→ الصيد بسورية والجزيرة ومصر | كتاب الاعتبار والد أسامة صياداً المؤلف: أسامة بن المنقذ |
شاهدت من الصيد مع هؤلاء الأكبر شيئاً كثيراً ما اتسع لي الوقت لذكره مفصلاً وكانوا قادرين على ما يحاولونه من صيد وآلته وغيره، وما رأيت مثل صيد والدي رحمه الله، فما أدري كنت أراه بعين المحبة كما قال القائلوكل ما يفعل المحبوب محبوب. ما أدري أكان نظري فيه على تحقيق، وأنا أذكر من شيئاً من ذلك ليحكم فيه من يقف عليه. وذلك ان والدي رحمه الله كان قد فرغ زمانه لتلاوة القرآن والصيام والصيد في نهاره، وفي الليل ينسخ كتاب الله تعالى، كان قد نسخ ستاً وأربعين ختمة بخطة رحمه الله منها ختمتان بالذهب جميع القرآن، ويركب إلى الصيد يوماً ويستريح دوماً وهو صائم الدهر. ولنا بشيزر متصيدانمتصيد للحجل والأرانب في الجبل قبلي البلد ومتصيد لطير الماء والدراج والأرانب والغزلان على النهر في الأزوار من غربي البلد. وكان يتكلف في تسير قوم من أصحابه إلى البلاد لشرى البازة، حتى أنه انفذ إلى القسطنطينية احضر له منها بازة، وحملوا الغلمان معهم من الحمام ما ظنوا انه يكفي البزاة التي معهم فتغير عليهم البحر وتعوقوا حتى فرغ ما معهم من طعم البزاة، فاضطروا إلى أن صاروا يطعموا البزاة لحم السمك، فأثر ذلك في أجنحتها صار ريشها ينكسر ويتقصف. فلما وصلوا بها إلى شيزر كان فيها بزاة نادرة. وفي خدمت الوالد بازيار طويل اليد في إصلاح البزاة وعلاجها يقال له غنائم، فوصل أجنحتها واصطاد بها وقرنص بعضها عنده.
☰ جدول المحتويات
- مصايد البزاة
- الأرمن يرسلون بزاة
- باز أحمر العينين
- باز إفرنجي
- فرخ شاهين
- كلاب صيد
- والد أسامة يتوقف عن الصيد ليراقب الإفرنج
- الفرق بين الخيول العربية والبراذين
- شيخ يعترض على صيد الطيور
- صيد الأرانب
- باز يصطاد زرزوراً
- صيد الوز والحباري
- صيد اليمة
- سبع يخاف أجراس الباز
- صيد السمك
- غنائم البازيار
- صيد حمير الوحش
- يخاف على الباز من الغرق
- لكل حيوان أجله
- صيد الخنزير
- صيد الحجل
- الكلاب الزغارية
- الصيد بموجب النظام
- صيد الغزلان والدراج
مصايد البزاة
وكان أكثر ما يستدعي البزاة ويشتريها من وادي ابن الأحمر بالغلاء فأحضر قوماً من أهل الجبل القريب من شيزر من أهل بشيلا ويسمالخ وحلة عار وتحدث معهم في أن يعملوا في مواضعهم مصايد للبازة ووهبهم وكساهم، فمضوا وعملوا بيوت الصيد، فاصطادوا بزاة كثيرة فراخاً ومقرنصة وزرارق، فحملوها إلى الوالد وقالوايا مولانا نحن قد بطلنا معايشنا وزراعتنا في خدمتك، ونشتهي أن تأخذ منا كل ما نصيده وتقرر لنا ثمناً نعرفه لاتجاذب فيه. فقرر ثمن الباز الفرخ خمسة عشر ديناراً، وثمن زرق الفرخ نصفها وثمن الباز المقرنص عشرة دناني وثمن الزرق المقرنص نصفها، وانفتح للجبليين أخذ الدنانير بغير كلفة ولا تعب. وإنما يعمل له بيتاً بحجارة وعلى قدر خلقته، ويغطيه بعيدان ويسترها بقش وحشيش ويجعل نافذة، ويأخذ طير حمام يجمع رجليه على قضيب ويشدها إليه ويخرجه من تلك النافذة، يحرك العود فيتحرك الطير ويفتح اجنحته، فيراه الباز ينقلب عليه يأخذه، فإذا أحس به الصياد جذب القضيب إلى النافذة ومد يده قبض ورجلي الباز وهو قابض لطير الحمام، وأنزله إليه وخيط عينيه. ويصبح من الغد يصلنا به، يأخذ ثمنه ويعود إلى بيته بعد يومين. فكثر الصيادون وكثرت البزاة حتى صارت عندنا مثل الدجاج. فيها ما يتصيد به وفيها ما يموت على الكنادر من كثرتها. وكان في خدمة الوالد بازيار وصقارون وكلابزية، وعلم قوماً من مماليكه إصلاح البزاة فمهروا فيها. وكان يخرج إلى الصيد ونحن أولاده معه في أربعة رجال ومعنا غلماننا وجنائبنا وسلاحنا. فأنا ما كنا نأمن من الفرنج لقربهم منا، ويخرج معنا بزاة كثيرة وما حولها ومعه صقاران وفهدان وكلاب زيان، مع أحدهما كلاب سلوقية ومع الأخر كلاب زغارية، فيوم خروجه إلى الجبل لصيد الحجل وهو بعيد من الجبل يقول لنا إذا خرج إلى طريق الجبل تفرقوا، كل من عليه قراءة يقرأها. ونحن أولاده حفاظ القرآن. فنفترق نقرأ حتى يصير إلى مكان الصيد يأمر من يستدعينا فبسألنا كم قرأ كل واحد منا فإذا أخبرناه يقولأنا قرأت مائة آية أو نحوها، وكان رحمه الله يقرأ القرآن كما أنزل. فإذا صرنا في المتصيد أمر الغلمان فيفرق بعضهم مع البازيارية، فكيف طارت الحجل كان في ذلك الجانب باز يرسل عليه ومعه من مماليكه وأصحابه أربعون فارساً أخبر الناس بالصيد، فلا يكاد يطير طير أو يثور أرنب ولا غزال لإ صدناه، وننتهي في الجبل نصيد إلى العصر ثم نعود إلى البلد بعد عتمة. فإذا ركبنا إلى طير الماء والدراج كان ذلك يوم فرجتنا نقع في الصيد من باب المدينة ثم نصل إلى الأزوار فيقف الفهود والصقور براً من الزور وندخل إليه بالبزاة، فإن طارت دراجة أخذها الباز، ولإن قفزت أرنب أرسلنا عليها بعض البزاة، فإن أخذها وإلا خرجت عند الفهود أرسلوا عليها، وإن قفز غزال خرج إلى الفهود أرسلوا عليه، فإن أخذ وإلا أرسلوا عليه الصقور فما يكاد يفلت منا صيد إلا بفسحة الأجل. وفي الأزوار خنازير كثيرة تخرج فنركض عليها ونقتلها فيكون فرحنا بقتلها أكثر من فرحة الصيد. وكن له ترتيب في الصيد كأنه ترتيب الحرب والأمر المهم لا يشتغل أحد بحديث مع صاحبه ولا لهم إلا التبختر في الأرض لنظر الأرنب أو الطير في أوكارها.
الأرمن يرسلون بزاة
وكان قد صار بيننا وبين بني روبال - تروس ولاون لأرمن من أصحاب المصيصة وانطرطوس واذنة والدروب - مصادقة ومكاتبة أكبر أسبابها رغبته في البزاة او ما حولها على أيدي رجالة أرمن بازيارية وينفذون الكلاب الزغارية، وينفذ لهم هو الحصن والطيب ومن كسوة مصر، فكان يجيئنا من عندهم بزاة ملاح نادرة فأجتمع عندنا بعض السنين بزاة قد جاءت من الدروب فيها باز فرخ مثل العقاب وبزاة دونه. وجاءنا من الخيل عدة بزاة فيها باز كأنه صقر عريض فرخ ما يلحق بتلك البزاة، والبازيار غنائم يقولما في هذه البزاة كلها مثل هذا الباز اليحشور ما يترك شيئاً إلى يصيده ونحن لا نصدقه. ثم أصلح ذلك الباز فكان كما ظن فيه من أفره البزاة واطيرها واشطرها، وقرنص عندنا وخرج من القرناص أجود مما كان. وعمر ذلك الباز وفرض عندنا ثلاثة عشر سنة. فكان قد صار كأنه من أهل البيت يصطاد للخدمة لا لما جرت به عادة الجوارح أن يصيدوا لنفوسهم. وكان مقامه عند الوالد رحمه الله لا يتركه عندا البازيار إنما يحمل الباز في الليل ويجوعه حتى يصطاد به، وذلك الباز كان يكفي من نفسه ويعمل ما يراد منه. فكنا نخرج إلى صيد الحجل ومعنا عدة بزاة فيدفعه الوالد إلى بعض البازيارية ويقولاعتزل به ولا ترسله بالحملة وتسير في الجبل فكلما خلوا أبصروا حجلة لابدة من شجرة قد أعلموه بها يقول هاتوا اليحشور. ساعة يقيم يده له قد طار من على يد البازيار وقع على يده بغير دعو، ثم يستشرف برأسه ورقبته فيقف على الحجلة النائمة ويرميها بقضيب في يده فتطير ويرسل عليها اليحشور فيأخذها في عشرة أذرع، ثم يقول للبازيارأشبعه فيقول لهاعتزل به. فإذا رأوا حجلة أخرى لابدة عمل بها ذلك، حتى يصيد خمس أو ست حجلات - كذا يأخذها في عشرة أذرع، ثم يقول للبازيارأشبعه فيقول لهيا مولاي ما تدعه نتصيد به؟ يا بني معنا عشرة بزاة نتصيد بها وهذا قد أصاد، هذه الاطلاق تقطع عمره. فيشبعه ويعتزل به البازيار فإذا أنهينا في الصيد وأشبعنا الزاة وحططناها على الماء شربت واستحمت، واليحشور على يد البازيار، فإذا استقبلنا البلد راجعين ونحن في الجبل قالهات اليحشور حمله على يده وسار، إن طارة حجلة من بين يديه أرسله عليها صادها حتى يصيد عشرة اطلاق أو أكثر قدر ما يطير له من الحجل، وهو شبعان لا يحيط منسرة في مذبح حجلة ولا يذق دمها. فإذا دخلنا الدار قالهاتوا طاسة ماء، فجاءوا بطاسة فيها ماء فقدمها إليه وهو على يده رحمه الله فيشرب منها، وإن كان يريد يستحم خضخض منسره في الماء فيدري انه يريد يستحم، فيأمر بإحضار جفنه كبيرة فيها ماء ويقدمها ليها، فيطير ينزل في وسطها ويدف في الماء حتى يكتفي من السباحة ثم يطلع فيحطه على قفاز خشب قد عمل له كبير، ويقرب منه منقل النار، فيتمشق ويتدهن حتى ينشف من الماء، ثم يضع له فرواً مطوياً فينزل إليه ينام عليه، فلا يزال بيننا على ذلك الفرو نائماً حتى يتهرول الليل ويريد الوالد يدخل إلى دار الحرم فيقول لأحدناأحمله فيحمل كما هو نائم على الفرو حتى يحط إلى جانب فراش الوالد رحمه الله. وكان من عجائب هذا الباز وعجائبه كثيرة وأنا أذكر منها ما يحضرني ذكره فإن الأمد قد طال وأنستني السنون كثيراً من أحواله، إن كان في دار الوالد حمام وطيور ماء خضر وأناثها وبيضانيات من التي تكون بين البقر تلقط الذبان في الدار، وكان يدخل الوالد وهذا الباز على يده يجلس على دكة في الدار والباز على قفاز إلى جانبه فلا يطلب شيئاً من تلك الطيور ولا يثب إليها، ولا كأنه مما جرت عادته بصيدها. وكانت المياه تكثر في ظاهر شيزر في الشتاء فيصير براً من سورها نقاع كبئار ماء وفيها الطيور، فيأمر الوالد البازيار وغلاماً معه يخرجا إلى قريب من تلك الطيور، ويأخذ اليحشور على يده ويقف به على الحصن يريه الطيور وهو شرقي البلد والطيور غربيها، فإذا أبصرها أرسله فينزل يشف على البلد حتى يخرج منه إلى الطيور، فيدق له البزيار الطبل فتطير الطيور فيصيد منها وبينها وبين موضع أرسل منه مسافة بعيدة. وكنا نخرج إلى صيد طير الماء والدراج ونرجع بعد عتمة نسمع صوت الطيور في خلجانكبار بالقرب من البلد. فيقول الوالدهات اليحشور، فيأخذه وهو شبعان ويتقدم إلى الطيور يدق الطبل حتى تطير الطيور ثم يرميها عليها. فإن أصاد وقع بيننا نزل إليه البازيار ذبح في رجله ورفعه، وإن لم يصد وقع على أكناف النهر فما نراه وما ندري أين وقع، فنخليه وندخل إلى البلد. ويصبح البازيار من سحر يخرج إليه يأخذه ويطلعبه إلى الحصن إلى عند الوالد رحمه الله. ويقول له يا مولاي قد صقل هذا الصقيع قفاه طوال الليل، وقد أصبح يقط البلاذ فاركب ابصر أيش يعمل اليوم! وما كان يفوت هذا الباز شيء من الصيد من السمانة إلى الوز السمند والأرنب، وكان البازيار يشتهي أن يصيد به الكراكي والحرجل ما يتركه الوالد ويقولالحرجل والكراكي تصيدها بالصقور. وكان هذا الباز قد قصر عما نعهده من صيد سنة من السنين حتى أنه كان إذا أرسل وأخطأ لا يجيء إلى الدعو وهو عاجز ولا يستحم ولا ندري ما به، ثم صلح عما كان من تقصيره وصاد.
وأستحم يوماًفرفعه البازيار من الماء وقد تفرق ريشه بالبب عن جانبه، وإذا في جانبه سلعة قد اللوزة، فأحضره البازيار بين يدي الوالد وقاليا مولاي هذه التي قصرت بالباز وكادت تهلكه ثم مسك الباز وعصرها خرجت مثل اللوزة يابسة وختم موضعها، وعاد الباز إلى الطيور بالسيف والنطعوكان شهاب الدين محمود بن قراجا صاحب حماة ينفذ كل سنة يطلب الباز اليحشور يمضي إليه مع البازيار يقيم عنده عشرين يوماً يتصيد به وبأخذه البازيار ويعود، فمات الباز بشيزر. واتفق أنني كنت قد زرت شهاب الدين إلى حماة، وأصبحت يوماً وأنا بحماة وقد حضر القراء والمكبرون وخلق عظيم من أهل البلد. فسألت من قد مات؟ قالوابنت لشهاب الدين. فأردت الخروج خلف الجنازة فما حكني شهاب الدين ومنعني، وخرجوا في قبروا الميت في تل صقرون، فلما عادوا قال لي شهاب الدينتدري من هو الميت؟ قلتقالواقالوا ولد لك. قال لا والله بل هو الباز اليحشور، سمعت انه قد مات، انفذت اخذته وعملت له تابوتاًوجنازة وقبرته، فإنه كان يستحق ذلك. وكان للوالد رحمه الله فهدة في الفهود مثل اليحشور في البزاة اصطادها وهي وحشية من أكبر ما يكون من الفهود، فأخذها الفهاد وقرمها واستجابها. وكانت تركب ولا تريد الصيد، وكانت تصرع كما يصرع المصاب بعقله وتزبد، ويقدم لها الخشف فلا تطلبه ولا تريده حتى إذا شمته وعضته. وبقيت كذلك مدة طويلة نحواً منسنة، فخرجنا يوماً إلى الأزوار، فدخلت الخيل إلى الزور وأنا واقف في فم الزور، والفهاد في هذه الفهدة يقرب مني، فقام من الزور غزال وخرج إلي، فدفعت حصاناً كان تحتي من اجود الخيل اريد ارده إلى الفهدة، وعاجله الحصان، ندسه بصدره رماه، فوثبت الفهدة صادته فكأنها كانت نائمة وانتبهت وقالتخذوا الصيد ما اردتم! فكانت مهما قام لها من الغزلاناخذته، ولا يستطيع الفهاد ضبطها فتجذبه ترميه، ولا تقف كما تقف الفهود في طردها بل وقت أن يقول قد وقفت تجدد عدواً أو تأخذ الغزال. وصيدنا بشيزر الغزال الادمي وهو غزال كبير، فكنا إذا خرجنا بها إلى العلاة والأرض الشرقية وفيها الغزال الأبيض، لاتترك الفهاد يركض بها حتى يمكننها ألا تجذبه ترميه، وتغير على الغزلان كأنها كانت ترى أنهم خشوف لصغر الغزال الأبيض. وكانت هذه الفهد دون باقي الفهود في دار الوالد رحمه الله وله جارية تخدمها ولها في جانب الدار قطيفة مطوية تحتها حشيش يابس، وفي الحائط سكة مضروبة يجيء الفهاد بها من الصيد إلى الباب الدار يحطها وفيها المرتفه وتدخل إلى الدار إلى ذلك المكان المفروش لها فتنام فيه، وتجيء الجارية تربطها إلى السكة المضروبة بالحائط وفي الدار والله، نحوى من عشرين غزال ادمي وأبيض وفحول ومعزي وخشوف قد توالدت في الدار فلا تطلبهم ولا تروعهم، ولاتزول عن موضعها وتدخل إلى الدار وهي مسيبة فلا تلفت إلى الغزلان. وشاهدت الجارية التي كانت تدور بها وهي تسرح جسمها بالمشط فلا تمنع ولاتنفر، ورأيتها يوماًوقد بالت على تلك القطيفة المفروشة لها وهي تتلتلها وتضربها حيث بالت على القطيفة ولا تهر عليها ولا تضربها. ورأيتها يوماً وقد أثارت من بين يدي الفهاد ارنبين، وقد لحقت الواحدة وأخذتها عضتها بفمها وتبعت الأخرى فلحقتها وجعلت تضربها بيدها وفمها مشغول في الأرنب الأولة، فوقفت عنها بعد ان ضربتها بيديها عدة ضربات ومضت الأرنب. وحضر معنا في الصيد الشيخ العلم ابو عبيد الله الطليطلي النحوي رحمه الله، وكان في النحو سيبويه زمانه، قرأت عليه النحو نحواً من عشر سنين وكان متولي دار العلم بطرابلس.
فلما أخذ الإفرنج طرابلس نفذ الوالد والعم رحمهما الله استخلصا الشيخ ابو عبد الله هذا ويانس الناسخ، وكان قريب الطبقة في الخط من طريقة ابو البواب، اقام عندنا بشيزر مدة ونسخ للوالد رحمه الله ختمتين. ثم انتقل إلى مصر ومات بها. وشاهدت من الشيخ عبد الله عجباً. دخلت عليه يوماً لأقراء له فوجدته بين يديه كتب النحوكتاب سيبويهو كتاب الخصائص لإبن جني وكتاب الأيضاح لأبي علي الفارسي وكتاب اللمع وكتاب الجمل فقلتيا شيخ أبو عبد الله قرأت هذه الكتب كلها؟ قرأتها؟ لا والله إلا كتبتها في اللوح وحفظتها، تريد تدريخذ جزءاً وافتحه وأقرأ من أول الصفحة سطراً واحداً. فأخذت جزءاًوفتحته وقرأت منه سطراً، فقرأ الصفحة بأجمعها حفظاًحتى أتى على تلك الأخزاء جميعها، فرأيت منه أمراً عظيماًما هو في طاقة البشر. هذه جملة إعتراضية لا موضع لها من سياقة الحديث. وقد حضر معنا صيد هذه الفهدة وهو راكب في رجليه افدام، وفي الأرض شوك كثير وقد ضرب رجليه أدماها، وهو مشغول ينظر صيد الفهدة ولا يحس بتألم رجليه - مشغول بما يراه من تسللها إلى الغزلان وعدوها وحسن صيدها.
باز أحمر العينين
وكان الوالد رحمه الله محظوظاً من الجوارح النادرة الفارهة، وذلك انها كانت عنده كثيرة فيندر منها الجراح الفاره، وكان عنده في بعض السنين باز مقرنص بيت أحمر العينين، فكان من أفره البازة، فوصل كتاب عمي تاج الأمراء أبي المتولد مقلد رحمه الله من مصر وكان مقامه بها في خدمة الآمر بأحكام الله يقولسمعت في مجلس الأفضل ذكر الباز الأحمر العينين، والأفضل يستخبر المحدث عنه وعن صيده. فنفذه الوالد رحمه الله مع بازياره إلى الأفضل. فلما حضر بين يديه قال لههذا هو الباز الأحمر العينين؟ قال نعم يامولاي قال أي شيء يصيد؟ قاليصيد السمانة والحرجلة وما بينهما من صيد فبقي هذا الباز بمصر مدة ثم أفلت وراح وبقي سنة في البرية في شجر الجميز وقرنص في البرية، ثم عاد اصطادوه وتصيدوا به. وقد أرسل على طير منه مصيبة عظيمة.
باز إفرنجي
وكان يوماً عند الوالد رحمه الله، وقد جاء إنسان من من فلاحي معرة النعمان معه باز مقرنص مكسر ريش الأجنحه والذنب في قدر العقاب الكبير، ما رأيت قط باز مثله وقاليا مولاي كنت اصلي للدلم بالنادوف فضرب هذا الباز على دلمة في النادوف فأخذته وحملته إليك. فأخذه واحسن إلى الذي اهداه. ووصل البازيار ريشه وحمله واستجابه، وإذا الباز صائد مطابق مقرنص بيت قد افلت من الإفرنج وقرنص في جبل المعرة، فكان من أفره الجوارح واشطرها.
فرخ شاهين
وشاهدته يوماًوقد خرجنا معه رحمه الله إلى الصيد واستقبلنا على بعد رجل معه شيء ما نتحققه. فلما دنا منا وإذا معه شاهين فرخ من أكبر الشواهين واحسنها وقد خمش يده وهو حامله، فدلاه ومسك ساقيه ورجليه - والشاهين مدلي منشور الأجنحة. فلما وصلنا قاليا مولاي أصدت هذا الطير وقد جئت به إليك فسلمه الوالد إلى البازيار فأصلحه ما انكسر من ريشه. ولم يخرج مخبره مثل منظره، كان قد اتلفه الصياد بما عمل به. والشاهين هو الميزان ادنى شيء يعيبه ويفسده. وكان هذا البازيار صانعاًمجوداً في إصلاح الشواهين. كنا نخرج من باب المدينة إلى الصيد ومعنا جميع آلة الصيد حتى الشباك والفؤوس والمجارف والكلاليب لما ينجحر من الصيد، ومعنا الجوارح والبزاة والصقور والشواهين والفهود والكلاب، فإذا خرج إحداهما عن القصد تنحنح البازيار وأشار بيديه إلى النحو الذي يريده فيرجع والله الشاهين من وقته إلى ذلك النحو ورأيته وقد أدار الشاهيناً على قطعة من الصلاصل نازلة لي مرج فلما أخذ الشاهين طبقته دق له الطبل فطارت وانقلب عليها الشاهين ضرب رأس صلصلة قطعه، وأخذها ونزل. فدرنا والله على ذلك الرأس ما وجدناه، وأثره قد وقع على بعد في الماء لأننا كنا بالقرب من النهر. وقال له غلام يقال له أحمد بن مجير لم يكن ممن يركب معهيا مولاي اشتهيت أبصر الصيد. قالقدموا لأحمد فرساًيركبه ويخرج معنا. فخرجنا إلى صيد الدراج، فطار ذكر وتنر كما جرت العادة، وعلى يد الوالد رحمه الله اليحشور فأرسله عليه، فطار على الأرض والحشيش يضرب صدره والدراج قد ارتفع ارتفاعاً كبيرا. فقال له أحمديا مولاي وحياتك كان يتلاه به حتى أخذه.
كلاب صيد
وكان يجيئه من بلاد الروم الزغارية كلاب جياد ذكور وأناث. فكانت تتوالد عندنا وصيدها الطير طبع فيها. شاهدت منها جروة صغيرة قد خرجت خلف الكلاب التي مع الكلابزي، فأرسل بازاً على دراجة فبنجت في غلفاء في جرف النهر فأرسلوا الكلاب على الغلفاء لتطير الدراجة، وتلك الجروة واقفة على الجرف. فلما طارت الدراجة وثبت الجروة خلفها من على ذلك الجرف. فوقعت في وسط النهر، وما تعرف الصيد وما صادت قط. ورأيت كلباً من هذه الزغارية وقد بنجت حجلة في الجبل في بمج صعب وقد إليه الكلب وأبطأ. ثم سمعنا حشكة في داخل البنج. فقال الوالد رحمه اللهفي البنج وحش وقد قتل الكلب. ثم بعد ساعة خرج الكلب يجر رجل ابن آوى، وكان في البنج قد قتله وجره أخرجه إلينا. وكان الوالد رحمه الله قد خرج إلى اصبهان إلى دركات السلطان ملك شاه رحمه الله فحكى لي قاللما قضيت أشغالي من عند السلطان وأردت السفر أردت أن استطحب معي جارحاً اتفرج به في طريقي، فجاءوني ببزاة ومعها ابن عرس معلم يخرج الطيور من البنج، فأخذت صقوراًتصيد الأرانب والحبارى، واستصعبت مداراة السلوقية كلاب جياد، ارسل يوماً الصقور على الغزلان والأرض غب مطر ثقيلة بالوحل، وأنا معه صغير على برذون لي، وخيلهم قد وقفت من الركض في الطين وبرذوني لخفتي عليه مستظهر، وقد صرعت الصقور والكلاب والغزال. فقال لييا أسامة الحق الغزال ونزل أمسك من رجليه إلى أن نجيء ففعلت، ووصل هو يرحمه الله فذبح الغزال ومعه كلبة صفراء جواد يسمونها الحموية وخرج يهرول بها حتى رأت الغزلان، وأرسلها عليها اصطادت غزالاً آخر. وكان رحمه الله مع ثقل جسمه وكبر سنه وأنه لا يزال صائماًيركض نهاره كله. وكان لا يتصيد إلى على الحصان أو اكديش جواد ونحن معه أربعة أولاده نتعب ونكل وهو يضعف لا يكل ولا يتعب ولا يقدر وشاقي ولا صاحب جنيب ولا حامل سلاح يقصر في الركض على الصيد. وكان لي غلام اسمه يوسف معه رمحي ودقتي ويجنب حصاني فلا يركض على الصيد ولا يتعبه، فيحرد الوالد عليه، فعل ذلك مرة بعد مرة. فقال له الغلاميا مولاي ما ينفعك احد من الحاضرين، والعياذ بالله مثل ابنك هذا، فدعني اكون خلفه بحصانه وسلاحه، ان احتجته وجدته، واحسب اني ما أنا معكم فما عاد يلومه ولا ينكر عليه كونه ما يركض على الصيد.
والد أسامة يتوقف عن الصيد ليراقب الإفرنج
ونزل علينا صاحب انطاكية وقاتلنا ورحل عن غير صلح، فركب الوالد رحمه الله إلى الصيد واخرهد ماابعد عن البلد فتبعتهم خيلنا، فعادوا عليهم والوالد قد ابعد عن البلد. ووصل الإفرنج إلى البلد والوالد قد طلع على تل سكين يراهم وهم بينه وبين البلد، وما زال واقفاً على التل إلى ان انصرفوا عن البلد وعاد إلى الصيد.
الفرق بين الخيول العربية والبراذين
وكان رحمه الله يطرد اليحامير في ارض حصن الجسر فصرع منها يوماً خمسة او ستة على فرس له دهماء تسمى فرس خرجي باسم صاحبها الذي باعها كان اشتراه الوالد منه بثلاثمانة وعشرين ديناراً، فطرد آخر اليحامير فوقعت يدها في حفرة مما يحفر للخنازير فانقلبت عليه كسرت تروقته، ثم قامت ركضت قدر عشرين ذراعاً وهو مطروح، ثم عادت وقفة عند رأسه تنحب وتصهل حتى قام وجاءه الغلمان اركبوه، فهذا فعل الخيل العربية. وخرجت معه رحمه الله الى نحو الجبل لصيد الحجل، فنزل غلام له اسمه لؤلؤ رحمه الله لبعض شغله، ونخن قريب من البلد من بكره وتحته برذون، فراى ظل تركشه اجفل منه فرماه وانفلت، فركضت والله عليه انا وبعض الغلمان من بكره الى بعد العصر الى ان ألجأناه الى جشار في بعض الازوار، وقام الجشاريه مدوا له الحبل وقبضوه كما يقبض الوحش، وأخذته وعدت والوالد رحمه الله واقف في ظاهر البلد ينتظرني ما يصيد ولا ينزل في داره، فالبراذين بالوحش اشبه مما هي بالخيل.
شيخ يعترض على صيد الطيور
حكى لي رحمه الله قال كنت اخرج الى الصيد ويخرج معي الرئيس ابو تراب حيدره بن قطر متر رحمه الله وكان شيخ الذي حفظ عليه القرأن وقرأ عليه العربيه. فكنا اذا وصلنا موضع الصيد ينزل عن الفرس ويجلس على صخره يقرا القران ونحن نتصيد حوله، فاذا فرغنا من الصيد ركب وسار معنا فقال يوما يا سيدنا انا جالس على صخره واذا حجله قد جاءت وهي تتهنكف وهي معيية إلى تلك الصخرة التي أنا عليها، دخلت وإذا الباز قد أتى خلفها وهي بعيدة منها، فنزل مقابلي ولؤلؤ يصيحعينك عينك يا سيدنا، وجاء وهو يركض وأنا أقولاللهم استر عليها. فقاليا سيدنا أين الحجلة؟ قلت ما رئية شيئاً، ما جائت إلى ها هنا، وترجل عن فرسه ودار حول الصخرة وطلع تحتها فرأها. فقالأقول الحجلة ها هنا تقول لا! وأخذها يا سيدنا كسر رجليها ورماها إاى الباز، وقلبي ينقطع عليها.
صيد الأرانب
وكان هذا لؤلؤ رحمه الله أخبر الناس بالصيد، شاهدته يوماً وكانت جاءتنا من البرية أرانب جالية، فكنا نخرج نصطاد منها شيئاً كثيراً، وكانت أرانب صغار حمر! فشاهدته يوماً وقد جلى عشرة أرانب طعن التسعة بالبالة اخذها، ثم جلى أرنب عاشرة. فقال له الوالد رحمه اللهدعها، تقيمها الكلاب تنفرج عليها. فأقاموها وأرسلوا عليها الكلاب، فسبقت الأرنب وسلمت. فقال لؤلؤ يا مولاي لو كنت تركتني طعنتها وأخذتها. وشاهدت يوماً أرنباً تورناها وأرسلنا عليها الكلاب فانجرحت في الأرض الحبيبت، فدخلت كلبة سوداء خلفها بالمحجر، ثم خرجت في الحال وهي تتعوص، ثم وقعت فماتت. فما إنصرفنا عنها حتى تفسخت وماتت وتهرأت، وذالك أنها لسعتها حية في المحجر.
باز يصطاد زرزوراً
ومن عجيب ما رئيت من صيد البزاة انني خرجت مع والوالد رحمه الله عقيب مطرقد تتابع ومنعنا من الركوب أياما. فأمسك المطر فخرجنا بالبزاة نريد طير الماء، فرأينا طيور ممرجة في المرج تحت شرف، فتقدم الوالد فأرسل عليها بازاً مقرنصاً بيت فطلع مع الطيور فصاد منه ونزل فما رأينا معه شيء من الصيد فنزلنا عنده فإذا هو اصطاد زرزوراً وطبق كفه عليه فما جرحه ولا أذاه فنزل البازيار خلصه وهو سال.
صيد الوز والحباري
ورأيت من الوز السمند حمية وشجاعة كحمية الرجال وشجاعتهم، وذلك أننا أرسلنا الصقور على رف وز سمند ودققنا الطبول فطار، ولحقت الصقور وزة حطتها من بين الوز، ونحن بعيداً منها فصاحت، فترحل من الوز إليها خمسة ستة طيور يضربون الصقور بأجنحتها، فلولا نبادرهم كانوا خلصوا الوزة وقصوا أجنحة الصقور بمناقيرهم. وهذا ضد حمية البارى، فإنها إذا قرب منها الصقر نزلت إلى الأرض وكيف دار استقبلته بذنبها، فإذا دنا منها سلحت عليه، بلت ريشه وملأت عينيه وطارت، وإن أخطأته بما تفعله أخذها.
صيد اليمة
ومن أغرب ما صاده الباز مع الوالد رحمه الله انه كان على يديه باز غطراففرخ وعلى خليج ماء عيمة وهي طير كبير مثل لون البلشون إلا أنها اكبر من الكركي - من طرف جناحها إلى الطرف الآخر اربعة عشر شبراً فجعل الباز يطلبه، فأرسله عليه ودق الطبل فطار ودخل فيه الباز، أخذه ووقع في الماء. فكان ذلك سبب سلامة الباز، وإلا كان قتله بمنقاره، فرمى غلام من الغلمان نفسه بالماء بثيابه وعدته مسك العيمة وأطلعها. فلما صارت على الأرض صار الباز يبصرها ويصيح وطار عنها وما عاد يعرض لها، ولا رأيت باز سوى ذلك اصطادها، فإنها كما قال أبو العلاء بن سليمان في العنقاءأرى العنقاء تكبر إن تصطاد.
سبع يخاف أجراس الباز
وكان الوالد رحمه الله يمضي إلى حصن الجسر وهو كثير الصيد فيقيم به أياماً ونحن معه نصيد الحجل والدراج وطير الماء واليحامير والغزلان والأرانب. فمضى يوماً إليه فركبنا إلى صيد الدراج فأرسل باز يحمله ويصلحه مملوك أسمه قولا على دراجة ومضى نقولا يركض وراءه وقد بنج الدرج في غلفاء، وإذا صياح نقولا قد ملأ الأسماع وعاد يركض. قلنا مالك؟ قالالسبع خرج من الغلفاء التي وقع فيها الدراج فخليت الباز وانهزمت. وإذا السبع أيضاً ذليل مثل نقولا لما سمع أجراس الباز خرج من الغلفاء منهزماً إلى الغاب.
صيد السمك
وكنا نصيد ونعود ننزل على بوشمير نهر صغير بالقرب من الحصن وننفذ نحضر صيادي السمك فنرى منهم العجب، فيهم من معه قصبة في رأسها حربة لها جبة مثل الخشوت، ولها في الجبت ثلاثة شعب حديد طول كل جعبة ذراع. وفي رأس القصبة خيط طويل مشدود إلى يده يقف على جرف النهر وهو ضيق المدى ويبصر السمكة فيزرقها في تلك التي فيها الحديد فما يخطئها، ثم يجذبها بذلك الخيط فتطلع والسمكة فيها، وآخر من الصيادين معه عود قدر قبضه فيه شوكة وفي طرفه الأخر خيط مشدود إلى يده، ينزل يسبح في الماء يبصر السمكة يخطفها بتلك الشوكة ويخليها فيها ويطلع ويجذبه بذلك الخيط يطلع الشوكة والسمكة وآخر ينزل ويسبح ويمر يده تحت الشجر في الشطوط من الصفصاف على السمكة حتى يدخل أصابعه في خواشيم السمكة وهي لاتتحرك ولا تنفر ويأخذها ويطلع، فكانت تكون فرجتنا عليهم كفرجتنا على صيد البزاة.
غنائم البازيار
وتوالى المطر والهواء علينا أياماً ونحن في حصن الجسر، ثم أمسك المطر لحظة فجاءنا غنائم البازيلر وقال للوالدالبزاة جياع جيدة للصيد. وقد طابت وكف المطر، ما تركب؟ قالبلى فركبنا فما كان بأكثر من أن خرجنا إلى الصحراء وتفتحت أبواب السماء بالمطر. فقلنا للغنائمأنت زعمت إنها طابت وصحت حتى اخرجتنا في هذا المطر! قالما كان لكم عيون تبصر الغيم ودلائل المطر؟ كنتم قلتم لي تكذب في لحيتك ما هي طيبة ولا صاحية! وكان هذا غنائم صانعاً جيداًفي إصلاح الشواهين والبزاة خبير بالجوارح، ظريف الحديث طيب العشرة، قد رأى من الجوارح ما يعرف وما لا يعرف. خرجنا يوماً إلى الصيد من حصن شيزر فرأينا عند الرحا الجلالي شيئاً وإذا كركي مطروح على الأرض، فنزل غلام قلبه وإذا هو ميت وهو حار ما برد بعد فآه غنائم فقالهذا قد اصطاده اللزيق. فتش تحت جناحه وإذا جانب الكركي مثقوب وقد أكل قلبه. فقالغنائمهذا جارح مثل العوسق يلحق الكركي يلصق تحت جناحه يثقب أضلاعه ويأكل قلبه.
وقضى الله سبحانه وتعالى أنتقل إلى خدمت أتابك زنكي رحمه الله. فجاءه جارح مثل العوسق أحمر المنسر والرجلين جفونه عينيه حمر وهو من أحسن الجوارح فقالواهذا البزيق. مابقي عنده إلا أياماً قلائل وقرض السيور بمنسره وطار.
صيد حمير الوحش
وخرج الوالد رحمه الله إلى صيد الغزلان وأنا معه صغير فوصل وادي القناطر وإذا فيه عبيد حرامية يقطعون الطريق فأخذهم وكتفهم وسلمهم إلى قوم من غلمانه يوصلوهم إلى حبس في شيزر. فأخذت أنا خشت من بعضهم وسرنا في الصيد، وإذا عانة حمير وحش. فقلت للوالديا مولاي ما أبصرت حمير الوحش قبل اليوم، عن أمرك أركض أبصرهم. فقالإفعل. وتحتي فرس شقراء من أجود الخيل، فركضت وفي يدي ذلك الخشت الذي أخذته من الحرامية، فصرت وسط العانة فأخذت منها حماراً وصرت أطعنه بذلك الخشت فلا يعمل فيه شيئاًلضعف يدي وقلة مضاء الحربة. فرددت الحمار حتى ردته إلى أصحابي فأخذوه. فعجب والدي ومن معه من عدوا تلك الفرس. فقضى الله سبحانه أنني خرجت يوماً أتفرج على نهر شيزر وهي تحتي ومعي مقرىء ينشد مرة ويقرأ مرة ويغني مرة، فنزلت تحت الشجرة ودفعت الفرس إلى الغلام فعمل فيها شكلاً. وكان إلى جانب النهر فنقرت فوقعت في النهر على جنبها. وكلما أردت تقوم تعود تقع في الماء لأجل الأشكال. وكان الغلام صغيراًلايقدر على تخليصها. ونحن لا نعلم ولا ندري. فلما قاربت الموت صاح بنا فجئناها وهي في آخر رمقفقطعنا شكالها وأطلعناها فماتت، وما كان الماء يصل إلى عضدها إنما الشكال أهلكها.
يخاف على الباز من الغرق
وخرج يوماً الوالد رحمه الله إلى الصيد وخرج معه أمير يقال له الصمصام من أصحاب فخر الدين الملك بن عمار صاحب طرابلس على سبيل الخدمة وهو رجل قليل المخبرة بالصيد. فأرسل الوالد بازاً على طير الماء فأخذ منها طيراً ووقع في وسط النهر، فجعل الصمصام يدق يداً على يد ويقوللا حول ولا قوة إلى بلاه، كيف كان خروجي في هذا اليوم؟ فقلت لهياصمصام تخاف على الباز أن يغرق؟ قال نعم قد غرق بطة هوحتى يقع في الماءولا يغرق؟ فضحكت وقلتالساعة يطلع. فأخذ الباز رأس الطير وسبح وهو معه حتى طلع به. فبقى الصمصام يتعجب من ذلك ويسبح الله سبحانه ويحمده على سلامة الباز.
لكل حيوان أجله
ومنايا الحيوان مختلفه الالوان قد كان الوالد رحمه الله أرسل زرقا أبيض على درجه، فوقعت الدراجه في غلفاء ودخل معها الزرق، وفي الغلفاء ابن اوى أخذ الزرق قطع رأسه، وكان من خيار الجوارح وافرهها. ورايت من منايا الجوارح وقد ركبت يوما وبين يدي غلام لي معه باشق فرماه على عصافير فأخذ عصفورا. وجاء الغلام ذبح العصفور في رجل الباشق فنفض الباشق رأسه وتقيأ دما ووقع ميتا، والعصفور في تلفه مذبوح فسبحان مقدر الاجال. واجتزت يوما من باب فتحناه في الحصن لعماره كانت هناك ومعي زر بطانه فرأيت عصفورا على حائط انا واقف تحته فرميته ببندقيه فأخطأته وطار العصفور وعيني الى البندقيه، فنزلت مع الحائط وقد أخرج عصفورا رأسه من نقب في الحائط فوقعت البندقيه على رأسه فقتلته ووقع بين يديفذبحته، وما كان صيده عن قصد ولا أعتماد. وأرسل رحمه الله يوما الباز على أرنب قامت لنا في زور كثير الشوك فأخذها وانفرطت منه فجلس على الارض وراحت الارانب، فركضت أنا فرسا دهماء تحتي من جياد الخيل لأرد الأرنب، فوقت يد الفرس في حفره فانقلبت علي، فملأت يدي ووجهي من ذلك الشوك وانفسخت رجل الفرس. ثم انتقل الباز من الأرض بعدما أبعدت الأرنب لحقها اصادها! فكأنه كان قصده اتلاف فرسي واذيتي بالوقوع في الشوك
صيد الخنزير
فأصبحنا يوما في اول يوم من رجب صياما، فقلت للوالد رحمه الله اشتهي أخرج أتشاغل بالصيد عن الصيام. قال أخرج، فخرجت انا وأخي بهاء الدوله ابو المغيث منقذ رحمه الله ومعنا بعض البزاه الى الأزوار فدخلنا في سوس، فقام لنا خنزير ذكر فطعنه أخي، جرحه ودخل ذلك السوس فقال أخي الساعه يكربه الجرح ويخرج استقبله اطعنه اقتله. قلت لاتفعل يضرب فرسك يقتلها. نحن نتحدث والخنزير خرج يريد زورا أخر، فالتقاه أخي طعنه في سنامه أنكسرت فيه عاليه القنطاريه التي طعنه بها ودخل تحت فرس شقراء تحته عشراء محجله شعلاء ضربها رماها ورماه. فأما الفرس فأنفست فخذها وتلفت، وأما هو فأنفكت اصبعه الخنصر وانكسر خاتمه. وركضت انا خلف الخنزير فدخل في سوس مخصب وخناث فيه باقوره نائمه ما أراها من ذلك الغاب فقام منها ثور في صدر حصاني فندسه، فوقعت ووقع الحصان وانكسر لجامه وقمت أخذت الرمح وركبت ولحقته وقد رمى نفسه في النهر، فوقفت على جرف النهر ورزقته بالرمح فوقع فيه وأنكسر منه قدر ذراعين وبقيت الحربه فيه وسبح الى ناحيه النهر، فصحنا بقوم من ذالك الجانب يضربون لبنا لعمارت بيوت في قريه لعمي، فجاءوا ووقفوا عليه وهو تحت جرف لايقدر يطلع منه فجعلوا يرمونه بالحجاره الكبار حتى قتلوه وقلت لركابي لي أنزل اليه، فقلع عدته وتعرى وأخذ سيفه وسبح اليه ثم قتله وسحب برجله وأتى به وهو يقول غرفكم الله بركات صيام رجب! استفتحناه بنجس الخنزير. ولو كان للخنزير ظفر ناب مثل الاسد كان أشد بأسا من الاسد فلقد رأيت منها خنزيره قد أقمناها عن جريات لها وواحد يضرب حافر فرس غلام معي بفمه وهو في قد جرو القط، فأخذ الغلام من تركشه نشابه ومال اليه طعنه بها ورفعه بالنشابه، فعجبت من قتاله وضربه حافزا لفرس وهو بحيث يحمل في سهل نشاب.
صيد الحجل
كان من عجائب الصيد اننا كنا نخرج الى الجبل الى صيد الحجل ومعنا عشره بزاه نتصيد بها النهار كله، والبازياريه مفترقه في الجبل ومع كل بازيار فارسان ثلاثه من المماليك، ومعنا كلابزيان اسم الواحد بطرس ولآخر زرزور باديه وكلما ارسل البازيار على حجله وبنجت قد صاحوا يا بطرس! يعدو اليهم مثل الهجين. كذالك النهار كله يعدو من جبل الى جبل هو ورفيقه، فاذا اشبعنا البزاه ورجعنا أخذ بطرس قلاعه وعدا خلف واحد من المماليك ضربه بها، اخذ الغلام قلاعه وضرب بطرس. فلا يزال يطارد الغلمان وهم ركاب وهو راجل ويرميهم باقلاع من الجبل الى باب المدينه ما كأنه كان نهاره كله يعدو من جبل الى جبل.
الكلاب الزغارية
ومن عجائب الكلاب الزغارية أنها ما تأكل الطيور ولا تأكل منها إلى رؤوسها وأرجلها التي ما عليها لحم والعظام التي أكلت البزات لحمها. وكان للوالد رحمه الله كلبة سوداء زغارية يضع الغلملن بالليل عاى رأسها السراج ويقعدون يلعبون بالشطرنج وهي لا تتحرك ولا تزول حتى عمشت عيناهاوكان الوالد يحرد على الغلمان ويقولقد أعميتم هذه الكلبة! ولا ينتهون عنها. وأهدى الأمير شهاب الدين مالك بن سالم بن مالك صاحب القلعة للوالد كلبة عروفاً ترسل تحت الصقور على الغزلان فكنا نرى منهم العجب.
الصيد بموجب النظام
وصيد الصقور بالترتيب يرسل في الأول المقدم فيعلق بأذن غزال يضربه، ويرسل العون بعده فيضرب غزالآً آخر، ويرسل العون الأخر فيفعل كذلك، ويرسل الرابع فيضرب كل صقر منها على غزال، فيأخذ المقدم أذن غزال ويفرده من الغزلان فترجع الصقور جميعها إليه وتترك تلك الغزلان التي كانت تضربها. وهذه الكلبة تحت الصقور فيتفق أن يظهر العقاب فتحل الصقور عن الغزال فيمضي الغزال وتدور الصقور. فكنا نرى تلك تلك الكلبة قد رجعت عن الغزلان وقت رجوع الصقور وهي تدور تحت الصقور في الأرض كما تدور الصقور في الهواء حلقة، ولا تزال تدورتحتها حتى تنزل الصقور إلى الدعو، فحينئذ تقف وتمشي خلف الخيل.
صيد الغزلان والدراج
وكان بين شهاب الدين مالك وبين والدي رحمهما الله مودة ومواصلة بالمكاتبات والرسل، فنفذ إليه يوماً يقول خرجت إلى صيد الغزلان فاصطدنا منها ثلاثة آلاف خشف يوم. وذلك أن غزلان عندهم في أرض القلعة كثيره وهم يخرجون وقت ولاد الغزلان خيالة ورجالة فيلأخذون منها ما قد ولد تلك الليلة وقبلها بليلة وثلاث ويقشنها كما يقش الحطب والعشب. والدراج عندهم كثير في الأزوار عاى الفرات. وإذا شق جوفه الدراجة وأزيل ما فيه وحشي بالشعر لا تتغير رائحتها أياماً كثيرة. ورأيت يوماً دراجة قد شق جوفها وأخرجت قانصتها وفيها حية قد أكلت نحو من شبر. وقتلنا مرة ونحن نصيد حية قد شق جوفها وخرجت قانصتها وفيها حية قد أكلتها نحو من شبر. وقتلنا مرة ونحن في الصيد حية خرج من جوفها حية قد بلعتها صحيحة دونها بيسير. ففي طباع جميع الحيوان اعتداء القوي على الضعيف
حصر المصيد ذكر الصيد وقد شهدته سبعين سنو من عمري غير ممكن ولا مستطاع وتضييع الأوقات في الخرافات، من أعظم عوارض الآفات، وأنا أستغفر الله تعالى من تضييع الصبابة الباقية من العمر، في غير طاعة واكتساب ثواب وأجر، وهو تبارك وتعالى يغفر الخطية، ويجزل من رحمته العطية، فهو الكريم الذي لا يخيب آمله، ولا يرد سائله.
آخر الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعلى آله الطاهرين أجمعين وسلم تسليما وحسبنا الله ونعم الوكيل
وكان في آخر الكتاب ما مثاله قرأت هذا الكتاب من أوله إلى آخره في عدة مجالس على مولاي جدي الأمير الأجلّ العالم الفاضل الصدر الكامل عضد الدين جليس الملوك والسلاطين حجّة العرب خالصة أمير المؤمنين أدام الله سعادته وسألته أن يجريني روايته عنه فأجابني إلى ذلك وسطر خطه الكريم به وذلك في يوم الخميس ثالث عشر صفر سنة عشرة وستمائة صحيح ذلك وكتب جدّه مرهف بن أسامة بن المنقذ حامدا ومصليا.