سعادة الدارين في شرح حديث الثقلين محمود شكري الألوسي |
صنفه عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي واختصره وهذبه محمود الألوسي. المصدر |
☰ جدول المحتويات
[تمهيد]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله منزل الكتاب والصلاة والسلام على من أوتي الحكمة وفصل الخطاب، وعلى آله وأصحابه المتبعين سَنَته وسُنَنَه بلا ارتياب، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الحساب.
أما بعد:
فهذه رسالة لطيفة مشتملة على فوائد شريفة موسومة بسعادة الدارين في شرح حديث الثقلين، للشيخ عبد العزيز الملقب بغلام حليم بن مسند الوقت الشاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي الفاروقي مصنف كتاب حجة الله البالغة رحمهما الله تعالى، وهي باللغة الفارسية، فأحببت أن أعرّبها، وأضم إليها بعض الفوائد المتعلقة بهذا الحديث ليعم نفعها، ورتبتها على مقدمة ومقصد وخاتمة والله أسأل أن ينفع بها المسلمين وأن يجعلها من ذخائر يوم الدين.
المقدمة في بيان تخريج الحديث وشرح ألفاظه وفيها مسائل
المسألة الأولى:
إن الشيعة استدلوا على حقيقة مذهبهم بقوله ﷺ: « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض »، هذا لفظ الحديث الذي أورده، مع إن لفظ الحديث الذي في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول الله ﷺ خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فقال: أما بعد: أيها الناس، إنما أنا بشرٌ يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ربي، وإني تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث إلى كتاب الله ورغب فيه، ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ».
وهذا اللفظ يدل على أن الذي أمرنا بالتمسك به، وَجَعَل المتمسك به لا يضل وهو كتاب الله، وهكذا جاء في غير هذا الحديث، كما في صحيح مسلم عن جابر في حجة الوداع لما خطب يوم عرفة وقال: قد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده، أن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون، قالوا نشهد إنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال: بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس اللهم أشهد ثلاث مرات ".
وأما قوله: وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض، فهذا رواه الترمذي، وقد سئل عنه أحمد بن حنبل فضعفه، وضعفه غير واحد من أهل العلم، وقالوا لا يصح؛ وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على إن أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة، قالوا ونحن نقول بذلك، كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلى وغيره، ولكن أهل البيت لم يتفقوا ولله الحمد على شيء من خصائص الشيعة، بل هم المبرؤون المنزهون عن التدنيس بشي منه قاله الشيخ تقي الدين في منهاجه.
المسألة الثانية:
الثَقَلين في الحديث تثنية ثَقَل ( بفتح الثاء والقاف )، وسمى الكتاب والعترة ثقلين، لأن الأخذ بهما ثقيل، والعمل بهما ثقيل، وأصل الثَقَل: إن العرب تقول لكل شيء نفيس خطير مصون ثَقَلٌ، فسماهما ثقلين إعظاما لقدرهما، وتفخيما لشأنهما، وأصله في بيض النعام المصون، قال الشاعر:
فَذَكَّر ثَقَلًا رثيدا بَعْدَما ** أَلْقَتْ ذَكاء يَمينَها في كافرِ
ويقال للسيد العزيز ثقل من هذا، وسمى الله تعالى الجن والإنس الثقلين: سميا الثقلين لتفضيل الله تعالى إياهما على سائر الحيوان المخلوق في الأرض بالتمييز والعق الذي خصا به.
قال ابن الأنباري قيل للجن والإنس الثقلان لأنهما كالثقل للأرض وعليها.
والثَقَل بمعنى الثِقْل، وجمعوا أثقال، ومجراه مجرى قول العرب مَثل ومِثل وشبَه وشِبه ونَجَس ونِجْس.
والعترة في تفسيرها أقوال: منها عترة الرجل أقربائه من ولد وغيره، ومنهم من قال هم قومه دِنْيا، ومنهم من قال هم رهطه وعشيرته الأدنون من مضى منهم ومن غبر، ومنه قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه: نحن عترة رسول الله ﷺ التي خرج منها وبيضته التي تفقأت عنه، وإنما جيبت العرب عنا كما جيبت الرحا عن قطبها.
قال ابن الأثير: إنهم من قريش والعامة تظن إنها ولد الرجل خاصة، وإن عترة رسول الله ﷺ ولد فاطمة رضي الله تعالى عنها، هذا قول ابن سيده.
وقال الأزهري في حديث زيد بن ثابت قال: قال رسول الله ﷺ: إني تاركٌ فيكم الثقلين خلفي كتاب الله وعترتي، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، وقال: قال محمد بن إسحاق: وهذا حديث صحيح ؛ ورفع نحوه زيد بن أرقم، وأبو سعيد الخدري. وفي بعضها: إني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فجعل العترة أهل البيت.
وقال أبو عبيد وغيره، عترة الرجل وأسرته وفصيلته رهطه الأدنون.
وقال ابن الأثير عترة الرجل أخص أقاربه.
وقال ابن الأعرابي: العترة ولد الرجل وذريته وعقبه من صلبه، قال فعترة النبي ﷺ ولد فاطمة البتول عليهما السلام.
وروي عن أبي سعيد قال: العترة ساق الشجرة، قال وعترة النبي ﷺ عبد المطلب وولده ؛ ومنهم من قال عترته أهل بيته الأقربون، وهم أولاده، وعلي وأولاده، ومنهم من قال عترته الأقربون والأبعدون منهم، ومنهم من قال عترة الرجل أقرباؤه من ولد عمه دِنْيا.
ومنه حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال للنبي ﷺ حين شاور أصحابه في أسارى بدر عترتك وقومك، أراد بعترته العباس ومن كان فيهم من بني هاشم، وبقومه قريشا.
والمشهور المعروف إن عترته أهل بيته، وهم الذين حرمت عليهم الزكاة والصدقة المفروضة، وهم ذوو القربى الذين لهم خُمُس الخُمِس المذكور في سورة الأنفال، كذا في لسان العرب.
وقد تبين من هذا الكلام الذي نقلناه عن اللغويين في تفسير العترة إنهم مضطربون في تفسير العترة، والأكثر على ما فسره أهل الحديث إنهم أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب، وعلى كل تفسير من التفاسير السابقة لا يوافق ما ذهب إليه الإمامية من حصر العترة في عدد معين، بل يدخل في التعرة كثير من الهاشميين، كابن عباس والمطلبيين ممن لا يحصون كثرة.
قال الشيخ تقي الدين في منهاجه: إن النبي ﷺ قال عن عترته إنها والكتاب لن يفترقا، حتى يردا عليه الحوض، وهو الصادق المصدوق فيدل على إن إجماع العترة حجة، وهذا قول طائفة من أصحابنا - يعني الحنابلة - وذكره القاضي في المعتمد. لكن العترة هم بنو هاشم كلهم ولد العباس وولد علي وولد الحارث بن عبد المطلب وسائر بني أبي طالب وغيرهم، وعلي وحده ليس هو العترة، وسيد العترة هو رسول الله ﷺ، ويبين ذلك إن علماء العترة كابن عباس وغيرهم لم يكونوا يوجبون اتباع علي في كل ما يقوله، ولا كان علي يوجب على الناس طاعته في كل ما يفتي به ولا عرف أن أحد من أئمة السلف - لا من بني هاشم ولا غيرهم - قال إنه يجب اتباع علي في كل ما يقوله، انتهى.
وكل واحد من بقية الأئمة كذلك وهكذا الأمر في كل فرد من أفراد العترة إلا إذا أجمعوا كلهم وهم ولد العباس وعلي والحارث وسائر بني طالب على أمر فحينئذ يجب اتباعهم على قول من يرى ذلك إجماعا.
المسألة الثالثة:
إن الحديث المذكور لا مستمسك فيه للأمامية أصلا، وذلك أن الكتاب معدن العلوم الدينية، والأسرار اللدنية والحكم الشرعية، وكنوز الحقائق وخفايا الدقائق، فالتمسك به إنما يكون بالعمل بما فيه، وهو الإتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه، ولأن العترة معدن النزاهة والطهارة وحسن الأخلاق لطيب عنصرهم فالتمسك بهم إنما يكون بمحبتهم والاهتداء بهديهم والاتصاف بسيرهم، وفي قوله ﷺ إني تارك فيكم … الخ، إشارة إلى أنهما بمنزلة التوأمين الخليفتين عن رسول الله ﷺ، وأنه يوصي الأمة بحسن السيرة معهما، وإيثار حقهما على أنفسهم، كما يوصي الأب المشفق الناس بأولاده، ويعضد ذلك ما في الرواية الأخرى أذكركم الله في أهل بيتي، كما يقول المشفق اللهَ اللهَ في أولادي.
وما ورد في الرواية الأخرى وإن لم تكن الروايات الأخرى من كون أحدهما أعظم من الآخر، فمعناه إن القرآن هو أسوة للعترة وعليهم الاقتداء به وهم أولى الناس بالعمل بما فيه، وهذا مأخوذ من معنى قوله تعالى:{ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } على قول بعض المفسرين.
فالله سبحانه جعل شكر إنعامه وإحسانه بالقرآن منوطا بمحبتهم على سبيل الحصر، فكأنه ﷺ يوصي الأمة أن يقوموا بشكر تلك النعمة، ويحذرهم كفرانها، فمن استمع تلك الوصية وشكر تلك الصنيعة بحسن الخلافة فيهما لن يفترقا ولا يفارقانه في مواطن القيامة ومشاهدها حتى يردا عليه الحوض، ليشكرا صنيعه عند رسول الله ﷺ، فحينئذ هو بنفسه يكافئه والله تعالى يجازيه بالجزاء الأوفى، ومن أضاع الوصية وكفر النعمة فحكمه عكس ذلك.
وعلى هذا حسن موقع قوله في الرواية الأخرى:" فانظروا كيف تخلفوني فيهما "، أي تأملوا في استخلافي إياكم هل تكونون خلف صدق أو خلف سوء.
والمراد بعترته هنا العلماء العاملون منهم، إذ هم الذين لا يفارقون القرآن، أما الجاهل العالم المخلط فأجنبي عن هذا المقام، وإنما ينظر للأصل عند التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل، فإذا كان النافع من غير عنصرهم لزمنا إتباعه كائنا من كان.
ولذا حث النبي ﷺ في خبر آخر على اتباع قريش، ولا يتوهم من ذلك المعارضة والمنافاة لما هنا، لأن الحكم على فرد من أفراد العام لا يوجب قصر العام على ذلك الفرد في الأصح، بل فائدته مزيد الاهتمام بشأن ذلك الفرد والتنويه برفعة قدره.
وجميع ما ذكر لا يدل على الإمامة الكبرى، ولا على إن اتباع غير العترة لا يسوغ، وإنما يدل على ما ذكرناه من وجوب محبتهم والاهتداء بهديهم، على أنا نقول إن هذا ليس من خصوصياتهم، إذ قد ورد ذلك في حق الخلفاء الراشدين أيضا.
فقد أخرج الإمام أحمد وابن ماجة وأبو داود والترمذي وأبو نعيم وغيرهم عن العرباض بن سارية: إن رسول الله ﷺ قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ".
وأخرج ابن الأثير عن رزين بسنده عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: قال: رسول الله ﷺ سألت ربي عن اختلاف أصحابي بعدي، فأوحى إليّ: يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء، بعضها أقوى من بعض، فمن أخذ منها بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى. قال: قال رسول الله ﷺ: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
وأخرج الترمذي عن حذيفة قال: قال رسول الله ﷺ: إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، واهتدوا بهدي عمار، وما حدثكم به ابن مسعود فصدقوه ".. إلى غير ذلك.
المسألة الرابعة:
إن الشيعة تارة يستدلون بهذا الحديث على عصمة أئمتهم، بناء على إن الإمام خليفة النبي، فكما إن النبي معصوم، فكذلك الإمام، وإلا فلا يوثق بتلقي الأحكام الدينية عنه، وتفصيل الرد عليهم في باب الإمامة من كتاب التحفة الاثني عشرية.
وتارة يحتجون به على إمامة علي وسائر أئمتهم، ولا دليل فيه أيضا على ذلك، وإلا لزم أن يكون كل من يصدق عليه إنه من العترة إماما ولا ظنهم يقولون بذلك لاسيما والعترة بنو هاشم والمطلب وغيرهم ممن يحصون كثرة.
المسألة الخامسة:
إن هذا الحديث حجة عليهم، وذلك إن النبي ﷺ قال عن عترته إنها والكتاب لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، فيدل على إن إجماع العترة حجة كما سبق، مع إن العترة لم تجتمع على إمامة علي ولا على باقي أئمتهم، ولا على أفضلية علي، بل أئمة العترة كابن عباس وغيره يقدمون أبا بكر وعمر. وفيهم من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد.. وغيرهم أضعاف من فيهم من الإمامية.
والنقل الثابت عن جميع علماء أهل البيت من بني هاشم من التابعين وتابعيهم من ولد الحسين بن علي ولد الحسن وغيرهما، إنهم كانوا يتولون أبا بكر وعمر وكانوا يفضلونهما على علي، والنقول عنهم ثابتة متواترة.
وقد صنف الحافظ أبو الحسن الدارقطني كتاب ( ثناء الصحابة على القرابة وثناء القرابة على الصحابة )، وذكر فيه من ذلك قطعة.
وكذلك كل من صنف من أهل الحديث في السنة، مثل: كتاب السنة لعبد الله بن أحمد، والسنة لابن بطة والسنة للآجري واللالكائي والبيهقي وأبي ذر الهروي والطلمنكي وأبي حفص بن شاهين.. وأضعاف هؤلاء مثل كتاب فضائل الصحابة للإمام أحمد وأبي نعيم، وتفسير الثعلبي، وفيها من ذكر فضائل الثلاثة ما هو أعظم الحجج على الشيعة، فإن كان هذا القدر حجة فهو حجة لهم وعليهم، وإلا فلا يحتج به.. ذكر ذلك الشيخ تقي الدين.
والمقصود إن المبتدعة وسائر المخالفين لأهل الحق إذا استدلوا على باطلهم بدليل نقلي أو عقلي، كان على نقيض مدعاهم أول ؛ وقد ألف بعض الأفاضل في ذلك رسالة بسط فيها الكلام وبين كثير من دلائلهم على هذا النهج.
المقصد في بيان أن الشيعة غير متمسكين بالثقلين
وبيان ذلك: إن النبي ﷺ أحالنا في قوله: إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي "؛ على هذين الثقلين العظيمي القدر في المقدمات الدينية والأحكام الشرعية، فما خالفهما من العقائد والأعمال باطل، وكل من أنكرهما خرج عن الدين وتاه في أودية الحيرة.
فالذي يجب علينا الآن أن نعرف أي الفريقين من الشيعة والسنة هو المتمسك بهذين الحبلين، وأيهما المستخف بهما والمهين لهما وغير عامل بهما وإنهما ساقطان لديه عن درجة الاعتبار مطعونان عنده.
فينبغي أن ينظر إلى هذا البحث بنظر الاعتبار والأنصاف فإنه ميزان بين الفريقين ومحك للطائفتين، ولا ننقل في هذا المقام لإثبات مقصودنا إلا من كتب الشيعة المعتبرة عندهم ليكون انجح في الحجاج.. فنقول:
أما الكتاب، وهو القرآن فإنه ساقط الاعتبار عند الشيعة بالكلية، لا يصلح المتمسك به كالتوراة والإنجيل لكثرة وقوع التحريف فيه بزعمهم، وكثير من أحكامه منسوخة، وكثير من الآيات والسور الناسخة للأحكام والمخصصة للعمومات أسقطت، والذي بقي منه بعضه مبدل الألفاظ، وبعضه زائد، والبعض نقص منه.
روى الكليني عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله إن القرآن الذي جاء به جبرائيل إلى محمد ﷺ سبعة عشرة ألف آية.
وروى محمد بن [ أبي ] نصر عنه إنه قال: كان في " لم يكن " اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم.
وروى عن سالم بن سليمة قال: قرأ رجل على أبي عبد الله وأنا أسمع حروفا من القرآن ليس ما يقرؤه الناس فقال أبو عبد الله: مه اكفف عن هذه القراءة، واقرأ كما يقرأ لناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرئ كتاب الله على كتاب الله على حدة.
وروى الكليني وغيره عن الحاكم بن عتبة إنه قال: قرأ على الحسين بن علي: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث، قال وكان علي بن أبي طالب محدثا ".
وروى محمد بن الجهم الهلالي وغيره عن أبي عبد الله: إن أمة هي أربى من أمة "، ليس من كلام الله، بل هو محرف عن موضعه، والمنزل: " أئمة أزكى من أئمتكم ".
وأيضا من الثابت عندهم والمقرر لديهم والمشهور فيما بينهم إن بعض السور ساقط بتمامها، مثل سورة الولاية، وبعضها قد سقط أكثرها مثل سورة الأحزاب، فإنها كانت مثل سورة الأنعام، فقد سقط من هذه السورة فضل أهل البيت وأحكام إمامتهم.
وسقط أيضا لفظ ( ويلك ) قبل قوله تعالى: " لا تحزن إن الله معنا ". ولفظ ( ولاية علي ) بعد قوله: " وقفوهم إنهم مسئولون ". ولفظ ( تملكه بنو أمية ) بعد قوله: " خير من ألف شهر ". ولفظ ( بعلي بن أبي طالب ) بعد قوله: " وكفى الله المؤمنين القتال ". ولفظ ( آل محمد ) من قوله: " وسيعلم الذين ظلموا ( آلَ محمد ) أي منقلب ينقلبون ". ولفظ ( علي ) بعد قوله: " ولكل قوم هاد ". ذكر كل ذلك ابن شهرأشوب المازندراني في كتاب المثالب له.
ومثل ذلك كثير من الكلمات والآيات، فلم يبق فرق عندهم بين ما بقي من القرآن، وبين التوراة والإنجيل في عدم التمسك بكل من هذه الثلاثة لأنه محرف أو مبدل أو منسوخ بناسخ مجهول.
أقول: وقد رأيت كتابا ألفه الشيخ حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي أحد مجتهديهم من المعاصرين سماه: ( فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب )، وقد طبع في إيران وانتشر في الأقطار والبلدان، أوله: الحمد لله الذي انزل على عبده كتابا شفاء لما في الصدور، ومهيمنا على التوراة والإنجيل والزبور، والصلاة والسلام على حامله نور النور، والبيت الرفيع المعمور.. وأطال الكلام.. إلى أن قال:
المقدمة الأولى: في ذكر الأخبار التي وردت في جمع القرآن وجامعه وسبب جمعه وكونه في معرض النقص بالنظر إلى كيفية الجمع، وإن تأليفه يخالف تأليف المؤلفين.
المقدمة الثانية: في بيان أقسام التغيير المكن حصوله في القرآن، والممتنع دخوله فيه.
المقدمة الثالثة: في ذكر أقوال علمائنا في تغيير القرآن وعدمه.
الباب الأول: في ذكر ما يدل على وقوع التغيير والنقصان في القرآن.
الدليل الأول: مركب من أمور:
الأول: وقوع التحريف في التوراة والإنجيل بطراز حسن لطيف.
الثاني: في إن كل ما وقع في الأمم السالفة يقع في هذه الأمة.
الثالث: في ذكر موارد الشبه فيها بعض هذه الأمة بنظيره من الأمم السابقة قدحا ومدحا.
الرابع: في أخبار خاصة فيها دلائل على كون القرآن كالتوراة والأنجيل في وقوع التغيير فيه.
الدليل الثاني: إن كيفية جمع القرآن مستلزمة عادة لوقوع التغيير والتحريف فيه، وفيه إجمال حال كتّاب الوحي.
الدليل الثالث: في إبطال وجود منسوخ التلاوة وإن ما ذكروه مثالا له لا بد وأن يكون مما نقص من القرآن.
الدليل الرابع: في إنه كان لأمير المؤمنين قرآن مخصوص يخالف الموجود في الترتيب وفيه زيادة ليست من الأحاديث القدسية ولا من التفسير والتأويل.
الدليل لخامس: إنه كان لعبد الله بن مسعود مصحف معتبر فيه ما ليس في القرآن موجود.
الدليل السادس: إن الموجود غير مشتمل على ما في مصحف أُبي المعتبر عندنا.
الدليل السابع: إن ابن عفان لما جمع القرآن ثانيا أسقط بعض الكلمات والآيات، وفيه كيفية جمعه وبعض ما أسقطه واختلاف مصاحفه وما أخطأ في الكتّاب.
الدليل الثامن: في إخبار كثيرة دالة صريحا على وقوع النقصان زيادة على ما مر رواها المخالفون.
الدليل التاسع: إنه تعالى ذكر أسماء أوصيائه وشمائلهم في كتبه المباركة السالفة، فلا بد أن يذكرها في كتابه المهيمن عليها وفيه ما وصل إلينا من ذكرهم في المصحف الأولي مما لم يجمع في كتاب.
الدليل العاشر: إثبات اختلاف القرآن في الحروف والكلمات وغيرها وإبطال نزوله على غير وجه واحد، وفيه شرح أحوال القراء وإثبات وجود التدليس في أسانيدهم.
الدليل الحادي عشر: في أخبار كثيرة دالة صريحا على وقوع النقصان في القرآن عموما.
الدليل الثاني عشر: في أخبار خارجة كذلك رتبناها على ترتيب سور القرآن، وفيه ذكر الجواب عن الشبهات التي أوردها على الاستدلال بها المخالف.
الباب الثاني في ذكر أدلة القائلين بعدم تطرق التغيير مطلقا من الآيات والأخبار والاعتبار والجواب عنها مفصلا وفيه ذكر وقوع التحريف في التوراة، ثانيا في عهد الرسول ﷺ، انتهى.
فمن وقف على هذا الكتاب، تحقق لديه أن القرآن العظيم لا يصلح للاستدلال، وما أحسن ما في فتح الباري شرح صحيح البخاري عند الكلام على قول المصنف: باب من قال لم يترك النبي ﷺ إلا ما بين الدفتين ما نصه: " هذه الترجمة للرد من زعم إن كثيرا من القرآن ذهب لذهاب حملته، وهو شيء اختلقه الروافض لتصحيح دعواهم إن التنصيص على إمامة علي واستحقاقه الخلافة عند موت النبي ﷺ كان ثابتا في القرآن وأن الصحابة كتموه، وهي دعوى باطلة، لأنهم لم يكتموا: أنت مني بمنزلة هارون من موسى.. وغيره من الظواهر التي قد يتمسك بها من يدعي إمامته، كما لم يكتموا ما يعارض ذلك أو يخصص عمومه أو يقيد مطلقه. وقد تلطف المصنف في الاستدلال على الرافضة بما أخرجه عن أحد أئمتهم، الذي يدعون إمامته، وهو محمد بن الحنفية، وهو ابن علي بن أبي طالب، فلو كان هناك شيء ما يتعلق بأبيه، لكان أحق الناس بالاطلاع عليه، وكذلك ابن عباس فإنه ابن عم علي رضي الله تعالى عنهما، وأشد الناس له لزوما واطلاعا على حاله.. انتهى.
فصل في بيان معنى العترة
وأما عترة الرسول ﷺ، فعترة الشخص بإجماع أهل اللغة أقاربه، والشيعة قد أنكروا نسب بعض العترة، كرقية وأم كلثوم بنتي رسول الله ﷺ، وبعضهم لم يُعدوا من العترة مثل العباس عم رسول الله ﷺ وأولاده، ومثل الزبير بن صفية، عمة رسول الله ﷺ، ومثل أكثر أولاد فاطمة الزهراء، فقد عدوهم من الأعداء، وقالوا فيهم قولا قبيحا، وذلك كزيد بن علي بن الحسين الذي كان على جانب عظيم من العلم والتقوى والورع، واستشهد على يد المروانيين.
وكذلك عدوا ابنه يحيى من الأعداء، وهكذا إبراهيم بن موسى الكاظم، وجعفر بن موسى الكاظم، ولقبوه بالكذاب، مع إنه كان من أكابر الأولياء وعنه أخذ الطريقة أبو يزيد البسطامي، ومن الغلط المشهور إنه أخذ عن جعفر الصادق.
وكذلك لقبوا بالكذاب جعفر بن علي أخا الإمام حسن العسكري، وعدوا من الكفرة المرتدين حسن ابن الحسن المثنى، وابنه عبد الله المحض، وولده محمد الملقب بالنفس الزكية.
وكذلك حكموا بالكفر والارتداد على إبراهيم بن عبد الله، وزكريا بن محمد الباقر، ومحمد ابن عبد الله بن الحسين بن الحسن، ومحمد بن القاسم بن الحسن، ويحيى بن عمر، الذين هم من أحفاد زيد بن علي بن الحسين، ومثلهم كثير من السادات الحسنية والحسينية القائلين بإمامة زيد بن علي، واعتقدوهم ضالين زائغين عن جادة الحق.
والحال أن كتب الأنساب وتواريخ السادات ناطقة بأن أكثر أهل البيت من الحسنيين والحسينيين قد اعتقدوا إمامة زيد بن علي وفضيلته.
وجماهير الاثني عشرية اعتقدوا كفر هؤلاء الأكابر وارتدادهم وخلودهم في النار، كما هو منقول في باب المعاد من كتبهم، ووجه ذلك عندهم ظاهر، لأن منكر إمامة إمام من الأئمة، مثل منكر النبوة، والكافر مخلد في النار، وهؤلاء الأكابر كانوا منكرين إمامة إمام الوقت، بل إمامة بعض الأئمة الماضين، وذهب طائفة من الاثني عشرية إلى إن هؤلاء الأعراف مثل العباس عم سول الله ﷺ. ومنهم من قال إنهم ينجون من النار بعد أن يعذبوا فيها بشفاعة أجدادهم، وكلا القولين مردود، والذي يوافق قواعد القوم هو القول الأول، بأن الشفاعة في حق الكفار غير مقبول[ة] بالإجماع، والأعراف ليست دار خلد، ومع هذا لا وجه لدخول مثل هؤلاء الأعراف لأنهم كانوا منكرين للإمامة يقينا ومنكر الإمامة كافر بزعمهم.
ومع ذلك كله يروون إن محب علي لا يدخل النار، ومحبة هؤلاء لأمير المؤمنين لا شبهة فيها.
فليتفرج الناصب على هذه الفرقة، وما كان منها في حق العترة الطاهرة، وأكابر أهل البيت من الإهانة والاستخفاف، ونسبوا إليهم ما لم ينسبه إليهم النواصب والخوارج، وقد صح المثل المشهور، عدو عاقل خيرٌ من صديقٍ جاهل.
تفاصيل
وبعد تتبع كتبهم ورواياتهم تظهر قبائحهم وعيوبهم كالشمس في رابعة النهار، ولكنا نثبت في هذا المقام بعض كفرياتهم، ليكون أنموذجا لما هم عليه، ويتبين ذلك بأمور:
الأول: إنهم يقولون إن إمام الوقت صاحب العصر والزمان هو بمرتبة من الجبن والخوف، بحيث إنه اختفى خوفا من جماعة قليلة تزيد على ألف سنة مع ما كان من انقلاب الدول وانقراض الدولة العباسية وتسلط الدولة الجنكيزية الذين هم بعد دخولهم في الإسلام كانوا موالين لأهل البيت، ومنهم من اختار مذهب التشيع، وبعد تسلط الصفوية على خراسان والعراقين، كانوا معاونين للشيعة ورجالهم، وبعد رواج هذا المذهب لدى سلاطين الدكن وبنكالة وبورب، وإمارة هذه الفرقة ووزرائها في بلاد الهند والسند ولم يحصل الاطمئنان التام بهم.
الثاني: إنهم يروون في جميع كتبهم عن الصادق إنه قال: " يا معشر الشيعة خدمة جوارينا لنا، وفروجهن لكم "، فيا لله من نفوس خبيثة، سوغت هذا البهتان العظيم ونسبته إلى ذلك الجناب المقدس.
الثالث: إنهم نسبوا إلى الأئمة أنهم قالوا في أم كلثوم بنت سيدة النساء فاطمة الزهراء البتول: أول فرج غصب منا، فيا سبحان الله كيف تسنى ذلك للسانهم أن ينطق به وهو مما تمور له السماء، وتندك له الجبال الراسيات بالنسبة إلى بضعة الرسول وفلذة كبد البتول، فأي فحش ذلك وأي سوء أدب، وأي خصلة خبيثة علقوها بأذيال تلك الطاهرة المطهرة.
وثانيا بالنسبة إلى الأمير والحسنين الأحسنين، أي فضيحة وعدم الناموس اثبتوا لهم، وفي حق الصادق، أي تهمة أعظم من نسبته هذا الكلام له المستوجب عدم الحمية والغيرة.
فإن مثل هؤلاء الأكابر، كيف تجري على لسانهم مثل هذا اللفظ الفضيع، لاسيما ذكر هذا العضو المستور الاسم والمسمى من الأقارب، بل إن ذلك مما يتحرز عنه الأراذل والأوباش، فكيف ساغ لهؤلاء الفرقة أن يتفوهوا بمثل هذا الكلام ونسبوا هذا الفعل القبيح لبضعة الرسول الأكرم ﷺ، فهل يتصور أن يصدر ذلك ممن يدعي الإسلام، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
الرابع: إنهم يقولون إنهم أعطوا بناتهم وأخواتهم إلى الكفرة الفجرة يزنون بهنّ، مثل سكينة بنت الحسين، وكانت تحت نكاح مصعب بن الزبير، وقس على ذلك غيرها من أقاربهنّ اللاتي كنّ تحت نكاح كفرة النواصب بزعمهم، كما هو مذكور في كتب أنساب السادات العلويين على وجه التفصيل.
الخامس: إنهم نسبوا إلى الصادق إنه أهان القرآن ورماه على الأرض، كما طعنوا على عثمان بمثل ذلك، حيث أحرق مصحف ابن مسعود، وهذا الطعن بعينه نسبوه إلى الصادق.
وروى الكليني عن زيد بن جهم الهلالي عن الصادق إنه قرأ: " ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أئمة هي أزكى من أئمتكم "، فقلت: جعلت فداك، أئمة! قال: أي والله، قلت: إنما يقرأ أربى، قال: وما أربى.. وأومئ بيده فطرحها إهانة.
السادس: إنهم نسبوا إلى الأئمة ما يناقض الإيمان بنص أمير المؤمنين، وذلك إنهم نسبوا إليهم التقية، وإنهم أخفوا الحق واظهروا الباطل طوال حياتهم، وقد قال الأمير في نهج البلاغة علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك.
السابع: إنهم نسبوا إلى الأئمة تفاسير أخلت بعلو شأنهم، وكمال فضلهم مما فيه إخلال بقواعد العربية، وبعضها مما يخل بربط الكلام، وموجب لتفكيك النظم، وانتشال الضمائر، وغير ذلك مما يستوجب سؤ الظن بفضل الأئمة.
الثامن: إنهم يروون عن الأئمة نصوصا تدل على المنع، من الجهاد مع ما ورد في القرآن من الحث على الجهاد وقتال أعداء الدين الذي لا يخفى على صبيان المكاتب، وذلك مما يوجب إيقاع المخالفة بين الثقلين، مع إنه ورد فيه لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، ويستفاد من هذه العبارة بالصراحة إن الرسول ﷺ معيار معرفة أقوال العترة الطاهرة ومذاهبهم.
التاسع: إنهم ينسبون إلى الأئمة جواز وطئ المطلقة وجماعها، وهذا في الحقيقة تجويز الزنا والعياذ بالله.
العاشر: إنهم ينسبون إلى الأئمة جواز أن يعبث المصلي بقضيبه وخصيتيه في نفس الصلاة، حاشاهم من ذلك، فإن الصلاة ركن من أركان الدين، فكيف يكون محلا للعب والعبث. وثانيا أي لطافة في مثل هذا اللعب؟
الحادي عشر: إنهم نسبوا إلى الأئمة جواز الصلاة بالثياب النجسة، مع وجود الطاهرة، حاشاهم من ذلك.
الثاني عشر: إنهم نسبوا إلى الأئمة جواز أكل فرخ الحيوان الميت حاشاهم من ذلك.
الثالث عشر: إنهم نسبوا إليهم الأئمة جواز تقبيل المصلي زوجته في الصلاة. كل ذلك منقول في كتبهم.
الرابع عشر: إنهم نسبوا إليهم منع تعليم الرجل واجبات دينه، روى شيخ الطائفة: عن أديم بن حرّ قال: سألت أبا عبد الله "عليه السلام" عن المرأة ترى فيما يرى النائم، عليها غسل..؟ قال: نعم، لا تحدثوهنّ فيتخذونه علة.
فيلزم من ذلك تجويز الأئمة قراءة الصلاة حالة الجنابة، وذلك كفر بالاتفاق، والرضا بالكفر كفر بالاتفاق، معاذ الله من ذلك. وأيضا يلزمهم الرضا بجهل المكلف وجبات الشريعة وهو مناقض لمنصب الإمام، قادح في استحقاقها خارم للعدالة والمرؤة.
وأصرح من هذا وأقبح في هذا الباب رواية ( صاحب المحاسن ) عن الكاظم "عليه السلام" إنه قال: لا تعلوا هذا الخلق أصول دينهم، فيا سبحان الله ما أقبح هذه الرواية التي دلت على إن الأئمة منعوا تعليم أصول الدين.
الخامس عشر: إنهم نسبوا إليهم ترك العمل بأوامر الله، لاسيما ما نسبوه إلى الباقر والصادق عليهما السلام، لأنهما تركا التقية مع ما ورد عن الصادق على زعمهم إنه قال: " التقية دين آبائي "، فيا ليت شعري لم ترك هذان الإمامان دين آبائهما وما رأيا فيه من القبح.
السادس عشر: إنهم نسبوا إلى الأئمة القول بخلاف نص صريح الكتاب، حتى ظهرت المخالفة بين الثقلين، وأوقعوا الناس في حيرة من أمر الدين، فقد قالوا عن الأئمة: إنه لا زكاة في الذهب والفضة الغير المسكوكة والمضروبة، وهم أيضا لم يتركوا ذلك، معاذ الله.
ومقصودهم إدخال الأئمة في وعيد: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه }، سوده الله وجه هذه الفرقة.
السابع عشر: قالوا جوز الأئمة شق الجيوب، لمن مات له ولد، مع ما ورد من الحث على الصبر وعدم الجز عند المصيبة، قال تعالى: { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }، وفي الحديث: " ليس منا من شق الجيوب".
الثامن عشر: إنهم نسبوا إلى الأئمة تخصيص القصاص بغير الأعمى، وذلك مخالف لنص الكتاب المبين.
التاسع عشر: إنهم نسبوا إلى أئمتهم القول باسترقاق ولد الذمي الذي قتل مسلما، وذلك مخالف لقوله تعالى: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }، و { لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ }، فإذا اتخذوا مثل ذلك انتقاما وإنه جائز في الشرع، فلا فرق حينئذ بين حكومة جنكيز خان، والشريعة المحمدية، واسترقاق ولد الحربي من جهة توقع الحرب منه وتقليل سواد المحاربين، وولد الذمي ليس بمحارب، ولا داخل في سواد أهل الحرب، فبأي وجه يسترق، فهو نقض عهد ومخالفة لجميع أهل الأديان، فإن الوفاء بالعهد واجب في جميعها، ومخالف أيضا لنص القرآن، وهو قوله تعالى: { النفس بالنفس.. }.
العشرون: إنهم نقلوا عن أئمتهم إنه يوم قتل عمر، وذلك في تاسع ربيع الأول، على زعمهم إلى ثلاثة أيام لم يكتب صغيرة ولا كبيرة على أحد، فيلزم إباحة الكفر وجميع المعاصي في هذه الأيام الثلاثة.
الحادي والعشرون: إنهم نسبوا إلى أئمتهم القول بطهارة الماء المستنجى به، وجواز استعماله للشرب والحوائج الأخر وللطهارة.
الثاني والعشرون: إنهم رووا عن الأئمة تسمية الأمة المرحومة بالأمة الملعونة، كما رواه الصيرفي: عن أبي عبد الله "عليه السلام"، وفي بعض الروايات تشبيه الأمة المصطفوية بالخنازير، كما رواه الكليني عن الصادق "عليه السلام"، مع إن الوارد: { كنتم خير أمة أخرجت للناس }، وفيهم نزل قوله: { وكذلك جعلناكم أمةً وسطا }.
وبالجملة غرض هذه الطائفة إيقاع المخالفة فيما بين الثقلين.
هذه نبذه من الوجوه التي خالف فيها الشيعة الثقلين، وتمام الكلام مفصل في أبواب من التحفة الاثني عشرية، ومن وقف عليها تبين له إن هذه الفرقة ليس لهم نصيب من إتباع العترة، فضلا عن الكتاب.
وقد فاز بالتمسك بهما أهل السنة والجماعة، لاسيما أهل الحديث، وعصابة الحق.. والحمد لله رب العالمين
خاتمة نسأل الله تعالى حسنها
ينبغي أن يعلم إن متقدمي الشيعة، ورواة الأئمة يزعمون أنهم متمسكون بأقوال العترة الطاهرة وأفعالهم، وقد كذبهم أبناء الأئمة وإخوانهم، وأبناء عمهم، وليس من الخفي على العقلاء إن أقوال الشخص وأفعاله لا تخفى على أبنائه وإخوانه وعشيرته، ولابد أن تكون مكشوفة لديهم، معلومة عندهم، أكثر من غيرهم ممن يصحبه أحيانا، ولا سيما إذا كان أبناؤه وأقاربه على مذهبه ونحلته ومشربه ومتفقين معه في الطريقة.
ورد هؤلاء على متقدمي الشيعة وتكذيب رواتهم مستفيض في كتبهم بروايات صحيحة لديهم، ولنذكر من ذلك في هذا المقام مسألة أو مسألتين ليتضح الدليل على كذبهم، وينجلي البرهان على افتراء رواياتهم.
إن زيدا الشهيد رضي الله تعالى عنه، هو أحد أبناء الإمام السجاد رضي الله تعالى عنه وكان معروفا بالعلم والتقوى، شهيرا بالزهد والورع، وكان من أكابر سلف الأمة، وكان كثيرا ما يرمي أصحاب الإمام السجاد بالكذب ويضللهم في كثير من المسائل، كتفضيل الأئمة على الأنبياء، وسب الخلفاء الثلاثة والتبرئ منهم، ولنذكر هنا مسألة الأمامة، فإنها رأس مسائل هذه الفرقة لأن هذه المسألة عندهم مما أجمع عليه أهل البيت على زعمهم، وينبغي أن تكون هذه المسألة معلومة لجميع من ينتمي إلى هذا البيت على الوجه الأتم.
روى الكليني عن أبان، قال أخبرني الأحول إن زيد بن علي بعث إليه وهو مختف، قال: فأتيته، فقال: يا أبا جعفر ما تقول إن طرقك طارق منا، أتخرج معه..؟، قال: فقلت له إن كان فهو أباك أو أخاك، خرجت معه ؛ فقال لي: أريد أن أخرج فأجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي، فقلت: لا أفعل جعلت فداك، فقال: أترغب بنفسك عن نفسي، فقلت: إنما هي نفسٌ واحدة، فإن كان لله في الأرض حجة، فالمتخلف عنك والخارج معك سواء؛ فقال: يا أبا جعفر كنت اجلس مع أبي في الخوان، فيلقمني البضعة السمينة، ويبرد لي اللقمة حتى تبرد شفقة عليّ، ولم يشفق عليّ حرّ النار إذ أخبرك ولم يخبرني. فقال: فقلت: خاف عليك أن لا تقبل فتدخل النار، واخبرني فإن قبلت نجوت، وإن لم اقبل لم أبال أن أدخل النار.
ففي هذه الرواية دليلٌ صريح على تكذيب زيد الشهيد رضي الله تعالى عنه للأحول في تعيين إمامة محمد الباقر.
وفي رواية أخرى عن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر القائم مقام أبيه، رواها القاضي نور الله في كتاب ( مجالس المؤمنين في أحوال فضيل بن يسار ) نقلها من أمالي الشيخ ابن بابويه من رواية فضيل قال: كنت مع زيد بن علي في الطريق عند مسيره للمحاربة مع عسكر هشام الطغاة، وبعد شهادة زيد رضي الله تعالى عنه، ذهبت إلى المدينة واجتمعت بالإمام جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه، فسألني وقال: يا فضيل أكنت مع عمي حاضرا في قتال أهل الشام..؟، قلت: بلى، فهناك سألني عن عدد من قتلت منهم، قلت: ستة، فقل: لا تشك في إباحة قتل هؤلاء، وحل دمائهم..؟، فقلت: لو كان لي شك في استباحة دمائهم لم اقتلهم، فسمعته يقول: أشركني الله تعالى في تلك الدماء والله زيد عمي هو وأصحابه شهيدا، مثل ما مضى على علي بن أبي طالب وأصحابه رضي الله تعالى عنهم، انتهى.
ففي هذا التشبيه الذي في كلام الإمام جعفر الصادق الناطق بالحق أنه اعتقد إن حال الإمام زيد، وحال الأمير كرم الله وجهه بمرتبة واحدة ومن باب واحد، فلزم من ذلك أن زيدا في جميع اعتقاداته على الحق، وإن خروجه أصالة لا نيابة صواب، وإلا فلا يسوغ الحكم عليه بالشهادة، وتشبييه بحال الأمير.
وما أورده الأحول في جواب الإمام الشهيد زيد رضي الله تعالى عنه هذيان وباطل من وجوه:
الوجه الأول: ينبغي أن يكون إبراهيم "عليه السلام" ترك الاصلح في حق أبيه فإنه دعاه إلى الإسلام ولم يؤمن فعصى وصار جهنميا، فإن زعمت الشيعة أن أبا إبراهيم كان مؤمنا لا كافرا ولم يسلموا ما قلنا بل إن الذي لم يؤمن هو عمه آزر، قلنا يلزم ذلك في حق آزر الذي تزعم الشيعة إنه عمه أو مربيه الذي كان يدعوه أبي، كما هو نص القرآن في عدة آيات ومع ذلك دعاه إلى الأيمان، فينبغي أن يكون ذلك على قول الأحول جفاء وعدم وفاء من إبراهيم الذي وفى.
وعلى هذا القياس جميع الأنبياء فقد دعوا أقاربهم إلى الأيمان، ولم يؤمنوا كأبي لهب وأضرابه من أقراب النبي ﷺ الذين لم يؤمنوا، فيلزم أن يكون الأنبياء ظلموهم بتلك الدعوة، وقطعوا أرحامهم لا سيما نبينا ﷺ الذي هو سبب حياة أمته الأبدية، وكان أشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم، وهو رحمة للعالمين.
وقد سكت عن تعيين الإمام كما نقل ذلك الملا عبد الله المشهدي في إظهار الحق عن حذيفة [ بن ] اليمان قال: قالوا: يا رسول الله لو استخلفت، قال: إن استخلفت عليكم فعصيتموه عذبتم، ولكن ما حدثكم حذيفة فصدقوه، وما أقرأه عبد الله فاقرؤه.
الوجه الثاني: إذا كانت الإمامة من أصول الواجبات فالجهل بها بأي عذر يعتذر عنه، فإن لم يطلع السجاد ابنه زيدا على وجوب اعتقاد هذه المسألة المهمة حتى أنكر إمامة الباقر وادعى الإمامة لنفسه فصار على زعمهم جهنميا جاهلا، فإن كان معذورا بهذا الجهل، لزم نجاة أكابر الصحابة، بل جميع النواصب أيضا، فإن لم يصل إليهم نصوص إمامة الأمير بطريق التواتر ولم تكن سالمة من المعارض.
وقد روى الكليني في خبر طويل عن مقرن عن أبي عبد الله "عليه السلام" إنه قال: لا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه.
الوجه الثالث: إن مقالة زيد ومذهبه إن والده لم يعلمه بإمام الوقت، وصاحب الزعامة الكبرى، وحجة الله في أرضه ولم يعين الإمام مع عدد الأئمة، ولم يكن له خوف عدم القبول في بيان الأمر الأول، فجواب الأحول وهو الذي يرى الواحد اثنين خطأ فوق خطأ!
ولِمَ لم يبين له والده إمارات الإمام بوجه كلي، ولم يبين علامته حتى يعلم الأمام بنفسه إنه فلان، لا هو، مع إن للأمام عند الاثني عشرية خواص وإمارات لم توجد في غيره، ككونه مختونا ومسرورا وغير ذلك مما لم يوجد في زيد، وهو عار عنها وخال منها.
الوجه الرابع: إن السجاد لما كان إماما ونائبا عن النبي ﷺ، فمن الواجب عليه أن يبلغ ضروريات الدين كل مكلف حتى يتم اللطف على كل من كان مكلفا، ولا يفرق بين الأقارب والأجانب في تبليغ الأحكام كما هو شأن النبوة والإمامة، بل ينبغي إنذار القرابة وتخفيفهم أكثر، قال تعالى: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ }، وقال تعالى: { وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا }.
الوجه الخامس: من المقرر لدى الشيعة إن إمامة الأئمة الاثني عشر قد نص النبي ﷺ على ترتيبهم وتعيين أسمائهم واحدا بعد آخر، وربما كان ذلك بوحي من الله على زعمهم، فقبول قول الوالد لا دخل له في هذا المقام بل يلزم أن يذكر له نص النبي ﷺ حتى يتلقى ذلك بالأيمان والقبول والإذعان حكم سائر أحكام الدين.
الوجه السادس: إنه لا حاجة إلى تبليغ الوالد ولده فإن ذلك النص على زعمهم اشتهر في العالم وتواتر، ولا سيما عند أهل البيت فإنه لديهم أشهر ويتلونه في بيوتهم حتى صار ذلك لديهم كأعداد الركعات وأوقات الصلوات، وقد شاع عند جميع أهل الملل والنحل إنهم يلقنون الصبيان أول تعليمهم جميع أمهات مسائل الدين، وهذه المسالة من أهم المسائل، فلِمَ أخفى الإمام السجاد هذه المسألة عن ولده العزيز، مع إن زيدا بإجماع الفريقين كان من أولاد ذلك الإمام ومن ملازمي صحبته سالكا مسلكه، فلا وجه لخوف رده وتكذيبه.
الوجه السابع: إن الإمام السجاد إذا لم يخبر ولده زيدا بهذه المسألة فأي فائدة فيه، فإن إمام الوقت بعد ذلك سيدعوه، فإما أن يقبل دعوته، وإما أن لا يقبلها، فترك أخباره في ذلك الوقت لا فائدة فيه ويجب تنزيه الأئمة عن مثل ذلك.
وقد أجاب بعض علماء الشيعة، إن ترك إخبار زيد يقاس على قصة رؤيا يوسف "عليه السلام" ومنع يعقوب له أن يقصها على أخوته صيانةً له من كيدهم ؛ والجواب إن هذا قياس فاسد، فإنه قياس مع الفارق، لأن رؤيا يوسف "عليه السلام" لم يكن قصها واجبا، لا على يوسف ولا على يعقوب، وليس هو من أصول الدين، ولا من المسائل المشروعة ؛ بل كانت بشارة محضة تدل على إن يوسف سيكون من أكابر الأصفياء وليس من المتحتم على الأنبياء إظهار البشارات، بل إن كثيرا ما منعوا من إظهار ذلك خوفا من العجب الذي يكون للمبشر، وما يتكنون بسببه من الحسد بين الأقران والشركاء.
وفي الحديث الصحيح: " لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لمحسنها عند الله".
وفي حديث آخر عن معاذ بن جبل: " لا تبشروا الناس فيتكلوا ".
وثبوت نبوة يوسف عليه السلام لم يكن موقوفا على تعبير رؤياه، بخلاف إمامة الأئمة اللاحقين، فإنها موقوفة على نص الإمام السابق أو تبليغه، ومن المحال أن يحصل للمكلف، علم بدون ذلك.
وبالجملة.. تمسك هذه الفرقة بالعترة على ما يزعمونه كله على هذا المنوال الذي أوضحناه، وكتاب الله على زعمهم غير قابل للتمسك به لما زعموه فيه من التحريف والتبديل والزيادة والنقص، فكلا الحبلين، انحل من أيديهم وبقوا حائرين تائهين في أودية الضلال.
فإذا قال الشيعة: نحن مع تكفير بعض العترة، ورواية قبائح أخر عنهم نتمسك بما ورد من بعض العترة الآخرين، ونأخذ بأقوالهم، ونتمسك بأفعالهم بخلاف أهل السنة، فهم غير متمسكين بقول أحد منهم، فإن التمسك هو الاقتداء بأقوال الشخص وأفعاله، وذلك كما إذ ألقى شخص القرآن في محل لا يليق بشأنه أو ألقى زمام المرشد والهادي، ولم يتخلف عن أحكام القرآن والاقتداء، بأفعال المرشد والهادي ؛ ولو قيد شعرة، فلا شك إنه متمسك بهما، بخلاف من وضع القرآن على رأسه وعينه ولم يعمل بأحكامه أصلا، ومن عظّم مرشده تعظيما بلغ الحد والغاية ولم يعمل بأقواله، فلا شك إنه لا يقال له متمسك بهما، بل إنه معرض عنهما.
فلا بد من الجواب المفصل عن ذلك، به يتبين أن هذه الفرقة لم تتمسك بشيء من أقوال القرآن والعترة، وأن أهل السنة هم المتمسكون بالعروة الوثقى، لا انفصام لها، وأنهم الآخذون بالكتاب والسنة وأقوال العترة الطاهرة، وتفصيل ذلك مفصل في الكتب المبسوطة ومنها كتاب التحفة الاثني عشرية في الرد على الفرق الإمامية، فراجع منه أبواب الإلهيات والنبوات والعقائد والفقهيات، فإنك تجد هناك إن هذه الفرقة قد خالفت الثقلين برواياتهم المعتبرة وكتبهم المشتهرة، فلا يبقى لأحد حينئذ شك في حال هؤلاء الفرق، وإنهم عن الثقلين بمعزل، وذلك كالشمس في رابعة النهار.
هذا آخر ما يسر الله تعالى تحريره من هذه الرسالة المباركة ونتضرع إلى الله سبحانه أن ينفع بها طالب الحق، ويهديه بها إلى سواء السبيل.
وكان الفراغ منها في شهر رمضان المبارك، سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية، وقد صادف ذلك شدة حر الهواء، وتناول المصائب واللأواء.
وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.