي خبر شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك بيان ووضوح أن معنى قوله (دنا فتدلى) إنما دنا الجبار رب العزة، لا جبريل.
51 - (315): كذلك حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قال: ثنا سليمان بن بلال، قال: حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر، قال: سمعت أنس بن مالك، يحدثنا ليلة أسري برسول الله ﷺ من مسجد الكعبة، أنه جاء ثلاثة نفر من قبل أن يوحى إليه، وهو قائم في المسجد الحرام، فقال: أولهم: هو هو، فقال: أوسطهم: هو خيرهم، فقال آخرهم: خذوا خيرهم فكانت (الليلة) فلم يرهم، حتى جاءوا ليلةً أخرى، فيما يرى قلبه والنبي ﷺ تنام عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل ﷺ، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته (حتى فرج من صدره وجوفه وغسله من ماء زمزم بيده، حتى ألقى جوفه، ثم جاءه بطست من ذهب محشوا ايمانا وحكمة فحشا به جوفه وصدره ولغاديده ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فناداه أهل السماء من هذا؟ قال: هذا جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: وقد بعث إليه، قال: نعم، قالوا فمرحبا وأهلا، يستبشر به أهل السماء الدنيا، لا يعلم أهل السماء ما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم. فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل ﷺ: هذا أبوك، فسلم عليه، فسلم عليه، فرد عليه وقال: مرحبا وأهلا يا ببني، فنعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذا النيل والفرات عنصرهما قال: ثم مضى به في السماء، فإذا هو بنهر آخر، عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فذهب يشم ترابه فإذا هو مسك، قال: جبريل: ما هذا النهر؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك، ثم عرج إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له في الأولى، من هذا معك؟ قال: محمد ﷺ قالوا: وقد بعث إليه قال: نعم، قالوا مرحبا به وأهلا، ثم عرج به إلى السماء الثالثة فقالوا (له) مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السادسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السابعة فقالوا له مثل ذلك، وكل سماء فيها أنبياء قد سماهم. فوعيت منهم: إدريس في الثانية وهارون في الرابعة وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه وإبرهيم في السادسة وموسى في السابعة بفضل كلام الله، فقال موسى: لم أظن أن يرفع علي أحد، ثم علا به فيما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء به سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العرش، فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى (الله) إليه ما أوحى، فأوحى فيما أوحى خمسين صلاة على أمته في كل يوم وليلة، ثم هبط به حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى، فقال: يا محمد ماذا عهد إليك ربك؟ قال: عهد إلي خمسين صلاة على أمتي كل يوم وليلة، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، ارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت إلى جبريل ﷺ كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت، فعلى به جبريل، حتى أتى إلى الجيار وهو مكانه فقال يا رب خفف فإن أمتي لا تستطيع هذا، فوضع عنه عشر صلوات، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت خمس صلوات، ثم احتبسه عند الخامسة، فقال: يا محمد قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذه الخمس، فضيعوه وتركوه، وأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبصارا وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك، كل ذلك يلتفت إلى جبريل ليشير عليه، فلا يكره ذلك جبريل، فرفعه فرجعه عند الخامسة، فقال: يا رب إن امتي ضعفاء ضعاف أجسادهم وقلوبهم وأبصارهم وأسماعهم، فخفف عنا فقال الجبار: يا محمد قال: لبيك وسعديك، فقال: إنه لا يبدل القول لدي، وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال خفف عنا، أعطانا بكل حسنة عشرة أمثالها، قال: قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذه فتركوه، فارجع فليخفف عنك أيضا قال: قد والله استحييت من ربي «عَزَّ وجَلّ» مما اختلف إليه، قال فاهبط باسم الله، فاستيقظ وهو وفي المسجد الحرام".
52 - (316): حدثنا ابن معمر، قال: ثنا روح، قال: ثنا عباد بن منصور، قال: سألت الحسن فقلت: (ثم دنا فتدلى) من ذا يا أبا سعيد؟ قال: (ربي).
قال أبو بكر: وفي خبر كثير بن حبيش، عن أنس أن النبي ﷺ قال مثل هذه اللفظة التي في خبر شريك بن عبد الله.
53 - (317): كذلك ثنا أبو عمار الحسين بن حريث، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن محمد ابن عمرو، قال: ثنا كثير بن حبيش، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ: "بينما أنا مضطجع في المسجد، رأيت ثلاث نفر أقبلوا إلي، فقال الأول: هو هو، فقال الأوسط: نعم، فقال الآخر: خذوا سيد القوم، قال: فرجعوا إلي، فاحتملوني، حتى ألقوني على ظهري عند زمزم فشقوا بطني فغسلوه، فسمعت بعضهم يوصي بعضا يقول: أنقوها، فأنقوا حشوة بطني، ثم أُتيت بطشت من ذهب مملوء حكمة وإيمانا، فأوعي في قلبي، ثم صعدوا بي إلى السماء فاستفتح قال: من هذا؟ قال لجبريل، قال: ومن معك؟ قال محمد، قال: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، ففتح فإذا آدم، إذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر عن شماله بكى، قال: قلت يا جبريل: من هذا؟ قال: هذا أبوك آدم، إذا نظر إلى الجنة عن يمينه فرأى من فيها من ولده ضحك، وإذا نظر إلى النار عن يساره فنظر إلى ولده فيها بكى، قال أنس: إن شئت سميت لك كلهم، ويكن يطول علي الحديث فعرج بي حتى أتى السماء السادسة فقال: من هذا. فقال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال محمد، قال: وقد أرسل إليه، قال: نعم، فإذا موسى، قال: فعرج بي حتى السماء السابعة فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال محمد، قال: وقد بعث إليه، قال: نعم، ففتح، فأدخلت الجنة فأعطيت الكوثر، وهو نهر في الجنة شاطئه يا قوت مجوف من لؤلؤ، ثم عرج بي حتى جاء سدرة المنتهى، فدنا إلى ربه فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى، ففرض علي وعلى أمتي خمسين صلاة، فرجعت فمررت على موسى، فقال: كم فرض عليك وعلى أمتك، قلت خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك أن يخفف عنك وعن أمتك، فرجعت إليه، فوضع عني عشر صلوات، ثم مررت على موسى فقال: كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت: فرض علي أربعين صلاة، قال ارجع إلى ربك أن يخفف عنك وعن أمتك، فرجعت إليه فوضع عني عشرا، فبم يزل حتى انتهى إلى عشر، فلما انتهى إلى عشر قال: إن بني إسرائيل أمروا بأيسر من هذا فلم يطيقوه، فرجعت إليه فوضع خمسا ثم قال: لا يبدل قولي ولا ينسخ كتابي، هو في التخفيف خمس صلوات، وفي التضعيف في الأجر خمسون صلاة، فرجعت إلى موسى فقال: كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت: خمس صلوات، قال: ارجع إلى ربك أن يخفف عنك وعن أمتك، قال لقد رجعت إلى ربي حتى أني لأستحي منه".
وقد روى الوليد بن مسلم خبرا يتوهم كثير من طلاب العلم ممن لا يفهم علم الأخبار أنه خبر صحيح من جهة النقل، وليس كذلك هو عند علماء أهل الحديث. وأنا مبين علله إن وفق الله لذلك حتى لا يغتر بعض طلاب الحديث به فيلتبس الصحيح بغير الثابت من الأخبار، قد أعلمت ما لا أحصي من مرة أني لا أستحل أن أموه على طلاب العلم بالاحتجاج بالخبر الواهي وأني خائف من خالقي جل وعلا إذا موهت على طلاب العلم بالاحتجاج بالأخبار الواهية، وإن كانت حجة لمذهبي.
54 - (318): روى الوليد، قال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: ثنا خالد بن اللجلاج، قال: حدثني عبد الرحمن بن عائش الحضرمي قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " رأيت ربي في أحسن صورة، فقال: فيمَ يختص الملأ الأعلى يا محمد؟ قال: قلت: أي ربي، أي ربي مرتين، فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما في السموات والأرض، ثم تلا: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين). قال: فيما يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قال: في الكفارات يا رب، قال: وما هن؟ قلت: المشي إلى الجمعات، والجلوس في المساجد، وانتظار الصلوات، وإسباغ الوضوء على المكاره، فقال الله: من فعل ذلك يعش بخير ويموت بخير، ويكون من خطيئته كيوم ولدته أمه، ومن الدرجات: إطعام الطعام وطيب الكلام، وأن تقوم الليل والناس نيام، فقال: اللهم إني أسألك الطيبات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تتوب علي وتغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، قال رسول الله ﷺ: تعلمونهن، فوالذي نفسي بيده إنهن لحق".
حدثنا أبو قدامة، وعبد الله بن محمد الزهري ومحمد بن ميمون المكي، قالوا: ثنا الوليد بن مسلم، قال: الزهري ومحمد بن ميمون: عن، وقال أبو قدامة: حدثني، عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، واللفظ الذي ذكرت لفظ حديث الزهري، وقال أبو قدامة: (بين كتفي فوجد بردها بين ثديي، قال وقال وما هن؟ قال: المشي إلى الجمعات، والجلوس في المساجد، وانتظار الصلوات، وإذا أردت فتنة ...
قال أبو بكر: "قوله في هذا الخبر: " قال سمعت رسول الله ﷺ وهم لأن عبد الرحمن بن عائش لم يسمع من النبي ﷺ هذه القصة، وإنما رواه عن رجل من أصحاب النبي ﷺ، ولا أحسبه أيضا سمعه من الصحاب، لأن يحيى بن أبي كثير رواه عن زيد بن سلام، عن عبد الرحمن الحضرمي، عن مالك بن يخامر عن معاذ. وقال يزيد بن جابر، عن خالد بن اللجلاج، عن عبد الرحمن ابن عائش، عن رجل من أصحاب النبي ﷺ، كذلك:
55 - ثنا أبو موسى محمد بن المثنى، قال: حدثني أبو عامر عبد الملك بن عمرو قال: ثنا زهير وهو ابن محمد عن يزيد قال أبو موسى وهو يزيد بن جابر عن خالد بن اللجلاج، عن عبد الرحمن بن عائش عن رجل من أصحاب النبي ﷺ قال: خرج علينا النبي ﷺ، فذكر الحديث بطوله.
قال أبو بكر: "وجاء قتادة بلون آخر، فرواه معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة، عن أبي قلابة، عن خالد بن اللجاج، عن عبد الله بن عباس «رضي الله ع»؛
56 - (319): حدثناه بن بندار وأبو موسى، قالا: حدثنا معاذ، قال: حدثني أبي عن قتادة، عن أبي قلابة، عن خالد بن اللجاج، عن ابن عباس «رضي الله ع» أن نبي الله ﷺ قال: "رأيت ربي في أحسن صورة، قال: يا محمد قلت: لبيك وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: يا رب لا أدري، قال: فوضع يده بين كتفي، فوجدت بردها بن ثديي، فعلمت ما بين المشرق والمغرب، فقال: يا محمد، قلت: لبيك ربي وسعديك، قال: فيم يختص الأعلى؟ قال: قلت يا رب في الكفارات؛ المشي على الاقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء على المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة، من حافظ عليهن عاش بخير ومات بخير وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
هذا حديث أبي موسى، وقال بندار: قال: أتاني ربي في أحسن صورة، وقال: قلت في الدرجات والكفارات، وقال: انتظار الصلاة بعد الصلاة، لم يقل: الصلوات.
ورواه معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس «رضي الله ع».
57 - (320): حدثناه محمد بن يحيى، قال: ثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وكان ثقة، قال: ثنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة عن ابن عباس «رضي الله ع» أن النبي ﷺ قال: "أتاني ربي في أحسن صورة.. " فذكر محمد بن يحيى الحديث.
قال أبو بكر: رواية يزيد وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر أشبه بالصواب - حيث قالا عن عبد الرحمن بن عائش - من رواية من قال: عن عبد الله بن عباس «رضي الله ع»، فإنه قد روي عن يحيى ابن أبي كثير عن زيد بن سلام أنه حدثه عبد الرحمن الحضري، وهو ابن عائش إن شاء الله تعالى، حدثنا مالك بن يخامر السكسكي أن معاذ بن جبل قال: "احتبس عنا رسول الله ﷺ ذات غداة، عن صلاة الصبح حتى كدنا أن نتراءى قرن الشمس، فخرج رسول الله ﷺ سريعا، فثوب بالصلاة، فصلى وتجوز في صلاته فلما سلم دعا بصوته على مصافكم كما أنتم، ثم أقبل إلينا قال: إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي، فنعست في مصلاي، حتى استثقلت، فإذا أنا بربي في أحسن صورة، فقال: يا محمد، فقلت: لبيك يا رب، قال: فيما يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا أدري، قالها ثلاثا، قال فرأيته وضع كفه بين كتفي، حتى وجدت برد أنامله بين ثديي، فتجلى لي كل شيء وعرفته، فقال: يا محمد، قال: قلت: لبيك، قال: يا محمد: قلت: لبيك رب، قال: فيم يختص الملأ الأعلى؟ قال: قلت: في الكفارات، قال: وما هن، قلت: المشي على الأقدام إلى الجماعات، وجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء حين الكريهات، قال: وما الدرجات؟ قلت: إطعام الطعام ولين الكلام والصلاة والناس نيام، قال: سل، فقلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك، فقال رسول الله ﷺ: "إنها حق فتعلموها وادرسوها".
58 - (321): حدثناه أبو موسى، فقال: ثنا معاذ بن هانئ، أبو هانئ، قال: ثنا جهضم ابن عبد الله القيسي، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام أنه حدثه عبد الرحمن الحضرمي قال أبو موسى وهو ابن عائش بالحديث على ما أمليته.
وروى معاوية بن صالح، عن ابن يحيى، وهو عندي سليمان أو سليم بن عامر، عن أبي يزيد، عن أبي سلام الحبشي، أنه سمع ثوبان مولى رسول الله ﷺ أن النبي ﷺ أخر صلاة الصبح حتى أسفر، فقال: إنما تأخرت عنكم أن ربي قال لي: يا محمد هل تدري فيما يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري يا رب، فرددها مرتين أو ثلاثا، ثم حسست بالكف بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي، ثم تجلى لي كل شيء وعرفت، قال: قلت: نعم يا رب، يختصمون في الكفارات والدرجات، والكفارات المشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في الكريهات وانتظار الصلاة بعد الصلاة، والدرجات إطعام الطعام وبذل السلام والقيام بالليل والناس نيام، ثم قال: يا محمد، اشفع تشفع، وسل تعط، قال: فقلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني وأنا غير مفتون. اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك، فقال رسول الله ﷺ: إنها حق فتعلموها وادرسوها".
58 - (321) حدثناه أبو موسى، قال: ثنا معاذ بن هانىء، أبو هانىء، قال: ثنا جهضم ابن عبد الله القيسي، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير بن زيد بن سلام أنه حدثه عبد الرحمن الحضرمي قال أبو موسى وهو ابن عائش بالحديث على ما أمليته.
وروى معاوية بن صالح، عن ابن يحيى، وهو عندي سليمان أو سليم بن عامر، عن أبي يزيد، عن أبي سلام الحبشي، أنه سمع ثوبان مولى رسول الله ﷺ أن النبي ﷺ أخر صلاة الصبح حتى أسفر، فقال: إنما تأخرت عنكم أن ربي قال لي: يا محمد هل تدري فيم يختص الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري يا رب، فرددها مرتين أو ثلاثا، ثم حسست بالكف بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي، ثم تجلى لي كل شيء وعرفت، قال: قلت: نعم يا رب، يختصمون في الكفارات والدرجات، والكفارات المشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في الكريهات وانتظار الصلاة بعد الصلاة، والدرجات إطعام الطعام وبذل السلام والقيام بالليل والناس نيام، ثم قال: يا محمد اشفع تشفع وسل تعط قال فقلت اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا إردت فتنة في قوم فتوفني وأنا غير مفتون اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحبا يبلغني حبك
59 - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا عمي، قال ثنا معاوية:
قال أبو بكر: لست أعرف أبا يزيد هذا بعدالة ولا جرح.
60 - وروى شيخ من الكوفيين يقال له: سعيد بن سويد القرشي، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، عن معاذ بن جبل هذه القصة بطولها تشتبه بخبر يحيى بن أبي كثير؛
ثنا محمد بن أبي سعيد بن سويد القرشي، كوفي، قال: حدثني أبي؛
قال أبو بكر: وهذا الشيخ سعيد بن سويد لست أعرفه بعدالة ولا جرح، وعيد الرحمن بن إسحاق هذا: هو أبو شيبة الكوفي، ضعيف الحديث، الذي روى عن النعمان بن سعد، عن علي بن أبي طالب «رضي الله ع» عن النبي ﷺ أخبارا منكرة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل؛ مات معاذ في أول خلافة عمر بن الخطاب بالشام «رضي الله ع» مع جماعة من أصحاب النبي ﷺ، منهم بلال بن رباح مولى أبي بكر رض الله عنه، في طاعون عَموَاس، قد رأيت قبورهم أو بعضها قرب عمواس بين الرملة وبيت المقدس، عن يمين الطريق إذا قصد من الرملة بيت المقدس، فليس يثبت من هذه الأخبار شيء من عند ذكرنا عبد الرحمن بن عائش إلى هذا الموضع، فبطل الذي ذكرنا لهذه الأسانيد، ولعل بعض من لم يتحر العلم يحسب أن خبر يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلاّم ثابت لأنه قيل في الخبر عن زيد أنه حدثه عبد الرحمن الحضرمي، يحيى بن أبي كثير أحد المدلسين لم يخبر أنه سمع هذا من زيد بن سلاّم.
قد سمعت الدارمي أحمد بن سعيد يقول: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثني أبي، عن حسين المعلم، قال: لما قدم علينا عبد الله بن بريدة، بعث إلي مطر الوراق: احمل الصحيفة والدواة وتعال، فحملت الصحيفة والدواة فأتيناه فجعل يقول: حدثني أبي وثنا عبد الله بن مغفل، فلما قدم يحيى بن أبي كثير بعث إلى مطر الوراق احمل الصحيفة والدواة وتعالى، فأتيناه فأخرج الينا كتاب أبي سلاّم، فقلنا: سمعت هذا من أبي سلاّم؟ قال: لا، قلنا فمن رجل سمعه من أبي سلاّم، قال: لا، فقلنا تحدث بأحاديث مثل هذه لم تسمعها من الرجل، ولا من رجل سمعها منه، فقال: أترى رجلا جاء بصحيفة ودواة كتب أحاديث عن النبي ﷺ مثل هذه كذبا؛ هذا معنى الحكاية.
قال أبو بكر: كتب عني مسلم بن الحجاج هذه الحكاية.
باب ذكر أخبار رويت عن عائشة «رضي الله ع»
في إنكار رؤية النبي صلى الله عليه وسلم تسليما، قبل نزول المنية بالنبي ﷺ، إذ أهل قبلتنا من الصحابة والتابعات والتابعين ومن بعدهم إلى من شاهدنا من العلماء من أهل عصرنا لم يختلفوا ولم يشكوا ولم يرتابوا أن جميع المؤمنين يرون خالقهم يوم القيامة عيانا، وإنما اختلف العلماء هل رأى النبي ﷺ خالقه «عَزَّ وجَلّ» قبل نزول المنية بالنبي ﷺ، لا أنهم قد اختلفوا في رؤية المؤمنين خالقهم يوم القيامة، فتفهموا المسألتين لا تغالطوا فتصدوا عن سواء السبيل.
1 - (323): حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قال: ثنا ابن عليه قال: ثنا داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق، قال: "كنت متكئا عند عائشة «رضي الله ع» فقالت: يا أبا عائشة: ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية، قلت: وما هن؟ قالت: من زعم أن محمدا ﷺ رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، قال: وكنت متكئا فجلست فقلت: يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجلين، ألم يقل الله: { ولقد رآه بالأفق المبين }، { ولقد رآه نزلةً أخرى }؟ فقالت «رضي الله ع»: أنا أول هذه الأمة سأل عن هذا رسول الله ﷺ، فقال ﷺ: "جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء والأرض، فقالت: أولم تسمع أن الله يقول: { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير } قالت: أولم تسمع أن الله يقول: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب } قرأت إلى قوله { علي حكيم }، قالت: ومن زعم أن محمدا ﷺ كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل الله إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت } - قرأت إلى قوله - { والله يعصمك من الناس }، قالت: ومن زعم أنه يخبر الناس بما يكون في غد، فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول: { لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله }.
2 - (324): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، وثنا محمد بن بشار وأبو موسى قالا: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا داود بن أبي هند، وثنا أبو موسى، قال: ثنا عبد الأعلى، عن داود، وهذا حديث ابن أبي عدي، عن الشعبي، عن مسروق، قال: (كنا عند عائشة «رضي الله ع»، فقالت: يا أبا عائشة، ثلاث من قال واحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية،: من زعم أن محمدا رأى ربه، قال: وكنت متكئا فجلست فقلت: أمهليني ولا تعجلين، قال قلت: أليس يقول الله: { ولقد رآه بالأفق المبين) (ولقد رآه نزلةً أخرى } قالت: أنا أول هذه الأمة سأل رسول الله ﷺ عنها، قال: إنما ذلك جبريل لم أره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين، رآه منهبطا من السماء وسادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض، قالت: أولم تسمع الله يقول: { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير } { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا } - قرأت إلى قوله - { علي حكيم } قالت: ومن زعم أن محمدا ﷺ يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: { …لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } ومن زعم أن محمدا كتم شيئا مما أنزل عليه فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك }.
زاد بندار وأبو موسى في خبر عبد الوهاب، قالت: لو كان محمد ﷺ كاتما شيئا مما أنزل الله إليه لكتم هذه الآية { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله، وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس … }.
3 - (325): وثنا بندار بهذه الزيادة، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود عن الشعبي، قال: قالت عائشة «رضي الله ع»: لو كان رسول الله ﷺ كاتما شيئا مما أنزل الله عليه لكتم هذه الآية على أمته { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك - إلى قوله - فلما قضى زيدا منها وطرا زوجناكها…وكان أمر الله مفعولا }.
قال لنا أبو موسى في خبر عبد الأعلى بعد قراءته علينا خبر عبد الوهاب عن عائشة «رضي الله ع» نحوه.
وكذا قال لنا في خبر يزيد بن هارون، عن مسروق قال: كنت عند عائشة «رضي الله ع» … فذكر نحوه.
فأما بندار فإنه قرأ علينا حديث يزيد بتمامه، ليس في خبر يزيد ذكر هذه الآية ولا قولها: (لو كان النبي ﷺ كاتما)، إلى آخر الحديث، فأحسب أن أبا موسى إنما أراد بقوله في خبر يزيد بن هارون نحوه إلى قوله: ما أنزل إليك دون هذه الزيادة التي أدرجها عبد الوهاب في الخبر متصلا، وميز ابن أبي عدي بين هذه الزيادة وبين الخبر المتصل، فروى هذه الزيادة عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن عائشة «رضي الله ع»، ليس في هذه الزيادة ذكر مسروق.
4 - (326): حدينا يونس بن عبد الأعلى الصدفي، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحرث، أن عبد الله بن سعيد حدثه أن داود بن أبي هند حدثه عن عامر الشعبي، عن مسروق بن الأجدع أنه سمع عائشة «رضي الله ع» تقول: أعظم الفرية على الله من قال ثلاثة، من قال إن محمدا رأى ربه، وإن محمدا كتم شيئا من الوحي، وإن محمدا يعلم ما في غد، قال: يا أم المؤمنين وما رآه؟ قالت: لا، إنما ذلك جبريل، رآه مرتين في صورته مرة بالأفق الأعلى، ومرةً سادا أفق السماء.
5 - (327): حدثنا هارون بن إسحاق الهَمْداني، قال: ثنا عبدة عن سعيد، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن مسروق، قال: قالت عائشة «رضي الله ع»: ثلاث من قال واحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية، من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا… }، ومن زعم أن محمدا كتم شيئا من الوحي فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول: { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } الآية. ومن زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: { لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير } والله يقول: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب } فقال مسروق لعائشة: يا أم المؤمنين «رضي الله ع» أولم يقل: { ولقد رآه نزلةً أخرى } وقال تعالى: { ولقد رآه بالأفق المبين } فقالت عائشة «رضي الله ع»: "أنا سألت رسول الله ﷺ عن ذلك، فقال: رأيت جبريل، نزل في الأفق، على خلقه وهيئته - أو خلقه وصورته - سادا ما بين الأفق".
قال أبو بكر: هذه لفظة أحسب عائشة تكلمت بها، في وقت غضب كانت لفظة أحسن منا يكون فيها دركا لبغيتها، كان أجمل بها، ليس يحسن في اللفظ: أن يقول قائل أو قائلة: فقد أعظم ابن عباس الفرية وأبو ذر وأنس بن مالك، وجماعات من الناس الفرية على ربهم، ولكن قد يتكلم المرء عند الغضب باللفظة التي يكون غيرها أحسن وأجمل منها، أكثر ما في هذا أن عائشة «رضي الله ع» وأبا ذر، وابن عباس «رضي الله ع»، وأنس بن مالك «رضي الله ع» قد اختلفوا: هل رأى النبي ﷺ ربه؟ فقالت عائشة «رضي الله ع» (لم ير النبي ﷺ ربه)، وقال أبو ذر وابن عباس «رضي الله ع»: قد رأى النبي ﷺ ربه، وقد أعلمت في مواضع في كتبنا أن النفي لا يوجب علما، والإثبات هو الذي يوجب العلم، لم تحك عائشة عن النبي ﷺ أنه خبرها أنه لم ير ربه - «عَزَّ وجَلّ» - وإنما تلت قوله «عَزَّ وجَلّ»: { لا تدركه الأبصار } وقوله: { وما كان لبشر أن يلكمه الله إلا وحيا } ومن تدبر هاتين الآيتين ووفق لإدراك الصواب علم أنه ليس في واحدة من الآيتين ما يستحق من قال إن محمدا رأى ربه الرمي بالفرية على الله، كيف بأن يقول: (قد أعظم الفرية على الله؟ ) لأن قوله: لا تدركه الأبصار قد يحتمل معينين على مذهب من يثبت رؤية النبي ﷺ خالقه «عَزَّ وجَلّ»، قد يحتمل بأن يكون معنى قوله: لا تدركه الأبصار على ما قال ترجمان القرآن لمولاه عكرمة: ذاك نوره الذي هو نوره، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء. والمعنى الثاني: أي: لا تدركه الأبصار أبصار الناس، لأن الأعم والأظهر من لغة العرب أن الأبصار إنما يقع على أبصار جماعة، لا أحسب غريبا يجيئ من طريق اللغة أن يقول: لبصر امرئ واحد أبصار، وإنما يقال لبصر امرئ واحد بصر، ولا سمعنا غربيا يقول: لعين امرئ واحد بصرين، فكيف أبصار. ولو قلنا إن الإبصار ترى ربنا في الدنيا لكنا قد قلنا الباطل والبهتان. فأما من قال إن النبي ﷺ قد رأى ربه دون سائر الخلق، فلم يقل إن الإبصار قد رأت ربها في الدنيا، فكيف يكون يا ذوي الحجا من يثبت أن النبي ﷺ قد رأى ربه دون سائر الخلق مثبتا أن الأبصار قد رأت ربها، فتفهموا يا ذوي الحجا هذه النكتة تعلموا أن ابن عباس «رضي الله ع» وأبا ذر وأنس بن مالك ومن وافقهم لم يعظموا الفرية على الله، ولا خالفوا حرفا من كتاب الله في هذه المسألة.
فأما ذكرها: وما كان لبشر أن يكلم الله إلا وحيا أو من وراء حجاب فلم يقل أبو ذر وابن عباس «رضي الله ع» وأنس بن مالك ولا واحد منهم ولا أحد ممن يثبت رؤية النبي ﷺ خالقه «عَزَّ وجَلّ» أن الله كلمه في ذلك الوقت الذي كان يرى ربه فيه فيلزم أن يقال قد خالفتهم هذه الآية. ومن قال إن النبي ﷺ قد رأى ربه لم يخالف قوله تعالى: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب، وإنما يكون مخالفا لهذه الآية من يقول: رأى النبي ﷺ ربه فكلمه الله في ذلك الوقت، وابن عمر مع جلالته وعلمه وورعه وفقهه وموضعه من الإسلام والعلم يلتمس علم هذه المسألة من ترجمان القرآن ابن عم النبي ﷺ يرسل إليه ليسأله هل رأى النبي ﷺ ربه؟، علما منه بمعرفة ابن عباس بهذه المسألة يقتبس هذا منه. فقد ثبت عن ابن عباس إثباته أن النبي ﷺ قد رأى ربه، وبيقين يعلم كل عالم أن هذا من الجنس الذي لا يدرك بالعقول والآراء والجنان والظنون، ولا يدرك مثل هذا العلم إلا من طريق النبوة، إما بكتاب أو بقول نبي مصطفى، ولا أظن أحدا من أهل العلم يتوهم أن ابن عباس قال رأى النبي ﷺ ربه برأي وظن، لا، ولا أبو ذر، لا ولا أنس بن مالك، نقول كما قال معمر بن راشد لما ذكر اختلاف عائشة «رضي الله ع» وابن عباس «رضي الله ع» في هذه المسألة: (ما اختلاف عائشة عندنا أعلم من ابن عباس، نقول: عائشة الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله عالمة فقيهة كذلك ابن عباس، «رضي الله ع»، ابن عم النبي ﷺ، قد دعا النبي ﷺ له أن يرزق الحكمة والعلم، وهذا المعني من الدعاء وهو المسمى بترجمان القرآن ومن كان الفاروق «رضي الله ع» يسأله عن بعض معاني القرآن فيقبل منه وإن خالفه غيره ممن هو أكبر سنا منه وأقدم صحبةً للنبي ﷺ، وإذا اختلفا فمحال أن يقال قد أعظم ابن عباس الفرية على الله، لأنه قد أثبت شيئا نفته عائشة «رضي الله ع»، والعلماء لا يطلقون هذه اللفظة وإن غلط بعض العلماء في معنى آية من كتاب الله أو خالف سنة أو سننا من سنن النبي ﷺ لم تبلغ المرء تلك السنن فكيف يجوز أن يقال أعظم الفرية على الله من يثبت شيئا لم ينفه كتاب ولا سنة، فتفهموا هذا، لا تغالطوا.
ذكر حكاية معمر سمعت عمي يحكيه عن عبد الرزاق عن معمر في خبر ليس إسناده من شرطنا
6 - (328): حدثني عمي، قال: ثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن عيينة عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن عبد الله بن الحارث، قال اجتمع ابن عباس وكعب، فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول إن محمدا رأى ربه مرتين، قال: فكبر كعب حتى جاوبته الجبال، فقال: (إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى، صلى الله عليهما وسلم، فرآه محمد ﷺ بقلبه، وكلمه موسى).
قال مجالد: قال الشعبي: فأخبرني مسروق، أنه قال لعائشة: أي أمتاه هل رأى محمد ربه قط؟ قالت: إنك تقول قولا إنه ليقف منه شعري، قال: قلت رويدا قال: فقرأت عليها: { والنجم إذا هوى - إلى قوله - قاب قوسين أو أدنى } قالت: أين يذهب بك؟ إنما رأى جبريل ﷺ في صورته، من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب، ومن حدثك أنه يعلم الخمس من الغيب قد كذب، { إن الله عنده علم الساعة } إلى آخر السورة.
قال عبد الرزاق: فذكرت هذا الحديث لمعمر، فقال ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس.
قال أبو بكر: لو كنت ممن استحل الاحتجاج بخلاف أصلي، واحتججت بمثل مجالد، لاحتججت أن بني هاشم قاطبة، قد خالفوا عائشة «رضي الله ع» في هذه المسألة، وأنهم جميعا كانوا يثبتون أن النبي ﷺ قد رأى ربه، مرتين. فاتفاق بني هاشم عند من يجيز الاحتجاج بمثل مجالد أولى من انفراد عائشة بقول لم يتابعها صحابي يعلم، ولا امرأة من نساء النبي ﷺ، ولا من التابعات، وقد كنت قديما أقول: لو أن عائشة حكت عن النبي ﷺ ما كانت تعتقد في هذه المسألة أن النبي ﷺ لم ير ربه جل وعلا وإن النبي ﷺ أعلمهما ذلك، وذكر ابن عباس «رضي الله ع» وأنس بن مالك وأبو ذر عن النبي ﷺ أنه رأى ربه، لعلم كل عالم يفهم هذه الصناعة أن الواجب من طريق العلم والفقه قبول قول من روى عن النبي ﷺ أنه رأى ربه، إذ غير جائز أن تكون عائشة سمعت النبي ﷺ يقول: لم أر ربي قبل أن يرى ربه، «عَزَّ وجَلّ»، ثم سمع غيرها أن النبي ﷺ يخبر أنه قد رأى ربه، بعد رؤيته ربه، فيكون الواجب من طريق العلم قبول خبر من أخبر أن النبي ﷺ رأى ربه؛ وقد بينت هذا الجنس في المسألة التي أمليتها في ذكر بسم الله الرحمن الرحيم.
باب ذكر إثبات ضحك ربنا «عَزَّ وجَلّ»
بلا صفة تصف ضحكه، جل ثناؤه، لا ولا يشبّه ضحكه بضحك المخلوقين، وضحكهم كذلك، بل نؤمن بأنه يضحك كما أعلم النبي ﷺ، ونسكت عن صفة ضحكه جل وعلا، إذ الله «عَزَّ وجَلّ» استأثر بصفة ضحكه، لم يطلعنا على ذلك، فنحن قائلون بما قال النبي ﷺ، مصدقون بذلك بقلوبنا، منصتون عما لم يبين لنا مما استأثر الله بعلمه.
1 - (329): حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، والحسين بن عيسى البسطامي قالا: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي ﷺ، قال: "إن آخر من يدخل الجنة لرجل يمشى على الصراط، فينكب مرة ويمشي مرة". فذكر الحديث بطوله، وقالا في آخر الخبر: "فيقول ربنا ما يصرني منك، أي عبدي، أيرضيك أن أعطيك من الجنة مثل الدنيا ومثلها معها؟ قال: فيقول: أتهزأ بي وأنت رب العزة، قال: فضحك عبد الله حتى بدت نواجذه، ثم قال: ألا تسألوني لم ضحكت؟ قالوا: لم ضحكت؟ قال: لضحك رسول الله ﷺ ثم قال لنا رسول الله ﷺ: ألا تسألوني لم ضحكت؟ قالوا: لم ضحكت يا رسول الله؟ قال: لضحك الرب حين قال أتهزأ بي وأنت رب العزة".
2 - (330): حدثنا محمد بت يحيى، قال: ثنا أبو اليمان، قال: ثنا شعيب عن الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة «رضي الله ع» أخبرهما أن الناس قالوا للنبي ﷺ: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فذكر الحديث بطوله، قال: (ويبقى رجل بين الجنة والنار، وهو آخر أهل الجنة دخولا الجنة مقبل بوجهه على النار، فيقول: يا رب اصرف وجهي عن النار فإنه قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها، فيقول الله «عَزَّ وجَلّ»: فهل عسيت إن فعلت ذلك بك أن تسأل غير ذلك، فيقول: لا وعزتك، فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق، فيصرف الله وجهه عن النار". فذكر الحديث وقال: (فيقول: أولست أعطيت العهود والمواثيق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟ فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فيضحك الله «عَزَّ وجَلّ» منه). ثم ذكر باقي الحديث.
3 - حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي هريرة «رضي الله ع».
4 - ثنا محمد قال: ثنا سليمان بن داود الهاشمي، قال: ثنا إبراهيم - وهو ابن سعد - عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد، أن أبا هريرة أخبره.
قال محمد بن يحيى: وساق جميع الأحاديث بهذا الخبر غير أنهما ربما اختلفا في اللفظ والشيء، والمعنى واحد.
قال أبو بكر: هذا الخبر عن أبي هريرة «رضي الله ع» وأبي سعيد جميعا، لأن في الخبر أن أبا سعيد قال لأبي هريرة: أشهد أن النبي ﷺ قد قال، قال الله: ذلك لك، وعشرة أمثاله.
فهذه المقالة تثبت أن أبا سعيد قد حفظ هذا الخبر عن النبي ﷺ على ما رواه أبو هريرة «رضي الله ع»، إلا أنه حفظ هذه الزيادة: قوله (ذلك لك وعشرة أمثاله)، وأبو هريرة إنما حفظ (ذلك لك ومثله معك)، وهذه اللفظة التي ذكرها أبو هريرة ومثله معه لا تضاد اللفظة التي ذكرها أبو سعيد، وهذا من الجنس الذي ذكرته في كتابي عودا وبدءا أن العرب قد تذكر العدد للشيء ذي الأجزاء والشعب لا تريد نفيا لما زاد على ذلك العدد، وهذا مفهوم في لغة العرب. لو أن مقرا قال لآخر: "لك عندي درهم معه درهم، ثم قال بعد هذه المقالة لك عندي درهم معه عشرة دراهم، لم تكن الكلمة الثانية تكذيبا لنفسه للكلمة الأولى، لأن من كان معه عشرة دراهم، فمعه درهم من العشرة دراهم، وزيادة تسعة دراهم على الدرهم، وإنما يكون التكذيب: لو قال في الابتداء: لك عندي درهم لا أكثر منه، أو قال في الابتداء: ليس لك عندي أكثر من درهمين، ثم قال: لك عندي عشرة دراهم، كان بقوله الثاني مكذبا لنفسه في الكلمة الأولى، لا شك ولا امتراء ومن كان له أربع نسوة (فقال مخاطب لمخاطبه: لي امرأة معها أخرى، ثم قال له أو لغيره: لي أربع نسوة) لم تكن كلمته الآخرة تكذيبا منه نفسه للكلمة الأولى. هذا باب يفهمه من يفهم العلم والفقه، وإنما ذكرت هذا البيان لأن أهل الزيغ والبدع لا يزالون يطعنون في الأخبار لاختلاف ألفاظها.
قال أبو بكر: قد بينت معنى هاتين اللفظتين، في موضع آخر، علمت أن النبي ﷺ قال في الابتداء: إن الله «عَزَّ وجَلّ» يقول له: (أترضى أن أعطيك مثل الدنيا ومثلها معها)، ثم زاد بعد ذلك حتى بلغ أن قال: (لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها).
5 - (331): حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي، قال: ثنا وكيع عن سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة «رضي الله ع» عن النبي ﷺ، قال: "إن الله «عَزَّ وجَلّ» يضحك إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما داخل الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيستشهد، ثم يتوب الله على قاتله فيسلم فيقاتل في الله فيستشهد".
6 - وأخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أن ابن وهب أخبره قال: أخبرني مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة «رضي الله ع» عن رسول الله ﷺ …بذلك.
7 - (332): حدثنا بندار، قال: ثنا مؤمل، وثنا أبو موسى، عن مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا أبو الزناد، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة «رضي الله ع»، قال: قال رسول الله ﷺ:
"ضحك ربنا من رجلين، قتل أحدهما صاحبه، وكلاهما في الجنة".
وقال بندار: عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة «رضي الله ع»، عن النبي ﷺ: "يضحك الله «عَزَّ وجَلّ» من رجلين يقتل أحدهما صاحبه يدخلان الجنة".
8 - (333): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا أبو المغيرة، قال: ثنا عبد الرحمن بن يزيد، قال: حدثني الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة «رضي الله ع»، عن النبي ﷺ قال: "ضحك الله من رجلين: قتل أحدهما صاحبه، ثم دخلوا الجنة جميعا"، قال: سئل الزهري عن تفسير هذا، قال: مشرك قتل مسلما ثم أسلم، فمات فدخل الجنة.
9 - (334): حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "يضحك الله لرجلين، أحدهما يقتل الآخر، كلاهما يدخل الجنة، قالوا: وكيف يا رسول الله؟ قال: يقتل هذا فيلج الجنة، ثم يتوب الله على الآخر، فيهديه إلى الإسلام، ثم يجاهد في سبيل الله، فيستشهد".
10 - (335): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الرزاق بمثله، غير أنه قال: سمعت أبا هريرة «رضي الله ع» وقال: قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ ".
11 - (336): حدثنا عيسى بن أبي حرب، قال: ثنا يحيى، يعني ابن بكير قال: ثنا بشر ابن الحسين - وهو أبو محمد الأصبهاني - قال: ثنا الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ أحسبه قال: "يعجب أو يضحك من رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة، يقتل هذا هذا فيلج الجنة، ثم يتوب الله على الآخر فيهديه للإسلام".
قال أبو بكر: خرجت هذا الباب في كتاب الجهاد.
12 - (337): حدثنا موسى بن خاقان، بغدادي، قال: ثنا سلم بن سالم البلخي، عن خارجة بن مصعب، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عائشة «رضي الله ع» قالت: (قال رسول الله ﷺ: "إن الله «عَزَّ وجَلّ» ليضحك من إياسة العباد وقنوطهم، وقربه منهم، قلت: يا رسول الله: بأبي أنت وأمي، أويضحك ربنا؟ قال: أي والذي نفسي بيده إنه ليضحك، قال: فقلت: إذًا لا يعدمنا منه خيرا إذا ضحك".
13 - (338): وروى عبيدالله بن عبد المجيد، قال: ثنا فَرْقد بن الحجاج، قال سمعت عقبة - وهو ابن أبي الحسناء - قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله ﷺ: "إذا جمع الله الأولى والأخرى يوم القيامة، جاء الرب إلى المؤمنين فوقف عليهم، المؤمنون على كوم، فقالوا لعقبة: ما الكوم؟ قال: المكان المرتفع، فيقول: هل تعرفون ربكم؟ فيقولون: إن عرفنا نفسه عرفناه، ثم يقول لهم الثانية، فيضحك في وجوههم فيخرون له سجدا".
14 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عبيدالله بن عبد المجيد.
15 - (339): وروى حماد بن سلمة، قال: ثنا علي بن زيد، عن عمارة القرشي، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، قال: قال رسول الله ﷺ: "يتجلى لنا ربنا «عَزَّ وجَلّ»، يوم القيامة ضاحكا".
حدثناه محمد بن يحيى، قال: ثنا سليمان بن حرب، عن حماد عن سلمة.
16 - (340): وثنا محمد، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا علي بن زيد، عن عمارة القرشي، قال: وفدنا إلى عمر بن عبد العزيز وفينا أبو بردة، فذكر قصة فيها بعض الطول.
وذكر أن أبا بردة قال: قال: حدثني أبي عن النبي ﷺ قال: "يجمع الله الأمم يوم القيامة، في صعيد واحد".
فذكر حديثا في ذكر بعض أسباب يوم القيامة، قال: فيتجلى لهم ربنا ضاحكا، فيقول: أبشروا معاشر المسلمين إنه ليس منكم أحد إلا جعلت مكانه في النار يهوديا أو نصرانيا".
17 - (341): حدثنا إبراهيم بن محمد الحلبي، قال: ثنا عبد الله بن داود أبو عبد الرحمن عن إسماعيل بن عبد الملك، عن علي بن ربيعة قال: "أردفني علي - رضوان الله عليه - خلفه ثم خرج إلى ظهر الكوفة، ثم رفع رأسه إلى السماء، فقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاغفر لي، ثم التفت إلي فضحك، فقال: ألا تسألني مم ضحكت؟ قال: قلت: ممن ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: أردفني رسول الله ﷺ خلفه، ثم خرج بي إلى حرة المدينة ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاغفر لي، ثم التفت إلي فضحك، فقال: ألا تسألني مم ضحكت؟ قال: قلت: مم ضحكت يا رسول الله؟ قال: ضحكت من ضحك ربي، وتعجبه من عبده أنه يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيره".
قال أبو بكر: قد أمليت بعض طرق هذا الخبر في الدعاء عند الركوب في كتاب المناسك أو كتاب الجهاد.
18 - (342): وروى إسماعيل بن أبي خالد، عن إسحاق بن راشد، عن امرأة من الأنصار يقال لها أسماء بنت يزيد بن السكن، قالت: لما مات سعد بن معاذ، صاحت أمه، فقال لها رسول الله ﷺ: "ألا يرقأ دمعك ويذهب خزنك، فإن ابنك أول من ضحك الله إليه واهتز منه العرش".
حدثناه محمد بن بشار، ويحيى بن حكيم قال بندار: ثنا يزيد، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، وقال يحيى: ثنا يزيد بن هارون، قال إسماعيل بن أبي خالد.
قال أبو بكر: لست أعرف إسحاق بن راشد هذا، ولا أظنه الجزري أخو النعمان بن راشد.
19 - (343): حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن وهب قال: حدثني ابن لهيعة وعبد الرحمن بن شريح، ويحيى بن أيوب، عن عبيدالله بن المغيره السبائي، عن أبي فراس، عن عبد الله بن عمرو، قال: يضحك الله إلى صاحب البحر، ثلاث مرات، حين يركبه ويتخلى من أهله وماله، وحين يميد، وحين يرى إلي إما شاكرا وإما كفورا".
قال أبو بكر: قد كنت أعلمت قبل هذا الباب أن العلماء لم يختلفوا أن المؤمنين يرون خالقهم يوم القيامة، جل ربنا وعز، وأن النبي ﷺ أفضل المؤمنين يرى خالقه، جل وعز، يوم القيامة، وإنما اختلفوا هل رأى النبي ﷺ ربه «عَزَّ وجَلّ» قبل نزول المنية بالنبي ﷺ، وأعطاني بعض أصحابي كتابا منذ أيام منسوبا إلى بعض الجهمية رأيت في ذلك الكتاب عن محمد بن جابر عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم، عن ابن مسعود قال: (من زعم أن الله يرى جهرة فقد أشرك، ومن زعم أن موسى سأل ربه أن يراه جهرة فقد أشرك). واحتج الجهمي بهذا الخبر، ادّعى، أن الله تعالى لا يرى، وأن النبي ﷺ لا يرى ربه يوم القيامة ولا المؤمنون؛ وهذا الخبر كذب موضوع باطل، وضعه بعض الجهمية؛ وعندنا بحمد الله ونعمته خبران بإسنادين متصلين عن ابن مسعود، خلاف هذا الخبر الموضوع في خبر أبي عبيدة، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، قال: "يجمع الله الناس يوم القيامة، فينادي مناد: يا أيها الناس، ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم أن يولي كل إنسان ما كان يعبد في الدنيا ويتولى؟ أليس ذلك عدل من ربكم؟ قالوا: بلى، قال: فلينطلق كل إنسان منكم إلى ما كان يتولى في الدنيا، قال: يمثل لهم ما كانوا يعبدون في الدنيا، قال: يمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى، ويمثل لمن كان يعبد عزيزا شيطان عزيز، حتى يمثل لهم الشجرة والعود، والحجر ويبقى أهل الإسلام جثوما، فيقول لهم: ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس؟ فيقولون: إن لنا ربا ما رأيناه بعد، قال: فيقول: بم تعرفون ربكم إن رأيتموه؟ قالوا: بيننا وبينه علامة إن رأيناه عرفناه، قال وما هي؟ قال: فيكشف عن ساق، قال: فيخر كل من كان لظهره طبق ساجدا، ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر". الحديث بطوله، وفي الخبر: أن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله ﷺ يحدث مرارا، فلما بلغ هذا المكان من الحديث ما ذكر موضعا من الحديث (إلا ضحك).
20 - (344): حدثناه يوسف بن موسى، قال: ثنا مالك بن إسماعيل البصري، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، قال: ثنا يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالآني، قال: ثنا المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة مسروق، عن عبد الله بن مسعود، فذكر الحديث بطوله.
وفي خبر سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله بن مسعود، في الحديث الطويل، قال: "ثم يتمثل الله «عَزَّ وجَلّ» للخلق فيقول: من تعبدون؟ " وذكر بعض الحديث، وقال: حتى يبقى المسلمون، فيقول: من تعبدون؟ فيقولون: نعبد الله لا نشرك به شيئا، فيقول: هل تعرفون ربكم؟ فيقولون: سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه، فعند ذلك يكشف عن ساق، فلا يبقى مؤمن ولا مؤمنة إلا خرّ لله ساجدا".
21 - (345): حدثناه محمد بن بشار بندار، قال: ثنا يحيى، وقرأه عليّ من كتأبي، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا سلمة وهو ابن كهيل.
وحدثنا البسطامي، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، الحديث بطوله.
قال أبو بكر: هذا الخبر وخبر مسروق عن ابن مسعود يصرحان أن ابن مسعود كان يقر أن المسلمين يرون خالقهم «عَزَّ وجَلّ» يوم القيامة، إذا كشف عن ساق، وأن المؤمنين يخرون لله سجدا إذا رأوه في ذلك الوقت، فكيف يكفر من يقول بما هو عنده حق وصدق وعدل.
ولو ثبت هذا الخبر عن ابن مسعود لكان للخبر عندنا معنى "صحيحا" لا كما توهمه الجهمي، عليه لعائن الله، ونحن نقول: (إن من زعم أن الله يرى جهرة في الدنيا، فقد كذب وافترى، لأن ما يرى جهرةً يراه كل بصير، لا حجاب بينه وبينه. وإنما سأل قوم موسى موسى أن يريهم الله جهرة، فأما موسى فإنما سأل على لفظ الكتاب { قال رب أرني أنظر إليك، قال لن تراني} ولم يقل: أرني أنظر إليك جهرةً، لأن الرؤية جهرة هي الرؤية التي يراه كل من كان بصره مثل بصر الناظر إلى الشيء، والله «عَزَّ وجَلّ» يحتجب عن أبصار أهل الدنيا في الدنيا، لا يرى أحد ربه في الدنيا جهرةً، وقد أعلمنا قبل معنى قوله: { لا تدركه الأبصار } وأنه جائز أن يكون النبي ﷺ مخصوصا برؤية خالقه، وهو في السماء السابعة، لا أن النبي ﷺ رأى ربه وهو في الدنيا، وقد أعلمت به قبل أن العلماء لم يختلفوا أن جميع المؤمنين يرون خالقهم في الآخرة لا في الدنيا، ومن أنكر رؤية المؤمنين خالقهم يوم المعاد، فليسوا بمؤمنين عند المؤمنين، بل هم أسوأ حالا في الدنيا - عند العلماء - من اليهود والنصارى والمجوس، كما قال ابن المبارك: (نحن نحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نقدر أن نحكي كلام الجهمية).
22 - (346): حدثنا علي بن عبد الرحمن بن المغيره البصري، قال: ثنا خلف بن هشام البزار، قال: ثنا أبو شهاب، عن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله، قال: قال رسول الله ﷺ: "إنك تعاينون الله «عَزَّ وجَلّ» يوم القيامة عيانا".
باب ذكر أبواب شفاعة النبي ﷺ
التي قد خص بها دون الأنبياء سواه صلوات الله عليهم لأمته، وشفاعة النبي ﷺ دون غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم، وشفاعة بعض أمته لبعض أمته ممن قد أوبقتهم خطاياهم وذنوبهم فأدخلوا النار ليخرجوا منها بعد ما قد عذبوا فيها بقدر ذنوبهم وخطاياهم التي لا يغفرها لهم ولم يتجاوز لهم عنها بفضله وجوده. بالله نتعوذ من النار.
باب ذكر الشفاعة التي خص الله بها النبي ﷺ
دون غيره من الأنبياء صلى الله عليهم، وهي الشفاعة الأولى التي يشفع بها لأمته ليخلصهم الله من الموقف الذي قد جمعوا فيه يوم القيامة مع الأولى وقد دنت الشمس منهم فآذتهم وأصابهم من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون. هذه الشفاعة هي سوى الشفاعة التي يشفع النبي ﷺ بعد لإخراج من قد أدخل النار من أمته بما قد ارتكبوا من الذنوب والخطايا في الدنيا، التي لم يشأ الله أن يعفو عنها ويغفر لهم، تفضيلا وكرما وجودا، وما ذكر من خصوصية الله نبيه محمدا بالنظر إليه «عَزَّ وجَلّ» عند الشفاعة داخل في هذا الباب.
1 - حدثنا أبو قدامة عبيدالله بن سعيد، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم، قالوا: ثنا يحيى بن سعيد قال: ثنا أبو حيان، قال: حدثني أبو زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة «رضي الله ع»؛
2 - وثنا علي بن المنذر، قال: ثنا ابن فضيل، ثنا أبو حيان التميمي، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة «رضي الله ع»؛
3 - (347): وثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي، قال: ثنا ابن فضيل، قال: ثنا أبو حيان التميمي، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: "أُتِيَ النبي ﷺ بلحم، فدفع إليه الذراع، وكان يعجبه، فنهش منه نهشةً، ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون لم ذلك؟ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي وينفدهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الكرب والغم ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه، ألا ترون ما قد بلغكم، ألا تنظرون من يشفع إلى ربكم. فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم ﷺ فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا، فيقولون يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبدا شكورا، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه كانت لي دعوة دعوت بها على قومي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم: أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وذكر كذباته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول الله، فضلك برسالاته وبتكليمه على الناس، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفسا، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى بن مريم، فيأتون عيسى بن مريم، فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله، وكلمت الناس في المهد، وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا، فيقول لهم عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله - ولم يذكر له ذنبا - نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد ﷺ فيأتوني، فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم النبيين، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا، فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجدا لربي، ثم يفتح الله عليّ ويهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي، ثم قال: يا محمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول رب: أمتي أمتي أمتي، ثلاث مرات، فيقال: يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه، من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، قال: والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى".
هذا لفظ حديث عبد الرحمن بن بشر.
باب ذكر الدليل أن هذه الشفاعة التي وصفنا أنها أول الشفاعات هي التي يشفع بها النبي ﷺ ليقضي الله بين الخلق فعندها يأمره الله «عَزَّ وجَلّ» أن يدخل من لا حساب عليه من أمته الجنة من الباب الأيمن فهو أول الناس دخولا الجنة من المؤمنين
1 - (348): حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثني أبي وشعيب عن الليث؛
2 - (349): وحدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا يحيى - يعني ابن عبد الله بن بكير قال: حدثني الليث، عن بن أبي عبيدالله بن أبي جعفر قال: سمعت حمزة بن عبد الله يقول: سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله ﷺ "ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم، وقال: إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم "عليه السلام" فيقول: لست بصاحب ذلك، ثم بموسى فيقول كذلك، ثم بمحمد ﷺ فيشفع ليقضى بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة، يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم". هذا حديث يونس.
3 - (350): حدثنا أبو زرعة، عبيدالله بن عبد الكريم، قال ثنا سعيد بن محمد الجْرمي، قال: ثنا عبد الواحد بن واثل، قال: ثنا محمد بن ثابت البناني، عن عبد الله بن عبد الله بن الحرث بن نوفل، عن أبيه عن عبد الله بن عباس «رضي الله ع»، قال: قال رسول الله ﷺ: "للأنبياء منابر من ذهب، فيجلسون عليها قال: ويبقى منبري، لا أجلس عليه ولا أقعد عليه، قائم بين يدي ربي مخافة أن يبعث بي إلى الجنة وتبقى أمتي بعدي، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقول الله «عَزَّ وجَلّ»: يا محمد ما تريد أن نصنع بأمتك؟ فأقول: يا رب عجل حسابهم، فيدعا بهم فيحاسبون، فمنهم من يدخل الجنة برحمة الله، ومنهم من يدخل الجنة بشفاعتي، فما أزال أشفع حتى أعطى صكاكا برجال قد بعث بهم إلى النار، وحتى أن مالكا خازن النار يقول: يا محمد ما تركت للنار لغضب ربك في أمتك من نقمة".
وفي خبر قتادة عن أنس: "فأشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا". في ذكر مسألتهم آدم، ثم ذكر في المسألة باقي الأنبياء.
باب ذكر البيان أن هذه الشفاعة التي ذكرت أنها أول الشفاعات إنما هي قبل مرور الناس على الصراط حين تزلف الجنة فإن الله قال وأزلفت الجنة للمتقين
1 - (352): حدثنا علي بن المنذر، قال: ثنا محمد بن فضيل، قال: ثنا أبو مالك، عن أبي حازم، عن أبي هريرة «رضي الله ع»؛ وعن ربعي بن خراش عن حذيفة قالا: قال رسول الله ﷺ: "يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون، حين تزلف الجنة، فيأتون آدم فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم؟ لست بصاحب ذلك، ... إنما كنت خليلا من وراء وراء. اعمدوا إلى ابني موسى الذي كلمه الله تكليما، فيأتون موسى، فيقول لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى كلمة الله وروحه عيسى، قال: فيقول عيسى، لست بصاحب ذلك، فيأتون محمدا ﷺ فيقوم فيؤذن له، وترسل معه الأمانة والرحم، فيقفان على الصراط، يمينه وشماله، فيمر أولكم كمر البرق، قلت: بأبي أنت وأمي، أي شيء مر البرق قال: ألم تر إلى البرق كيف يمر، ثم يرجع في طرفة عين؛ كمر الريح، ومر الطيور، وشد الرجال، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم ﷺ قائم على الصراط، يقول رب سلّم، سلّم، قال: حتى تعجز أعمال الناس، حتى يجيء الرجل، فلا يستطيع أن يمر إلا زحفا، قال: وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة تأخذ من أمرت به فمخدوش ناج، ومكدوس في النار". والذي نفس أبي هريرة بيده: إن قعر جهنم لسبعين خريفا.
باب ذكر البيان أن للنبي ﷺ شفاعات يوم القيامة في مقام واحد واحدة بعد أخرى
أولها: ما ذكر في خبر أبي زرعة، عن أبي هريرة «رضي الله ع»، وخبر ابن عمر، وابن عباس. وهي شفاعته لأمته ليخلصوا من ذلك الموقف، وليعجل الله حسابهم ويقضي بينهم، ثم ما بعدها من الشفاعات في ذلك الموقف، إنما هي لإخراج أهل التوحيد من النار بشفاعته فرقة بعد أخرى، وعودا بعد بدء، ونذكر خبرا مختصرا، حذف منه أول المتن، كما حذف في خبر أبي هريرة «رضي الله ع»، وابن عمر آخر المتن، واختصر الحديث اختصارا:
قال النبي ﷺ: "واختصر لي الحديث اختصارا"، فأصحاب النبي ﷺ ربما اختصروا أخبار النبي ﷺ إذا حدثوا بها، وربما اقتصوا الحديث بتمامه، ربما كان اختصار بعض الأخبار أو بعض السامعين يحفظ بعض الخبر، ولا يحفظ جميع الخبر، وربما نسي بعض الحفظ، بعض المتن، فإذا جمعت الأخبار كلها علم حينئذ جميع المتن والسند، دل بعض المتن على بعض، كذكرنا أخبار النبي ﷺ في كتبنا، نذكر المختصر منها والمقتصى منها والمجمل والمفسر، فمن لم يفهم هذا الباب لم يحل له تعاطي علم الأخبار ولا ادعاءها.
1 - (352): حدثنا أبو عمر حفص بن عمرو الرَبَال، قال: ثنا عبد الرحمن بن عثمان أبو بحر البكراوي، قال: ثنا شعبة قال: ثنا قتادة عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ: "يجمعون يوم القيامة فيوهمون لذلك، قال: فيقولون: ألا نأتي من يشفع لنا إلى ربنا، فيريحنا من مكاننا هذا، قال: فيأتون آدم، فيقولون: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسكنك جنته، اشفع لنا إلى ربك، قال: فيقول: لست هناك، ويذكر خطيئته، ولكن ائتوا نوحا، أول نبي بعثه الله إلى العالمين فيأتون نوحا، فيقولون: انطلق فاشفع لنا إلى ربك، قال: فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته، ولكن ائتوا إبراهيم "عليه السلام" عبدا اتخذه الله خليلا، قال: فيأتون إبراهيم فيقولون: انطلق فاشفع لنا إلى ربك، قال: فيقول: لست هناكم، ويذكر ثلاث كذبات ولكن ائتوا موسى عبدا كلمه الله تكليما، قال: فيأتون موسى فيقولون: انطلق فاشفع لنا إلى ربك، قال: فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته، ولكن ائتوا عيسى، روح الله وكلمته، وعبده ورسوله فيأتون عيسى فيقولون: انطلق فاشفع لنا إلى ربك، قال: فيقول: لست هناكم، ولا يذكر خطيئته ولكن ائتوا محمدا ﷺ، عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال: فيأتوني، فأقوم، فآخذ بحلقة الباب، فأستأذن فيؤذن لي، فإذا رأيته وقعت ساجدا، قال: ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: فيخرج لي حدّا من النار، ثم أقع ساجدا، فيقول لي: ارفع رأسك وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: فيخرج لي حد من النار، حتى أقول: يا رب إنه لم يبق في النار إلا من حبسه القرآن).
وقال: رسول الله ﷺ: (إن لكل نبي دعوة، قد دعا بها في أمته، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة".
2 - (353): حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي، قال: ثنا قتادة، عن أنسن قال لنا أحمد في الرحلة الثانية عن النبي ﷺ قال: فيأتي المؤمنون آدم يوم القيامة، فيقولون: أسجد الله لك الملائكة، فاشفع لنا إلى الله فيريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناكم، فائتوا نوحا، فيأتون نوحا فيقول: لست هناك، فيما يزالون حتى يؤمروا إلى خليل الله إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقول: لست هناك، فائتوا عيسى، فإنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى، فيقول: لست هناك، فائتوا محمدا ﷺ فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال النبي ﷺ: "فيأتوني فآتي ربي «عَزَّ وجَلّ» في داره، فأستأذن، فيؤذن لي، فإذا رأيت ربي (قال لنا أحمد: هيه: فإذا نظرت ربي) خررت له ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقال أو يقول: ارفع محمد، قل يسمع، وسل تعطه، اشفع تشفع، فأحمد ربي بمحامد يلعمنيها، ثم أشفع، فيحد لي حدّا، فأخرج فأدخلهم الجنة، ثم أعود إلى ربي الثالثة، فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول أو يقال: ارفع محمد، قد يسمع، سل تعطه، اشفع تشفع، فأحمد ربي بمحامد يعلمنيها، ثم أشفع، فيحد لي حدّا، فأخرجهم فأدخلهم الجنة، حتى أقول لربي: ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن".
3 - قال لنا: أحمد مرةً: أو (كما قال): حدثنا أحمد قال: ثنا خالد بن الحرث، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس عن النبي ﷺ بنحوه.
4 - (354): حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: ثنا محمد بن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ يجتمع المؤمنون يوم القيامة، فيهتمون بذلك، أو يلهمون به فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا «عَزَّ وجَلّ» فأراحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم (فيقولون: يا آدم) أنت أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك، حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناكم، ويذكر لهم ذنبه الذي أصابه، فيستحي من ربه من ذلك، ويقول: ولكن ائتوا نوحا، فإنه ألو رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتون نوحا، فيقول: لست هناكم ويذكر سؤالاته ربه ما ليس له به علم، فيستحي من ربه من ذلك، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن، فيأتونه، فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا موسى، عبدا كلمه الله، وأعطاه التوراة، فيأتونه فيقول: لست هناكم، ويذكر قتله للنفس بغير نفس، فيستحي من ربه من ذلك، ولكن ائتوا عيسى، عبد الله ورسوله، وكلمة الله وروحه، فيأتونه، فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمدا ﷺ عبدا غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني، فأنطلق (قال الحسن: فأمشي بين سماطين من المؤمنين، ثم رجع إلى حديث أنس) فأستأذن على ربي، فيؤذن لي، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال: ارفع محمد، قل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمد بتحميد يعلمنيه، فأشفع، فيحد لي حدّا، فيدخلهم الجنة، ثم أعود الثانية، فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال: ارفع محمد، قل يسمع، سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يلعمنيه ثم أشفع فيحد لي حدّا، فيدخلهم الجنة، ثم أعود في الثالثة، فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال: ارفع محمد، قل يسمع، سل تعطه، اشفع تشفع فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلمنيه ثم أشفع، فيحد لي حدّا، فيدخلهم الجنة، ثم آتيه الرابعة (أو أعود الرابعة)، فأقول: "يارب ما بقي إلا من حبسه القرآن".
قال أبو بكر: قوله في هذا الخبرأعني خبر شعبة في أول ذكر الشفاعة: "فيخرج لي حدّا من النار" دال: على أن الشفاعة ليست الشفاعة الأولى، التي في خبر أبي هريرة «رضي الله ع»، وليخلصوا من ذلك الموقف الذي ذكر في خبر ابن عمر، أنه سأل ربه «عَزَّ وجَلّ» أن يقضي بين الخلق، وفي خبر ابن عباس: أنه سأل أن يعجل حسابهم ابتداءً، وهو القضاء بينهم، فمن ذكر أنه يدخل الجنة برحمته هم الذين يدخلون الجنة ممن لا حساب عليهم، الذين ذكرهم في خبر أبي هريرة، وهم الذين يدخلون الجنة من الباب الأيمن، وأعلم في خبر ابن عباس أنه يشفع كذلك، ولا يزال يشفع، كما ذكر في الخبر، (لا يزال عند العرب لا يكون إلا مرة بعد أخرى، وثالثة بعد ثانية)، وفي خبر الحسن عن أنس قال: (ما زلت أشفع) خرجته بعد في باب آخر. وقوله في خبر سعيد بن أبي عروبة: (فيحد لي حدّا فيدخلهم الجنة)، في الابتداء، قد يجوز أن يكون أراد من ذكرهم في خبر أبي هريرة «رضي الله ع» الذين لا حساب عليهم ممن يدخلون الجنة من الباب الأيمن، ويجوز أن يكون أراد من ذكرهم في رواية شعبة، ممن يخرجون النار، فإن كان أراد الذي ذكرهم في خبر أبي هريرة، فخبر سعيد مناقض لأول الحديث، وآخره، كخبر ابن عباس «رضي الله ع» وإن كان أراد من ذكرهم في خبر شعبة ممن يخرجون من النار، فخبر سعيد أيضا مختصر كرواية شعبة.
5 - (355): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب بن عبد الجيد الثقفي، قال: ثنا أبو مسعود الجريري، أو غيره - وأكثر ظني الجريري - عن الحسن عن أنس بن مالك، أن النبي ﷺ قال: "إن الناس يحشرون يوم القيامة يحبسون ما شاء الله أن يحبسوا، فيهم المؤمنون، فيجتمعون فيقولون: انظروا من يشفع لنا إلى ربنا فيسرحنا من منزلنا هذا، فيقصدون الأنبياء كلهم، ثم يقولون: لست هناكم، لست هناكم، ثم يعودون إلى آدم، فيقول: لهم: يا بني أرأيتم لو أن أحدكم جعل متاعا في عيبة ثم ختم عليها، أيؤتى متاعه إلا من قبل الخاتم وإن محمدا ﷺ خاتم النبيين، وهو يفتح الساعة، فعليكم به، فأوتى، حتى آتي باب الجنة، فأستفتح الباب، فيفتح لي، فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا، فيدعني ساجدا ما شاء الله ثم يعلمني محامده، أحمده بها، لم يحمده بها أحد قبلي، ولا يحمده بها أحد بعدي، ثم يقال: يا محمد اشفع تشفع، وسل تعط، قال: ثم أقول: يا رب شفاعتي في كل طفل صغير يريد من مات صغيرا فيقال له: إن تلك ليست لك يا محمد وعزتي وجلالي وعظمتي لا أدع في النار عبدا مات لا يشرك بي شيئا، إلا أخرجته منها، وذكر لي أن رجلا يقول: يا رب إنه كان لي صديق، فيحرم عليه حتى يخرج صديقه".
قال أبو بكر: إن ثبت هذا الخبر بأن يكون عن الجريري لا شك، أو عن ثقة غيره، فمعنى الخبر: (ثم أقول يا رب شفاعتي في كل طفل)، لأن في الأخبار التي قدمنا ذكرها عن أنس دلالة على أنه يؤذن له في الشفاعة ثلاث مرات.
قد حدثنا بخبر سعيد موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا أبو أسامة قال: أخبرنا سعيد أبو عروبة قال: ثنا قتادة عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا اجتمع المؤمنون يوم القيامة…" - فذكر الحديث بطوله - إلى قوله: (فآتيه الرابعة فأقول: يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن)، قال قتادة: أي وجب عليه الخلود، قال قتادة: وثنا أنس بن مالك أن نبي الله ﷺ قال: (فيخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرةً".
قال قتادة: وأهل العلم يرون أن المقام المحمود الذي قال الله «عَزَّ وجَلّ» { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } قال: الشفاعة يوم القيامة.
قال أبو بكر: فهذا الخبر يدل على أن النبي ﷺ يشفع مرات، ولهذا الفصل باب طويل، سيأتي في موضعه من هذا الكتاب، إن الله وفق لذلك وشاء.
6 - (356): حدثنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان، قال: ثنا محمد بن أبي عدي، قال: ثنا سعيد، نحو حديث أبي موسى بطوله.
7 - (357): حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: ثنا عفان - يعني ابن مسلم - قال: ثنا حماد هو ابن سلمة قال: ثنا ثابت عن أنس أن رسول الله ﷺ …
8 - (358): وثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا محمد بن كثير الثقفي، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا ثابت، عن أنس، أن رسول الله ﷺ قال: "يطول يوم القيامة على الناس فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر فيشفع لنا إلى ربه فليقض بيننا، فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم: أنت الذي خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته، اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا، فيقول: إني لست هناكم، ولكن ائتوا نوحا، فإنه رأس النبيين، فيأتون نوحا، فيقولون: يا نوح شافع لنا إلى ربك، ليقض بيننا، فيقول: إني لست هناكم، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الله، فيأتون إبراهيم، فيقولون: يا إبراهيم اشفع لنا إلى ربك، فيقض بيننا، فيقول: إني لست هناكم، ولكن ائتوا موسى الذي اصطفاه الله برسالاته وبكلامه، قال: فيأتون موسى فيقولون: يا موسى اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا، فيقول: إني لست هناكم، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته، فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا، فيقول: إني لست هناكم، أرأيتم لو كان متاعا في وعاء قد ختم عليه، كان يقدر على ما في الوعاء حتى يفض الختم، قال: قال محمد خاتم النبيين، قد حضر اليوم وقد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال: رسول الله ﷺ فيأتون محمدا، فيقولون: يا محمد اشفع بنا إلى ربك، فليقض بيننا، فأقول: أنا لها حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى قال: فآتي باب الجنة فأقرع الباب فيقال من أنت فأقول محمد فيفتح لي فآتي ربي وهو على سريره أو على كرسيه فأخر ساجدا، فأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد كان بعدي، فيقول: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة (من إيمان) قال: فأخرجهم ثم أعود فأسجد، فأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي، ولا يحمده بها أحد كان بعدي، فيقول: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: أي ربي، أمتي أمتي، فيقول أخرج من في قلبه مثقال برة، فأخرجهم ثم أعود فأسجد، فأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي، ولا يحمده بها أحد كان بعدي، فيقول: ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: أي ربي، أمتي أمتي. فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال ذرة، فأخرحهم".
وقال حميد: في الثالثة "أخرج من كان في قلبه أدنى شيء".
9 - (359): حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم البزاز، قال: ثنا يونس بن محمد، قال: ثنا حرب بن ميمون عن النضر، عن أنس، قال: "حدثني نبي الله ﷺ قال: إني لقائم أنتظر أمتي يعبرون الصراط، إذ جاءني عيسى بن مريم، فقال: يا محمد هذه الأنبياء قد جاءتك يسألونك أن يجتمعوا إليك، فتدعوا الله أن يفرق بين جمع الأمم إلى حيث يشاء لِغَمِّ ما هم فيه، فالخلق ملجمون في العرق، فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة، وأما الكافر فيتغشاه الموت، قال: انتظر حتى أرجع إليك، فذهب نبي الله ﷺ فقام تحت العرش، فلقي ما لم يلق ملك مصطفى، ولا نبي مرسل، قال: فأوحى الله إلى جبريل أن اذهب إلى محمد، فقل له ارفع رأسك وسل تعطه، واشفع تشفع، فشفعت في أمتي إلى أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانا واحدا، قال: فما زلت أتردد على ربي فلا أقوم مقاما إلا شفعت، حتى أعطاني من ذلك أن قال: يا محمد أدخل من أمتك من خلق الله من شهد أن لا إله إلا الله ومات على ذلك".
ذكر البيان أن النبي ﷺ أول شافع وأول مشفع يوم القيامة
وفيه دلالة أن يوم القيامة قد يشفع بعد نبينا غيره على ما سأبينه بعد ذلك إن شاء الله إذ غير جائز في اللغة أن يقال أول لما لا ثاني له بعد ولا ثالث
1 - (360): حدثنا عبد الله بن سعيد الأشج، قال: حدثنا حسين بن علي الجعفي، عن زائدة، عن المختار بن فلفل، عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: "أنا أول شفيع في الجنة، وقال: ما صُدق نبي ما صدقت، ومن من الأنبياء نبي لم يصدقه من أمته إلا رجل واحد".
2 - (361): حدثنا محمد بن حسان الأزرق، قال: ثنا ريحان - يعني ابن سعيد - قال: ثنا عباد بن منصور، عن أبي قلابة عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: "محمد رسول الله يوم القيامة، أول من يدخل الجنة، وأول من يشفع".
3 - (362): وروى الأوزاعي، عن قتادة، عن عبد الملك العتكي، عن أبي هريرة، «رضي الله ع»، قال: قال رسول الله ﷺ: "أنا سيد ولد آدم، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول مشفع": حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قال: ثنا محمد بن مصعب القرقسائي، عن الأوزاعي.
قال أبو بكر: لست أعرف عبد الملك هذا بعدالة ولا جرح، ولا أعرف نسبه أيضا، والأخبار التي قدمنا ذكرها: "يأتي الناس آدم، فيقولون: اشفع لنا إلى ربنا" الأخبار بطولها، فيها بينا أن نبينا محمد ﷺ أول شافع وأول مشفع".
4 - (363): وقد روى علي بن يزيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري "يفزع الناس ثلاث فزعات" فذكر حديثا طويلا، قال: فيأتون محمدا ﷺ، فأنطلق، فآخذ بحلق باب الجنة فأقعقها فيقولون: من هذا؟ فأقول: محمد. فيقولون: قد بعث محمد ﷺ، فيرحبون بي؛ حدثناه أبو قدامة، قال: ثنا سفيان قال: ثنا ابن جدعان.
xxxxx
باب ذكر شدة شفقة النبي ﷺ ورأفته ورحمته بأمته وفضل شفقته على أمته، على شفقة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم على أممهم
إذ الله «عَزَّ وجَلّ» أعطى كل نبي دعوة وعد إجابتها، فجعل كل نبي منهم ﷺ مسألته فأعطى سؤله في الدنيا، وأخر نبينا ﷺ دعوته ليجعلها شفاعة لأمته، لفضل شفقته ورحمته، ورأفته بأمته، فجزى الله نبينا محمدا ﷺ أفضل ما جزى رسولا عمن أرسل إليهم، وبعثه المقام المحمود الذي وعده ليشفع فيه لأمته فإن ربنا «عَزَّ وجَلّ» غير مخلف وعده، ومجز نبيه ما أخر من مسألته في الدنيا وقت شفاعته لأمته يوم القيامة.
1 - (364): حدثنا الربيع بن سليمان المرادى، قال: ثنا شعيب يعني ابن الليث، عن الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، أنه قال، قال أبو هريرة «رضي الله ع»: قال رسول الله ﷺ: لكل نبي دعوة يدعو بها، فتستجاب له، فأريد أن شاء الله أؤخر دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة".
2 - (365): حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن وهب، أن مالكا حدثه، عن أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة «رضي الله ع»، أن رسول الله ﷺ قال: "لكل نبي دعوة يدعو بها فأريد أن أختبيء دعوتي، شفاعة لأمتي في الآخرة".
3 - (366): حدثنا يوسف بن موسى، قال: ثنا جرير، عن عمارة - وهو ابن القعقاع - عن أبي زرعة، عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قال رسول الله ﷺ: "لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، فتستجاب له، فيؤتاها وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي".
4 - (367): حدثنا يونس ين عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن عمرو بن أبي سفيان بن جارية الثقفي، أخبره أنا أبا هريرة «رضي الله ع» قال لكعب: "إن نبي الله ﷺ قال: لكل نبي دعوة يدعو بها، فأريد إن شاء الله أن أخبي دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة".
5 - (368): حدثني يوسف ين موسى، قال: ثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قال رسول الله ﷺ: "إن لكل نبي دعوة مستجابة، وإني اختبأت دعوتي، شفاعة لأمتي".
6 - حدثني محمد بن عزيز الأيلي، قال: ثنا سلامة عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية أن أبا هريرة قال لكعب، فذكر بمثل حديث ابن وتب سواء، وزاد، فقال كعب لأبي هريرة: أنت سمعت هذا من رسول الله ﷺ؟ قال أبو هريرة: نعم، قال يونس بن عبد الأعلى: عمرو بن أبي سفيان، وقال ابن عزيز إنه عمر بن أبي سفيان، والصحيح في علمي عمرو ابن أبي سفيان وهو ابن أسيد بن جارية لا كما ذكر ابن عزيز، ونسيته.
7 - (369): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنا أبي، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أن نبي الله ﷺ قال: "لكل نبي دعوة في أمته وإني اختبأت دعوتي، شفاعة لأمتي، يوم القيامة".
8 - حدثناه بندار، مرة أخرى، ولم يقل يونس، "في أمته".
9 - (370): حدثناه يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، أن مالكا حدثه، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة «رضي الله ع» أن رسول الله ﷺ قال: لكل نبي دعوة، فأريد أن أختبيء دعوتي أن شاء الله، شفاعة لأمتي، يوم القيامة".
10 - (371): حدثنا محمد بن يحيى، وعبد الرحمن بن بشر، قالا: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدنا أبو هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لكل نبي دعوة مستجابة له، فأريد إن شاء الله أن أؤخر دعوتي شفاعة لأمتي إلى يوم القيامة".
11 - (372): وقال محمد بن يحيى: أنه سمع أبا هريرة «رضي الله ع» يقول: قال رسول الله ﷺ: "إن لكل نبي دعوة يدعو بها وإني أريد أن أختبئ، شفاعة".
قال أبو بكر: هذه اللفظة التي في هذه الأخبار: "إن لكل نبي دعوة" فيها اختصار كلمة أي كانت لكل نبي دعوة، وقوله في هذه الأخبار: "يدعو بها فتستجاب له" هو من الجنس الذي، قد أعلمت في مواضع من كتبي أن العرب قد تقول: يفعل كذا ويكون كذا، على معنى فعل كذا وكان كذا، وبيقين يعلم أن الأنبياء الذين نزلت بهم مناياهم قبل خطاب النبي ﷺ أمته بهذا الخطاب، لو كانت دعواتهم باقية قد وعد الله استجابتها لهم، لم يكن لقوله ﷺ: "فإني اختبأت دعوتي" معنى إذ لو كان الأنبياء قد تركوا دعوتهم، قبل نزول المنايا بهم، وأنهم يدعون بها يوم القيامة فتستجاب لهم دعوتهم، لكانوا جميعا قد أخروا دعوتهم إلى يوم القيامة، فتستجاب لهم دعوتهم، في ذلك اليوم فيكونوا جميعا في الدعوة والإجابة، كالنبي ﷺ.
باب ذكر الدليل على صحة ما أولت قوله يدعو بها أن معناها قد دعا بها على ما حكيته عن العرب أنها تقول يفعل في موضع فعل
1 - (373): حدثنا أبو طالب زيد بن أخزم الطائي، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، أن النبي ﷺ قال: "إن لكل نبي دعوة، دعا بها، وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة".
2 - (374): حدثنا سَلْم بن جنادة، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته واختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات منكم لا يشرك بالله شيئا".
3 - (375): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد - يعني ابن جعفر قال: ثنا شعبة، عن محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة «رضي الله ع» يقول: قال رسول الله ﷺ: أسأل الله أن يجعل دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة".
4 - (376): حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: ثنا المعتمر عن أبيه، عن أنس، أن النبي ﷺ قال: "كل نبي قد سأل سؤالا، أو قال: لكل نبي دعوة قد دعا بها قومه، فاستخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة".
قال أبو بكر: يريد بقوله: "إن كانت حفظت هذه اللفظة، أي على قومه أو لقومه".
5 - (377): حدثنا بهذا الحديث بشر بن معاذ العقدي، وإسحاق بن إبراهيم بن حبيب، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي يحدث أنس قال: قال رسول الله ﷺ: "إن لكل نبي دعوة، أو قال: سؤالا، قد دعا بها، فاستخبأت دعوتي شفاعة لأمتي" هذا لفظ حديث بشر.
وقال إسحاق: كان نبي الله ﷺ يقول: "كل نبي سأل سؤالا ولكل نبيّ دعوة، فاستجاب دعوتي، شفاعة لأمتي يوم القيامة" هكذا وجدته في كتابي: "ولكل نبي دعوة"، والصحيح ما قال الصنعاني وبشر بن معاذ، على معنى الشك في السؤال أو الدعوة، ويشبه أن يكون هذا الشك من سليمان التيمي فإنه كثير الشكوك في أخباره، على أني قد أعلمت في بعض كتبي أن العرب قد تضع الواو في موضع أو، كقوله تعالى: { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } ولا شك ولا امتراء أن معناه أو ثلاث أو رباع.
6 - (378): وفي خبر أبي بحر، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، في الحديث الطويل الذي قد أمليته، في آخره: "إن لكل نبي دعوة، دعا بها في أمته" دلالة على صحة ما تأولت قوله: "قد دعا بها قومه" وفي رواية الصنعاني أنه أراد قد دعا بها في قومه، أو على قومه وفيه أيضا بيان على صحة ما تأولت ألفاظ من قال: "يدعو بها" أي أن معناها، دعا بها.
7 - (379): حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: ثنا خالد يعني ابن الحارث قال: ثنا شعبة، عن محمد بن زياد عن أبي هريرة «رضي الله ع» عن النبي ﷺ قال: "لكل نبي دعوة دعا بها، تستجاب في قومه، وإني أريد إن شاء الله أن أؤخر دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة".
8 - (380): حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، قال: ثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي، عن قتادة، قال: ثنا أنس بن مالك، أن النبي ﷺ قال: إن لكل نبيّ دعوة دعا بها في أمته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة".
قال أبو بكر: هذه اللفظة "دعا بها في أمته" كخبر أبي بحر، عن شعبة.
9 - (381): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا مسعر، عن قتادة، عن أنس، قال: "إن لكل نبي دعوة، دعا بها فاستخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة"، قوله: "قال": يريد النبي ﷺ، كذا قال لنا محمد بن يحيى: "إن لكل نبي دعوة"، وهذا لا شك ولا امتراء أنه من قبل النبي ﷺ.
قال أبو بكر: أي استخبأت، هو في الخبر، ليس من كلامي، ولا يجوز هذا الكلام أن يقوله غير النبي ﷺ.
10 - (382): وقد روى زكريا بن أبي زائدة، عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ، قال: "أعطى كل نبي دعوة فتعجلها، وإني أخرت دعوتي للشفاعة، لأمتي يوم القيامة، وإن الرجل من أمتي ليشفع (للفئام من الناس، وإن الرجل ليشفع للعصبة) والثلاثة والاثنين والواحد".
حدثنا أبو موسى، قال: ثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا زكريا.
11 - (383): وروى هشام بن حسان، عن الحسن، عن جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ، قال: "لكل نبي دعوة، دعا بها في أمته، وإني استخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة".
حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور السلمي قال: ثنا عبد الأعلى عن هشام.
قال أبو بكر: إنما قلت في هذا الخبر، روى هشام عن الحسن لأن بعض علمائنا، كان ينكر أن يكون الحسن سمع من جابر".
باب ذكر ما كان من تخيير الله «عَزَّ وجَلّ» نبيه محمدا ﷺ بين إدخال نصف أمته الجنة وبين الشفاعة فاختار النبي ﷺ لأمته الشفاعة إذ هي أعم وأكثر وأنفع لأمته خير الأمم من إدخال بعضهم الجنة
1 - (384): حدثنا الربيع بن سليمان المرادى، قال: ثنا بشر - يعني ابن بكر - قال: حدثني ابن جابر، قال: سمعت سليم بن عامر يقول: سمعت عوف بن مالك الأشجعي يقول: "نزلنا مع رسول الله ﷺ منزلا فاستيقظت من الليل، فإذا لا أرى في المعسكر شيئا أطول من مؤخرة رحل، قد لصق كل إنسان، وبعيره بالأرض، فقمت أتخلل الناس، حتى دفعت إلى مضجع رسول الله ﷺ، فإذا هو ليس فيه فوضعت يدي على الفراش، فإذا هو بارد، فخرجت أتخلل الناس، وأقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب برسول الله ﷺ حتى خرجت من العسكر كله فنظرت سوادا فمضيت، فرميت بحجر فمضيت إلى السواد، فإذا معاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح، وإذا بين أيدينا صوت كدوي الرحى أو كصوت القصباء حين تصيبها الريح، فقال بعضنا لبعض: يا قوم اثبتوا حتى تصبحوا أو يأتيكم رسول الله ﷺ، فلبثنا ما شاء الله، ثم نادى أثم معاذ بن جبل وأبو عبيدة وعوف بن مالك؟ فقلنا يعني نعم - قال أبو بكر: لم أجد في كتابي نعم - فأقبل إلينا، فخرجنا نمشي معه لا نسأله عن شيء، ولا يخبرنا، حتى قعدنا على فراشه فقال: أتدرون ما خيّرني به ربي الليلة؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة فقلنا: يا رسول الله! ادع لنا الله أن يجعلنا من أهلها قال: هي لكل مسلم".
قال أبو بكر: وأنا أخاف أن يكون قوله: "سمعت عوف بن مالك" وهما وإن بينهما معدي كرب.
2 - فإن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، ثنا، قال: ثنا حجاج - يعني ابن رشدين - قال: حدثني معاوية - وهو ابن صالح - عن أبي يحيى سليم بن عامر، عن معدي كرب عن عوف بن مالك، قال: "خرجنا مع رسول الله ﷺ في سفر" فذكر الحديث نحوه، غير أنه قال: إن ربي استشارني في أمتي، فقال: أتحب أن أعطيك مسألتك اليوم أم أشفعك في أمتك، قال: فقلت بل اجعلها شفاعة لأمتي، قال عوف: فقلنا: يا رسول الله اجعلنا في أول من تشفع له الشفاعة قال: بل أجعلها لكل مسلم".
3 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي، قتادة، عن أبي المُلَيح، عن عوف بن مالك الأشجعي قال: "كنا مع النبي ﷺ "؛
4 - (385): وحدثنا بندار، قال: ثنا ابن عدي ابن أبي سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي المُلَيح بن عوف بن مالك الأشجعي، قال: "فاستيقظت، فلم أر رسول الله ﷺ، فقمت، فذهبت أطلبه، فإذا معاذ بن جبل قد أفزعه الذي أفزعني، قال: فبينما نحن كذلك، إذا هدير كهدير الرحى، بأعلى الوادي، فبينما نحن كذلك، إذ جاء النبي ﷺ، فقال: أتاني آت من ربي، فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، فقلنا: ننشدك الله والصحبة يا رسول الله لما جعلتنا من أهل شفاعتك قال: فأنتم من أهل شفاعتي، قال: ثم انطلقنا إلى الناس، فإذا هم قد فزعوا حين فقدوا رسول الله ﷺ، (فأتاهم النبي ﷺ )، فقال: إنه أتاني آت من ربي، فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة قالوا: يا رسول الله! ننشدك الله والصحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك قال: فأنتم من أهل شفاعتي، فلما أضبوا عليه، قال: شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا".
5 - (386): حدثنا أبو موسى، قال: حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد، عن قتادة، أن أبا المليح الهذلي حدثهم أن عوف بن مالك قال: "كنا مع النبي ﷺ في بعض أسفاره، فأناخ نبي الله ﷺ وأنخنا معه "فذكر أبو موسى، الحديث بطوله، قال: "لقيت معاذ بن جبل وأبا موسى، " وقال في آخره: قال نبي الله ﷺ: "فإني أشهد من حضرني أن شفاعتي لمن مات من أمتي، لا يشرك بالله شيئا".
6 - وحدثنا أبو موسى، قال: ثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي المليح، عن عوف بن مالك، فذكر نحوه.
7 - وحدثنا هارون بن إسحق الهمداني، قال: ثنا عبدة - يعني ابن سليمان - عن سعيد، عن قتادة، عن المليح، عن عوف بن مالك، فذكر هارون، الحديث بتمامه.
قال أبو بكر: لو جاز الحكم بالإسناد الواهي، وبرواية غير الحافظ على رواية الحافظ المتقن، لحكمت أن أبا المليح لم يسمع بهذا الخبر، من عوف بن مالك، وأن بينهما أبا بردة.
8 - لأن أبا موسى، ثنا، قال: ثنا عبد الصمد عن محمد بن أبي المليح، (عن أخيه زياد، عن أبي المليح)، عن أبي بردة، عن عوف بن مالك، فذكر أبو موسى الحديث بتمامه.
قال أبو بكر: محمد بن أبي المليح وأخوه زياد ليسا ممن يجوز أن يحتج بهما على سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي وقتادة، وقتادة أعلم أهل عصره وهو من الأربعة الذين يقولون انتهى العلم إليهم في زمانهم، وسعيد بن أبي عروبة من أحفظ أهل زمانه، وهشام الدستوائي من أصح أهل زمانه كتابا، سمعت أحمد بن عبدة يقول: سمعت أبا داود الطيالسي يقول: وجدنا الحديث عند أربعة، الزهري، وقتادة، والأعمش، وأبي إسحاق، وكان قتادة أعلمهم بالاختلاف، وكان الزهري أعلمهم بالإسناد، وكان أبو إسحاق أعلمهم بحديث علي بن أبي طالب «رضي الله ع» وعبد الله.
وكان عند الأعمش من كل هذا، ولم يكن عند هؤلاء إلا الفن والفنانِ، سمعت محمد بن يحيى يقول: سمعت علي بن عبد الله يقول: أصحاب قتادة ثلاثة: فأحفظهم سعيد بن أبي عروبة، وأعلمهم بما سمع قتادة ما لم يسمع شعبة، وأكثرهم رواية مع صحة كتاب هشام.
قال أبو بكر: لأبي المليح في هذه القصة إسناد يأتي روى هذه القصة. أخبرنا أبو موسى الأشعري، ولو حكمت لمحمد بن أبي المليح وأخيه زياد عن قتادة، لحكمت أن أبا بردة لم يسمع أيضا هذا الخبر من عوف بن مالك، فإن بينهما أبا موسى الأشعري إلا أني إذا لم أحكم بأبي المليح على قتادة وسعيد وهشام، جعلت لهذا الخبر إسنادين: أحدهما أبو المليح عن عوف ابن مالك، والثاني، أبو بردة عن أبي موسى عن عوف بن مالك.
9 - (387): حدثنا أبو بشر الواسطي، قال: ثنا خالد - يعني ابن عبد الله عن خالد - يعني الحذاء عن أبي قلابة، عن عوف بن مالك، قال: "كنا مع رسول الله ﷺ في بعض مغازيه، فانتهينا ذات ليلة، فلم نر رسول الله ﷺ في مكانه، وإذا أصحابنا كأن على رؤوسهم الصخر، وإذا الإبل قد وضعت جرانها - يعني أذقانها - فإذا أنا بخيال، فإذا هو أبو موسى الأشعري، فتصدى لي وتصديت له، قال خالد: فحدثني حميد بن هلال عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن عوف بن مالك، قال: سمعت خلف أبي موسى، عن عوف بن مالك، قال: سمعت خلف أبي موسى هزيزا كهزيز الرحى، فقلت: أين رسول الله ﷺ؟ قال: ورائي قد أقبل، فإذا أنا برسول الله فقلت: يا رسول الله! إن النبي ﷺ إذا كان بأرض العدو كان عليه حارسا، فقال النبي ﷺ: إنه أتاني آت من ربي آنفا، فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي في الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة".
10 - (388): وثنا بخبر أبي المليح، محمد بن بشار، وأبو موسى قالا: ثنا سالم بن نوح، قال: أخبرني الجُرَيْري، عن أبي السليل، عن أبي المليح، عن الأشعري، قال: "كنا مع رسول الله ﷺ في سفر، وكنا نشاهده بالليل في مضجعه، فأتيته ذات ليلة فلم أجده، فانطلقت أطلبه، فإذا رجلان قد افتقداه كما فقدته فقلت: هل حسستماه؟ قالا: لا، فسمعنا صوتا من أعلى الوادي كجر الرحى لا نراه إلا نحوه، إذ طلع علينا، فقال: من هؤلاء؟ قلنا: فقدناك يا رسول الله. قال: أتاني الليلة آت من ربي، فخيرني بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة، قال: قلنا يا رسول الله! اجعلنا من أهل شفاعتك، قال: أنتم من أهل شفاعتي - زاد بندار ثم أقبلنا، فانتهينا إلى القوم وقد تحسسوا وفقدوه، فقال: إنه أتاني آت من ربي، فخيرني بين الشفاعة، وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة، قالوا: يا رسول الله! اجعلنا من أهل شفاعتك، قال: "أنتم من أهل شفاعتي".
قال بندار وأبو موسى: "ومن شهد أن لا إله إلا الله وأني عبده ورسوله".
قال أبو بكر: لم أفهم عن بندار هل عند قوله: "اجعلنا من أهل شفاعتك" هذا اللفظ حديث بندار، وقال أبو موسى عن الجُرَيْري، وقال أيضا يسمع صوتا من أعلى الوادي كأنه جر رحى.
1 - (389): وحدثنا بخبر أبي المليح عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثنا أبي، قال: ثنا محمد بن أبي المليح الهذلي، قال: حدثني زياد بن أبي المليح، عن أبيه، عن أبي بردة، عن عوف بن مالك الأشجعي "أنه كان مع رسول الله ﷺ في سفر، فسار بهم يومهم أجمع، لا يحل لهم عقدة ليلته جمعاء، لا يحل لهم عقدة إلا للصلاة، حتى نزلوا أوسط الليل، قال: فرقب رجل رسول الله ﷺ حين وضع رحله قال: فانتهيت إليه فنظرت، فلم أر أحدا إلا نائما ولا بعيرا إلا واضعا جرانه قائما، قال فتطاولت فنظرت حيث وضع النبي ﷺ رحله" فذكر الحديث بطوله ... وقال: فإذا أنا بمعاذ بن جبل والأشعري.
باب ذكر الدليل على أن الأنبياء قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين إنما دعا بعضهم فيما كان الله جعل لهم من الدعوة المجابة سألوها ربهم ودعا بعضهم بتلك الدعوة على قومه ليهلكوا في الدنيا والدليل على أنه لم يكن أحد منهم أرأف بأمته من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تسليما لأنه اختبأ دعوته شفاعة لأمته يوم القيامة
1 - (390): حدثنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي، قال ثنا سليمان بن داود، قال: ثنا علي بن هاشم بن هاشم بن البريد قال: ثنا عبد الجبار بن العباس الشبامي، عن عون بن أبى جحيفة السواي، عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي، عن عبد الرحمن ابن أبي عقيل الثقفي، "قدمت على رسول الله ﷺ في ثقيف، فعلقنا طريقا من طرق المدينة، حتى أنخنا بالباب، وما في الناس رجل أبغض إلينا من رجل نلج عليه منه، فدخلنا وسلمنا وبايعنا، فما خرجنا من عنده حتى ما في الناس رجل أحب إلينا من رجل خرجنا من عنده، فقلت له: يا رسول الله! ألا سألت ربك ملكا كملك سليمان؟ فضحك وقال: فلعل لصاحبكم عند الله أفضل من ملك سليمان، إن الله لم يبعث نبيًا إلا أعطاه الله دعوة فمنهم من اتخذ بها دنيا فأعطيها، ومنهم من دعا بها على قومه فأهلكوا بها، وإن الله تعالى أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي يوم القيامة".
2 - (391): حدثنا محمد بن عثمان أيضا، قال: حدثني محمد بن إسماعيل الأنصاري، قال: ثنا علي بن هاشم بن البريد عن عبد الجبار بن العباس الشبامي، بهذا الإسناد، قال: "وفدنا على رسول الله، فاستأذنا عليه فأذن لنا، فولجنا وليس أحد أبغض منه إلينا، فأسلمنا وبايعنا، فما خرجنا حتى ما كان أحد أحب إلينا منه" فذكر نحوه.
قال أبو بكر: محمد بن إسماعيل هذا هو الملقب بالوَساوِس.
باب ذكر لفظة رويت عن النبي ﷺ في ذكر الشفاعة حسبت المعتزلة والخوارج وكثير من أهل البدع وغيرهم لجهلهم بالعلم وقلة معرفتهم بأخبار النبي ﷺ أنها تضاد قول النبي ﷺ عند ذكر الشفاعة إنها لكل مسلم وليست كما توهمت هؤلاء الجهال بحمد الله ونعمته وسأبين بتوفيق خالقنا «عَزَّ وجَلّ» أنها ليست متضادة
1 - (392): حدثنا العباس بن عبد العظيم العمبري وأحمد بن يوسف السلمي قالا: حدثنا عبد الرازق، عن معمر، عن ثابت، عن أنس، عن النبي ﷺ قال: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي".
2 - (393): حدثنا العباس بن عبد العظيم، قال: ثنا سليمان بن حرب قال: ثنا بسطام بن حريث، عن أشعث الحداني، عن أنس، عن النبي ﷺ قال: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي".
3 - (394): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا الخليل بن عمرو.
4 - وثنا يحيى بن محمد بن السكن، قال: ثنا الخليل بن عمرو، قال: ثنا: الأبح وهو بن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ: قال رسول الله ﷺ:
"الشفاعة لأهل الكبائر من أمتي" وقال يحيى ابن محمد: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ".
5 - (395): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا محمد بن ثابت البناني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، أن النبي ﷺ قال: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " وقال لي جابر: يا محمد من لم يكن من أهل الكبائر فما له والشفاعة.
6 - (396) حدثنا أحمد بن يوسف السلمي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير - وهو ابن محمد - عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر، قال رسول الله ﷺ: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ".
7 - (397): حدثنا محمد بن رافع، قال: ثنا سليمان بن داود الطيالسي عن الحكم بن خزرج.
8 - وثنا علي بن مسلم، قال: ثنا أبو داود: قال: ثنا الحكم بن خزرج، قال: ثنا ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ".
قال أبو بكر: قوله ﷺ في ذكر الشفاعة في الأخبار التي قدمناها في الباب، قبل هذا الباب: "هي لكل مسلم" يريد أنى أشفع لجميع المسلمين، في الابتداء للنبيين، والشهداء، والصالحين وجميع المسلمين، فيخلصهم الله من الموقف الذي قد أصابهم فيه من الغم والكرب ما قد أصابهم في ذلك الموطن، ليقض الله بينهم ويعجل حسابهم على ما قد بيّن في الأخبار، التي قد أمليتها، بطولها.
فأما قوله: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " فإنما أراد شفاعتي بعد هذه الشفاعة التي قد عمت جميع المسلمين هي شفاعة لمن قد أدخل النار من المؤمنين بذنوب وخطايا قد ارتكبوها لم يغفرها الله لهم في الدنيا، فيخرجوا من النار بشفاعته، فمعنى قوله ﷺ: " شفاعتي لأهل الكبائر " أي من ارتكب من الذنوب الكبائر فأدخلوا النار بالكبائر، إذ الله «عَزَّ وجَلّ» وعد تكفير الذنوب الصغائر باجتناب الكبائر، على ما قد بينت، في قوله تعالى: { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } وقد سأل رسول الله ﷺ خالقه وبارئه «عَزَّ وجَلّ» أن يوليه شفاعة فيمن سفك بعضهم دماء بعض من أمته فأجيب إلى مسألته وطلبه، وسفك دماء المسلمين من أعظم الكبائر إذا سفكت بغير حق، ولا كبيرة بعد الشرك بالله والكفر أكبر من هذه الحوبة.
9 - (398): حدثنا بمسألة النبي ﷺ الذي ذكرت علي بن سعيد النسائي، قال: ثنا أبو اليمان، قال: ثنا شعيب - وهو ابن حمزة - عن الزهري، قال: ثنا أنس بن مالك، عن أم حبيبة، عن النبي ﷺ أنه قال: " أرِيْتُ ما تلقى أمتي بعدي وسفك بعضهم دماء بعض، وسبق ذلك من الله كما سبق على الأمم قبلهم، فسألته أن يوليني شفاعة يوم القيامة فيهم ففعل ".
قال أبو بكر: قد اختلف عن أبي اليمان في هذا الإسناد، فروى بعضهم هذا الخبر عن أبي اليمان عن شعيب عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وقال بعضهم عن الزهري.
باب ذكر الدليل على أن النبي ﷺ إنما أراد بالكبائر في هذا الموضع ما هو دون الشرك من الذنوب
إن النبي ﷺ قد أخبر أن الشرك أكبر الكبائر، فمعنى قوله: " لأهل الكبائر من أمتي " إنما أراد أمته الذين أجابوه فآمنوا به وتابوا من الشرك، إذ اسم الأمة قد يقع على من بعث إليه أيضا، أي أنهم أمته الذين بعث إليهم، ومن آمن وتاب من الشرك فهم أمته في الإجابة بعد ما كانوا أمته في الدعوة إلى الإيمان، ذكره في خبر الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة «رضي الله ع»، عن النبي ﷺ: " فهي نائلة إن شاء الله من مات منهم لا يشرك بالله شيئا".
باب ذكر البيان أن شفاعة النبي ﷺ التي ذكرت أنها لأهل الكبائر وهي على ما تأولته وأنها لمن قد أدخل النار من غير أهل النار والذين هم أهلها أهل الخلود فيها بل لقوم من أهل التوحيد ارتكبوا ذنوبا وخطايا فأدخلوا النار ليصيبهم سفعا منها
1 - (399): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد - يعني ابن جعفر - قال: ثنا شعبة، قال: سمعت أبا سلمة - وهو سعيد بن يزيد - قال: سمعت أبا نضرة، يحدث عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ قال: "إن أهل النار الذين هم أهل النار لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكنها تصيب أقواما بذنوبهم وخطاياهم حتى إذا ما صاروا فحما أذن في الشفاعة، قال: فيخرجون ضبائر فيلقون على أنهار الجنة، فيقال: يا أهل الجنة أهريقوا عليهم من الماء، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل".
2 - (400): حدثناه أبو موسى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي مسلمة، فذكر الحديث بمثله، قال: "ولكنها تصيب قوما" وقال "ولكنها كما تنبت الحِبَّة في حميل السيل".
قال أبو بكر: قد خرجت بعض طرق هذا الخبر في باب آخر بعد هذا.
3 - (401): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو داود قال: ثنا هشام عن قتادة، عن أنس بن مالك، أن النبي ﷺ قال: " ليصيبن قوما سفعة من النار بذنوب عملوها، ثم يدخلهم الله الجنة يقال لهم الجهنميون ".
4 - (402): حدثنا محمد بن يحيى القطعي، وأبو حفص عبيدالله بن يوسف الجبيري، قالا: ثنا محمد بن مروان - وهو العقيلي - قال: ثنا هشام - وهو ابن أبي عبد الله الدستوائي - بهذا الإسناد، مثله وقال: "سفع من النار عقوبة بذنوبهم، ثم يخرجون منها، يقال لهم الجنميون".
5 - (403): بحدثنا محمد بن يحيى الذهلي، قال: ثنا سعيد بن عامر عن هشام بن أبي عبد الله الصدوق المسلم، نحو حديث بندار، وقال: "يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته".
6 - (404): وحدثنا محمد بن يحيى الذهلي، قال: ثنا وهب بن جرير قال: ثنا هشام بهذا الحديث، وقال: "عقوبة بذنوب عملوها".
7 - (405): حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، قال: ثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، وثابت، عن أنس، أنه سمع أو أن رسول الله ﷺ قال: (إن أقواما سيخرجون من النار قد أصابوا سفعا من النار عقوبة بذنوب عملوها، ثم يخرجهم الله بفضل رحمته فيدخلون الجنة).
8 - (406): حدثنا أحمد بن المقدام، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي، قال: ثنا قتادة، عن أنس بن مالك، عن رسول الله ﷺ أنه قال: (إذا أبصرهم أهل الجنة قالوا: ما هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء الجهنميون).
9 - (407): حدثنا محمد بن بشار، ومحمد بن الوليد، قالا: ثنا محمد قال: ثنا شعبة، عن حماد، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة، قال شعبة رفعه إلى النبي ﷺ مرة قال: "يخرج الله من النار قوما منتنين قد غشيتهم النار بشفاعة الشافعين، فيدخلون الجنة فيسمون الجهنميون".
10 - (408): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا الحسن بن ذكوان، عن أبي رجاء العُطَاردي، عن عمران عن النبي ﷺ قال: "ليخرجن قوم من النار بالشفاعة يسمون الجهنميون"، وسمعت بندار في الرحلة الثانية، وقيل له: حدثكم يحيى بن سعيد، قال: ثنا الحسن بن ذكوان عن أبي رجاء العُطَاردي، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ بمثله؟ فقال بندار: نعم.
11 - حدثنا يحيى بن حكيم، قال: ثنا أبو داود، وقال: ثنا شعبة، عن حماد، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة، قال: شعبة، كان أحيانا يرفعه إلى النبي ﷺ، وأحيانا لا يرفعه قال: "يخرج قوم من النار بالشفاعة، يسمون الجهنميون".
قال أبو بكر: قرئ على أبي موسى وأنا أسمع، قيل: حدثكم يحيى بن سعيد، عن الحسن بن ذكوان، عن أبي رجاء عن عمران ين حصين، عن النبي ﷺ قال: "يخرج من النار قوم، يقال لهم الجهنميون من شفاعة محمد ﷺ؟ فقال أبو موسى: نعم. فقال أبو بكر: لست أنكر أن يكون الخبران صحيحين لأن أبا رجاء قد جمع بين ابن عباس وعمران بن حصين في غير هذا الحديث أيضا.
12 - (409): وثنا حفص بن عمرو الرَبَال، قال: ثنا أبو بحر، قال: ثنا عوف، قال: ثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله ﷺ: "يخرج ضبارة من النار بعدما كانوا فحما، قال: فيقال انبذوهم في الجنة ورشوا عليهم الماء، فينبتون كما تنبت الحبّة في حَمِيْل السيل" فقال رجل من المسلمين، كأنما كنت من أهل البادية يا رسول الله.
13 (410): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عثمان بن عمر قال: ثنا خارجة بن مصعب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ: "يخرج ناس من النار فيسمون الجهنميون" قال: قلت لعبد الله بن عمرو: أنت سمعت هذا من رسول الله ﷺ؟ قال: نعم.
14 - (411): حدثنا أحمد بن عبدة، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: أخبرنا خارجة بن مصعب الخراسإني، قال: ثنا أبي أنه سمع عبد الله بن عمرو ذات يوم يقول: قال رسول الله ﷺ: "يخرج من النار ناس بعدما تصيبهم النار، فيدخلون الجنة" قال: قلت: أنت سمعت هذا من رسول الله ﷺ؟ قال: نعم".
15 - (412): حدثنا أحمد بن عبدة، قال حماد بن زيد، قال: قلت لعمرو بن دينار: أسمعت جابر بن عبد الله يحدث عن النبي ﷺ أن الله يخرج قوما من (النار) بالشفاعة؟ قال: نعم.
16 - (413): حدثنا عبد الجبار بن العلاء، قال: سمعت من عمرو ما شاء الله من مرة، يأتونه الناس يسألونه عنه خاصة، يقول: سمعت جابر به عبد الله يقول: سمعت أذناي من رسول الله ﷺ: "إن ناسا يدخلون النار، ثم يخرجون منها فيدخلون الجنة".
17 - (414): حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي: ومحمد بن الوليد قالا: ثنا سفيان عن عمرو عن جابر بن عبد الله أنه سمعه يقول: أشهدكم لسمعت رسول الله ﷺ بأذني هاتين يقول: "إن الله يخرج يوم القيامة ناسا من النار فيدخلون الجنة" وقال محمد بن الوليد: سمع جابر بن عبد الله.
18 - (415): حدثنا يونس بي عبد الأعلى، قال: أخبرنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن عمرو بن دينار حدثه أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: "سمعت أذناي من رسول الله ﷺ يقول: سيخرج أناس من النار".
19 - (416): حدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب، قال: ثنا عاصم - يعني بن علي - قال: ثنا همام ابن يحيى، عن قتادة عن أنس، أن النبي ﷺ قال: "إن قوما يخرجون من النار بعدما يصيبهم سفع فيها فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميون".
20 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا يزيد ابن أي حبيب، قال: سمعت أنسا يقول: قال رسول الله ﷺ: "يدخل أناس جهنم فإذا صاروا حُمَما أخرجوا فأدخلوا الجنة، فيقول أهل الجنة من هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء الجهنميون".
قال أبو بكر عند بشر بن المفضل عن هذا الشيخ أخبار، غير أني لا أقف على عدالته ولا على جرحه.
21 - (417): حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: حدثني أبي عن النضر وهو أبو محمد إمام مسجد أبي عمران الجوني، قال: ثنا أبو عمران أنه ركب في سفينة فرأى رجلا تأخذه العين، فقالوا: هذا ابن أبي سعيد الخدري فسأله فقال: حديث بلغنا عن أبيك، قال: ما هو؟ قلت: بلغنا أنه حدث أنه سمع النبي ﷺ يقول: "إن الله يخرج من النار أناسا بعدما أدخلهم فيها" قال: نعم، سمعته منه غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثة.
باب إرضاء الله تعالى نبيه محمدا ﷺ في الشفاعة يوم القيامة مرة بعد أخرى حتى يقر بأنه قد رضي بما قد أعطى في أمته من الشفاعة
1 - (418): حدثنا محمد بن أحمد بن زيد بعبادان، قال: عمرو بن عاصم، قال: حدثنا حرب بن سريج البزار، قال: قلت: لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، جعلت فداك، أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق، أحق هي؟ قال: شفاعة ماذا؟ قال: شفاعة محمد ﷺ، قال: حق والله، أي والله، لحدثني عمي محمد بن علي ابن الحنفية، عن علي بن أبي طالب أن رسول الله ﷺ قال: "أشفع لأمتي حتى يناديني ربي فيقول: أرضيت يا محمد؟ فأقول: رب رضيت" ثم أقبل علي فقال: إنكم تقولون معشر أهل العراق: إن أرجى أية في كتاب الله سبحانه وتعالى «عَزَّ وجَلّ» { قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم } - قرأ إلى قوله - { جميعا } قلت: إنا لنقول ذلك، قال: ولكنا أهل البيت نقول إن أرجى آية في كتاب الله تعالى: { ولسوف يعطيك ربك فترضى }.
باب ذكر البيان أن من قضاء الله «عَزَّ وجَلّ» إخراجهم من أهل النار من أهل التوحيد بالشفاعة يصيرون فيها فحما يميتهم الله فيها إماتة واحدة ثم يؤذن بعد ذلك في الشفاعة وصفة إحياء الله إياهم بعد إخراجهم من النار وقبل دخولهم الجنة بلفظة عامة مرادها خاص
1 - (419): حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقين قال حدثنا ابن عُلَيَّة.
2 - (وحدثنا (أبو) هاشم، زياد بن أبو، قال ثنا إسماعيل) عن سعيد بن يزيد عن أبي نَضْرة، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: " أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون ولا يحيون، ولكن أناس أو كما قال تصيبهم النار، بقدر ذنوبهم أو كما قال خطاياهم فيميتهم الله إماتة، حتى إذا صاروا فحما أذن في الشفاعة، فجيء بهم ضَبَائر ضَبَائر يلقون في أنهار الجنة، فيقال: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، قال: فينبتون كما تنبت الحِبَّة في حَمِيل السيل، فقال رجل من القوم: كأن رسول الله ﷺ قد كان بالبادية"، وقال أبو هاشم: "فينبتوا على أنهار الجنة".
قال أبو بكر: والصواب ما قاله الدورقي. قال لنا أبو هاشم: قال إسماعيل: الحبّة ما ينبذر من نبت الرجل من الحب فيبقى في الأرض، حتى تصيبه السماء من قابل فينبت.
3 - (420): حدثنا أحمد بن عبدة، قال: ثنا محمد بن دينار عن أبي سلمة، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ، بمثل حديث أبي هاشم، قال: "ولكن ناس تحطمهم ذنوبهم، فيميتهم الله فيها إماتة قال: فيجئ بهم ضبائر ضبائر، حتى يلقون على أنهار الجنة فيفيضون عليهم".
قال أبو بكر: غير أني لا أقف كيف قال أحمد هذه اللفظة: فنبتوا أو فينبتوا، لأني خرجته في التصنيف في عقب حديث أبي هاشم بمثله.
4 - (421): حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا أبو سلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: "أما أهل النار فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أناسا تصيبهم النار عقوبة بذنوب عملوها فيميتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحما أذن في الشفاعة، فيجاء بهم ضبائر ضبائر، قال: فيلقون على أنهار الجنة ثم يقال: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، قال: فيبيتون نبات الحبة تكون في السيل".
5 - حدثنا أبو بشر عقبة بن سنان البصري، قال: ثنا غسان بن مضر، عن سعيد بن يزيد، فذكر نحو حديث ابن عليه، وقال: ولكن أقوام أصابتهم النار بخطاياهم أو بذنوبهم، وقال: فنبتوا.
6 - (422): حدثنا نصر بن علي، قال: أخبرني أبي، قال: ثنا إسماعيل بن مسلم، قال: ثنا أبو المتوكل الناجي، عن أبي سعيدالخدري، عن نبي الله ﷺ، قال: يخرج أقوام من النار بعدما احترقوا فكانوا فحما، يرش عليهم الماء فينبتون كما تنبت الغُثاء في حَمِيل السيل، ثم يدخلون الجنة"
7 - (423): وروى أبو عاصم، أخبرنا ابن جريح، قال: أخبرني أبو الزبير عن أبي سعيد الخدري، أنه سمع النبي ﷺ يقول: "يخرج من النار قوم قد احترقوا حتى صاروا كالحمم، ثم يرش عليهم أهل الجنة الماء، فينبتون نبات الغثاء في السيل".
8 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم؛ هذا مرسل: أبو الزبير لم يسمع من أبي سعيد شيئا نعلمه.
9 - (424): حدثنا محمد بن بشار، وقال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا يزيد بن أبي صالح، عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قال: يخرج ناس من النار بعدما كانوا فحما فيدخلون الجنة، فيقول أهل الحنة: ما هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء الجهنميون.
قال أبو بكر: يزيد بن أبي صالح هذا لست أعرفه بعدالة ولا جرح.
باب ذكر البيان أن هؤلاء الذين ذكروا في هذه الأخبار أنهم يخرجون من النار فيدخلون الجنة إنما يخرجون من النار بالشفاعة في خبر ابن عليه أذن بالشفاعة فجيء بهم
1 - (425): حدثنا بهذا الخبر أيضا أحمد بن المقدام، قال: ثنا بشر - يعين ابن المفضل - قال: ثنا أبو مسلمة، عن نضرة عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله ﷺ: "أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون ولا يحيون، ولكن أناس أصابتهم النار بذنوبهم، أو قال، بخطاياهم، فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن في الشفاعة، فيجاء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم من الماء، فينبتون نبات الحِبَّة تكون في حَمِيل السيل".
2 - (426): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبي عدي عن سليمان التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون ولا يحيون، وأما من يرد الله بهم الرحمة فتميتهم النار، فيدخل عليهم الشفعاء، فيأخذ الرجل الضبارة فيبثهم في نهر الحياة أو الحيوان أو الحياء، أو قال: نهر الجنة، فينبتون نبات الحبَّة في حميل السيل، فقال النبي ﷺ: أوما ترون الشجرة تكون خضراء ثم تكون صفراء، أو قال تكون صفراء، ثم تكون خضراء؟ فقال رجل: كأن رسول الله ﷺ كان من أهل البادية".
3 - (427): حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه قال: ثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: خطبنا رسول الله خطبة أراه ذكر طولها قال: "أما أهل النار الذين هم أهلها لا يموتون ولا يحيون، وأما ناس يريد الله بهم الرحمة فيميتهم فيدخل عليهم الشفعاء فيحمل الرجل منهم الضبارة فيبثهم، أو قال: فيبثون على نهر الحياة، أو قال: الحيوان، أو نهر الحياء، فيبتون نبات الحبة في حميل السيل، قال: فقال رسول الله ﷺ: ألم تروا إلى الشجرة تكون خضراء ثم تكون صفراء ثم تكون خضراء، قال: يقول القوم: كأن رسول الله ﷺ كان بالبادية".
4 - (428): حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: حدثني أبي، قال: ثنا حبان، يعني ابن علي، قال: ثنا سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله ﷺ خطب، فأتى على هذه الآية: { إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى. ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات … } يريد الآية كلها، فقال النبي ﷺ: "أما أهلها الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، وأما الذين ليسوا من أهلها فإن النار تميتهم إماتةً ثم يقوم الشفعاء فيشفعون فيجعلون ضبائر، فيؤتى بهم نهر، يقال له الحياة أو الحيوان، فيبتون فيه كما تنبت الغثاء في حميل السيل".
باب ذكر الدليل على أن النبي ﷺ إنما أراد بقوله فيصيرون فحما أي أبدانهم خلا صورهم وآثار السجود منهم إن الله «عَزَّ وجَلّ» حرم على النار أكل أثر السجود من أهل التوحيد بالله فنعوذ به من النار وعذابها
1 - (429): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب - وهو ابن أبي حمزة - عن الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة «رضي الله ع» أخبرهما أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فذكر الحديث بطوله وقال: (حتى إذا أراد رحمة من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار وقد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل الجنة دخولا) ثم ذكر باقي الحديث خرجته في كتاب الأهوال.
2 - حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا سلمان بن داود الهاشمي، قال: أخبرنا إبراهيم ابن سعد، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، أن أبا هريرة «رضي الله ع» أخبره أن الناس قالوا: يا رسول الله؛
3 - وحدثنا محمد، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قال الناس: يا رسول الله؛
قال محمد بن يحيى، وساقا جميعا الحديث بهذا الخبر، غير أنهما ربما اختلفا في اللفظ والشيء، والمعنى واحد. قال أبو بكر: قدم محمد بن يحيى إسناد عبد الرزاق على إسناد حديث الهاشمي.
4 - (430): حدثنا محمد، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا خلص المؤمنون من النار فأمثوا، فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد من مجادلة المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار. قال: يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا، فأدخلتهم النار، فيقول: اذهبوا، فأخرجوا من قد عرفتم، فيأتونهم فيعرفونهم بصورتهم، لا تأكل النار صورهم" فذكر الحديث بطوله، قد خرّجته في غير هذا الموضوع.
5 - (431): حدثنا محمد، قال: ثنا جعفر بن عون، عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد عن النبي ﷺ الحديث بطوله، وقال: "فيقول الله لهم: اذهبوا فمن عرفتم صورته، فأخرجوه، وتحرم صورتهم على النار".
قال أبو بكر: قد بينت معنى اللفظة التي في خبر عتبان بن مالك، عن النبي ﷺ "أن الله حرم النار على من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله" في موضعه من هذا الكتاب.
باب ذكر البيان أن من قضى الله إخراجهم من النار من أهل التوحيد الذين ليسوا بأهل النار أهل الخلود فيها يموتون فيها إماتة واحدة تميتهم النار إماتة ثم يخرجون منها فيدخلون الجنة لا أنهم يكونون أحياء يذوقون العذاب ويألمون من حر النار حتى يخرجوا منها
1 - (432): حدثنا أحمد بن عبدة، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو سلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، بمثل حديث أبي هاشم، قال: "ولكن ناس تصيبهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم قال هكذا أبو نضرة فيميتهم إماتة، وقال: فيلقون على أنهار الجنة، فيقال لأهل الجنة أفيضوا.. وقال: الحِبة بخفض الحاء، ولم يذكر تفسير ابن عُلية الحبة.
2 - (433): حدثنا أبو الأشعث، قال: ثنا معتمر، عن أبيه، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد أن نبي الله ﷺ قال: "أما أهل النار الذين هم أهلها" فذكر الحديث بتمامه، قال أبو بكر في خبر أبي مسلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد "حتى إذا كانوا فَحما أذن لهم في الشفاعة" هذه اللفظة في خبر محمد بن دينار، قال: ثنا أبو مسلمة، حدثنا أحمد بن عبدة، قال: أخبرنا محمد بن دينار، فيه دلالة على أن قوله «عَزَّ وجَلّ»: { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } أي لمن يأذن الله له الشفاعة ممن يموت في النار موتة واحدة ممن ليس من أهلها أهل الخلود فيها. قد كنت بينت معنى قوله: { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } و { إلا لمن أذن له } في كتاب معاني القرآن في كتاب الأول.
3 - (434): فحدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا هَوْذَة بن خليفة عن عوف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ قال: "يخرج ضبارة من النار قد كانوا فحما، فيقال: بثوهم في الجنة ورشوا عليهم من الماء، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فقال رجل من القوم: يا رسول الله كأنما كنت من أهل البادية".
4 - (435): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا عوف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ قال: "يخرج ضبارة من النار، قد كانوا حميما، قال: بثّوها في الجنة ورشوا عليهم من الماء، فينبتون كما تنبت الحِبَّة في حَمِيل السيل، فقال رجل من القوم: كإنما كنت من أهل البادية".
5 - (436): حدثنا أبو موسى، ومحمد بن بشار، قالا: ثنا سالم بن نوح عن الجُرَيْري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: "أما أهل النار الذين هم أهل النار لا يموتون فيها ولا يحيون، وأما الذين يريد الله إخراجهم منها فتميتهم النار إماتة حتى يكونوا فحما، ثم يخرجون ضَبَائر فيلقون على أنهار الجنة ويرش عليهم من مائها فينبتون كما تنبت الحِبّة في حميم السيل".
قال بندار: يعني الحبّة، وقال أبو موسى: فيدخلون الجنة وقالا جميعا: فيسميهم أهل الجنة الجهنميين فيدعون الله، فيذهب ذلك الاسم عنهم.
6 - (437): حدثنا محمد بن بشار، وقال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا سعيد بن إياس، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: "أما الذين يريد الله إخراجهم من النار فإنه يميتهم إماتة حتى يكونوا فحما - وأما الذين لا يريد الله أن يخرجهم فإنهم لا يموتون ولا يحيون ولا يخرجون - أي الذين يريد الله إخراجهم من النار ضبائر من النار فيسميهم أهل الجنة الجهنميين". قال: فبلغني في حديث آخر أنهم يدعون ربهم فيمحي عنهم ذلك الاسم.
قال أبو بكر: قد كنت أحسب زمانا أن الاسم لا يقع على مثل هذه اللفظة، كنت أحسب زمانا أن هذا من الصفات لا من الأسامي، كنت أحسب أن غير جائز أن يقال لأهل المحلة إن هذا الاسم لهم وإن أهل المدينة أو أهل قرية كذا أو أصحاب السجون، إيقاع الاسم على مثل هذا، لأنه محال عندي في قدر ما أفهم من لغة العرب أن يقال أهل كذا اسمهم أهل قرية كذا أو أهل مدينة كذا، وإن اسم أهل السجون هذه صفات أمكنتهم، والاسم اسم الآدميين كمحمد وأحمد، والحسن والحسين وغير ذلك، وقد أوقع في هذا الخبر الاسم على الجهنميين، يسمون الجهنميون نسبة لسان العرب، وقد كنت أعلمت أصحابي مذ دهر طويل، أن الأسامي إنما وضعت بمعنيين: أحدهما للتعريف ليعرف الفرق بين عبد الله وعبد الرحمن ويعلم مَن محمد ومن أحمد ومن الحسن ومن الحسين فيفرق بين الاثنين وبين الجماعة بالأسامي. وهذه الأسامي ليست من أسماء الحقائق وقد يسمى المرء حسنا وهو قبيح، ويسمى محمود وهو مذموم، ويسمى المرء صالح وهو طالح. والمعنى الثاني هو أسامي الصفات على الحقائق إذا كان المرء صالحا، فقيل هذا صالح، فإنما يراد صفته على الحقيقة، كذلك إنما يقال لمحمود المذهب فلان محمود على هذه الصفة، كذلك يقال للعالم عالم وللفقيه فقيه وللزاهد زاهد، هذه أسامي على الحقائق وعلى الصفات.
7 - (438): حدثنا أبو عبيد ابن أخي هلال، قال: ثنا فروة بن أبي المغراء قال: ثنا القاسم ابن مالك المزني، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد بن المغيرة ابن شعبة قال: قال رسول الله ﷺ: "يخرج قوم من النار يدخلون الجنة، فيسمون في الجنة الجهنميون، فيسألون الله أن يمحي ذلك الاسم عنهم، فيمحاه عنهم".
باب ذكر خبر روى عن النبي ﷺ في إخراج شاهد أن لا إله إلا الله من النار
أفْرَقُ أن يسمع به بعض الجهال فيتوهم أن قائله بلسانه من غير تصديق قلب يخرج من النار، جهلا وقلة معرفة بدين الله وأحكامه ولجهله بأخبار النبي ﷺ مختصرها ومتقصاها، وإنا لتوهم بعض الجهال أن شاهد لا إله إلا الله من غير أن يشهد أن لله رسلا وكتبا وجنة ونارا وبعثا وحسابا يدخل الجنة، أشد فَرَقا إذ أكثر أهل زماننا لا يفهمون هذه الصناعة ولا يميزون بين الخبر المتقصى وغيره، وربما خفي عليهم الخبر المتقصى فيحتجون بالخبر المختصر، يترأسون قبل التعلم، قد حرموا الصبر على طلب العلم، ولا يصبروا حتى يستحقوا الرئاسة فيبلغووا منازل العلماء.
1 - (439): حدثنا أبو حفص عمرو بن علي، والعباس بن عبد العظيم العنبري، وعمر بن حفص الشيباني، وأبو الأزهر حوثرة بن محمد قالوا: ثنا حماد بن مَسعدة، قال: ثنا عمران العَمّي، عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي ﷺ قال: "ما زلت أشفع إلى ربي ويشفعني حتى قلت: أي ربي، شفعني فيمن قال لا إله إلا الله فقال: يا محمد هذه ليست لك ولا لأحد، وعزتي وجلالي ورحمتي لا أدع في النار أحدا قال لا إله إلا الله".
هذا حديث عمرو بن علي، وقال عمر بن حفص، فقال: "إنما ذلك لي، وعزتي وجلالي ورحمتي لا أدع في النار عبدا قال لا إله إلا الله" وقال أبو الأزهر عن عمران العمي وقال: "ولا لأحد، هي لي، فلا يبقى في النار أحد قال لا إله إلا الله إلا أخرج منها" وفي خبر حماد بن زيد، عن معبد بن هلال، في آخر الخبر، وفي ذكر الزيادة التي زادها الحسن، عن أنس عن النبي ﷺ: "فأقول: أي رب، ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال: فيقال: ليس ذلك لك، ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله".
2 - (440): حدثناه أحمد بن عبدة، قال ثنا حماد، قال: ثنا معبد بن هلال العَنَزِيُّ؛ خرجته بطوله في باب آخر.
قال أبو بكر: "حتى قلت" يريد حتى أقول، وقال العباس يرفعه إلى النبي ﷺ قال: "حتى أقول: أي رب، وقال أما وعزتي وحلمي ورحمتي".
باب ذكر البيان أن النبي ﷺ يشفع للشاهد لله بالتوحيد الموحد لله بلسانه إذا كان مخلصا ومصدقا بذلك بقلبه، لا لمن تكون شهادته بذلك عن تصديق القلب
1 - (441): حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أبي وشعيب، قالا: ثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب عن سلم بن أبي الجعد، عن معاوية بن معتب عن أبي هريرة «رضي الله ع» أنه سمعه يقول: "سألت رسول الله ﷺ ماذا رد إليك ربك من الشفاعة، قال: والذي نفس محمد بيده لقد ظننت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي لما رأيت من حرصك على العلم، والذي نفسي بيده لما يهمني من القضاء فيهم على أبواب الجنة أهم عندي من تمام شفاعتي، وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه".
2 - (442): حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن وهب قال: أخبرني ابن لهيعة - وأنا أبرا من عهدته - عن ابن أبي حبيب عن أبي الخير، وعن سالم بن (أبي سالم) الجيشاني عن معاوية بن معتب عن أبي هريرة «رضي الله ع» أنه سمعه يقول: "سألت رسول الله ﷺ " فذكر بمثل حديث الليث، وقال: "والذي نفسي بيده" في كلا الموضعين، وقال: "من تمام شفاعتي لهم"، وقال: "لمن شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله مخلصا".
قال أبو بكر: إنما زاد "وأن محمدا رسول الله" والباقي مثل لفظه.
3 - (443): حدثنا يونس في عَقِبِه، قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي سالم، عن ابن معتب عن أبي هريرة «رضي الله ع»، عن رسول الله ﷺ هكذا ثنا بهما يونس، حعل متن الخبر كخبر ابن لهيعة (قال في خبر عمرو بن الحارث بمثله، لولا ذلك، لم أقدم ابن لهيعة على عمرو ابن الحارث ليس ابن لهيعة) رحمه الله من شرطنا ممن يحتج به.
قال أبو بكر: رواية الليث أوقع على القلب من رواية عمرو ابن الحارث إنما الخبر علمى، عن سالم بن أبي سالم كما رواه الليث، لا عن أبي سالم. اللهم إلا أن يكون سالم كنيته أبو سالم أيضا.
4 - (444): حدثنا علي بن حُجْر، قال: ثنا إسماعيل بن جعفر قال: أخبرنا عمرو - وهو ابن أبي عمرو - عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: "قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال النبي ﷺ: لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من نفسه".
باب ذكر خبر دال على حصة ما تأولت على صحة ما تأولت إنما يخرج من النار شاهد أن لا إله إلا الله إذا كان مصدقا بقلبه بما شهد به لسانه إلا أنه كنى عن التصديق بالقلب بالخير فعاند بعض أهل الجهل والعناد وادعى أن ذكر الخير في هذا الخبر ليس بإيمان قلة علم بدين الله وجرأة في تسمية المنافقين مؤمنين
1-(445): حدثنا محمد بن يحيى رحمه الله، قال: ثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن النبي ﷺ قال: "يقول الله: أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة. أخرجوا من النار من قال لا إله إلا إله وفي قلبه من الخير ما يزن من برة، أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه من الخير ما يزن دودة، أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه من الخير ما يزن ذرة".
2-(446): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا قتادة، عن أنس بن مالك، قال: "أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة" ثم ذكر بمثله ولم يذكر الدودة وقال في كلها: "وكان في قلبه من الخير".
3-وثنا بندار في عَقِبِه، قال: ثنا أبو داود عن شعبة، عن قتاده عن أنس عن النبي ﷺ بمثل حديث محمد بن جعفر.
4-(447): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا هشام عن قتادة عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ: " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج منها من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج منها من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة.
5-حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا سعيد بن عامر، عن هشام الدستوائي بهذا الإسناد بمثله.
6-(447): حدثنا أبو موسى، قال: ثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن أنس أن النبي ﷺ قال: " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخيرما يزن برة ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة ".
7-(448): حدثنا أبو موسى قال: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة قال: ثنا قتادة عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ " أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة، أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه ما يزن شعيرة، أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه ما يزن برة ".
باب ذكر الأخبار المصرحة عن النبي ﷺ أنه قال إنما يخرج من النار من كان في قلبه في الدنيا إيمان دون من لم يكن في قلبه في الدنيا إيمان
ممن كان يقر بلسانه بالتوحيد خاليا قلبه من الإيمان، مع البيان الواضح أن الناس يتفاضلون في إيمان القلب، ضد قول من زعم من غالية المرجئة أن الإيمان لا يكون في القلب، وخلاف قول من زعم من غير المرجئة أن الناس إنما يتفاضلون في إيمان الجوارح الذي هو كسب الأبدان، فإنهم زعموا أنهم متساوون في إيمان القلب الذى هو التصديق وإيمان اللسان الذى هو الإقرار، مع البيان أن للنبي ﷺ شفاعات يوم القيامة على ما قد بينت قبل، لا أن له شفاعة واحدة فقط.
1 - (449): حدثنا الربيع بن سليمان، وإبراهيم بن عيسى بن عبد الله، كاتب الحارث بن مسكين، قالا: ثنا ابن وهب، وثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثنا عمّي، قال: أخبرني مالك، عن عمرو بن يحيى بن عمارة، قال: أخبرني أبي عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله ﷺ: " يدخل أهل الجنة الجنة، يدخل من يشاء برحمته ويدخل أهل النار النار، ثم يقول انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، قال: فيخرجون منها حمما قد امتحشوا، فيلقون في نهر الحياة أو الحيا فينبتون كما تنبت الحِبّة أو الحيّة - شك الربيع - إلى جانب السيل، قال رسول الله ﷺ: ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية.
وقال إبراهيم بن عيسى: " يدخل الله أهل الجنة الجنة، وقال: الحبّة إلى جانب السيل، قال أحمد الحبة ولم يشك، وقال ثنا مالك.
قال أبو بكر: هذا الخبر مختصر، حذف منه أول القصة في الشفاعة لمن أدخل النار من أهل التوحيد وذكر آخر القصة، والدليل على صحة ما ذكرت أن الخبر مختصر خبر زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال: " فيقول الله: انظروا من كان في قلبه زنة دينار من إيمان أخرجوه " ثم ذكر زنة قيراط ثم ذكر زنة مثقال حبة خردل، قد خرجت هذا الخبر في غير هذا الباب، بتمامه.
2 - (450): وقد حدثنا أيضا بصحة ما ذكرت يوسف بن موسى قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي قال: (يأتون النبي ﷺ فيقولون: يا نبي الله، أنت الذى فتح الله بك وختم بك وغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قم فاشفع لنا إلى ربك، فيقول: نعم أنا صاحبكم، فيخرج يحوش النار حتى ينتهي إلى باب الجنة فيأخذ بحلقة في الباب من ذهب فيقرع الباب، فيقال: من هذا؟ فيقال محمد، قال فيفتح له، قال فيجئ حتى يقوم بين يدي الله فيستأذن في السجود فيؤذن له، قال: فيفتح الله له فيؤذن له فيفتح الله له من الثناء والتحميد والتمجيد ما لم يفتحه لأحد من الخلائق، فينادى يا محمد ارفع رأسك وسل تعطه، ادع يجب، قال: فيرفع رأسه فيقول رب أمتي أمتي، ثم يستأذن في السجود فيؤذن له، فيفتح له من الثناء والتحميد والتمجيد ما لم يفتح لأحد من الخلائق، فينادى يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه واشفع تشفع وادع تجب، قال: يفعل ذلك مرتين أو ثلاثا، فيشفع لمن كان في قلبه حبة من حنطة أو مثقال شعيرة أو مثقال حبة من خردل من إيمان، قال سلمان: فذلك المقام المحمود.
قال أبو بكر: وهذا الخبر أتم في قصة إخراج من يخرج من النار من خبر يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري، لأن في هذا الخبر ذكر مثقال حبة الحنطة وحبة الشعير، وليس في خبر يحيى بن عمارة عن أبي سعيد ذكرهما، وخبر عبيدالله بن أبي بكر عن أنس فيه أيضا ذكر الشعير والبرة وفيه أيضا ذكر الذرة، لم يذكر فيه حبة الخردل، وهذه الأخبار تدل على صحة مذهبنا: أن الأخبار رويت على ما كان يحفظها رواتها، منهم من كان يحفظ بعض الخبر، ومنهم من كان يحفظ الكل، فبعض الأخبار رويت مختصرة، وبعضها متقصاة، فإذا جمع بين المتقصي من الأخبار وبين المختصر منها بان حينئذ العلم والحكم.
3 - (451): حدثنا خبر عبيدالله بن أبي بكر الذي ذكرت محمود بن غيلان، قال: ثنا المُؤَمَّل بن إسماعيل، قال: ثنا المبارك بن فضالة، قال: ثنا عبيدالله بن أبي بكر بن أنس عن جده أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ: (يقول الله «عَزَّ وجَلّ» أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال شعيرة من الإيمان، أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال برة من الإيمان، أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله أو ذكرني أو خافني في مقام).
4 - (452): حدثنا نصر بن مرزوق المصري، ثنا الخُصَيْب - يعني ابن ناصح - قال: ثنا المبارك عن بن أبي بكر عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ (يخرج من النار) فذكر مثله وقال في كلها يخرج من النار وقال: (قدر خردلة) مكان ذرة، وقال أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام، لم يذكر في هذا الموضع قول لا إله إلا الله، وروى أبو داود هذا الخبر مختصرا.
5 - (453): حدثناه محمد بن رافع، قال: ثنا أبو داود، عن مبارك بن فضالة، وثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي، قال: ثنا أبو داود الطيالسي، قال: ثنا مبارك بن فضالة عن عبيدالله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: (يقول الله أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام).
اختصر أبو داود هذا الحديث ولم يذكر أول المتن وذكر آخره.
6 - (454): أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أن أباه وشعيب بن الليث، أخبراه، قالا: أخبرنا الليث عن ابن الهاد عن عمرو - وهو ابن أبي عمرو - عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إني لأول الناس تنشق الأرض عن جمجمته يوم القيامة ولا فخر، وأُعطى لواء الحمد ولا فخر، وأنا سيد النبيين يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة ولا فخر، سآتي باب الجنة فيفتحون لي فأسجد لله تعالى فيقول: ارفع رأسك يا محمد، وتكلم يسمع منك، وقل يقبل منك، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأقول: أمتي أمتي يا رب، فيقول: اذهب إلى أمتك فمن وجدت في قلبه مثقال حبة من شعيرة من إيمان فأدخله الجنة، فأقبل بمن وجدت في قلبه ذلك فأدخلهم الجنة، وآتي الجبار فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمد، وتكلم يسمع منك، وقل يقبل قولك، واشفع تشفع، فأقول: أمتي أمتي، فيقول: اذهب إلى أمتك فمن وجدت في قلبه مثقال نصف حبة، من شعير من الإيمان فأدخله الجنة، فأذهب فمن وجدت مثقال ذلك فأدخله الجنة، قال فآتي الجبار فأسجد له فأقول: أمتي أمتي، أي رب، فيقول: اذهب فمن وجدت في قلبه مثقال ذلك فأدخلهم الجنة، وفرغ من الحساب، حساب الناس) ذكر الحديث.
7 - (455): حدثنا بهذا الخبر أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثنا عمي قال: ثنا عبد الرحمن بن سلمان - يعني الحَجْري - عن عمرو بن أبي عمر عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله ﷺ، فذكر بمثله غير أنه قال: (وأنا سيد النبيين يوم القيامة ولا فخر، وإني آتي باب الجنة فآخذ بحلقتها فتقول الملائكة من هذا فأقول أنا محمد فيفتحون لي فأدخل فأجد الجبار مستقبلي فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمد - فذكر بعض الحديث وقال - فأقبل بمن وجدت في قلبه ذلك، فإذا الجبار مستقبلي، فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمد، فذكر بعض الحديث وقال فمن وجدت في قلبه ذلك)، فإذا الجبار مستقبلي، فأسجد له، وذكر الحديث إلى قوله وفرغ من حساب الناس، قال: أدخل من بقي من أمتي النار مع أهل النار، فيقول لهم أهل النار: ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدوه ولا تشركوا به شيئا فأنتم معنا، فيقول الجبار : فبعزتي لأعتقهم من النار، فيرسل إليهم فيخرجون من النار وقد امتحشوا، فيدخلون في نهر الجنة فينبتون فيه كما تنبت الحبة في غثاء السيل، ويكتب بين أعينهم هؤلاء عتقاء الله، فيذهب بهم فيدخلون الجنة فيقال هؤلاء الجهنميون، فيقول الجبار: هؤلاء عتقاء الجبار).
قال أبو بكر: في هذا الخبر، خبر عمرو بن أبي عمرو عن أنس، ذكر نصف حبة شعير، وليس في شيء من هذه الأخبار هذه اللفظة، وليس في هذا الخبر ذكر البرة، وجائز أن يكون زنة نصف حبة شعير زنة حبة حنطة.
8-(456): حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، قال: ثنا الخليل بن عمر قال: ثنا عمر - يعني ابن سعيد الأشج - عن سعيد - يعني ابن أبي عروبة=عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: (يخرج من النار من كان في قلبه ما يزن خردلة، ما يزن برة، ما يزن ذرة من الإيمان) 9- قال أبو بكر: ليس خبر قتادة عن أنس (أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه من الخير ما يزن برة) خلاف هذه الأخبار التي فيها، في قلبه من الإيمان ما يزن كذا، إذ العلم محيط أن الإيمان من الخير لا من الشر، ومن زعم من الغالية المرجئة أن ذكر الخير في هذا الخير ليس بإيمان كان مكذبا لهذه الأخبار التي فيها "أخرجوا من النار من كان في قلبه من الإيمان كذا" فيلزمهم أن يقولوا: هذه الأخبار كلها غير ثابتة أو يقولوا إن الإيمان ليس بإيمان، أو يقولوا إن الإيمان ليس بخير، وما ليس بخير فهو شر، ولا يقول مسلم إن الإيمان ليس بخير، فافهمه لا تغالط.
9 - (457): حدثنا أحمد بن عبدة، قال: ثنا حماد - يعني ابن زيد - قال: ثنا معبد بن هلال العنزي، قال: انطلقنا إلى أنس بن مالك في زمن الثمرة ومعنا ثابت البناني لهذا الحديث، فاستأذن ثابت فأذن لنا، ودخلنا عليه وأجلس ثابتا معه على سريره أو قال على فراشه، قال فقلت لأصحابنا لا تسألوه عن شيء إلا عن هذا الحديث، فإنا خرجنا له، قال ثابت: يا أبا حمزة إن إخوانك من أهل البصرة جاؤك يسألونك عن حديث رسول الله ﷺ في الشفاعة، فقال: نعم، حدثنا محمد رسول الله ﷺ قال: (إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض قال: فيؤتى آدم ﷺ فيقال: آدم، اشفع في ذريتك قال: فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الله، فيؤتى إبراهيم فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله، فيؤتى موسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته، فيؤتى عيسى فيقول: لست لها ولكن عليكم بمحمد ﷺ، فأوتى فأقول: أنا لها، فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي عليه فأقوم بين يديه ويلهمني محامد لا أقدر عليها الآن، فأحمده بتلك المحامد ثم أخر ساجدا، فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، قال: فيقال لي: انطلق فمن كان في قلبه - إما إن قال مثقال برة وإما إن قال مثقال شعيرة - من الإيمان فأخرجه منها، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد وأخرّ ساجدا قال: فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، قال: فيقال لي: انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة خردل من الإيمان فأخرجه من النار، ثلاث مرّات، فأنطلق فأفعل، قال معبد: فأقبلنا حتى إذا كنّا بظهر الجبَّان، قلت: لو ملنا إلى الحسن وهو مستخف في منزل أبي خليفة، قال: فدخلنا عليه، فقلنا: يا أبا سعيد جئنا من عند أخيك أبي حمزة وحدثناه، حتى إذا فرغنا قال: ما حدثكم إلا بهذا؟ قلنا: ما زادنا على هذا، قال: فقال الحسن: لقد حدثني منذ عشرين سنة، فما أدري أنسي الشيخ أم كره أن يحدثكم فتتكلوا، قال: فقالوا: يا أبا سعيد حدّثنا، فضحك، قال: (خلق الإنسان عجولا)، إني لم أذكره إلا وأنا أريد أن أحدثكموه، حدثني كما حدثكم منذ عشرين سنة ثم قال: فأقوم الرابعة، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخرّ له ساجدا، قال: فيقال لي: ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، قال: فأرفع رأسي فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، قال فيقال: ليس لك ذلك ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله".
قال أبو بكر: ليس في هذا الخبر زنه الدينار ولا نصفه، وفي آخره زيادة ذكر أدنى من مثقال حبة من خردل.
10-(458): حدثنا الحسين بن الحسن، قال: ثنا المعتمر بن سليمان عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: (يلقى الناس يوم القيامة من الحبس ما شاء الله أن يلقوه، فيقولون: انطلقوا بنا إلى آدم، فينطلقون إلى آدم، فيقولون: يا آدم اشفع لنا إلى ربك، فيقول: لست هناك، ولكن انطلقوا إلى خليل الله إبراهيم، فينطلقون إلى إبراهيم فيقولون، يا إبراهيم اشفع لنا إلى ربك، فيقول: لست هناك، ولكن انطلقوا إلى من اصطفاه الله برسالاته، فينطلقون إلى موسى، فيقولون: يا موسى اشفع لنا إلى ربك، فيقول: لست هناك، ولكن انطلقوا إلى من جاء اليوم مغفورا له ليس عليه ذنب، فينطلقون إلى محمد ﷺ فيقولون: يا محمد اشفع لنا إلى ربك فيقول: أنا لها وأنا صاحبها، قال: فأنطلق حتى استفتح باب الجنة، قال: فيفتح فأدخل وربي «عَزَّ وجَلّ» على عرشه فأخر ساجدا وأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد قبلي - وأحسبه قال ولا أحد بعدي - فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول: يا رب يا رب، فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من الإيمان، قال: فأخّر ساجدا وأحمده بمحامد لم يحمدها بها أحد قبلي - وأحسبه قال ولا أحد بعدي - فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يا رب يا رب، فيقول: أخرج من النار من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان قال: فأخر له ساجدا وأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد قبلي - وأحسبه قال ولا أحد بعدي - فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يا رب، فيقول: أخرج من كان في قلبه أدنى شيء، فيخرج ناس من النار يقال لهم الجهنميون وإنه لفي الجنة) فقال له رجل: يا أبا حمزة أسمعت هذا من رسول الله ﷺ، قال فتغير وجه واشتدد عليه وقال ليس كل ما نحدث سمعناه من رسول الله ﷺ، ولكن لم يكن يكذب بعضنا بعضنا. 11- قال أبو بكر: ليس في الخبر ذكر عيسى ﷺ.
قال أبو بكر: لعله يخطر ببال من يسمع هذه الأخبار فيتوهم أن هذه اللفظة "ليس كل ما نحدث سمعناه من رسول الله ﷺ " في عقب هذا الخبر خلاف خبر معبد بن هلال الذي قال فيه: حدثنا محمد ﷺ، وخلاف خبر عمرو بن أبي عمرو عن أنس قال: سمعت رسول الله ﷺ، وليس كذلك هو عندنا بحمد الله ونعمته، لأن في خبر عمرو ابن أبي عمرو عن أنس حين ذكر سماعه من رسول الله ﷺ ذكر في أول الخبر إني لأول الناس تنشق الأرض عن جمجمته، فذكر في الخبر كلاما، ليس في رواية حميد عن أنس، وكذلك في خبر معبد بن هلال، إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض، فالتأليف بين هذه الأخبار أن النبي ﷺ حدث بعض أصحابه - أنس فيهم - فسمع من النبي ﷺ بعض الخبر، واستثبت في باقي الخبر واستفهمه ممن كان أقرب من النبي ﷺ في المجلس وأكبر منه سنا وأحفظ وأوعى للحديث منه، فروى الحديث بطوله، قد سمع بعضه وشهد المجلس الذي حدث النبي ﷺ بهذا الحديث، فحدث بالحديث بتمامه، سمع بعضه من النبي ﷺ وبعضه ممن حفظه من النبي ﷺ، ووعاه عنه كما يقول بعض رواه الحديث: حدثني فلان واستثبته من فلان، يريد خفي علي بعض الكلام، فثبتني فلان لأن قول من استفهم أنسا "أسمعت هذا من رسول الله ﷺ " ظاهره يدل على أن المستفهم إنما استفهمه أسمعت جميع هذا الخبر من رسول الله ﷺ، وأجاب أنس، ليس كل ما نحدث سمعناه من رسول الله ﷺ، ولم يقل أنس: لم أسمع هذا الحديث من رسول الله ﷺ، وقال غيره في أول الخبر: سمعت رسول الله ﷺ، لكان هذا كلاما صحيحا جائزا، إذ غير جائز في اللغة أن يقول القائل سمعت من فلان قراءة سورة البقرة، وقد سمع قراءته لبعضها، وكذلك جائز أن يقول القائل سمعت من فلان قراءة سورة البقرة، وإنما سمع بعضها لا كلها على ما قد أعلمت من مواضع من كتبنا أن الاسم قد يقع على الأشياء ذي الأجزاء أو الشعب على بعض الشيء دون بعض، كذلك اسم الحديث قد يقع على بعض الحديث كما يقع الاسم على الكل، فافهموه لا تغالطوا.
10 - (459): حدثنا محمد بن بشار بندار ومحمد بن رافع، وهذا حديث بندار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا ابن عجلان عن جوثة بن عبيد أن أنس بن مالك «رضي الله ع» عن النبي ﷺ قال: (يؤتى آدم "عليه السلام" يوم القيامة، فيقال: اشفع لذريتك، فيقول: لست بصاحب ذلك، ائتوا نوحا، فإنه أول الأنبياء وأكبرهم فيؤتى نوح فيقول: لست بصاحبه، عليكم بإبراهيم فإن الله اتخذه خليلا، فيؤتى إبراهيم فيقول: لست بصاحبه، عليكم بموسى فإن الله كلمه تكليما، قال: فيؤتى موسى فيقول: لست بصاحبه عليكم بعيسى، فإنه روح الله وكلمته، فيؤتى عيسى فيقول: لست بصاحب هذا ولكن أدلكم على صاحبه، ولكن ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء، قال: فأوتى فأستفتح فإذا نظرت إلى الرحمن وقعت له ساجدا، فيقال لي: ارفع رأسك يا محمد، وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه، فأقول: يا رب أمتي، قال: فيقال: اذهبوا فلا تدعوا في النار أحدا في قلبه مثقال دينار إيمان إلا أخرجتموه، ويخرج ما شاء الله، ثم أقع الثانية ساجدا، قال: فيقال: ارفع يا محمد، فقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه، فأقول: أي رب، أمتي، قال: فيقال: اذهبوا فلا تدعوا في النار أحدا في قلبه نصف دينار إيمان إلا أخرجتموه، قال: فيخرج بذلك ما شاء الله، قال: ثم أقع الثالثة ساجدا قال: فيقال: ارفع رأسك يا محمد، وقل يسمع لك واشفع تشفع وسل تعطه، قال: فأقول: يارب أمتي، فيقول: اذهبوا فلا تدعوا في النار أحدا في قلبه مثقال ذرة إيمان إلا أخرجتموه، قال: فلا يبقى إلا من لا خير فيه - قال لنا بندر مرة: ائتوا عيسى، وقال: فيقول: لست بصاحب ذلك، وقال: مثقال ذرة من إيمان، سمعته من بندر مرتين، مرة في كتاب القواعد، ومرة في كتاب ابن عجلان.
قال أبو بكر: قد اختلفوا في اسم هذا الشيخ، فقال بعضهم: جوثة بن عبيد، ثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن يزيد بن أبي حبيب حدثه أن جوثة بن عبيد الأيلى أنه سمع أنس بن مالك يقول: (إن الله إذا قضى بين خلقه فأدخل أهل الجنة، الجنة وأدخل أهل النار النار، سجد محمد ﷺ فأطال السجود، فينادى ارفع رأسك يا محمد، اشفع تشفع وسل تعطه، فيرفع رأسه فيقول: يا رب أمتي، فيقول الله تعالى «عَزَّ وجَلّ» للملائكة: أخرجوا لمحمد ﷺ من أمته من كان في قلبه قيراط من إيمان، فيخرجون، ثم يسجد الثانية أطول من سجدته الأولى، قال: فيقال: ارفع رأسك، اشفع تشفع وسل تعطه، فأقول: يا رب أمتي فيقول الله «عَزَّ وجَلّ» للملائكة: أخرجوا من أمته من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، ثم يسجد الثالثة أطول من سجدته، فينادى ارفع رأسك، اشفع تشفع وسل تعطه، فيقول: يا رب أمتي، فيقول الله للملائكة: أخرجوا لمحمد ﷺ من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيعرضون عليه فيخرجونهم قد اسودوا وعادوا كالنصال المحرقة، فيدخلون الجنة فينادي بهم أهل الجنة فيقولون: من هؤلاء الذين آذانا ريحهم؟ فتقول الملائكة: هؤلاء الجهنميون، وقد أخرجوا بشافعة محمد ﷺ، فيذهب بهم إلى نهر الحيوان فيغسلون ويتوضأون فيعودون أناسا من الناس غير أنهم يعرفون. فقلت: يا أبا حمزة، وما الحيوان؟ قال: نهر من أنهار الجنة، هو من أدناها.
قال أبو بكر: هذه اللفظة (قد اسودوا وعادوا كالنصال) من الجنس الذي أقول أن العود قد يكون بدءا، لأن أهل النار لم يكونوا سودا كالنصال قبل أن يدخلوا النار، وإنما اسودوا بعدما احترقوا في النار، فمعنى قوله: (وعادوا كالنصال المحرقة) أي صاروا كالنصال المحرقة، فأوقع اسم العود وإنما معناه صاروا.
قال أبو بكر: هذا الشيخ هو جَوْثَة بن عبيد، كما قاله عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب، وقد وروى عياش بن عقبة الحضرمي عنه خبرا آخر: حدثناه أبو هاشم زياد بن أيوب قال: ثنا أبو عبد الرحمن المقرى قال: ثنا عياش بن عقبة الحضرمي وكان من أفاضل من لقيت بمصر قال: سمعت جوثة بن عبيد الأيلي يحدث عن أنس بن مالك قال: (سمعت رسول الله ﷺ يقول: (سيقرأ القرآن رجال لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية).
باب ذكر البيان أن المقام الذي يشفع فيه النبي ﷺ لأمته هو المقام المحمود الذي وعده الله «عَزَّ وجَلّ» في قوله عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا
وهذه اللفظة عندي من الجنس الذي قال بعض العلماء: عسى من الله واجب، لا على الشك والارتباب مما يجوز أن لا يكون.
1 - (460): حدثنا إسماعيل بن حفص بن عمرو بن ميمون قال: أخبرنا أبو أسامة وثنا مسلم بن جنادة قال: ثنا حماد - يعني أبا أسامة - عن داود الأودي عن أبيه عن أبي هريرة «رضي الله ع» عن النبي ﷺ في قوله { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } قال: (هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي). هذا لفظ إسماعيل.
2 - (461): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عثمان بن عمر قال: ثنا عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد - وهو ابن أبي حبيب - عن معاوية بن معتب أو مغيث - شك عثمان - عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: (قلت: يا رسول الله ما رد إليك ربك في الشفاعة، قال: قد ظننت أنك أول من يسألني عنها من حرصك على العلم، وشفاعتي لأمتي من كان منهم يشهد أن لا إله إلا الله، يصدق قلبه لسانه أو لسانه قلبه).
3 - (462): وروى رشدين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس في قوله: قوله: { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } قال: المقام المحمود مقام الشفاعة؛
حدثناه محمد بن يحيى، قال: ثنا مؤمل بن الفضل قال: ثنا عيسى بن يونس، عن رشدين.
4 - (463): حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: أخبرنا أبي وشعيب قالا: أخبرنا الليث عن عبيدالله بن أبي جعفر قال: سمعت حمزة بن عبد الله يقول: سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله ﷺ: (ما يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم، وقال إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم، فيقول: لست صاحب ذلك، ثم موسى فيقول كذلك، ثم بمحمد ﷺ فيشفع بين الخلق، فيمشي، يأخذ بحلقة الجنة، فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم).
باب ذكر الدليل أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري لها إلى هذا الموضع في شفاعة النبي ﷺ في إخراج أهل التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة مرادها خاص
قوله: (أخرجوا من النار من كان في قلبه وزن كذا من الإيمان) أن معناه بعض من كان في قلبه قدر ذلك الوزن من الإيمان، لأن النبي ﷺ قد أعلم أنه يشفع ذلك اليوم أيضا غيره، فيشفعون، فيأمر الله أن يخرج من النار بشفاعة غير نبينا محمد ﷺ من كان في قلوبهم من الإيمان قدر ما أعلم أنه يخرج بشفاعة نبينا محمد ﷺ، اللهم إلا أن يكون من يشفع من أمة النبي ﷺ إنما يشفع بأمره، كخبر آدم بن علي عن ابن عمر، وجائز أن تنسب الشفاعة إلى النبي ﷺ لأمره بها، كما بينت في مواضع من كتبي أن العرب تضيف الفعل إلى الآمر كإضافتها إلى الفاعل، ومعروف أيضا في لغة العرب الذين بلغتهم خوطبنا أن يقال أخرج الناس من موضع كذا وكذا والقوم أو من كان معه كذا أو عنده كذا، وإنما يراد بعضهم لا جميعهم، لا ينكر من يعرف لغة العرب أنها بلفظ عام يريد الخاص، قد بينّا في هذا النحو من كتاب ربنا وسنة نبينا المصطفى ﷺ في كتاب معاني القرآن وفي كتبنا المصنفة من المسند في الفقه ما في بعضه الغنية والكفاية لمن وفق لفهمه، كان معنى الأخبار التي قدمت ذكرها في شفاعة النبي ﷺ عندي خاصة: معناها أخرجوا من النار من كان في قلبه من الإيمان كذا، أي غير من قضيت إخراجهم من النار بشفاعة غير النبي ﷺ من الملائكة والصديقين والشفعاء غيره ممن كان لهم إخوة في الدنيا يصلون معهم ويصومون معهم ويحجون معهم ويغزون معهم، قد قضيت أني أشفعهم فيهم، فأخرجوهم من النار بشفاعتهم، في خبر حذيفة بشفاعة الشافعين، قد خرجته قبل هذا الباب بأبواب.
1 - (464): فحدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا جعفر بن عوف، ثنا هشام بن سعد، قال: ثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: (قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة)؟ فذكر الحديث بطوله، وقال: ثم يضرب الجسر على جهنم، قلنا: وما الجسر يا رسول الله، بأبينا أنت وأمّنا؟ قال: دحض مزلة له كلاليب وخطاطيف وحسكة تكون بنجد، عقيفا يقال لها السعدان، فيمر المؤمنون كلمح البرق وكالطرف وكالريح وكالطير وكأجود الخيل والراكب، فناج مسلّم ومخدوش مرسل ومكدوش في نار جهنم، والذي نفسي بيده ما أحدكم بأشد مناشد في الحق يراه من المؤمنين في إخوانهم إذا رأوا أن قد خلصوا من النار، يقولون: أي ربنا، إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا قد أخذتهم النار، فيقول الله لهم: اذهبوا فمن عرفتم صورته فأخرجوه، وتحرم صورتهم، فيجد الرجل قد أخذته النار إلى قدميه، وإلى أنصاف ساقيه، وإلى ركبتيه، وإلى حقويه، فيخرجون منها بشرا كثيرا، ثم يعودون فيتكلمون فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قيراط خير فأخرجوه، فيخرجون منها بشرًا كثيرا، ثم يعودون فيتكلمون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف قيراط من خير فأخرجوه، فيخرجون بشرا كثيرا ثم يعودون فيتكلمون فلا يزال يقول ذلك لهم حتى يقول اذهبوا، فأخرجوا من وجدتم في قلبه مثقال ذرة فأخرجوه) وكان أبو سعيد إذا حدث بهذا الحديث يزيد "يقول" - قال أبو بكر: لم أجد في كتابي يقول - إن لم تصدقوا فاقرءوا: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) - قرأ إلى قوله - (عظيما) فيقولون: ربنا لم نذر فيها خيرا، فيقول: هل بقي إلا أرحم الراحمين، قد شفعت الملائكة وشفع الأنبياء وشفع المؤمنون، فهل بقي إلا أرحم الراحمين، قال: فيأخذ قبضة من النار فيخرج قوما قد صاروا حممة لم يعملوا له عمل خير قط، فيطرحوا في نهر يقال له نهر الحياة، فينبتون فيه والذي نفسي بيده كما تنبت الحِبّة في حَمِيْل السيل، ثم ذكر محمد بن يحيى باقي الحديث، خرجته بتمامه في كتاب الأهوال.
2 - (465): (حدثنا محمد بن يحيى)، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم بهذا الإسناد، فذكر نحو هذه القصة خرجته في باب آخر بعد، غير أنه لم يذكر الجسر، ولا صفة المرور عليه، وإنما قال: (إذا خلص المؤمنون من النار وأمنوا، فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا) ثم ساق ما بعد هذا من الحديث.
قال أبو بكر: هذه اللفظة (لم يعملوا خيرا قط) من الجنس الذي يقول العرب: ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل، لم يعملوا خيرا قط، على التمام والكمال، لا على أوجب عليه وأمر به، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي.
3 - (466): حدثنا أبو موسى، قال: ثنا ربعي بن عليه، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ - فذكر الحديث بطوله حديث هشام بن سعد وقال: فما أحدكم في حق يعلم أنه حق له بأشد مناشدة منهم لإخوانهم الذين سقطوا في النار، يقولون: أي رب، كنا نغزو جميعا ونحج جميعا ونعتمر جميعا، فبما نجونا اليوم وهلكوا، قال: فيقول الله : انظروا من كان في قلبه زنة دينار من الإيمان فأخرجوه، قال: فيخرجون، قال: ثم يقول: انظروا من كان في قلبه قيراط من الإيمان فأخرجوه، قال: فيخرجون، قال: ثم يقول: انظروا من كان في قلبه مثقال حبة خردل من الإيمان، فأخرجوه - قال أبو سعيد: بيني وبينكم كتاب الله - قال عبد الرحمن: فأظنه يعني قوله { وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } قال: فيطرحون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحِبَّة في حَمِيْل السيل، ألم تروا ما يكون من النبت إلى الشمس يكون أخضر وما يكون إلى الظل يكون أصفر، قال: يا رسول الله، كأنك قد رعيت الغنم؟ قال: نعم قد رعيت الغنم).
4 - (467): حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا يحيى - يعني ابن بكير - قال: حدثني الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم، بهذا الإسناد بالخبر بطوله.
باب ذكر البيان أن الصديقين يتلون النبي ﷺ في الشفاعة يوم القيامة ثم سائر الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين يتلون الصديقين ثم الشهداء يتلون الأنبياء عليهم السلام إن صح الحديث
1 - (468): حدثنا أحمد بن سعيد الدرامي وأحمد بن منصور المروزي: قال الدرامي حدثني؛ وقال المرزوي أخبرنا؛ النضر بن شميل، قال: أخبرنا أبو نَعامَة، قال: ثنا أبو هُنَيْدة البراء بن نوفل عن والان عن حذيفة عن أبي بكر الصديق قال: (أصبح رسول الله ﷺ ذات يوم، فصلى الغداة ثم جلس حتى إذا كان من الضحى ضحك رسول الله ﷺ، ثم جلس مكانه حتى صلى الأولى والعصر والمغرب، كل ذلك لا يتكلم حتى صلى العشاء الآخرة، ثم قام إلى أهله، فقال الناس لأبي بكر: سل رسول الله ﷺ ما شأنه، صنع اليوم شيئا لم يصنعه قط، فقال: نعم، فسأله، فقال: عرض على ما هو كائن من أمر الدنيا والآخرة، يجمع الأولون والآخرون بصعيد واحد، ففظع الناس بذلك حتى انطلقوا إلى آدم والعرق يكاد يلجمهم، فقالوا: يا آدم، أنت أبو البشر وأنت اصطفاك الله، اشفع لنا إلى ربك، فقال: لقد لقيت مثل الذي لقيتم، انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم، إلى نوح، إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم (وآل عمران) على العالمين، فينطلقون إلى نوح فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، فأنت اصطفاك الله واستجاب لك في دعائك ولم يدع على الأرض من الكافرين ديارا، فيقول: ليس ذاكم عندي، انطلقوا إلى إبراهيم فإن الله اتخذه خليلا، فيأتون إبراهيم فيقول: ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى موسى فإن الله كلمه تكليما، فيقول موسى: ليس ذاك عندي، ولكن انطلقوا إلى عيسى بن مريم فإنه كان يبرئ الأكمه والأبرص (ويحيي الموتى) فيقول عيسى: ليس ذاك عندي، ولكن انطلقوا إلى سيد ولد آدم وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، انطلقوا إلى محمد ﷺ، فليشفع لكم إلى ربكم، قال: فينطلق فيأتي جبريل ربه، فيقول الله : ائذن له وبشره بالجنة، قال: فينطلق به جبريل، فيخرّ ساجدا قدر جمعة، ثم يقول الله «عَزَّ وجَلّ»: ارفع رأسك يا محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، قال: فيذهب ليقع ساجدا، قال: فيأخذ جبريل بضبعيه، فيفتح الله عليه من الدعاء شيئا لم يفتحه على بشر قط، فيقول: أي رب، جعلتني سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، حتى أنه ليرد على الحوض أكثر مما بين صنعاء وأيلة، ثم يقال: ادع الصديقين ليشفعوا، ثم يقال: ادع الأنبياء، قال: فيجئ النبي ومعه العصابة، والنبي ومعه الخمسة والستة، والنبي وليس معه أحد، ثم يقال: ادع الشهداء، فيشفعون لمن أرادوا، فإذا فعلت الشهداء ذلك، قال: يقول الله : أنا أرحم الراحمين، أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بالله شيئا، قال: فيدخلون الجنة، قال فيقول الله : انظروا في النار هل تلقون من أحد عمل خيرا قط؟ قال: فيجدون في النار رجلا، فيقال له: هل عملت خيرا قط؟ فيقول: لا، غير أني كنت أسامح الناس في (البيع والشراء) قال: فيقول الله «عَزَّ وجَلّ»: اسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي، ثم يخرجون من النار رجلا آخر فيقال له: هل عملت خيرا قط؟ قال: لا، غير أني أمرت ولدى إذا أنا متّ فأحرقوني بالنار، ثم اطحنوني حتى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر، فاذروني في الريح (والله لا يقدر علي رب العالمين أبدا) فقال الله، لم فعلت ذلك؟ قال: من مخافتك، قال: فيقول تعالى: انظر إلى ملك أعظم ملك، فإن لك عشرة أضعاف ذلك، قال: فيقول أتسخر بي وأنت الملك! فذاك الذي ضحكت منه (من الضحى). هذا لفظ حديث أحمد بن منصور.
قال أبو بكر: إنما استثنيت صحة الخير في الباب، لإني في الوقت الذي ترجمت الباب لم أكن أحفظ في ذلك الوقت عن والان خبرا غير هذا الخبر، فقد روى عنه مالك بن عمير الحنفي، غير أنه قال العجلي لا العدوي.
2 - حدثنا علي بن سعيد بن مسروق الكندي، قال: ثنا عبد الرحيم - يعني ابن سليمان - عن إسماعيل بن سميع الحنفي؛
عن مالك بن عمير الحنفي عن والان العدوي قال: رجعت إلى داري فإذا شاة من غنمي لبون قد ذبحت، وإذا النسوة مطبقات بها، فقلت: ما شأنها؟ فقالوا: عرض لها، فقلت: من ذبحها؟ قالوا: غلامك هذا، فقلت: والله ما يحسن يصلي ولا يحسن يدعو، وكان سبيا، فقالوا: إنا قد علمناه وقد سمى، فما نزلت عن بغلتي حتى أتيت عبد الله، فذكرت ذلك له فقال: كلها.
باب ذكر كثر من يشفع له الرجل الواحد من هذه الأمة مع الدليل على صحة ما ذكرت قبل أن يشفع يوم القيامة غير الأنبياء عليهم السلام
1 - (469): حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى، قال: ثنا بشر؛
2 - وثنا أحمد بن المقدام، قال: ثنا بشر بن المفضل قال: ثنا خالد، عن عبد الله ابن شقيق، قال: جلست إلى قوم أنا رابعهم، فقال أحدهم: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثرُ من بني تميم. قال: قلنا: سواك يا رسول الله، قال: سواي) قلت: أنت سمعت هذا من رسول الله ﷺ، قال: نعم، فلما قام قلت: من هذا، قال: هذا ابن أبي الجدعاء.
3 - (470): حدثنا محمد بن الوليد، قال: ثنا محمد - يعني ابن جعفر - قال: ثنا شعبة، قال: ثنا خالد، عن عبد الله بن شقيق عن رجل من أصحاب النبي ﷺ يقال له ابن أبي الجدعاء قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم). قال أبو بكر: قال محمد: هكذا يقال له ابن أبي الجدعاء.
4 - (471): حدثنا سَلْم بن جُنَادة، قال: ثنا أبو معاوية قال: ثنا داود، عن عبد الله بن قيس النّخَعي، عن الحارث بن أُقَيْش قال: قال رسول الله ﷺ: (ما من مسلِمَيْن يقدمان ثلاثة لم يبلغوا الحنث، إلا أدخلهم الله الجنة بفضل رحمته إياهم، قالوا: يا رسول الله، وذو الاثنين؟ قال: وذو الاثنين، قال: وقال رسول الله ﷺ: (إن من أمتي من سيعظم للنار حتى يصير مثل أحد زواياها، وإن من أمتي من سيدخل الله بشفاعته الجنة - يعني - أكثر من مضر). قال أبو بكر: خرجت بعض طرق هذا الخبر في كتاب الجنائز.
5 - (472): حدثنا المنذر بن الوليد الجارودي، قال: حدثني أبي، قال: ثنا شعبة، عن داود، عن عبد الله بن قيس، عن الحارث بن أقيش، عن رسول الله ﷺ قال: (إن الرجل من أمتي ليدخل الجنة فيشفع لكثير من مضر، وإن الرجل من أمتي ليعظم للنار حتى يكون أحد زواياها، وما من مسلمين يقدمان أربعة من ولدهما إلا أدخلهما الله بفضل رحمته، فقالت امرأة: أو ثلاثة؟ قال: أو ثلاثة، قالت: أو اثنين؟ (قال: أو اثثنين). قال أبو بكر: قد أعلمت أن اسم الأمّة قد يقع على معنين: أحدهما من قد بعث النبي ﷺ إليه، وآخر من أجاب النبي ﷺ إلى ما دعاه إليه، وهذا الرجل الذي خبر النبي ﷺ أنه يعظم من أمته حتى بصير مثل أحد زوإياها يشبه أن يكون معناه من أمته ممن قد بعث النبي ﷺ إليهم، فلم يجيبوا إلى ما دعاهم إليه من الإيمان، لا من أمته الذين أجابوه فآمنوا به وارتكبوا بعض المعاصي.
6 - (473): حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن آدم بن علي، عن ابن عمر قال: (يقول النبي ﷺ للرجل: يا فلان، قم فاشفع، فيقوم الرجل فيشفع للقبيلة ولأهل البيت، وللرجل وللرجلين على قدر عمله). قال أبو بكر: إن للفظة التي في خبر أبي بكر الصديق «رضي الله ع» قبل ذكر الأنبياء معنين: أحدهما الصديقون من الأنبياء أي الأفضل منهم كما قال تعالى: { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض }، فيكون منهم صديقون بعد نبينا المصطفى ﷺ، ثم يقال: ادع الأنبياء أي غير الصديقين الذين قد شفعوا قبل، والمعنى الثاني أن الصديقين من هذه الأمة من يأمرهم النبي ﷺ بأن يشفعوا فتكون هذه الشفاعة التي يشفعها الصديقون من أمة النبي ﷺ بأمره شفاعة للنبي ﷺ مضافة إليه لأنه الآمر، كما قد أعلمت في مواضع من كتبي أن الفعل يضاف إلى الآمر كإضافته إلى الفاعل، فتكون هذه الشفاعة مضافة إلى النبي ﷺ، لأمره بها، ومضافة إلى المأمور بها، فيشفع لأنه الشافع بأمر النبي ﷺ.
7 - (474): حدثنا إسحاق بن منصور، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر قال: أخبرني ثابت البناني أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال النبي ﷺ: (إن الرجل يشفع للرجلين والثلاثة والرجل للرجل).
8 - (475): وروى مالك بن مغول عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: إن رسول الله ﷺ قال: (إن الرجل من أمتي ليشفع للفئام من الناس، فيدخلون الجنة بشفاعته).
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عثمان - يعين ابن عمر - قال: ثنا مالك، يعني ابن مغول.
9 - (476): ورواه يعقوب بن إسحاق الحضرمي، وزاد فيه زيادة - حدثناه بن حكيم، ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال: ثنا مالك بن مغول، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله ﷺ: (إن في أمتي لرجالا يشفع الرجل منهم في الفئام من الناس، ويدخلون الجنة بشفاعته، ويشفع الرجل منهم للرجال من أهل بيته فيدخلون الجنة بشفاعته).
10 - (477): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة عن منصور عن ربعي بن حِرَاش قال: لقيت عبد الله بن سلام فقال: ألا أحدثك حديثا أجده في كتاب الله «عَزَّ وجَلّ»: (إن الله يخرج قوما من النار حتى أن إبراهيم خليل الرحمن يقول: أي رب حرقت بني، فيخرجون).
11 - (478): ورواه معاوية بن صالح عن أبي عمران الفلسطيني عن يعلي بن شداد عن النبي ﷺ قال: (ليخرجن الله بشفاعة عيسى بن مريم ﷺ من جهنم مثل أهل الجنة):
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال: ثنا عمي قال: أخبرني معاوية. قال أبو بكر: لست أعرف أبا عمران الفلسطيني بعدالة ولا جرح.
12 - (479): ورواه سلام بن مسكين، قال: ثنا أبو ظلال القسملي عن أنس بن مالك عن النبي ﷺ قال: (يمكث رجل في النار فينادي ألف عام: يا حنان يا منان، فيقول الله : يا جبريل أخرج عبدي فإنه بمكان كذا وكذا، فيأتي جبريل النار، فإذا أهل النار منكبين على مناخيرهم، فيقول: يا جبريل اذهب فإنه بمكان كذا وكذا، فيخرجه، فإذا وقف بين يدي الله يقول الله : أي عبدي، كيف رأيت مكانك، قال: شر مكان، وشر مقيل، فيقول (الرب سبحانه وتعالى): ردوا عبدي، فيقول: يا رب، ما كان هذا رجائي، فيقول (الرب سبحانه وتعالى) أدخلوا عبدي الجنة):
ثناه أبو غسان مالك بن الخليل بن بشير بن نهيك، قال: ثنا مسلم - يعني ابن إبراهيم - قال: ثنا سلام.
باب ذكر ما يعطي الله «عَزَّ وجَلّ» من نعم الجنة وملكها تفضلا منه «عَزَّ وجَلّ» وسعة رحمته آخر من يخرج من النار فيدخل الجنة ممن يخرج من النار حبوا وزحفا لا من يخرج منها بالشفاعة بعد ما محشتهم النار وأماتهم فصاروا فحما قبل أن يخرجه الله بتفضيله وكرمه وجوده
1 - (480): حدثنا يوسف بن موسى قال: ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال رسول الله ﷺ: إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا، رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع، فيقول: يا رب، وجدتها ملأى، قال: فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع، فيقول: يا رب وجدتها ملأى، قال: فيقول : اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، (أو أن لك عشرة أمثال الدنيا). قال: فيقول: أتسخر بي أو تضحك بي وأنت الملك؟ قال: فلقد رأيت رسول الله ﷺ ضحك حتى بدت نواجذه قال: فكان يقال ذلك أدنى أهل الجنة منزلة".
2 - حدثنا الحسين بن عيسى، عن عبيدالله بن موسى عن إسرائيل عن منصور بهذا الإسناد مثله، وقال: فيقول: إن لك مثل الدنيا عشر مرار؛ لم يذكر ما بعده.
3 - حدثنا يوسف بن موسى، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش؛
4 - (481): وثنا طليق بن محمد الواسطي قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله، قال: قال رسول الله ﷺ: (إني لأعرف آخر أهل النار خروجا من النار، رجل يخرج منها زحف، فيقال له: انطلق فادخل الجنة، فيذهب فيدخل الجنة، فيجد الناس قد أخذوا المنازل، قال: فيرجع، فيقول: يا رب، قد أخذ الناس المنازل فيقال له: أتذكر الزمان الذي كنت فيه؟ فيقول نعم، فيقال له: تمنه، فيتمنى، فيقال له، فإن لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا، فيقول: أتسخر بي وأنت الملك؟ قال: فلقد رأيت رسول الله ﷺ ضحك، حتى بدت نواجذه).
5 - (482): حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: ثنا عفان، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة، وعبيدة، عن عبد الله (يرفع الحديث قال): إني لأعلم آخر أهل النار خروجا من النار، رجل يخرج من النار حبوا، فيقال له: ادخل الجنة، فيدخل وقد أخذ الناس مساكنهم، فيقول: أي رب لم أجد فيها مسكنا، فيقول الله له: ادخل الجنة، فإنا سنجعل لك فيها مسكنا، فيقول الله «عَزَّ وجَلّ»: فإن لك مثل الدنيا وعشرة أضعافها، قال: أي رب، أتسخر بي وأنت الملك؟ قال: فضحك رسول الله ﷺ حتى بدت نواجذه.
6 - حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا الأعمش عن إبراهيم … عن عبيدة عن عبد الله عن النبي ﷺ نحوه، هكذا ثنا بحديث أبي معاوية قال: نحوه.
7 - (483): حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني والحسين بن عيسى البسطامي، قالا: ثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك عن عبد الله بن مسعود، عن النبي ﷺ قال: (إن آخر من يدخل الجنة لرجل يمشي على الصراط، فيتلبط مرة، وقال الزعفراني: فينكب مرة، وقالا: فيمشي مرة وتسفعه مرة، فإذا جاوز الصراط، التفت، وقال: الله الذي نجاني منه - وقال الزعفراني: منك - وقال جميعا - لقد أعطاني الله ما لم يعط أحدا من الأولين والآخرين، فترفع له شجرة لينظر إليها، فيقول: يارب، أدنني من هذه الشجرة فأستظل بظلها وأشرب من مائها، فذكر الحديث بطوله خرجته في كتاب ذكر نعيم الآخرة، وفي الخبر فيقول: (يا رب أدخلني الجنة، قال: فيقول الله : ما يصريني منك؟ وقال الزعفراني: ما يصريك أي عبدي، أيرضيك أن أعطيك من الجنة مثل الدنيا ومثلها معها) ثم ذكر الحديث. قال أبو بكر: روى هذا الخبر حميد عن أنس، لم يذكر ابن مسعود في الإسناد، واختلف الناس أيضا عنه في رفعه:
8 - (484): فحدثنا محمد بن عمرو بن العباس، قال: ثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس، قال ابن أبي عدي: ثنا به مرتين مرة رفعه ومرة لم يرفعه، قال: إن آخر رجل يخرج من النار رجل يقول: يا رب، أخرجني من النار، لا أسألك غيره، قال: فإذا خرج من النار رفعت له شجرة بعد ما يخرج على أدنى الصراط، فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة، فأستظل بظلها وأشرب من مائها وآكل من ثمرها، فذكر الحديث بطوله وقال: يقول: يا ابن آدم مما يصريني منك، سلني من خيرات الجنة، فيسأله وهو ينظر إليها، فإذا انتهت نفسه، قال أنس: فسمعت من أصحابنا من قال لك ما سألت وعشرة أضعافه، ومنهم من قال لك ما سألت ومثله معه، قال: فيدخل الجنة، فلو نزل عليه جميع الناس أو جميع ولد آدم لأوسعهم طعاما وشرابا وخدما، لا ينقص مما عنده شيئا، فيقول في نفسه: ما جعلني الله آخر أهل الجنة إلا ليعطيني ما لم يعط غيري).
9 - (485): حديثا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: ثنا المعتمر قال: سمعت حميدا يحدث عن أنس أن آخر من يخرج من النار وآخر من يدخل الجنة رجل يقول له ربه «عَزَّ وجَلّ»: يا ابن آدم، ما تسألني، ما تسألني؟، فذكر الصنعاني الحديث بطوله، قال: فلو نزل به جميع أهل الأرض، أو قال: جميع بني آدم لأوسعهم طعاما وشرابا وخدما، لا ينقص مما عنده شيئا).
10 - (486): حدثني يوسف بن موسى، قال: ثنا علي بن جرير الخرساني، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن عمرو بن ميمون، أن ابن مسعود حدثهم أن رسول الله ﷺ قال: يكون في النار قوم ما شاء الله، ثم يرحمهم فيخرجهم، فيخرجون فيكونون في أدنى الجنة، فيغتسلون في نهر الحيوان ويسميهم أهل الجنة، الجهنميين، لو أضاف أحدهم أهل الدنيا لأطعهمهم وسقاهم وفرشهم ولحفهم، قال عطاء: وأحسبه قال: وزوجهم لا ينقصه الله شيئا). قال أبو بكر: خرجت خبر أبي عبيدة عن مسروق عن ابن مسعود مع تمام هذا الباب في كتاب ذكر نعيم الآخرة.
11 - (487): حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: ثنا المعتمر عن أبيه، قال ثنا أبو نضرة عن أبي سعيد أو جابر (أن نبي الله ﷺ خطب خطبة فأطالها، وذكر فيها أمر الدنيا والآخرة، فذكر أن أول ما هلك بنو إسرائيل أن امرأة الفقير كانت تكلفه من الثياب أو الصبغ، أو قال: من الصيغة ما تكلف امرأة الغني، فذكر امرأة من بني إسرائيل كانت قصيرة واتخذت رجلين من خشب وخاتما له غلق وطبق وحشته مسكا، وخرجت بين امرأتين طويلتين أو جسيمتين، فبعثوا إنسانا يتبعهم فعرف الطويلتين ولم يعرف صاحبة الرجلين من خشب، وذكر فيها أيضا آخر أهل النار خروجا من النار وأنه يرى شجرة فيسأل أن يجعل تحتها، فيقال له: لعلك تسأل غيرها، فيواثق أن لا يسأل غيرها، ثم يرى أخرى فيسأل أن يؤذن فيها، فيقال: ألم تواثقني أن لا تسأل غير الذي أعطيتك، فيواثق أيضا أن لا يسأل غيرها ثم يسأل) قال أبو المعتمر: وأعجبني هذا أنه يواثق فلا يفي، وهو يعطى الذي يسأل، ونحوا من هذا إن شاء الله.
12 - (488): وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضى الله عنهما عن النبي ﷺ، قال: (إن آخر رجلين يخرجان من النار فيقول الله «عَزَّ وجَلّ» لأحدهما: يا ابن آدم ما أعددت لهذا اليوم، هل عملت خيرا قط رجوتني أو خشيتني؟ فيقول: لا يارب، فيؤمر به على النار فهو أشد أهل النار حسرة، قال: فيقال للآخر يا ابن آدم، ماذا أعددت لهذا اليوم هل عملت خيرا قط؟ فيقول: لا يارب، غير أني أرجوك، فترفع له شجرة، فيقول: يارب أقررني تحت هذه الشجرة لأستظل بظلها وأشرب من مائها وآكل من ثمرتها، ويعاهده أن لا يسأله غيرها، فيقول، يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها، فيقول: بلى، ولكن هذه، فيقره تحتها، ويعاهده أن لا يسأله غيرها، قال: ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة وهي أحسن من الأولتين وأغدق ماء، فيقول: يارب أدنني من هذه، ويعاهده أن لا يسأله غير هذا، فيدينه فيسمع أصوات أهل الجنة، فلا يتمالك فيقول: أي رب أدخلني الجنة، فيقول الله عزوجل: سل وتمنه فيسأل ويتمنى مقدار ثلاثة أيام من الدنيا، ويلقنه مالا علم له به، فيسأل ويتمنى، فإذا فرغ قال: لك ما سألت، قال أبو سعيد: ومثله معه، وقال الجريري: وعشرة أمثاله معه، فقال أحدهما لصاحبه: حدث بما سمعت، وأحدث بما سمعت. حدثناه محمد بن يحيى، قال: ثنا حجاج بن منهال، (قال: ثنا) حماد ولم ينسبه، فهو ابن سلمة.
13 - (489): وحدثنا محمد، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا حماد عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة «رضي الله ع» أن النبي ﷺ قال بهذا الخبر، وقال في قول أبي سعيد وأبي هريرة «رضي الله ع» في اختلافهماكما قال حجاج، وقال: (مقدار ثلاثة أيام من الدنيا).
14 - وحدثنا الحسن الزعفراني، قال: ثنا عفان، قال: ثنا حماد بن سلمة.
15 - (490): وثنا محمد بن يحي، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت عن أنس أن رسول الله ﷺ قال: (يطول يوم القيامة على الناس، فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر ليشفع لنا). الحديث.
باب ذكر البيان أن الرجل الذي ذكرنا صفته وخبرنا أنه آخر أهل النار خروجا من النار ممن يخرج من النار زحفا لا ممن يخرج بالشفاعة وهو آخر أهل الجنة دخولا الجنة وأن من يخرج بالشفاعة يدخلون الجنة قبله وأن هذا الواحد يبقى بعدهم بين الجنة والنار ثم يدخله الله بعد ذلك الجنة بفضله ورحمته لا بشفاعة أحد ويعطيه تفضلا منه وكرما وجودا ما ذكر في الخبر من الجنة مع الدليل على أن الله عزوجل يخرج من النار ممن قد أحرقتهم النار خلا آثار السجود منهم قبل القضاء بين جميع الناس
1 - (491): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا أبو اليمان، قال: ثنا شعيب عن الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة رضى الله عنه أخبرهما (أن الناس قالوا للنبي ﷺ: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ - فذكر الحديث بطوله، خرجته في كتاب الأهوال، وفي الخبر - حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله، فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل الجنة دخولا الجنة، مقبل بوجهه على النار، فيقول: يا رب اصرف وجهي عن النار، فإنه قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها، فيقول الله سبحانه: فهل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك - فذكر بعض الحديث - وقال: ثم يأذن الله في دخول الجنة، فيقال له: تمن، فيتمنى حتى إذا انتهت به الأماني قال الله لك ذلك ومثله معه، قال أبو سعيد لأبي هريرة رضى الله عنه إن النبي ﷺ قد قال: قال الله لك ذلك وعشرة أمثاله، وقال أبو هريرة: لم أحفظ من النبي ﷺ إلا قول لك ذلك ومثله معه، قال أبو سعيد: أشهد أني سمعته يقول: وعشرة أمثاله.
2 - حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة رضى الله عنه.
3 - (492): وثنا محمد، قال: ثنا سليمان بن داود الهاشمي قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة رضى الله عنه أخبره قال: قال الناس يا رسول الله، وقال الهاشمي: إن الناس قالوا: يا رسول الله، قال محمد بن يحيى، وساقا جميعا الحديث بهذا الخبر، غير أنهما ربما اختلفا في اللفظة والشيء، والمعنى واحد.
باب ذكر البيان أن النار إنما تأخذ من أجساد الموحدين وتصيب منهم على قدر ذنوبهم وخطاياهم وحوباتهم التي كانوا ارتكبوها في الدنيا مع الدليل على ضد قول من زعم ممن لم يتحر العلم ولا فهم أخبار النبي ﷺ أن النار لا تصيب أهل التوحيد ولا تمسهم وإنما يصيبهم حرها وأذاها وغمها وشدتها مع الدليل على أنه قد يدخل النار بارتكاب المعاصي في الدنيا إذا لم يتفضل الله ولم يتكرم بغفرانها من كان في الدنيا يعمل الأعمال الصالحة من الصيام والزكاة والحج والغزو وكيف يأمن يا ذوي الحجا النار من يوحد الله ولا يعمل من الأعمال الصالحة شيئا
1 - (493): حدثنا مؤمل بن هشام اليشكر قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق قال: حدثني عبيدالله بن المغيرة بن معيقيب عن سليمان بن عمرو بن عبيد العتواري أحد بني ليث وكان في حجر أبي سعيد قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (يوضع الصراط بين ظهراني جهنم، عليه حسك السعدان، ثم يستجيز الناس، فناج مسلم مخدوج به ثم ناج ومحتبس ومنكوس فيها، فإذا فرغ الله من القضاء بين العباد يفقد المؤمنون رجالا كانوا معهم في الدنيا يصلون صلاتهم ويزكون زكاتهم ويصومون صيامهمم ويحجون حجهم ويغزون غزوهم، فيقولون: أي ربنا عباد من عبادك كانوا معنا في الدنيا، يصلون صلاتنا ويزكون زكاتنا ويصومون صيامنا ويحجون حجنا ويغزون غزونا، لا نراهم؟ قال: فيقال: اذهبوا إلى النار فمن وجدتم فيها منهم فأخرجوه، فيجدونهم قد أخذتهم على قدر أعمالهم، فمنهم من أخذتهم إلى قدميه ومنهم من أخذته إلى ساقيه ومنهم من أخذته إلى ركبتيه ومنهمم من أخذته إلى ثديه ومنهم من أخذته إلى عنقه ولم تغش الوجه، فيستخرجونهم منها فيطرحونههم في ماء الحيا، قيل: وما ماء الحيا يا نبي الله؟ قال: غسل أهل الجنة، فينبتون فيها كما تنبت الزرعة في غثاء السيل ثم يشفع الأنبياء فيمن كان يشهد أن لا إله إلى الله مخلصا، فيستخرجونهم منها، ثم يتجلى الله برحمته على من فيها فما يترك فيها عبد في قلبه مثقال ذرة من الإيمان إلا أخرجه منها).
2 - (494): وحدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ، بطوله أمليته في كتاب الأهوال، وفي الخبر: (فيعرفونهم بصورهم، لا تأكل النار صورهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته إلى كعبيه، فيخرجونهم. قال أبو بكر: وقال هشام بن سعد عن زيد بن أسلم في هذا الخبر في هذا الإسناد: فيجد الرجل قد أخذته النار إلى قدميه وإلى أنصاف ساقيه وإلى ركبتيه وإلى حقويه، فيخرجون منها بشرا كثيرا؛ خرجته أيضا في كتاب الأهوال، وفي خبر أبي مسلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي ﷺ (ولكن أقواما تصيبهم النار بذنوبهم وبخطاياهم) قد أمليته قبل.
3 - حدثنا بشر بن معاذ العقدى، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد؛
4 - (495): وحدثنا أبو موسى، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا سعيد عن قتادة، عن أبي نضرة، عن سمرة بن جندب، أن رسول ﷺ قال: (منهم من تأخذه النار إلى كعبيه ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه ومنهم من تأخذه إلى حجزته ومنهم من تأخذه إلى ترقوته)؛ هذا حديث يزيد بن زريع، لم يذكر أبو موسى الكعبين، وقال في أحدهما: (حقويه) وقال الاخر: (حجزته).
قال أبو بكر: قد روينا أخبارا عن النبي ﷺ يحسب كثير من أهل الجهل والعناد أنها خلاف هذه الأخبار التي ذكرناها مع كثرتها وصحة سندها وعدالة ناقليها في الشفاعة وفي إخراج بعض أهل التوحيد من النار بعدما ادخلوها بذنوبهم وخطاياهم، وليست بخلاف تلك الأخبار عندنا بحمد الله ونعمته، وأهل الجهل الذين ذكرتهم في هذا الفصل صنفنان: صنف منهم الخوارج والمعتزلة أنكرت إخراج أحد من النار ممن يدخل النار وأنكرت هذه الأخبار التي ذكرناها في الشفاعة، الصنف الثاني: الغالية من المرجئة التي تزعم أن النار حرمت على من قال لا إله إلا الله، تتأول هذه الأخبار التي رويت عن النبي ﷺ في هذه اللفظة على خلاف تأويلها.
فأول ما نبدأ بذكر الأخبار بأسانيدها وألفاظ متونها، ثم نبين معانيها بعون الله ومشيئته ونشرح ونوضح أنها ليست بمخالفة للأخبار التي ذكرناها في الشفاعة وفي إخراج من قضى الله إخراجهم من أهل التوحيد من النار.
فمنها الأخبار المأثورة عن النبي ﷺ: (لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان):
5 - (496): حدثناه أبو كريب محمد بن العلاء بن كريب ثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: (لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبر - وقال مرة - شرك، ولا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان).
6 - (497): حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا أبو داود: ثنا شعبة عن أبان بن تغلب عن فضيل عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر).
7 - حدثنا أحمد بن عبد الله بن علي بن سويد بن منجوف، قال: ثنا روح قال: ثنا شعبة، بهذا الإسناد مثله سواء؛
8 - (498): وحدثنا محمد بن بشار قال: ثنا يحيى بن حماد، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرنا أبان بن تغلب عن فضيل بن عمرو، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله عن النبي ﷺ قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من ايمان).
9 - (499): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا حرمي بن حفص بن عمارة العتكي قال: ثنا عبد العزيز بن مسلم، قال: ثنا سليمان الأعمش؛ بمثل حديث أبي بكر ابن عياش في إسناده، وقال: (مثقال حبة خردل من كبر) ولم يشك.
10 - حدثناه أبو موسى قال: ثنا عيسى بن إبراهيم قال: ثنا عبد العزيز بن مسلم عن الأعمش بهذا الخبر مرفوعا.
11 - (500): (ومنها أيضا) ما حدثنا أيضا علي بن عيسى البزاز البغدادي قال: ثنا عبد الوهاب - يعني ابن عطاء - قال: أخبرنا سعيد عن قتادة، عن مسلم بن يسار، عن حمران بن أبان، عن عثمان بن عفان «رضي الله ع» عن عمر بن الخطاب «رضي الله ع» قال: (سمعت رسول الله ﷺ يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه فيموت على ذلك إلا حرم على النار: لا إله إلا الله).
12 - (501): حدثنا محمد بن أبان، عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: ثنا محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: (لن يوافي عبد يوم القيامة وهو يقول لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله إلا حرم على النار). قال الزهري: ثم نزلت بعد ذلك فرائض وأمور نرى أن الامر انتهى إليها فمن استطاع أن لا يفتر فلا يفتر.
قال أبو بكر: فاسمعوا الدليل البين الواضح أن النبي ﷺ إنما أراد بقوله في هذا الخبر (حرم على النار) أي حرم على النار أن تأكله، لا أنه حرم على النار أن تؤذيه أو تمحشه أو تمسه، لأن النار إذا أكلت ما يلقى فيها يصير المأكول نارا ثم رمادا، وأهل التوحيد وإن دخلوا النار بذنوبهم وخطاياهم لا تأكلهم النار أكلا يصيرون جمرا ثم رمادا، بل يصيرون فحما، كما ذكرنا في الأخبار التي قدمنا ذكرها في أبواب الشفاعات، والشيء إذا احترق كله فصار جمرا بعد احتراق الجميع يصير بعد الجمر رمادا، لا يصير فحما إذا احترق احتراقا ناعما، فافهموا هذا الفصل، لا تغالطوا فتصدوا عن سواء السبيل، وكل ما يذكر من الأخبار من هذا الجنس على هذا المعنى فافهموه.
13 - (502): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا سليمان بن داود الهاشمي قال: ثنا إبراهيم - يعني ابن سعد - عن ابن شهاب قال: أخبرني محمود بن ربيع الأنصاري أنه عقل رسول الله ﷺ، وعقل مجة مجها رسول الله من دلو من بئر كانت في دارهم في وجهه، فزعم محمود أنه سمع عتبان بن مالك الأنصاري، وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله ﷺ، فذكر محمد بن يحيى الحديث بطوله، وفي الخبر فقال رسول الله ﷺ: (فإن الله قد حرم على النار أن تأكل من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله).
14 - (503): حدثنا محمد بن أبي صفوان الثقفي، قال: ثنا بهز بن أسد قال: ثنا حماد ابن سلمة، قال: ثنا ثابت، عن أنس قال: ثنا عتبان بن مالك أنه عمِي، فأرسل إلى رسول الله ﷺ، فذكر الحديث وفيه (فابن لي مسجدا أو خط لي مسجدا) فجاء رسول الله ﷺ وجاء قومه، وتغيب رجل منهم يقال له (مالك الدخشمي أو) مالك بن الدخشم، قالوا: يا رسول الله، إنه، وانه، يقعون فيه، قال: فقال رسول الله ﷺ: (أليس يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ قال: إنما يقولها متعوذا، قال: والذي نفسي بيده، لا يقولها أحد صادقا إلا حرمت عليه النار).
15 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثنا أبي قال: ثنا حماد؛
16 - (504): وثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن انس، أن عتبان بن مالك عمِي فأرسل إلى رسول الله ﷺ (أن تعال فخط لي مسجدا في داري، فجاء رسول الله ﷺ واجتمع إليه قومه وتغيب مالك بن الدخشم، فذكروا مالكا فوقعوا فيه فقالوا: يا رسول الله إنه منافق، فقال رسول الله ﷺ: (أليس يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ قالوا: بلى، إنما يقولها تعوذا، قال: والذي نفسي بيده لا يقولها أحد صادقا إلا وجبت له الجنة وحرمت عليه النار). وهذا حديث محمد بن يحيى.
17 - حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا محمد بن عبد الله الخزاعي: قال: أخبرنا حماد، عن ثابت، عن انس، عن عتبان بن مالك أنه عمي فبعث إلى النبي ﷺ أن ائتني فصل في داري لعلي أتخذ مصلاك مسجدا؛ فذكر بمثله.
18 - (506): وثنا محمد، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس عن عتبان بن مالك الأنصاري وكان ضريرا، فقال: (يا رسول الله: تعال، فصل في داري حتى أتخذ مصلاك مسجدا) بمثله غير أنه قال: إلاحرمت عليه النار، ولم يقل: وجبت له الجنة.
19 - (507): حدثنا عبد الله بنا هاشم، قال: ثنا بهز - يعني ابن أسد - ثنا سليمان بن المغيرة، قال: ثنا ثابت عن أنس أن عتبان بن مالك اشتكى عينيه فبعث إلى رسول الله ﷺ، فذكر له ما أصابه، وقال: يا رسول الله تعال صل في بيتي حتى أتخذه مصلى، فجاء رسول الله ﷺ ومن شاء الله من أصحابه، فقام رسول الله ﷺ يصلي وأصحابه يتحدثون ويذكرون ما يلقون من المنافقين، وأسندوا عظم ذلك إلى مالك بن الدخشم، فانصرف رسول الله ﷺ وقال: أليس يشهد أن لا إله الله وأني رسول الله؟ قال قائل: بلى وما هو من قلبه، فقال رسول الله ﷺ: (من شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فلم تطعمه النار - أو قال - لن يدخل النار).
20 - (508): حدثنا زيد بن أخزم، قال ثنا عبد الصمد، قال سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك عن عتبان بن مالك أن النبي ﷺ قال: (من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فحرام على النار أن تطعمه).
قال أبو بكر: هذا الخبر، كأن أنس بن مالك سمعه من محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك، ثم سمعه من عتبان، فأمر ابنه بكتابته، كذلك حدثنا عتبة بن عبد الله قال: ثنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس، قال: ثنا محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك، حديثه في ابن الدخشم، قال أنس: فقدمت المدينة، فلقيت عتبانا، قال اأس: فأعجبني هذا الحديث فقلت لابني: اكتبه، فكتبه.
21 - (509): فحدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الرزاق قال: ثنا معمر عن الزهري قال: حدثني محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك، قال: أتيت رسول الله ﷺ فقلت: إني قد أنكرت بصري وإن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي. ولوددت أنك جئت فصليت في بيتي مكانا أتخذه مسجدا، فقال النبي ﷺ: أفعل إن شاء الله، قال: فمر النبي ﷺ على أبي بكر فاستتبعه فانطلق معه، فاستأذن فدخل (علي) فقال وهو قائم: أين تريد أن أصلي؟ قال: فأشرت له حيث أريد، قال: ثم حبسته على خزير صنعناه له، فسمع به أهل الوادي - يعني به أهل الدار - فثابوا إليه حتى امتلأ البيت، فقال رجل: أين مالك بن الدخشم، فقال رجل: إن ذلك رجل منافق، لا يحب الله ولا رسوله، فقال النبي ﷺ: لا تقول، وهو يقول لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله، فقال: يا رسول الله، أما نحن فنرى وجهه وحديثه إلى المنافقين، فقال النبي ﷺ أيضا: لا تقول، وهو يقول لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله، قال: بلى يا رسول الله، قال: فلن يوافى عبد يوم القيامة يقول لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله إلا حرم على النار). قال محمود: فحدثت بهذا الحديث نفرا فيهم أبو أيوب الأنصاري فقال ما أظن رسول الله ﷺ قال: ما قلت، قال: فآليت أن رجعت إلى عتبان بن مالك أن أسأله، فرجعت إليه فوجدته شيخا كبيرا أمام قومه وقد ذهب بصره، فجلست إلى جنبه فسألته عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثنيه أول مرة، قال معمر: فكان الزهري إذا حدث بهذا الحديث، قال: ثم نزلت فرائض وأمور نرى أن الامر انتهى إليها، فمن استطاع أن لا يفتر فلا يفتر.
22 - (510): ثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا إسحاق بن عيسى بن الطباع قال: أخبرني مالك، عن الزهري، عن محمود بن الربيع، الأنصاري، أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال: يا رسول الله، إنه يكون المطر والظلمة والسيل، وأنا رجل ضرير البصر، فصل يا نبي الله في بتي مكانا أتخذه مصلى، فجاءه رسول الله ﷺ وقال: أين تحب أن أصلي؟ فأشار إلى مكان من البيت، فصلى فيه رسول الله ﷺ.
قال أبو بكر: رواه مالك مختصرا، ولم يزد على هذا.
23 - (511): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا سليمان بن داود الهاشمي قال: أخبرنا إبراهيم - يعني ابن سعد - عن ابن شهاب، قال: أخبرني محمود بن ربيع الأنصاري أنه عقل رسول الله ﷺ، وعقل مجة مجها رسول الله ﷺ من دلو من بئر كانت في دارهم في وجهه، فزعم محمود أنه سمع عتبان بن مالك الأنصاري وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله ﷺ يقول: (كنت أصلي لقومي بني سالم فكان يحول بيني وبينهم واد وإذا جاءت الأمطار، قال: فيشق علي أن أجتازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله ﷺ فقلت له: إني قد أنكرت من بصري وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشق علي اجتيازه، فوددت أنك تأتيني فتصلي في بيتي، فثاب رجال منهم حتى كثر الرجال في البيت، فقال رجل منهم: أين مالك بن الدخشن أو الدخشم لا أراه؟ فقال رجل منهم: ذلك منافق لا يحب الله ولا رسوله، فقال رسول الله ﷺ لا تقل ذلك، ألا تراه يقول لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله، فقال: الله ورسوله أعلم، أما نحن فوالله لا نرى وده وحديثه إلا إلى المنافقين، فقال رسول الله ﷺ: فإن الله قد حرم على النار أن تأكل من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله). قال محمود بن ربيع: فحدثتها قوما فيهم أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله ﷺ في غزوته التي توفي فيها، ويزيد بن معاوية عليهم بأرض الروم، فأنكرها علي أبو أيوب فقال: والله ما أظن رسول الله ﷺ قال ما قلت قط، فكبر ذلك علي، فجعلت لله علي لئن سلمني حتى أقفل من غزوتي أن أسأل عنها عتبان بن مالك إن وجدته حيا في مسجد قومه، فقفلت، فأهللت من إيلياء بعمرة، ثم سرت حتى قدمت المدينة فأتيت بني سالم، فإذا عتبان بن مالك شيخ أعمى يصلي بقومه، فلما سلم من الصلاة سلمت عليه وأخبرته من أنا، ثم سألته عن ذلك الحديث، فحدثنيه كما حدثنيه أول مرة، قال محمد الزهري: ولكنا أدركنا الفقهاء وهم يرون أن ذلك كان قبل أنت تنزل موجبات الفرائض في القرآن فإن الله قد أوجب على أهل هذه الكلمة التي ذكرها رسول الله ﷺ وذكر أن النجاة بها فرائض في كتابه، نحن نخشى أن يكون الأمر صار إليها، فمن استطاع أن لا يفتر فلا يفتر).
24 - (512): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا أبو صالح قال: حدثني الليث قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري قال محمد بن يحيى بهذه القصة إلا أنه قال: أين مالك بن الدخشن؟ وزاد قال ابن شهاب: ثم سألت الحصين بن محمد الأنصاري وهو أحد بني سالم، وكان من سراتهم عن حديث محمود بن الربيع، فصدقه بذلك.
25 - (513): حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا ابن أبي عدي قال: أخبرنا شعبة عن خالد وهو الحذاء عن الوليد أبي بشر عن مران بن أبان عن عثمان عن النبي ﷺ قال: (من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة)؛
26 - حدثناه محمد بن عباد الواسطي قال: ثنا موسى بن داود قال: ثنا شعبة بهذا الإسناد، بمثله قال: (وهو يقول لا إله إلا الله دخل الجنة).
27 - (514): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله ﷺ: (من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صادقا من قلبه دخل الجنة) قال شعبة: لم أسأل قتادة أسمعه من أنس أو لا.
28 - (515): حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: ثنا المعتمر عن أبيه عن انس أنه ذكر له أن النبي ﷺ قال لمعاذ: " من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، قال: يا نبي الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: لا، إني اخاف أن يتكلوا".
29 - (516): حدثنا أبو الاشعث قال: ثنا المعتمر عن أبيه قال: ثنا أنس بن مالك قال: (ذكر لي أن رسول الله ﷺ قال لمعاذ بن جبل: من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، فقال: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: إني أخاف أن يتكلوا).
30 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سليمان - يعني التيمي - عن أنس قال: ذكر لي أن النبي ﷺ قال لمعاذ، لم أسمعه منه بمثله.
31 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: ثنا بشر ابن المفضل، قال: ثنا التيمي عن أنس قال: ذكر لي أن النبي ﷺ قال لمعاذ: (من لقي الله) بمثله.
32 - حدثنا أبو موسى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت أبا حمزة وهو جارهم يحدث أن انسا قال: قال رسول الله ﷺ لمعاذ بن جبل: (اعلم أنه من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة).
قال أبو بكر: قرأت على بندار أن ابن أبي عدي حدثهم عن شعبة عن صدقة عن أنس بن مالك عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله ﷺ: (من مات يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة).
قال أبو بكر: صدقة هذا رجل من آل أبي الاحوص، كذا كان في الكتاب علمي.
وروى سلمة بن وردان، وأنا أبرأ من عهدة هذا الخبر، عن أنس فأخطأ في هذا الإسناد، فزعم أن أنسا سمع هذا الخبر من معاذ بن جبل، ثم سمعه من النبي ﷺ:
33 - كذلك حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني سلمة بن وردان، قال: كنت جالسا مع أنس بن مالك الأنصاري فقال أنس: فجاء معاذ بن جبل الأنصاري من عند رسول الله ﷺ فقلت: (من أين جئت؟ فقال: من عند رسول الله ﷺ )، قلت: ماذا قال لك؟ قال: قال رسول الله ﷺ: (من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة فقلت: أنت سمعته، قال نعم، قال أنس: فقلت اذهب إلى رسول الله ﷺ فأسأله، فقال نعم، فأتاه فسأله فقال: صدق معاذ، صدق معاذ، صدق معاذ، ثلاثا).
34 - (517): حدثنا بشر بن خالد العسكري، قال: ثنا سعيد بن مسلمة، عن سلمة بن وردان، مولى خزاعة، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: أتاني معاذ بن جبل من عند رسول الله ﷺ فقلت (يا معاذ من أين جئت؟ قال: من عند رسول الله ﷺ ) قلت: ما قال؟ قال: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، قال أنس: سمعت هذا منه، قال: اذهب فسله، فأتيت النبي ﷺ فقلت: يا رسول الله، حدثني معاذ بن جبل أنك قلت: من قال لا إله إلا الله، مخلصا دخل الجنة قال: نعم، صدق معاذ، صدق معاذ، صدق معاذ.
35 - (518): حدثنا مؤمل بن هشام اليشكري، قال: ثنا إسماعيل عن يونس، عن حميد بن هلال، عن هصان بن الكاهن قال: دخلت مسجد البصرة على عهد عثمان بن عفان «رضي الله ع» فإذا رجل أبيض الرأس واللحية يحدث عن معاذ بن جبل عن رسول الله ﷺ أنه قال: ما من نفس تموت تشهد أن لا إله إلا الله وتشهد إني رسول الله يرجع ذاك إلى قلب موقن إلا غفر الله لها، قال: قلت: أنت سمعت ذلك من معاذ بن جبل، قال: كأن القوم عنفوني قال: لا تعنفوه أو لا تؤنبوه (دعوه) نعم، أنا سمعت ذا الخبر من معاذ بن جبل (يرويه) عن رسول الله ﷺ، كرر هذا مؤمل ثلاث مرات، قلت لرجل إلى جنبي: من هذا؟ قال: هذا عبد الرحمن بن سمرة.
حدثناه محمد بن بشار، قال: ثنا أبو زيد صاحب الهروي؛
36 - (519): وثنا أبو موسى، قال: ثنا سعيد بن الربيع، أبو زيد قال: ثنا شعبة، عن إسماعيل، قال: سمعت الشعبي، يحدث عن رجل، عن سُعدى امرأة طلحة بن عبيدالله أن عمر بن الخطاب «رضي الله ع» مر بطلحة بن عبيدالله حين استخلف أبو بكر، فقال: ما لي أراك كئيبا، لعلك كرهت إمارة ابن عمك، قال: لا، ولكن سمعت رسول الله ﷺ قال كلمة لم أسأله عنها حتى مات أو قبض، قال: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته، إلا كانت له نورا في صحيفته وان روحه وجسده ليجدان لها راحة عند الموت، إني لأعلم ما هي، هي لا إله إلا الله، كلمته التي أراد عمه عليها، قال: ما أراها إلا ذلك). هذا لفظ حديث بندار، وقال أبو موسى راحة عند الموت، فقال عمر: إني لأعلم ما هي لا إله إلا الله، هي الكلمة التي أراد عمه عليها، لا أراها إلا إياها.
قال أبو بكر: الذي أنكرت من رواية سلمة بن وردان أن ذكره أنه سمع أنس بن مالك، أنه سمع معاذ بن جبل يذكر هذا الخبر عن النبي ﷺ وأنه سأل النبي ﷺ عن ذلك، فصدق معاذ.
37 - قد حدث بهذا الخبر أيضا محمد بن يحيى قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سلمة، قال: سمعت أنسا؛
38 - وثنا محمد أيضا قال: ثنا جعفر بن عون قال: أخبرنا سلمة بن وردان، الحديث بتمامه.
قال أبو بكر: لست أنكر أن يكون أنس بن مالك قد سمع النبي ﷺ يقول: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة). في غير الوقت الذي ذكر سلمة بن وردان أنه أتى النبي ﷺ فسأله عما ذكر معاذ بن جبل عنه:
39 - (520): لأن ابن عزيز حدثني قال: حدثني سلامة عن عقيل عن ابن شهاب قال: قال أنس بن مالك الأنصاري: (بينا نحن مع النبي ﷺ هبط ثنية ورسول الله ﷺ يسير وحده، فلما استهلت به الطريق ضحك وكبر وكبرنا لتكبيره، فسار رتوة ثم ضحك وكبر، فكبرنا لتكبيره، ثم أدركناه، فقال القوم: كبرنا لتكبيرك ولا ندري مم ضحكت؟ فقال: أبشر وبشر أمتك أنه من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة، فضحكت وكبرت ربي، ثم سار رتوة، ثم التفت فقال: أبشر وبشر أمتك أنه من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة وقد حرم الله عليه النار، فضحكت وكبرت ربي وفخرت بذلك لأمتي).
قال أبو بكر: هذا خبر غريب، وإنما انكرت من خبر سلمة بن وردان أن ذكره أن أنسا سمع هذا الخبر من معاذ بن جبل، فإن سليمان التيمي - وهو أحفظ من عدد مثل سلمة وأعلم بالحديث من جماعة أمثال سلمة - رواه عن أنس قال: ذكر لي عن معاذ بن جبل، فأما من قال عن أنس عن معاذ فقد أعذر، ولم يذكر سماعا كذلك.
40 - رواه أيضا عبد العزيز بن صهيب عن أنس عن معاذ، لم يقل سمعت ولا ذكر لي.
(521): حدثناه أحمد بن عبده قال: أخبرنا حماد - يعني ابن زيد - عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك عن معاذ بن جبل قال: (قال لي رسول الله ﷺ ): "يا معاذ، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: بشر الناس أو قال أنذر الناس من قال لا إله إلا الله دخل الجنة".
41 - (522): حدثنا الربيع بن سليمان، قال: ثنا شعيب - يعني ابن الليث - قال: أخبرنا الليث عن محمد بن العجلان عن الصنابحي أنه قال: دخلت على عبادة بن الصامت وهو في الموت فبكيت، فقال: مهلا لم تبكي؟ فوالله لو أني استشهدت لأشهدن لك ولئن شفعت لأشفعن لك ولئن استطعت لانفعنك، ثم قال: والله ما من حديث سمعته من رسول الله ﷺ لكم فيه خير إلا حدثتكموه، إلا حديثا واحدا، وسوف أحدثكموه اليوم وقد أحيط بنفسي: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرمه الله على النار".
42 - (523): حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي قال: ثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب قال: حدثني محمد بن عجلان عن محمد ابن يحيى بن حبان عن عبد الله بن محيريز عن الصنابحي؛ فذكر بمثله إلا أنه قال: (من لقي الله يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله دخل الجنة).
43 - (524): حدثنا أبو موسى قال ثنا محمد بن جهضم قال: ثنا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عجلان عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز عن الصنابحي أنه سمع عبادة بن الصامت حين حضره الموت يقول: (والله ما كتمتك حديثا سمعته من رسول الله ﷺ لك فيه خير إلا حديثا واحدا: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " من لقي الله يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله دخل الجنة".
44 - (525): حدثنا إبراهيم بن المستمر بصري قال: ثنا بدل بن المحبر أبو المنير التميمي اليربوعي قال: ثنا المحرز بن كعب الباهلي قال: حدثني رياح بن عبيدة أن ذكوان السمان حدثه أن جابر بن عبد الله حدثه: (أن رسول الله ﷺ بعثه فقال اذهب فناد في الناس أن من شهد أن لا إله إلا الله موقنا أو مخلصا فله الجنة). فذكر الحديث بتمامه، في لقي عمر بن الخطاب «رضي الله ع» إياه ورده إلى رسول الله ﷺ وقوله: إن الناس قد حسوا أو طمعوا قال: اجلس.
قال أبو بكر: قال لنا محمد بن يحيى في هذا الخبر إن الناس قد طمعوا أو حسوا، قال اقعد.
45 - حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا حفص بن عمر، قال: ثنا المحرز بن كعب؛ قد أمليته في كتاب الإيمان.
46 - (526): وروى مستورد بن عباد الهنائي، قال: ثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: قال رجل: يا رسول الله، ما تركت من حاجة ولا داجة إلا أتيت عليها، قال: أولا تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، قال: فإن هذا يأتي على ذلك كله"؛
حدثناه زيد بن أخزم وإبراهيم بن المستمر، قالا: ثنا أبو عاصم عن مستورد ابن عباد؛ قال زيد: (فإن هذا يذهب هذا).
47 - (527): حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف قال: ثنا بدل بن المحبر قال: ثنا زائدة عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: سمعت ابن عمر عن عمر أن رسول الله ﷺ أمره أن يؤذن الناس أن من يشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له مخلصا فله الجنة، قال عمر: يا رسول الله: إذا يتكلوا، قال: فدعهم"؛
48 - حدثناه أيضا محمد بن يحيى، قال: ثنا بدل بن المحبر؛ أحسبني قد أمليته في كتاب " الإيمان".
49 - (528): حدثنا علي بن سهل الرملي، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا أبو عمرو الاوزاعي، قال: حدثني المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي، عن عبد الرحمن ابن أبي عمرة الأنصاري، عن أبيه، قال: (خرجنا مع رسول الله ﷺ (في بعض غزواته، فذكر حديثا طويلا، وقال في آخره: ثم قال ﷺ ) اشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله، وأشهد عند الله أنه لا يلقاه عبد مؤمن بهما إلا حجبنتاه عن النار يوم القيامة).
50 - حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا إبراهيم بن عبد الله بن العلاء، بن زبر الربعي، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة، قال: حدثني أبي، قال: كنا مع رسول الله ﷺ، فذكر الحديث بطوله نحو حديث الوليد.
51 - ورواه ابن عجلان، عن عاصم بن عبيدالله بن عاصم، عن المطلب بن عبد الله ابن حنطب، عن أبي عمرة الأنصاري، عن النبي ﷺ، نحو حديث الاوزاعي؛ حدثناه الربيع بن سليمان، قال: ثنا شعيب، قال: ثنا الليث، عن محمد بن العجلان.
قال أبو بكر: أنا برئ من عهدة عاصم بن عبيدالله مع إسقاطه عبد الرحمن ابن أبي عمرة من الإسناد.
52 - (529): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان قال: حدثني أبي قال: كنت أنا وعكرمة ويزداد فقال: إن ابنا لمحمد أو عبد الرحمن بن أبي بكر كان يصيب من هذا الشراب، فلما حضره الموت قالت عائشة «رضي الله ع»: إني لأرجو أن لا يطعم ابن أخي النار، إن رسول الله ﷺ قال لعمه: قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة، قال أبي: فأجابه عكرمة قال: قال أبو هريرة: استغفروا له، فإنما يستغفر للمسيء مثله.
53 - (530): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى - يعني ابن سعيد - قال: ثنا يزيد بن كيسان، قال: حدثني أبو حازم، عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قال رسول الله ﷺ لعمه: " قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة، قال: لولا أن تعيرني قريش إنما حمله عليه الجزع لأقررت بها عينك، فأنزل الله تعالى: " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء".
54 - (531): حدثنا عمر بن حفص الشيباني قال: ثنا عبد الله بن وهب قال: ثنا عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عون بن عبد الله عن يوسف بن عبد الله عن أبيه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا وأن محمدا رسول الله وجبت له الجنة".
55 - (532): حدثنا محمد بن بشار، وأبو موسى قالا: ثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن وهب عن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ: قال لي جبريل: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ولم يدخل النار، قلت: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق، وقال بندار: أو لم يدخل النار، قال: وإن سرق وإن زنى، قال: وإن سرق وإن زنى).
56 - (533): حدثنا مؤمل بن هشام قال: ثنا إسماعيل عن الجريري، قال: حدثني موسى عن محمد بن سعد بن أبي وقاص: أن أبا الدرداء قال عن النبي ﷺ أنه قرأ: ولمن خاف مقام ربه جنتان، قلت: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ (فإن قراءتها ليس هكذا، أو أنا ليس كذلك تجدنا) فقال: قرأها رسول الله ﷺ: " ولمن خاف مقام ربه جنتان) قلت: فإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟، قال: " ولمن خاف مقام ربه جنتان" وإن زنى وإن سرق، ورغم أنف أبي الدرداء". فلا أزال أقرؤها كذلك حتى ألقاه.
57 - (534): حدثنا أبو طالب زيد بن أخزم قال: ثنا أبو داود قال: ثنا شعبة قال: أخبرني حبيب بن أبي ثابت وعبد العزيز بن رفيع والأعمش عن زيد بن وهب عن أبي ذر أن النبي ﷺ قال: أتاني جبريل فبشرني أنه من مات منامتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: نعم".
ثنا به مرة ولم يذكر الأعمش في الإسناد.
58 - (535): حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال: حدثني أبي قال: ثنا مهدي، عن واصل، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (أتاني آت من ربي فإما بشرني وإما قال أخبرني أنه قال: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وسرق؟ قال: وإن زنى وسرق).
59 - (536): حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري قال ثنا حفص بن عمر الحوضي قال: ثنا مرجى بن رجاء قال: ثنا محمد بن الزبير عن رجاء بن حيوة عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ قال: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق).
60 - (537): حدثنا أبو موسى قال: ثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ كلمة وأنا أقول أخرى قال: " من مات وهو يجعل لله ندا دخل النار"، قال: وأنا أقول: وهو لا يجعل لله ندا دخل الجنة.
قال أبو بكر: قد كنت أمليت أكثر هذا الباب في كتاب الإيمان، وبينت في ذلك الموضع معنى هذه الأخبار، وأن معناها ليس كما يتوهمه المرجئة، وبيقين يعلم كل عالم من أهل الاسلام أن النبي ﷺ لم يرد بهذه الأخبار أن من قال لا إله إلا الله أو زاد مع شهادة أن لا إله إلا الله شهادة أن محمدا رسول الله ولم يؤمن بأحد من الأنبياء غير محمد ﷺ ولا آمن بشيء من كتاب الله ولا بجنة ولا نار ولا بعث ولا حساب أنه من أهل الجنة لا يعذب بالنار، ولئن جاز للمرجئة الاحتجاج بهذه الأخبار، وان كانت هذه الأخبار ظاهرها خلاف أصلهم وخلاف كتاب الله وخلاف سنن النبي ﷺ جاز للجهمية الاحتجاج بأخبار رويت عن النبي ﷺ إذا تؤولت على ظاهرها استحق من يعلم أن الله ربه وأن محمدا نبيه الجنة وإن لم ينطق بذلك لسانه، ولا يزال يسمع أهل الجهل والعناد ويحتجون بأخباره مختصرة غير متقصاة وبأخبار مجملة غير مفسرة، لا يفهمون أصول العلم، يستدلون بالمتقصي من الأخبار على مختصرها، وبالمفسر منها على مجملها، قد ثبتت الأخبار عن النبي ﷺ بلفظة لو حملت على ظاهرها كما حملت المرجئة الأخبار التي ذكرناها في شهادة أن لا إله إلا الله على ظاهرها لكان العالم بقلبه أن لا إله إلا الله مستحقا للجنة وإن لم يقر بذلك بلسانه، ولا أقر بشيء مما أمر الله تعالى بالإقرار به ولا آمن بقلبه بشيء أمر الله بالإيمان به ولا عمل بجوارحه شيئا أمر الله به ولا انزجر عن شيء حرمه الله: من سفك دماء المسلمين وسبي ذراريهم وأخذ اموالهم واستحلال حرمهم؛ فاسمع الخبر الذي ذكرت أنه غير جائز أن يحمل على ظاهره كما حملت المرجئة الأخبار التي ذكرناها على ظاهرها:
61 - (538): حدثنا أحمد بن المقدام العجلي قال: ثنا بشر يعني ابن المفضل قال: ثنا خالد يعني الحذاء عن الوليد أبي بشر قال: سمعت حمران بن أبان يحدث عن عثمان بن عفان عن النبي ﷺ قال: "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة"
62 - (539): حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى، قال: ثنا بشر يعني ابن المفضل قال: ثنا خالد عن الوليد أبي بشر قال: سمعت حمران، يقول: سمعت عثمان يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة".
63 - حدثنا أحمد بن المقدام، قال: ثنا إسماعيل - يعني ابن علية - قال: ثنا خالد، عن الوليد بن مسلم وهو أبو بشر عن حمران بن أبان عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول؛ بمثله.
64 - حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا بشر - يعني ابن المفضل - بمثل حديث أبي الخطاب سواء.
65 - ثنا نصر بن الجهضمي قال أخبرنا بشر بن المفضل بمثل حديث أبي الخطاب.
66 - وثنا يعقوب بن إبراهيم قال: ثنا ابن عليه عن خالد الحذاء، بهذا الإسناد معنى بمثله.
67 - وثنا محمد بن الوليد قال: ثنا محمد يعني ابن جعفر قال: ثنا شعبة عن خالد الحذاء عن أبي بشر العنبري عن حمران بن أبان عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله ﷺ بمثله.
قال شعبة: وهو خبر عبد الحميد بن لاحق، يريد خبر أبي بشر العنبري. كذلك ثنا محمد بن الوليد قال: ثنا محمد قال: ثنا شعبة.
68 - (540): وثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي قال: ثنا عبد الله بن حمران قال سمعت شعبة عن بيان قال حمران يحدث عن عثمان بن عفان: إن رسول الله ﷺ قال: " من علم أن لا إله إلا الله دخل الجنة".
69 - (541): حدثنا زيد بن أخزم قال: ثنا عبد الصمد قال: ثنا شعبة عن خالد بن الحذاء عن الوليد أبي بشر عن حمران بن أبان عن عثمان بن عفان «رضي الله ع» عن النبي ﷺ قال: "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة".
70 - (542): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا أيوب بن سليمان بن بلال؛
71 - وحدثنا العباس بن عبد العظيم قال: ثنا أيوب بن سليمان بن بلال صاحب الكردي؛
72 - وثنا محمد بن سفيان الأبلي قال: ثنا أيوب بن سليمان الحارث قال: ثنا عمر بن محمد بن عمر معدان الحارسي عن عمران القصير عن عبد الله بن أبي القوص عن مطرف عن عمران بن حصين قال: ألا أحدثكم بحديث ما حدثت به أحدا منذ سمعته من رسول الله ﷺ مخافة أن يتكل الناس: " من علم أن الله ربه وأني نبيه صادقا من قلبه - وأومأ بيده إلى خلدة صدره - حرم الله لحمه على النار".
وقال العباس بن عبد العظيم العنبري عن عمران بن حصين قال: قال لنا: لأحدثنكم بحديث - زاد محمد بن سفيان قال: وكان قد جعل في حل من قال القصير، وزاد في آخره: (إنما قال عبد الله، فحدثت به أحد ولد عبد الملك فاستحلفني ثلاثة أيمان صبرا بالله لسمعته من مطرف قال: فحلفت له، ثم حدثت به أحد ولد عبد الملك بعده استحلفني ثلاثة أيمان صبرا بالله: لسمعته من مطرف؟ كأنه كان شاهدا للحديث الاول، فحلفت له، فقال لكاتبه: أثبت هذا عندك.
ثنا به العباس مرة قال: ثنا أبو يحيى أيوب بن سليمان بن يسار صاحب الكردي.
73 - (543): حدثنا محمد بن يحيى القطعي قال: ثنا زياد بن الربيع قال: ثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي الديلم قال: كنت ثالث ثلاثة ممن يخدم معاذ بن جبل، فلما حضرته الوفاة قلنا له: رحمك الله إنما صحبناك وانقطعنا إليك واتبعناك لمثل هذا اليوم، فحدثنا بحديث سمعته من رسول الله ﷺ ننتفع به، قال: نعم، وما ساعة الكذب هذه، سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من مات وهو يوقن بقلبه أن الله حق وأن الساعة حق وأن الله يبعث من في القبور، قال ابن سيرين إما قال دخل الجنة وإما قال نجا من النار".
لئن جاز للجهمي الاحتجاج بهذه الأخبار أن المرء يستحق الجنة بتصديق القلب بأن لا إله إلا الله وبأن الله حق وأن الساعة قائمة وأن الله يبعث من في القبور، ويترك الاستدلال بما سنبينه بعد إن شاء الله من معنى هذه الأخبار، لم يؤمن أن يحتج جاهل لا يعرف دين الله ولا أحكام الاسلام بخبر عثمان عن النبي ﷺ (من علم أن الصلاة عليه حق واجب دخل الجنة) فيدعي أن جميع الإيمان هو العلم بأن الصلاة عليه حق واجب وإن لم يقر بلسانه مما أمر الله بالإقرار به ولا صدق بقلبه بشيء مما أمر الله بالتصديق به ولا أطاع في شيء أمر الله به ولا انزجر عن شيء حرمه الله، إذ النبي ﷺ قد أخبر أن من علم أن الصلاة عليه حق واجب دخل الجنة كما خبر أن من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة.
74 - (544): حدثنا بهذا الخبر محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: ثنا خالد قال: ثنا عمران - وهو ابن حدير - عن عبد الملك بن عبيد قال: قال حمران بن أبان قال: أمير المؤمنين عثمان بن عفان «رضي الله ع»، وكان قليل الحديث عن رسول الله ﷺ قال: "من علم أن الصلاة عليه حق واجب ومكتوب دخل الجنة".
75 - (545): حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا عثمان بن عمر قال: ثنا عمران بن حدير عن عبد الملك وهو ابن عبيد عن حمران بن أبان عن عثمان، وكان قليل الحديث عن رسول الله ﷺ، قال: قال رسول الله ﷺ: " من علم أن الصلاة حق مكتوب عليه، أو حق واجب، دخل الجنة".
76 - (546): حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال: ثنا روح بن عبادة قال: ثنا عمران بن حدير عن عبد الملك بن عبيد قال: سمعت حمران بن أبان قال: سمعت عثمان بن عفان، وكان قليل الحديث عن رسول الله ﷺ قال: "من علم أن الصلاة عليه حق واجب دخل الجنة".
قال أبو بكر: فإن جاز الاحتجاج بمثل هذا الخبر المختصر في الإيمان واستحقاق المرء به الجنة وترك الاستدلال بالأخبار المفسرة المتقصاة، لم يؤمن أن يحتج جاهل معاند فيقول: بل الإيمان إقامة صلاة الفجر وصلاة العصر وإن مصليها يستوجب الجنة ويعاذ من النار وإن لم يأت بالتصديق ولا بالاقرار بما أمر أن يصدق به ويقر به ولا يعمل بشيء من الطاعات التي فرض الله على عباده ولا انزجر عن شيء من المعاصي التي حرمها الله، ويحتج بخبر عمارة بن رويبة؛
77 - (547): الذي ثنا محمد بن بشار قال: ثنا يحيى ويزيد بن هارون قالا: ثنا إسماعيل ابن أبي خالد عن أبي بكر بن عمارة بن رويبة قال سمعت النبي ﷺ يقول: "من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها حرمه الله على النار"، فقال رجل من أهل البصرة، وأنا سمعته عن رسول الله ﷺ.
قال أبو بكر: قد أمليت طرق هذا الخبر في كتاب المختصر من كتاب الصلاة، مع أخبار النبي ﷺ: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله)، وكل عالم يعلم دين الله وأحكامه يعلم أن هاتين الصلاتين لا يوجبان الجنة مع ارتكاب جميع المعاصي أيضا، وأن هذه الأعمال لذلك إنما رويت على ما بيننا في كتاب الإيمان، إنما رويت في فضائل هذه الأعمال كذلك إنما رويت أخبار النبي ﷺ: " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة " فضيلة لهذا القول، لا أن هذا القول كل الإيمان. ولئن جاز لجاهل أن يتأول أن شهادة أن لا إله إلا الله جميع الإيمان، إذ النبي ﷺ خبر أن قائلها يستوجب الجنة ويعاذ من النار، لم يؤمن أن يدعي جاهل معاند أيضا أن جميع الإيمان القتال في سبيل الله، فواق ناقة، فيحتج بقول النبي ﷺ: (من قاتل في سبيل الله فواق ناقة دخل الجنة) كاحتجاج المرجئة بقول النبي ﷺ: " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة "، ويقول معاند آخر جاهل: إن الإيمان بكماله الماشي في سبيل الله حتى تغبر قدما الماشي، ويحتج بقول النبي ﷺ: " من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار " وبقوله: (لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري رجل مسلم أبدا)، ويدعي جاهل آخر أن الإيمان عتق رقبة مؤمنة، ويحتج بأن النبي ﷺ قال: " من اعتق رقبة مؤمنة أعتقه الله بكل عضو منه عضوا من النار " ويدعي جاهل آخر أن جميع الإيمان البكاء من خشية الله تعالى، ويحتج بقول النبي ﷺ: "لا يدخل النار من بكى من خشية الله تعالى " ويدعي جاهل آخر أن جميع الإيمان صوم يوم في سبيل الله، ويحتج بأن النبي ﷺ قال: "من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا" ويدعي جاهل آخر أن جميع الإيمان قتل كافر، ويحتج بقول النبي ﷺ: "لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا".
78 - (548): حدثناه علي بن حجر قال: ثنا إسماعيل بن جعفر قال: ثنا العلاء عن أبيه عن أبي هريرة «رضي الله ع» أن النبي ﷺ قال: " لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا".
قال أبو بكر: وهذا الجنس من فضائل الأعمال يطول بتقصيه الكتاب، وفي قدر ما ذكرنا غنية وكفاية لما له قصدنا أن النبي ﷺ إنما خبر بفضائل هذه الأعمال التي ذكرنا، وما هو مثلها، لا أن النبي ﷺ أراد أن كل عمل ذكره أعلم أن عامله يستوجب بفعله الجنة أو يعاذ من النار أنه جميع الإيمان.
وكذلك: إنما أراد النبي ﷺ بقوله: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة أو حرم على النار) فضيلة لهذا القول، لا أنه جميع الإيمان كما ادعى من لا يفهم العلم ويعاند فلا يتعلم هذه الصناعة من أهلها،.
ومعنى قوله ﷺ: " لا يجتمع كافر وقاتله في النارأبدا " هذا لفظ. مختصره الخبر المتقصي لهذه اللفظة المختصرة ما؛
79 - حدثنا الربيع بن سليمان، قال: ثنا شعيب بن الليث قال: ثنا الليث عن محمد بن العجلان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة «رضي الله ع» عن رسول الله ﷺ قال: " لا يجتمعان في النار اجتماعا، يعني أحدهما مسلم قتل كافرا، ثم سدد المسلم وقارب "
قال أبو بكر: كذاك نقول في فضائل الاعمال التي ذكرنا إن من عمل من المسلمين بعض تلك الأعمال ثم سدد وقارب ومات على إيمانه دخل الجنة ولم يدخل النار، موضع الكفار منها، وإن ارتكب بعض المعاصي لذلك لا يجتمع قاتل الكافر إذا مات على إيمانه مع الكافر المقتول في موضع واحد من النار، لا أنه لا يدخل النار ولا موضعا منها وإن ارتكب جميع الكبائر، خلا الشرك بالله «عَزَّ وجَلّ»، إذا لم يشأ الله أن يغفر له ما دون الشرك؛ فقد خبر الله «عَزَّ وجَلّ» أن للنار سبعة أبواب: فقال لإبليس: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين " - إلى قوله تعالى - " لكل باب منهم جزء مقسوم ". فأعلمنا ربنا «عَزَّ وجَلّ» أنه قسم تابعي إبليس من الغاوين سبعة أجزاء على عدد أبواب النار، فجعل لكل باب منهم جزءا معلوما واستثنى عباده المخلصين من هذا القسم. فكل مرتكب معصية زجر الله عنها فقد أغواه إبليس، والله «عَزَّ وجَلّ» قد يشاء غفران كل معصية يرتكبها المسلم دون الشرك وإن لم يتب منها، لذاك أعلمنا في محكم تنزيله في قوله: { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }
وأعلمنا خالقنا عو زجل أن آدم خلقه بيده وأسكنه جنته وأمر ملائكته بالسجود له: عصاه فغوى، وأنه «عَزَّ وجَلّ» برأفته ورحمته اجتباه بعد ذلك فتاب عليه وهدى، ولم يحرمه الله بارتكاب هذه الحوبة بعد ارتكابه إياها، فمن لم يغفر الله له حوبته التي ارتكبها وأوقع عليها اسم غاوٍ فهو داخل في الأجزاء، جزاء وقسما لأبواب النار السبعة.
وفي ذكر آدم ﷺ وقوله «عَزَّ وجَلّ»: " وعصى آدم ربه فغوى " ما يبين ويوضح أن اسم الغاوي قد يقع على مرتكب خطيئة قد زجر الله عن إتيانها وإن لم تكن تلك الخطيئة كفرا ولا شركا ولا ما يقاربها ويشبهها، ومحال أن يكون المؤمن الموحد لله «عَزَّ وجَلّ» قلبه ولسانه المطيع لخالقه في أكثر ما فرض الله عليه وندبه إليه من أعمال البر غير المفترض عليه المنتهي عن أكثر المعاصي وإن ارتكب بعض المعاصي والحوبات: في قسم من كفر بالله ودعا معه الهة أو جعل له صاحبة أو ولدا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ولم يؤمن أيضا بشيء مما أمر الله بالإيمان به، ولا أطاع الله في شيء أمره به من الفرائض والنوافل، ولا انزجر عن معصية نهى الله عنها، محال أن يجتمع هذان في درجة واحدة من النار، والعقل مركب على أن يعلم أن كل من كان أعظم خطيئة وأكثر ذنوبا لم يتجاوز الله عن ذنوبه: كان أشد عذابا في النار، كما يعلم كل عاقل أن كل من كان أكثر طاعة لله «عَزَّ وجَلّ» وتقربا إليه بفعل الخيرات واجتناب السيئات كان أرفع درجة في الجنان وأعظم ثوابا وأجزل نعمة. فكيف يجوز أن يتوهم مسلم أن أهل التوحيد يجتمعون في النار في الدرجة مع من كان يفتري على الله «عَزَّ وجَلّ» فيدعو له شريكا أو شركاء، فيدعو له صاحبة وولدا ويكفر به ويشرك ويكفر بكل ما أمر الله «عَزَّ وجَلّ» بالإيمان به ويكذب جميع الرسل ويترك جميع الفرائض ويرتكب جميع المعاصي فيعبد النيران ويسجد للأصنام والصلبان، فمن لم يفهم هذا الباب يجد بدا من تكذيب الأخبار الثابتة المتواترة التي ذكرتها عن النبي ﷺ في إخراج أهل التوحيد من النار. إذ محال أن يقال: أخرجوا من النار من ليس فيها، وأمحل من هذا أن يقال: يخرج من النار من ليس فيها، وفي إبطال أخبار النبي ﷺ دروس الدين وإبطال الإسلام، والله «عَزَّ وجَلّ» لم يجمع بين جميع الكفار في موضع واحد من النار ولا سوى بين عذاب جميعهم، قال الله «عَزَّ وجَلّ»: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ". وقال: "أدخلوا آل فرعون أشد العذاب"
قال أبو بكر: وسأبين بمشيئة خالقنا «عَزَّ وجَلّ» معنى أخبار النبي ﷺ لا يدخل النار من فعل كذا، ومعنى قوله يخرج من النار، وأؤلف بين معنى هذه الأخبار تأليفا بينا مشروحا بعد ذكري لأخبار النبي ﷺ إن حملت على ظاهرها كانت دافعة للأخبار التي ذكرناها في فضائل الاعمال التي خبر النبي ﷺ أن فعل صاحبها بعضها يستوجب الجنة ويعاذ من النار.
باب ذكر أخبار رويت عن النبي ﷺ ثابتة من جهة النقل جهل معناها فرقتان
فرقة المعتزلة والخوارج: واحتجوا بها وادعوا أن مرتكب الكبيرة إذا مات قبل التوبة منها مخلد في النار محرم عليه الجنان، والفرقة الأخرى: المرجئة كفرت بهذه الأخبار وأنكرتها ودفعتها جهلا منهم بمعانيها - وأنا ذاكرها بأسانيدها وألفاظ متونها ومبين معانيها بتوفيق الله تعالى.
1 - (549): حدثنا أحمد بن عبدة، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا لأحول؛
2 - وثنا مؤمل بن هشام، قال: ثنا إسماعيل عن عاصم الأحول؛
3 - وثنا سلم بن جنادة قال: ثنا أبو معاوية قال: ثنا عاصم عن أبي عثمان قال: سمعت سعد بن أبي وقاص وأبا بكرة قالا: سمعته أذناي ووعاه قلبي من محمد ﷺ يقول: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ". هذا حديث عبد الواحد وأبي معاوية، وفي خبر ابن علية مثل معناه.
4 - (550): حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة عن عاصم الأحول قال: سمعت أبا عثمان قال: سمعت سعدا وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله وأبا بكرة - وتسور حسن الطائف في أناس فجاء النبي ﷺ - فقالا سمعنا النبي ﷺ وهو يقول: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ".
5 - (551): حدثنا أحمد بن المقدام قال: ثنا حماد - يعني ابن زيد - عن عاصم عن أبي عثمان عن سعد بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ". فذكرت لأبي بكرة فقال أبو بكرة: (سمعته أذناي ووعاه قلبي من محمد رسول الله ﷺ ).
6 - (552): حدثنا محمد بن قال: ثنا خالد - يعني ابن الحارث - قال: ثنا شعبة عن عاصم سمعت أبا عثمان يقول سمعت سعد بن مالك وأبا بكرة يحدثاني، وذكرا النبي ﷺ قال: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ".
7 - (553): حدثنا أبو الخطاب بن يحيى قال: ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد قال: ثنا هشام بن حسان عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن أسامة بن زيد وسعد بن أبي وقاص ورجل آخر من أصحاب النبي ﷺ أن النبي ﷺ قال: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أببه حرم الله عليه الجنة".
8 - (554): حدثنا أبو الأشعث قال: ثنا يزيد بن زريع قال: ثنا خالد عن أبي عثمان قال: حدثت أبا بكرة قال: قلت: سمعت سعدا يقول: سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله ﷺ: (من ادعى أبا غير أبيه في الإسلام وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام، قال: وأنا سمعته أذناى ووعاه قلبي من محمد ﷺ.
9 - (555): حدثنا أبو بشر الواسطي، قال: ثنا خالد - يعني ابن عبد الله - عن خالد الحذاء عن أبي عثمان عن سعد بن مالك قال: سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله ﷺ أنه قال: "من ادعى أبا في الاسلام وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ". فذكرت ذلك لأبي بكرة، فقال: وأنا سمعته أذناي ووعاه قلبي من محمد ﷺ.
10 - (556): حدثنا محمد بن حسان الأزرق قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: ثنا سفيان عن عاصم قال: سمعت أبا عثمان يحدث عن سعد وأبي بكرة أن النبي ﷺ قال: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام".
11 - (557): حدثنا محمد بن أبان قال: ثنا غندر قال: ثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ قال: "من ادعى لغير أبيه فلن يرح رائحة الجنة، وريحها يوجد من مسيرة سبعين عاما". فلما رأى ذلك نعيم بن أبي مرة وكان معاوية أراد يدعي، فقال لمعاوية إنما أنا سهم من كنانتك، فأقدمني حيث شئت.
12 - حدثنا بندار قال: ثنا محمد بن جعفر، ولفظه مخالف لهذا اللفظ، خرجته في كتاب الورع، خرجت بعض هذا الخبر في غير هذا الكتاب.
قال أبو بكر: فاسمعوا الآن بابا آخر من هذا الجنس أيضا في إعلام النبي ﷺ حرمان الجنة لمرتكب بعض الذنوب والخطايا من الذي ليس بكفر ولا يزيل الإيمان بأسره لا على ما تتوهمه الخوارج والمعتزلة.
13 - (558): حدثنا سلم بن جنادة قال: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن حذيفة قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يدخل الجنة قتات".
14 - (559): حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال: حدثني أبي قال: ثنا مهدي بن ميمون عن واصل عن أبي وائل عن حذيفة أنه بلغه أن رجلا ينم الحديث فقال حذيفة: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لا يدخل الجنة نمام".
15 - (560): حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، قال: ثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال: كنا عند حذيفة فمر رجل فقالوا: هذا يبلغ الحديث، فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لا يدخل الجنة قتات".
قال سفيان: والقتات: الذي ينم ويبلغ.
قال أبو بكر: قد أمليت هذا الباب أيضا في التغليظ في النميمة في كتاب الورع. فاسمعوا الآن جنسا آخر في حرمان الجنة مرتكب الذنوب والخطايا، مما ليس بكفر يزيل عن الملة، ليس معناه على ما يتوهمه الخوارج والمعتزلة.
16 - (561): حدثنا علي بن حجر قال: ثنا إسماعيل بن جعفر قال: ثنا العلاء وهو ابن عبد الرحمن عن معبد بن كعب عن أخيه عبد الله بن كعب السلمي عن أبي أمامة أن رسول الله ﷺ قال: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا؟ قال: وإن كان قضيبا من أراك".
قد أمليت هذا الباب في كتاب الأيمان والنذور).
باب ذكر أخبار ثابتة السند صحيحة القوام قد يحسب كثير من أهل الجهل أنها خلاف هذه الأخبار التي قدمنا ذكرها لاختلاف ألفاظها وليست عندنا مخالفة لسر معناها ونؤلف بين المراد من كل منها بعد ذكرنا الأخبار بألفاظها إن الله وفق لذلك وشاءه
1 - (562): حدثنا أبو موسى قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة"، وقلت: "من مات يشرك بالله دخل النار".
2 - (563): حدثنا محمد بن بشار ويحيى بن حكيم قالا: ثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ كلمة وأنا أقول أخرى: "من مات وهو يجعل لله أندادا دخل النار"، وقلت: "ومن مات وهو لا يجعل لله أندادا دخل الجنة". لم يقل بندار ... فقلت لبندار: ومن مات؟ فقال بندار: نعم، وقال يحيى بن حكيم: "من مات وهو يجعل لله ندا دخل النار، وأنا أقول: ومن مات وهو لا يجعل لله ندا دخل الجنة".
3 - (564): حدثنا سلم بن جنادة قال: ثنا أبو معاوية قال: ثنا الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله: قال رسول الله ﷺ كلمة وقلت أخرى، قال: (من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة)، وقلت: "من مات يشرك بالله شيئا دخل النار".
4 - (565): حدثنا أبو سعيد الاشج قال: ثنا ابن نمير عن الأعمش بهذا غير أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من مات يشرك بالله دخل النار، وقلت: من مات لا يشرك بالله دخل الجنة".
قلب ابن نمير المتن على ما رواه أبو معاوية وتابع شعبة في معنى المتن، وشعبة وابن نمير أولى بمتن الخبر من أبي معاوية، وتابعهما أيضا سيار أبو الحكم.
5 - حدثنا محمد بن يحيى القطعي قال: ثنا روح بن عطاء بن أبي ميمونة قال: ثنا سيار أبو الحكم عن أبي وائل عن عبد الله، قال: خصلتان إحداهما سمعتها من رسول الله ﷺ، والأخرى أنا أقولها: قال رسول الله ﷺ: "من مات وهو يجعل لله ندا دخل النار". وأنا أقول: "من مات وهو لا يجعل لله ندا دخل الجنة".
6 - (566): حدثنا علي بن خشرم، قال: ثنا عيسى - يعني ابن يونس - عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر أن رجلا سأل النبي ﷺ ما الموجبتان؟ قال: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله دخل النار".
7 - حدثنا أبو هاشم قال: ثنا محمد بن عبيد قال: ثنا الأعمش بنحوه.
8 - وحدثنا بندار قال: ثنا عبد الأعلى؛
9 - (567): وثنا محمد بن عبد الأعلى قال: ثنا خالد - يعني ابن الحارث - قال: ثنا هشام عن أبي الزبير عن جابر قال رسول الله ﷺ: "من لقي الله لا يشرك به دخل الجنة، ومن لقي الله يشرك به دخل النار". وقال بندار: "وهو يشرك به دخل النار". وقال الصنعاني: عن جابر بن عبد الله.
وروى خالد بن عبد الله الواسطي، قال: ثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ: "من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به دخل النار". زائدة عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة".
11 - (569): حدثناه عمرو بن علي قال: حدثني عبد الحميد بن عبد الرحمن أبو يحيى الحماني قال: ثنا زكريا بن أبي زائدة.
12 - وثنا محمد بن يحيى قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني أبو هشام قال: حدثني إبراهيم بن عقيل بن معقل بن منبه عن أبيه عقيل عن وهب بن منبه قال: هذا ما سألت عنه جابر بن عبد الله الأنصاري فأخبرني أنه قد شهد مع رسول الله ﷺ وسمع منه، سألته عن المؤمن فأخبرني أنه سمع النبي ﷺ يقول: "من لقي الله لايشرك به دخل الجنة، ومن لقي الله يشرك به دخل النار".
13 - (570): حدثنا عبد الله بن عمران العابدي قال: ثنا فضيل يعني ابن عياض عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ: "الموجبتان: من مات لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك به دخل النار".
14 - (571): حدثنا أحمد بن منيع، قال: ثنا عبيدة عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: "سئل النبي ﷺ ما الموجبتان؟ قال: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار".
15 - (572): حدثنا الربيع بن سليمان ونصر بن مرزوق قالا: ثنا أسد وهو ابن موسى قال: ثنا سعيد بن زيد عن الجعد بن دينار اليشكري قال: حدثني سليمان بن قيس قال: سألت جابر بن عبد الله عن الموجبتين: فقال: الموجبتان من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقي الله يشرك به دخل النار، قال: وقال جابر: سمعت النبي ﷺ يقول: "إن الشيطان قد يئس أن يعيده المصلون أبدا، ولكنه في التحريش بينهم وقد رضي بذلك، " وفي القلب من هذا الإسناد بهذه اللفظة:
حدثني سليمان بن قيس (شيئا) فإن سليمان بن قيس هذا هو اليشكري، وأهل المعرفة من أصحابنا يذكرون أن سليمان بن قيس مات قبل جابر بن عبد الله وأن صحيفته التي كتبها عن جابر بن عبد الله وقعت إلى البصرة فروى بعضها أبو بشر جابر بن أبي وحشية وروى بعضها قتادة بن دعامة وروى بعضها غيرهما.
باب ذكر أخبار رويت أيضا في حرمان الجنة على من ارتكب بعض المعاصي التي لا تزيل الإيمان بأسره وجهل معناها المعتزلة والخوارج فأزلوا اسم المؤمن عن مرتكبها ومرتكبي بعضها أنا ذكارها بأسانيدها ومبين معانيها ومؤلف بين معانيها ومعاني الأخبار التي قدما ذكرها التي احتج بها المرجئة وتوهمت أن مرتكب هذه الذنوب والخطايا كامل الإيمان لا نقص في إيمانهم إن وفق الله ذلك وشاء
1 - (573): حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن أبان قالا: ثنا محمد قال: ثنا شعبة عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن نبيط عن جابان عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ قال: "لايدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر".
2 - (574): حدثنا عمرو بن علي قال: ثنا سفيان عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يدخل الجنة قاطع".
خرجت طرق هذين الخبرين في كتاب البر والصلة، وبعض طرق خبر عبد الله ابن عمرو في كتاب الاشرية.
3 - (757): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: ثنا أخي عن سليمان بن بلال عن عبد الله بن يسار الأعرج أنه سمع سالم بن عبد الله يحدث عن أبيه عن عمر أنه كان يقول: قال رسول الله ﷺ: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه والديوث ورجلة النساء".
4 - (576): حدثنا محمد بن يحيى في مسند ابن عمر بهذا الإسناد بإسقاط عمر، وقال: إنه سمع سالما يحدث عن أبيه عن النبي ﷺ، قال: قال: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: عاق والديه ومدمن خمر ومنان بما أعطى".
5 - (577): حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني عمر بن محمد عن عبد الله بن يسار أنه سمع سالم بن عبد الله يقول: قال عبد الله بن عمر: قال رسول الله ﷺ: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه ومدمن خمر والمنان بما أعطى".
6 - (578): حدثنا محمد قال: ثنا أيوب بن سليمان بن بلال قال: حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال بهذا الإسناد الثاني سواء: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه والديوث ورجلة النساء".
قال لنا محمد بن يحيى بهذا الإسناد عن النبي ﷺ بمثل حديث ابن أبي أويس، يريد (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة).
7 - (579): حدثنا عبد الجبار بن العلاء قال: ثنا سفيان قال: ثنا الزهري؛
8 - وثنا يونس بن عبد الأعلى وسعيد بن عبد الرحمن قالا: ثنا سفيان عن الزهري بمثل حديث عمرو بن علي عن ابن عيينة.
9 - وحدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أنه سمع النبي ﷺ يقول: "لا يدخل الجنة قاطع" قال: يريد الرحم.
10 - (580): حدثنا محمد بن بشار قال ثنا عبد الأعلى قال: ثنا يونس عن الحكم بن الأعرج عن الأشعث بن ثرملة عن أبي بكرة عن النبي ﷺ قال: "من قتل نفسا معاهدة بغير حقها حرم الله عليه أن يشم ريحها".
قال أبو بكر: الحرف الصحيح ما قال رواة هذا الخبر (أن يشم ريحها). قال أبو بكر: خرجت طرق هذا الخبر في كتاب الجهاد في التغليظ في قتل المعاهد.
11 - (581): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن جابان عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يدخل الجنة ولد زنية".
قال أبو بكر: ليس هذا الخبر من شرطنا ولا خبر نبيط عن جابان، لأن جابان مجهول وقد أسقط علي من هذا الإسناد نبيطا.
12 - (582): وقد رواه شعبة عن رجل من آل سهل بن حنيف، غير مسمى، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار (بن ياسر عن عمار) عن النبي ﷺ قال: "لا يدخل الجنة ديوث ولا مدن خمر":
حدثناه بندار قال: ثنا أبو داود وقال: ثنا شعبة قال: سمعت رجلا من آل سهل بن حنيف.
13 - (583): حدثنا يوسف بن موسى قال ثنا جرير عن منصور عن سالم يعني ابن أبي الجعد عن جابان عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يدخل الجنة مدمن من خمر ولا منان ولا عاق لوالديه ولا ولد زنية".
14 - (584): حدثنا أبو موسى قال: ثنا مؤمل قال: ثنا سفيان عن منصور عن سالم عن جابان عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا ولد زنا ولا من أتى ذات محرم".
15 - حدثنا أبو موسى قال: ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن منصور عن سالم عن نبيط عن جابان عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ نحوه.
16 - (585): وفي خير داود بن صالح عن سالم عن أبيه في بعثهم الرسول إلى عبد الله بن عمر للمسألة عن أعظم الكبائر، قال إن رسول الله ﷺ قال: "ما من أحد يشربها فتقبل له صلاة أربعين ليلة ولا يموت في مثانته شيء إلا حرمت عليه بها الجنة".
قال أبو بكر: قد أمليتها بتمامها مع التغليظ في شرب الخمر في كتاب الأشربة.
حدثنا محمد بن عمرو بن تمام قال: ثنا ابن أبي مريم؛
وثنا ابن أبي زكريا قال: أخبرنا ابن أبي مريم قال: ثنا الدراوردي قال: أخبرنا داود بن صالح.
قال أبو بكر: معنى هذا الخبر إن ثبت عن النبي ﷺ ما قد أعلمت أصحابي منذ دهر طويل: أن معنى الأخبار إنما هو على أحد معنيين:
أحدهما: لا يدخل الجنة، أي بعض الجنان، إذ النبي ﷺ قد أعلم أنها جنان في جنة واسم الجنة واقع على كل جنة منها فمعنى هذه الأخبار التي ذكرنا: من فعل كذا لبعض المعاصي حرم الله عليه الجنة أو لم يدخل الجنة معناها، لا يدخل بعض الجنان التي هي أعلى وأشرف وأنبل وأكثر نعيما وسرورا وبهجة وأوسع، لا أنه أراد لا يدخل شيئا من تلك الجنان التي هي في الجنة. وعبد الله بن عمرو قد بين خبره الذي روى عن النبي ﷺ: "لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر" أنه إنما أراد حظيرة القدس من الجنة على ما تأولت أحد المعنيين.
17 - حدثنا بهذا الخبر محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر؛
18 - وثنا محمد بن عبد الأعلى قال: ثنا خالد يعني ابن الحارث قال: ثنا شعبة عن يعلي بن عطاء عن نافع بن عروة بن مسعود عن عبد الله بن عمرو أنه قال: "لا يدخل حظيرة القدس سكير ولا عاق ولا منان". غير أن ابن عبد الأعلى قال: (سكير ولا مدمن ولا منان) والصحيح ما قاله بندار.
والمعنى الثاني: ما قد أعلمت أصحابي ما لا أحصي من مرة أن كل وعيد في الكتاب والسنة لأهل التوحيد فإنما هو على شريطة، أي إلا أن يشاء الله أن يغفر ويصفح ويتكرم ويتفضل، فلا يعذب على ارتكاب تلك الخطيئة، إذ الله «عَزَّ وجَلّ» قد خبر في محكم كتابه أنه قد يشاء أن يغفر ما دون الشرك من الذنوب في قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). قد أمليت هذه المسألة في كتاب (معاني القرآن)، الكتاب الاول، واستدللت أيضا بخبر عن النبي ﷺ على هذا المعنى، لم أكن ذكرته في ذلك الموضع أن النبي ﷺ إنما أراد بقوله: "من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين حرم الله عليه الجنة"، أي إلا أن يشاء الله أن يعفو عنه فلا يعاقبه.
19 - (587): حدثنا محمد بن معمر القيسي قال ثنا الحجاج بن منهال قال ثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى بن سعيد بن العاص قال: حدثني قيس بن محمد عن محمد بن الاشعث أن الاشعث وهب له غلاما فغضب عليه وقال: والله ما وهبت لك شيئا، فلماأاصبح رده عليه، وقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من حلف علي يمين صبرا ليقتطع مال امرئ مسلم لقي الله يوم القيامة وهو مجتمع عليه غضبان، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه".
قال أبو بكر: فاسمعوا الخبر المصرح بصحة ما ذكرت أن الجنة إنما هي جنان في جنة، وأن اسم الجنة واقع على كل جنة منها على الانفراد، لتستدلوا بذلك على صحة تأويلنا الأخبار الذي ذكرنا عن النبي ﷺ من فعل كذا وكذا لبعض المعاصي لم يدخل الجنة: إنما أراد بعض الجنان التي هي أعلى وأشرف وأفضل وأنبل وأكثر نعيما وأوسع. إذ محال أن يقول النبي ﷺ من فعل كذا وكذا لم يدخل الجنة، يريد لا يدخل شيئا من الجنان ويخبر أنه يدخل الجنة، فتكون إحدى الكلمتين دافعة للاخرى وأحد الخبرين دافعا للآخر، لأن هذا الجنس مما لا يدخله التناسخ، ولكنه من ألفاظ العام الذي يراد بها الخاص.
20 - (588): حدثنا محمد بن يحيى قال ثنا الحسين بن محمد أبو أحمد قال: ثنا شيبان يعني ابن عبد الرحمن النحوي عن قتادة قال: ثنا أنس بن مالك أن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة بن سراقة (أتت النبي ﷺ فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة بن سراقة) وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب، فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه الثكل. قال: يا أم حارثة، إنها جنان، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى.
21 - حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا أبان يعني ابن يزيد العطار؛
22 - وثنا محمد قال: ثنا سليمان بن حرب قال: ثنا أبو هلال قال: ثنا قتادة عن أنس؛ فذكر محمد بن يحيى أحاديثهم مرفوعة كلها بهذا المعنى.
23 - (589): حدثنا علي بن الحسين الدرهمي قال: ثنا أمية يعني ابن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: خرج ابن عمتي حارثة يطارد يوم بدر فأصابه سهم غرب فأتت أمه الربيع النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله، إن كان حارثة في الجنة فسأصبر، وإن كان غير ذلك فسترى، قال: يا أم حارثة، إنها جنان، وإن حارثة في الفردوس الأعلى".
24 - (590): حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: حدثني عباس بن الوليد قال: ثنا يزيد بن زريع قال: ثنا سعيد قال: ثنا قتادة عن أنس: أن الربيع أتت النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله: أنبئني عن حارثة أصيب يوم بدر، فإن كان في الجنة صبرت واحتسبت، وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء، فقال: "يا أم حارثة إنها جنان في جنة، وإنه أصاب الفردوس الأعلى".
قال أبو بكر: قد أمليت أكثر طرق هذا الخبر في كتاب الجهاد، وقد أمليت في كتاب ذكر نعيم الجنة ذكر درجات الجنة وبعد ما بين الدرجتين، (وأمليت أخبار النبي ﷺ أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف كما تراءون الكوكب الدري في أفق من آفاق السماء لتفاضل ما بينهما، وقول بعض أصحابه تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: بلى، رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين). وأمليت أخبار النبي ﷺ بين كل درجتين من درج الجنة مسيرة مائة عام. فمعنى هذه الأخبار التي فيها ذكر بعض الذنوب الذي يرتكبه بعض المؤمنين فإن النبي ﷺ يعني قال: إن مرتكبه لا يدخل الجنة، معناها أنه لا يدخل العالي من الجنان التي هي دار المتقين الذين لم يرتكبوا تلك الذنوب والخطايا والحوبات، وقد كنت أقول وأنا حدث جائز أن يكون معنى أخبار النبي ﷺ: (لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان): أي لا يدخل النار دخول الأبد، كدخول أهل الشرك والاوثان، كما قال النبي ﷺ: "أما أهل النار الذين هم أهلها لا يموتون فيها ولا يحيون"؛ الأخبار التي قد أمليتها بتمامها، أو يكون معناها أي لا يدخلون النار موضع الكفار والمشركين من النار، إذ الله «عَزَّ وجَلّ» قد أعلم أن للنار سبعة أبواب وأخبر أن لكل باب منهم جزءا مقسوما، فقال: (لها سبعة أبواب). فمعنى هذا الخبر: قد يكون أنهم لا يدخلون النار موضع الكفار منها لأن العلم محيط أن من لم يدخل موضعا ولم يقل لم يخرج، قد أخبر النبي ﷺ في الأخبار المتواترة التي لا يدفعها عالم بالأخبار أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فإذا استحال أن يخرج من موضع لم يدخل فيه، ثبت وبان وصح أن يخرج من النار ممن كان في قلبه ذرة من إيمان إنما أخرج من موضع النار غير الموضع الذي خبر النبي ﷺ أنه لا يدخل ذلك الموضع من النار.
فالتأليف بين الأخبار المأثورة عن النبي ﷺ على ما قد بينا، وبيقين يعلم كل عالم بلغة العرب أن جائزا أن يقول القائل لا أدخل الدار إنما يريد بعض الدور، كذلك يقول أيضا: لا أدخل دار فلان. ولفلان دور ذوات عدد، إنما يريد أني لا أدخل بعض دوره، لا أنه إنما يريد لا أدخل شيئا من دور فلان، والصادق عند السامع الذي لا يتهم بكذب إذا سمعه يقول: لا أدخل دار فلان، ثم يقول بعد مدة قصيرة أو طويلة أدخل دار فلان، لم يتوهم من سمع من الصادق هاتين اللفظتين أن احداهما خلاف الاخرى، إذا كان المتكلم بهاتين اللفظتين عندهم ورعا دينا فاضلا صادقا، ويعلم من سمعه ممن يعلم أنه لا يكذب أنه إنما أراد بقوله لا أدخل دار فلان إذا سمع اللفظة الثانية أدخل دار فلان أنه أراد بالدار التي ذكر أنه لا يدخلها غير الدار التي ذكر أنه يدخلها، فإذا كان معلوما عند السامعين إذا سمعوا الصادق البار عندهم يتكلم بهاتين اللفظتين أنهما ليستا بمتناقضتين ولا متهاترتين وأنهم يحملون اللفظتين جميعا على الصدق ويؤلفون بينهما أنه إنما أراد الدار التي ذكر أنه لا يدخلها غير الدار التي ذكر أنه يدخلها: وجب على كل مسلم يقر بنبوة النبي ﷺ ويستيقن أنه أبر الخلق وأصدقهم وأبعدهم من الكذب والتكلم بالتكاذب والتنقاقض أن يعلم ويستيقن أن النبي ﷺ يقول: "لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان" يريد: لا يدخل شيئا من المواضع التي يقع عليها اسم النار، ثم يقول: "يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من ايمان" لأن اللفظتين اللتين رويتا عنه إذا حملتا على هذا كانت إحداهما دافعة للأخرى، فإذا تؤولتا على ما ذكرنا كانتا متفقتي المعنى، وكانتا من ألفاظ العام التي يراد بها الخاص، فافهموا هذا الفصل، لا تخدعوا فتضلوا عن سواء السبيل.
ونقول أيضا: معلوم متيقن عند العرب أن المرء قد يقول: (لا أدخل موضع كذا وكذا، ولا يدخل فلان موضع كذا وكذا: يريد مدة من المدد ووقتا من الأوقات. قد يجوز أن يقول ﷺ من فعل كذا وكذا لم يدخل الجنة: يريد لم يدخل الجنة في الوقت الذي يدخلها من لم يرتكب هذه الحوبة، لأنه يحبس عن دخول الجنة، أما للمحاسبة على الذنب أو لإدخال النار ليعذب بقدر ذلك الذنب، إن كان ذلك الذنب مما يستوجب به المرتكب النار أن لم يعف الله ويصفح ويتكرم فيغفر ذلك الذنب.
فمعنى هذه الأخبار لم يخل من أحد هذه المعاني، لأنها إذا لم تحمل على بعض هذه المعاني كانت على التهاتر والتكاذب. وعلى العلماء أن يتأولوا أخبار رسول الله ﷺ على ما قال علي بن أبي طالب: (إذا حدثتم عن رسول الله ﷺ فظنوا به الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه).
25 - (591): حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي عبد الرحمن وهو السلمي عن علي «رضي الله ع» قال: "إذا حدثتم عن رسول الله ﷺ فظنوا به الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه، وخرج علي وقد ثوب بالصلاة فقال: نعم ساعة الوتر هذه".
26 - وثنا محمد بن بشار قال: ثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر قالا: ثنا شعبة بهذا الإسناد مثله، وقال: عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: وخرج علي حين ثوب المثوب للصلاة، فقال: أين السائل عن الوتر؟ هذا حين وتر حسن.
باب ذكر الدليل على أن قوله «عَزَّ وجَلّ»
(وهو الذي يحييكم ثم يميتكم ثم يحييكم) ليس ينفي أن الله «عَزَّ وجَلّ» يحيى الإنسان أكثر من مرتين. على أن من ادعى ممن أنكر عذاب القبر وزعم أن الله لا يحيي أحدا في القبر قبل يوم القيامة احتجاجا بقوله: (ربنا امتنا اثنتين واحييتنا اثنتين). وهذه الآية من الجنس التي قد أعلمت في مواضع من كتبنا في ذكر العدد الذي لا يكون نفيا لما زاد على ذلك العدد فافهموه لا تغطالوا. قال الله «عَزَّ وجَلّ»: (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها، فأماته الله مائة عام ثم بعثه) فقد أحيا الله «عَزَّ وجَلّ» هذا العبد مرتين قبل البعث يوم القيامة (وسيبعث يوم القيامة)، فهذه الآية تصرح أن الله تعالى (قد أحيا هذا العبد مرتين إذ) قد أحياه المره الثانية بعد مكثه ميتا مائة سنة، وسيحييه يوم القيامة فيبعثه، وقال جل وعلا: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم).
وقد كنت بينت في كتابي الأول كتاب معاني القرآن أن هذا الامر أمر تكوين، أماتهم الله بقوله (موتوا) لأن سياق الآية دال على أنهم ماتوا والإحياء إنما كان بعد الإماتة، لأن قوله «عَزَّ وجَلّ»: (ثم أحياهم)، دال على أنهم قد كانوا ماتوا فأحياهم الله بعد الموت، فهذه الجماعة قد أحياهم الله مرتين قبل البعث، وسيبعثهم الله يوم القيامة أحياء، فالكتاب دال على أن الله يحيي هذه الجماعة مع ما تقدم من إحياء الله إياهم ثلاث مرات. لو كان كما ادعت هؤلاء الجهلة أن الله «عَزَّ وجَلّ» لا يحيي أحدا في القبر قبل وقت البعث فكيف وقد ثبت في كتاب الله وسنن نبيه ﷺ خلاف دعواهم الداحضة، خبر الله «عَزَّ وجَلّ» أن آل فرعون يعرضون علىالنار غدوا وعشيا، وسياق الآية دال على أن النار إنما تعرض عليهم غدوا وعشيا قبل يوم القيامة ومحال أن تعرض النار على جسد لا روح فيه ولا يعلم أن النار تعرض عليه، والنبي ﷺ قد أخبر أيضا أن النار تعرض على كل ميت إذا كان من أهلها، كذلك أخبر أن الجنة تعرض على كل ميت غدوا وعشيا إذا كان من أهلها.
حدثنا يحيى بن حكيم قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ قال: "إذا مات أحدكم يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل النار فقالوا: هذا مقعدك حتى تبعث إليه".
قال أبو بكر: قد أمليت طرق هذا الخبر في كتاب الجنائز في أبواب عذاب القبر، وهذا الخبر يبين ويوضح أن المقبور يحيا في قبره، ويبين ويوضح أيضا أن الجنة والنار مخلوقتان، لا كما ادعت الجهمية أنهما لم تخلقا بعد، فاسمعوا خبرا يدل على مثل ما دلت عليه الآي التي تلوتها والبيان أن الله «عَزَّ وجَلّ» يحيى المقبور قبل البعث يوم القيامة مما لم أكن ذكرته في أبواب عذاب القبر، إذ ليس في الأخبار التي أذكرها ذكر العذاب، إنما فيها ذكر الاحياء في القبر دون ذكر العذاب.
10 - (592): حدثنا يوسف بن موسى قال: ثنا جرير عن سليمان التيمي عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: "مررت على موسى وهو يصلي في قبره".
باب ذكر موضع عرش الله «عَزَّ وجَلّ» قبل خلق السموات
1 - (593): حدثنا محمد بن معمر بن ربعي وأبو غسان مالك بن سعد القيسيان قالا: ثنا روح قال: ثنا المسعودي قال: ثنا أبو صخرة جامع شداد عن صفوان بن محرز عن عمران بن حصين قال: (دخل قوم على رسول الله ﷺ فجعلوا يسألونه ويقولون أعطنا حتى ساءه ذلك، ثم خرجوا من عنده، فدخل عليه قوم آخرون، فقالوا جئنا لنسلم على رسول الله ﷺ ونتفقه في الدين، ونسأل عن بدء هذا الأمر، قال: فاقبلوا ببشرى الله، وقال ابن معمر: بشرى الله، وقالوا جميعا: إذلم يقبله أولئك، يعني الذين خرجوا من عنده قالوا: قد قبلنا يا رسول الله، فقال رسول الله ﷺ: "كان الله ولا شيء غيره، وكان العرش على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق الله سبع سموات"، ثم أتاه آت - يعني عمران - فقال إن ناقتك قد ذهبت قال: فخرجت والسراب ينقطع، (وقال ابن معمر: ينقطع) دونها، فلوددت أني كنت تركتها".
2 - (594): حدثا محمد بن معمر وأبو غسان، قالا: ثنا روح قال: ثنا المسعودي عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش قال: قال عبد الله بن مسعود،: "ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وبصر كل سماء خمسمائة عام، ولم يقل ابن معمر: وبصر كل سماء خمسمائة عام، ولم يقل أيضا: وبين الكرسي وبين الماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، وما يخفى عليه من أمركم شيء".
3 - (595): حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، قال: ثنا عمرو بن حماد يعني ابن طلحة القناد قال: ثنا اسباط وهو ابن نصر الهمداني عن السدي عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس «رضي الله ع» وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود عن ناس من أصحاب النبي ﷺ: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات). قال: إن الله كان على عرشه على الماء ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء، ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع أراضين في يومين في الأحد والاثنين فخلق الأرض على حوت، والحوت هو النون الذي ذكره الله «عَزَّ وجَلّ» في القرآن بقوله: (ن. والقلم). والحوت في الماء، والماء على ظهر صفاة، والصفاة على ظهر ملك، والملك على الصخرة، والصخرة في الريح، وهي الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء ولا في الأرض، فتحرك الحوت فاضطربت فتزلزلت الأرض، فأرسى عليها الجبال فقرت، فالجبال تفخر على الأرض فذلك قوله تعالى: (جعل لها رواسي أن تميد بكم) وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين، في الثلاثاء والأربعاء، فذلك حين يقول: (أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها) يقول: أنبت أشجارها وقدر فيها أقواتها لأهلها في أربعة أيام سواء للسائلين يقول: من سأل فهكذا الامر، ثم استوى إلى السماء وهي دخان، وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تتنفس، فجعلها سماءً واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة. وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض.
4 - (596): حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال: ثنا أبو سفيان - يعني الحميري سعيد ابن يحيى الواسطي - عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء) قال: خلق الله الأرض قبل السماء، فلما خلق الأرض ثار منها الدخان، فذلك حين يقول: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان) قال: فسواهن سبع سموات قال بعضهم فوق بعض وسبع أرضين بعضهن تحت بعض.
ويلحق في الأبواب التي قدمنا ذكرها في هذا الكتاب:
1 - (597): حدثنا إبراهيم بن عبد العزيز المقوم قال: ثنا عبد الرحمن بن عثمان أبو بكر البكراوي رحمه الله، قال: أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس أن محمدا ﷺ قد رأى ربه.
2 - (598): حدثنا بندار قال: ثنا عبد الوهاب عن خالد عن أبي قلابة عن النعمان وهو ابن بشير قال: انكسفت الشمس في عهد النبي ﷺ، فخرج يجر ثوبه فزعا حتى أتى المسجد، فلم يزل يصلي حتى انجلت، فلما انجلت قال: "إن اناسا يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت أحد عظيم من العظماء، وليس كذلك، إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله «عَزَّ وجَلّ»، والله اذا تجلى لشيء من خلقه خشع له، فإذا رأيتم ذلك فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة".
قال أبو بكر: معنى هذا الخير يشبه بقوله تعالى: { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا } الآية. أن أبا قلابة لا نعلمه سمع من النعمان بن بشر شيئا ولا لقيه.
3 - (599): حدثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي قال: ثنا موسى بن إبراهيم قال: ثنا طلحة بن خراش قال: لقيني جابر بن عبد الله فأخبرني أن رسول الله ﷺ لقيه فقال: (يا جابر ما لي أراك منكسرا؟ قلت: يا رسول الله استشهد أبي وترك عليه دينا وعيالا، فقال ألا أبشرك بما لقي الله به أباك، إن الله لم يكلم أحدا من خلقه قط إلا من وراء حجاب، وإن الله أحيا أباك فكلمه كفاحا، وقال: (يا عبدي تمنى علي ما شئت أعطيك، قال: تردني إلى الدنيا فأقتل فيك، فقال : لا، إني أقسمت بيمين أنهم إليها لا يرجعون - يعني الدنيا ".
4 - حدثناه يحيى بن حبيب بن عربي، قال: ثنا موسى بن كثير الأنصاري المدني بنحوه.
5 - (600): حدثنا علي بن خشرم، قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة وهو ابن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قال عبد الله: كنت مستترا بأستار الكعبة، قال: فجاء ثلاثة نفر كثير شحم بطونهم وقليل فقه قلوبهم، قرشي وختناه ثقفيان أو ثقفي وختناه قرشيان، قال: فتكلموا بكلام لم أفهمه فقال أحدهم: أترون الله يسمع كلامنا هذا، قال: فقال الآخر: أرى أنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه، وإذا لم نرفعها لم يسمعه، فقال الآخر: إن سمع منه شيئا سمعه كله، فقال عبد الله: فذكرت ذلك للنبي ﷺ، فأنزل الله عزوجل: { وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم } إلى آخر الآية.
قال أبو بكر: في خبر ابن مسعود الذي أمليته في كتاب الجهاد، في قوله: { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء} في الجنة، فيطلع إليهم ربك اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا فأزيدكموه؟ وكل من له فهم بلغة العرب يعلم أن الاطلاع إلى الشيء لا يكون إلا من أعلى إلى أسفل، ولو كان كما زعمت الجهمية أن الله مع الإنسان وأسفل منه وفي الأرض السابعة السفلى كما هو في السماء السابعة العليا لم يكن لقوله (فيطلع إليهم ربك اطلاعة) معنى.
6 - (601): حدثنا محمد بن معمر القيسي، قال: ثنا يحيى بن حماد قال: ثنا أبو عوانة عن سلمان قال: وحدثني أبو صالح عن أبي هريرة رضى الله عنه: قال رسول الله ﷺ: "يجمع ملائكة الليل والنهار في صلاة الفجر وصلاة العصر، فيجتمعون فتصعد ملائكة الليل وتثبت ملائكة النهار، فيسألهم ربك كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون.
قال أبو بكر: قد أمليت هذا الباب في كتاب الصلاة، وفي الخبر ما بان وثبت وصح أن الله عزوجل في السماء وأن الملائكة تصعد إليه من الدنيا، لا كما زعمت الجهمية المعطلة أن الله في الدنيا كهو في السماء، ولو كان كما زعمت لتقدمت الملائكة إلى الله في الدنيا، أو نزلت إلى أسفل الأرضين إلى خالقهم - على الجهمية لعائن الله المتتابعة.
7 - (602): حدثنا سلمة بن شبيب قال: ثنا أبو داود الطيالسي قال: ثنا المسعودي قال: حدثني المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله: سارعوا إلى الجمع فإن الله «عَزَّ وجَلّ» يبرز لأهل الجنة في كل جمعة في كثيب من كافور أبيض، يكون منه في القرب على قدر إسراعهم إلى الجمعة، فيحدث لهم من الكرامة شيئا لم يكونوا رأوه قبل ذلك، ثم يرجعوا إلى أهليهم وقد أحدث الله لهم.
وخرج عبد الله بن مسعود يريد المسجد يوم الجمعة: فإذا رجلان قد سبقاه إلى المسجد، فقال عبد الله: رجلان وأنا الثالث، إن شاء الله يبارك في الثالث.
8 - (603): حدثنا محمد بن أبي صفوان الثقفي قال: ثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - قال: ثنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين قال: قلت يا رسول الله: "أكلنا يرى ربه يوم القيامة وما آية ذلك في خلقه؟ قال: أليس كلهم ينظرون إلى القمر خاليا به، قال: قلت بلى، قال: فالله أعظم".
9 - (604): حدثنا أبو الاشعث أحمد بن المقدام العجلي قال: ثنا المعتمر عن إسماعيل وهو ابن أبي خالد قال: أخبرني عامر عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن كعب أنه قال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد ﷺ وبين موسى ﷺ، فرآه محمد مرتين وكلمه موسى مرتين، قال عامر: فانطلق مسروق إلى عائشة «رضي الله ع»، فذكر الخبر.
10 - (605): حدثنا محمد بن معمر القيسي قال: ثنا روح بن عبادة قال: ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن مرة الهمداني عن ابن مسعود عن النبي ﷺ قال: "عجب ربنا من رجلين: رجل ثار من وطائه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلاته، فيقول ربنا: انظروا إلى عبدي: ثار من فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي، ورجل غزا في سبيل الله فانهزموا فعلم ما عليه من الفرار وما له في الرجوع فرجع حتى اهريق دمه رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي، فيقول الله «عَزَّ وجَلّ» للملائكة: انظروا إلى عبدي، رجع رغبة فيما عندي ورهبة مما عندي حتى اهريق دمه".
11 - (606): حدثنا محمد بن العلاء بن كريب قال: ثنا أبو اسامة عن سفيان عن قيس بن مرة (ولقد رآه نزلة أخرى)، قال: رأى جبريل في وبر رجليه مثل القطر على البقل.
12 - (607): حدثنا علي بن خشرم قال: أخبرنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: أتى رسول الله ﷺ رجل من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم، إن الله خلق السموات على أصبع، والأرض على أصبع، والشجر على أصبع، والثرى على أصبع، والخلائق على أصبع ثم قال: أنا الملك، فلقد رأيت رسول الله ﷺ ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: (وما قدروا الله حق قدره).
13 - (608): حدثنا عيسى بن أبي حرب قال: ثنا يحيى بن أبي بكير قال: ثنا بشر بن حسين وهو أبو محمد الأصبهاني قال: ثنا الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ - يعني يقول : "كذبني عبدي ولم يكن له أن يكذبني، وشتمني ولم يكن له أن يشتمني، فأما تكذيبه إياي: يعني قوله: لن يعيدنا الله كما بدأنا، إنه ليس أول الخلق، يريد بأشد علينا من آخره، لم يذكر عيسى بن أبي حرب هذا الكلام ولم يكن في كتابه، وأما شتمه اياي: فإنه يقول: اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن له كفوا أحد".
14 - (609): حدثنا محمد بن بشار قال: أخبرني يحيى بن حماد قال: أخبرنا شعبة عن أبان بن تغلب عن فضيل عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي ﷺ قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فقال رجل يا رسول الله: الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، فقال رسول الله ﷺ: (إن الله جميل يحب الجمال، إن الكبر من بطر الحق وغمص الناس).
قال أبو بكر: هذه اللفظة (من بطر الحق) من الجنس الذي يقول إن العرب تذكر الفعل تريد فاعله، لأن الكبر فعل المتكبر والمتكبر هو الفاعل، فقوله: إن الكبر من بطر الحق وغمص الناس).
15 - (610): حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا عبد الرحمن قال: ثنا شعبة عن السدي عن مرة عن عبد الله: (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا). قال: يردونها ثم يصدرون عنها بأعمالهم، قال عبد الرحمن: فقلت لشعبة: إن إسرائيل حدثني عن السدي عن مرة عن عبد الله عن النبي ﷺ: قال شعبة: قد سمعته من السدي مرفوعا، ولكن عمدا أدعه".
قال أبو بكر: رواه يحيى بن سعيد عن شعبة أيضا مرفوعا:
16 - حدثناه بندار، قال: ثنا يحيى بن سعيد قال: ثنا شعبة؛
17 - وثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال: ثنا عمي، قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن عمرو بن دينار حدثه أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت أذناي رسول الله ﷺ يقول: "سيخرج أناس من النار".
18 - (611): حدثنا عبد الله بن محمد الزهري قال: ثنا سفيان قال: حدثني معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: اللهم تقبل شفاعة محمد الكبرى وارفع درجته العليا وأعطه سؤله في الآخرة والأولى كما آتيت إبراهيم وموسى.
19 - (612): حدثنا أبو موسى قال ثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن أنس أن النبي ﷺ قال: "ليصيبن أقواما سفع من النار عقوبة بذنوب أصابوها ثم ليدخلهم الله الجنة بفضل رحمته".
20 - (613): حدثنا أبو موسى قال: ثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن أنس بن مالك أن نبي الله ﷺ قال: "لكل نبي دعوة دعا بها في أمته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة".
21 - (614): حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا مسلم بن إبراهيم قال: ثنا همام عن قتادة قال: قلت لبلال بن أبي بردة: ثنا الحسن قال: ثنا أن أبا موسى الأشعري كان له أخ يقال له أبو زيد، وكان يسرع في الفتنة فكان الأشعري ينهاه، وقال: لولا ما قلت ما حدثتك أبدا. سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ما من مسلمين تواجها بسيفيهما فقتل أحدهما الآخر إلا دخلا النار جميعا، فقيل له: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ فقال: إنه أراد قتل صاحبه، قال بلال: لا أعرف آثارهم.
22 - (615): حدثنا محمد بن السكن بن إبراهيم الأيلي قال: ثنا أبو عامر قال: ثنا هشام بن سعد بن عقبة قال: خطب معاوية فتكلم بشيء مما ينكر الناس فرد عليه فتى واحد فسره وأعجبه، ثم قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "يكون أمراء يقولون فلا يرد عليهم، يتهافتون في النار يتبع بعضهم بعضا ".
23 - (616): حدثنا يحيى بن محمد بن السكن البزار قال: ثنا بكر بن بكار قال: ثنا قيس بن سليم قال: ثنا يزيد بن صهيب الفقير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال: "يخرج أقوام من النار قد احترقوا إلا دائرة وجوههم فيدخلون الجنة".
24 - (617): حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري قال: ثنا بدل بن المحبر قال: ثنا زائدة عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: سمعت ابن عمر عن عمر أن رسول الله ﷺ أمر أن يؤذن في الناس أن من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصا فله الجنة، فقال عمر: إذا يتكلوا، قال: فدعهم".
25 - (618): حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري قال: ثنا أبو عاصم عن وبرة بن أبي دليلة قال: حدثني محمد بن عبد الله بن ميمون قال: حدثني يعقوب بن عاصم قال: حدثني رجلان من أصحاب النبي ﷺ سمعا النبي ﷺ يقول: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، مخلصا بها روحه وجه الله، مصدقا بها لسانه وقلبه إلا فتقت له أبواب السماء فتقا حتى ينظر الرب إلى قائلها من أهل الدنيا، وحق لعبد إذا نظر الله إليه أن يعطيه سؤله".
قال أبو بكر: يرد كل خبر من هذه الأخبار إلى موضعه من بابه، فقد بينت في أبوابها معانيها كلها، وألفت بين ألفاظها في المعاني، وإن كانت ألفاظها مختلفة عند أهل الجهل والزيع.
26 - (619): وقد ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال: ثنا عمي قال: أخبرني عمرو عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك أنه سمع أبا هريرة «رضي الله ع» يقول: "إن رسول الله ﷺ قال: "لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فقد كفر".
قال أبو بكر: هذه اللفظة (فقد كفر) من الباب الذي قد أمليت في كتاب الإيمان: أن اسم الكفر قد يقع على بعض المعاصي الذي لا يزيل الإيمان بأسره، وإنما ينقص من الإيمان لا يذهب به جميعا، قد بينت هذا المعنى في ذلك الموضع بيانا شافيا.
27 - (620): حدثنا محمد بن يحيى في عقب خبر عطاء بن يسار عن أبي سعيد في ذكر أهل الغرف من الجنة قال: ثنا سريح بن النعمان قال: ثنا فليح (عن هلال بن علي) عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة «رضي الله ع» أن النبي ﷺ قال: "إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة". بهذا، يريد بمثل حديث أبي سعيد، عن النبي ﷺ.
قال أبو بكر: قال لنا محمد بن يحيى: (لا أبعد أن يكون عطاء بن يسار قد سمعه من أبي سعيد وأبي هريرة «رضي الله ع»).
هامش