► | ☰ |
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
أما بعد: فإني وقفت على كتاب ( تأنيب الخطيب ) للأستاذ العلامة محمد زاهد الكوثري، الذي تعقب فيه ما ذكره الحافظ المحدث الخطيب البغدادي في ترجمة الإمام أبي حنيفة من ( تاريخ بغداد ) من الروايات عن الماضين في الغض من أبي حنيفة، فرأيت الأستاذ تعدى ما يوافقه عليه أهل العلم من توقير أبي حنيفة وحسن الذب عنه – إلى ما لا يرضاه عالم متثبت من المغالطات المضادة للأمانة العلمية، ومن التخليط في القواعد، والطعن في أئمة السنة ونقلتها، حتى 10 تناول بعض أفاضل الصحابة والتابعين والأئمة الثلاثة مالكا والشافعي وأحمد وأضرابهم وكبار أئمة الحديث وثقات نقلته والرد لأحاديث صحيحة ثابتة، والعيب للعقيدة السلفية، فأساء في ذلك جدًا حتى إلى الإمام أبي حنيفة نفسه، فإن من لا يزعم أنه لا يتأتى الدفاع عن أبي حنيفة إلا بمثل ذلك الصنيع فساء ما يثني عليه، [1] فدعاني ذلك إلى تعقيب الأستاذ فيما تعدى فيه، فجمعت في ذلك كتابًا أسميته ( التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل )، ورتبته على أربعة أقسام:
( القسم الأول ) في تحرير القواعد التي خلط فيها.
( الثاني ) في تراجم الأئمة والرواة الذين طعن فيهم وهم نحو ثلاثمائة فيهم أنس بن مالك رضي الله عنه، وهشام بن عروة بن الزبير بن العوام، والأئمة الثلاثة، وفيهم الخطيب، وأدرجت في ذلك تراجم أفراد مطعون فيهم حاول توثيقهم، ورتبت التراجم على الحروف المعجمة.
( الثالث ) في الفقهيات، وهي مسائل انتقدت على أبي حنيفة وأصحابه، حاول الأستاذ الانتصار لمذهبه.
11 ( الرابع ) في الاعتقاديات، ذكرت فيه الحجة الواضحة لصحة عقيدة أئمة الحديث إجمالًا. وعدة مسائل تعرض لها الأستاذ، ولم أقتصر على مقصود التعقب، بل حرصت على أن يكون الكتاب جامعًا لفوائد غزيرة في علوم السنة مما يعين على التبحر والتحقيق فيها.
وحرصت على توخي الحق والعدل، واجتناب ما كرهته للأستاذ، خلا أن إفراطه في إساءة القول في الأئمة جرأني على أن أصرح ببعض ما يقتضيه صنيعه.
وأسأل الله التوفيق لي وله.
والكتاب على وشك التمام، وهذه ( طليعة ) له أعجلها للقراء شرحت فيها من مغالطات الأستاذ ومجازفاته، وذلك أنواع.
1
فمن أوابده تبديل الرواة، يتكلم في الأسانيد التي يسوقها الخطيب طاعنًا في رجالها واحدًا واحدًا، فيمر به الرجل الثقة الذي لا يجد فيه طعنًا مقبولًا فيفتش الأستاذ عن رجل آخر يوافق ذلك الثقة في الاسم واسم 12 الأب ويكون مقدوحًا فيه، فإذا ظفر به زعم أنه هو الذي في السند. [2]
فمن أمثلة ذلك:
1، 2 – صالح بن أحمد، ومحمد بن أيوب. قال الخطيب في ( التاريخ ) ( ج13 ص394 ) « أخبرنا محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز بهمذان حدثنا صالح بن أحمد التميمي الحافظ حدثنا القاسم بن أبي صالح حدثنا محمد بن أيوب أخبرنا إبراهيم بشار قال سمعت سفيان بن عيينة …. ».
تكلم الأستاذ في هذه الرواية ص97 من ( التأنيب ) فقال: ( في سنده صالح بن أحمد التميمي، وهو ابن أبي مقاتل القيراطي هروي الأصل، ذكر الخطيب عن ابن حبان أنه كان يسرق الحديث.... والقاسم بن أبي صالح الحذاء ذهبت كتبه بعد الفتنة، فكان يقرأ من كتب الناس وكف بصره كما قاله العراقي، ونقله ابن حجر في ( لسان الميزان )، ومحمد بن أيوب ابن هشام الرازي كذبه أبو حاتم، ولا أدري كيف يسوق الخطيب مثل ذلك الخبر بمثل السند المذكور، ولعل الله سبحانه طمس بصيرته ليفضحه فيما يدعي 13 أنه المحفوظ عند النقلة بخذلانه المكشوف في كل خطوة.
( أقول ) أما صالح فهو صالح بن أحمد، وهو موصوف في السند نفسه بأنه:
(1)تميمي
(2)وحافظ
(3)ويظهر أنه همذاني لأن شيخه والراوي عنه همذانيان.
(4)ويروي عن القاسم بن أبي صالح.
(5)ويروي عنه محمد بن عيسى بن عبد العزيز.
(6)وينبغي بمقتضى العادة أن يكون توفي بعد القاسم بمدة.
(7)وينبغي بمقتضى العادة أن لا يكون بين وفاته ووفاة الراوي عنه مدة طويلة مما يندر مثله.
وهذه الأوجه كلها منتفية في حق القيراطي، فلم يوصف بأنه تميمي، ولا بأنه حافظ وإن قيل كان يذكر بالحفظ، فإن هذا لا يستلزم أن يطلق عليه لقب ( الحافظ )، ولم يذكر أنه همذاني، بل ذكروا أنه هروي الأصل سكن بغداد [3] ولم تذكر له رواية عن القاسم [4] ولا لمحمد بن عبد العزيز رواية عنه، [5] [ والظاهر أنه جيءَ به إلى بغداد طفلًا، أو ولد بها، فإن في ترجمته من ( تاريخ بغداد ) ذكر جماعة من شيوخه وكلهم عراقيون من أهل بغداد والبصرة ونواحيها، أو ممن ورد على بغداد، وسماعه منه قديم، فمن شيوخه البغداديين يعقوب الدروقي المتوفى سنة 252 [6]، ويوسف بن موسى القطان المتوفى 253، ومن البصريين محمد بن يحيى بن أبي حزم القِطَعي المتوفى سنة 253، وصرح الخطيب في ترجمة فضلك الرازي بأن ابن أبي مقاتل بغدادي فلا شأن له من جهة السماع بهمذان ولا بهراة ]. [7] وكانت وفاته سنة 316هـ، أي قبل وفاة القاسم باثنتين وعشرين سنة، وقبل وفاة محمد بن عيسى بن عبد العزيز بمائة وأربع عشرة سنة.
14 ومن اطلع على ( التأنيب ) وغيره من مؤلفات الأستاذ علم أنه لم يؤت من جهل بطريق الكشف عن تراجم الرجال الواقعين في الأسانيد، ومعرفة كيف يعلم انطباق الترجمة على المذكور في السند من عدم انطباقها، ولا من بخل بالوقت ولا سآمة للتفتيش؛ فلا بد أن يكون قد عرف أكثر هذه الوجوه إن لم نقل جميعها وبذلك علم لا محالة أن صالح بن أحمد الواقع في السند ليس بالقيراطي فيحمله ذلك على مواصلة البحث، فيجد في ( تاريخ بغداد ) نفسه في الصفحة اليسرى التي تلت الصفحة التي فيها ترجمة القيراطي، وقد نقل الكوثري عنها، سيجد ثمة رجلًا آخر صالحًا « صالح بن أحمد بن محمد أبو الفضل التميمي الهمذاني قدم بغداد وحدث بها عن... والقاسم بن بندار ( وهو القاسم بن أبي صالح كما في ترجمته من ( لسان الميزان )، وقد نقل الأستاذ عنها ).... وكان حافظًا فهمًا ثقة ثبتًا.... ». ولهذا الحافظ ترجمة في ( تذكرة الحفاظ ) ج3 ص181 وفيها في أسماء شيوخه « القاسم بن أبي صالح » وفيها ثناء أهل العلم عليه، وفيها أن وفاته سنة 384، وذكره 15 ابن السمعاني في ( الأنساب ) الورقة 592، وذكر في الرواة عنه أبا الفضل محمد بن عيسى البزاز، وإذا كانت وفاة هذا الحافظ سنة 384 فهي متأخرة عن وفاة القاسم بست وأربعين سنة، ومثل هذا يكثر في العادة في الفرق بين وفاة الرجل ووفاة شيخه ووفاة الراوي عنه، فاتضح يقينًا أن هذا الحافظ الفهم الثقة الثابت هو الواقع في السند.
وقد عرف الكوثري هذا حق معرفته، والدليل على ذلك:
أولًا: ما عرفناه من معرفته وتيقظه.
ثانيًا: أن ترجمة التميمي قريبة من ترجمة القيراطي التي طالعها الكوثري.
ثالثًا: أن من عادة الكوثري، كما يعلم من ( التأنيب )، أنه عندما يريد القدح في الراوي يتتبع التراجم التي فيها ذلك الاسم واسم الأب فيما تصل إليه يده من الكتب، ولا يكاد يقنع بترجمة فيها قدح، لطمعه أن يجد أخرى فيها قدح أشفى لغيظه.
16 رابعًا: في عبارة الكوثري « والقاسم بن أبي صالح الحذاء ذهبت كتبه بعد الفتنة، وكان يقرأ من كتب الناس وكف بصره، قاله العراقي، ونقله ابن حجر في ( لسان الميزان ) ».
والذي في ( لسان الميزان ) جزء 4 ص460:
« ( ز ) – قاسم بن أبي صالح بندار الحذاء... روى عنه إبراهيم بن محمد بن يعقوب وصالح بن أحمد الحافظ.... قال صالح كان صدوقًا متقنًا لحديثه وكتبه صحاح بخطه، فلما وقعت الفتنة ذهبت عنه كتبه فكأن يقرأ من كتب الناس وكف بصره، وسماع المتقدمين عنه أصح ».
وحرف ( ز ) أول الترجمة إشارة إلى أنها من زيادة ابن حجر. وكما نبه عليه في خطبة ( اللسان )، وذكر هناك أن لشيخه العراقي ذيلًا على الميزان، وأنه إذا أراد ترجمة في ( اللسان ) فما كان من ذيل شيخه العراقي جعل في أول الترجمة حرف ( ذ ) وما كان من غيره جعل حرف ( ز ) فعلم من هذا أن ترجمة القاسم من زيادة ابن حجر نفسه لا من ذيل العراقي.
وهب أن الكوثري وهمَ في هذا، فالمقصود هنا أن الذي في الترجمة من الكلام في القاسم هو من كلام الراوي 17 عنه صالح بن أحمد الحافظ، فلماذا دلس الكوثري النقل وحرفه ونسبه إلى العراقي؟
الجواب واضح، وهو أن الكوثري خشي إن نسب الكلام إلى صالح بن أحمد الحافظ أن ينتبّه القارئ فيفهم أن صالح بن أحمد الحافظ هذا هو في الواقع في سند الخطيب وليس هو القيراطي لوجهين:
( الأول ) أن القيراطي مطعون فيه، فلم يكن الحفاظ ليعتدوا بكلامه في القاسم، وكذلك الكوثري لم يكن ليعتد بكلام القيراطي.
( الثاني ) أن كلام صالح في الترجمة يدل أنه تأخر بعد القاسم، والقيراطي توفي قبل القاسم باثنتين وعشرين سنة، وبهذا يتبين أن الكلام في القاسم لا يضره بالنسبة إلى رواية الخطيب، لأنها من رواية صالح بن أحمد الحافظ نفسه عنه وهو المتكلم فيه، فلم يكن ليروي عنه إلا ما سمعه منه من أصوله قبل ذهابها، فأعرض الكوثري لهذين الغرضين عن صالح بن أحمد الحافظ، ونسب كلامه إلى العراقي وحذف من العبارة ما فيه ثناء على القاسم، وهذه 18 عادة له ستأتي أمثلة منها إن شاء الله تعالى.
والمقصود هنا إثبات أن الكوثري قد عرف يقينًا أن صالح بن أحمد الواقع في السند ليس هو بالقيراطي، بل هو ذاك الحافظ الفهم الثقة الثبت، [8] ولكن كان الكوثري مضطرًا إلى الطعن في تلك الرواية، ولم يجد في ذاك الحافظ مغمزًا، ووقعت بيده ترجمة القيراطي المطعون فيه وعرف أن هذا الفن أصبح في غاية الغربة فغلب على ظنه أنه إذا زعم أن الواقع في السند هو القيراطي لا يرد ذلك عليه أحد، فأما الله تبارك وتعالى فله معه حساب آخر والله المستعان.
وأما محمد بن أيوب فالكوثري يعلم بهذا الاسم في تلك الطبقة، والمراد عند الإطلاق في الرواية هو الحافظ الجليل الثقة الثبت محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس ترجمته في ( تذكرة الحفاظ ) جزء 3 صفحة 195.
وقد احتج الكوثري ص114 في معارضة ما رواه ابن أبي حاتم عن 19 أبيه عن ابن أبي سريج بما رواه الخطيب عن البرقاني عن أبي العباس بن حمدان عن محمد بن أيوب عن ابن أبي سريج، وذلك بناء من الكوثري على أن شيخ ابن حمدان هو محمد بن أيوب بن يحيى ابن الضريس لشهرته، هذا مع أنه لا يعرف لابن الضريس رواية عن ابن سريج فأما روايته عن إبراهيم بن بشار فنص عليها المزي في ترجمة إبراهيم من ( تهذيبه ) قال:
« روى عنه.... ومحمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس ».
فأما محمد بن أيوب بن هشام فمقل مرغوب عن الرواية عنه، لا تعرف له رواية عن إبراهيم بن بشار ولا للقاسم بن أبي صالح رواية عنه.
فقد بدل الكوثري عمدًا في ذاك السند حافظين جليلين برجلين مطعون فيهما، وصنع ما صنع في شأن القاسم بن أبي صالح، وقد بان أنه ثقة وأن هذه الرواية من صحيح روايته.
ومن العجائب أن الكوثري ارتكب هذه الأباطيل وهو يعلم أن ذلك لا يغني عنه شيئًا، ولو لم تتبين الحقيقة، لأن الأثر ثابت عن إبراهيم بن بشار من غير هذه الطريق، فقد ذكره ابن عبد البر في (الانتقاء) ص148 20 عن ( تاريخ ابن أبي خيثمة ) قال: « حدثنا إبراهيم بن بشار.... »، و ( الانتقاء ) تحت نظر الكوثري كل وقت كما يدل عليه كثرة نقله عنه في ( التأنيب ).
وأعجب من هذا كله وأغرب قول الكوثري بعد تلك الأفاعيل:
« ولا أدري كيف يسوق الخطيب.... ولعل الله سبحانه طمس بصيرته ليفضحه بخلانه المكشوف في كل خطوة ».
وهذا المترجى واقع، ولكن بمن؟!
3- أحمد بن الخليل، قال الخطيب جزء13 ص375: « أخبرنا ابن الفضل أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا بن سفيان حدثنا أحمد بن الخليل حدثنا عبدة... ». ذكر الكوثري هذه الرواية ص46 وقال: أحمد بن الخليل هو البغدادي المعروف بجور توفي سنة 260، قال الدارقطني: 21 ضعيف لا يحتج به، وهكذا يكون المحفوظ عند الخطيب.
أقول: الصواب في لقب البغدادي الذي تكلم فيه الدارقطني ( حور ) بالحاء المهملة كما ضبطه أصحاب ( المشتبه ) – والذي في ( الميزان ) و ( اللسان ) في وفاته: ( بقي إلى ما بعد الستين ومائتين ) ولم يذكروا له رواية عن عبدة، ولا ليعقوب بن سفيان رواية عنه، وقد قال يعقوب بن سفيان كما في ترجمة أحمد بن صالح من ( تهذيب التهذيب ): كتبت عن ألف شيخ وكسر كلهم ثقات.
وقبل ترجمة ( حور ) في ( تاريخ بغداد ) ترجمة رجل آخر هو ( أحمد بن الخليل أبو علي التاجر البغدادي..... روى عنه..... ويعقوب بن سفيان ) وهذا التاجر له ترجمة في ( التهذيب )، وفيها رواية يعقوب بن سفيان عنه، وتوثيق الأئمة له وفيها:
« قلت: لم أر له في أسماء شيوخ النسائي ذكرًا بل الذي فيه أحمد بن الخليل نيسابوري كتبنا عنه لا بأس به، وقد قال الدارقطني: قديم، لم يحدث عنه من البغداديين أحد 22 وإنما حديثه بخراسان فلعله سكن خراسان ».
أقول: فكأن النسائي نسبه إلى مسكنه – فهذا هو الواقع في سند الخطيب، لأنه هو الذي يروي عنه يعقوب بن سفيان، ولأنه ثقة، ويعقوب كتب عن الثقات، ولأنه سكن خراسان.
وشيخه في السند عبدة، وهو خراساني، ولا ريب أن الكوثري عند تفتيشه عن أحمد بن الخليل وقف أولًا على ترجمة هذا التاجر وعرف أنه هو الواقع في السند، ولكنه رآه ثقة، وهو بالحاجة إلى الطعن في تلك الرواية فعدل عنه إلى ذاك الضعيف ( حور ). نعوذ بالله من الحور بعد الكور، وهكذا تكون الأمانة!
4- محمد بن جبّويه، قال الخطيب ( ج3 ص370 ): « جبريل بن محمد المعدل بهمذان حدثنا محمد بن حيويه ( كذا ) النخاس حدثنا محمود بن غيلان » ذكر الكوثري هذه الرواية ص34 وقال « في الطبعات الثلاث، حيويه والصحيح جبويه، هو ابن جبويه النخاس الهمذاني وقد كذبه الذهبي في ( تلخيص المستدرك ) حيث قال في حديث مينا: ابن جبويه 23 متهم بالكذب ».
وذكر الخطيب جزء 13 صفحة 381 أثرًا آخر بمثل السند المتقدم، فقال الكوثري ص64:
« ووقع في الطبعات الثلاث بلفظ حيويه، وهو تصحيف كما سبق، متهم بالكذب، وقال الذهبي في ( مشتبه النسبة ) ( كذا ) [9] ومحمد بن جبويه الهمذاني عن محمود بن غيلان. ا ه. لكن لا يمكن إدراكه لابن غيلان، والخبر كذب ملفق ».
( أقول ) قول الكوثري « لا يمكن إدراكه لابن غيلان » واضح الدلالة على أنه اطلع على وفاة هذا الرجل، وليست مذكورة في ( تلخيص المستدرك ) ولا في ( المشتبه )، وإنما هي مذكورة في ترجمته من الكتب، إذن فقد اطلع الكوثري على ترجمته، وهذا واضح؛ فإنه يبعد أن يعثر الأستاذ على ما في ( تلخيص المستدرك ) بدون أن يقف على الترجمة، وهبه عثر على ذلك قبل النظر في الترجمة، فمن عادته أنه لا يشتفي بمثل ذلك الطعن بل يفتش على الترجمة لعله يجد فيها طعنًا أشد من ذلك، وكأنني بالكوثري أول ما نظر في هذا الرجل راجع ( الميزان ) و ( اللسان )، فوجد في الأول بين ترجمتي محمد بن حنيفة ومحمد بن حيدره: « محمد بن حيويه بن المؤمل الكرجي.... 24 قال الخطيب.... » ووجد في الثاني بين ترجمتي محمد بن حويطب ومحمد بن حيدره كما في الأول، وزاد: « وروى أيضًا عن الدبري.... مات سنة 373 وأورد له الحاكم في المستدرك حديثًا في مناقب فاطمة. فقال الذهبي: محمد بن حيويه الكرجي متهم بالكذب ». ولما وجد الكوثري فيهما « قال الخطيب » راجع ( تاريخ بغداد ) فوجد فيه ج5 ص233 في أواخر الحاء المهملة من أباء المحمدين ترجمة هذا الرجل؛ ولما وجد في ( اللسان ) ذكر ( المستدرك ) راجع فضائل فاطمة عليهم السلام من المستدرك، فوجد فيه جزء 3 ص160 « حدثنا أبو بكر محمد بن حيويه بن المؤمل الهمذاني حدثنا إسحاق.... » وفي ( تلخيصه للذهبي ): « حدثنا محمد بن حيويه الهمذاني حدثنا إسحاق الدبري »، ثم قال الذهبي: « ابن حيويه متهم بالكذب ». ولم يجد الأستاذ في هذه المراجع كلها ما يشعر بأن هذا هو الواقع في سند تينك الروايتين عند الخطيب، بل وجد ما يدفع ذلك؛ فإنهم أرّخوا وفاة هذا الرجل سنة 373 وشيخ الواقع في السند محمود بن غيلان وفاته سنة 239، ومن هنا أخذ الأستاذ أنه لم يدركه، ثم راجع الكوثري ( مشتبه الذهبي ) لعله 25 يجد فيه ذكرًا للواقع في السند فظفر بذلك « محمد بن جبويه الهمذاني عن محمود بن غيلان » فعلم أن هذا هو الواقع في السند وأنه غير الكرجي.
أولا: لأنهم اتفقوا على أن أول اسم والد الكرجي حاء مهملة، وكلهم من أئمة ( المشتبه )، ومنهم الذهبي نفسه في ( الميزان ) وهو الذي ضبط والد الراوي عن محمود ابن غيلان بالجيم والموحدة.
ثانيًا: لأن الذهبي يقول في ابن جبويه: « عن محمود بن غيلان »، والكرجي لم يدرك محمودًا، فانقسم الكوثري شطرين، شطره [10] حقق أن الصواب في الواقع في السند ( محمد بن جبويه ) بالجيم والموحدة، وشطره مال مع الهوى، فزعم أن الواقع في السند هو الذي اتهمه الذهبي!
وكنت كذي رِجلين رجل صحيحة ** ورجل رمى فيها الزمان فشلت
26 وقد ذكر ابن ماكولا في ( الإكمال ) الرجلين فقال: « أما جبويه أوله جيم معجمة بعدها باء مشددة بواحدة، فهو محمد بن جبويه بن بندار أبو جعفر الهمذاني النخاس، يروي عن محمود بن غيلان حدث عنه.... ». ( وجبريل بن محمد ) وقال فيمن أوله حاء مهملة ( وأما حيويه بياء قبل الواو معجمة باثنتين من تحتها فهو... ومحمد بن حيويه أبو بكر الكرجي، يعرف بابن أبي روضة حدث عن... وإسحاق الدبري ».
وعذر الكوثري أن ابن جبويه لم يطعن فيه أحد، وهو مضطر إلى الطعن في تينك الروايتين، وهكذا تكون الأمانة عند الكوثري.
هذا والأثر الأول رواه محمود بن غيلان عن وكيع، فقال الكوثري بعدما تقدم: « فلا يصح هذا الخبر عن وكيع بمثل هذا السند، والذي صح عنه هو ما أخرجه الحافظ أبو القاسم بن أبي العوام صاحب النسائي والطحاوي في كتابه ( فضائل أبي حنيفة وأصحابه ) المحفوظ بدار الكتب المصرية وعليه خطوط كثير من كبار العلماء الأقدمين وسماعاتهم، وهو من 27 مرويات السلفي حيث قال: حدثني محمد بن أحمد بن حماد قال: حدثنا إبراهيم بن جنيد قال حدثنا عبيد بن يعيش قال حدثنا وكيع... ا ه، وأين هذا من ذاك؟! فبذلك تبين ما في رواية الخطيب بطريق ابن جبويه الكذاب من الدخائل. هكذا يكون المحفوظ عند الخطيب، نسأل الله العافية ».
( أقول ): المشهور من آل أبي العوام أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد، ولاه العبيديون الباطنية القضاء بمصر، فكان يقضي بمذهبهم، ولم أر من وثقه؛ روى عنه الشهاب القضاعي هذا الكتاب الذي ذكره الكوثري، رواه أحمد عن أبيه عن جده على أنه تأليف الجد عبد الله بن محمد، وقد فتشت عن تراجمهم، فأما أحمد بن محمد فله ترجمة في ( قضاة مصر ) وفي ( الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية ) لعبد القادر القرشي، ووعد القرشي أن يذكر أباه وجده، ثم ذكر الجد فقال: « عبد الله بن محمد بن أحمد جد أحمد بن محمد بن عبد الله الإمام المذكور في حرف الألف، ويأتي ابنه محمد ».
هذا نص الترجمة بحذافيرها، ولم أجد 28 فيها [11] ترجمة لمحمد، فعبد الله هذا هو الذي يقول الكوثري فيه ( الحافظ وصاحب النسائي والطحاوي ) كأنه أخذ ذلك من روايته عنهما في ذاك الكتاب.
فأما أحمد فقد عرف بعض حاله، وأما أبوه وجدّه فلم أجد لهما أثرًا إلا من طريقه، وأما محمد بن أحمد بن حماد [12] فترجمته في ( لسان الميزان ) ج5 ص41.
وأما إبراهيم بن جنيد فإن كان هو في الرقي فمجهول كما في ( لسان الميزان ) جزء 1 ص45.
وإن كان هو إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد الختلي البغدادي، نسب إلى جده فثقة، لكن لم أر في ترجمته من ( تاريخ بغداد ) ذكر عبيد بن يعيش في شيوخه، ولا محمد بن أحمد بن حماد في الرواة عنه؛ وأما عبيد بن يعيش فذكره ابن حبان في الثقات وقال: « كان يخطئ ».
وعلى فرض صحة هذه الرواية فليس فيها ما ينافي رواية الخطيب، بل هما متفقتان في أصل المعنى؛ غاية الأمر أن في رواية الخطيب زيادة، وقد يكون وكيع قال مرة 29 كذا، وقال مرة كذا؛ وعلى فرض التنافي فرواية الخطيب أثبت. والكوثري يتحقق ذلك، ولكنه يفعل الأفاعيل، ثم يبالغ في التهويل، ثم يقول: « نسأل الله العافية »!
5- أبو عاصم، قال الخطيب ج13 ص391: « الأبار حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا أبو عاصم عن أبي عَوانة » فذكر الكوثري هذه الرواية ص92 ثم قال: وفيه أيضًا أبو عاصم العباداني وهو منكر الحديث.
( أقول ) الكوثري يعلم أن الواقع في السند هو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد الثقة المأمون، لأنه هو المشهور بأبي عاصم في تلك الطبقة والمراد عند الإطلاق، وعنه يروي الحلواني كما في ترجمة الضحاك من ( تهذيب التهذيب ) وترجمة الحلواني من ( تهذيب المزي )، ولكن هكذا تكون الأمانة عند الكوثري!
وذكر الخطيب ج3 ص423 أثرين أحدهما من طريق أبي قلابة الرقاشي والآخر من طريق مسدد، كلاهما عن 30 أبي عاصم عن سفيان الثوري، فذكرهما الكوثري ص169 ثم قال: وربما يكون أبو عاصم في السندين هو العباداني وحاله معلومة.
( فأقول ) قد علم الكوثري أنه الضحاك بن مخلد النبيل الثقة المأمون، فإنه المعروف بالرواية عن الثوري كما في ترجمته من ( تهذيب التهذيب )، وترجمة الثوري من ( تهذيب المزي ) وعنه يروي أبو قلابة الرقاشي كما في ترجمته من ( تاريخ بغداد ) ج10 ص425. وقد تغلب الكوثري هنا على هواه إلى حد ما، إذ اقتصر على قوله: « وربما » ولم يجزم كعادته.
6- أحمد بن إبراهيم. قال الخطيب ج13 ص381: « الأبار أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال قيل لشريك... ».
ذكر الكوثري هذه الرواية ص61 ثم قال: وأما أحمد بن إبراهيم فهو النكري ولفظه لفظ الانقطاع، ولم يدرك شريكًا إلا وهو صبي.
( فأقول ) أول مذكورٍ ممن يقال له أحمد بن إبراهيم في ( تاريخ بغداد )، و ( تهذيب التهذيب ): « أحمد بن إبراهيم بن خالد 31 الموصلي.. » وذكر الخطيب سماعه من شريك، وذكر المزي في ( التهذيب ) شريكًا في شيوخه؛ ويعلم من تاريخ وفاته والنظر في مولد الأبار أن الأبار أدركه إدراكًا واضحًا وهو معه في بلد، وبذلك يعلم أنه هو الواقع في السند؛ ولكن الكوثري رأى هذا ثقة فالتمس غيره ممن تتهيأ له المغالطة به ويكون فيه مطعن، فلم يجد إلا النكري وهو ثقة أيضًا لكن كان صغيرًا عند وفاة شريك ولم تذكر له رواية عن شريك، فقنع الكوثري بهذا. وهكذا تكون الأمانة عنده!
وأما قوله: « لفظ انقطاع » فيرده أن أحمد بن إبراهيم الموصلي ثقة، وقد ثبت سماعه من شريك، ولم يكن مدلسًا، فروايته عن شريك محمولة على السماع كما هو معروف في علوم الحديث، وأصول الفقه. وسيأتي شرح هذه القاعدة وبعض دقائقها في القسم الأول من ( التنكيل ) إن شاء الله تعالى. [13]
7- أبو الوزير. قال الخطيب ( ج13 ص384 ): 32 « عبد الله بن محمود المروزي، قال سمعت محمد بن عبد الله بن قهزاذ يقول: سمعت أبا الوزير أنه حضر عبد الله بن المبارك.. ».
ذكر الكوثري هذه الرواية ص69 ثم قال: عبد الله بن محمود مجهول الصفة، وكذا أبو الوزير عمر بن مطرف.
أقول: عبد الله بن محمود من الحفاظ الأثبات كما يأتي في نوع [14] – 7 – من هذه الطليعة إن شاء الله تعالى.
وأما أبو الوزير فكيف يزعم الأستاذ أنه عمر بن مطرف، مع أن عمر بن مطرف لم يعرف برواية أصلًا، وإنما ذكر اسمه في نسب ابنيه إبراهيم ومحمد.
وقد قال الكوثري ص83: « قاعدة ابن المبارك في الفقه... » وإنما أخذ ذلك مما رواه الخطيب ج13 ص343: « أبو حمزة المروزي قال سمعت ابن أعْيَن أبا الوزير ». وعادة الكوثري في الصبر على التنقيب تقضي بأنه قد راجع ( الكنى ) للدولابي فوجد فيه جزء 2 صفحة 147: « أبو الوزير محمد بن أعين المروزي روى عن ابن المبارك »، فبادر الأستاذ إلى نظر هذا الاسم في ( تهذيب التهذيب ) فوجد فيه جزء 9 ص66: « محمد بن أعيَن 33 أبو الوزير المروزي خادم ابن المبارك، روى عنه وعن ابن عيينة وفضيل بن عياض، وخلق وعنه أحمد وإسحاق... ومحمد بن عبد الله بن قهزاذ وآخرون، قال أبو محمد بن علي بن حمزة المروزي: يقال إن عبد الله أوصى إليه، وكان من ثقاته وخواصه، وذكره ابن حبان في الثقات ». وقد ذكره ابن أبي حاتم ج3 ق2 صفحة 207 فقال: « وَصِيُّ ابن المبارك ».
فعلم الكوثري يقينًا أن هذا هو الواقع في السند، ولكنه لم يجد مغمزًا لأن ثقة ابن المبارك به واعتماده عليه توثيق، ورواية الإمام أحمد عنه توثيق لما عرف من توقي أحمد، [15]ومع ذلك توثيق ابن حبان، ولم يعارض ذلك شيء؛ ففزع الكوثري إلى التبديل كعادته، فزعم أن أبا الوزير الواقع في السند هو عمر بن مطرف لأنه لم يجد في كنى ( التهذيب ) ذكرًا لأبي الوزير، فطمع أن من يتعقبه لا يهتدي إلى ترجمة محمد بن أعين!
ثم رأى في الأبناء من ( التهذيب ): « ابن وزير جماعة منهم محمد »، فرجع إلى من يقال ( محمد بن الوزير ) فوجد جماعة معهم « محمد بن أبي الوزير هو محمد بن عمر، تقدم » 34 فنظر ترجمته فإذا هو محمد بن عمر بن مطرف، فمن هنا أخذ الكوثري اسم عمر بن مطرف، والله أعلم.
وهكذا تكون الأمانة عند الكوثري.
8- محمد بن أحمد بن سهل: قال الكوثري صفحة 63 « وهناك رواية: وهي ما رواه هبة الله الطبري في ( شرح السنة ) عن محمد بن أحمد بن سهل ( الأصباغي ) عن محمد بن أحمد بن الحسن أبي علي بن الصواف... ».
كذا فسر الكوثري من عنده بقوله: « الأصباغي »، مع أن الأصباغي سكن دمشق وهو مقل لا يعرف له رواية عن ابن الصواف، ولا لهبة الله رواية عنه ولا لقاء، واقتصر الخطيب في ترجمته ج1 ص307 على قوله: « سكن دمشق وحدث بها عن محمد بن الحسين البستنبان، وروى عنه أبو الفتح بن مسرور ».
ومعرفة الكوثري ويقظته أن يكون قد شعر بهذا وفتش، فعلم أن شيخ هبة الله في السند هو محمد بن 35 أحمد بن سهل أبو الفتح بن أبي الفوارس الحافظ الثقة الثبت وترجمته في ( تاريخ بغداد ) ج1 ص352، وفيها « سمع من.... وأبي علي بن الصواف... حدث عنه... وهبة الله بن الحسن الطبري ».
وإنما أسقط هبة الله في ذاك السند اسم الجد على ما يعرف من عادة المحدثين في تفننهم في ذكر شيوخهم الذين أكثروا عنهم.
9- محمد بن عمر، قال الخطيب ( ج13 ص405 ): « محمد بن الحسين بن حميد ابن الربيع حدثنا محمد بن عمر بن دليل قال: سمعت محمد بن عبيد الطنافسي.... » ذكر الكوثري هذه الرواية ص126 وقال: « محمد بن عمر هو ابن وليد التويني، وقد تصحف « وليد » إلى « دليل » في الطبعات كلها، ويقول عنه ابن حبان: يروى عن مالك ما ليس من حديثه ».
أقول: لم يذكروا في ترجمة محمد بن عمر بن وليد التيمي الذي تكلم فيه ابن حبان وغيره أنه يروي عن محمد بن عبيد 36 الطنافسي، ولا أنه يروي عنه محمد بن الحسين بن حميد بن الربيع؛ وأراه أقدم من ذلك، فإنه يروي عن المتوفين حوالي سنة 180ه، كمسلم بن خالد ومالك وهشيم، فيبعد أن ينزل إلى محمد بن عبيد المتوفى سنة 204ه؛ ولم يذكروا روايا عن التيمي هذا إلا أبا زرعة المولود سنة 200، ويبعد أن يكون أدركه، أعني التيمي هذا، محمد بن الحسين بن حميد الذي أقدم من سمي من شيوخه موتًا أبو سعيد الأشج المتوفى سنة 257. فالأقرب أن يكون الواقع في السند هو محمد بن عمر بن وليد الكندي الكوفي، يروي عن الكوفيين المتوفين حوالي سنة مائتين، وأقدم من سمي من شيوخه محمد بن فضيل المتوفى سنة 195.
وذكر ابن أبي حاتم هذا الكندي فقال: « كتب عنه أبي في الرحلة الثالثة بالكوفة، وقدمنا الكوفة سنة 255 وهو حي فلم يقض السماع منه كتب منه » وقال النسائي: « لا بأس به »، وذكره ابن حبان في الثقات. فهذا كوفي يروي عن أقران محمد عبيد – ومحمد بن عبيد كوفي وقد أدركه – أعني الكندي – محمد بن حسين بن حميد بن الربيع وهو كوفي أيضًا. وهذا لا يخفى 37 على الكوثري لكنه لم يجد في هذا مغمزًا فعدل إلى التيمي المطعون فيه لحاجة الكوثري إلى الطعن في تلك الرواية، والله المستعان.
10- محمد بن سعيد. قال الخطيب ( ج13 ص375 ): «.... محمود بن غيلان حدثنا محمد بن سعيد عن أبيه.... » فذكر الكوثري هذه الرواية ص47 ثم قال: محمد ابن سعيد هو ابن مسلم الباهلي، وقد قال ابن حجر عنه في ( تعجيل المنفعة ): منكر الحديث مضطربه، وقد تركه أبو حاتم ووهاه أبو زرعة فقال ليس بشيء. ا ه وإلى الله نشكو من هؤلاء الرواة الذين لا يخافون الله، هكذا يكون المحفوظ عند الخطيب ».
أقول: هذا يصلح أن يعد نوعًا مستقلًا من مغالطات الكوثري، وهو اغتنام الخطأ الواقع في بعض الكتب إذا وافق غرضه؛ والذي في ( تعجيل المنفعة ) ص324: « محمد بن سعيد الباهلي البصري الأثرم عن سلام بن سليمان القارئ، وعنه أبو بكر محمد بن عبد الله جار عبد الله بن أحمد وشيخه ويعقوب بن سفيان ومحمد بن غالب تمتام وجماعة منهم أبو حاتم ثم تركه وقال: هو منكر الحديث مضطرب الحديث ووهاه 38 أبو زرعة، فقال ليس هو بشيء ». فهذه الترجمة فيها تخليط لا أدري أعن سقط نشأ أم عن غلط، وهذا الذي تكلموا فيه ليس هو محمد بن سعيد بن سلم، ولا هو باهلي، بل هو محمد بن سعيد بن زياد أبو سعيد القرشي الكزبري البصري الأثرم، ذكره البخاري في ( التاريخ ) ( ق1 ج1 ص96 ): « محمد بن سعيد القرشي البصري... » وذكره ابن أبي حاتم في كتابه ( ج3 ق2 ص264 ): « محمد بن سعيد بن زياد القرشي أبو سعيد المصري (البصري) الأثرم سكن بغداد، سمع منه أبي ولم يحدث عنه، سمعته يقول: هو منكر الحديث مضطرب الحديث، سألت أبا زرعة عنه فقال: ضعيف الحديث وليس بشيء ». وله ترجمة في ( تاريخ بغداد ) ج5 ص305 وفي ( الميزان ) و ( اللسان ). ولا أشك أن الكوثري عرف ذلك وعرف أن ما في ( التعجيل ) تخليط، ولكن إذا كان الكوثري يصطنع المغالطات اصطناعًا كما مرَّ فكيف لا يغتنم ما جاء عفوًا. والذي يظهر أن هناك محمد بن سعيد الباهلي 39 يروي عن سلام بن سليمان القارئ وعنه محمد بن سعيد بن زياد جار عبد الله بن أحمد فاختلط في ( التعجيل ) ترجمة هذا بترجمة محمد بن سعيد بن زياد القرشي الكزبري البصري الأثرم، فأما الواقع في السند فهو كما قال الكوثري محمد بن سعيد بن سلم الباهلي، ولم يطعن فيه أحد، وتأمل قول الكوثري: « وإلى الله نشكو... »!
11- أبو شيخ الأصبهاني، قال الخطيب ( ج13 ص384 ): « محمد بن عبد الله الشافعي قال: حدثني أبو شيخ الأصبهاني حدثنا الأثرم » وقال ج13 ص411: « محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي حدثنا أبو شيخ الأصبهاني حدثنا الأثرم » أشار الكوثري ص69 إلى الرواية الأولى وقال: « في سنده أبو شيخ الأصبهاني ضعّفه بلديه الحافظ أبو أحمد العسال، وله ميل إلى التجسيم »؛ وأشار ص141 إلى الرواية الثانية وقال: « في سنده أبو الشيخ الأصبهاني وقد ضعفه العسال. [16] وذكر 40 الكوثري ص49 حكاية في سندها أبو محمد بن حيان فقال: « وأبو محمد بن حيان هو أبو الشيخ... قد ضعفه بلديه الحافظ العسال ».
أقول: أما أبو الشيخ وهو أيضًا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصبهاني فتأتي ترجمته في ( التنكيل ) إن شاء الله تعالى. وأما هذا الراوي عن الأثرم وعنه أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي فهو رجل آخر ترجمته في ( تاريخ بغداد ) ج2 ص326: « محمد بن الحسين بن إبراهيم بن زياد بن عجلان أبو شيخ الأصبهاني، سكن بغداد وحدث بها عن.... وأبي بكر الأثرم، روى عنه أبو بكر الشافعي وكان ثقة ». فلا أدري أعرف الكوثري هذا وفعل ما فعل عمدًا، أم استعجل هنا على خلاف عادته، فلم يبحث حتى يتبين له أن أبا شيخ هذا غير أبي الشيخ المشهور. [17] فالله أعلم.
12- أبو الحسن بن الرزاز. في ( تاريخ بغداد ) ج3 ص121 ترجمة لمحمد بن العباس ابن حيويه أبي عمر الخزاز، وفيها: « حدثني الأزهري قال: كان أبو عمر بن حيويه مكثرًا وكان فيه تسامح، وربما أراد أن يقرأ شيئًا ولا يقرب أصله منه فيقرؤه 41 من كتاب أبي الحسن بن الرزاز لثقته بذلك الكتاب، وإن لم يكن فيه سماعه، وكان مع ذلك ثقة ».
فاحتاج الكوثري إلى الطعن في ابن حيويه هذا، فذكر ص21 بعض العبارة وقال: « على أن أبا الحسن بن البزاز الذي كان يثق بكتابه هو علي بن أحمد المعروف بابن طيب البزاز، وهو معمر متأخر الوفاة؛ نص الخطيب على أن ابنًا له أدخل في أصوله تسميعات طرية، فماذا تكون قيمة تحديث من يثق بها من تلك الأصول ».
أقول: في ( تاريخ بغداد ) ج11 ص330: « علي بن أحمد أبو الحسن المعروف بابن طيب الرزاز.... له دكان في سوق الرزازين.... حدثني بعض أصحابنا قال: دفع إليَّ علي بن الرزاز.... وحدثني الخلال قال: أخرج إلي الرزاز.... قلت: وقد شاهدت جزءًا من أصول الرزاز، وكان الرزاز مع هذا كثير السماع ».
ثم ذكر أنه ولد سنة 335 ومات سنة 419، فالذي كان ابن حيويه ربما يقرأ من كتابه هو « أبو الحسن بن الرزاز » وعلي بن أحمد هذا هو أبو الحسن الرزاز كما تكرر في ترجمته، 42 فأما قوله في أولها: [18] « المعروف بابن طيب الرزاز » فقوله: « الرزاز » من وصف علي نفسه لا من وصف « طيب ».
وسياق الترجمة يبين ذلك؛ وأيضًا فعلي بن أحمد أصغر من ابن حيويه بأربعين سنة، فيبعد جدًا أن يحتاج ابن حيويه في قراءة حديثه إلى كتاب هذا المتأخر؛ وأيضًا فلا يعرف بين الرجلين علاقة.
وفي ( تاريخ بغداد ) ج12 ص85: « علي بن محمد بن سعيد أبو الحسن الكندي الرزاز.... قال العتيقي: وكان أمينًا مستوردًا له أصول حسان ». وذكر أنه توفي سنة 372، فهذا أقرب إلى أن يكون هو المراد، لكنه ( الرزاز ) لابن الرزاز.
وفي ( تاريخ بغداد ) ج12 ص113 « علي بن موسى بن إسحاق أبو الحسن، يعرف بابن الرزاز سمع.... روى عنه ابن حيويه والدارقطني، وكان فاضلًا أديبًا ثقة عالمًا».
43
فهذا هو الذي يتعين أن يكون المراد بقول الأزهري: « فيقرؤه من كتاب أبي الحسن بن الرزاز لثقته بذلك الكتاب وإن لم يكن فيه سماعه ». فكأن بعض كتب علي بن موسى هذه صارت بعد وفاته إلى تلميذه ابن حيويه، وكان فيها ما سمعه ابن حيويه، لكن لم يقيد سماعه في تلك النسخة التي هي من كتب الشيخ؛ وبهذا تبين أنه لا يلحق ابن حيويه عيب ولا يوجب صنيعه أدنى قدح. وسيأتي بسط ذلك في ترجمة محمد بن العباس من (التنكيل) إن شاء الله تعالى. [19]
والمقصود هنا أن أبا الحسن بن الرزاز هو علي بن موسى بن إسحاق لا علي بن أحمد كما زعم الكوثري.
وقد بقي غير هذه الأمثلة تأتي في مواضعها من ( التنكيل ) إن شاء الله تعالى.
2
ومن عوامده أنه يعمد إلى كلام لا علاقة له بالجرح فيجعله جرحًا! فمن أمثلة ذلك:
1 و 2: جرير بن عبد الحميد وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، قال الذهبي في خطبة ( الميزان ): « وفيه ( يعني 44 الميزان ) من تُكلم فيه مع ثقته وجلالته بأدنى لين وأقل تجريح، فلولا أن ابن عدي أو غيره من مؤلفي كتب الجرح ذكروا ذلك الشخص لما ذكرته لثقته ».
وهكذا قد يذكر في الترجمة عبارة لا قدح فيها ولا مدح، وإنما ذكرها لاتصالها بغيرها، فمن ذلك أنه ذكر جرير بن عبد الحميد فقال في أثناء الترجمة: « قال ابن عمار كان حجة وكانت كتبه صحاحًا، قال سليمان بن حرب: كان جرير وأبو عوانة يتشابهان ما كان يصلح إلا أن يكونا راعيين، وقال ابن المديني: كان جرير بن عبد الحميد صاحب ليل. وقال أبو حاتم: جرير يحتج به، وقال سليمان بن حرب: كان جرير وأبو عوانة يصلحان أن يكونا راعيي غنم كانا يتشابهان في رأي العين؛ كتبت عنه وأنا وابن مهدي وشاذان بمكة »لم يتعرض صاحب ( التهذيب ) مع محاولته استيعاب كل ما يقال من جرح أو تعديل لقضية التشابه ولا الصلاحية لرعي الغنم لأنه لم ير فيها ما يتعلق بالجرح والتعديل.
وأما الذهبي فذكر ذلك لاتصاله بغيره، ولأن ذكر الصلاحية لرعي الغنم إنما فائدته تحقيق التشابه في رأي العين، 45 وبيان أنهما كانا يتشابهان ربما تكون له فائدة ما.
والمقصود أن مراد سليمان من بيان صلاحية الرجلين لرعي الغنم هو تحقيق تشابهما في رأي العين كما يبينه السياق، ووجه ذلك أن من عادة الغنم أنها تنقاد لراعيها الذي قد عرفته وألفته وأنست به وعرفت صوته، فإذا تأخر ذاك الراعي في بعض الأيام وخرج بالغنم آخر لم تعهده الغنم لقي منها شدة لا تنقاد له ولا تجتمع على صوته ولا تنزجر بزجره. لكن لعله لو كان الثاني شديد الشبه بالأول لانقادت له الغنم، تتوهم أنه صاحبها الأول، فأراد سليمان أن تشابه جرير وأبي عوانة شديد بحيث لو رعى أحدهما غنمًا مدة حتى عرفته وأنست به ثم تأخر عنها وخرج الآخر لانقادت له الغنم، تتوهم أنه الأول.
وقد روى سليمان بن حرب عن الرجلين، وقال أبو حاتم: « كان سليمان بن حرب قل من يرضى من المشايخ، فإذا رأيته قد روى عن شيخ فاعلم أنه ثقة ». أما الكوثري فإنه احتاج إلى الطعن في هذين الحافظين الجليلين جرير وأبي عوانة، فكان مما تحمله للطعن فيهما تلك الكلمة، وقطعها 46 وفصلها بحيث يخفي المراد منها، فقال في صفحة 101 في جرير: « مضطرب الحديث لا يصلح إلا أن يكون راعي غنم عند سليمان بن حرب ». وقال ص92 في أبي عوانة: « كان يراه سليمان بن حرب لا يصلح إلا أن يكون راعي غنم » وأعاد نحو ذلك ص118. هب أنه لا يعرف عادة الغنم فقد كان ينبغي أن ينبه السياق، ولعله قد تنبه ولكن تعمد المغالطة، ولذلك قطع العبارة وفصلها. والله المستعان. [20]
3- محمد بن عبد الوهاب أبو أحمد الفراء. قال الكوثري ص135: « معلول عند أبي يعلى الخليلي في ( الإرشاد ) ».
أقول: إطلاق كلمة معلول على الراوي من بدع الكوثري، والذي في ترجمة محمد بن عبد الوهاب من « تهذيب التهذيب »: قال الخليلي في ( الإرشاد ) عقب حديث علي بن هشام بن سعير بن الخمس عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله – في الوسوسة – قال لي عبد الله بن محمد الحافظ: أعجب من مسلم كيف أدخل هذا الحديث في 47 الصحيح ) عن محمد بن عبد الوهاب وهو معلول وفرد. ا ه ولم أر الحديث المذكور في ( صحيح مسلم ) إلا عن يوسف بن يعقوب الصفار عن علي بن عثام، فالله تعالى أعلم ».
أقول: مقصود ابن حجر من ذكر هذه الحكاية التنبيه على ما فيها من رواية مسلم في ( الصحيح ) عن محمد بن عبد الوهاب، فإن ذلك غير ثابت إلا أن يصح هذا بأن يكون وقع في بعض النسخ من ( صحيح مسلم )، روايته الحديث عن محمد بن عبد الوهاب، وقد رواه أبو عوانة في ( صحيحه ) ( ج1 ص79 ) عن محمد بن عبد الوهاب عن علي بن عثام. وقول عبد الله ابن محمد « وهو معلول وفرد » يريد الحديث كما لا يخفى، وعلته جاءت من فوق، ففي ترجمة سُعير بن الخمس من « تهذيب التهذيب » أن مسلمًا أخرج له هذا الحديث الواحد، قال ابن حجر: « قلت: رفعه هو وأرسله غيره » وإنما قال عبد الله بن محمد: « عن محمد بن عبد الوهاب » لأن محمدًا من معاصري مسلم وعاش مسلم إحدى عشر سنة، ومن عادة المحدثين اجتناب رواية ما ينزل سندهم فيه، والنزول في رواية مسلم عن محمد بن عبد الوهاب واضح، 48 فتعجب عبد الله بن محمد من إخراج مسلم الحديث في ( الصحيح )، مع أن هناك ما نعين من إخراجه:
الأول: نزول سنده.
الثاني: أنه معلول وفرد، فبان أنه ليس في تلك الكلمة غض من محمد بن عبد الوهاب، وهو من الحفاظ الثقات الإثبات، ولم يجد الكوثري فيه مغمزًا، فاضطر إلى تلك المغالطة القبيحة، والله المستعان.
4- عبد الله بن محمد بن عثمان بن السقاء. قال الكوثري صفحة 147: « هجره أهل واسط لروايته حديث الطير 49 كما في ( طبقات الحافظ الذهبي ) ».
أقول: الذي في ترجمة هذا الحافظ من ( تذكرة الحفاظ ) ج3 ص165 من قول الحافظ خميس الحوزي « من وجوه الواسطيين وذوي الثروة والحفظ. وبارك الله في سنه وعلمه، واتفق أنه أملى حديث الطير فلم تحتمله نفوسهم فوثبوا به وأقاموا وغسلوا موضعه فمضى ولزم بيته ».
أقول: أفلا يعلم الأستاذ أم هذه حماقة من العامة وجهل لا يلحق ابن السقاء بها عيب ولا ذم ولا ما يشبه ذلك؛ وحديث الطير مشهور روي من طرق كثيرة، ولم ينكر أهل السنة مجيئه من طرق كثيرة، وإنما ينكرون صحته، وقد صححه الحاكم، وقال غيره إن طرقه كثيرة يدل مجموعها أن له أصلًا، وممن رواه النسائي في الخصائص، فكأني بالكوثري يقول: كما أن عامة ذاك العصر اشتد نكيرهم على هذا الحافظ وظنوا أن روايته لذاك الحديث توجب سقوطه، فلعل عامة هذا الزمان إذا رأوا الأستاذ الكوثري قد ذكر الحكاية في معرض الطعن في ذاك الحافظ أن يظنوا أن في القصة ما يعد جرحًا! والله المستعان.
50
5- سالم بن عصام. قال الخطيب ( ج13 ص410 ): « أخبرنا أبو نعيم الحافظ حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان: حدثنا سالم بن عصام: حدثنا رستة عن موسى بن المساور قال سمعت جبر، وهو عصام بن يزيد يقول سمعت سفيان الثوري... »
قال الكوثري ص136: « وسالم بن عصام صاحب غرائب ».
أقول: ذكره الراوي عنه هنا وهو أبو محمد ويُقال أبو الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان في كتابه: « طبقات الأصبهانيين » [21] وقال: « وكان شيخًا صدوقًا صاحب كتاب وكتبنا عنه أحاديث غرائب، فمن حسان ما كتبنا عنه.... ».
وقال أبو نعيم الحافظ الأصبهاني في ( تاريخ أصبهان ): « صاحب كتاب كثير الحديث والغرائب ».
أقول: ومن كثر حديثه لا بد أن تكون عنده غرائب، وليس ذلك 51 بموجب للضعف، وإنما الذي يضر أن تكون تلك الغرائب منكرة. وأبو الشيخ وأبو نعيم التزما في كتابيهما النص على الغرائب حتى قال الشيخ في ترجمة الحافظ الجليل أبي مسعود أحمد بن الفرات: « وغرائب حديثه وما ينفرد به كثير ». والغرائب التي كانت عند سالم ليست بمنكرة كما يعلم من قول الشيخ « كان شيخًا صدوقًا صاحب كتاب ». ومع هذا فقد توبع على الأثر الذي ساقه الخطيب، قال أبو الشيخ في ترجمة موسى بن المساور من ( الطبقات ): « حدثنا محمد بن عمرو، قال حدثنا رستة، قال: حدثنا موسى بن المساور قال: سمعت عصام ابن يزيد... » فذكر مثل ما ذكر سالم، ومحمد بن عمرو أراه محمد بن عمرو الأبهري، ذكر أبو الشيخ في ترجمته أنه من شيوخه وأنه يروي عن رستة، فإما أن يكون نسبه إلى جده وإما أن يكون سقط ( بن أحمد ) من النسخة.
6- الهيثم بن خلف الدوري، قال الكوثري ص47: « يروي الإسماعيلي عنه في صحيحه إصراره على خطأ، وفي الاحتجاج برواية مثله وقفة ».
52
أقول: الخطأ الذي يضر الراوي الإصرار عليه هو ما يخشى أن تترتب عليه مفسدة ويكون الخطأ من المصر نفسه، وذلك كمن يسمع حديثًا بسند صحيح فيغلط فيركب على ذاك السند متنًا موضوعًا فينبهه أهل العلم فلا يرجع؛ وليس ما وقع للهيثم من هذا القبيل، إنما وقع عنده في حديث الزهري عن محمود بن الربيع عن عتبان، وقع عنده ( محمد بن الربيع ) بدل ( محمود بن الربيع ) وثبت على ذلك وهذا لا مفسدة فيه، بل ثبات الهيثم يدل على عظم أمانته وشدة تثبته إذ لم يستحلّ أن يغير ما في أصله؛ وقد وقع لمالك بن أنس الإمام نحو هذا، كان يقول في عمرو بن عثمان: ( عمر بن عثمان ) وثبت على ذلك، وقد قال الإسماعيلي نفسه في الهيثم أنه « أحد الأثبات ».
7- محمد بن عبد الله بن عمار. انظر ما يأتي ( 5: 11 ).
3
ومن عجائبه اهتبال التصحيف أو الغلط الواقع في بعض 53 الكتب إذا وافق غرضه! فمن أمثلة ذلك.
1- وضاح بن عبد الله أبو عوانة، ذكروا في ترجمة علي بن عاصم مما عابوا به علي بن عاصم أنه كان يغلط فيتبين له مخالفة الحفاظ له فلا يعبأ بذلك، بل ينتقص أولئك الحفاظ، ففي « تاريخ بغداد » ( ج11 ص450 ) في ترجمة علي بن عاصم عن علي بن المديني مراجعة دارت بينه وبين علي بن عاصم وفيها: «.... فقلت له إنما هذا عن مغيرة رأي حماد، قال: فقال من حدثكم؟ قلت: جرير، قال: ذاك الصبي، … قال: مُر شيء آخر، فقلت: يخالفونك في هذا، فقال: من؟ قلت أبو عوانة، قال: وضاح ذاك العبد، … قال: وقال لشعبة: ذاك المسكين ». فوقعت هذه الحكاية في ترجمة علي بن عاصم من « تهذيب التهذيب » المطبوع ووقع فيها: « وضّاع ذاك العبد »، ولم يخف على ذي معرفة أن هذا تصحيف وأن الصواب « وضاح » كما في « تاريخ بغداد »، وعلى ذلك قرائن منها السياق، فإنه إنما قال في جرير « ذاك الصبي » وفي شعبة « ذاك المسكين »، فلم يجاوز حد الاستحقار، فكذلك ينبغي في حق أبي عوانة. 54 ( ومنها ) أن الذهبي لخص تلك الحكاية بقوله في ( الميزان ): « وقيل كان يستصغر الفضلاء ».
ومنها أن أبا عوانة من الأكابر، وعلى بن عاصم مغموز، فلو تجرأ علي بن عاصم فرمى أبا عوانة بالكذب لقامت عليه القيامة. ومنها أنه لم يُعرف لعلي بن عاصم كلام في الرواة بحق أو باطل، وإنما كان راوية، ومع ذلك فلم يحمد في روايته.
ومنها أنه لو كان في عبارة علي بن عاصم ما يعد جرحًا لأبي عوانة لكان حقه أن يذكر في ترجمة أبي عوانة. وبالجملة فلا يشك عارف أن الصواب ( وضاح ذاك العبد ) كما في ( تاريخ بغداد )؛ ولا أشك أن الكوثري لا يخفى عليه ذلك حتى ولو لم يطلع على ما في ( تاريخ بغداد )، مع أنه قد طالع الترجمة فيه ونقل عنها، ولكنه كان محتاجًا إلى أن يطعن في أبي عوانة ووقعت بيده تلك الغنيمة الباردة فيما يريه الهوى فلم يتمالك أن وقع، فقال ص92: وأما أبو عوانة.... لكن يقول عنه علي بن عاصم: ( وضاع ذاك العبد )، 55 وقال ص71: « بلغ به الأمر إلى أن كذبه علي بن عاصم ». كذا صنع الكوثري الذي يقيم نفسه مقام من يتكلم في الصحابة والتابعين، ويكثر من كتابه « نسأل الله السلامة »، « نسأل الله العافية »! وهكذا تكون الأمانة عند الأستاذ.
2- أبو عوانة أيضًا.... أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اتفق الأئمة على الثناء عليه والاحتجاج بروايته، وأخرج له الشيخان في ( الصحيحين ) أحاديث كثيرة، ويأتي بعض ثناء الأئمة عليه في ترجمته من ( التنكيل ). وصح أنه أدرك الحسن البصري وابن سيرين وحفظ بعض أحوالهما. قال البخاري في ترجمته من ( التاريخ ) ج4 ق3 ص181: « سمع الحكم ابن عتيبة وحماد بن أبي سليمان وقتادة.... قال لنا عبد الله بن عثمان أخبرنا يزيد بن زريع قال: أخبرنا أبو عوانة قال: رأيت محمد 56 بن سيرين في أصحاب السكر فكلما رآه قوم ذكروا الله، وقال لنا موسى بن إسماعيل، قال لي أبو عوانة: كل شيء حدثتك فقد سمعته »، يعني أنه لا يدلس ولا يروي عمن لم سمع منه.
وقال ابن سعد في ( الطبقات ) ج7 ق2 ص43: « أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي، قال: حدثنا أبو عوانة قال: رأيت الحسن بن أبي الحسن يوم عرفة خرج من المقصورة فجلس في صحن المسجد وجلس الناس من حوله »، وهذه الأسانيد بغاية الصحة. وفي ( الصحيحين ) من رواية أبي عوانة عن قتادة أحاديث، كحديث « ما من مسلم يغرس غرسًا.... » وحديث « من نسي الصلاة.... » وحديث « تسحروا فإن في السحور بركة ». وأخرج له مسلم في ( صحيحه ) من حديثه عن الحكم بن عتيبة كما ذكره المزي في ( تهذيبه ).
ووفاة الحسن وابن سيرين سنة 110، والحكم سنة 57 115 وقتادة سنة 117، وحماد سنة 120 وقيل قبلها، وذكر ابن حبان في ترجمة قتادة من ( الثقات ) وفاته سنة 117، وذكر في ترجمة أبي عوانة روايته عن قتادة، ثم قال في أبي عوانة: « وكان مولده سنة اثنتين وتسعين، ومات في شهر ربيع الأول سنة ست وسبعين ومائة ». هكذا في النسخة المحفوظة في المكتبة الآصفية في حيدر أباد الدكن تحت رقم 1- 4 من فن الرجال المجلد الثالث الورقة 218 الوجه الأول، ومثله في نسخة أخرى جيدة محفوظة في المكتبة السعيدية بحيدر أباد. وكانت عند الحافظ ابن حجر من ( ثقات ابن حبان ) نسخة يشكو في كتبه من سقمها، قال في ( تهذيب التهذيب ) ( ج8 ص403 ) «.... ذكره ابن حبان في ( الثقات ).... وقال: روى عنه حبيب، كذا في النسخة وهي سقيمة ». وقال في 58 ( لسان الميزان ) ( ج2 ص442): « رافع بن سلمان.... ذكره ابن حبان في ( الثقات )، لكن وقع في النسخة – وفيها سقم.... رافع بن سنان ».
فوقع في تلك النسخة السقيمة تخليط في ترجمة أبي عوانة فذكره ابن حجر في (تهذيب التهذيب ) وبين أنه خطأ قطعًا، ومع ذلك ففي عبارة ابن حجر تخليط في النسخة من ( تهذيب التهذيب ) المطبوع. ففيه جزء 11 ص118: « وذكره ابن حبان في ( الثقات ) وقال كان مولده سنة اثنتين وعشرين ومائة، وقال: هو خطأ للشك فيه لأنه صح أنه رأى ابن سيرين.... ». وقوله: « وقال هو خطأ للشك فيه » صوابه والله أعلم: « كذا قال: وهو خطأ لا شك فيه »، وقد علمت أن البلاء من نسخة ( الثقات ) التي كانت عند ابن حجر.
وليس الكوثري ممن يخفى عليه هذا ولا ما هو أخفى منه، لكنه كان محتاجا إلى الطعن في أبي عوانة ظلمًا وعدوانًا. فقال ص118 في أبي عوانة: « فعلى تقدير ولادته سنة 122 كما هو المشهور – كذا – لا تصح رؤيته للحسن ولا لابن سيرين.... ».
59 فليفرض القارئ أن الكوثري في مقام إثبات سماع أبي عوانة من الحكم بن عتيبة أو قتادة أو حماد، وأن بعض مخالفي الكوثري حاول دفع ذلك فقال: « فعلى تقدير... » عبارة الكوثري نفسها، فما عسى أن يقول الكوثري في ذلك المخالف؟ أما نحن فنجترئ بأن نقول: هكذا تكون الأمانة عند الكوثري.
3- أبو عوانة أيضا، انظر ما يأتي 8: 2.
4- محمد بن سعيد، راجع ما تقدم 1: 10.
5- أيوب بن إسحاق بن سافري، في ترجمته من « تهذيب تاريخ ابن عساكر » ج3 ص200 عن ابن يونس: «.... وكان في خُلقه زعارة، وسأله أبو حميد في شيء يكتبه عنه فمطله.... ». ومعروف في اللغة ومتكرر في التراجم أن يقال: « في خلق فلان زعارة » أي شراسة، وهذا وإن كان غير محمود فليس مما يقدح في العدالة أو يخدش في الرواية، لكن وقع في ( تاريخ بغداد ): ج7 ص10 في هذه الحكاية « وكانت في خلقه دعارة » كذا وهذا تصحيف لا يخفى مثله على الكوثري، أولًا: لأنه ليس في كلامهم « في خلق فلان دعارة » وإنما يقولون: فلان داعر بيّن الدعارة – إذا كان خبيثًا أو 60 فاسقًا. ثانيًا: لأن ابن يونس عقب كلمته بقوله: « سأله أبو حميد في شيء من الأخبار يكتبه عنه فمطله.... » وهذه شراسة خلق لا خبث أو فسق. ثالثًا: لأن المؤلفين في المجروحين لم يذكروا هذا الرجل ولو وصف بالخبث أو الفسق لما تركوا ذكره، ولكن الكوثري احتاج إلى الطعن في هذا الرجل فقال ص137: « ذاك الداعر.... تكلم فيه ابن يونس » كذا قال ولم يتكلم فيه ابن يونس بما يقدح؛ وقد ذكره ابن أبي حاتم في كتابه وقال: « كتبت عنه بالرملة وذكرته لأبي فعرفه وقال: كان صدوقًا ».
7- عبد الله بن عمر الرماح، هو عبد الله بن عمر بن ميمون بن بحر بن الرماح، واسم الرماح سعد، له ولأبيه ترجمتان في ( طبقات الحنفية )، وهما معروفان عندهم، وللأب ترجمة في ( تهذيب التهذيب ) ( ج7 ص498 ) وفي (تاريخ بغداد) ( ج11 ص182 ) وفي كتاب ابن أبي حاتم وغيرها. ووقع في (تاريخ بغداد) ( ج13 ص386 ) في سند حكاية « عبد الله بن عثمان بن الرماح» فاحتاج الكوثري إلى ردها والتي قبلها فقال ص73 ( وفي سند الخبر الأول الخزاز وفي الثاني 61 ابن الرماح فلا يصحان مع وجودهما في السندين ) اقتصر على قوله ( ابن الرماح ) ولم يتنبه على أن ( عثمان ) تصحيف والصواب ( عمر ). كما ذكر الكوثري نفسه في اسم آخر قال ص93: « فلعل لفظ – عمر – صحف إلى عثمان حيث يشبه هذا ذاك في الرسم عند حذف الألف المتوسطة في عثمان كما هو رسم الأقدمين ». وكأنه خشي أن ينبه القارئ على أن ابن الرماح هو ذاك العالم الحنفي لم يتكلم فيه أحد بما يرد روايته، بل تركه يتوهم إن هذا رجل مجهول لأنه لا يجد في الكتب ترجمة لعبد الله بن عثمان بن الرماح، بل يتوهم أنه ضعيف وقف الكوثري على تضعيفه في الكتب التي لم تطبع، ولذلك قال ما قال!
8- أحمد بن المعذل، ذكر الكوثري ص95 قوله:
إن كنت كاذبة الذي حدثتني ** فعليك إثم أبي حنيفة أو زفر
المائلين إلى القياس تعمدًا ** والراغبين عن التمسك بالأثر
62 ثم قال: وهو الذي كان أخوه عبد الصمد بن المعذل يقول فيه:
أضاع الفريضة والسنة ** فتاه على الإنس والجنة
أقول: إنما قال عبد الصمد: ( أطاع.... ) هكذا في ( الديباج المذهب ) ص30 و ( لآلئ البكري ) ص325، والسياق يعينه، كان عبد الصمد ماجنًا، وكان أحمد عالمًا صالحًا تقيًا فكان يعظ عبد الصمد ويزجره، فقال عبد الصمد ( أطاع.... ) البيت، وبعده:
كأن لنا النار من دونه ** وأفرده الله بالجنة
يريد أن أحمد معجب بتقواه وورعه، فأداه ذلك إلى أن تاه على غيره.
فإن قيل إنما أراد الكوثري التنكيت والتبكيت مقابلة للإساءة بمثلها؛ قلت رأس مال العالم الصدق، ومن استحل التحريف في موضع ترويجًا لرأيه لم يؤمن أن يحرف في غيره.
اعتبار
لكن الكوثري عندما تخالف الألفاظ هواه كثيرًا 63 ما يدعى أنها مصحفة، فيزعم أن ( الدين ) محرف عن ( أرى ) وأن ( يكذب ) محرف عن ( يكتب ) و ( للفرس.... والرجل ) عن ( للفارس.... وللراجل ) وغير ذلك. في ( تاريخ بغداد ) ج13 ص386 «.... محبوب بن موسى قال سمعت يوسف بن أسباط يقول: قال أبو حنيفة لو أدركني رَسُولُ الله ﷺ أو أدركته لأخذ بكثير من قولي، قال وسمعت أبا إسحاق يقول: كان أبو حنيفة يجيئه الشيء عن النبي ﷺ فيخالفه إلى غيره ».
ذكر الكوثري هذا ص75 وذكر أن في النسخة الخطية زيادة سوق الخبر بسند آخر– وفي ( تاريخ بغداد ) ج13 ص390: «.... أبو صالح الفراء قال سمعت يوسف بن أسباط يقول: رد أبو حنيفة على رسول الله ﷺ أربعمائة حديث أو أكثر.... وقال أبو حنيفة: لو أدركني النبي ﷺ وأدركته أخذ بكثير من قولي، وهل الدين إلا الرأي الحسن ».
ذكر الكوثري هذا ص85 وهذه الكلمة ( لو أدركني ) لها تأويل قريب ذكرته في ( التنكيل ) ولم يقع 64 عليه الحنفية بل ذهبوا يتعسفون، فروى عبد الله بن محمد بن يعقوب الحارثي: حدثني أبو طالب سعيد بن محمد بن أبان البردعي في مسجد أبي الحسن الكرخي ببغداد حدثني أبو جعفر... الطحاوي أنبأنا بكار بن قتيبة أنبأنا هلال بن يحيى الرأي البصري سمعت يوسف بن خالد السمتي » فذكر قصة طويلة فيها عجائب، تراها في ( مناقب أبي حنيفة ) للموفق المكي ج2 ص101- 109، وقد أشرت إلى بعضها في (التنكيل). وهذه الحكاية لا يشك عارف في أنها مكذوبة على الطحاوي، فعبد الله بن محمد ترجمته في ( لسان الميزان ) ج3 ص348 - وشيخه لا يعرف، وإنما ذكره صاحب ( الجواهر المضيئة ) بما تضمنته هذه الحكاية، فلم يسمع به إلا فيها، ويغلب على الظن أنه لا يوجد منه إلا اسمه، ولو كان للقصة أثر عند الطحاوي لما فاتت ابن أبي العوام. ومن تدبر القصة لم يشك في اختلاقها، وفيها « لو أدركني البتي لترك كثيرًا من قوله » مع أنه يعلم منها ومن غيرها أن البتِّيّ وهو عثمان بن مسلم البصري الفقيه كان يومئذ حيًا يرزق.
وذكر الأستاذ ص13 ما رُوي عن حماد بن زيد قال: 65 ذكر أبو حنيفة عند البتي فقال: ذاك رجل أخطأ عصم دينه كيف يكون حاله. ثم قال الكوثري: « عثمان بن مسلم البتي توفي سنة 143ه وكانت تجري بينه وبين أبي حنيفة مراسلات، وكان يوسف بن خالد السمتي بعد أن تفقه على أبي حنيفة رجع إلى البصرة وأخذ يجابه البتي »، وفي تلك الأخلوقة أن أبا حنيفة قال: « لو أدركني البتي أول ما اجتمع به خالد بن يوسف »، فمن تدبر علم أن تلك الأخلوقة المنسوبة إلى يوسف بن خالد إنما اختلقت لما شاعت حكاية يوسف بن أسباط، فأراد المختلق علاجها فوقع فيما وقع فيه. ثم إن الكوثري لم يقتصر على ما قيل من دعوى التصحيف في « النبي » بل زاد أمرين:
الأول: أنه على فرض أن ابا حنيفة قال تلك الكلمة بلفظ « النبي » فقوله: «لأخذ» المراد به « لأخذني ».
الثاني: أنه رأى أن من تقدمه لم يتعرضوا لما وقع في إحدى الروايات: « وهل الدين إلا الرأي الحسن ».
فقال الكوثري ص88: « فلا أشك أن – الدين – مصحف من أرى»، وذهب يوجه احتمال العادة لمثل ذلك. 66 وهذا موضع الاعتبار. بينما ترى الكوثري يصنع ما تقدم في الأمثلة فيغض النظر عن التصحيف الواضح والخطأ المكشوف إذا به يحاول دعوى التصحيف التي لا يشك في بطلانها، ولا عجب في ذلك إذ مغزى الكوثري إنما هو الانتصار لهواه، وقد تقدمت أن لتلك الكلمة المنقولة عن أبي حنيفة تأويلا قريبا بدون دعوى التصحيف ولا التحريف، وستجده في ( التنكيل ) إن شاء الله.
4
ومن غرائبه تحريف نصوص أئمة الجرح والتعديل؛ تجيء عن أحدهم الكلمة فيها غض من الراوي بما لا يضره أو بما فيه تليين خفيف لا يعد جرحًا فيحتاج الكوثري إلى الطعن فيمن قيلت فيه فيحكيها بلفظ آخر يفيد الجرح، فمن أمثلة ذلك:
1- إبراهيم بن سعيد الجوهري، هو من شيوخ مسلم في ( صحيحه ) ومن كبار الحفاظ، قال فيه أحمد بن حنبل: ( كثير الكتاب، كتب فأكثر ). وقال الكوثري نفسه ص151: « كان إبراهيم بن سعيد الجوهري يقول: كل حديث لم يكن عندي من مائة وجه فأنا فيه يتيم » وتجد الحكاية 67 بتمامها في ترجمة إبراهيم من ( الميزان ).
وكان من عادة المكثرين أن يترددوا إلى كبار الشيوخ ليسمعوا منهم، فربما جاء أحدهم إلى شيخ قد سمع منه ما لم يسمعه من قبل، فيتفق أن يشرع الشيخ يحدث بجزء قد كان ذاك المكثر سمعه منه قبل ذلك فلا يعتني باستماعه ثانيًا أو ثالثًا لأنه يرى ذلك تحصيل حاصل؛ فكأنه اتفق لإبراهيم هذا واقعة من هذا القبيل، فحكى عبد الرحمن ابن خراش قال: « سمعت حجاج بن الشاعر يقول: رأيت إبراهيم بن سعيد عند أبي نعيم وأبو نعيم يقرأ وهو نائم - وكان الحجاج يقع فيه ».
وسيأتي إيضاح الجواب في ترجمة إبراهيم من ( التنكيل ).
والمقصود هنا أن الكوثري ذكر تلك المقالة فحرفها تحريفًا قبيحًا. قال ص75: « كان يتلقى وهو نائم، كما قال الحافظ حجاج ابن الشاعر، فحجاج هذا ممن جرحه لا يندمل ».
وقال ص119: « رماه الحافظ حجاج بن الشاعر بأنه كان يتلقى وهو نائم ». فعبارة حجاج تحتمل ما قدمنا، ليس فيها ما يدل على أن إبراهيم صار بعد ذلك المجلس يروي عن أبي نعيم أحاديث 68 يزعم أنه تلقاها في ذاك الوقت الذي كان إبراهيم فيه نائمًا؛ وعبارة الكوثري تفيد هذا. وعبارة حجاج إنما تدل على مرة واحدة عند أبي نعيم، وعبارة الكوثري تدل أن التلقي في حال النوم كان من عادة إبراهيم عند أبي نعيم وغيره! فتدبر وتأمل.
2-مؤمل بن وهاب، قال الكوثري ص65: « ضعفه ابن معين على ما حكاه الخطيب ».
أقول: إنما حكى الخطيب ج13 ص181 عن إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد قال: « سئل يحيى بن معين وأنا أسمع عن مؤمل بن أهاب فكأنه ضعفه » فتدبر، وقد قال أبو حاتم: ( صدوق ) وقال النسائي: ( لا بأس ) به وقال مرة: ثقة، وقال مسلمة بن قاسم: ثقة صدوق.
3- أحمد بن سلمان النجاد، قال الكوثري ص65: « يقول الدارقطني: يحدث من كتاب غيره بما لم يكن في أصوله ».
69 أقول: إنما قال الدارقطني: « حدث.... » كما في ( تاريخ بغداد ) و( الميزان ) و ( اللسان )، وذاك يصدق بمرة واحدة كما حمله الخطيب وغيره كما يأتي في ترجمة النجاد من ( التنكيل ) وفيها بسط عذر النجاد. وعبارة الكوثري تفيد بأن ذاك كان من شأن النجاد تكرر مرارًا!
4- أحمد بن كامل، قال الكوثري ص43: « فيه يقول الدارقطني.... ربما حدث بما ليس عنده كما رواه الخطيب ».
أقول: عبارة الدارقطني كما في ( تاريخ بغداد ) وغيره: «.... بما ليس عنده في كتابه »، وهذا القيد « في كتابه » يدفع القدح، فإنه لا يلزم من عدم كون الحديث عند أحمد في كتابه أن لا يكون عنده في حفظه، وتأتي ترجمة أحمد في ( التنكيل ).
5- عبد الله علي المديني، قال الكوثري ص168: « وهو لم يسمع من أبيه على ما يقال ».
أقول: يريد الكوثري بهذا قول الدارقطني، وعبارة الدارقطني كما في ( تاريخ بغداد ): « أخذ كتبه وروى أخباره مناولة، قال: وما سمع كثيرًا من أبيه ».
فقوله: « وما سمع كثيرًا من أبيه » واضح في أنه سمع 70 منه، إلا أنه لم يكثر؛ وأول عبارته يفيد أن ما لم يسمعه من كتب أبيه وأخباره أخذه منه مناولة، وهي من طرق التلقي، فعلى هذا تكون روايته عن أبيه متصلة صحيحة، إن صرح بالسماع فسماع، و إلا احتمل أن يكون سماعًا وأن يكون مناولة. والرواية التي ذكرها الخطيب من طريقه ولأجلها تعرض له الكوثري قد بين فيها السماع، هذا والسماع أصله أن يملي الشيخ بلفظه والتلميذ يسمع، لكن قد يطلق السماع على ما هو أعم من ذلك، وهذا هو المتبادر من قولهم: فلان لم يسمع من فلان، فيفهم منه أن روايته عنه منقطعة حتى لو صرح بالاتصال يكون كذبًا، وهذا هو مفهوم عبارة الكوثري لأنه قصد بها الطعن في رواية هذا الرجل التي بين فيها السماع؛ فانظر تحريفه لعبارة الدارقطني.
6- محمد بن أحمد الحكيمي، قال الكوثري ص114: « قال البرقاني في حديثه مناكير ».
أقول: لفظ البرقاني كما في ( تاريخ بغداد ) ج1 ص269 و( لسان الميزان ) ج5 ص45: « ثقة إلا أنه يروي مناكير ». 71 وبين العبارتين فرق عظيم فإن « يروي مناكير » يقال في الذي يرويه ما سمعه مما فيه نكارة ولا ذنب له في النكارة، بل الحمل فيها على من فوقه، فالمعنى أنه ليس من المبالغين في التنقي والتوقي الذين لا يحدثون مما سمعوا إلا بما لا نكارة فيه، ومعلوم أن هذا ليس بجرح. وقولهم: « في حديثه مناكير » كثيرًا ما تقال فيمن تكون النكارة من جهته جزمًا أو احتمالًا فلا يكون ثقة.
وهذا المعنى هو الذي أراد الكوثري إفهامه، ولذلك حذف كلمة « ثقة » وقد تعقب الخطيب كلمة البرقاني بقوله: « وقد اختبرت أنا حديثه فقلما رأيت فيه منكرًا ». فثبت أن هذا الرجل مع ثقته غير مقصر في التنقي والتوقي، وأن ما وقع في روايته مما ينكر قليل جدًا. وقال ابن حجر في ( لسان الميزان ): « ذكرته – يعني زيادة على ( الميزان ) – لأن المصنف ذكر عثمان بن أحمد الدقاق الصدوق الثقة بسبب كونه يروي المناكير ».
أقول: لا عذر لابن حجر في هذا.
أولًا: لأنه أنكر على الذهبي ذكره لعثمان، كما يأتي في ترجمته من ( التنكيل )
72 ثانيًا: لأن المناكير في مرويات عثمان كثيرة، والله المستعان.
5
ومن فواقره تقطيع نصوص أئمة الجرح والتعديل، يختزل منها القطعة التي توافق غرضه، وقد يكون فيما يدعه من النص ما يبين أن معنى ما يقتطعه غير المتبادر منه عند انفراده، فمن أمثلة ذلك:
1- القاسم بن أبي صالح، راجع ما تقدم 1: 2.
2 و 3- جرير بن عبد الحميد وأبو عوانة الوضاح، راجع ما تقدم ( 2-1و2 ).
4- عبد الله بن علي بن المديني، راجع ما تقدم 4: 5.
5- محمد بن أحمد الحكيمي، راجع ما تقدم 4: 6.
6- محمد بن يحيى بن أبي عمر، قال الكوثري ص166: « قال عنه أبو حاتم: كان به غفلة حدّث حديثًا موضوعًا عن ابن عيينة ».
أقول عبارة أبي حاتم كما في كتاب ابنه و ( التهذيب ) وغيرهما: 73 « كان رجلًا صالحًا وكان به غفلة، رأيت عنده حديثًا موضوعًا قد حدث به عن ابن عيينة وكان صدوقًا ». هذا وابن أبي عمر مكثر جدًا عن ابن عيينة، فإذا اشتبه عليه حديث واحد لم يضره، ولعل أبا حاتم نبهه عليه فترك روايته، وقد يكون أبو حاتم أخطأ في ظن الحديث موضوعا، وسئل الإمام أحمد: عمن نكتب؟ فقال أما بمكة فابن أبي عمر.
وقد أكثر مسلم في ( صحيحه ) عن ابن أبي عمر، له عنده على ما حكي عن ( الزهرة ) مائتا حديث وستة عشر حديثًا.
7- محبوب بن موسى، قال الكوثري ص17: « يقول عنه أبو داود: لا تقبل حكاياته إلا من كتاب ».
أقول: عبارة أبي داود كما في ( التهذيب ) و ( الميزان ) « ثقة، لا يلتفت إلى حكاياته إلا من كتاب ». ويأتي تحقيق حال محبوب في ترجمته من ( التنكيل ) إن شاء الله تعالى.
8- سعيد بن عامر، قال الكوثري ص109: « في حديثه بعض الغلط كما قال ابن أبي حاتم ».
أقول: عبارة ابن أبي حاتم كما نقلها عن أبيه كما في كتابه وغيره: « كان رجلًا صالحًا وكان في حديثه بعض الغلط وهو 74 صدوق ». وتأتي ترجمة سعيد في ( التنكيل ).
9- سليمان بن حسان الحلبي. قال الكوثري ص109: « قال أبو حاتم عنه [22] سألت ابن أبي غالب عنه فقال: لا أعرفه ولا أرى البغداديين يروون عنه ».
أقول: تتمة عبارة أبي حاتم كما في كتاب ابنه و ( تاريخ بغداد ) ج9 ص21: « وروى عنه من الرازيين أربعة أو خمسة » قال ابن أبي حاتم: « قلت ( لأبي ): ما تقول فيه؟ قال: هو صحيح الحديث ».
10- محمد بن العباس أبو عمرو بن حيوية، راجع ما تقدم 1: 12 وتأتي ترجمة محمد في ( التنكيل ).
11- محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، قال الكوثري ص133: « قال ابن عدي: رأيت أبا يعلى يسيء القول فيه ويقول: شهد على خالي بالزور. وله عن أهل الموصل أفراد وغرائب ا ه، وأبو يعلى من أعرف الناس به وكلامه فيه قاض على كلام الآخرين ».
75 أقول: آخر ما حكاه ابن عدي عن أبي يعلى قوله: « بالزور » وعقب ذلك كما في التهذيب: « قال ابن عدي وابن عمار: ثقة حسن الحديث عن أهل الموصل معافى بن عمران وغيره، وعنده عنهم أفراد وغرائب، وقد شهد أحمد بن حنبل أنه رآه عند يحيى القطان، ولم أر أحدًا من مشايخنا يذكره بغير الجميل، وهو عندهم ثقة ».
فحذف الكوثري توثيق ابن عدي وجميع مشايخه لابن عمار، وحذف الدليل على أن المراد بالأفراد والغرائب الأفراد والغرائب الصحيحة التي يمدح صاحبها لدلالتها على إكثاره عنايته ومهارته في الفن كما تقدم شيء من ذلك ( 2: 5 )، وحذف الدليل على أن أبا يعلى كان عنده نفرة عن ابن عمار توجب أن لا يعتد بكلامه المذكور فيه، كما يأتي إيضاح ذلك في ترجمة ابن عمار من ( التنكيل ).
والكوثري يتشبث بهذه القاعدة ويتوسع فيها جدًا، فيردد كثيرًا من الروايات المحققة والجرح المفسر المحقق بدعوى انحراف الراوي أو الجارح من المجروح، وإن كان الراوي أو الجارح جماعة من الأئمة ولم يثبت ما يعارض قولهم بل 76 مع ثبوت ما يوافق قولهم عمن كان موافقًا للمجروح مائلًا إليه، كما يأتي بعض ذلك في ترجمة أحمد بن محمد بن الصلت بن الغلس من ( التنكيل ).
ثم يتناقض الكوثري ههنا فيزعم أن تلك الكلمة المحتملة الصادرة من أبي يعلى مع تبين نفرته عن ابن عمار يرد بها توثيق الجمهور لابن عمار، وسيأتي في القسم الأول من (التنكيل) تحقيق هذه القاعدة، وفي القسم الثاني ترجمة ابن عمار وبيان إمامته وجلالته.
12- محمد بن فضيل بن غزوان، قال الكوثري ص39 في الكلام في القاسم التمار: « وقال ابن سعد عن [23] محمد بن فضيل الراوي عنه: بعضهم لا يحتج به ».
أقول: عبارة ابن سعد كما في ( طبقاته ) ج6 ص271 و ( التهذيب ) وغيرها: « كان ثقة صدوقًا كثير الحديث متشيعًا، وبعضهم لا يحتج به ».
فحذف الكوثري التوثيق الصريح، والدليل على أن 77 عدم احتجاج بعضهم بابن فضيل إنما هو لتشيعه، وقد وثقه ابن معين ويعقوب بن سفيان والعجلي وغيرهم؛ ولم يطعن أحد في روايته، وقال ابن شاهين: « قال علي ابن المديني: كان ثقة ثبتًا في الحديث » وقال الدارقطني: « كان ثبتًا في الحديث إلا أنه كان منحرفًا عن عثمان » وقد جاء ما يدافع هذا. [24]
قال أبو هشام الرفاعي: « سمعت ابن فضيل يقول: رحم الله عثمان ولا يرحم من لا يترحم عليه ». وذكر ابن حجر في ( مقدمة الفتح ) كلام ابن سعد ثم قال: « قلت إنما توَقف فيه من توقفَ لتشيعه ». ثم ذكر كلام أبي هشام ثم قال: « احتج به الجماعة ». يعني الشيخين في ( صحيحهما ) وبقية الستة. ولا أدري من هو الذي لم يحتج بابن فضيل أو توقف فيه؟ ولعل المراد بذلك بعض المتشددين في السنة لم يرو عن ابن فضيل لأنه يراه متشيعًا ويرى في الرواية عنه ترويجًا للتشيع فتوقف لذلك، لا لأن ابن فضيل ليس بحجة. ويأتي في القسم الأول من 78 ( التنكيل ) تحقيق حكم رواية المبتدع بما يعلم منه أن مثل ابن فضيل حجة على الإطلاق.
6
ومن عواقره أنه يعمد إلى جرح لم يثبت فيحكيه بصيغة الجزم محتجًا به، فمن أمثلة ذلك.
1- الحسن بن الربيع، قال الكوثري ص151: « يقول فيه ابن معين لو كان يتقي الله لم يكن يحدث بالمغازي، ما كان يحسن يقرؤها ».
أقول: هذا الكلام إنما رواه بكر بن سهل الدمياطي عن عبد الخالق بن منصور عن ابن معين، وبكر بن سهل لم يوثقه أحد، بل ضعفه النسائي، ورماه الذهبي في (الميزان) بالوضع.
2- ثعلبة بن سهيل القاضي، قال الكوثري ص11: ضعيف.
أقول: هذا يصلح أن يعد من أمثلة النوع الثامن - 8 - لكن أظن الكوثري اعتمد على ما حكاه أبو الفتح محمد 79 بن الحسين الأزدي عن ابن معين أنه قال في ثعلبة: « ليس بشيء »، وهذه الحكاية منقطعة كما قاله الذهبي في ( الميزان )، لأن بين الأزدي وابن معين مفازة، ومع ذلك فالأزدي نفسه متهم! له ترجمة في ( تاريخ بغداد ) و ( الميزان ) و ( اللسان ). [25] ثم لو فرض صحة تلك الكلمة عن ابن معين، فابن معين مما يطلق: « ليس بشيء » لا يريد الجرح وإنما يريد أن الرجل قليل الحديث. وقد ذكر الكوثري ذلك ص129 ويأتي تحقيق ذلك في ترجمة ثعلبة من ( التنكيل ). وحاصله أن ابن معين قد يقول « ليس بشيء » على معنى قلة الحديث فلا تكون جرحًا، وقد يقولها على وجه الجرح كما يقولها غيره فتكون جرحًا، فإذا وجدنا الراوي الذي قال فيه ابن معين: « ليس بشيء » قليل الحديث وقد وثق، وجب حمل كلمة ابن معين على معنى قلة الحديث لا الجرح، وإلا فالظاهر أنها جرح، فلما نظرنا 80 في حال ثعلبة وجدناه قليل الحديث، ووجدنا ابن معين نفسه قد ثبت عنه أنه قال في ثعلبة لا بأس به. وقال مرة: ثقة، كما في ( التهذيب )، وممن قال ابن معين فيه « ليس بشيء » أبو العطوف الجراح بن المنهال فنظرنا في حاله فإذا له أحاديث غير قليلة ولم يوثقه أحد بل جرحوه، قال ابن المديني: «لا يكتب حديثه» وقال البخاري ومسلم: « منكر الحديث » وقال النسائي والدارقطني: « متروك » وقال أبو حاتم والدولابي الحنفي: « متروك الحديث ذاهب لا يكتب حديثه » وقال النسائي في ( التمييز ): « ليس بثقة ولا يكتب حديثه »، وذكره البرقي فيما اتهم بالكذب وقال ابن حبان « كان يكذب في الحديث ويشرب الخمر.... » والكلام فيه أكثر من هذا، فعرفنا أن قول ابن معين فيه: « ليس بشيء » أراد بها الجرح كما هو المعروف عند غيره في معناها، فتدبر ما تقدم ثم انظر حال الكوثري إذ يبني على حكاية الأزدي عن ابن معين أنه قال في ثعلبة: « ليس بشيء » ويعلم حال الأزدي وأنه كان بعد ابن معين بمدة ويعرف أن ابن معين قد يطلق تلك الكلمة لا على سبيل الجرح، وأن الحجة قائمة على أن هذا من 81 ذاك، ومع ذلك كله يقول الكوثري في ثعلبة « ضعيف » وفي أبي العطوف يرى الكوثري جرح الأئمة له وأن له أحاديث غير قليلة، وأن ذلك مبين أن قول ابن معين فيه: « ليس بشيء » إنما أراد بها الجرح، ولكن الكوثري يقول ص129: « وقال ابن معين: ليس بشيء، وهو كثيرًا ما يقول هذا فيمن قل حديثه »! وعذر الكوثري أنه بحاجة إلى رد رواية رواها ثعلبة وإلى تقوية أبي العطوف، هكذا تكون الأمانة عند الكوثري!
3- عبد الله بن جعفر بن درستويه. قال الكوثري صفحة 39: « كان يحدث عمن لم يدركه لأجل دريهمات يأخذها، فادفع إليه درهمًا يصطنع لك ما شئت من الأكاذيب».
ذكر الكوثري هذه التهمة في عدة مواضع كلها بالجزم، بل نبز هذا العالم الفاضل الذي لا ذنب له إلا أنه روى كتابًا مشهورًا وهو ( تاريخ يعقوب بن سفيان )، وقد ثبت سماعه له حتى أن الذي أنكر عليه رجع أخيرًا فقصده فسمع منه، كما في ترجمته من ( تاريخ بغداد )، نبزه الكوثري بلقب « الدراهمي » مع أنه لا مستند للكوثري 82 في ذلك، إلا ما حكاه الخطيب عن هبة الله الطبري أنه ذكر ابن درستويه وضعفه وقال: « بلغني أنه قيل له حدث عن ابن عباس الدوري حديثًا ونحن نعطيك درهمًا، ففعل، ولم يكن سمع من عباس ».
ولا يخفى على عالم أن هذه الحكاية لا يصح الاستناد عليها لجهالة المبلغ للطبري، والكوثري أعلم الناس بهذا بل جاوزه كثيرًا فيقول رادًا لروايات الثقات الأثبات عمن يصرحون باسمه وقد ثبتت صحبتهم له وهم مع ذلك أبرياء من التدليس فيقول الكوثري: اللفظ لفظ انقطاع! حتى أحوجني ذلك إلى أن بينت في القسم الأول من ( التنكيل ) شرح قاعدة الاتصال والانقطاع، وتحقيق الحكم فيما يشتبه منها، ومع هذا فقد قال الخطيب: « هذه الحكاية باطلة.... ». هكذا تكون الأمانة عند الكوثري!
ويأتي بقية الكلام في ترجمة عبد الله بن جعفر من ( التنكيل ).
4- الأصمعي عبد الملك بن قريب. قال الكوثري ص54: « كذبه أبو زيد الأنصاري ».
أقول: حاكي ذلك عن أبي زيد هو أحمد بن عبيدة بن 83 ناصح وهو مطعون فيه، وفي ( الميزان ) في ترجمة الأصمعي: « أحمد بن عبيد ليس بعمدة ». ونقل الكوثري نفسه هذا ص42 حين احتاج إلى رد رواية لأحمد بن عبيد. قال الكوثري: « فلم يكن بعمدة كما ذكره الذهبي في ترجمة عبد الملك الأصمعي من ( الميزان ) » يجزم الأستاذ هنا بأنه ليس بعمدة، ثم يعتده فيقول في الأصمعي: كذبه أبو زيد الأنصاري. هكذا تكون الأمانة عند الكوثري!
5- جرير بن عبد الحميد. قال الكوثري ص110: « تفرد برواية حديث الأخرس الموضوع ».
أقول: مستند الكوثري حكاية سليمان الشاذكوني هالك ويأتي يوم شرح الحال في ترجمة جرير من ( التنكيل ). [26]
6- سليم بن عيسى القارئ. قال الكوثري ص60: « كان ضعيفًا في الحديث.... وقد روى عن الثوري خبرًا منكرًا ساقه العقيلي ».
أقول: لا مستند للكوثري في قوله: « كان ضعيفًا في الحديث » 84 إلا ذكر العقيلي ومن تبعه سليم بن عيسى في كتب الضعفاء مع رواية ذاك الحديث من طريق سليم بن عيسى، فأما ذكر الراوي في بعض كتب الضعفاء فلا يضره ما لم يكن فيما ذكر به ما يوجب ضعفه، وذلك أنهم كثيرًا ما يذكرون الرجل لكلام فيه لا يثبت أو لا يقدح أو نحو ذلك.
وأما ذاك الحديث فرواه العقيلي عن يحيى بن صالح [27] عن أبي صالح كاتب الليث عن سليم بن عيسى أبي يحيى عن سفيان الثوري، ويحيى بن صالح متكلم فيه، وأبو صالح كاتب الليث ليس بعمدة تأتي ترجمته في ( التنكيل ). [28] فعلى هذا لا يثبت أن سليمًا روى ذاك الحديث، ومع هذا فسليم 85 الذي ذكره العقيلي وروى عنه ذاك الحديث ليس هو بالقارئ صاحب حمزة الواقع في سند الخطيب، وإيضاح ذلك أن العقيلي قال: « سليم بن عيسى مجهول في النقل حديثه منكر غير محفوظ. حدثنا يحيى... » كما مرَّ، فقول العقيلي « مجهول في النقل حديثه منكر » واضح في أنه عنده غير القارئ، فإن القارئ معروف مشهور، وهذا مجهول لا يعرف عنه إلا بذاك الحديث كما تقتضيه عبارة العقيلي. ويؤكد هذا أن الذي ذكره العقيلي وروى عنه ذاك الحديث، كنيته " أبو يحيى " كما في السند، هكذا هو في كتاب العقيلي في النسخة المحفوظة بالمكتبة الآصفية في حيدر أباد الدكن [29] وهكذا هو في ( الميزان ) وليست هذه كنية القارئ، أما القارئ فقال ابن الجزري في ترجمته من ( طبقات القراء ) ج1 ص318: « كنيته أبو عيسى ويقال أبو محمد ».
والذهبي وإن بدأ في الميزان فزعم أنه القارئ فإنه رجع بعد ذلك ولفظه « سليم بن عيسى الكوفي القارئ، إمام في القراءة، وروى عن الثوري خبرًا منكرًا ساقه العقيلي، ولعل هذا الرجل غير القارئ.... ».
فقد اتضح أن سليم بن عيسى القارئ الواقع في سند الخطيب لا يناله وهن مما ذكر العقيلي ثم الذهبي، لأنه إن لم يكن هو الذي روى العقيلي عن يحيى بن عثمان عن كاتب الليث عنه ذاك الحديث فواضح، وإن كان إياه فلا يثبت عنه رواية ذاك الحديث للكلام في كاتب الليث وفي الراوي عنه.
ولنكتف بهذه الأمثلة هنا، ويأتي لها في قسم التراجم 86 من ( التنكيل ) نظائر منها في ترجمة حماد بن سلمة، ومنها في ترجمة محمد بن حسين بن حميد بن الربيع.
اعتبار
كما رأيت الكوثري حيث له غرض في الطعن في الراوي قد يعمد إلى جرح يعلم أنه لا يثبت فيجزم به، فكذلك حيث يكون له غرض في تقوية الراوي قد يعمد إلى ثناء عليه يعلم أنه لا يثبت فيجزم به، كما يأتي في ترجمة أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلس الحِمَّاني من ( التنكيل ) [30] والله المستعان.
7
ومن تجاهله ومجازفاته قوله في المعروف الموثق « مجهول » أو « مجهول الصفة » أو « لم يوثق » أو نحو ذلك، فمن الأمثلة:
1- عبد الله بن محمود. روى الخطيب جزء 13 ص384 من طريق عبد الله بن محمود المروزي قال سمعت محمد بن عبد الله بن قهزاذ.. » فقال الأستاذ ص70 « وعبد الله بن محمود مجهول الصفة ».
87 أقول: في ترجمة محمد بن عبد الله بن قهزاذ من « تهذيب التهذيب » جزء 9 ص271 « روى عنه.... وعبد الله بن محمود السعدي ».
ولعبد الله بن محمود السعدي المروزي ترجمة في كتاب ابن أبي حاتم وقال: « كتب إلى أبي بمسائل ابن المبارك من تأليفه » وله ترجمة في ( تذكرة الحفاظ ) جزء 2 ص257. قال الذهبي « الحافظ الثقة محدث مرو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمود بن عبد الله السعدي. قال الحاكم: ثقة مأمون ». [31]
2- محمد بن مسلمة. روى الخطيب ج13 ص395 من طريق البخاري « حدثنا صاحب لنا قال: قلت لمحمد بن مسلمة.... » فقال الكوثري صفحة 103 في الحاشية: « مجهول وليس هو بكاتب الحارث بن مسكين فإنه محمد بن سلمة.... ».
أقول: قد قرأ الكوثري ترجمته في ( الانتقاء ) لابن عبد البر الذي بث الكوثري عقاربه في تعليقاته عليه 56، وفي ( تاريخ البخاري ) جزء 1 ق1 ص240: « محمد بن مسلمة أبو هشام المخزومي المدني.... سمع مالكًا.... وقيل لمحمد 88 بن مسلمة ما لرأي فلان... ». فذكر الحكاية التي ذكرها الخطيب.
وقال ابن حبان في ( الثقات ): « محمد بن هشام بن إسماعيل أبو هشام المخزومي.. يروي عنه هارون بن عبد الله الحمال والناس، وكان ممن يتفقه على مذهب مالك ويفرّع على أصوله، ممن صنف وجمع ». وذكره ابن أبي حاتم في كتابه وقال: «.... روى عنه عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة وأبي.... سألت أبي عنه فقال: كان أحد فقهاء المدينة من أصحاب مالك، وكان من أفقههم.. سئل أبي عنه فقال: مديني ثقة ».
وفي ( الديباج المذهب ) صفحة 227 « محمد بن مسلمة.. روى محمد هذا عن مالك وتفقه عنده، وكان أحد فقهاء المدينة من أصحاب مالك وكان أفقههم وهو ثقة، وله كتب فقه أخذت عنه، وهو ثقة مأمون حجة، جمع العلم والورع توفي سنة 206 ».
89 ويبعد جدًا أن يكون هذا كله خفي على الكوثري مع ما عرفناه منه من النشاط في التفتيش عن التراجم، بل في سياق كلامه ما يشعر بأنه هذا الرجل، فإنه قال صفحة 104: « ونهمس في أذن هذا المتعصب الهاذي: إن كنت... فما رأيك في مذهب إمامك... » يعني مالكًا، والله المستعان.
3- طاهر بن محمد، ذكر الخطيب جزء 13 ص373 حكاية من طريق « طاهر بن محمد حدثنا وكيع... »، فقال الكوثري ص43: « طاهر بن محمد مجهول ».
أقول: بل معروف موثق، هو طاهر بن أبي أحمد بن عبد الله الزبيري، ذكره المِزي في ( تهذيبه ) في الرواة عن وكيع، وذكره ابن أبي حاتم في كتابه وقال: « روى عنه محمد بن عبد الله الحضرمي وموسى بن إسحاق القاضي »، وذكره ابن حبان في ( الثقات ) وقال: « يروي عن وكيع وأبي أسامة حدثنا عنه محمد بن إدريس الشامي، مستقيم الحديث ». وهذا من توثيق ابن حبان الذي لا مغمز فيه، كما يأتي شرحه في ترجمة ابن حبان من ( التنكيل ). [32]
90 4- إسماعيل بن حمدويه. ذكر الخطيب ج13 ص414 أثرًا من طريق « سلامة ابن محمود القيسي، حدثنا إسماعيل بن حمدويه البيكندي قال سمعت الحميدي.... » فقال الكوثري ص150: « إسماعيل بن حمدويه مجهول ».
أقول ذكره ابن حبان في ( الثقات )- ووقع في النسخة « السكندري » [33]. وقال: « يروى عن أبي نعيم وأبي الوليد وأهل البصرة، حدثنا عنه محمد بن المنذر شكر كان مقيمًا بالرملة زمانًا وكتب عنه شكر ».
أقول: فقد عرفه ابن حبان وعرف حديثه، وتوثيقه لمن عرفه وعرف حديثه مقبول، كتوثيق غيره من الأئمة، ويأتي ذلك في ترجمة ابن حبان من ( التنكيل ).
5- عبد الرحمن بن داود بن منصور. ذكر الكوثري ص184 رواية لأبي نعيم الأصبهاني عن أبي الشيخ عن عبد الرحمن بن داود بن منصور. فقال الكوثري:
« عبد الرحمن بن داود مجهول ».
أقول: ذكره أبو الشيخ وأبو نعيم أنفسهما في كتابيهما، فقال أبو الشيخ: « عنده حديث الشام ومصر، أكثر الناس 91 حديثًا عنهم، كان من الفقهاء صاحب أصول ثقة مأمون ».
وذكر أبو نعيم في ( تاريخ أصبهان ) نحو ذلك، وهذان الكتابان قد وقف عليهما الكوثري، فإنه قال ص59 عند ذكر عمر بن قيس الماصر: « له ولذويه ذكر واسع في ( تاريخ أصبهان ) لأبي الشيخ ». وقال ص151 في أحمد بن عبد الله الأصبهاني: « مترجم في ( تاريخ أصبهان ) لأبي نعيم » وفي كلا النقلين نظر، لكن المقصود هنا بيان وقوف الكوثري على الكتابين، وقد دل على ذلك كلامه في سالم بن عصام كما مر ( 2: 5 )، [34] ولا يخفى على الكوثري أن عبد الرحمن هذا أصبهاني، فالظن به أنه راجع ترجمته في الكتابين المذكورين.
6- أحمد بن الفضل بن خزيمة. وقال الكوثري ص111: « لم يوثق ».
أقول: هو أحمد بن الفضل بن العباس بن خزيمة ترجمته في ( تاريخ بغداد ) ج4 ص347 وفيها: وكان ثقة.
7- جعفر بن محمد الصندلي. قال الكوثري صفحة 141: « [ الذي] أثنى ابن حيوية عليه وحده، لا يكون إلا من هذا الصنف ».
أقول: ابن حيويه هو محمد بن العباس أبو عمر بن 92 حيويه الخزاز ستأتي ترجمته في ( التنكيل )، وهو أحد الثقات الأثبات العارفين، ومع ذلك ففي ترجمة جعفر هذا من ( تاريخ بغداد ): « وكان ثقة صالحًا دينًا سكن باب الشعير، أخبرنا أحمد بن أبي جعفر حدثنا يوسف بن عمر القواس حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي الأطروش سنة سبع عشرة وثلاثمائة ومات فيها، وكان يقال إنه من الأبدال ».
ثم ذكر الخطيب أن الصحيح أنه مات سنة 318، وقال ابن الجوزي في ( المنتظم ) ج6 ص234 في ترجمة جعفر هذا « وكان ثقة صالحًا دينًا، وكان يقال إنه من الأبدال».
اعتبار
كما أن الكوثري يتجاهل المعروفين الثقات حين يكون هواه رد روايتهم، فكذلك يتعارف المجاهيل ويحتج بروايتهم إذا كانت روايتهم توافق هواه، وسيأتي في ( التنكيل ) أمثلة لذلك.
منها: في ترجمة أحمد بن عبد الله الأصفهاني، ذكر الخطيب أثرًا من طريق علي بن حمشاذ عنه واستنكره، فقال الكوثري صفحة 151: « سعى الخطيب... بأن يقول: إن 93 أحمد بن عبد الله الأصفهاني مجهول، كيف وهو من ثقات شيوخ ابن حمشاذ مترجم في ( تاريخ أصفهان ) لأبي نعيم ». كذا قال؛ وقد فتشت ( تاريخ أبي نعيم ) فوجدت فيه ممن يقال له ( أحمد بن عبد الله ) جماعة ليس في ترجمة واحد منهم ما يشعر بأنه هذا، وفوق ذلك جميعهم غير موثقين! [35]
ومنها في ترجمة أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلس الحماني، ذكر الخطيب بسنده حكاية عن ابن أبي خثيمة وردها بنكارتها لأن في السند مجاهيل. فاحتج الكوثري بتلك الحكاية جازمًا بها ودفع كلام الخطيب بقوله: « وهذا مما يغيظ الخطيب جدًا ويحمله على ركوب كل مركب للتخلص منه بدون جدوى ».
كذا قال، ثم لم يبين ما يعرف به أولئك الذين جهلهم الخطيب. [36]
منها في ترجمة الإمام الشافعي فيما يتعلق 94 بكتاب ( التعليم ) المنسوب لمسعود بن شيبة، هذا الكتيب فيه جهالات في الطعن في مالك والشافعي، وذكر ابن حجر في ( لسان الميزان ) مسعود بن شيبة وقال: « مجهول لا يعرف عمن أخذ العلم ولا من أخذ عنه، له مختصر سماه ( التعليم )... ». فزعم الكوثري في حاشية صفحة 3: « أنه معروف عند الحافظ عبد القادر القرشي و... وغيرهم، فنعد صنيع ابن حجر هذا من تجاهلاته المعروفة لحاجة في النفس، وقانا الله اتباع الهوى ». كذا قال، والقرشي وغيره لم يعرفوا من حال مسعود بن شيبة إلا بما أخذوه من كتاب ( التعليم ) نفسه، وليس في ذلك ما يدل أنهم عرفوه المعرفة التي تنافي الجهالة، والواقع أن كتاب ( التعليم ) ألفه حنفي مجهول متعصب وكتب على ظاهره ذاك الاسم المستعار ( مسعود بن شيبة ) ولكن الكوثري مع معرفته الحقيقة يلدغ ويصئ ويرمي الأئمة بدائه ثم يقول: وقانا الله اتباع الهوى!
ومما يدخل في هذا الضرب قول الكوثري ص16 عند نقله ما ذكره الخطيب في موضع قبر أبي حنيفة: « كان 95 من المناسب أن يذكر الخطيب هنا ما ذكره في ج1 ص123 من تبرك الشافعي بأبي حنيفة حيث قال: أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي الصيمري قال: أنبأنا عمر بن إبراهيم المقرئ قال أنبأنا مكرم بن أحمد قال أنبأنا عمر بن إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا علي بن ميمون قال سمعت الشافعي يقول: إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم – يعني زائرًا – فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تقضى ا ه. ورجال هذا السند كلهم موثقون عند الخطيب ».
أقول: أما الصيمري وشيخه فموثقان عند الخطيب أي في ( تاريخه ) كما هو الظاهر - ومع هذا فالظاهر أن هذه الحكاية من كتاب ( مناقب أبي حنيفة ) الذي جمعه مكرم بن أحمد، وكان كتابًا معروفًا؛ ولعله كان عند الخطيب نسخة منه وكان سماعه له من الصيمري، ومعظم الاعتماد في مثل هذا على صحة النسخة، ولم يكن الخطيب ليعتمد عليها إلا وهي صحيحة، فالصيمري وشيخه من الوسائط السندية - فلا يضر تلك الرواية أن يكون فيهما أو في أحدهما كلام - 96 على أنه لا كلام فيهما فيما أعلم. وأما مكرم فقد قال الخطيب في ترجمته: « وكان ثقة » ولم أر ما يخالف ذلك سوى ما ذكره الخطيب ج4 ص209 في ترجمة أحمد بن الصلت بن المغلس الحماني قال: « حدثني أبو القاسم الأزهري قال: سئل أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني وأنا أسمع عن جمع مكرم بن أحمد ( فضائل أبي حنيفة )، فقال: موضوع، كله كذب، وضعه أحمد بن المغلس الحماني.... ».
فهذه العبارة تحتمل أوجهًا:
الأول: أن يكون الدارقطني تجوز في قوله: ( كله ) وإنما أراد أن الموضوع بعض ما تضمنه ذاك المجموع، وهو ما فيه رواية عن أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلس.
الثاني: أن تكون عبارة الدارقطني على ظاهرها، ويكون ما في ذلك المجموع من غير الحماني أصله من وضع الحماني، ولكن كان لمكرم إجازات من أولئك الشيوخ فأسقط اسم الحماني من تلك الروايات ورواها عن أولئك المشايخ بحق الإجازة، كما قيل إن الحافظ أبا نعيم الأصبهاني ربما صنع مثل ذلك كما يأتي في ترجمته من ( التنكيل ).
97 الثالث: أن يكون مكرم واطأ الحماني، فوضع له الحماني تلك الحكايات عن شيوخ الذين أدركهم مكرم، فرواها مكرم عنهم؛ وهذا الوجه الثالث هو الموافق لظاهر سؤال الأزهري للدارقطني وجوب الدارقطني، لكن يدفعه توثيق الخطيب لمكرم، وأنه لم يذكره أحد في ( الضعفاء ). والوجه الثاني أيضًا موافق لظاهر سؤال الأزهري وجواب الدارقطني، وهو أدنى أن لا يدفعه ما يدفع الثالث. وعلى كل حال فلم ينحل الإشكال، فدعه وافرض أن الراجح هو الوجه الأول، وأن هذه الرواية صحيحة عن عمر بن إسحاق بن إبراهيم، فمن عمر هذا ومن شيخه؟ أموثقان هما عند الخطيب كما زعم الكوثري؟
أما أنا فقد فتشت ( تاريخ بغداد ) فلم أجد فيه، لا موثقين ولا غير موثقين، بل ولا وجدتهما في غيره، نعم في غيره علي بن ميمون الرقي يروي عن بعض مشايخ الشافعي ونحوهم، وهو موثق لكن لا نعرف له رواية عن الشافعي، وقد راجعت ( توالي التأسيس ) لابن حجر لأنه حاول فيها استيعاب الرواة عن الشافعي فلم أجد فيهم علي 98 بن ميمون لا الرقي ولا غيره، انظر ( توالي التأسيس ) ص81.
هذا حال السند، ولا يخفى على ذي معرفة أنه لا يثبت بمثله شيء، ويؤكد ذلك حال القصة، فإن زيارته قبر أبي حنيفة كل يوم بعيد في العادة، وتحريه قصده للدعاء عنده بعيد أيضًا، إنما يعرف تحري القبور لسؤال الحوائج عندها بعد عصر الشافعي بمدة، فأما تحري الصلاة عنده فأبعد وأبعد.
والمقصود إنما هو المقابلة بين قول الكوثري: « ورجال هذا السند كلهم موثقون عند الخطيب » مع الأمثلة السابقة، وبين الأمثلة المتقدمة في النوع [37] ( 7 ). وبيان أن الكوثري إن تجاهل المعروفين الموثقين من رواة ما يخالف هواه، فإنه يتعارف المجهولين من رواة ما يوافقه، والله المستعان.
8
ومن أعاجيبه أنه يطلق صيغ الجرح مفسرة وغير مفسرة بما لا يوجد في كلام الأئمة، ولا له عليه بينة. فمن أمثلة ذلك:
1- أنس بن مالك صاحب رَسُولُ اللهِ ﷺ. قال الكوثري صفحة 80: « وأما حديث الرضخ فمروي عن أنس 99 بطريق هشام بن زيد وأبي قلابة عنعنة، وفيه القتل بقول المقتول من غير بينة، وهذا غير معروف في الشرع، وفي رواية قتادة عن أنس إقرار القاتل لكن عنعنة قتادة متكلم فيها، وقد انفرد برواية الرضخ أنس رضي الله عنه في عهد هرمه، كانفراده برواية شرب أبوال الإبل في رواية قتادة ( زاد في الحاشية – كما في ( الكفاية ) للخطيب ص74 برغم حملات البدر العيني على الإتقاني وصاحب ( العناية ) في ذلك... )، وبحكاية معاقبة العرنيين تلك العقوبة للحجاج الظالم المشهور، حينما سأله عن أشد عقوبة عاقب بها النبي ﷺ، حتى استاء الحسن البصري من ذلك. ومن رأي أبي حنيفة أن الصحابة رضي الله عنهم مع كونهم عدولًا ليسوا بمعصومين من مثل قلة الضبط الناشئة عن الأمية أو كبر السن، فيرجح رواية الفقيه منهم على رواية غيره عند التعارض، ورواية غير الهرم منهم على رواية الهرم... ».
أقول: المقصود هنا ما في هذه العبارة من زعمِ أن أنسًا رضي الله عنه هرمَ واختلَ ضبطه! ولا أعرف أحدًا قبل الكوثري زعم هذا.
100 نعم ذكروا أنه رضي الله عنه لما كبر نسي بعض حديثه، لكن لا يلزم من النسيان اختلال الضبط، فإن الناسي إن نسي الحديث أصلًا لم يحدث به البتة، وكيف يحدث به وهو ناس له؟ وإن عرض له تردد في قصة أو في بعضها فإنه إذا كان ضابطًا لم يحدث بها، أو يحدث بها ويبين التردد والشك. فالضابط هو الذي لا يحدث إلا بما يتقنه، فما لم يتقنه لم يحدث به أو حدث به وبين شكه، سواء أكان عدم الاتقان لذاك أول مرة عند التلقي أم عارضًا.
وزعمه أنه هرم غير قويم، لأن الهرم أقصى الكبر، ولم يبلغ أنس أقصى الكبر؛ أما من جهة كبر السن فقد قيل إنه لم يجاوز المائة وقيل بل جاوزها بثلاث سنين، وغلّطوا من قال إنه جاوزها بسبع سنين وقد كان في عصره من قومه وغيرهم من عاش فوق ذلك، فبلغ حسان مائة وعشرين سنة، وكان سويد بن غفلة يؤم الناس في قيام رمضان وقد أتى عليه مائة وعشرون سنة، ثم عاش حتى تم له مائة وثلاثون سنة، وبلغ أبو رجاء العطاردي مائة وسبعًا وعشرين سنة، وبلغ أبو عمرو سعد بن إياس الشيباني مائة وعشرين سنة، وبلغ المعرور بن سويد مائة وعشرين سنة، وبلغ زر بن حبيش مائة وسبعًا وعشرين سنة، وبلغ أبو عثمان النهدي مائة وثلاثين وقيل مائة وأربعين سنة. وحسان صحابي من قوم أنس، والستة الباقون كلهم 101 ثقات أثبات مجمع على الاحتجاج بروايتهم مطلقًا، ولم يطعن أحد في أحد منهم بأنه تغير بأخرة. وأما من جهة قوة البدن فلم يزل أنس صالحًا حتى مات لم يعرض له وهن شديد؛ وأما من جهة كمال العقل وحضور الذهن فلم يزل أنس كامل العقل حاضر الذهن حتى مات.
وأحب أن أتتبع عبارة الأستاذ السابقة ليتضح للقارئ تحقيق الأستاذ وتثبته!
أما هشام فهو ابن زيد بن أنس بن مالك، وليس هو بمدلس، والراوي عنه شعبة، وهو معروف بالتحفظ عن رواية ما يخشى فيه التدليس، والحديث في ( الصحيحين ). وأما أبو قلابة فهو عبد الله بن زيد الجرمي، وقد قال أبو حاتم: « لا يعرف له تدليس » وسماعه من أنس ثابت كما في حديث العرنيين وغيره، فعنعنة هذين محمولة على السماع باتفاق أهل العلم.
فقول الكوثري: « وفيه القتل بقول المقتول » إنما يكون فيه ذلك لو صرح بنفي الاعتراف، ولم يصرح به، وإذ لم يصرح به فالواجب إذا كان الظاهر باطلا أن يبني على أنه وقع الاعتراف، وهذا كما في دلالة الاقتضاء المشروحة في 102 أصول الفقه، وهي أنه إذا لم يصح المعنى الظاهر عقلًا أو شرعًا وجب إضمار ما يصح به الكلام، ولا يعد عدم صحة الظاهر مسوغًا لرده رأسًا؛ فكذلك هنا، بل الأمر هنا أوضح فإن ترك الراوي لبعض الجزئيات مما يرى أنه لا يخفي ثبوته على أحد أسهل من الحذف في التركيب، هذا كله على فرض أنه لم ينقل الاعتراف وهو منقول ثابت في رواية قتادة.
قول الكوثري: « عنعنة قتادة متكلم فيها ».
أقول: دع عنعنته وخذ تصريحه، قال البخاري في ( الصحيح ) في « باب إذا أقر بالقتل مرة قتل به »: حدثني إسحاق أخبرنا حبان [38] حدثنا همام حدثنا قتادة حدثنا أنس بن مالك أن يهوديًا رَضَّ رأس جارية بين حجرين، فجيء باليهودي فاعترف - فأمر النبي ﷺ فرضَّ رأسه بالحجارة، وقد قال همام بحجرين.
وفي ( مسند الإمام أحمد ) ج3 ص269 حدثنا عفان حدثنا همام قال أنا قتادة أن أنسًا «.... خذ اليهودي فجيء به فاعترف » فهل في هذا عنعنة يا كوثري؟ [39].
( أقول ) أما الانفراد فليس بمانع من الاحتجاج عند 103 أهل السنة، بل بإجماع الصحابة والتابعين؛ بل الأدلة في ذلك أوضح، ولم يشترط التعدد إلا بعض أهل البدع. نعم قد يُتوقف في بعض الأفراد لقيام قرائن تشعر بالغلط، والمرجع في ذلك إلى أئمة الحديث؛ وليس قرينة، وأئمة الحديث قد صححوا هذا الحديث كما علمت.
وأما قوله « في عهد هرمه » فقد تقدم أنه لم يهرم، وليس هناك دليل على أنه لم يحدث بهذا الحديث إلا بعد كبره، فالجزم بذلك مجازفة.
قوله « كانفراده برواية شرب أبوال الإبل في رواية قتادة ».
( أقول ) في ( فتح الباري ): «.... وروى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعًا: إن في أبوال الإبل شفاء للذربة بطونهم » والحديث في ( الصحيحين ) وغيرهما عن قتادة مصرحًا في بعض طرقه بالسماع من أنس، [ لم ] ينفرد به قتادة، بل ثبت في ( الصحيحين ) وغيرهما من رواية أبي قلابة مصرحًا في بعض طرقه بالسماع من أنس؛ وثبت في ( صحيح مسلم ) من رواية عبد العزيز بن صهيب وحميد بن أنس. وفي ( تفسير ابن جرير ) 6: 119 – 120 بسند صحيح عن سعيد بن جبير ذكر القصة بسياق أخر وفيها « فاشربوا أبوالها وألبانها ». وما في ( الكفاية ) صفحة 74 حاصله أن الخطيب عقد بابًا لما استثبت فيه الراوي غيره وميزه، فذكر في 104 جملة الأمثلة عن حميد عن أنس « فشربتم من ألبانها، قال حميد وقال قتادة عن أنس: وأبوالها » فمقصود الخطيب أن حميدًا لم يحفظ الحديث ( وأبوالها ) وإنما أخذه من قتادة، فهذا حجة على أن حميدًا ليس في محفوظه عن أنس ( وأبوالها ) وليس فيه ما يدل أن قتادة تفرد بها، وقد ثبت من رواية أبي قلابة وعبد العزيز ابن صهيب، ثم لو فرض تفرد قتادة فقتادة أحفظهم.
قول الكوثري: « وبحكاية معاقبة العرنيين ».
أقول: كان اجتماع أنس بالحجاج لما كان الحجاج بالبصرة وذلك سنة 75 ه قبل وفاة أنس ببضع عشرة سنة؛ وليس في الحديث ما يصلح أن يكون شبهة للحجاج على ظلمه، ولو كان فيه ذلك فلم يكن الحجاج يحتاج في ظلمه إلى شبهة، ومع هذا فلأنس عذر، وهو أنه قد كان حدث بالحديث قبل ذلك، فلعله لما سأله الحجاج خشي أن يكون قد بلغ الحجاج تحديثه به، فإذا كتمه عند سؤاله إياه اتخذ الحجاج ذلك ذريعة إلى إيذاء أنس. ثم أقول إن كان مقصود الكوثري أن تحديث أنس للحجاج بتلك القصة يدل على اختلال ضبط أنس فلا يخفى بطلان 105 هذا، وإن كان مقصوده أن ذلك موجب لفسق أنس فليصرح به.
قوله: « قلة الضبط الناشئة عنه من الأمية أو كبر السن ».
أقول: أما الأمية فليست مما يوجب قلة الضبط، وإنما غايتها أن يكون في رواية صاحبها كثير من الرواية بالمعنى، وليس ذلك بقادح، ومع ذلك فلم يكن أنس أميًا؛ ولا يخشى في حديث الرضخ ولا حديث العرنيين رواية أنس بالمعنى. أما عدم الأمية ففي ( الإصابة ): « قال محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثنا ابن عون عن موسى بن أنس أن أبا بكر لما استخلف بعث إلى أنس ليوجهه إلى البحرين على السعاية، فدخل عليه عمر فاستشاره فقال: ابعثه فإنه لبيب كاتب. »
وأما الرواية بالمعنى فإنما تخشى في الأحاديث القولية، والحديثان فعليان.
قوله « فيرجح... ».
أقول: الترجيح إنما يكون عند قيام المعارض، ولم يعارض حديثي أنس – ولا سيما حديث الرضخ - شيء يعتد به، وليس مما يوهن أن يكون بحيث لو عارضه ما هو أرجح منه لقدم الراجح، فإن هذا الوهن إنما يحصل عند 106 وجود المعارض الأقوى، فإذا لم يكن هناك معارض في أقوى لم يكن هناك وهن. وهذا وسيأتي بسط الكلام على حديث الرضخ في الفقهيات من ( التنكيل ) وتأتي ترجمة أنس في قسم التراجم هناك، [40] والله الموفق.
2- أبو عوانة الوضاح. قال الكوثري ص92: «.... وما رواه في ست سنوات في آخر عمره، لا يعتد به لاختلاطه ».
أقول: فتشت المظان فلم أر أحدًا زعم أن أبا عوانة اختلط، وكأن الكوثري تشبت بما في ( تاريخ بغداد )13: 465 «.... محمد بن غالب حدثنا أبو سلمة قال: قال لي أبو هشام المخزومي: من لم يكتب عن أبي عوانة قبل سنة سبعين ومائة فإنه لم يسمع منه» ثم عقب ذلك بذكر وفاة أبي عوانة سنة 175، أو سنة 176، وحمل الكوثري قوله « فلم يسمع منه » على المجاز، أي فلم يسمع منه سماعًا يعتد به، ثم تخرص أن ذلك لأجل اختلاطه.
ويدفع هذا أن مثل أبي عوانة في إمامته وجلالته وكثرة حديثه وكثرة الآخذين عنه لو اختلط لاشتهر ذلك 107 وانتشر، فكيف لو دام ذلك سنوات؟ وقد اعتنى الأئمة بجمع أسماء الذين اختلطوا، فلم يذكروا أبا عوانة، واعتنى المؤلفون في الضعفاء بذكر الذين اختلطوا، فلم يذكروا أبا عوانة؛ ومن ذكره منهم لم يذكر أنه اختلط، وإنما ذكر أنه كان إذا حدث من حفظه يغلط، ومع ذلك فهذه الرواية لا وجود لها في ( تهذيب التهذيب ) مع حرصه على ذكر كل ما فيه مدح أو قدح؛ وظهر من ذلك أنها ليست في أصوله. والذي يظهر أنهم حملوها على أن المقصود بها بيان تاريخ الوفاة [41] لأن الخطيب عقبها بما هو صريح في ذلك، فإما أن يكونوا أعرضوا عنها لشذوذها وإجمالها وإما أن يكون وقع في نسخة التاريخ المطبوع سقط والأصل قبل سنة ست وسبعين فرأوا أن مع إجمالها محتملة للوجهين المصرح بهما، فإن كان ولا بد فقد يكون المراد بها معنى ما روى عن الإمام أحمد أن أبا عوانة كان في آخر عمره يقرأ من كتب الناس، يعني اعتمادًا على حفظه مع قول أحمد: « إذا حدث أبو عوانة من كتابه فهو أثبت، وإذا حدث من غير كتابه ربما وهم »، فيكون أبو هشام بالغ في قوله « فلم يسمع منه »؛ 108 فأما الاختلاط فلا وجه له البتة.
3- محمد بن علي بن الحسين بن شقيق، في ( تاريخ بغداد ) 13: 414 من طريق « أحمد بن الحسين البلخي يقول: سمعت محمد بن علي بن الحسين بن شقيق يقول: سمعت أبي يقول سمعت عبد الله بن المبارك يقول: لَحديث واحد من حديث الزهري أحب إلي من جميع كلام أبي حنيفة ».
فذكر الكوثري ص151 أثرًا قبل هذا، ثم قال: « وفي سند الخبر الذي بعده محمد بن شفيق ( كذا ) وليس بذاك، ومتن الخبر لحديث واحد.... ».
فمحمد بن علي بن الحسين بن شقيق وثقة النسائي وغيره، وقال الحاكم « كان محدث مرو »، ولم يغمزه أحد. فأما أبوه فمن جلة أصحاب ابن المبارك، احتج به الشيخان في ( الصحيحين ) وبقية الستة.
4- حسين بن حريث أبو عمار المرزوي. قال الكوثري ص83: « كثير الأغراب ».
أقول: لم أجد للكوثري سلفًا في هذا، والحسين بن حريث من شيوخ الشيخين في ( الصحيحين ) وأبي داود والترمذي والنسائي في كتبهم، ووثقه النسائي وغيره، ولم يغمزه أحد.
109 5- علي بن محمد بن مهران السواق. قال الكوثري ص156: « من ضعفاء شيوخ الدارقطني » كذا قال، وهذا الرجل روى عنه الدارقطني ووثقه الخطيب ولم يغمزه أحد، [42] وتأتي ترجمته في ( التنكيل ).
6- جعفر بن محمد بن شاكر. قال الكوثري ص109: « بلغ تسعين سنة واختل ضبطه ».
أقول: أما العمر فذكروا أن جعفر قارب التسعين، وأما اختلال الضبط فمن مجازفات الكوثري، قال الخطيب ( 7: 176 ): « كان عابدًا زاهدًا ثقة صادقًا متقنًا ضابطًا »، وأسند عن ابن المنادي: « كان ذا فضل وعبادة وزهد، انتفع به خلق كثير الحديث »، وعنه أيضًا « كان من الصالحين، أكثر الناس عنه لثقته وصلاحه، بلغ تسعين سنة غير يسير ».
وبلوغ التسعين لا يستلزم اختلال الضبط كما مر في ترجمة أنس، ويتأكد ذلك في هؤلاء المتأخرين، لأن اعتمادهم على أصول مثبتة منقحة محفوظة، لا على الحفظ، والله الموفق.
فهذه ثمانية من فروع مغالطات الكوثري ومجازفاته؛ 110 وبقي بعض أمثلتها، وسترى ذلك في ( التنكيل ). وكذلك بقيت فروع أخرى ستراها في ( التنكيل ) إن شاء الله تعالى، منها أنه قد يكون في الرجل كلام يسير لا يضر، فيزعمه الكوثري جرحًا ترد به الرواية، كما قال في الحسن بن علي الحلواني، والحسن بن أبي بكر، وعثمان بن أحمد بن السماك ومحمد بن عباس بن حيويه.
ومنها أن الكوثري قد يحكي كلامًا في الرجل مع أنه لا يضره بالنسبة إلى الموضع الذي يتكلم عليه، كأن يروي الخطيب عن رجل كلامًا قاله رأيه، فيحكي الكوثري في ذلك الرجل كلامًا حاصله أنه لم يكن جيد الحفظ، كما قال في إبراهيم بن محمد أبي إسحاق الفزاري ويوسف بن أسباط وسفيان بن وكيع وقيس بن الربيع ومؤمل بن إسماعيل ومحمد بن ميمون أبي حمزة ومحمد بن جعفر بن الهيثم.
ومنها أن الخطيب كثيرًا ما ينقل الروايات عن بعض المصنفات المشهورة، ولكنه على عادة أقرانه لا يصرح بالنقل، بل يرويها بسنده الذي سمع به ذاك الكتاب، فيتكلف الكوثري الكلام في بعض من بين الخطيب وبين 111 مؤلف الكتاب؛ مع أن هذا لا يقدح في الرواية، إذ معظم الاعتماد في مثل هذا على صحة النسخة، ككلامه في عبد الله بن جعفر ابن درستويه، والحسن بن الحسين بن دوما، ومحمد بن أحمد رزق، وأحمد بن كامل.
ومنها: أن الكوثري يعمد إلى كلام قد ردّه الأئمة فيتجاهل الكوثري ردهم ويحتج بذلك الكلام؛ ككلامه في علي بن عبد الله بن المديني، وبشر بن السرَي، وأحمد بن صالح، ومحمد بن بشار، وإسماعيل بن إبراهيم أبي معمر الهذلي، وأبي مسهر عبد الأعلى ابن مسهر، وعبد الله بن محمد بن أبي الأسود، ومحمد بن عبد الله بن عمار.
ومنها: أنه يعمد إلى ما يعلم أنه لا يعد جرحًا البتة فيعتد به ويهول، مثل كلامه في عبد الله بن الزبير الحميدي، والحسن بن أبي بكر بن شاذان، ورجاء بن السندي.
ومنها: أنه يتهم بعض الحفاظ الثقات بتهم لا أصل لها، كما قاله في الحميدي وأحمد بن علي الأبار، إلى غير ذلك. وسترى إن شاء الله تعالى هذا كله وغيره في ( التنكيل ).
وحسبي الله ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على خاتم أنبيائه محمد وآله وصحبه.
فهرس طليعة التنكيل
خطبة المؤلف، وفيها إجمال ما وقع فيه الكوثري في (تأنيبه).
من مغالطات الكوثري. النوع الأول: تبديل الرواة، وسياق ثمانية أمثلة على ذلك
صالح بن محمد ومحمد بن أيوب
أحمد بن الخليل
محمد بن جبوية
أبو عاصم
أحمد بن إبراهيم
أبو الوزير
محمد بن أحمد بن سهل
محمد بن عمر
محمد بن سعيد
أبو الشيخ الأصبهاني
اجتماع فضيلة الشيخ سليمان الصنيع بالكوثري مطالبا إياه بإثبات ما عزاه إلى الحافظ العسال من تضعيفه لأبي الشيخ الأصبهاني دون أن يحصل منه على نتيجة! (تعليق)
أبو الحسن الرزاز
النوع الثاني: يعمد إلى كلام لا علاقة له بالجرح فيجعله جرحا، وسياق ستة أمثلة على ذلك
جرير بن عبد الحميد وأبو عوانة بن عبد الله اليشكري
محمد بن عبد الوهاب أبو أحمد الفراء
عبد الله بن محمد بن عثمان بن السقاء
سالم بن عاصم
الهيثم بن خلف الدوري
محمد بن عبد الله بن عمار
وضاح بن عبد الله أبو عوانة
محمد بن سعيد
أيوب بن إسحاق بن سافري
عبد الله بن عمر الرماح
أحمد بن المعذل
اعتبار حيث تخالف الألفاظ الصحيحة غرض الكوثري يدعي تصحيفها وسياق أمثلة على ذلك
النوع الرابع: تحريف الكوثري نصوص أئمة الجرح والتعديل وأمثلة ستة على ذلك
إبراهيم بن سعيد الجوهري
مؤمل بن أهاب
أحمد بن سلمان النجاد
أحمد كامل
عبد الله بن علي المديني
محمد بن أحمد الحكيمي
محبوب بن موسى
سعيد بن عامر
سليمان بن حسان الحلبي
محمد بن العباس أبو عمرو بن حيويه
محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي
محمد بن فضيل بن غزوان
النوع السادس: يعمد إلى جرح لم يثبت فيحكيه بصيغة الجزم محتجا به وسياق ستة أمثلة على ذلك
الحسن بن الربيع
ثعلبة بن سهيل القاضي
عبد الله بن جعفر بن درستويه
الأصمعي عبد الملك بن قريب
جرير بن عبد الحميد
سليم بن عيسى القارئ
الضرب السابع: تجهيله للمعروفين الموثقين عندما يقتضي غرضه ذلك وسياق سبعة أمثلة على ذلك
عبد الله بن محمود
محمد بن مسلمة
طاهر بن محمد
إسماعيل بن حمدويه
عبد الرحمن بن داود بن منصور
أحمد بن الفضل بن خزيمة
جعفر بن محمد الصندلي
اعتبار: ويزعم في المجاهيل الذي يريد الاحتاج بهم أنهم معروفون مؤثوقون مجازفا بذلك، وذكر أمثلة على ذلك.
تصحيح الكوثري قصة مجيء الشافعي إلى قبر أبي حنيفة في كل يوم زائرا وتحريه الدعاء عنده، وبيان خطأه في ذلك وبطلان القصة.
النوع الثامن: يطلق صيغ الجرح بما لا يوجد في كلام الأئمة ولا عليه دليل، وذكر ستة أمثلة على ذلك
أنس بن مالك، وزعم الكوثري أن أنسًا كان هرم والرد عليه وذكر جماعة من المعمرين الثقات مجمع على الاحتجاج بهم.
تتبع المصنف لعبارة الكوثري ليتضح تحقيقه وتثبته!
ذكر شاهدين لحديث أنس في شرب أبوال الإبل.
رمي الكوثري لأنس بالأمية، والرد عليه.
أبو عوانة الوضاح. رماه الكوثري بالاختلاط تخرصا، والتدليل على ذلك.
محمد بن علي بن الحسن بن شقيق
حسين بن حريث أبو عمار المروزي
علي بن محمد بن مهران السواق
جعفر بن محمد بن شاكر
الإشارة إلى أنواع أخرى من مغالطات الكوثري ومجازفاته.
هامش
- ↑ كذا الأصل، وفي الطبعة الأولى « بمثل الطعن في هؤلاء الأكابر فقد فضح وأساء إلى من يريد الذب عنه بسوء صنيعه ».
- ↑ قلت: قد تم والحمد لله، وقد وفق الله فضيلة الشيخ محمد نصيف وشركاءه للسعي لنشره والانفاق على طبعه جزاهم الله خيرًا، وهو الذي يلي « الطليعة ». ن
- ↑ بل هو بغدادي، صرح به الخطيب 12/367، وشيوخه عراقيون أو وافدون إلى العراق.
- ↑ والقيراطي متهم بسرقة الحديث؛ وإنما يحمله على ذلك ترفعه أن يروي عن أقرانه فمن دونهم، وشيوخه توفوا سنة 252 أو نحوه، وأقدم شيخ سمي للقاسم توفي سنة 277، وشيخه في هذه الحكاية توفي سنة 294، فكيف يروي سارق الحديث عن أصغر منه بنحو خمس عشر سنة عن أصغر من شيوخ السارق بنحو أربعين سنة؟
- ↑ بل لم يدركه، فإن شيوخ محمد توفوا سنة 375 فما بعدها إلا واحدًا منهم يظهر أنه توفي قبلها بقليل، وذلك بعد وفاة القيراطي بنحو ستين سنة.
- ↑ وقع فيما يأتي من « التنكيل » 202 خطأ.
- ↑ زيادة استدركها المصنف رحمه الله فيما يأتي من « التنكيل » ( 1/271 ) أمر أن تزاد هنا. ن
- ↑ وليس من شأن الأستاذ تقليد معظمه ولا لجنته، وقد انتقدهما ص56 في « تأنيبه » حيث لم يكن له هوى في موافقتهما. المؤلف. قلت: هذا جواب منه على ما جاء في الترحيل فراجع كلامه والرد عليه بأوسع مما هنا فيما يأتي من التنكيل ( 1/272 - 273 ). ن
- ↑ يشير المصنف رحمه الله إلى خطأ الكوثري في تسميته كتاب الذهبي بما ذكر، وإنما هو « المشتبه » هكذا سماه المؤلف، ثم أن موضوعه أعم من « مشتبه النسبة ». ن.
- ↑ هذا في الطلعتين، ولعل الصواب « شطر » في الموضعين. ن
- ↑ أي في « الجواهر المضيئة ».
- ↑ قلت: وهو الدولابي صاحب كتاب « الكنى والأسماء ». ن
- ↑ انظر ج1 ص78 - 83 من « التنكيل ». ن
- ↑ في الطبعتين (فرع ) والصواب ما أثبتنا.
- ↑ كان ابن المبارك رجل دين ودنيا فلم يكن ليثق في شؤونه في حياته وفي مخلفاته بعد وفاته إلا بعدل أمين يقض وهذا توثيق عملي قد يكون أقوى من القولي، والإمام أحمد لا يروي إلا عن ثقة عنده؛ صرح به شيخ الإسلام ابن تيمية، والسبكي في « شفاء السقام » والسخاوي في «فتح المغيث» ص134 ويقتضيه ما في « تعجيل المنفعة » صفحة 15 و 19، وفي ترجمة عامر بن صالح ما يدل على ذلك.
- ↑ هذا التضعيف لم يثبت عن العسال، وقد تعقبه المؤلف في « التنكيل » بأنه لم يظفر به عن العسال، وقال هناك ( 1/39 ): « وقد كنت كتبت إلى بعض أهل العلم أسألهم، فلم أحصل على خبر إلا أن أحدهم أخبرني أنه اجتمع بالأستاذ الكوثري نفسه ». هذا آخر كلامه، لم يذكر نتيجة الاجتماع كما علقت هناك. وكنت كتبت إلى فضيلة الشيخ محمد نصيف أستوضحه الأمر، حتى أعلقه في هذا الموضع من « التنكيل »، ولكن الجواب تأخر حتى فاجأنا الطبع، فرأيت أن أستدرك ذلك هنا للفائدة. كتب الشيخ محمد نصيف إلى فضيلة الشيخ سليمان الصنيع عضو مجلس الشورى بمكة المكرمة، ومدير مكتبة الحرم المكي سابقًا يسأله عن عبارة المعلمي المذكورة آنفًا فكتب فضيلته يقول بعد السلام والتسمية والحمدلة: « وجوابي على ذلك أني اجتمعت بالكوثري عدة مرات في داره بمصر في ذلك الحين وسألته عن ذلك فلم أحصل على نتيجة منه ولو كان صادقًا فيما نسبه إلى أبي أحمد العسال لأوضحه لي حين سؤالي له، والذي يظهر لي أن الرجل يرتجل الكذب ويغالط كما يظهر ذلك مما أوضحه الشيخ عبد الرحمن في الطليعة وفي التنكيل، يضاف إلى ذلك أن الحافظ الذهبي قد ترجم لأبي الشيخ الأصبهاني الأصبهاني في « تذكرة الحفاظ » ج3 ص945 من الطبعة الثالثة وكذا في « شذرات الذهب » من 3 ص69.. فالذهبي قال: حافظ أصبهان ومسند زمانه كان مع سعة علمه وغزارة حفظه صالحًا قانتا لله صدوقا. ثم قال: قال ابن مردويه: ثقة مأمون، ونقل عن أبي بكر الخطيب كان حافظًا ثبتًا متقنًا، ونقل عن أبي نعيم قوله كان ثقة. وفيما نقله الذهبي عن الخطيب وعن أبي نعيم كفاية ولا حاجة إلى إعادته. يُضاف إلى ذلك أن الحافظ الذهبي لم يذكر أبا الشيخ الأصبهاني في « ميزان الاعتدال » لأنه يذكر فيه كل من تكلم فيه ولو كان ثقة للذب والدفاع عنه إن كان من الثقات. وهذا من الأدلة الواضحة على عدم صحة ما ذكره الكوثري من تضعيف أبي الشيخ. وقد بحثت في جميع الكتب الموجودة لدي ككتاب « الأنساب » للسمعاني ومختصره « اللباب » وكل الكتب المطبوعة التي ترجمت لأبي الشيخ فلم أجد شيئًا مما ذكره الكوثري.. هذا ما لدي أكتبه إليكم لتبعثوه لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. وأعتقد أن الشيخ عبد الرحمن قد وفى الموضوع حقه من الرد في كتابه « التنكيل »، كما أن الشيخ محمد ناصر الدين لديه الكفاية من الاطلاع على كتب الرجال وغيرها وتوفر المراجع لديه من مخطوط ومطبوع. وأسأل الله أن يرزقنا الصدق في القول والإخلاص في العمل ويوفقنا لكل خير. حفظكم الله ورعاكم. سليمان الصنيع ». وأقول: من المصادر التي راجعتها تحقيقًا للموضوع كتاب « سير النبلاء » ( 10/215/1 – 216/2 ) للذهبي وهو غير مطبوع، نقل فيه أيضًا توثيق الخطيب لأبي الشيخ رحمه الله. وعن ابن مردويه أنه قال فيه: « ثقة مأمون » وختم ترجمته بقوله: « قلت: قد كان أبو الشيخ من العلماء العاملين، صاحب سنة واتباع، لولا ما ملأ تصانيفه من الواهيات ».
- ↑ قلت: اعترف الكوثري في الترحيب ص38 بهذا التحقيق. ن
- ↑ أي قول الخطيب في أول الترجمة.
- ↑ ج1 ص450 رقم 208. ن
- ↑ لم يجب الكوثري في الترحيب عن هذا بشيء يذكر. وراجع التنكيل 1/ 216/ 63. ن
- ↑ منه نسخة محفوظة في المكتبة الآصفية بحيدر أباد الدكن بالهند. قلت: ومنه أخرى في الظاهرية. ن
- ↑ الكوثري يأتي بلفظ « قال عنه » بمعنى « قال فيه ».
- ↑ بمعنى في.
- ↑ أعني انحرافه عن عثمان.
- ↑ انظر ( اللسان ) ج5 رقم 464 و 465 فإنهما ترجمة واحدة وقوله في سطر 15: "فأما" إلى قوله في سطر 18: "انتهى" كلام معترض.
- ↑ ج1 ص216 رقم 63.
- ↑ كذا في النسختين، والصواب « ابن عثمان » كما في « الضعفاء » للعقيلي ( ص172 ) و «الميزان» للذهبي، ويأتي قريبًا في الكتاب على الصواب. ن
- ↑ ج1/ 305 / 124.
- ↑ قلت: وكذلك هو في النسخة المحفوظة في المكتبة الظاهرية بدمشق. ن
- ↑ ج1 ص170 رقم 34.
- ↑ وهو من شيوخ ابن خزيمة وابن حبان في ثقاته مع روايته عنه في صحيحه، وتوثيق ابن حبان لمن عرفهم وخبرهم من أعلى التوثيق، فإنه يتشدد في هؤلاء ويحسن الظن بغيرهم. قلت: وراجع "التنكيل" ( 1/ 315 ) من أجل ابن محمود. و ( 1/436 – 438 ) من أجل توثيق ابن حبان. فهناك تفصيل دقيق عنه.
- ↑ ج1 ص436 – 438.
- ↑ ثم رأيته في نسخة أخرى جيدة ( البيكندي ). والمؤلف. قلت: وهو الصواب كما أفاده المصنف في "التنكيل" ( 1 / 208 / 50 ). ن
- ↑ يعني النوع الثاني من الترجمة الخامسة. ( ص61 – الطبعة الأولى ).
- ↑ وادعى الكوثري أن علي بن حمشاذ لا يروي إلا عن الثقات فبينت هناك كذب هذه الدعوى وسقت عدة من الروايات التي فيها رواية علي بن حمشاذ عن الضعفاء والمتهمين.
- ↑ وقد عرف غيره بعضهم بالضعف الشديد كما ستراه في « التنكيل ».
- ↑ الأصل « الفرع ».
- ↑ بفتح المهملة ثم باء موحدة. ووقع في « التنكيل » ( 2 / 89 ) بالمثناة التحتية وهو خطأ مطبعي.
- ↑ ليس هذا من الزيادة. إنما هو من تبيين المجمل وتعيين المحتمل، ومن يحتج بالمرسل فكيف يعقل أن يرد مثل هذا؟! المؤلف. قلت: هذا رد على ما في « الترحيب »، فراجع التفصيل في « التنكيل » ( 1/24 - 25 ). ن
- ↑ ج1 ص211 وحديث الرضخ في ج2 ص88.
- ↑ هذا هو المتعين ولا حاجة لما بعده، فقد صرح الحافظان الجليلان أبو بكر الإسماعيلي وأبو أحمد بن عدي بأن أبا عوانة مات سنة سبعين ومائة، كما في "تاريخ جرجان" ص438. المؤلف.
- ↑ انظر لدفع التشكيك « تاريخ بغداد » 5 – 59 « وسنن الدارقطني » صفحة 57 و 255 و 409.