► الواجهة | الذيل الأول: من سنة 701 إلى سنة 740 | ذيل العبر للحسيني ☰ |
وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم
سنة إحدى وسبعمائة
دخلت وسلطان الإسلام الملك الناصر نصره الله، ونائبه سلار، ونائبه بدمشق الأفرم. فقتل بمصر على الزندقة الذكي المتفنن فتح الدين أحمد بن البققي. وما تحرك العدو العام. وأسلم بدمشق ديان اليهود العالم عبد السيد وبنوه، وخلع عليهم النائب، وضربت وراءهم الدبادب وهم راكبون. وأسلم معه نسيم الدباغ وأولاده، والعابد جمال الدين داوود الطبيب. وجاء دمشق جراد عظيم فما ترك حشيشة خضراء، وأكل أكثر ورق الأشجار، وأكل الدراقن، وبقي حبه في الأغصان، ورأيت بعض الحب قد أكل نصفه، وكان ذلك عبرة.
وفيها توفي صاحب مكة، عز الدين أبو نمي محمد ابن صاحب مكة أبي سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني، من أبناء السبعين، وكان أسمر، ضخما، شجاعا، سائسا، مهيبا. ولي أربعين سنة. قال لي الدباهي: لولا أنه زيدي لصلح للخلافة لحسن صفاته.
وماتت خديجة بنت الرضي عبد الرحمن بن محمد، عن أربع وثمانين سنة. روت عن القزويني، والبهاء، وجماعة. ومات بمصر علاء الدين علي بن عبد الغني بن الفخر بن تيمية الشاهد، عن اثنتين وثمانين سنة. حدثنا عن الموفق عبد اللطيف، وابن روزبه.
ومات أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن أبي علي بن أبي بكر بن المسترشد بالله العباسي في جمادى الأولى. وعهد بالخلافة إلى ابنه المستكفي بالله سليمان. كانت خلافته أربعين عاما.
ومات مسند الشام، تقي الدين أحمد بن عبد الرحمن بن مؤمن الصوري الصالحي الحنبلي، في جمادى الآخرة، عن أربع وثمانين سنة. روى عن الشيخ الموفق حضورا، وعن ابن أبي لقمة والقزويني والبهاء وأبي القاسم بن صصرى. خرجوا له مشيخة.
ومات الشيخ الابن محمد بن عثمان بن المنجا التنوخي، رئيس الدماشقة، عن إحدى وسبعين سنة. حدثنا عن جعفر الهمداني وغيره. وهو واقف دار القرآن.
ومات شيخ بعلبك الحافظ شرف الدين أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني الحنبلي في رمضان، من ضربة مجنون في رأسه بسكين، فتوفي بعد ستة أيام عن إحدى وثمانين سنة. كان إماما فاضلا. كثير الفضائل والمحاسن. حدثنا عن البهاء حضورا، وعن ابن صباح، وابن الزبيدي، وعدة، ودرس، وأفتى.
ومات بمكة في العشرين من ذي الحجة مسند الوقت أبو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد الأبرقوهي، عن سبع وثمانين سنة. حدث عن الفتح بن عبد السلام وأحمد بن صرما وابن أبي لقمة والفخر بن تيمية وعبد القوي بن الحباب. وتفرد بأشياء. وكان مقرئا صالحا متواضعا فاضلا. رحمه الله.
سنة اثنتين وسبعمائة
فيها وسط اليعفوري والقباري وقطعت يمين التاج الناسخ لدخولهم في تزوير وتخويف الأفرم من كبار عماله عليه.
وطرق قازان الشام فالتقى يزكه ويزك الإسلام بعرض، ونصره الله، وقتل من التتار خلق، وأسر مقدمان، وعلى يزكنه سيوف الدين: أسندمر، وكجكن، وغرلو، وبهادر آص في ألف وخمسمائة فارس. وكان العدو نحو أربعة آلاف، وتأخر جند الأطراف إلى حمص. ثم جهز قازان جيوشه مع نائبه خطلوشاه فساقوا إلى مرج دمشق. وتأخر المسلمون، وبات أهل دمشق في بكاء واستغاثة بالله، وخطب شديد، وقدم السلطان وانضمت إليه جيوشه والجفال، فكان المصاف على شقحب، فهزم العدو الميمنة، واستشهد رأس الميمنة الحسام استاددار في جماعة أمراء، وثبت السلطان كعوائده، ونزل النصر. وشرع التتار في الهزيمة في ليلة ثاني رمضان، وتبعهم المسلمون قتلا وأسرا، ومزقوا كل ممزق، وتخطفهم الناس إلى الفرات، وسلم شطرهم في ضعف شديد وجوع وحفا ووقوف خيل. ثم دخل السلطان والخليفة راكبين والحمد لله.
ومن الشهداء: الفقيه إبراهيم بن عبيدان، والأمير صلاح الدين ولد الكامل، والأمير علاء الدين علي بن الجاكي، والأمير حسام الدين أوليا بن قرمان، والأمير سنقر الكافري، وعز الدين بن الأمير يعقوبا.
وفي ذي القعدة زلزلت مصر، وتساقطت الدور، ومات بالإسكندرية تحت الردم نحو المائتين. وكانت آية. وافتتحت جزيرة أرواد وأسر من الفرنج نحو خمسمائة.
وفيها مات بزملكا المعمر عبد الحميد بن أحمد بن خولان البناء، عن بضع وثمانين سنة. أجاز له ابن أبي لقمة وابن البن. وسمع أبا القاسم بن صصرى والناصح وابن الزبيدي.
ومات بالقاهرة شيخها وقاضيها شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن دقيق العيد القشيري المنفلوطي الشافعي، صاحب الإلمام وكتاب الإمام وشرح العمدة، في صفر عن سبع وسبعين سنة. روى عن ابن الجميزي وابن رواج والسبط وعدة. وكان رأسا في العلم والعمل، عديم النظير. وأخذ من دمشق قاضيها ابن جماعة فولي مكانه، وولي بدمشق ابن صصرى.
ومات في ربيع الأول المسند بدر الدين الحسن بن علي بن الخلال الدمشقي، عن ثلاث وسبعين سنة. حدث عن مكرم وابن اللتي وابن الشيرازي وابن المقير وجعفر وكريمة، وخلق. وتفرد رحمه الله.
ومات متولي حماة، الملك العادل زين الدين كتبغا المغلي المنصوري، ونقل فدفن بتربته بسفح قاسيون. مات يوم الجمعة، يوم الأضحى. وكان في آخر الكهولة، أسمر قصيرا دقيق الصوت شجاعا قصير العنق، ينطوي على دين وسلامة باطن وتواضع. تسلطن بمصر عامين، وخلع في صفر سنة ست وتسعين، فالتجأ إلى صرخد. ثم أعطي حماة.
ومات المقرئ شمس الدين محمد بن قيماز الطحان الدمشقي، عن ثلاث وثمانين سنة. تلا بالسبع على السخاوي. وسمع من ابن صباح وابن ناسويه وابن الزبيدي. وكان خيرا متواضعا.
ومات مسند المغرب الإمام الأديب أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون الطائي القرطبي بتونس في ذي القعدة عن مائة عام. أجاز لنا مروياته. سمع الموطأ وكامل المبرد من أبي القاسم أحمد بن بقي في سنة عشرين. وعمر دهرا.
سنة ثلاث وسبعمائة
فيها أغارت العساكر المنصورة على ملطية، ونازلوا تل حمدون من بلاد سيس.
ومات القدوة، الزاهد العلامة بركة الوقت، الشيخ إبراهيم بن أحمد الرقي الحنبلي بدمشق، عن نحو ستين سنة. وشيعه الخلق، وحمل على الرؤوس إلى الجبل. وكان من أولياء الله ومن كبار المذكرين. له تصانيف محركة إلى الله. حدثنا عن عبد الصمد بن أبي الجيش. وله نظم كثير، وخبرة بالطب، ومشاركات في العلوم. توفي في المحرم.
وماتت المعمرة أم أحمد ست الأهل بنت علوان بن سعيد البعلبكي بدمشق، في المحرم. مكثرة عن البهاء عبد الرحمن. صالحة خيرة. عاشت خمسا وثمانين سنة.
ومات خطيب بعلبك ضياء الدين عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن علي بن عقيل السلمي الشافعي، في صفر عن تسع وثمانين سنة. سمع القزويني وابن اللتي. وهو آخر من روى شرح السنة. وخطب ستين سنة.
ومات مفيد الطلبة نجم الدين إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز، في صفر عن أربع وسبعين سنة. كتب عمن دب ودرج. وجمع وكتب الكثير. ولم ينجب. روى عن الضياء وعبد الحق بن خلف والمرسي وأمم.
ومات فيه شيخ دار الحديث وخطيب البلد المفتي زين الدين عبد الله ابن مروان الفارقي، عن نيف وسبعين سنة. روى عن السخاوي وكريمة وابن رواحة وابن خليل. فولي بعده دار الحديث ابن الوكيل، والخطابة شرف الدين الفزاري.
ومات عز الدين أيبك الحموي نائب حمص. ونقل إلى تربته تحت عقبة دمر. وكان شيخا عاقلا، شجاعا. وولي نيابة دمشق بعد سنة تسعين للملك الأشرف.
ومات في رجب بالجبل الشيخ أبو الفتح نصر بن أبي الضوء الزبداني الفامي. أحد رواة الصحيح عن ابن الزبيدي. كتبنا عنه. جاوز الثمانين.
ومات صاحب الشرق القان محمود غازان بن القان أرغون بن أبغا بن هولاكو المغلي، في شوال بقرب همذان. لم يتكهل. ونقل إلى تربته بتبريز. سم بمنديل تمسح به بعد الجماع. وتملك أخوه خربندا وكان بسنجار وسموه محمدا ولقبوه غياث الدين.
سنة أربع وسبعمائة
تكلم ابن النقيب وغيره في فتاو لابن العطار فيها تخبيط. وسعوا إلى القضاة فحار ابن العطار وأرعب، وبادر إلى الحاكم ابن الحريري، فأسلم بدعوى صورت، فحقن دمه، ثم ندم ولامه أصحابه. وبلغ النائب فغضب من الفتن. واعتقل ابن النقيب وغيره أربع ليال فأنكروا.
وفي صفر مات المحدث المشهور مفيد دمشق أبو الحسن علي بن مسعود ابن نفيس الموصلي ثم الحلبي بالمارستان بدمشق، ودفن بالسفح. حدثنا عن ابن رواحة والكمال الضرير وابن عبد الدايم. وقرأ ما لا يوصف كثرة، وحصل أصولا وفقها. وعاش سبعين سنة في دين وقناعة وصدق. رحمه الله.
ومات بالمدينة صاحبها عز الدين جماز بن شيحة العلوي الحسيني، وقد شاخ وأضر. وتملك بعده ابنه منصور. وفيهم تشيع ظاهر.
ومات الضياء عيسى بن أبي محمد بن عبد الرزاق المغاري، شيخ المغارة، في ربيع الآخر عن ثمانين سنة. روى عن ابن الزبيدي وابن صباح والإربلي.
ومات المعمر ركن الدين أحمد بن المنعم بن أبي الغنائم القزويني الطاووسي، كبير الصوفية بدمشق، في جمادى الأولى عن مائة سنة وسنتين وتسعة أشهر. روى بالعامة عن أبي جعفر الصيدلاني وطائفة. وبالسماع عن ابن الخازن والسخاوي.
ومات شيخ البطائحية تاج الدين بن الرفاعي بقرية ام عبيدة عن سن عالية. وله شهرة كبيرة.
ومات بقاسيون الحاج محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي، عن ثمانين سنة. روى عن ابن الزبيدي وابن اللتي وابن المقير.
ومات الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن يعقوب الإربلي ثم الدمشقي، كبير الذهبيين. ويكنى أبو الفضل أيضا. سقط من السلم فمات لوقته في رمضان عن ثمانين سنة. وكان مكثرا. سمع المسلم المازني وابن الزبيدي ومكرما وأبا نصر بن عساكر، وعدة. وتفرد بأشياء. خرجت له مشيخة.
ومات بالإسكندرية شيخها الإمام المحدث تاج الدين علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرافي المعدل، في ذي الحجة عن ست وسبعين سنة. روى عن ابن عماد وأبي الحسن القطيعي وابن بهروز وجماعة. وتفرد ورحل إليه. وكان فقيها عالما ثقة.
وفيها حكم المالكي بدمشق بضرب عنق محمد بن الباجربقي -وإن تاب بشهادة مجد الدين التونسي وجلال الدين خطيب الزنجيلية والمحيي بن الفارعي وجماعة- بكفريات.
ومات بمصر عالمها العلم العراقي عبد الكريم بن علي الأنصاري المصري الشافعي المفسر، عن نيف وثمانين سنة.
سنة خمس وسبعمائة
فيها أغار جيش حلب على أطراف العدو، فكمنوا لهم وقتل خلق من العسكر. وناب لابن صصرى جلال الدين القزويني. وسار عسكر دمشق والأفرم النائب لحرب الجرديين فضايقوهم أياما. وهم رافضة، آذوا الجيش في مكاتبة قازان. ثم صولحوا وفرقوا وخرجوا من أراضيهم.
وقل الغيث واستسقى بالناس خطيبهم الفزاري بسفح المزة.
وفيها فتنة الشيخ تقي الدين بن تيمية وسؤالهم عن عقيدته.، فعقد له ثلاثة مجالس وقرئت عقيدته الملقبة بالواسطية. وضايقوه، وثارت الغوغاء والفقهاء له وعليه. ثم وقع نوع وفاق. ثم إنه طلب على البريد إلى مصر وصورت عليه دعوى عند المالكي، فاستخصمه الشيخ وقاموا. فسجن الشيخ وأخواه بالجب بضعة عشر شهرا، ثم أخرج. ثم حبس بحبس الحاكم، ثم أبعد إلى الإسكندرية. فلما تمكن السلطان سنة تسع طلبه واحترمه وصالح بينه وبين الحكام. وكان الذي ادعي عليه به بمصر أنه يقول: إن الرحمن على العرش حقيقة، وإنه يتكلم بحرف وصوت. ثم نودي بدمشق وغيرها: من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه.
وجاء تقليد بالخطابة للشيخ برهان الدين بعد عمه، وباشر وخطب ثم ترك ذلك، واختار بقاءه بالباذرائية بعد أن صلى خمسة أيام.
ومات بحلب قاضيها، كان، وخطيبها العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن بهرام الدمشقي الشافعي، عن ثمانين سنة. وهو الذي عزل بزين الدين بن قاضي الخليل من الحكم. وكان مشكورا يدري المذهب.
ومات بمصر المعمر أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن شهاب بن المؤدب المصري. حدث عن ابن باقا. حدثنا عنه أبو الحسن السبكي.
ومات بالإسكندرية الإمام المعمر شرف الدين يحيى بن أحمد بن عبد العزيز بن الصواف الجذامي المالكي، كبير الشهود، عن ست وتسعين سنة. سمع منه قاضي القضاة السبكي وجماعة. روى عن ابن عماد والصفراوي، وتلا عليه بالسبع. وأول سماعه كان في سنة خمس عشرة وستمائة. أصم وأضر مدة.
ومات خطيب دمشق الإمام الكبير شرف الدين أحمد بن إبراهيم بن سباع الفزاري الشافعي أخو الشيخ تاج الدين في شوال عن خمس وسبعين سنة وشهر. وشهده ملك الأمراء والأعيان. تلا بالسبع، وأحكم العربية، وقرأ الحديث، وسمع كثيرا. وكان فصيحا عديم اللحن طيب الصوت. روى عن السخاوي والعز النسابة والتاج القرطبي وعدة. وأقرأ العربية زمانا، مع الكيس والتواضع والتصون.
ومات حافظ الوقت العلامة شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي الشافعي، في نصف ذي القعدة فجأة، عن اثنتين وتسعين سنة. سمع من علي بن مختار وابن المقير وابن رواحة وإبراهيم بن الخير وطبقتهم. وصنف التصانيف المهذبة. ولم يخلف في معناه مثله.
وماتت بمصر المعمرة زينب بنت سليمان بن رحمة الإسعردي، في ذي القعدة، عن بضع وثمانين سنة. سمعت ابن الزبيدي والشمس أحمد بن عبد الواحد البخاري وعلي بن حجاج، وجماعة. وتفردت بأشياء.
ومات في ذي القعدة صاحب المغرب أبو يعقوب يوسف بن السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني.
سنة ست وسبعمائة
قدم من الشرق الشيخ براق العجمي في جمع نحو المائة، وفي رؤوسهم قرون من لبابيد، ولحاهم دون الشوارب محلقة، وعليهم أجراس. ودخلوا في هيبة يجرون بشهامة. فنزلوا بالمنيبع ثم زاروا القدس، وشيخهم من أبناء الأربعين، فيه: إقدام وقوة نفس وصولة. فما مكنوا من المضي إلى مصر. وكان تدق له نوبة. ونفذ إليه الكبار غنما ودراهم.
وأنشئ بحذاء الرباط الناصري جامع للأفرم، وخطب به القاضي شمس الدين بن العز. وحطوا على أهل جيلان عند خربندا. ونبه على أن يكون له نائب، وأنهم يسبون الأشعري وأبا حنيفة، فندب لحربهم خطلو شاه، فسار. فكسبت الجيلانيون التتار وبثقوا عليهم من البحر سدا فانهزموا، وقتل بسهم طاغيتهم خطلو شاه الكافر.
وفيها توفي أمير سلاح بدر الدين بكتاش بن عبد الله الصالحي، كبير أمراء مصر. وله غزوات ومواقف. وكان ذا عقل ورأي. قارب الثمانين.
ومات رئيس التجار الصدر جمال الدين إبراهيم بن محمد ابن السواملي العراقي، وله ست وسبعون سنة. توفي بشيراز. والسوامل كالطاسات. كان يثقب اللؤلؤ فصمد ألفي درهم. ثم تجر وسار إلى الصين، فتمول وعظم، وضمن العراق من القان ورفق بالرعية، وصار له أولاد مثل الملوك. ثم صودر وأخذ منه أموال ضخمة.
ومات فجأة خطيب دمشق الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الخلاطي ابن إمام الكلاسة، وحمل على الرؤوس، وصلى عليه الأفرم. وكان دينا صينا مليح الشكل طيب الصوت حسن الهدي. روى عن البرهان وابن عبد الدايم. أم بالكلاسة مدة، ثم خطب للخطابة. فأقام ستة أشهر ونصفا. وخرج من الحمام، وصلى سنة الفجر فغشي عليه وانطفأ. فولي بعده الخطابة جلال الدين القزويني.
ومات بحلب مسندها علاء الدين سنقر القضائي الزيني، في شوال، عن سبع وثمانين سنة. تفرد بأشياء. وحدث عن الموفق عبد اللطيف وابن شداد وابن روزبه وابن الزبيدي وأنجب الحمامي وعدة. وكان دينا خيرا صبورا على الطلبة. أكثرنا عنه. رحمه الله.
ومات ببغداد العلامة المتفنن نصير الدين عبد الله بن عمر الفاروثي الشيرازي الشافعي، مدرس المستنصرية. قدم علينا دمشق.، وظهرت فضائله بالعقليات.
ومات بالكرك الطواشي الأمير المعمر شمس الدين صواب السهيلي. وكان محتشما متمولا بعيد الصيت.
سنة سبع وسبعمائة
عقد مجلس بالقصر فاستتيب النجم ابن خلكان من عبارات قبيحة ودعاو مبيحة للدم وادعاء نبوة ما. فاختلفت فيه الآراء ومال إلى الترفق به الشيخ برهان الدين، فتاب. وصلى الخطيب بالبلد صلاة الفطر. وحضر بالمقصورة ملك الأمراء بسبب المطر.
ومات بمكة في آخر العام الماضي الزاهد الكبير الشيخ محمد بن أحمد بن أبي بكر الحراني القزاز. وكان كثير التلاوة. روى عن عبد الله بن النحال وإبراهيم بن الخير وجماعة. وتفرد. كتبنا عنه.
ومات بدمشق كبير الأمراء ركن الدين بيبرس العجمي الصالحي الجالق. توفي بإقطاعه عن نحو الثمانين. وبقي في الإمرة زمانا.
ومات بمصر رئيسها الصاحب تاج الدين محمد بن الصاحب فخر الدين محمد بن الوزير بهاء الدين علي بن محمد بن حنا. حدثنا عن سبط السلفي. وكان محتشما وسيما عادلا شاعرا متمولا من رجال الكمال.
ومات بمكة شيخها الإمام القدوة أبو عبد الله محمد بن حجاج بن إبراهيم بن مطرف الأندلسي، في رمضان عن نيف وتسعين سنة. جاور نحو ستين عاما. وكان يطوف في اليوم والليلة خمسين أسبوعا. وحمل نعشه صاحب مكة حميضة.
ومات بالقاهرة أقضى القضاة جمال الدين أبو بكر محمد بن عبد العظيم بن علي بن السقطي الشافعي. روى عن ابن باقا بالإجازة، وعن العلم بن الصابوني. وعاش خمسا وثمانين سنة. أكثروا عنه. وله أخ باسمه وهو العدل نجم الدين محمد. مات بعد النووي رحمهما الله.
ومات ببغداد مسندها الإمام رشيد الدين محمد بن أبي القاسم المقرئ الحنبلي، شيخ المستنصرية، في رجب عن أربع وثمانين سنة. سمع الكثير من عمر بن كرم والحسن بن أسيد والسهروردي وزكريا العلي وعدة. وتفرد. وكتب المنسوب. وشارك في الفضائل واشتهر.
ومات بتبريز عالمها شمس الدين العبيدي شيخ الشافعية. وقد أسن وخلف كتبا تساوي ستين ألفا. توفي في ذي القعدة.
ومات بدمشق مسندها شهاب الدين محمد بن أبي العز بن مشرف بن بيان الأنصاري البزاز، شيخ الرواية بالدار الأشرفية، في ذي الحجة عن ثمان وثمانين سنة وأشهر. حدث عن ابن الزبيدي والناصح وابن صباح وابن باسويه وابن المقير ومكرم. وتفرد واشتهر.
سنة ثمان وسبعمائة
أطلقت حماة لنائبها قبجق، فولي نظرها عبد الصمد بن المغيزل، وعزل الشرف محمد بن جمال الدين بن صصرى منها. وعزل ناظر دمشق أمين الدين أبو بكر بن الرقاقي فرد إلى مصر.
وسار السلطان إلى الكرك ليحج فدخلها، فبعث نائبها جمال الدين إلى مصر، وزهد في مملكة محجور عليه فيها، ولوح بعزل نفسه. فوثب على الملك ركن الدين بيبرس الجاشنكير، ولقب بالمظفر، وأقر على نيابة الملك سلار، وحلف له أمراء النواحي. وجاء كتاب الناصر من الكرك بأنه لم يؤذ أحدا، وقد اختار الانقطاع والعزلة بالكرك، وأن له عليهم بيعة بالطاعة، وقد أمرهم بالطاعة لمن يتولى، ويشير بالاتفاق، وما فيه تصريح بعزل نفسه. وولي برغلي موضع الذي تسلطن، ومكان برغلي بتخاص، ومكان بتخاص أقوش نائب الكرك. وركب المظفر بأبهة السلطنة والسواد والعمامة المدورة والسيف الخليفتي، والأعيان مشاة، والصاحب حامل على رأسه التقليد من أمير المؤمنين في كيس أطلس أوله: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}. وبلغ عدة الخلع ألفا ومائتين.
ومات ببرزة الزاهد القدوة الكبير الشيخ عثمان بن عبد الله الحلبوني، وقد شاخ. وكان من الصعيد. طلع النائب والقضاة إلى جنازته. وكان ذا كشف وتوجه وجد. ترك الخبز سنين.
ومات بمصر المسند أبو علي شهاب الدين بن علي المحسني من أبناء الثمانين. مكثر عن ابن المقير وابن رواج والساوي.
ومات رئيس الطب بمصر العلم إبراهيم بن الرشيد بن أبي الوحش بن أبي حليقة، قيل تركته ثلاثمائة ألف دينار.
وماتت المعمرة أم عبد الله فاطمة بنت سليمان بن عبد الكريم الأنصاري في ربيع الآخر عن قريب التسعين بدمشق. لها إجازة من الفتح وابن عفيجة وجماعة. وسمعت المسلم المازني وكريمة وابن رواحة. وكانت صالحة. روت الكثير وتفردت. ولم تتزوج.
ومات في رجب الملك المسعود نجم الدين خضر بن الظاهر، في أول الكهولة. توفي فجأة.
ومات شيخ الحرم ظهير الدين محمد بن عبد الله بن منعة البغدادي عن بضع وسبعين سنة. جاور أربعين سنة. وحدث عن الشرف المرسي. توفي بناحية اليمن بالمهجم.
ومات الحافظ مفيد مصر شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن سامة الطائي السوادي الحنبلي، في ذي القعدة عن سبع وأربعين سنة. روى عن ابن عبد الدايم حضورا. وسمع وكتب الكثير بدمشق ومصر وحلب وبغداد والبصرة وأصبهان. وكان فصيحا متعبدا كيسا جيد المعرفة.
ومات بدمشق مسند الشام أبو جعفر محمد بن علي بن حسين السلمي العباسي الدمشقي بن الموازيني. وكان دينا متزهدا.، حج مرات وجاور. وتفرد عن أبي القاسم بن صصرى والبهاء عبد الرحمن ورحل إليه. مات في نصف ذي الحجة عن أربع وتسعين سنة.
وماتت بحماة الجليلة أم عمر خديجة بنت عمر بن أحمد بن العديم في عشر التسعين. روت لنا عن الركن إبراهيم الحنفي.
ومات بغرناطة عالمها الحافظ المقرئ النحوي ذو العلوم أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي، في ربيع الأول عن ثمانين سنة. طلب العلم في سنة ست وأربعين وستمائة، وسمع من جماعة. وتفرد بالسنن الكبير للنسائي عن أبي الحسن الشاري، بينه وبين المؤلف ستة أنفس.
ومات ببغداد شيخ المستنصرية المعمر عماد الدين إسماعيل بن علي بن الطبال. سمع عمر بن كرم وابن روزبة وجماعة، وتفرد.
سنة تسع وسبعمائة
بعث بابن تيمية مع مقدم إلى الإسكندرية فاعتقل ببرج، ومن أراد دخل إليه.
وأبطلت الخمور والفاحشة من السواحل.
وفي وسط السنة ثار أمراء وهموا بقتل المظفر بيبرس، فتحرز. فساقوا على حمية إلى العريش ثم دخلوا الكرك، وحركوا همة السلطان. وكان رأسهم نغيه المنصوري، وهم فوق المائة، فسار السلطان قاصدا دمشق وراسل الأفرم، فتوقف وقال: كيف هذا وقد حلفنا للمظفر، ثم خذل وفر إلى الشقيف. ثم دخل السلطان إلى قصر الميدان وأتاه مسرعا نائب حلب قراسنقر، ونائب حماه قبجق، ونائب الساحل أسندمر. والتف إليه جميع عساكر الشام. ثم سار بهم بعد أيام في أهبة عظيمة نحو مصر، فبرز المظفر بجيوشه، فخامر عليه برغلي في أمراء، فخارت قوته وانهزم نحو المغرب. ودخل السلطان إلى مقر ملكه يوم الفطر بلا ضربة ولا طعنة. ثم أمسك عدة أمراء عتاة، وخذل المظفر. فجاء إلى خدمة السلطان فوبخه ثم خنقه، وأباد جماعة من رؤوس الشر وتمكن. وهرب نائبه سلار نحو تبوك، ثم خدع وجاء برجله إلى أجله، فأميت جوعا، وأخذ من أمواله ما يضيق عنه الوصف من الجواهر والعين والملابس والمزركش والخيل المسومة، ما قيمته أزيد من ثلاثة آلاف ألف دينار. قل اللهم مالك الملك.
وثارت الحوازنة في هذه المدة وأقاموا الهوى. وقتل منهم نحو الألف.
وأظهر خربندا الرفض بمملكته. وغير الخطبة. وشمخت الشيعة، وجرت فتن كبار.
وانتزع كمال الدين بن الشيرازي بالجاه الشامية الكبرى من ابن الزملكاني باعتناء أسندمر. وأمسك نغيه المذكور وقيد ثم مات.
ومات بمصر غريبا شيخنا العلامة النحوي شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي، بعد دخوله بأيام في المحرم عن أربع وستين سنة. حدثنا عن الفقيه اليونيني وابن عبد الدايم. وطلب الحديث فأكثر منه، وأتقن النحو عن ابن مالك، وصنف شرحا للجرجانية. وانتفع به جماعة من الفضلاء، مع الدين والصيانة والفقه والتواضع.
ومات بدمشق كبير المؤذنين نجم الدين أيوب بن سليمان المصري المعروف بمؤذن النصيبي عن تسع وثمانين سنة.
وبلغنا موت نائب العراق أذينة.، وكان مسلما عادلا، يأتي الجمعة ماشيا. ولي مدة.
ومات بمصر الأمير الكبير الوزير شمس الدين سنقر المنصوري الأعسر.، وله عدة مماليك تقدموا. وكان كبيرا شهما عارفا، فيه ظلم.
ومات بمصر الشيخ العارف المذكر تاج الدين أحمد بن محمد بن عطاء الله الإسكندراني، صاحب أبي العباس المرسي.
ومات بمكة مسندها المعمر الصالح أبو العباس أحمد بن أبي طالب الحمامي البغدادي الزانكي، المجاور من زمان، في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة. سمع من الأنجب الحمامي أجزاء تفرد بها. أخذ عنه ابن مسلم القاضي وشمس الدين بن الصلاح مدرس القيمرية. وأجاز لأبي عبد الله.
ومات بمصر الشيخ نبيه الدين حسن بن حسين بن جبريل الأنصاري، المعدل، عن تسع وسبعين سنة. سمع ابن المقير وابن رواج وغيرهما.
وماتت بحلب المعمرة أم محمد شهدة بنت الصاحب كمال الدين عمر بن العديم العقيلي.، وولدت يوم عاشوراء سنة تسع عشرة.، وحضرت الكاشغري وعمر بن بدر. ولها إجازة من ثابت بن مشرف. وكانت تكتب وتحفظ أشياء وتتزهد وتتعبد.، سمعت منها.
ومات بدمشق المقرئ المعمر أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الحسن بن صدقة المخرمي عن بضع وثمانين سنة. حدثنا عن ابن اللتي وجعفر ومكرم.
سنة عشر وسبعمائة
دخلت وسلطان الوقت الملك الناصر محمد. ونائبه بكتمر أمير جندار. والوزير فخر الدين عمر بن الخليلي. ونائب دمشق قراسنقر. ونائب حماه قبجق، ونائب حلب أسندمر.
ودرس بالعذراوية الصدر سليمان الكردي. وبالشامية الجوانية الأمين سالم. انتزعاهما من ابن الوكيل. ثم أعيدتا إليه بشفاعة أسندمر.
ثم ذهب أسندمر إلى حماة. فأخرق قراسنقر بابن الوكيل فخارت قوته، وأسرع إلى القاضي الحنبلي فحكم بإسلامه. وكانت الرشوة إلى قراسنقر متواصلة. وجرت أمور. وكان يتبرطل من الجهتين. ففسد النظام وانعسفت الرعية. وكان يتهاون بالصلاة. ثم أخذت الشامية وردت إلى الأمين سالم.، جاءه توقيع من مصر. وولي نظر الخزانة عز الدين أخو الجلال بن القلانسي بعد النجم البصروي. لأنه ولي الوزارة ونزل عن الحسبة لأخيه الفخر.
وفي أولها عزل ابن جماعة من القضاء بنائبه جمال الدين الزرعي لكونه امتنع يوم عقد المجلس لسلطنة المظفر فرآها له السلطان. ثم بعد عام أعيد ابن جماعة إلى المنصب، ثم جاء كتاب بعزل ابن الوكيل من جهاته. ثم وزر بالشام عز الدين حمزة بن القلانسي. وولي مشيخة الخوانق بدمشق الشهاب الكاشغري الشريف، وكان قليل الخير. وبعد أشهر أخذت من ابن الشيرازي الشامية فأعيدت إلى ابن الزملكاني.
وفي نيسان مطرنا مطرا كأعكر ماء الزيادة. وبقي أثر الطين على الثمر والورق نحو شهرين.
وأمسك أسندمر نائب حلب، وطوغان نائب إلبيرة. لكن طوغان أنعم عليه بشد دمشق.
ومات بمصر الشاعر المحسن شهاب الدين أحمد بن عبد الملك العزازي التاجر. وديوانه في مجلدين. عاش بضعا وسبعين سنة.
ومات بمصر الصالح عبد الله بن ريحان التقوي. سمع ابن المقير والعلم ابن الصابوني وابن رواج. وكان سمسارا صدوقا.
وماتت ببغداد ست الملوك فاطمة بنت علي بن علي بن أبي البدر. روت كتابي الدارمي وعبد بن حميد عن ابن بهروز الطبيب. توفيت في ربيع الأول.
ومات بالصالحية قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن حسن بن أبي موسى بن الحافظ عبد الغني المقدسي، مدرس الصاحبية الذي انتزع القضاء من تقي الدين سليمان بن حمزة، ثم عزل بعد ثلاثة أشهر، وأعيد تقي الدين. روى عن ابن عبد الدايم. وعاش أربعا وخمسين سنة.
ومات نائب طرابلس الحاج بهادر سيف الدين المنصوري.
ومات قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي، أحد أئمة المذهب. عزل وطلب من دمشق ابن الحريري فولي مكانه.، فتوفي السروجي بعد أيام في ربيع الآخر وله ثلاث وسبعون سنة. صنف التصانيف واشتهر.
وهلك جوعا كما استفاض نائب الممالك سيف الدين سلار المغلي.، وقد بلغ من الجاه والعز والمال ما لا مزيد عليه. تمكن إحدى عشرة سنة. وكان إقطاعه نحوا من أربعين طبلخاناه، فحسبك. وكان أسمر سهل الخدين، ليس بطويل، عاقلا ذا هيئة قليل الظلم. مات في جمادى الأولى.
وفيه مات بحماة الأمير سيف الدين قبجق المنصوري أحد الشجعان والأبطال. وكان تركيا تام الشكل محببا إلى الرعية. قارب الستين. ويقال سقي. والله أعلم.
ومات بدمشق المقرئ الخير أبو عمرو عثمان بن إبراهيم الحمصي النساخ في رجب عن ثلاث وثمانين سنة. حضر ابن الزبيدي. وروى كثيرا عن الضياء.
ومات بمصر شيخ الشافعية الشيخ نجم الدين أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع، ابن الرفعة. مصنف شرح الوسيط وشرح التنبيه وغير ذلك. وعاش نيفا وستين سنة. توفي في رجب.
ومات في رمضان المسند العالم كمال الدين إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم الأسدي الحلبي بن النحاس الحنفي عن بضع وسبعين سنة أو ثمانين سنة. سمع ابن يعيش وابن قميرة وابن رواحة وابن خليل فأكثر. ونسخ الأجزاء. وانقطع بموته شيء كثير.
ومات بتبريز عالم العجم العلامة قطب الدين محمود بن مسعود بن مصلح الشيرازي عن ست وسبعين سنة. توفي في سابع عشر رمضان. وله تصانيف وتلامذة. وكان ذا ذكاء باهر ومزاح ظاهر.
ومات ببغداد في رمضان الإمام نجم الدين أبو بكر عبد الله بن أبي السعادات بن منصور بن أبي السعادات بن محمد الأنباري ثم البابصري المقرئ، خطيب جامع المنصور وشيخ المستنصرية بعد ابن الطبال، وله اثنتان وثمانون سنة. سمع ابن بهروز والأنجب الحمامي وأحمد بن المارستاني.
ومات باللجون العلامة المتفنن الشيخ علي بن علي بن أسمح اليعقوبي، ويلقب مثلا الناسخ الزاهد.، كان له عدة محفوظات. حفظ مصابيح البغوي والمفصل والمقامات.، وسكن الروم، وركب البغلة. ثم تزهد وهاجر إلى دمشق.، واستمر بدلق ومئزر صغير أسود. وتردد إلى المدارس وأقرأ العربية.
ومات بمصر في ذي القعدة المعمر الصدر بهاء الدين علي بن الفقيه عيسى بن سليمان بن رمضان الثعلبي المصري ابن القيم. وكان ناظر الأوقاف. وذكر مرة للوزارة. وكان دينا خيرا متواضعا. حدث عن الفخر الفارسي وابن باقا. وعاش سبعا وتسعين سنة رحمه الله.
سنة إحدى عشرة وسبعمائة
عزل عن دمشق قراسنقر المنصوري -ولله الحمد- بكريه المنصوري الذي كان مجردا بحلب. وولي العذراوية شرف الدين حسين بن سلام لرواح سليمان الكردي مع قراسنقر. وولي نظر المارستان النوري أيضا ابن خطيب المصلي لرواح ابن الحداد أيضا. وأعطي الصاحب نجم الدين البصروي إمرة، وخلع عليه لها بزي الوزراء. ووزر بمصر أمين الملك أبو سعيد المستوفي - الذي أسلم - عوضا عن بكتمر الحاجب.
وولي بحمص بيبرس العلائي. وأعيد إلى القضاء ابن جماعة. وجعل الزرعي قاضي العسكر مع تدريساته.
وقرر على أملاك دمشق وأوقافها ألف وخمسمائة فارس، فقال الخطيب جلال الدين: أنا لها. ومشى إلى القضاة، وتجمع الناس، وكبروا، وحملوا المصحف والأثر النبوي وأعلام الخطبة. ورأى النائب كريه منظرا مزعجا، فغضب وأهان الخطيب، وضرب الشيخ مجد الدين التونسي ورسم عليهم، فتألم الخلق ودعوا على كريه. فبعد تسعة أيام أخذ من النيابة وقيد وسجن بالكرك. وأمسك قطلبك نائب صفد، ونائب مصر بكتمر أمير جندار. وولي بمصر بيبرس الخطائي الدويدار صاحب التاريخ. وكانت نيابة كريه بدمشق نحو خمسة أشهر. ووليها جمال الدين أقوش الكركي. وولى صفد بهادر آص مديدة.
ومات الصاحب فخر الدين عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن الخليلي التميمي الداري المصري عن إحدى وسبعين سنة. حدث عن المرسي. وولى وزارة الصحبة في آخر الدولة المنصورية. ثم وزر للعادل والمنصور حسام الدين. ثم عزل.، ثم ولى للناصر ثم عزل.، ومات معزولا. وكان خبيرا بالأمور شهما مقداما، فيه كرم وسؤدد. مات ليلة الفطر.
ومات في المحرم بالثغر، الزاهد العابد الإمام الناظم أبو حفص عمر بن عبد النصير السهمي القوصي، عن ست وتسعين سنة. حدثنا بدمشق عن ابن المقير وابن الجميزي. وحج مرات.
ومات بدمشق في صفر المسند الفاضل فخر الدين إسماعيل بن نصر الله بن تاج الأمناء أحمد بن عساكر عن اثنتين وثمانين سنة. حدثنا عن ابن اللتي ومكرم وابن الشيرازي وطبقتهم. وشيعه الكبراء. وشيوخه نحو التسعين. كان مكثرا، وفيه خفة وطيش، ولكنه فيه دين. ويذاكر بأشياء.
وماتت الصالحة المسندة أم محمد فاطمة بنت الشيخ إبراهيم بن محمود بن جوهر البطائحي البعلي، والدة الشيخ إبراهيم بن القريشية وإخوته. توفيت في صفر عن ست وثمانين سنة. روت الصحيح عن ابن الزبيدي مرات، وسمعت صحيح مسلم من ابن الحصيري شيخ الحنفية. وسمعت من ابن رواحة. دينة متعبدة.
ومات بحماة قاضيها العلامة عز الدين عبد العزيز بن محيي الدين محمد ابن نجم الدين أحمد بن هبة الله بن العديم الحنفي، في ربيع الأول، ودفن بتربته عن ثمان وسبعين سنة. حدثنا عن ابن خليل. وسمع من يونس بن خليل والضياء صقر وهدية. وكان له اعتناء بالكشاف وبمفتاح السكاكي.
ومات الإمام القدوة الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي نصر الدباهي الحنبلي الصوفي عن خمس وسبعين سنة. وكان ذا تأله وصدق وعلم.
ومات بعده بيوم الإمام العارف الزاهد القدوة عماد الدين أحمد بن شيخ الحزامية إبراهيم بن عبد الرحمن الواسطي صاحب التواليف في التصوف، في ربيع الآخر عن أربع وخمسين سنة. وكان من سادة السالكين. له مشاركة في العلوم وعبارة عذبة ونظم جيد.
ومات في جمادى الأولى، العدل المرتضي المسند عماد الدين أبو المعالي محمد بن علي بن محمد بن علي البالسي الدمشقي عن أربع وسبعين سنة. سمع من إسحاق الشاغوري وكريمة وجماعة حضورا، ومن السخاوي وابن قميرة وابن شقيرا وعمر بن البراذعي وخلق. خرجت له معجما كبيرا، ووقف أجزاءه. وكان محمودا في الشهادات حسن الديانة.
ومات الشيخ الصالح الزاهد البركة الشيخ شعبان بن أبي بكر بن عمر الإربلي، شيخ مقصورة الحلبيين، في رجب عن سبع وثمانين سنة. وكانت جنازته مشهودة. خرج له رفيقه ابن الظاهري عن محمد ابن النعالي وعبد الغني بن بنين، والكمال الضرير وطبقتهم. وكان خيرا متواضعا وافر الحرمة.
ومات القاضي المنشئ جمال الدين محمد بن مكرم بن علي الأنصاري الرويفعي بمصر، في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة. يروي عن مرتضى وابن المقير ويوسف بن المخيلي وابن الطفيل. وحدث بدمشق ومصر. واختصر تاريخ ابن عساكر. وله نظم ونثر. وفيه شائبة تشيع.
ومات شيخ التجويد وصاحب الكتابة الباهرة والإنشاء الجيد شرف الدين محمد بن شريف بن يوسف بن الوحيد الزرعي، من كتاب الدرج. كان شجاعا مقداما متكلما منشئا. وهو متهم في دينه، يرمى بعظائم. توفي في شعبان وقد شاخ.
ومات وزير التتار سعد الدين محمد بن علي الساوجي.، قتلوه مع رفيقه في الوزارة مبارك شاه وطائفة، في شوال.، خبث عليهم الشريف الآوي. فقتل أيضا الكل ببغداد. قيل: عملوا على قتل القان.
ومات العلامة شيخ الأدباء رشيد الدين رشيد بن كامل الرقي الشافعي عن ست وثمانين سنة. درس وأفتى وبرع في الأدب. وكان وكيل بلاد حلب. وحدث عن ابن مسلمة وابن علان.
ومات بمصر العلامة الأصولي الخطيب، شمس الدين محمد بن يوسف الجزري مدرس المعزية وخطيب جامع ابن طولون. وله تلامذة.
وهلك في سجن الكرك الأمير الكبير سيف الدين أسندمر الكرجي في آخر الكهولة. ولي البر بدمشق ثم نيابة طرابلس ثم حلب. وكان بطلا شجاعا سائسا داهية جبارا ظلوما مهيبا. سمع بقراءتي صحيح البخاري. وهلك معه الأمير الكبير بتخاص.
ومات قاضي الحنابلة بمصر الإمام الحافظ سعد الدين مسعود بن أحمد الحارثي في ذي الحجة عن ستين سنة. حدث عن ابن البرهان والنجيب وابن علاق، وخلق. وكتب وصنف ورأس. وكان دينا صينا وافر الجلالة فصيحا ذكيا. حكم سنتين ونصف. وكان من أئمة الحديث ومتقنيهم.
وخر في هذه الحدود خطيب غرناطة العلامة أبو محمد عبد الله بن أبي حمزة المرسي من فوق المنبر يوم الجمعة، ومات فجأة وله نيف وثمانون سنة. روى بالإجازة عن ابن سالم الكلاعي.
سنة اثنتي عشرة وسبعمائة
في المحرم ساق الأميران عز الدين الزردكاش وآخر إلى الأفرم نائب طرابلس الذي ناب بدمشق، وانضموا إلى نائب حلب قراسنقر، ثم ساقوا وأجارهم مهنا فبقوا عنده أياما ثم خامروا إلى القان خربندا فأقبل عليهم كثيرا وأقطعهم. وولي السر بدمشق شرف الدين بن فضل الله، وقام مكانه بمصر علاء الدين ابن الأثير. واحتيط على أموال أولئك الأمراء، وقطع خبز مهنا، وأمر مكانه أخوه الأمير محمد. وولي نيابة حلب سودي. وأخذ من دمشق نائبها جمال الدين أقوش على البريد في ربيع الأول. وطلب قطب الدين السلامي إلى مصر فولي نظر الجيش وبها وولي قضاء الحنابلة بمصر تقي الدين أحمد بن القاضي بن عوض. وصودر كاتب الجيش بمصر الفخر كاتب المماليك. وولي طرابلس تمر الساقي. وأمسك نائب حمص بيبرس العلائي. ومن دمشق مشدها طوغان المنصوري وبيبرس المجنون وركن الدين الباجي وكشلي وسنجر البراوي وحبسوا بالكرك. وأمسك بمصر النائب بيبرس الخطائي، وأقوش الذي ناب بدمشق، وسنقر الكمالي الحاجب، وخمسة أمراء فحبسوا.
وفي ربيع الآخر وصل على نيابة الشام ملك الأمراء تنكز الناصري، وفي خدمته أمراء، منهم الحاج وقطبة. وبعد شهر ولي نيابة مصر أرغون الدويدار.
وفي هذا الشهر ولي نظر الجيش بدمشق معين الدين بن خشيش. وشورك بين كاتب المماليك وبين قطب الدين.
ونازل خربندا بجيوشه الرحبة، وانجفل الناس وكثر الخوف، ونصبت المجانيق عليها ونقبت النقوب، حتى طلب أهلها الأمان. ونزل نائبها وقاضيها إلى القان بهدية فقبلها، واستحلفهم له وأمر كلا على ولايته، ثم ترحل عنها في العيد أو في آخر رمضان. فبعثوا إلى السلطان بما جرى وطلبوا العزل لأيمانهم، فعزل الكل وبعث غيرهم. ودخل دمشق في أواخر شوال. ثم بادر فحج في خواصه ورجع إلى دمشق مؤيدا منصورا.
وقدم شيخنا تقي الدين من مصر بعد غيبة سبع سنين وسبع جمع.
وفيها مات شيخ بعلبك الإمام الفقيه الزاهد القدوة بركة الوقت أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن حاتم الحنبلي في صفر عن نيف وثمانين سنة. حدث عن سليمان الإسعردي وأبي سليمان الحافظ والشيخ الفقيه، وبالإجازة عن ابن روزبة ونصر بن عبد الرزاق. وكان من العلماء الأبرار، قليل المثل خيرا منورا أمارا بالمعروف.، رحمه الله.
ومات الصدر الأديب المقرئ شهاب الدين أحمد بن سليمان بن مروان بن البعلبكي الدمشقي من تجار الخواصين، ومن عدول القيمة. عرض الشاطبية على السخاوي، وسمع منه أجزاء. وله نظم جيد ومدائح. عاش خمسا وثمانين سنة. توفي في ربيع الآخر.
ومات بالمزة الصاحب تاج الدين أحمد بن العماد محمد بن الشيرازي، ولي الوكالة والحسبة، ونظر الدواوين، ونظر الجامع. وتنقل في المناصب ثم مات بطالا. حدث عن ابن عبد الدايم. وعاش ثمانيا وخمسين سنة. توفي في رجب.
ومات صاحب ماردين المنصور نجم الدين غازي بن المظفر قرا أرسلان بن السعيد غازي بن أرتق بن غازي بن ألبي بن تمرتاش ابن الملك غازي بن أرتق التركماني الأرتقي في ربيع الآخر. ودفن في تربة آبائه، عن بضع وستين سنة. وتملك بعده ولده العادل علي، فمات بعد أيام. فيقال سمهما قراسنقر. ثم تملك ابنه الآخر الملك الصالح.
ومات بمصر في ربيع الآخر المسند العالم الصالح الشيخ أبو الحسن علي ابن محمد بن هارون التغلبي الدمشقي، قارئ المواعيد للعامة، وله ست وثمانون سنة. سمع من ابن صباح حضورا، ومن ابن الزبيدي والمازني وابن اللتي والناصح ومكرم، وعدة. وتفرد بالعوالي واشتهر. وكان دينا خيرا متواضعا. حمل على الرؤوس وتأسفوا عليه.
وتوفيت بالقدس في جمادى الأولى المعمرة أم محمد هدية بنت علي بن عسكر الهراس، ولها ست وثمانون سنة. تروي عن ابن الزبيدي حضورا، وعن ابن اللتي والهمذاني وغيرهم. وكانت فقيرة صالحة قنوعة متعبدة سمراء قابلة.
ومات بمصر الفقيه المعمر عماد الدين أحمد بن القاضي شمس الدين محمد بن العماد إبراهيم المقدسي الحنبلي، في جمادى الآخرة، عن خمس وسبعين سنة. سمع ببغداد من الكاشغري وابن الخازن،. وبمصر من ابن رواج وطائفة. وتفرد بأجزاء.
ومات بدمشق العدل الصالح التقي شرف الدين أبو البركات عبد الأحد بن أبي القاسم بن عبد الغني، خطيب حران، فخر الدين بن تيمية الحراني التاجر، في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة. روى عن ابن اللتي حضورا، وعن ابن رواحة ومرجا بن شقيرا وجماعة.
ومات المولى الملك المظفر شهاب الدين غازي بن الناصر داود ابن المعظم بن العادل عن نيف وسبعين سنة. حدثنا عن الصدر البكري وخطيب مردا. وكان عاقلا دينا.
ومات المسند الخطيب نور الدين علي بن نصر الله بن عمر القرشي المصري، ابن الصواف الشافعي، الذي روى عن ابن باقا أكثر سنن النسائي سماعا. وتفرد واشتهر. توفي في رجب وقد قارب التسعين.، وسمع من جعفر الهمذاني والعلم ابن الصابوني. وله إجازة أبي الوفا محمود بن مندة من أصبهان.
وماتت ست الأجناس موفقية بنت عبد الوهاب ابن عتيق بن وردان المصرية، ولها اثنتان وثمانون سنة. روت عن الحسن بن دينار والعلم ابن الصابوني وعبد العزيز النقار وطائفة، وتفردت.
ومات بمصر في شوال المقرئ المعمر زين الدين أبو محمد الحسن ابن عبد الكريم بن عبد السلام الغماري المصري المالكي، سبط الفقيه زيادة، وله خمس وتسعون سنة. سمع من أبي القاسم بن عيسى المقرئ، ومحمد بن عمر القرطبي المقرئ. وتفرد عنهما. وتلا بالسبع على أصحاب أبي الجود. وكان دينا خيرا فاضلا كيسا، يؤدب في منزله.
ومات بالقدس مدرس الصلاحية العلامة نجم الدين داوود الكردي الشافعي، درس بها ثلاثين سنة. وبعده وليها الشيخ شهاب الدين بن جهبل.
ومات سلطان دست القفجاق طقططيه المغلى الجنكزخاني وله نحو من أربعين سنة. وكانت دولته ثلاثا وعشرين سنة. وكان على دين قومه يحب السحرة، وفيه عدل في الجملة وميل إلى الإسلام. وعسكره خلق عظيم بالمرة. وتملك بعده القان الكبير أزبك خان، وهو شاب بديع الجمال حسن الإسلام موصوف بالشجاعة، وامتدت أيامه.
سنة ثلاث عشرة وسبعمائة
وصل السلطان من الحج إلى دمشق يوم حادي عشر المحرم لابسا عباءة وعمامة مدورة، وصلى جمعتين بالمقصورة. وولي نظر الدواوين غبريان، ونظر الجامع فخر الدين ابن شيخ السلامية، وشد الأوقاف بكتاش المنكورسي. وذهب في الرسلية ابن الوكيل إلى مهنا مرتين.
وفيها روك أخباز الشاميين وانضر عدد كثير. وأقيمت صلاة الفطر لأجل الثلج بدار السعادة.
وفيها مات الخطيب القاضي عماد الدين علي بن الفخر عبد العزيز ابن قاضي القضاة عماد الدين عبد الرحمن بن عبد العلي بن السكري المصري الشافعي، خطيب جامع الحاكم ومدرس مشهد الحسين، وله أربع وسبعون سنة. وقد ذهب في الرسلية إلى ملك التتار.، وحدث بدمشق عن جده لأمه ابن الجميزي.
ومات بمكة في ربيع الآخر المحدث الحافظ فخر الدين أبو عمر عثمان بن محمد بن عثمان التوزري المالكي المجاور عن ثلاث وثمانين سنة. سمع السبط وابن الجميزي وعدة، وقرأ ما لا يوصف كثرة.، ثم جاور للعبادة مدة. وكان قد تلا بالسبع.
ومات بدمشق نائب الخطيب وشيخ القراء تقي الدين أبو بكر بن محمد ابن المشيع الجزري المقصاتي في جمادى الآخرة، عن بضع وثمانين سنة. أم مدة بالرباط الناصري. تلا على الشيخ عبد الصمد وغيره. وروى عن الكواشي تفسيره. وكان دينا صالحا بصيرا بالسبع.
ومات رئيس التجار الصدر عز الدين عبد العزيز بن منصور الكولمي بالإسكندرية وقد شاخ. وكان أبوه من يهود حلب، فأسلم وتاجر. سافر عز الدين إلى الصين، وكان فيه كرم وخير. ولما مر باليمن نابه لصاحبها من المغارم ثلاثمائة ألف درهم.
ومات في جمادى الآخرة الشيخ المسند أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي القاسم بن بدران الأنمي الدشتي الكردي المؤدب الحنبلي، بدمشق عن ثمانين سنة غير أشهر. حدثنا عن ابن رواحة وابن يعيش وابن قميرة والضياء وصفية القرشية وعدة. وله مشيخة بانتقاء البرزالي. تفرد بأشياء عالية.
ومات بحلب المسند المعمر ركن الدين بيبرس التركي المجدي العديمي، في ذي القعدة عن نحو التسعين أو أكثر. حدثنا عن الكاشغري وهبة الله بن الدوامي، وجماعة.
سنة أربع عشرة وسبعمائة
أغارت عساكر حلب على دنيسر، وقتلوا خلقا وفعلوا قبائح. وولي حلب ألطنبغا الحاجب بعد وفاة سودي. وقتل الشقي موسى الكركي كاتب قطلبك لكونه سب النبي ﷺ.
وجرت وقعة بقرب مكة بين الأخوين حميضة وأبي الغيث، فقتل أبو الغيث واستولى حميضة على مكة.
ومات العدل المسند زين الدين إبراهيم بن عبد الرحمن بن تاج الدين أحمد بن القاضي أبي نصر بن الشيرازي في جمادى الآخرة، وله ثمانون سنة. حدثنا عن السخاوي والنسابة وكريمة والتاج بن حمويه وطائفة. وانتخب عليه العلائي. مولده في أول يوم من سنة أربع وثلاثين. وكان لا بأس به، كثير التلاوة.
ومات بحلب نائبها سيف الدين سودي. وكان جيد السيرة.
ومات كاتب الحكم الصدر شمس الدين محمد بن كاتب الحكم المهذب ابن أبي الغنائم في آخر الكهولة، وخلف ثروة.
ومات بمصر العلامة الشيخ المعمر شيخ الحنفية رشيد الدين إسماعيل بن عثمان ابن المعلم القرشي الدمشقي في رجب عن إحدى وتسعين سنة. سمع من ابن الزبيدي الثلاثيات. وسمع من السخاوي والنسابة وجماعة. وتفرد، وتلا بالسبع على السخاوي، وأفتى ودرس.، ثم انجفل إلى القاهرة سنة سبعمائة. ومات قبله ابنه المفتي تقي الدين بقليل. تغير قبل موته بسنة أو أكثر وانهرم.
ومات محتشم العراق القدوة شهاب الدين عبد المحمود بن عبد الرحمن بن أبي جعفر محمد بن الشيخ شهاب الدين السهروردي، وخلف نعمة جزيلة. وكان عالما واعظا. حدث عن جده أبي جعفر.
ومات نقيب الأشراف أمين الدين جعفر ابن شيخ الشيعة محيي الدين محمد بن عدنان الحسيني في حياة أبيه، فولى النقابة بعده ولده شرف الدين عدنان، وخلع عليه بطرحة وهو شاب طري.
ومات بحلب ناظرها الصاحب شرف الدين يعقوب بن مظفر بن مزهر، عن ست وثمانين سنة. وقد عمل نظر دمشق مرة.
ومات بدمشق الشيخ سليمان التركماني الموله. وكان يجلس بسقاية باب البريد، وحوله الكلاب، ثم يطرق العلبيين، وعليه عباءة نجسة ووسخ بين، وهو ساكن، قليل الحديث. له كشف وحال من نوع إخبارات الكهنة، وللناس فيه اعتقاد زائد. وكان شيخنا إبراهيم الرقي مع جلالته يخضع له ويجلس عنده. قارب سبعين سنة. وكان يأكل في رمضان، ولا صلاة ولا دين. ورأيت من يحكي أنه يعقل ولكنه يتجانن، وأنه من بابة يعقوب الحلط الذي هو مسجون على الكفريات.
ومات صاحب جيلان الملك شمس الدين دوباج بن فينشاه بن رستم، بقرب تدمر، ونقل فعمل له تربة عند قبة الرقي.
ومات بمصر العلامة الأصولي علاء الدين علي بن محمد بن خطاب الباجي الشافعي عن ثلاث وثمانين سنة. تخرج به الفضلاء، وله تصانيف وشهرة. درس بأماكن، وروى عن أبي العباس التلمساني.
وماتت العالمة الفقيهة الزاهدة القانتة، سيدة نساء زمانها، الواعظة، أم زينب فاطمة بنت عباس البغدادية الشيخة، في ذي الحجة بمصر، عن نيف وثمانين سنة. وشيعها خلائق. وانتفع بها خلق من النساء وتابوا. وكانت وافرة العلم، قانعة باليسير، حريصة على النفع والتذكير، ذات إخلاص وخشية وأمر بالمعروف. وانصلح بها نساء دمشق، ثم نساء مصر. وكان لها قبول زايد ووقع في النفوس، رحمها الله.، زرتها مرة.
ومات بالثغر العدل جمال الدين بن عطية بن إسماعيل بن عبد الوهاب بن محمد بن عطية اللخمي، المنفرد بكرامات الأولياء عن مظفر الفوى. من أبناء الثمانين.
سنة خمس عشرة وسبعمائة
في أولها سار نائب دمشق بجيوش الشام وقطع الدربند إلى ملطية فافتتحها. وسبيت الذراري وعدد من المسلمات، وعم النهب.، فلله الأمر، وأحرقوا في نواحيها. وفارقوها بعد ثلاث.
وقدم قاضيها فأعطي تدريس الخاتونية البرانية، وشيخ الصوفية.
وقتل بملطية عدة من النصارى.
ودرس بالأتابكية قاضي القضاة ابن صصرى وبالظاهرية ابن الزملكاني بعد الصفي الهندي.
وقدم بغداد قراسنقر المنصوري بزوجته الخاتون بنت آبغا، وعزم أن يعبر على الشام، فما مكنه خربندا.
وكمل بناء القيسارية والسوق قبل سوق الخواتين، وكان بقعة ذلك ساحة وطاحونا.
وقتل أحمد الرويس الأقباعي بدمشق لاستحلاله المحارم وتعرضه للنبوة. وكان له كشف وإخبار عن المغيبات، فضل به الجهلة. وكان يقول: أتاني النبي ﷺ وحدثني. وكان يأكل الحشيشة ويترك الصلاة، وعليه قباء.
ومات سلطان الهند علاء الدين محمود، أو في السنة الماضية، وتسلطن بعده ابنه غياث الدين.
ومات بالموصل العلامة المتكلم النحوي السيد ركن الدين حسن ابن شرف شاه الحسيني الأسترابادي صاحب التصانيف. توفي في المحرم وقد شاخ. وكان يبالغ في التواضع ويقوم لكل أحد حتى للسقاء. وكان لا يحفظ القرآن إلا بعضه. وكانت جامكيته في الشهر ألفا وثمانمائة درهم.
ومات بدمشق الزاهد محيي الدين علي بن محتسب دمشق فخر الدين محمود بن سيما السلمي، في صفر ببستانه، عن أربع وثمانين سنة. روى عن أبيه حضورا، وعن ابن عبد الدايم.، وأجاز له ابن دحية والإربلي وجماعة. وكان خيرا دينا منقطعا عن الناس، رحمه الله.
ومات بدمشق مدرس الظاهرية والأتابكية العلامة شيخ الشيوخ صفي الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم الأرموي، ثم الهندي الشافعي، في صفر، عن إحدى وسبعين سنة. ولد بالهند، وتفقه بها على جده لأمه الذي توفى سنة ستين وستمائة. وسار من دلي في سنة سبع وستين إلى اليمن، ثم حج وجاور ثلاثة أشهر، وجالس ابن سبعين، ثم قدم مصر، ودخل الروم فأقام بها إحدى عشرة سنة بقونية وغيرها. ودرس وتميز واجتمع بالسراج الأرموي، ثم قدم دمشق سنة خمس وثمانين. وسمع من ابن البخاري، وتصدر للإفادة وناظر وصنف. وأخذ عنه ابن الوكيل والفخر المصري والكبار. وكان ذا دين وتعبد وإيثار وخير وحسن اعتقاد. وكان يحفظ ربع القرآن.
ومات بمصر العلامة المفتي شمس الدين بن العونسي محمد بن أبي القاسم ابن جميل الربعي المالكي، وله ست وسبعون سنة. ولي قضاء الإسكندرية مدة.
ومات بحلب تاج الدين أبو المكارم محمد بن الشيخ كمال الدين أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن النصيبي، عن أربع وسبعين سنة. مكثر عن يوسف ابن خليل.، وكان مدرس العصرونية، ووكيل بيت المال، وولي مرة نظر الأوقاف، وكتابة الإنشاء.
ومات في ذي القعدة فجأة قاضي القضاة مسند الشام تقي الدين أبو الفضل سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي، وله ثمان وثمانون سنة. روى الصحيح عن ابن الزبيدي حضورا. وسمع من ابن اللتي وجعفر وابن المقير وكريمة وابن الجميزي والحافظ الضياء، وأجاز له عمر بن كرم وأبو الوفا محمود بن مندة وشهاب الدين السهروردي. وله معجم في مجلدين، عمله ابن الفخر، وكان بصيرا بالمذهب دينا متعبدا متواضعا كثير المحاسن واسع الرواية، أفتى نيفا وخمسين سنة. وتخرج به الفقهاء.
ومات في ذي الحجة بمصر العدل المعمر عز الدين أبو الفتح موسى بن علي بن أبي طالب العلوي الموسوي الدمشقي الحنفي، وله سبع وثمانون سنة. روى عن الإربلي حضورا، وعن مكرم والسخاوي وابن الصلاح وجماعة. وتفرد، ورحل إليه.
ومات في ذي الحجة العدل ناصر الدين محمد بن يوسف بن محمد بن المهتار نقيب الحاكم، عن تسع وسبعين سنة. سمع المرجا بن شقيرة، ومكي وابن علان وأبا عمرو بن الصلاح وعدة. وله مشيخة وأجاز له ظافر ابن شحم وابن المقير، وتفرد بأشياء.
سنة ست عشرة وسبعمائة
ولي القاضي حسام الدين القرمي قضاء طرابلس. وشمس الدين بن مسلم قضاء الحنابلة بدمشق. ودخل مهنا إلى الشرق فأكرمه خربندا إلى الغاية، فقيل: لم يقبل منه إلا اليسير، والتزم بحفظ البلاد من الغارات. وولي وكالة الشام ابن الشريشي جمال الدين.
ومات العدل الرئيس شمس الدين عبد القادر بن يوسف بن مظفر بن الخطيري الدمشقي. ولي نظر الخزانة، ونظر الجامع، ونظر المارستان، وحدث عن ابن رواج، وبالإجازة عن علي بن الجمل، وابن الصفراوي وطائفة. وعاش إحدى وثمانين سنة. توفي في جمادى الأولى. وكان دينا، صينا، أمينا، وافر الجلالة.
ومات نائب طرابلس كشتيه الناصري. ومات الأديب البارع المحدث علاء الدين علي ابن مظفر ابن إبراهيم الكندي، ويعرف بكاتب ابن وداعة، عن ست وسبعين سنة. تلا بالسبع على العلم القاسم وغيره. وسمع من البكري، وإبراهيم بن خليل وطبقتهما، ونسخ الأجزاء. وكان من جياد الطلبة على رقة في دينه، وهنات. وله النظم، والنثر وحسن الكتابة. ولي مشيخة النفيسة مدة وكتابة الإنشاء ووقف التذكرة الكندية.
ومات العلامة النجم سليمان بن عبد القوي الطوفي الحنبلي الشيعي الشاعر، صاحب شرح الروضة، وكان على بدعته كثير العلم عاقلا متدينا. مات ببلد الخليل كهلا.
وماتت مسندة الوقت ست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجا التنوخية في شعبان فجأة عن اثنتين وتسعين سنة. روت عن أبيها القاضي شمس الدين وابن الزبيدي. وحدثت بالصحيح ومسند الشافعي بدمشق ومصر مرات. وكانت على خير.
ومات سلطان التتار غياث الدين خربندا بن أرغون بن آبغا بن هولاكو، هلك من هيضة في آخر رمضان ولم يتكهل. وكانت دولته ثلاث عشرة سنة. وتملك بعده ابنه أبو سعيد.
ومات المعمر المقرئ المسند صدر الدين أبو الفدا إسماعيل بن يوسف ابن مكتوم بن أحمد القيسي الدمشقي، بدمشق في شوال، عن ثلاث وتسعين سنة. سمع ابن اللتي ومكرما وابن الشيرازي والسخاوي، وقرأ عليه بثلاث روايات. وكان فقيها بالمدارس ومقرأ بالزويزانية. وله أملاك. وتفرد بأجزاء.
ومات بدمشق شيخ التجويد نجم الدين موسى بن علي الكاتب بن البصيص عن خمس وستين سنة.
وماتت بحماة أم أحمد فاطمة بنت النفيس محمد بن الحسين بن رواحة. روت أجزاء عن عمها بمصر وطرابلس. سمعنا منها.
ومات الشيخ العلامة ذو الفنون صدر الدين محمد بن الوكيل خطيب دمشق زين الدين عمر بن مكي بن المرحل الشافعي بمصر، في الرابع والعشرين من ذي الحجة، وله إحدى وخمسون سنة وثلاثة أشهر. ولد بدمياط، ونشأ بدمشق. وسمع من ابن علان والقاسم الإربلي. وأفتى وله اثنتان وعشرون سنة. وحفظ المقامات في خمسين يوما، وتخرج به الأصحاب. وكان أحد الأذكياء، وله نظم رائق ومزاح، عفا الله عنه.
ومات بسبتة عالمها المقرئ النحوي ذو العلوم أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد أبن عيسى الغافقي الإشبيلي، وله خمس وسبعون سنة. سمع التيسير من ابن جوبر بسماعه من ابن أبي جمرة، وبحث كتاب سيبويه على ابن أبي الربيع، وتلا بالسبع. وله تصانيف وجلالة وتلامذة.
سنة سبع عشرة وسبعمائة
فيها عمل جامع النائب، وتنازع العلماء في إقامة قبلته، ثم ترخصوا في انحرافه مغربا.
وفي صفر الزيادة العظمى ببعلبك، فغرق في البلد مائة وبضعة وأربعون نسمة، وخرق السيل سورها الحجارة مساحة أربعين ذراعا، ثم تدكدك بعد مكانه بمسيرة نحو من خمسمائة ذراع، فكان ذلك آية بينة. وتهدم من البيوت والحوانيت نحو ستمائة موضع.
وفيها قدم السلطان إلى غزة وإلى الكرك ثم رجع.
وفيها ظهر جبلي ادعى أنه المهدي بجبلة، وثار معه خلق من النصيرية والجهلة فقال: أنا محمد المصطفى. ومرة قال: أنا علي. وتارة قال: أنا محمد بن الحسن المنتظر. وزعم أن الناس كفرة، وأن دين النصيرية هو الحق، وأن الناصر صاحب مصر قد مات. وعاثوا بالساحل واستباحوا جبلة، ورفعوا أصواتهم بقول: لا إله إلا علي، ولا حجاب إلا محمد، ولا باب إلا سلمان. ولعنوا الشيخين، وخربوا المساجد، وكانوا يحضرون المسلم إلى طاغيتهم ويقولون: اسجد لإلهك. فسار إليهم عسكر طرابلس وقتل الطاغية وجماعة وتمزقوا.
وفيها أعيدت إمرة العرب إلى مهنا. وفي أول جمادى الأولى جلس على تخت الملك السلطان أبو سعيد بن خربندا بالسلطانية، وهو ابن إحدى عشرة سنة.
وفيه سار السلطان الملك الناصر إلى القدس، وزار الخليل عليه السلام، ودخل الكرك وتصيد، ثم رجع.
ومات المحدث الإمام الشيخ علي بن محمد الجبني الصوفي في المحرم عن سبع وأربعين سنة. روى عن الفخر علي، وتاج الدين الفزاري. وكان دينا تقيا مؤثرا كثير المحاسن.
وقتل وزير التتار ومدبر دولتهم رشيد الدولة فضل الله بن أبي الخير الهمذاني الطبيب، كان أبوه يهوديا عطارا، فاشتغل هذا في المنطق والفلسفة وأسلم، واتصل بقازان، وعظم في دولة خربندا بحيث أنه صار في رتبة الملوك. قام عليه الوزير علي شاه وغوث بأنه الذي قتل القان خربندا لكونه أعطاه على هيضة مسهلا فتقيأ، فخارت قواه. فاعترف وبرطل جوبان بألف ألف دينار، فما نفع بل قتل هو وابنه. وكان يوصف بحلم ولطف وسخاء ودهاء. فسر القرآن فشحنه بآراء الأوائل. وعاش نيفا وسبعين سنة. وقيل: بل كان جيد الإسلام وهو والد الوزير المعظم محمد بن الرشيد.
ومات بدمشق قاضي المالكية المعمر جمال الدين محمد بن سليمان بن سومر الزواوي عن بضع وثمانين سنة. وبقي قاضيا ثلاثين سنة. وأصابه فالج سنوات، ثم عجز، فجاء على منصبه قبل موته بعشرين يوما العلامة فخر الدين أحمد بن سلامة الإسكندراني. حدثنا الزواوي عن الشرف المرسى وابن عبد السلام.
ومات شمس الدين محمد بن الصلاح موسى بن محمد بن خلف بن راجح الصالحي الحنبلي، في جمادى الآخرة في عشر الثمانين. سمع من ابن قميرة والرشيد بن مسلمة وجماعة. وله نظم جيد.
ومات القاضي الأثير شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله بن مجلي العدوي، كاتب السر بمصر، ثم بدمشق، في رمضان عن أربع وتسعين سنة. وكان دينا، عاقلا، وقورا، ناهضا بفنه، مشكورا، مليح الخط والإنشاء. روى عن ابن عبد الدايم. رثاه شهاب الدين محمود الذي ولي بعده كتابة السر، وعلاء الدين بن غانم وجمال الدين بن نباتة. وخلف أموالا.
ومات بعده بيسير بمصر القاضي الأديب علاء الدين علي بن الصاحب فتح الدين محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان السعدي الجذامي، من كبار المنشئين وعلمائهم. ورثاه الشهاب محمود بقصيدة أولها:
الله أكبر أي ظل زالا... عن آمليه وأي طود مالا
أنعي إلى الناس المكارم والندا... والجود والإحسان والإفضالا
ومات المفتي شرف الدين حسين بن الكمال علي بن سلام الدمشقي، مدرس العذراوية وغيرها. وكان من الأذكياء.
ومات بمصر رفيقنا المحدث الرئيس فخر الدين عثمان بن بلبان المقاتلي، معيد المنصورية عن اثنتين وخمسين سنة. حدث عن أبي حفص بن القواس وطبقته، وارتحل، وحصل، وكتب، وخرج. وكان يحفظ أحزابا من القرآن، ولكنه نديم أخباري.
ومات المقرئ زين الدين محمد بن سليمان بن أحمد بن يوسف الصنهاجي المراكشي ثم الإسكندراني إمام مسجد قداح. سمع من ابن رواج ومظفر بن الفوي.، توفي في ذي الحجة.
سنة ثمان عشرة وسبعمائة
كان القحط المفرط بالجزيرة وديار بكر، وأكلت الميتة، وبيعت الأولاد، وجلا الناس. ومات بعض الناس من الجوع، وجرى ما لا يعبر عنه. وكان أهل بغداد في قحط أيضا دون ذلك. وجاءت بأرض طرابلس زوبعة أهلكت جماعة، وحملت الجمال في الجو.
وأبعد السلطان أكبر أمرائه طغية إلى نيابة صفد، ثم إنه أمسكه وأمسك جماعة أمراء.
ومات في صفر بزاويته الإمام القدوة، بركة الوقت، الشيخ محمد بن عمر ابن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام البالسي عن سبع وستين سنة. روى لنا عن أصحاب ابن طبرزد. وكان محمود الطريقة، متين الديانة.
ومات بمصر قاضي المالكية زين الدين علي بن مخلوف بن ناهض النويري عن ثلاث وثمانين سنة. وكانت ولايته ثلاثا وثلاثين سنة من بعد ابن شاس. حدث عن المرسي وغيره. وكان مشكور السيرة. وولي بعده تقي الدين بن الإخنائي.
ومات بالقاهرة الجلال محمد بن محمد بن عيسى بن الحسن القاهري، طباخ الصوفية. حدث عن ابن قميرة وابن الجميزي والساوي وطائفة.
ومات بدمشق الإمام الكبير أبو الوليد محمد بن أبي القاسم أحمد بن القاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن الحاج التجيبي القرطبي، إمام محراب المالكية ووالد إمامه، في رجب، وله ثمانون سنة. وكان من العلماء العاملين، ومن بيت فضل وجلالة. حدثنا عن الفخر بن البخاري.
ومات في رمضان شيخ تبريز الإمام القدوة، القانت المذكر، تاج الدين عبد الرحمن بن محمد بن أفضل الدين أبي حامد التبريزي الأفضلي الشافعي الواعظ، أدركه أجله بعد حجه ببغداد كهلا.
ومات مسند الوقت الصالح أبو بكر بن المسند زين الدين أحمد بن عبد الدايم بن نعمة المقدسي في رمضان، عن ثلاث وتسعين سنة وأشهر. سمع حضورا في سنة سبع وعشرين، وسمع من ابن الزبيدي والناصح والإربلي والهمذاني وسالم بن صصرى وطائفة. وتفرد. وكان ذا همة وجلادة وذكر وعبادة، لكنه أضر وثقل سمعه.
ومات في شوال بطريق الحجاز العلامة المفتي كمال الدين أحمد بن الشيخ جمال الدين محمد بن أحمد بن الشريشي الوائلي البكري الشافعي، وكيل بيت المال، وشيخ دار الحديث، وشيخ الرباط الناصري، عن خمس وستين سنة. حدث عن النجيب وغيره.
ومات بدمشق شيخ القراء والنحاة والبحاثين، مجد الدين أبو بكر بن محمد بن قاسم التونسي الشافعي، في ذي القعدة، عن اثنتين وستين سنة. أخذ القراءات والنحو عن الشيخ حسن الراشدي، وتصدر بتربة الأشرفية، وبأم الصالح. وتخرج به الفضلاء. وكان دينا صينا ذكيا. حدثنا عن الفخر علي.
وماتت بالصالحية زينب بنت عبد الله بن الرضى، عن نيف وثمانين سنة. روت عن الحافظ الضياء وتفردت بأجزاء.
ومات الشهاب المقرئ الجنائزي أحمد بن أبي بكر ابن حطة البغدادي أبوه، الدمشقي، صاحب الألحان والصوت الطيب. وله نظم ونثر وفضائل وظرف ومنادمة تقرأ قدام الوعاظ. عاش خمسا وثمانين سنة. توفي في ذي القعدة.
ومات في ذي الحجة بدمشق قاضي المالكية العلامة الأصولي البارع فخر الدين أحمد بن سلامة بن أحمد الإسكندراني عن سبع وخمسين سنة. كان حميد السيرة، بصيرا بالعلم محتشما.
سنة تسع عشرة وسبعمائة
ولي الوكالة القاضي جمال الدين أحمد بن القلانسي. ودرس بالناصرية ابن صصرى، كلاهما بعد ابن الشريشي، وشرعوا في الصحيح. وقل الغيث بدمشق فاستسقوا، وعين للخطبة خطيب العقيبة الشيخ القدوة صدر الدين تلميذ النووي، وصلى بالناس بوطأة طبريا، ثم سقوا.
وعزل القرماني عن حمص، بسيف الدين البدري. وسمر بيليك غلام رئيس المزة، وشنقت زوجته خنقا أمرارا ثلاثة، ثم قتل المسمر في ثامن يوم.
وقدم على قضاء المالكية شرف الدين محمد ابن قاضي القضاة معين الدين أبي بكر بن ظافر الهمذاني النويري، ونائبه شمس الدين القفصي.
واختلفت التتار وكرهوا نائب أبي سعيد جوبان والتقوا، فقتل بينهم أكثر من عشرين ألفا، والسبب أن القان انحصر من نائبه لاستبداده بالأمور وحجر عليه في أشياء، فتنفس إلى خاله إيرنجي وإلى قرمشي ودقماق فقالوا: نحن نقتل جوبان. واتفقوا على كبسته، وانضم إليه أمراء، فعمل قرمشي لجوبان دعوة، ففهم واحترز، وهرب ليلا في نفر، وأقبل قرمشي فلم يجده، فوقع القتال، وقتل نحو الثلاثمائة. ثم ساق قرمشي خلف جوبان، ووصل جوبان إلى مرند فأكرمه متوليها، وأمده بخيل ورجال، وقصد تبريز فتلقاه علي شاه الوزير وقبل الأرض له وذهب معه إلى أبي سعيد، فاعتذر أبو سعيد ولعن أولئك، وقال الوزير له: يا ملك الوقت، جوبان والد مشفق وهؤلاء يحسدونه، ولو قتلوه لتمكنوا منك وتعجز عنهم، فجمع القان العساكر وأقبل من الروم دمرتاش بن جوبان، وأقبل قراسنقر بجموعه في زي عساكر الشام، وسار معهم القان، فالتقى الجمعان، وذل إيرنجي لما رأى القان عليهم، ثم انكسر وقتلت أبطاله، ثم أسر هو وقرمشي ودقماق وأخوه، وعقد لهم مجلس فقالوا: ما عملنا شيئا إلا بأمر الملك، وحاققوا أبا سعيد فصمم وكذبهم. وقال إيرنجي: هذا خطك معي. فجحد وسلمهم إلى جوبان فعذبهم وقتلهم، وتمكن. وكان إيرنجي جبارا ظالما، ولي الروم ثم العراق. وكان أبوه البياخ نائب القان أرغون. وقيل إن جوبان أباد سبعة وثلاثين أميرا ممن خرج عليه، واستباح أموالهم. وكان دقماق دينا متصدقا حسن الإسلام محبا في العرب. ثم خمدت الفتنة بعد استئصال كبار المغل.
وفي رمضان جاء بدمشق سيل عظيم وذهب كثير من مساطب السفرجل، ولم أر قط ماء أعكر منه، لعل في الرطل منه ثلاث أواق تراب. فخنق سمك بردى وطفا، فأخذه الناس. ثم بعد يوم فرغ الماء وعاد وادي مرج شعبان يبسا كما كان. وكانت سنة قليلة المياه حتى نشفت قناة زملكا.
وجاء كتاب سلطاني بمنع ابن تيمية من فتياه بالكفارة في الحلف بالطلاق، وجمع له القضاة، وعوتب في ذلك، واشتد المنع. فبقي أتباعه يفتون بها خفية.
وحج مولانا السلطان من مصر.
وفيها كانت الملحمة العظمى بالأندلس بظاهر غرناطة، فقتل فيها من الفرنج أزيد من ستين ألفا، ولم يقتل من عرف من عسكر المسلمين سوى ثلاثة عشر نفسا. إن في ذلك لآية. فلله الحمد على هذا النصر المبين. واشتهرت هذه الكائنة وصحت لدينا، ونقلها جماعة، منهم رفيقنا المحدث أبو عبد الله بن ربيع، وكان هناك على بيع الغنيمة فقال: لما بلغ العدو حال السلطان الغالب بالله أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن الأحمر، وأنه محصن لبلاده استنفروا من جميع بلادهم، ودخل دونبترة صاحب قشتالة إلى الباب بطليطلة فأذن له وقوى عزمه ليستأصل ما بقي بالأندلس للمسلمين. فاستنجد ابن الأحمر بصاحب فاس المريني، فلم يتحرك ولجأ الخلق إلى الله، واستغاثوا به، فأقبل الكفر في جيش ناهيك أنه اشتمل على خمسة وعشرين سلطانا، وأتوا غرناطة، ونزلوا على نهر شنيل ممتدين، فعزم السلطان ابن الأحمر على أمير جيوشه الصالح المجاهد أبي سعيد عثمان بن أبي العلا أن يبرز إليهم بالعسكر في نصف ربيع الآخر، وذلك يوم عيد العنصرة للعدو، وخرج من رجالة غرناطة نحو خمسة آلاف من المطوعة، فعزم عليهم أبو سعيد أن يرجعوا حياطة لهم، وأن يكون طريق الخيل لهم مصاحبا لكونه أمنع، وأوصاهم أن يثبتوا بمكان عينه لهم، وترجل أبو سعيد وبكى وسجد، فضج الخلق بالدعاء وحرك الفرسان الحرب، فاستشهد أمير رندة، فجاشت لمصرعه نفوس الأبطال وحمي القتال، ووجه أبو سعيد إلى الرجالة أن يسرعوا إلى خيام العدو، فبادروا، ونزل الخذلان على عباد الصليب، وعمل فيهم السيف أكثر النهار، وحاز المسلمون غنيمة لم نسمع بمثلها، وقتلت ملوكهم الكل، وأقل ما قيل أن عدد القتلى خمسون ألفا، ومنهم طاغيتهم الأكبر دونبترة. فصبر وعلق على باب غرناطة.، ورتب للأسارى ولمن يحرسهم كل يوم خمسة آلاف درهم. وقيل كان عدة فرسان المسلمين ألفين وخمسمائة،. وقيل أقل من ذلك. وذلت النصارى والتمسوا عقد هدنة. وعندي هذه الغزوة المباركة مطولة مفصلة صحيحة.
ومات بدمشق في المحرم الشيخ عبد الرحيم بن يحيى بن عبد الرحيم بن مسلمة القلانسي المقرئ عن سبع وسبعين سنة. وله مشيخة. حدثنا عن عمه الرشيد بن مسلمة وابن علان وجماعة، وعن السخاوي حضورا. وكان فيه خير وقناعة.
وماتت بحماه نخوة بنت محمد بن عبد القاهر بن النصيبي. روت لنا عن يوسف بن خليل.
ومات بدمشق القاضي المفتي شيخ القراء شهاب الدين حسين بن سليمان ابن فزارة الكفري الحنفي في شعبان، عن اثنتين وثمانين سنة. تلا بالسبع على علم الدين القاسم. أخذ عنه خلق. وحدث عن ابن طلحة وغيره. وكان دينا خيرا عالما فقيها.
ومات بدمشق الأمير سيف الدين غرلو العادلي الذي استنابه أستاذه العادل كتبغا على دمشق في آخر سنة خمس وتسعين. وكان أحد الشجعان العقلاء. وله تربة مليحة بقاسيون.
ومات بدمشق غريبا الإمام الصدر كبير الرؤساء بدر الدين محمد بن منصور الحلبي ثم المصري ابن الجوهري، وله سبع وستون سنة. روى عن ابن إبراهيم بن خليل، والكمال الضرير، وجماعة. وتلا بالسبع وتفقه. وكان فيه دين ونزاهة ويذكر للوزارة.
ومات بمصر شيخها الإمام القدوة العابد أبو الفتح نصر بن سليمان المنبجي المقرئ بزاويته بالحسينية، في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة. حدث عن إبراهيم بن خليل وجماعة. وتلا بثلاث على الكمال الضرير، وتفقه وانعزل، ثم اشتهر وزاره الأعيان، وكان الجاشنكير الذي تسلطن يتغالى في حبه. وله سيرة ومحاسن جمة، إلا أنه كان يغلو في ابن العربي ونحوه، ولعله ما فهم الاتحاد.
ومات مسند الوقت شرف الدين عيسى بن عبد الرحمن بن معالي بن أحمد الصالحي المطعم في الأشجار، ثم السمسار في العقار، في ذي الحجة عن أربع وتسعين سنة. سمع الصحيح بفوت من ابن الزبيدي، وسمع من الإربلي حضورا، وسمع من ابن اللتي وجعفر وكريمة والضياء، وتفرد، وتكاثروا عليه. وكان أميا عاميا.
ومات بمالقة شيخها العلامة أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الرحمن ابن ربيع القرطبي، عن ثلاث وتسعين سنة. تفرد بالسماع من الدباج، وأبي علي الشلوبين والكبار.
سنة عشرين وسبعمائة
حج مع السلطان الأمير عماد الدين الأيوبي فسلطنه السلطان على حماة، ولقب بالملك المؤيد.
وقتل بمصر إسماعيل بن سعيد الكردي المقرئ على الزندقة وسب الأنبياء. وقتل بدمشق عبد الله الرومي الأزرق مملوك التاجي، ادعى النبوة وأصر.
وعمل عقد السلطان على أخت أزبك التي قدمت في البحر. وخلع على الكريم، وابن جماعة، وكاتب السر وغيرهم.
وغضب السلطان على آل فضل، واحتيط على إقطاعهم بعد أن أعطاهم قناطير من الذهب، بحيث أنه أعطاهم في عام أول ألف ألف وخمسمائة ألف درهم.
وغزا الجيش بلاد سيس، لكن غرق في نهر جهان منهم خلق.
وحبس بقلعة دمشق ابن تيمية لإفتائه في الطلاق.
وأمسك نائب غزة الجاولي.
وجاء بالسلطانية برد كبار وزنت منه واحدة ثمانية عشر درهما فاستغاث الخلق وبكوا، فأبطلت الفاحشة، وبددت الخمور أجمع بهمة علي شاه الوزير، وزوج من العواهر خمسة آلاف في نهار واحد. وشقق آلاف من الظروف.
وأنشئ الجامع الكريمي بالقبيبات، وسيق إليه ماء كثير.
وحج الرجبيوون، منهم الفخر المصري والواني وأبوه البرهان وابن الفخر والنويري والموفق الحنبلي وشمس الدين الحارثي.
ثم حج من مصر ابن الحريري وابن عوض القاضيان والمجد حرمي وشيخ الحنفية الفخر التركماني ونائب المملكة أرغون والفخر كاتب المماليك. فكانت محامل المصريين بضعة وعشرين محملا.
وحج العراقيون بسبيل ومحمل سلطاني عليه من الذهب والجواهر ما قوم مائتين وخمسين ألف مثقال.
وحج الشيخ صدر الدين بن حمويه، وابن عبد المحسن، ومدرس المستنصرية ابن العاقولي، وابن منتاب، وخال السلطان أبي سعيد في كبار من المغول، وصاحب هراة غياث الدين. وكان الصلح والهدايا بين سلطان الإسلام وأبي سعيد، واطمأن الناس، ولله الحمد. فمن هدية أبي سعيد على يد ابن ياقوت: سيف المعتصم، وخوذة مكفتة عليها كثير من القرآن، وخيمة سقلاط، وخركاه مجوهرة، وبخاتي، ومماليك، وجوار، وثياب. وكانت وقفة عرفة الجمعة باتفاق. وكان الوفد لا يحصون كثرة في مقدار العادة ثلاث مرات أو أكثر.
ومات بمصر القاضي الإمام المعمر زين الدين أبو القاسم محمد بن العلم محمد بن الحسين بن عتيق بن رشيق المالكي، في المحرم عن اثنتين وتسعين سنة. ولي قضاء الإسكندرية اثنتي عشرة سنة. وذكر لقضاء دمشق. حدثنا عن ابن الجميزي، وله نظم وفضائل.
ومات في ربيع الآخر بمصر المعمر المقرئ الرحلة أبو علي الحسن بن عمر بن عيسى الكردي الدمشقي بن فراش تربة أم الصالح، عن نيف وتسعين سنة. سمع من ابن اللتي كثيرا وهو حاضر، والموطأ من المكرم وسمع من السخاوي وقرأ عليه ختمة. سكن بالجيزة زمانا يرتزق ببيع ورق ظهر في سنة اثنتي عشرة. وثقل سمعه بآخره، بحيث أنه حدث بالأول من حديث ابن السماك تلقينا. وكان رأس ماله نحوا من درهمين ثم وصلوه بدراهم، منها في مرة مائة درهم، وأكثروا عنه.
ومات العدل الفقيه كمال الدين عبد الرحيم بن عبد المحسن بن حسن ابن ضرغام الكناني المصري الحنبلي المنشاوي، في ربيع الآخر، وله ثلاث وتسعون سنة. وكان خطيب جامع المنشية. حدثنا عن السبط. اختلط قبل موته بنحو من أربعة أشهر، فما إخاله حدث فيها.
وقتل حميضة بن أبي نمي الحسني صاحب مكة كان، ثم نزع الطاعة فتولى أخوه عطيفة. قتله جندي التصق إليه بالبرية غيلة، ثم قتله السلطان لغدره.
ومات بمصر المحدث العدل الكبير شرف الدين يعقوب بن أحمد بن الصابوني، عن ست وسبعين سنة. حدثنا عن ابن عزون وابن علاق وكتب وقرأ وحصل، وتميز في كتابة السجلات. وولي مشيخة المنكودمرية.
ومات بدمشق النحوي اللغوي الأديب البارع شمس الدين محمد بن حسن بن سباع الجذامي المصري، ثم الدمشقي الصايغ عن خمس وسبعين سنة. وله النظم والنثر والتصانيف. تخرج به فضلاء.
ومات بمصر القاضي الصدر فخر الدين أبو الهدى أحمد بن إسماعيل بن علي بن الحباب الكاتب، تفرد بأجزاء عن سبط السلفي. عاش سبعا وسبعين سنة.
ومات بدمشق المسند الجليل شرف الدين أبو الفتح محمد بن عبد الرحيم بن عباس القرشي التاجر الحريري ابن النشو، في شوال عن ثمانين سنة. حدثنا عن ابن رواج والساوي وابن الجميزي وابن الحباب. وتفرد بعوال.
ومات بحلب يوم الفطر الشرف عبد الرحيم بن محمد بن أبي طالب عبد الرحمن بن العجمي، المعروف بالتتاري لأنه أسر بأيدي التتار من حلب وقدمها بعد خمسين سنة. سمع من يوسف بن خليل جزء محمد بن عاصم حضورا. وسمع من جده والضياء صقر ومحمد بن أبي القاسم القزويني. عاش بضعا وسبعين سنة.
ومات في شوال بدمشق المعمر الصالح أمين الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله الأسدي الحلبي الصفار عن نيف وتسعين سنة. حدثنا عن صفية القرشية، وشعيب الزعفراني، والساوي، وابن خليل. وتفرد وأكثروا عنه.
سنة إحدى وعشرين وسبعمائة
فيها أطلق ابن تيمية بعد حبس خمسة أشهر.
وأقبلت الحرامية في جمع كثير فنهبوا في بغداد علانية سوق الثلاثاء، فانتدب لهم عسكر فقتلوا فيهم مقتلة نحو المائة، وأسروا جماعة.
وأنشئ بالقابون جامع مليح بأمر كريم الدين.
وكان بالقاهرة الحريق الكبير المتتابع، وذهبت الأموال ودام أياما في أماكن، ثم ظفر بفاعليه، جماعة من النصارى يعملون قوارير ينقدح ما فيها ويحرق. فقتل جماعة وكان أمرا مزعجا. قيل: فعلوا ذلك لإخراب كنيسة لهم.
وأخرب ببغداد بازار الفاحشة، وأريقت الخمور، ثم قتل اثنان لإخفائهما الخمر. وجدد بمسجد القصب جمعة. وأخربت كنيسة اليهود.
وحج نائب دمشق وفي صحبته خطيب البلد جلال الدين، والقاضي جلال الدين الحنفي، والصاحب عز الدين حمزة، وقاضي الركب النجم الدمشقي، وعلم الدين البرزالي.
ومات شيخ الشيعة بدمشق وفاضلهم، محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم الهمذاني ثم الدمشقي السكاكيني في صفر عن ست وثمانين سنة. وكان لا يغلو ولا يسب معينا، ولديه فضائل. روى عن ابن مسلمة والعراقي ومكي بن علان. وتلا بالسبع، وله نظم كثير. وأخذ عن أبي صالح الحلبي الرافضي. وأخذه معه منصور صاحب المدينة فأقام بها سنوات، وكان يتشيع به سنة، ويتسنن به رافضة. وفيه اعتزال.
ومات بالفيوم خطيبها الرئيس الأكمل المحتشم مجد الدين أحمد بن القاضي معين الدين أبي بكر الهمداني المالكي صهر الوزير تاج الدين بن حنا. وكان يضرب به المثل في السؤدد والمكارم، عزى به الناس أخاه قاضي القضاة شرف الدين المالكي.
ومات بمردا المعمر عبد الله بن أبي الطاهر بن محمد، خاتمة من سمع من الحافظ الضياء.
ومات بجوبر الشيخ مجد الدين إسماعيل بن الحسين بن أبي التائب الأنصاري الكاتب. روى عن مكي بن علان والرشيد العراقي وجماعة. وطلب بنفسه، وأخذ في النحو عن ابن مالك.
ومات بمصر الرئيس تاج الدين أحمد بن المجير محمد بن الشيخ كمال الدين علي بن شجاع القرشي العباسي في جمادى الأولى، وله تسع وسبعون سنة. روى عن جده الكمال الضرير وابن رواج والسبط. حدث بالكرك لما ولي نظرها.
ومات بمكة في جمادى الآخرة العارف الكبير الشيخ نجم الدين عبد الله بن محمد بن محمد الأصبهاني الشافعي، تلميذ الشيخ أبي العباس المرسي، عن ثمان وسبعين سنة. جاور بمكة مدة، وما زار النبي ﷺ فيما انتقد عليه الشيخ علي الواسطي. رحمهما الله.
ومات بدمشق العدل المسند بهاء الدين إبراهيم بن المفتي شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن نوح بن المقدسي الدمشقي في جمادى الآخرة عن اثنتين وثمانين سنة. حدثنا عن ابن مسلمة وابن علان والمرسي، وله أوقاف على البر. وفيه خير وتصون.، وكان يكره فعائل أخيه ناصر الدين المشنوق.
ومات العدل المسند علاء الدين علي بن يحيى بن علي بن الشاطبي الدمشقي الشروطي، في رمضان، عن خمس وثمانين سنة. روى شيئا كثيرا. سمع ابن مسلمة وابن علان والمجد الإسفراييني وعدة، وتفرد.
ومات كبير الحجاب زين الدين كتبغا، رأس النوبة بدمشق، وكان فيه كرم وخير.
ومات في ذي الحجة صاحب اليمن الملك المؤيد هزبر الدين داود بن الملك المظفر يوسف بن عمر التركماني بتعز. وكانت دولته بضعا وعشرين سنة. وكان عالما، فاضلا، سائسا، شجاعا، جوادا، له كتب عظيمة نحو مائة وألف مجلد. وكان يحفظ التنبيه وغير ذلك.
ومات بدمشق الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان بن مشرف بن رزين الأنصاري الدمشقي الكناني، ثم الخشاب المعمار، في ذي الحجة عن اثنتين وتسعين سنة. روى عن التقي بن العز وغيره. وبالإجازة عن ابن اللتي وابن المقير وابن الصفراوي، وتفرد.
ومات بمصر المحدث الرحال تقي الدين محمد بن عبد الحميد بن محمد الهمذاني ثم المصري المهلبي، عن نيف وسبعين سنة. حمل عن إسماعيل بن عزون والنجيب وطبقتهما. وحصل وتعب، ثم انقطع ولزم المنزل مدة لم أره، وكان صوفيا. ارتحل وسمع من ابن أبي الخير. ساء خلقه.
ومات بالصالحية مسند الوقت سعد الدين يحيى بن محمد بن سعد المقدسي في ذي الحجة عن تسعين سنة وتسعة أشهر. روى عن ابن اللتي حضورا، وعن جعفر والمرسي وطائفة. وأجاز له ابن روزبة والقطيعي وعدة. وتفرد واشتهر اسمه، مع الدين والسكينة والمروءة والتواضع. وتفرد بإجازة ابن صباح فيما أرى. وهو والد المحدث شمس الدين.
ومات عالم المغرب الحافظ العلامة أبو عبد الله بن رشيد الفهري في المحرم بفاس، عن أربع وستين سنة.
سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة
درس بالظاهرية القحفازي بعد موت ابن العز الحنفي.
وفيها حوصرت آياس وأخذت.
ومات بدمشق المسند أبو عبد الله محمد بن المحب علي بن أبي الفتح بن السنجاري الدمشقي، في رمضان عن إحدى وثمانين سنة. سمع ابن علان والرشيد العراقي والبلخي. وخرجوا له مشيخة.
ومات المسند المعمر الإمام محيي الدين محمد بن عدنان بن حسن الحسيني الدمشقي المؤدب. ولي نظر الحلق والسبع مدة. وكان عابدا كثير التلاوة جدا، تخضع له الشيعة. وهو والد النقيبين زين الدين حسين، وأمين الدين جعفر. وجد النقيب ابن عدنان وابن عمه. عاش ثلاثا وتسعين سنة. وكان له معرفة وفضيلة. وفيه انجماع وانقباض عن الناس.
ومات العلامة القدوة أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن حريث القرشي البلنسي ثم السبتي بمكة، في جمادى الآخرة عن إحدى وثمانين سنة. يروي الموطأ عن ابن أبي الربيع عن ابن بقي، وكان صاحب فنون. ولي خطابة سبتة ثلاثين سنة. وتفقهوا عليه. ثم حج وبقي بمكة سبع سنين.
ومات بمصر المحدث الزاهد تقي الدين عتيق بن عبد الرحمن بن أبي الفتح العمري. له رحلة وفضائل. يروي عن النجيب وابن علاق. مرض بالفالج مدة. توفي في ذي القعدة.
ومات بدمشق المحدث مجد الدين محمد بن محمد بن علي الصيرفي، سبط ابن الحبوبي، عن إحدى وستين سنة. روى عن ابن أبي اليسر ومحمد بن النشي. وشهد وحضر المدارس وقال الشعر. وعمل لنفسه معجما ضخما. وكان متواضعا ساكنا. توفي في رمضان.
ومات بالسفح المعمر الصالح أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن علي البجدي، في صفر، عن بضع وثمانين سنة. وكان ذا خشية وعبادة وتلاوة وقناعة. سمع من المرسي وخطيب مردا. وأجاز له ابن القبيطي وكريمة وخلق. وروى الكثير. وقال لي: لم ألحق ابن الزبيدي، ذاكره أخ لي مات صغيرا.
ومات بمكة شيخ الإسلام إمام المقام الشيخ رضي الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري المكي الشافعي، في ربيع الأول، وله ست وثمانون سنة. وكان صاحب حديث وفقه وإخلاص وتأله. روى عن شعيب الزعفراني وابن الجميزي وعبد الرحمن بن أبي حرمي والمرسي، وعدة. وأجاز له السخاوي وغيره. خرج لنفسه التساعيات، وتفرد بأشياء. رحمه الله.
ومات الصدر الكبير نصير الدين عبد الله بن الوجيه محمد بن علي بن سويد التغلبي التكريتي ثم الدمشقي، صاحب الأموال، من أبناء السبعين. سمع الرضي بن البرهان، والنجيب، وابن عبد الدايم.
ومات بالقدس الزاهد الكبير جلال الدين إبراهيم ابن شيخنا زين الدين محمد بن أحمد العقيلي الدمشقي ابن القلانسي الكاتب، كان في ذي القعدة عن ثمان وستين سنة. روى عن ابن عبد الدايم والكرماني، ودخل مصر منجفلا، وانقطع في مسجد فتغالوا فيه، ونوهوا بذكره وعظموه، وبنوا له زاوية، واشتهر. وحصل لأخيه عز الدين الحسبة ونظر الخزانة.
ومات مسند الإسكندرية العدل المعمر محيي الدين أبو القاسم عبد الرحمن ابن مخلوف بن جماعة بن رجاء الربعي المالكي، يوم التروية، وله ثلاث وتسعون سنة. سمع من جعفر والتسارسي وابن رواج.، وتفرد،. مع صلاح وخير.
وماتت بالقدس المعمرة الرحلة أم محمد زينب بنت عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسي، في ذي الحجة، عن أربع وتسعين سنة. سمعت من ابن اللتي والهمذاني. وتفردت بأجزاء كالثقفيات ومسندي عبد والدارمي. وارتحل إليها الطلبة. وحدثت بمصر وبالمدينة النبوية.
ومات بأسيوط في ذي الحجة الرئيس المعمر الكاتب زين الدين عبد الرحمن بن أبي صالح رواحة بن علي بن الحسين بن مظفر بن نصر بن رواحة الأنصاري الحموي الشافعي، عن أربع وتسعين سنة. واشتهر وسمع من جده لأمه أبي القاسم بن رواحة وصفية القرشية، وتفرد ورحل إليه. وله إجازة ابن روزبة والسهروردي وعدة.
سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة
قدم على قضاء الشام جمال الدين الزرعي، فولي بعده تدريس المنصورية السبكي.
وأمسك الكريم المسلماني وكيل السلطان، وزالت سعادته التي كان يضرب بها المثل. وولي نظر الجيش بدمشق المعتز بن حشيش. وعزل قطب الدين السلامي ثم أشرك بينهما. وكان على نظر طرابلس أمين الملك، فاستعفى وأقام بالقدس مديدة، ثم طلب في هذا الحين. وولي وزارة مصر. وقدمت عمة قازان للحج فعظمت وأنزلت بالقصر الأبلق.
ومات مؤرخ الآفاق العالم المتكلم، كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أحمد الشيباني البغدادي ابن الفوطي، في المحرم عن إحدى وثمانين سنة. وله تصانيف كثيرة وتواريخ كبار. روى عن الصاحب محيي الدين بن الجوزي وابن أبي الدينة وخلق. وطلب وكتب، وخطه فائق ونظمه رائق، وله هنات وبوائق. والله يسمح له.
ومات بدمشق في ربيع الأول قاضي دمشق ورئيسها الكامل نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن سالم بن حسن بن صصرى التغلبي الشافعي.
وولد في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وستمائة. سمع أباه وعميه وابن عبد الدائم. وحضر بمصر على الرشيد العطار. وأفتى ودرس. وله النظم والترسل والخط المنسوب والدروس الطويلة والفصاحة وحسن الشارة والمكارم، مع دين وحسن سريرة. ولي القضاء إحدى وعشرين سنة.
ومات بقاسيون الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن مسعود الكلبي البدوي ثم الصالحي الفامي، ويعرف بابن سعفور ويلقب بعمى. توفي في ربيع الآخر عن إحدى وثمانين سنة. سمع من المرسي حضورا، ومن محمد بن عبد الهادي وخطيب مردا وطائفة. وأجاز له السبط، وكان خيرا كيسا متعففا منقطعا.
ومات كبير المتمولين بدمشق شهاب الدين أحمد بن محمد بن القطينة الزرعي، عن ثمانين سنة. ودفن بتربة مليحة بطريق القابون. بلغت زكاته في عام قازان خمسة وعشرين ألفا، وفي دولة الظاهر كان رأس ماله ألف درهم.
ومات ببعلبك التاجر الرئيس جمال الدين عمر بن الياس بن الرشيد وله مائة سنة وسنة.
ومات بدمشق بالمارستان الإمام المحدث اللغوي صفي الدين محمود بن محمد بن حامد الأرموي ثم الدمشقي ثم القرافي الصوفي، في جمادى الآخرة، وله ست وسبعون سنة. سمع الكثير وكتب وتعب واشتهر، وحدث عن النجيب والكمال بن عبد. وحفظ التنبيه. وحصل له لبس فكان إذا خلا تحدث وصيح، فإذا خالسته سكن، مع دين وتصون ومعرفة.
ومات مسند الشام بهاء الدين القاسم بن مظفر بن النجم محمود ابن تاج الأمناء بن عساكر، في شعبان، عن أربع وتسعين سنة ونصف. حضر في سنة تسع وعشرين على مشهور النيرباني، وحضر ابن غسان وكريمة وعبد الرحيم بن عساكر وابن المقير.، وسمع من ابن اللتي وجماعة. وأجاز له مشايخ البلاد، وبلغ معجمه سبع مجلدات، وألحق الصغار بالكبار، ووقف أماكن على المحدثين. وكان طبيبا.
ومات الأمير الصاحب الوزير نجم الدين محمد بن عثمان بن الصفي البصروي الحنفي كهلا ببصرى. ولي الحسبة ثم الخزانة ثم الوزارة ثم الإمرة. ودرس أولا بمدارس بصرى. وكان مقدم خيول عربية، فتقدم بذلك.
ومات بصفد خطيبها وعالمها نجم الدين حسن بن محمد الصفدي. وله تواليف، وتقدم في الأدب والمعقول. توفي في رمضان، من أبناء الثمانين.
ومات بالمزة ليلة عرفة مسند الوقت، شمس الدين أبو نصر محمد بن محمد بن محمد بن هبة الله بن مميل الشيرازي الدمشقي، عن أربع وتسعين سنة وشهرين. سمع من جده القاضي أبي نصر والسخاوي وجماعة، وبمصر من العلم ابن الصابوني وابن قميرة، وأجاز له أبو عبد الله بن الزبيدي والحسن بن السيد وقاضي حلب ابن شداد وخلق. وله مشيخة وعوال. وروى الكثير. وكان ساكنا وقورا منقبضا عن الناس. له كفاية. وكبر سنه وأكثر ولم يختلط.
سنة أربع وعشرين وسبعمائة
كان الغلاء بالشام وبلغت الغرارة أزيد من مائتي درهم أياما. ثم جلب القمح من مصر بإلزام السلطان لأمرائه، فنزل إلى مائة وعشرين درهما، ثم بقي أشهرا ونزل السعر بعد شدة. وأسقط مكس الأقوات بالشام بكتاب سلطاني. وكان على الغرارة ثلاثة ونصف. وعزل الزرعي عن القضاء بالقزويني بعد أن ألح الدولة على الشيخ برهان الدين الفزاري فامتنع وصمم.
وقدم ملك التكرور موسى بن أبي بكر الأسود في ألوف من قومه للحج، فنزل سعر الذهب درهمين. ودخل إلى السلطان فسلم ولم يجلس، ثم أركب حصانا بزنارين أطلس، وأهدى هو إلى السلطان أربعين ألف دينار، وإلى نائبه عشرة آلاف، وهو شاب عاقل حسن الشكل، راغب في العلم، مالكي. وولي قضاء حلب شيخنا ابن الزملكاني.
ومات بالثغر الشيخ ركي الدين عمر بن محمد بن يحيى القرشي العتبي الشاهد، ابن جابي الأحباس في صفر عن خمس وثمانين سنة. تفرد عن السبط بجزء سفيان، وبالدعاء للمحاملي ومشيخته.
ومات بمصر المفتي الإمام الزاهد نور الدين علي بن يعقوب بن جبريل البكري الشافعي كهلا، وهو الذي آذى ابن تيمية، والذي طرده السلطان وأراد قطع يده لفتاويه، وذم المنكر، فتنقل بأعمال مصر.
ومات بدمشق العدل المعمر القاضي شمس الدين أحمد بن علي بن الزبير الجيلي ثم الدمشقي الشافعي، في ربيع الآخر عن تسع وثمانين سنة. سمع من ابن الصلاح من سنن البيهقي.
ومات الشيخ الزاهد محمد ابن المفتي جمال الدين عبد الرحيم بن عمر الباجربقي الضال الذي حكم بضرب عنقه القاضي المالكي مرة بعد أخرى، ثم انسحب إلى مصر وإلى بغداد، ثم قدم متخفيا وسكن القابون. وكان فقيها بالمدارس، ثم حصل له كشف شيطاني فضل به جماعة. وكان يتنقص الأنبياء ويتفوه بعظائم، وعاش ستين سنة. انقلع في ربيع الآخر.
ومات أمير العرب محمد بن عيسى بن مهنا بسلمية، ودفن عند أبيه. وكان عاقلا نبيلا فيه خير عاش نيفا وستين سنة. وهو أخو مهنا.
ومات قاضي حلب زين الدين عبد الله بن قاضي الخليل محمد بن عبد القادر الأنصاري وله سبعون سنة. ولي حلب نيفا وعشرين سنة. وقبلها ولي بعلبك ونائب دمشق وولي حمص. وكان مسمتا مليح الشكل.
ومات وزير الشرق علي شاه أبي بكر التبريزي في جمادى الآخرة بأرجان وقد شاخ. وكان سنيا معظما لصاحب مصر محبا فيه.
ومات الإمام شرف الدين محمد بن الإمام زين الدين المنجا بن عثمان التنوخي، مدرس المسمارية عن خمسين سنة. وكان دينا صينا فاضلا.
ومات مخنوقا الصاحب الكبير كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله القبطي المسلماني بأسوان. وكان نفي إلى الشوبك، ثم إلى القدس، ثم إلى أسوان، ثم شنق سرا. وكان هو الكل وإليه العقد والحل، وبلغ من الرتبة ما لا مزيد عليه. وجمع أموالا عظيمة عاد أكثرها إلى السلطان. وكان عاقلا داهية سمحا وقورا. مرض نوبة فزينت مصر لعافيته. وكان يعظم الدينين، وله بر وإيثار. قارب سبعين سنة.
ومات في ذي الحجة بدمشق المفتي الزاهد علاء الدين علي بن إبراهيم ابن العطار الشافعي، ويلقب بمختصر النووي عن سبعين سنة. سمع ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر، وخرجت لهما معجما. وأصابه فالج أزيد من عشرين سنة. وله فضائل وتأله وأتباع. وكان شيخ النورية.
سنة خمس وعشرين وسبعمائة
في جمادى الأولى كان غرق بغداد المهول، وبقيت كالسفينة، وساوى الماء الأسوار. وعمل في سد السكور كل أحد، ودثرت الحواضر، وغرق أمم من الفلاحين، وعظمت الاستغاثة بالله، ودام خمس ليال، وعملت سكورة فوق الأسوار. ولولا ذلك لغرق جميع البلد، وليس الخبر كالعيان. وقيل: تهدم بالجانب الغربي نحو خمسة آلاف بيت. ومن الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ووقف بإذن الله، وبقيت البواري عليها غبار حول القبر. صح هذا عندنا. وجر السيل أخشابا كبارا وحيات غريبة الشكل صعد بعضها في النخل. ولما نضب الماء نبت على الأرض شكل بطيخ كطعم القثاء.
وقدم دمشق الشيخ شمس الدين محمود الأصبهاني المتكلم المصنف، وله ستون سنة.
وسار من مصر نحو ألفي فارس نجدة لصاحب اليمن.
وضرب بمصر الشهاب بن مري التميمي المذكور، وسجن ثم نفي لنهيه عن الاستغاثة والتوسل بأحد غير الله، ومقت لذلك. ثم فر إلى أرض الجزيرة وأقام هناك سنين.
ورجع ملك التكرور موسى فخلع عليه السلطان خلعة الملك عمامة مدورة وجبة سوداء وسيفا مذهبا. وعملت خانقاه سلطانية كبيرة بسرياقوس وحضر السلطان والقضاة، ووليها المجد الأقصرائي.
ولم يثبت عيد الفطر إلى قبيل الظهر بدمشق. فصلى العيد خطيب العقيبة، ثم صلى الظهر، ثم صلاها خطيب البلد من الغد بالبلد، ولم يخرج إلى المصلى بل بعث الشمس النجار فخطب بالمصلى.
ومات بدمشق المحدث كاتب العدل الحكم، علاء الدين علي بن النصير محمد بن غالب بن محمد الأنصاري الشافعي عن ثمانين سنة. روى عن الكمال الضرير الشاطبية، وعن ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر، وطلب وكتب وتفقه وشارك في العلم وتميز في الشروط.
ومات الفقيه المعمر شهاب الدين أحمد بن العفيف محمد بن عمر الصقلي ثم الدمشقي الحنفي إمام مسجد الرأس، وله ثمان وثمانون سنة وثلاثة أشهر. وهو آخر من حدث عن ابن الصلاح.
ومات بمصر الإمام شيخ القراء تقي الدين محمد بن أحمد بن عبد الخالق المصري الشافعي الخطيب ابن الصايغ، في صفر، وله ثمان وثمانون سنة. تلا بالسبع على الكمالين الضرير وابن فارس، واشتهر وأخذ عنه خلق. ورحل إليه. وكان ذا دين وخير وفضيلة ومشاركات قوية.
ومات بدمشق في ربيع الأول المعمر الشيخ عبد الرحمن بن عبد الولي الصحراوي سبط اليلداني عن خمس وثمانين سنة. سمع من جده كثيرا والرشيد العراقي وابن خطيب القرافة وشيخ الشيوخ الحموي. وأجاز له الضياء والسخاوي. سمع منه نائب السلطنة الآثار للطحاوي، ووصله ورتب له درهما، ثم أضر وعجز.
ومات واقف الخان المشهور خطاب بن محمود العراقي الأمير بدمشق.
ومات الإمام المحدث نور الدين علي بن جابر الهاشمي اليمني الشافعي، شيخ الحديث بالمنصورية عن بضع وسبعين سنة. حدث عن زكي البيلقاني وعرض عليه الوجيز للغزالي. وله مشاركات وشهرة.
ومات علامة الأدب علم البلاغيين شهاب الدين محمود بن سلمان بن فهد الحلبي كاتب السر بدمشق، في شعبان عن إحدى وثمانين سنة. وصلى عليه ملك الأمراء. أجاز له ابن خليل، وحدث عن ابن البرهان، ويحيى بن الحنبلي، وابن مالك. خدم بالإنشاء نحوا من خمسين سنة. وكان يكتب التقاليد على البديهة. وولى بعده ابنه شمس الدين.
ومات بالكرك قاضيها العلامة الورع نور الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن الأميوطي الشافعي. حكم بالكرك نحوا من ثلاثين سنة. وتفقه به الطلبة. وحدث عن قطب الدين القسطلاني وغيره. وهو والد شرف الدين قاضي بلبيس.
ومات بدمشق شيخ الظاهرية عفيف الدين إسحاق بن يحيى الآمدي الحنفي في رمضان عن ثلاث وثمانين سنة. روى كثيرا عن ابن خليل، وعن عيسى الخياط، والضياء صقر، وعدة. وطلب الحديث، وحصل أصولا بمروياته. وخرج له ابن المهندس معجما قرأته. وكان لا بأس به.
ومات كبير الدولة الأمير الكبير ركن الدين بيبرس المنصوري الخطائي الدويدار صاحب التاريخ الكبير ورأس الميسرة ونائب مصر قبل أرغون. بلغ الثمانين. توفي في رمضان بمصر.
ومات بدمشق في ذي القعدة الإمام شيخ الإسلام بقية الفقهاء الزهاد خطيب العقيبة صدر الدين سليمان بن هلال بن شبل الهاشمي الجعفري الحوراني الشافعي عن ثلاث وثمانين سنة. تفقه بالشيخين محيي الدين وتاج الدين، وناب عن ابن صصرى. وبينه وبين جعفر الطيار ثلاثة عشر أبا والله أعلم. وكان متزهدا في ثوبه وعمامته الصغيرة ومأكله، وفيه تواضع وترك للرياسة والتصنع، وفراغ عن الرعونات، وسماحة، ومروءة، ورفق. شيعه الخلق، وحمل على الرؤوس. وكان لا يدخل حماما. حدث عن ابن أبي اليسر والمقداد. وكان عارفا بالفقه، وله حكايات في مشيه إلى شاهد يؤدي عنده، وإلى خصم فقير، وربما نزل في طريق داريا عن حمارته وحمل عليها حزم حطب لمسكينة، رحمه الله.
سنة ست وعشرين وسبعمائة
ضربت عنق الفقيه المقرئ ناصر بن الهيتي الصالحي على الزندقة الواضحة. وفرح المسلمون. وكان من أبناء الستين.
ثم ضربت عنق توما الراهب الذي أسلم من ثلاث سنين وارتد سرا، ثم أفشى ذلك عند المالكي وأحرق. ولم يتكهل. وهو بعلبكي.
وسار المحمدي رسولا إلى أبي سعيد القان. ونقل قرطاي من نيابة طرابلس إلى خبز القرماني الذي أمسك. وولي طرابلس طينال الحاجب.
وفي شعبان أخذ ابن تيمية وحبس بالقلعة في قاعة ومعه أخوه عبد الرحمن يؤنسه، وعزروا جماعة من أصحابه.
ووصل الماء الجاري إلى مكة من مال جوبان نائب التتار.
وأنشئت قيسارية الدهشة بسوق علي وسكنها أعيان التجار.
ومات في المحرم الشيخ علاء الدين علي بن محمد بن علي بن السكاكري الشاهد. وكان رأسا في كتابة الشروط، وفيه شهامة، وحط على الكبار. ولكنه كان يتحرز في الشهادة. من أبناء الثمانين. ساء ذهنه بآخره. أجاز له عبد العزيز بن الزبيدي وهبة الله بن الواعظ والتستري وعدة. وسمع من ابن عبد الدايم وجماعة.
ومات المعمر كبير السادة ناصر الدين يونس بن أحمد الحسيني الدمشقي عن إحدى وثمانين سنة. وكان رئيسا وسيما. حدث عن خطيب مردا. وذكر للنقابة.
ومات خطيب المدينة وقاضيها المفتي سراج الدين عمر بن أحمد بن طراد الخزرجي المصري الشافعي عن تسعين سنة. وحدث عن الرشيد العطار، وأجازه الشرف المرسي والمنذري. وتفقه بابن عبد السلام قليلا، ثم بالسديد التزمنتي والنصير بن الطباخ. وخطب بالمدينة أربعين سنة. سافر إلى مصر ليتداوى فأدركه الموت بالسويس.
ومات بمصر القاضي الإمام كمال الدين محمد بن علي بن عبد القادر التميمي الهمذاني ثم المصري الشافعي عن إحدى وسبعين سنة. حدث عن النجيب وطائفة. قرأ عليه ولده الإمام نور الدين صحيح البخاري. وله عليه حواش بخطه المنسوب. رثاه صاحبنا أبو بكر الرحبي. توفي في المحرم.
ومات ببعلبك شيخها الصدر الكبير قطب الدين موسى ابن الشيخ الفقيه محمد اليونيني صاحب التاريخ، عن ست وثمانين سنة وأشهر. حدث عن أبيه وشيخ الشيوخ، والرشيد العطار، وأبي بكر بن مكارم، وجماعة. وأجاز له ابن رواج وجماعة. وكان وافر الحرمة، له عقل ورأي وذكاء. توفي في شوال.
ومات بدمشق المقرئ المدرس الإمام زين الدين أبو بكر بن يوسف المزي بن الحريري الشافعي في ربيع الأول عن ثمانين سنة. كان كيس الجملة، عالما، متواضعا، مقرئا بالسبع. أخذ عن الزواوي. وحفظ الفقه والنحو، وحدث عن خطيب مردا والبكري وابن عبد الدايم، وله جهات.
وماتت المعمرة أمة الرحمن ست الفقهاء بنت الشيخ تقي الدين إبراهيم ابن علي بن الواسطي الصالحية في ربيع الآخر، عن ثلاث وتسعين سنة. سمعت جزء ابن عرفة من عبد الحق حضورا. وسمعت من إبراهيم بن خليل وغيره. وأجاز لها جعفر الهمذاني وكريمة وأحمد بن المعز وابن القسطي، وعدد كثير. وكانت مباركة صالحة.، روت الكثير. وهي والدة فاطمة بنت الدباهي.
ومات بالحلة شيخها العلامة المتفنن جمال الدين حسين بن يوسف ابن المطهر الشيعي المعتزلي، صاحب التصانيف، من أبناء الثمانين بل أزيد.
ومات الخطيب المسند تقي الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي في جمادى الآخرة عن بضع وسبعين سنة. سمع من خطيب مردا السيرة في الخامسة. وسمع من اليلداني والبكري ومحمد بن عبد الهادي حضورا. ومن إبراهيم بن خليل. وأجاز له السبط وجماعة. وكان يخطب جيدا بالجامع المظفري.
ومات الزاهد الكبير الشيخ حماد التاجر ابن القطان بالعقيبة، وحمل على الرؤوس. وكان يقرئ القرآن، ويحكي عجائب عن الفقراء، وفيه زهد وتعفف. ويحضر السماع ويصيح. وله وقع في القلوب. وعاش ستا وتسعين سنة.
ومات مفتي العراق جمال الدين يوسف بن عبد المحمود بن البتي الحنبلي، أحد الأذكياء، كهلا. تخرج به الفضلاء في فنون.
ومات في شوال بقاسيون العالم المسند شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي الهيجاء بن الزراد الصالحي، عن ثمانين سنة. روى شيئا كثيرا. وتفرد. خرجت له مشيخة. روى عن البلخي ومحمد بن عبد الهادي واليلداني وخطيب مردا والبكري، وكان يروي المسند والسيرة ومسند أبي عوانة والأنواع والتقاسيم ومسند أبي يعلى، وأشياء. افتقر، واحتاج، وتغير ذهنه، واختلط قبل موته بعام أو أكثر.
ومات بالمدينة الإمام الزاهد التقي قاضي الحنابلة شمس الدين محمد بن مسلم بن مالك الصالحي، في ذي القعدة عن أربع وستين سنة وأشهر. وكان من قضاة العدل، بصيرا بمذهبه، عارفا بالعربية، كبير القدر، ولي إحدى عشرة سنة. وحج ثلاثا، وفي الرابعة أدركه أجله. ومولده في صفر أو في ربيع الأول سنة اثنتين وستين. روى عن ابن عبد الدايم حضورا، وطلب بنفسه، وقرأ وكتب بعد الثمانين، ومحاسنه جمة، رحمه الله.
سنة سبع وعشرين وسبعمائة
نقل قاضي حمص ابن النقيب إلى قضاء طرابلس، وقاضيها ناصر الدين الزرعي إلى قضاء حمص. وحاصر ودي بن جماز المدينة جمعة. ودخلوا وأحرقوا بابها وأسروا غلمان صاحبها كبيش، وهرب أخوه طفيل وابنه، وقتلوا القاضي هاشم بن علي العلوي وعبد الله بن العابد.
ودخل الأمير قوصون بابنة للسلطان.
وفي رجب كائنة الإسكندرية: ضرب رجل أفرنجيا عند باب البحر، فأنهي الحال إلى أميرها الكركري، فركب وأمر بغلق الأبواب، ودخل الليل على الناس. فمشى كبراء إلى الأمير في فتح الباب لهم ففتحه بعد العشاء، وخرجت الرماة، ثم انعصر الخلق في الباب، وجذبت السيوف، وخطفت العمائم، ومات نحو عشرة من الرض. فلما أصبحوا وخرج الأمير إلى الجمعة رجم، فعاد إلى بيته فجاءوا بقش وأحرقوا الباب وأخرجوا أهل الحبس، ووقع النهب في دارين أو ثلاثة لأعوان الوالي. فبطق الأمير إلى مصر وغوث، فتنمر السلطان واعتقد أنهم أخرجوا أمراء من سجنهم، فأمر ببذل السيف في الإسكندرية وهدمها، وجهز أربعة أمراء منهم الوزير الجمالي، فجاء وطلب قاضي البلد ونائبه وأهانهم، فقال نائبه، وهو التنيسي: ما يلزمنا، فلا تهن الشرع. فضربه كثيرا، وطلب التجار وسبهم وأخذ منهم أموالا عظيمة، ووسط ثلاثين نفسا، واختبط البلد، وصودر الكل حتى افتقر عدد كثير.
وطلب قاضي حلب ابن الزملكاني إلى مصر ليولى قضاء دمشق فمات ببلبيس.
وعرض قضاء دمشق على أبي اليسر بن الصايغ، وجاءه التشريف فصمم وامتنع وبكى، فأعفي مكرما. ثم قدم على المنصب الشيخ علاء الدين علي ابن اسماعيل القونوي. ثم بعده طلب ابن الزملكاني المذكور.
وجاء يوم الأضحى على بلبيس سيل عظيم وقاسوا شدة.
ومات في المحرم المعمر شمس الدين محمد بن أحمد بن منعة بن مطرف القنوي ثم الصالحي عن اثنتين وتسعين سنة. وسمع من عبد الحق حضورا، ومن ابن قميرة والمرسي واليلداني، وأجاز له الضياء الحافظ وابن يعيش النحوي. وروى جملة وتفرد.
ومات بمصر في المحرم النور علي بن عمر بن أبي بكر الواني الصوفي، عن اثنتين وتسعين سنة. سمع من ابن رواج والسبط والمرسي. وتفرد بعوال. وكان دينا، خيرا. أضر ثم أبصر.
ومات بالثغر الملك أبو يحيى زكريا بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن محمد الهنتاتي المغربي، ويعرف باللحياني، عن بضع وثمانين سنة. وقد وزر أبوه لابن عمه المستنصر بتونس مدة. اشتغل زكريا في الفقه والنحو فبرع فيه. وتملك تونس. وحج سنة تسع وسبعمائة، ورجع فبايعوه في سنة إحدى عشرة، ولقبوه بالقائم بأمر الله، فاستمر سبع سنين. ثم تحول إلى طرابلس المغرب، وأخذت منه تونس، فتوجه إلى الإسكندرية في سنة إحدى وعشرين فسكنها. وكان قد أسقط ذكر المهدي المعصوم -أعني ابن تومرت- من الخطب.
ومات بدمشق الرئيس العابد الأمين ضياء الدين إسماعيل بن عمر بن الحموي الدمشقي الكاتب، عن اثنتين وتسعين سنة. سمع عثمان بن خطيب القرافة، وشيخ الشيوخ. وكان ذا حظ من قيام وصيام وإطعام وإيثار تام. توفي في صفر. وكان بصيرا بالحساب، شارف الجامع مدة والخزانة.
ومات المفتي الزاهد القدوة شرف الدين عبد الله بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، في جمادى الأولى عن إحدى وستين سنة. وشيعه الخلق. روى عن ابن أبي اليسر حضورا. وسمع المسند والكتب الستة وأشياء.
ومات الملك الكامل الأمير ناصر الدين محمد بن السعيد عبد الملك بن الصالح إسماعيل بن العادل في جمادى الآخرة عن أربع وسبعين سنة. وأعطي خبزه لولده الملك صلاح الدين. حدثنا عن ابن عبد الدايم.
ومات بدمشق قاضي الحنفية صدر الدين علي بن الصفي أبي القاسم ابن محمد البصروي في شعبان ببستانه عن خمس وثمانين سنة. حدثنا عن ابن عبد الدايم. وكان رأسا في المذهب، مليح الشارة، كثير النعم، حكم بدمشق عشرين سنة. وأوصى بثلث ماله صدقة. وولي بعده ابن الطرسوسي.
ومات في سادس عشر شهر رمضان ببلبيس العلامة قاضي حلب فخر المجتهدين كمال الدين محمد بن علي بن عبد الواحد خطيب زملكا الأنصاري الشافعي، وحمل فدفن بالقرافة. وولد في شوال سنة سبع وستين. أفتى وصنف وتفرد به الأصحاب، وكان سيال الذهن مليح الشكل، طلب ليشافهه السلطان بقضاء دمشق فأدركه الأجل. تفقه بتاج الدين عبد الرحمن. وحدث عن ابن علان وابن البخاري ورثاه الشعراء.
ومات بدمشق القاضي الأديب شمس الدين محمد بن الشهاب محمود كاتب السر. وولي القاضي محيي الدين بن فضل الله. توفي في شوال، عن ثمان وخمسين سنة.
سنة ثمان وعشرين وسبعمائة
قدم صاحب الروم تمرتاش بن جوبان بعسكره، وذهب إلى السلطان في خواصه فاحترموه.
واشترى النائب دار فلوس وما حولها وزخرفها، وسميت دار الذهب. وأوصل الماء إلى القدس بعد أن عمل الصناع ستة أشهر. ونقض رخام الحائط القبلي من ناحية الجامع الغربية، فوجد الحائط منحدبا، فنقض كأنه تغير من زلزلة، فأخرب إلى الأرض مساحة خمسين ذراعا، فبني وأحدث فيه محراب للحنفية، وجدد ترخيم حيطان الجامع سوى المقصورة وأركان القبة. وكان بالفرايين حريق عظيم. ثم جدد بعده قيساريتان.
وفيها في المحرم درس العلائي بحلقة ابن صاحب حمص بحضرة القضاة، فأورد درسا باهرا نحو ستمائة سطر.
ومات بالثغر المعمر الإمام القدوة عز الدين إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرافي الشافعي، في المحرم، من ولد موسى الكاظم. سمع من والده وحليمة بنت ولد جمال الإسلام والبادرائي وجماعة. وأجاز له ابن يعيش وابن رواج. ونسخ بالأجرة. وتفرد مع التقوى، والعلم، والورع. وعاش تسعين سنة.
ومات ببغداد الإمام الواعظ مسند العراق شيخ المستنصرية عفيف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن البغدادي ابن الخراط الحنبلي، عن تسعين سنة. مات في جمادى الأولى. وكان مولده في ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين، ومرة كتبه في سنة تسع. سمع من عجيبة كثيرا وابن الخير وابن قميرة وأخيه والأعز بن العليق وعبد الملك بن قيبا وطائفة وتفرد.
ومات بمصر في جمادى الآخرة قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عثمان ابن أبي الحسن الدمشقي الحنفي ابن الحريري. ولد في صفر سنة ثلاث وخمسين. وحدث عن ابن الصيرفي والقطب ابن عصرون وابن أبي اليسر، وكان عادلا، مهيبا، صارما، دينا، رأسا في المذهب.
ومات ببغداد مفتيها وشيخها جمال الدين عبد الله بن محمد بن علي بن العاقولي الواسطي الشافعي مدرس المستنصرية في شوال وله تسعون سنة وثلاثة أشهر. وكان يذكر أنه سمع من محيي الدين بن الجوزي.
ومات بقلعة دمشق ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني معتقلا. ومنع قبل وفاته بخمسة أشهر من الدواة والورق. ومولده في عاشر ربيع الأول يوم الاثنين سنة إحدى وستين وستمائة بحران. سمع من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وعدة. وبرع في التفسير والحديث والاختلاف والأصلين. وكان يتوقد ذكاء. ومصنفاته أكثر من مائتي مجلد. وله مسائل غريبة نيل من عرضه لأجلها. وكان رأسا في الكرم والشجاعة قانعا باليسير. شيعه نحو من خمسين ألفا، وحمل على الرؤوس. رحمه الله.
ومات بالصالحية في ذي القعدة الفقيه المعمر جمال الدين عبد الرحمن بن أحمد بن عمر بن شكر المقدسي الحنبلي. ولد في رمضان سنة تسع وثلاثين. سمع من النور البلخي، والمرسي، ومحمد بن عبد الهادي وطائفة.
وقتل نائب الشرق جوبان بهراة، ونقل تابوته فدفن بالبقيع ولم يدفن بمدرسته.
سنة تسع وعشرين وسبعمائة
في المحرم نقل كاتب السر محيي الدين إلى عند السلطان. وولي بدمشق شرف الدين حفيد الشهاب محمود. وأصاب كاتب السلطان فالج، وهو علاء الدين بن الأثير.
ووسعت أسواق دمشق، وجددت القنا التي من القنوات بإلزام النائب، واسترحنا من ترسل المياه بعد غرامات كثيرة. وألقيت كلاب دمشق في خندق باب كيسان وفصل بحائط بين ذكورهم وإناثهم، ورجمهم الناس. قيل: بلغوا خمسة آلاف.
ومات بمصر شارح التنبيه نجم الدين محمد بن عقيل البالسي عن تسع وستين سنة. ناب في القضاء لابن دقيق العيد، ودرس بعده بالمعزية القاضي الزرعي. وكان إماما زاهدا، شيعه الخلق.
ومات بدمشق في ربيع الآخر الصدر نجم الدين علي بن محمد بن هلال الأزدي عن ثمانين سنة. حدث عن ابن البرهان والقاضي صدر الدين بن سني الدولة والزين خالد والكرماني، وطلب، وحصل الأصول، وولي نظر الأيتام. وكان تام الشكل، حسن البزة، ذا كرم وتجمل.
ومات في جمادى الأولى مدرس البادرائية شيخ الإسلام برهان الدين إبراهيم بن شيخ الشافعية تاج الدين عبد الرحمن بن إمام الرواحية أبي إسحاق إبراهيم بن سباع الفزاري المصري الأصل. وشيعه الخلق يوم الجمعة إلى عند قبر أبيه بباب الصغير. وله سبعون سنة سوى أشهر. حضر علي الزين خالد، وسمع من ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر وعدة. وله مشيخة. وحدث بالصحيحين، وأعاد لوالده، وخلفه في تدريس البادرائية، وفي حلقته بالجامع. وتخرج به أئمة. علق على التنبيه شرحا كبيرا. وكان رأسا في المذهب، عارفا بالأصول، وبنحو ومنطق، مع الورع، والتقوى، والتعفف، والكرم. امتنع عن القضاء. وباشر خطابة البلد أياما ثم ترك. وكان له وقع في القلوب وود.
ومات بعده بيومين شيخ الحنابلة بدمشق العلامة مجد الدين إسماعيل ابن محمد الفراء الحراني عن أربع وثمانين سنة. حدث عن الصيرفي، وابن أبي عمر. وكان قيما بمذهبه، عالما بعلمه، لا يغتاب بشرا ولا يؤذي آدميا. تفقه به أئمة، ومحاسنه جمة. لم يصنف شيئا.
ومات بمصر مسندها المعمر فتح الدين يونس بن إبراهيم بن عبد القوي الكناني العسقلاني ثم المصري الدبابيسي، في جمادى الأولى، وقد جاوز التسعين بيسير، وهو آخر من روى عن ابن المقير بالسماع، وبالإجازة عنه، وعن المخيلي، وحمزة بن أوس، وظافر بن شحم، وعدة. وتفرد، وروى الكثير. وكان عاقلا صبورا.
ومات بمصر الأديب العلامة ناظر الجيش معين الدين هبة الله بن مسعود بن حشيش عن ثلاث وستين سنة. روى عن ابن البخاري وغيره. وله النظم والنثر، وقوة الأدوات.
ومات بدمشق في ذي القعدة قاضي القضاة علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي الشافعي الأصولي، شيخ الشيوخ، وصاحب التصانيف والتلامذة، وله إحدى وستون سنة وأشهر. كان قد قدم من الروم في سنة ثلاث وتسعين، فدرس وناظر. وسمع من ابن القواس، والشرف ابن عساكر، والأبرقوهي. وسكن القاهرة مدة. وتخرج به الأصحاب، مع دين، ونزاهة، وصيانة، وحياء، وغزارة علم. رحمه الله.
ومات الصاحب الأمجد رئيس الشام عز الدين حمزة بن المؤيد بن القلانسي الدمشقي، في ذي الحجة، عن ثمانين سنة وأشهر. وكان محتشما معظما متنعما. عمل الوزارة وغيرها. وروى عن البرهان، وابن عبد الدايم.
سنة ثلاثين وسبعمائة
قدم على قضاء الشام علم الدين الإخنائي، فاستناب مدرس الشامية زين الدين ابن المرحل.
ونقل من طرابلس إلى قضاء حلب الشيخ شمس الدين ابن النقيب. وولي شمس الدين محمد بن المجد قضاء طرابلس. وولي قضاء الإسكندرية علم الدين صالح الإسنائي، ثم عزل بعد شهرين.
وأنشأ الأمير قوصون جامعا كبيرا بالقرب من جامع طولون، وجعل لخطيبه في الشهر ثلاثمائة درهم.
ومات بمصر كاتب السر علاء الدين علي بن تاج الدين أحمد بن سعيد بن الأثير الحلبي ثم المصري. وكان ذا جاه وأموال وتمكن. مات في آخر الكهولة.
ومات بدمشق سيف الدين بهادر آص المنصوري عن نيف وسبعين سنة. وكان من أمراء الألوف بدمشق. وقبته خارج باب الجابية.
ومات يوم الخامس والعشرين من صفر مسند الدنيا شهاب الدين أحمد ابن أبي طالب بن نعمة بن حسن الديرمقرني ثم الصالحي الحجار ابن شحنة جبل الصالحية. وحدث يوم موته. وله مائة وبضع سنين. سمع من ابن الزبيدي وابن اللتي. وأجاز له ابن روزبة والقطيعي، وعدة. ونزل الناس بموته درجة.
ومات بحلب قاضيها فخر الدين عثمان بن محمد بن البارزي، عن اثنتين وستين سنة. حدث بمسند الشافعي عن ابن النصيبي، وحفظ كتبا، وأفتى، وأفاد.
ومات بمكة مفتيها وقاضيها نجم الدين محمد بن محمد بن الشيخ محب الدين الطبري الشافعي عن اثنتين وسبعين سنة. حدث عن عم جده يعقوب بن أبي بكر الطبري. وله إجازة من ابن سدى.
ومات بمصر المحدث الزاهد فخر الدين عثمان ابن شيخنا الحافظ أحمد ابن الظاهري، في رجب عن ستين سنة، سوى أشهر. حضر ابن علاق، والنجيب. وكان مكثرا. ارتحل به أبوه. ونسخ هو بخطه وحدث.
ومات المعمر زين الدين أيوب بن نعمة النابلسي ثن الدمشقي الكحال، في ذي الحجة، حدث عن المرسي والرشيد العراقي وعبد الله بن الخشوعي وجماعة. وتفرد. حدث بمصر ودمشق وعاش أزيد من تسعين سنة.
سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة
وصل إلى بلد حلب نهر الساجور بعد غرامة كثيرة، وحفر زمن طويل، وفرحوا به.
وعزل ابن مراجل من الجامع بابن الشيرازي. وولي نظر الأسرى ابن الفويرة.
ومات في صفر قاضي الحنابلة عز الدين محمد ابن قاضي القضاة سليمان ابن حمزة المقدسي، وله ست وستون سنة. روى عن الشيخ وعن أبي بكر الهروي وبالإجازة عن ابن عبد الدايم. وكان متوسطا في العلم والحكم، متواضعا.
ومات بمصر العدل بدر الدين يوسف بن عمر الختني في صفر، وله أربع وثمانون سنة. سمع من ابن رواج حضورا، وصالح المدلجي والبكري والرشيد والمرسي وابن اللمط الذي سمع من أبي جعفر الصيدلاني، وتفرد بأشياء.
ومات بحلب نائب السلطنة أرغون الدويدار الذي عمل مدة نيابة مصر ثم أخر. وكان مليح الخط، نسخ صحيح البخاري وقرأ في مذهب أبي حنيفة، وحصل كتبا نفيسة. مات في ربيع الأول كهلا.
ومات مسند حلب خاتمة أصحاب ابن خليل عز الدين إبراهيم بن صالح ابن العجمي من أبناء التسعين. وقد سمع بدمشق من خطيب مردا.
ومات بحلب بعد أيام في رجب أبو القاسم بن علي بن نصر الحراني بن الحبشي، وله ست وثمانون سنة. سمع من عيسى الخياط مشيخته.
وماتت بالثغر كمالية بنت أحمد بن عبد القادر بن رافع الدمراوي، في شعبان، وتسمى ست الناس. روت بالإجازة عن عبد الله بن برطلة الأندلسي ومحمد بن الجراح والشرف المرسي.
ومات بالغرب السلطان أبو سعيد عثمان ابن السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني، في ذي القعدة، وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة. قارب السبعين، وتملك بعده ابنه السلطان الإمام الفقيه أبو الحسن.
ومات بدمشق الإمام أقضى القضاة جمال الدين أحمد بن محمد بن القلانسي التميمي الشافعي، قاضي العسكر، ووكيل بيت المال، ومدرس الأمينية، والظاهرية، عن اثنتين وستين سنة. وكان عالما، محتشما، مليح الشكل، لين الكلمة، حدث عن ابن البخاري، توفي في ذي القعدة.
سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة
جاء بحمص سيل فغرق خلق منهم في حمام النائب بظاهرها نحو المائتين من نساء وأولاد.
وفي ربيع الآخر تسلطن الملك الأفضل علي بن المؤيد إسماعيل الحموي، وركب بالقاهرة بالغاشية والعصائب.
ثم كان عرس محمد بن السلطان، على بنت بكتمر الكبير، قيل: جهزت بألف ألف دينار، واحتفلوا للعرس بما لا يوصف. وأقيمت بالشامية جمعة، وخطب قطب الدين عبد النور، ثم تقرر كمال الدين بن الزكي.
ونقل إلى كتابة السر من دمشق القاضي شرف الدين أبو بكر بن محمد بن الشهاب محمود وعظم شأنه. وحج مع السلطان. وبعث ابن فضل الله إلى مكانه بدمشق. ونكب الصاحب شمس الدين غبريال بدمشق وصودر وزالت سعادته.
ومات في المحرم الشيخ الكبير المتزهد عبد الرحمن بن أبي محمد القرامزي الدمشقي المقرئ الحنبلي، بجوبر، عن ثمان وثمانين سنة. روى عن ابن أبي اليسر والمجد بن عساكر، وتلا بالسبع، وتعبد واشتهر، وتردد إليه الكبار.
ومات صاحب حماه الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل بن الأفضل علي بن محمود الأيوبي الحموي، صاحب التاريخ وناظم الحاوي، في المحرم، كهلا. ناب بحماه، ثم تملك اثنتي عشرة سنة. وله كتاب تقويم البلدان، وفضائل وفلسفة، والله يعفو عنه.
ومات المقرئ الصالح أبو العباس أحمد بن الفخر البعلبكي السكاكيني بدمشق في صفر عن أربع وثمانين سنة. روى عن خطيب مردا وابن عبد الدايم، وروى كثيرا. وكان تقيا.
ومات بمصر المحدث الإمام تاج الدين أبو القاسم عبد الغفار بن محمد ابن عبد الكافي السعدي الشافعي، في ربيع الأول، عن اثنتين وثمانين سنة. سمع ابن عزون، والنجيب، وعدة. وخرج التساعيات وأربعين مسلسلات. وطلب، وكتب الكثير وتميز وأتقن. ولي مشيخة الصاحبية. وأفتى ونسخ نحوا من خمسمائة مجلد. وخرج لشيوخ.
ومات بدمشق المفتي العلامة رضي الدين المنطيقي إبراهيم بن سليمان الرومي الحنفي مدرس القيمازية وحج سبع مرات، وبلغ ستا وثمانين سنة. وله تلامذة.
ومات صاحبنا الفقيه المحدث محيي الدين عبد القادر بن محمد المقريزي الحنبلي كهلا. حدث عن ابن القواس وبنت كندي، وكتب ورحل.
ومات في ربيع الآخر المحدث العالم عماد الدين إبراهيم بن يحيى بن الكيال الدمشقي الحنفي، عن سبع وثمانين سنة. قرأ على ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، وأيوب الحمامي، وعدة. وكان فصيحا يعرب، ثم خدم في المواريث وحصل، ثم تاب وحج وأم بالربوة وغيرها.
ومات بجمادى الأولى بالصالحية فجأة قاضي الحنابلة شرف الدين عبد الله بن حسن بن عبد الله بن الحافظ، بعد أن حكم يومئذ بالجوزية، وكان دينا، حييا، خيرا، عالما. عاش ثمانيا وثمانين سنة. وله فضائل. روى عن ابن علاق ومحمد بن سعد والجمال الصوري وابن عبد الهادي، وعدة، وتفرد.
ومات زاهد الإسكندرية الشيخ ياقوت الحبشي الشاذلي، صاحب أبي العباس المرسي، من أبناء الثمانين.
ومات صدر الأكابر فخر الدين محمد بن فضل الله كاتب المماليك، ناظر الجيش المصري. وله جلالة، وشهرة، وأوقاف. بلغ ثلاثا وسبعين سنة. واحتيط على حواصله.
ومات بمصر العدل نور الدين علي ابن التاج إسماعيل بن قريش المخزومي عن ثمانين سنة. توفي في رجب. سمع الزكي المنذري، والرشيد، وشيخ شيوخ حماة، وابن عبد السلام. وحضر عبد المحسن بن مرتفع في الرابعة، وكان صالحا مكثرا.
ومات دويدار السلطان سيف الدين ألجيه الناصري الفقيه الحنفي كهلا. وولي مكانه صلاح الدين يوسف بن الأسعد.
وماتت وجيهية، بنت علي بن يحيى بن علي بن سلطان الأنصارية البوصيرية، - وتدعى زين الدار - في رجب بالإسكندرية. روت عن أحمد بن النحاس. وبالإجازة عن يوسف الشاوي، والأمير يعقوب الهدباني.
ومات بدمشق كبير الطب أمين الدين سليمان ابن داوود، في عشر التسعين، درس بالدخوارية.
ومات شيخ بلد الخليل العلامة شيخ القراء برهان الدين إبراهيم بن عمر الجعبري الشافعي صاحب التصانيف، في رمضان، وله اثنتان وتسعون سنة. أجاز له ابن خليل، وعرض التعجيز على مؤلفه. وتلا على الوجوهي، وغيره، ورحل القراء إليه.
ومات مدرس المستنصرية العلامة شهاب الدين عبد الرحمن بن محمد بن عسكر المالكي البغدادي، وله ثمان وثمانون سنة.
ومات في ذي القعدة قاضي القضاة علم الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى الإخنائي الشافعي، عن ثمان وستين سنة وأشهر. وكان دينا، عادلا. روى عن أبي بكر بن الأنماطي وجماعة. وحدث بالكثير. وكان من شهود الخزانة. ثم ولي قضاء الإسكندرية ثم دمشق.
ومات الفقيه المحدث المفيد فخر الدين عبد الرحمن بن محمد بن الفخر البعلبكي ثم الدمشقي الحنبلي في ذي القعدة وله سبع وأربعون سنة. روى عن الفخر حضورا، وابن الواسطي، وابن القواس، وارتحل، وكتب، وخرج، وتميز، وأفتى.
ومات بدمشق ناظر الجيش الصدر قطب الدين موسى بن أحمد بن شيخ السلامية، في ذي الحجة عن اثنتين وسبعين سنة. ودفن بتربة مليحة أنشأها. وكان من رجال الدهر. وله فضل وخبرة.
ومات بمصر شيخ الحنابلة شمس الدين عبد الرحمن ابن قاضي القضاة سعد الدين مسعود بن أحمد الحارثي، في ذي الحجة، عن إحدى وستين سنة وأشهر. وكان من العلماء العاملين. حدث عن العز الحراني، والفخر علي، وجماعة. ودرس بأماكن وأفتى.
ومات فجأة في الحج مع السلطان كبير أمرائه وعينهم سيف الدين بكتمر الساقي وابنه، وخلف ما لا يعبر عنه من صنوف المال. وقيل بل ماتا في أول الآتية، ومما وجد له من الخدام مائة خصي.
سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة
قدم أمين الملك على نظر الشام، وعلى نظر الجيش فخر الدين بن الحلي.
وفي ربيع الأول ولي قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن جملة. وجددت بالربوة خطبه. وأمسك حاجب السلطان الأمير سيف الدين ألماس، وكان ظلوما.
ومات شيخ المستنصرية المحدث الإمام تقي الدين محمود بن علي الدقوقي. وحمل على الرؤوس. توفي في المحرم عن نحو من سبعين سنة. روى عن عبد الصمد وابن أبي الدينة وابن الساعي. وله جلالة عجيبة، وإفادة للعامة.
وفي ربيع الآخر حول كاتب السر شرف الدين إلى دمشق، وابن فضل الله إلى مصر.
ومات قاضي القضاة شيخ الإسلام بدر الدين محمد بن إبراهيم ابن جماعة الكناني الحموي، صاحب التصانيف في ليلة العشرين من جمادى الأولى، وله أربع وتسعون سنة وشهر. حدث عن شيخ الشيوخ وابن عزون والنجيب والرضي بن البرهان والرشيد العطار وابن أبي اليسر، وعدة. وعني بالرواية، ومهر في التفسير والفقه، وشارك في فنون. وكان ذا دين، وتعبد، ونزاهة، وحمد في القضاء. أضر بآخره وانقطع للطاعة.
ومات في جمادى الآخرة بدمشق مفتي المسلمين شهاب الدين أحمد بن يحيى بن جهبل الشافعي، مدرس البادرائية، عن ثلاث وستين سنة. حدث عن الفخر علي وابن الزين والفاروثي، ودرس مدة بالقدس.
ومات بحماة في رمضان الرئيس المعمر تاج الدين أحمد بن المحدث إدريس بن محمد بن مزيز الحموي، وله تسعون سنة وشهران. ذكر لوزارة بلده، وسمع من صفية حضورا، وبدمشق من ابن علان واليلداني ومحمد بن عبد الهادي، وعدة. وأجاز له إبراهيم بن الخير وابن العليق.
ومات الإمام المحدث العدل شمس الدين محمد بن إبراهيم بن غنايم ابن المهندس الصالحي الحنفي، في شوال، عن ثمان وستين سنة. سمع من ابن أبي عمر، وابن شيبان فمن بعدهما. وكتب الكثير، ورحل، وخرج، وتعب، ونسخ تهذيب الكمال للمزي مرتين، مع الدين، والتواضع ومعرفة الشروط.
ومات ببدر محرما الإمام القدوة الولي الشيخ علي بن الحسن الواسطي الشافعي عن ثمانين سنة. وكان من أعبد البشر. واعتمر أزيد من ألف مرة، وتلا أزيد من أربعة آلاف ختمة. وطاف مرات في الليل سبعين أسبوعا. رحمه الله تعالى.
وماتت بدمشق المعمرة المسندة أم محمد أسماء بنت محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب بن صصرى، أخت القاضي نجم الدين، في ذي الحجة، عن خمس وتسعين سنة. سمعت من مكي بن علان خمسة أجزاء. وتفردت، وحجت مرات وتصدقت.
سنة أربع وثلاثين وسبعمائة
جاء بطيبة سيل عظيم أخذ الجمال، وعشرين فرسا، وخرب أماكن. وقدم إلى باب السلطان أمير العرب مهنا فأكرم وأعطي ذهبا كثيرا، وعقارا. وولي الوكالة نجم الدين بن أبي الطيب. ونظر الجامع عز الدين بن منجا. ونقل إلى الحسبة عماد الدين بن الشيرازي، وخلع عليهم يوم عرفة بالطرحات.
وألزم النصارى واليهود بالعمائم الزرق والصفر ببغداد، وهدمت بها كنائسهم، فأسلم رأس اليهود سديد الدولة. وأسقط ببغداد مكوس ومغارم. ودعا المسلمون للوزير محمد بن الرشيد.
ومات بمصر المعمر قاضي القضاة جمال الدين سليمان بن عمر الأذرعي المشهور بالزرعي الشافعي الذي ولي قضاء مصر سنة. ثم قضاء دمشق بعد ابن صصرى. وكان مليح الشكل، وافر الحرمة، قليل العلم. لكنه حكام. درس بأماكن. توفي في صفر عن تسع وثمانين سنة. روى عن ابن عبد الدايم وجماعة.
ومات الأمير شهاب الدين قرطاي المنصوري الذي ناب بطرابلس. توفي بدمشق في صفر.
ومات الشيخ الضال محمد بن عبد الرحمن السيوفي صاحب ابن سبعين. هلك به جماعة.
ومات بحماة الفقيه القدوة الولي نجم الدين عبد الرحمن بن الحسن اللخمي القبابي الحنبلي الزاهد، عن ست وستين سنة. وحمل على الرؤوس.
ومات بمصر الحافظ العلامة المتفنن فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد ابن محمد بن سيد الناس اليعمري في شعبان عن ثلاث وستين سنة. روى عن العز، وغازي، وابن الأنماطي، وخلق. وخرج، ورحل، وجمع، وصنف. وله النظم والنثر، ومعرفة السير والرجال، واللغة، وبراعة الخط. توفي فجأة. وله إجازة النجيب وجماعة.
ومات الصاحب شمس الدين غبريال المسلماني بمصر في عشر الثمانين، يقال: أدى ألفي ألف درهم، وأهين وصودر أهله من بعده. وكان صدرا محتشما نبيلا محبا للستر على الناس قليل الشر والأذى، لولا ما وقع في أيامه من زغل الذهب وتأذي الناس بذلك. وامتدت أيامه بدمشق في سعادة وتنعم. وكان يحب أصحاب ابن تيمية كثيرا ويذب عنهم.
ومات بمصر وكيل بيت المال المعمر المفتي مجد الدين حرمي بن قاسم الفاقوسي مدرس قبة الشافعي. مات في عشر التسعين.
وفي رمضان أوذي قاضي القضاة ابن جملة. وقاموا عليه وهدد وأهين وعزل وحبس بالقلعة بضعة عشر شهرا. وأخذ المنصب شهاب الدين بن المجد عبد الله.
وعزل من السر شرف الدين أبو بكر، وجاء على السر جمال الدين عبد الله بن كمال الدين محمد بن الأثير الفقيه، شاب عاقل دين.
سنة خمس وثلاثين وسبعمائة
استعفى علاء الدين علي بن الشهاب بن السلعوس من ضمانة الدواوين، فولي عماد الدين بن الشيرجي. وظلم الأمير حمزة، وعصر الدويدار وابن جملة، وكاتب السر الشرف، وتمرد وتمكن من النائب. وبنى حماما في القنوات في غاية السعة والزخرفة. ثم استأصله الله، وعرفه ملك الأمراء فصودر وضرب بالبندق، وعصر وقطع لسانه من أصله، فهلك وما رق له مسلم، نسأل الله العفو.
ورضي السلطان عن ثلاثة عشر أميرا وأطلقهم، منهم تمر الساقي الذي ناب بطرابلس، وبيبرس الحاجب. وأغار المسلمون على بلاد سيس فوثب الملاعين على التجار والعربان فقتلوا ألفي مسلم. ووقع بحماة حريق كثير ذهبت به الأموال، واحترق مائتان وخمسون دكانا. وسمر بمصر إبراهيم الساحر.
ومات بدمشق رئيس المؤذنين وأطيبهم صوتا برهان الدين إبراهيم بن محمد الخلاطي الواني الشافعي عن أكثر من تسعين سنة. توفي في صفر. حدث عن الرضي بن البرهان وابن عبد الدايم، وجماعة.
ومات بعده بشهر ولده المحدث مفيد الجماعة أمين الدين محمد عن إحدى وخمسين سنة. روى عن الشرف بن عساكر وأبي الحسن اللمتوني وابن مؤمن، وعدة. وارتحل مرات، وحج، وجاور، وكتب، وخرج، وأفاد.
ومات في صفر مسند الوقت بدر الدين عبد الله بن حسين بن أبي التائب الأنصاري الدمشقي الشاهد، عن قريب من تسعين سنة. وتفرد بأشياء. حدث عن ابن علان، والعراقي، والبلخي، وعثمان ابن خطيب القرافة، وجماعة. سماعه صحيح. وهو لين.
ومات مجود دمشق بهاء الدين محمود بن خطيب بعلبك محيي الدين محمد ابن عبد الرحيم السلمي، عن سبع وأربعين سنة. كتب صحيح البخاري. وكان دينا، ورعا، مليح الشكل، متواضعا.
ومات بمصر الواعظ شمس الدين حسين بن راشد بن مبارك بن الأثير. سمع الحافظ عبد العظيم، وعبد المحسن بن عبد العزيز المخزومي، والنجيب وكان حسن المذاكرة والعلم. عاش أربعا وثمانين سنة.
ومات الحافظ الإمام قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي بمصر في رجب عن إحدى وسبعين سنة. تلا بالسبع على إسماعيل المليحي، وسمع من ابن العماد، وإبراهيم المنقذي، والعز، والفخر علي، وبنت مكي، وابن الفرات الإسكندراني، وصنف، وخرج، وأفاد، مع الصيانة، والديانة، والأمانة، والتواضع، والعلم، ولزوم الاشتغال والتأليف. حج مرات، وحدثنا بمنى. وعمل تاريخا كبيرا لمصر بيض بعضه. وشرح السيرة لعبد الغني في مجلدين. وعمل أربعين تساعيات، وأربعين متباينات، وأربعين بلدانيات. وعمل معظم شرح البخاري في عدة مجلدات.
وماتت في ذي القعدة، المعمرة زينب بنت الخطيب يحيى بن الشيخ عز الدين بن عبد السلام السليمة عن سبع وثمانين سنة. روت عن اليلداني وإبراهيم بن خليل، وعمر بن عوة، وعثمان ابن خطيب القرافة، ولها إجازة السبط. روت الكثير وتفردت.
ومات ملك العرب حسام الدين مهنا ابن الملك عيسى بن مهنا الطائي بقرب سلمية في ذي القعدة عن نيف وثمانين سنة. وأقاموا عليه المأتم، ولبسوا السواد، وكان فيه خير وتعبد.
سنة ست وثلاثين وسبعمائة
سار ملك الأمراء في نقاوة الجيش فقدم جعبر وتصيد خمسة وثلاثين يوما. ودرس بالناصرية النور الأردبيلي. وبالظاهرية ابن قاضي الزبداني. وعزل من السر بدمشق ابن الأثير بالعلم ابن القطب. ودرس بالأمينية ابن إمام المشهد. وعزل الشمس الكاشغري من تدريس الشبلية بنجم الدين إبراهيم بن الطرسوسي.
وناب بصفد الحمص الأخضر سيف الدين طشتمر بعد موت نائبها ايتمش المحمدي.
ومات بدمشق المسند الرحلة أبو الحسن علي بن محمد بن ممدود بن جامع البندنيجي البغدادي الصوفي بالسميساطية، في المحرم عن اثنتين وتسعين سنة. سمع صحيح مسلم من الباذبيني، وجامع الترمذي من العفيف بن الهني، وأجاز له النشتبري، ومحمد بن السباك، وإياس الحجبي صاحب خطيب الموصل، وتفرد، وأكثروا عنه. ثم تعاسر إلا بعطاء.
ومات قاضي بغداد قطب الدين الأخوين، واسمه محمد بن عمر التبريزي الشافعي، وله ثمان وستون سنة. سمع شرح السنة من قاضي تبريز محيي الدين. وكان ذا فنون، ومروءة، وذكاء. وكان يرتشي.
ومات مدرس الناصرية القاضي كمال الدين أبو القاسم بن الصدر عماد الدين بن الشيرازي في صفر عن ست وستين سنة ببستانه بأرض الحميريين. تفقه بالشيخ تاج الدين وغيره. وروى عن أبيه، وابن البخاري. وذكر للقضاء، وكان فيه معرفة، وتواضع، وصيانة. حفظ مختصر المزني.
ومات في صفر فجأة القاضي علاء الدين علي بن محمد بن محمد بن القلانسي مدرس الأمينية والظاهرية. وكان ولي أيضا الوكالة، وقضاء العسكر والمارستان، مع نظر ديوان ملك الأمراء. وذكر للقضاء ثم تنمر له النائب وصودر وعزل. حدث عن الفخر علي، وعاش ثلاثا وستين سنة.
ومات الصالح أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الهكاري الصرخدي في ربيع الأول، حدث عن خطيب مردا، وابن عبد الدايم. عاش تسعين سنة.
ومات بالثغر الرئيس الإمام شهاب الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم المرادي المغربي العشاب وزير متملك تونس، اللحياني في ربيع الأول عن سبع وثمانين سنة. حدث عن إبراهيم بن عبد الرحمن التجيبي، ويوسف بن خميس. وطلب الحديث، وبرع في النحو وأقرأه.
ومات بدمشق ناظر الخزانة عز الدين أحمد بن الزين محمد بن أحمد العقيلي بن القلانسي المحتسب عن ثلاث وستين سنة. وكان مليح الشكل، متواضعا، نزها، دينا، ورعا، أخذت منه الحسبة عام أول. واعتقل لامتناعه من شهادة.
ومات بالأردوا القان أبو سعيد بن خربندا بن أرغون بن آبغا بن هولاوو المغلي، ونقل إلى السلطانية، وله بضع وثلاثون سنة. فدفن بتربته. وكان يكتب المنسوب، ويجيد ضرب العود، وفيه ديانة، ورأفة، وقلة شر. هادن سلطان الإسلام وهادنه، وألقى مقاليد الأمور إلى وزيره ابن الرشيد.
وقدم بغداد مرات وأحبه الرعية. وكانت دولته عشرين سنة.
ومات والي دمشق شهاب الدين أحمد بن سيف الدين أبي بكر بن برق الدمشقي عن أربع وستين سنة. وكان جيد السياسة، محببا إلى الناس. ولي ثلاث عشرة سنة. وحدث عن ابن علان، والمجد بن الخليلي.
ومات بعده بيومين والي البر فخر الدين عثمان بن محمد بن ملك الأمراء شمس الدين لؤلؤ عن أربع وستين سنة أيضا، وكان أجود الرجلين.
وماتت عائشة بنت محمد بن المسلم الحرانية أخت محاسن، في شوال عن تسعين سنة. روت عن العراقي، والبلخي حضورا، وعن اليلداني، ومحمد ابن عبد الهادي، وتفردت.
ومات شيخ الشيعة الزين جعفر بن أبي الغيث البعلبكي الكاتب، عن اثنتين وسبعين سنة. روى عن ابن علان، وتفقه للشافعي، وترفض.
ومات الذي تسلطن بعد أبي سعيد القان أرباخان، ضربت عنقه صبرا يوم الفطر. وكانت دولته نصف سنة. خرج عليه علي باش، والقان موسى، فالتقوا فأسروا المذكور ووزيره الذي سلطنه خواجا محمد بن الرشيد الهمذاني وقتلا صبرا. وكان المصاف في وسط رمضان فدقت لذلك البشائر بدمشق، وجاء الرسول بنصرتهم.
ومات بدمشق الصاحب الأمجد عماد الدين إسماعيل بن محمد بن شيخنا الصاحب فتح الدين بن القيسراني، في ذي القعدة، عن خمس وستين سنة. وكان منشئا بليغا رئيسا دينا صينا نزها. روى عن العز الحراني، وغيره. وهو والد كاتب السر القاضي شهاب الدين.
سنة سبع وثلاثين وسبعمائة
في أولها بلغنا كسرة علي باش وأنه قتل، ثم قتل موسى بن علي بن بيدوا الذي سلطنه، وكانت دولتهم ثلاثة أشهر. وفي المحرم أخذ بمصر شمس الدين بن اللبان الشافعي وشهد عليه عند الحاكم بعظائم تبيح الدم، فرجع ورسم بنفيه، ثم شد منه كبار، ولله الأمر.
وولي بمصر وكالة بيت المال الإمام عز الدين بن جماعة وكيل السلطان. وسار الجيش لحصار سيس، ثم سلم صاحبها سبع قلاع، وصولح وخفف عنه من الحمل، وقرئ له الأمان، فقبل الأرض وبقي العسكر بأرضه أربعة أيام فسلم آياس وكواره ونجيمة وسوكندار والهارونية وقلعة البحر وميناء آياس، وأخذ منه قبل ذلك قلعة النقير.
وقتل على الزندقة عدو الله الحموي الحجار وأحرق. أضل جماعة. قام عليه قاضي القضاة شرف الدين بحماة.
ومات بتبوك الصدر الإمام علاء الدين علي بن محمد بن غانم المنشئ في المحرم، عن ست وثمانين سنة. روى عن ابن عبد الدايم، والزين خالد، والنظام بن البانياسي، وعدة. وحفظ التنبيه، وله النظم والترسل الفائق، والمروءة التامة، وكثرة التلاوة، ولزوم الجماعات، والشيبة البهية، والنفس الزكية. باشر الإنشاء ستين سنة. وحدث بالصحيحين، وحج مرات.
ومات بعده بأشهر أخوه الأديب البليغ شهاب الدين أحمد بن محمد عن سبع وثمانين سنة. وله نظم ونثر ومعرفة بالتواريخ. دخل اليمن ومدح الكبار. وخدم في الديوان. وروى عن ابن عبد الدايم وجماعة. ثم اختلط قبل موته بسنة أو أكثر، وربما ثاب إليه وعيه.
ومات في ربيع الأول الإمام المحدث التقي محب الدين عبد الله بن أحمد بن المحب المقدسي، عن خمس وخمسين سنة. وشيعه الخلق. روى عن الفخر وجماعة. وطلب الحديث سنة سبع وتسعين فقرأ الكثير، وتعب، وخرج، وأفاد العامة. وكان لعبارته وقع عجيب في النفوس، ومحاسنه كثيرة.
ومات في الشهر بحماة المحدث المفيد ناصر الدين محمد بن طغريل الصيرفي عن نيف وأربعين سنة. قرأ الكثير، وتعب، ورحل، وخرج، وقرأ للعوام. حدث عن أبي بكر بن عبد الدايم، وعيسى الدلال. مات غريبا. الله يسامحه.
ومات شيخ نابلس ومفتيها القدوة شمس الدين عبد الله بن العفيف محمد بن يوسف الحنبلي في ربيع الآخر وله ثمان وثمانون سنة. روى عن السبط إجازة، وعن خطيب مردا حضورا، وعن عم أبيه الجمال عبد الرحمن. أم بمسجد الحنابلة نحوا من سبعين سنة وتأسفوا عليه.
ومات بقاسيون شيخ الفقراء أبو عبد الله محمد بن أبي الزهر الغسولي عن ثلاث وثمانين سنة. روى عن إبراهيم بن خليل حضورا، وعن العماد بن عبد الهادي، وابن عبد الدايم، وجماعة. وله زاوية ومريدون.
ومات بمصر مسندها العدل شرف الدين يحيى بن يوسف المقدسي، له إجازة ابن رواج، وابن الجميزي. وروى الكثير وتفرد. توفي في جمادى الآخرة عن نيف وتسعين سنة.
ومات بدمشق في رجب الفقيه العالم شمس الدين محمد بن أيوب ابن علي الشافعي ابن الطحان نقيب الشامية، والسبع الكبير، وله خمس وثمانون سنة وأشهر. سمع من عثمان بن خطيب القرافة، ومن الكرماني، والزين خالد.
ومات الشيخ محمد بن عبد الله بن المجد إبراهيم المصري المرشدي الزاهد في رمضان بقريته منية مرشد كهلا. وقد قرأ في التنبيه والقرآن وانقطع بزاوية له، فكان يقري الضيفان وربما كاشف. وللناس فيه اعتقاد زائد، ويخدم الواردين، ويقدم لهم ألوان المآكل، ولا خادم عنده، حتى قيل: أطعم الناس في ليلة ما قيمته مائة دينار، وأنه أطعم في ثلاث ليال متوالية ما قيمته ألف دينار. وزاره أمراء وكبراء، وبعد صيته حتى أن بعض الفقهاء يقول: كان مخدوما. وبلغني أنه كان في عافية فأرسل إلى القرى المجاورة له: احضروا فقد عرض أمر مهم، ثم دخل خلوته فوجدوه ميتا. قيل: قرأ ختمة على الصائغ.
ومات المعمر الملك أسد الدين عبد القادر بن عبد العزيز بن السلطان الملك المعظم في رمضان عن خمس وتسعين سنة. ودفن بالقدس. روى السيرة وأجزاء عن خطيب مردا، وتفرد. وكان ممتعا بحواسه، مليح الشكل، ما تزوج ولا تسرى.
وقتل صاحب تلمسان أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن الملك يغمراسن بن عبد الواحد الزناتي البربري. وكان سيء السيرة. قتل أباه وكان قتله له رحمة للمسلمين لما انطوى عليه من خبث السريرة وقبح السيرة. ثم تمكن وظلم. وكان بطلا شجاعا، تملك نيفا وعشرين سنة. حاصره سلطان المغرب أبو الحسن المريني مدة. ثم برز عبد الرحمن ليكبس المريني فقتل على جواده في رمضان كهلا.
سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
كان أهل العراق وأذربيجان في خوف وحروب وشدائد وملال لاختلاف التتار.
ومات الصالح المسند أبو بكر بن محمد بن الرضي الصالحي القطان في جمادى الآخرة عن تسع وثمانين سنة. سمع حضورا من خطيب مردا، وعبد الحميد بن عبد الهادي، وسمع من عبد الله بن الخشوعي وابن خليل وابن البرهان، وتفرد، وأكثروا عنه، ونعم الشيخ كان، له إجازة السبط وجماعة.
ومات قبله بشهر المعمر أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عنتر الدمشقي عن ثلاث وتسعين سنة. روى الكثير بإجازة السبط.
ومات القاضي الأثير محيي الدين يحيى بن فضل الله بن مجلي العدوي، كاتب السر بمصر، في رمضان، عن ثلاث وتسعين سنة. ونقل إلى دمشق. وكان صدرا، معظما، متمولا، رزينا، كامل السؤدد. وروى عن ابن عبد الدايم، وغيره. وبالإجازة عن ابن مسلمة. وولي بعده ابنه الصغير علاء الدين.
ومات قاضي القضاة شهاب الدين محمد بن المجد الإربلي ثم الدمشقي الشافعي في آخر جمادى الأولى عن ست وسبعين سنة. نفرت به بغلته فرضت دماغه وهلك إلى عفو الله بعد ست ليال. روى عن ابن أبي اليسر، وابن أبي عمر، وجماعة. وأفتى، وناظر، وحكم نحو ثلاث سنين. وجاء على منصبه قاضي المالكية جلال الدين.
ومات بحماة قاضيها شيخ الإسلام شرف الدين هبة الله ابن القاضي نجم الدين عبد الرحيم ابن القاضي شمس الدين إبراهيم بن البارزي الجهني الشافعي. في ذي القعدة عن ثلاث وتسعين سنة. روى عن جده، وابن هامل وله من الباذرائي، والكمال الضرير، وجماعة، إجازة. وكان إماما، قدوة، مصنفا، صاحب فنون، وإكباب على العلم، وصلاح، وتواضع، وخشية، وصحة ذهن. بلغ رتبة الاجتهاد وتخرج به الأصحاب، رحمه الله.
ومات بدمشق مدرس الشامية الذي كان قاضي القضاة، جمال الدين يوسف بن إبراهيم بن جملة المحجي ثم الصالحي الشافعي، في ذي القعدة، عن سبع وخمسين سنة. حدث عن الفخر وغيره. وتفقه بابن الوكيل، وبابن النقيب، وتميز، ودرس. سعى له ناصر الدين الدويدار فولي القضاء نحو سنتين وعزل وسجن مدة، ثم أعطي الشامية. وكان قوي النفس، ماضي الحكم على حدة فيه. وكان كثير الفضائل.
ومات بمصر شيخ الشافعية زين الدين عمر بن أبي الحزم الدمشقي بن الكتاني، عن خمس وثمانين سنة. وكان تام الشكل، عالما، ذكيا، مهيبا، مائلا إلى الحجة، فيه قوة وزعارة. سمع جزء الأنصاري وأبي أن يحدث. ولي مشيخة المنصورية وغير ذلك، وكان يذكر دروسا مفيدة.
ومات بدمشق بالشامية الكبرى مدرسها العلامة زين الدين محمد بن عبد الله بن المرحل، في رجب، عن بضع وأربعين سنة. فقيه، مناظر، أصولي. تفقه بعمه. وناب في الحكم عن ابن الإخنائي، وكان يذكر للقضاء.
ومات بقوص ولي العهد القائم بأمر الله محمد بن أمير المؤمنين المستكفي. وكان سريا، فقيها، شجاعا، مهيبا، وسيما. قيل: هو السبب في تسييرهم إلى قوص. مات في ذي الحجة عن أربع وعشرين سنة.
سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
عساكر التتار في اختلاف وافتراق، والرعية في مشاق لذلك وخوف ومغارم.
وفي رجب هلك تحت الزلزلة بطرابلس الشام ستون نفسا.
وفيه قدم العلامة شيخ الإسلام تقي الدين السبكي على قضاء الشافعية بالشام، وفرح المسلمون به.
ومات ببغداد عالمها الإمام ذو الفنون صفي الدين عبد المؤمن بن الخطيب عبد الحق بن شمايل البغدادي الحنبلي مدرس البشيرية في صفر وله إحدى وثمانون سنة. صنف شرحا للمحرر في ستة أسفار، وألف في الفرائض، وطلب الحديث، وعمل معجما. حدث عن عبد الصمد بن أبي الجيش، والكمال ابن الفويرة، وأسمعته من الشرف بن عساكر، وله نظم رائق، وفيه دين، وفتوة، وأخلاق، وتصوف، ولم يتأهل.
ومات بمصر قاضي حلب ذو الفنون فخر الدين عثمان بن خطيب جبرين علي بن عثمان الحلبي الشافعي في المحرم، عن سبع وسبعين سنة. كان طلب وأخرق به، وعزل، والله يأجره. وكان يدري القراءات، والأصول، والنحو. وله تواليف وتلامذة.
ومات بدمشق قاضي قضاة الإقليمين جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الشافعي في نصف جمادى الأولى وله ثلاث وسبعون سنة. ودفن بمقابر الصوفية. وكان مولده بالموصل، وتفقه بأبيه، وأخذ الأصول عن الأيكي، وأفتى، ودرس، وناظر، وتخرج به الأصحاب. وكان مليح الشكل، فصيحا، حسن الأخلاق، غزير العلم، ناب في القضاء لأخيه إمام الدين، ولابن صصرى. ثم ولي خطابة دمشق مدة، ثم قضاءها، ثم قضاء الديار المصرية إحدي عشرة سنة ثم نقل إلى قضاء دمشق وأصابه طرف فالج مديدة. وتأسفوا عليه لأياديه وحلمه، والله يسمح لنا وله. حدث عن الفاروثي وغيره.
ومات القاضي الإمام القدوة العابد بدر الدين أبو اليسر محمد بن قاضي القضاة الإمام العادل عز الدين محمد بن عبد القادر الأنصاري بن الصائغ الدمشقي الشافعي، مدرس العمادية، والدماغية، في جمادى الأولى، عن ثلاث وستين سنة. حدث عن ابن شيبان، والفخر وطائفة. وحفظ التنبيه، ولازم الشيخ برهان الدين زمانا، وجاءه التقليد والتشريف بقضاء القضاة في سنة سبع وعشرين فأصر على الامتناع فأعفي. ثم ولي خطابة القدس وتركها. وكان مقتصدا في أموره، كثير المحاسن، حج غير مرة.
ومات شيخ الأمراء الكبير سيف الدين كجكن المنصوري عن نحو التسعين.
ومات بمصر المعمر الشيخ موفق الدين أحمد بن أحمد بن محمد ابن عثمان بن مكي الشارعي. وكان آخر من حدث بالسماع عن جد أبيه، وكان من أبناء التسعين. لحقه أبو الخير الدهلي. مات في جمادى الأولى.
ومات المفتي زين الدين عبادة بن عبد الغني السعدي الحراني الحنبلي، في شوال، عن ثمان وستين سنة. حدث بالصحيح عن القاسم الإربلي وغيره. وكان دينا، متهجدا، متواضعا، جوادا، مناظرا، صحبته بضعا وأربعين سنة. وكان يلي العقود والفسوخ.
ومات شيخ بلاد الجزيرة الإمام القدوة شمس الدين محمد بن شرشق بن محمد بن عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الجيلي في أول ذي الحجة بقرية الجبال من عمل سنجار عن تسع وثمانين سنة. وكان عالما، صالحا، وقورا، وافر الجلالة، حج مرتين. وروى عن الفخر علي بدمشق، وببغداد، وخلف أولادا كبارا، لهم كفاية وحرمة.
ومات العدل الأمير شمس الدين محمد بن إبراهيم بن الجزري الدمشقي صاحب التاريخ الكبير، في وسط السنة، وله إحدى وثمانون سنة. وكان دينا ساكنا، وقورا، به صمم. روى عن إبراهيم بن أحمد، والفخر ابن البخاري، وسمع ولديه مجد الدين، ونصير الدين كثيرا.
ومات بخليص محرما في ذي الحجة الإمام الحافظ محدث الشام علم الدين القاسم بن محمد بن البرزالي الشافعي، صاحب التاريخ، والمعجم الكبير، وله أربع وسبعون سنة وأشهر. وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين. روى عن ابن أبي الخير، وابن أبي عمر، والعز الحراني، وغازي، وخلق كثير. وقرأ، وكتب، وتعب وأفاد، وخرج مع الصدق والتواضع، والإتقان، وكثرة المحاسن. ووقف جميع كتبه. وأوصى بثلثه. وحج خمس مرات، رحمه الله.
وفي المحرم منها مات الشيخ شرف الدين أبو الحسين بن عمر البعلي شيخ الربوة والشبلية. حدث عن الشيخ شمس الدين، وابن البخاري وطائفة. وله بضع وثمانون سنة.
ومات بأطرابلس الشيخ ناصر الدين محمد بن العلم المنذري. سمع المسند من ابن شيبان.
ومات بالقدس خطيبه زين الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الشافعي.
ومات بدمشق معيد البادرائية المعمر علاء الدين علي بن عثمان ابن الخراط. حدث عن ابن البخاري وغيره. وعمل خطبا ومقامات.
ومات شيخنا المعمر الصالح شرف الدين الحسين بن علي بن محمد بن العماد الكاتب عن ثمانين سنة وأشهر. درس بالعمادية. وحدث عن ابن أبي اليسر وابن الأوحدي، وجماعة.
ومات بدمشق نقيب الأشراف عماد الدين موسى بن جعفر بن محمد بن عدنان الحسيني. وكان سيدا نبيلا. وقف على من يقرأ الصحيحين بالنورية في الأشهر الحرم.
ومات بالقاهرة قاضي العساكر، وناظر الخزانة، القاضي كمال الدين أحمد بن قاضي القضاة علم الدين الإخنائي. حدث عن الدمياطي وغيره.
ومات بالإسكندرية قاضيها العلامة وجيه الدين يحيى بن محمد الصنهاجي المالكي. ولحقه الدهلي.
ومات بالصالحية المعمر نجم الدين عبد الرحيم بن الحاج محمود السبعي. حدث عن ابن عبد الدايم وغيره، وله إحدى وتسعون سنة.
سنة أربعين وسبعمائة
في صفر هبت ريح بجبل طرابلس وسموم وعواصف على جبال عكا، وسقط نجم اتصل نوره بالأرض برعد عظيم، وعلقت منه نار في أراضي الجون أحرقت أشجارا، ويبست ثمارا، وأحرقت منازل، وكان ذلك آية. ونزلت من السماء نار بقرية الفيجة على قبة خشب أحرقتها وأحرقت إلى جانبها ثلاثة بيوت. وصح هذا واشتهر. وأمر التتار في اختلاف، وهرج، وفرقة.
ومات بدمشق الشيخ المعمر نجم الدين إبراهيم بن بركات بن أبي الفضل بن القرشية البعلبكي الصوفي. أحد أعيان الصوفية، وأكابر الفقراء القادرية، عن تسعين سنة. أو أكثر. حدث عن الشيخ الفقيه. وكان خاتمة أصحابه، وعن ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر وجماعة. وولي مشيخة الشبلية والأسدية، توفي في رجب.
ومات بمصر العلامة مجد الدين أبو بكر بن إسماعيل بن عبد العزيز الزنكلوني الشافعي، في ربيع الأول، عن بضع وستين سنة. إمام، مفت، ورع، صالح، مصنف. ألف للتنبيه شرحا، وللتعجيز. وتفقه به جماعة. روى عن الأبرقوهي وغيره، ودرس.
وماتت مسندة الشام أم عبد الله زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم المقدسية، المرأة الصالحة العذراء، في تاسع عشر جمادى الأولى، عن أربع وتسعين سنة. روت عن محمد بن عبد الهادي وخطيب مردا واليلداني وسبط ابن الجوزي وجماعة. وبالإجازة عن عجيبة الباقدارية وابن الخير وابن العليق والنشري، وعدد كثير. وتكاثروا عليها. وتفردت. وروت كتبا كبارا. رحمها الله.
وفي ليلة السادس والعشرين من شوال وقع بدمشق حريق كبير شمل اللبادين القبلية، وما تحتها وما فوقها، إلى عند سوق الكتب واحترق سوق الوراقين، وسوق الدهشة وحاصل الجامع وما حوله والمئذنة الشرقية، وعدم للناس فيه من الأموال والمتاع ما لا يحصر. ونسب فعل ذلك إلى النصارى فأمسك كبارهم وسمروا حتى ماتوا.
وفي هذا العام مات الخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان بن الحاكم العباسي بقوص. وكانت خلافته ثمانيا وثلاثين سنة. وبويع لأخيه إبراهيم بغير عهد.
ومات القاضي الإمام محيي الدين إسماعيل بن يحيى بن جهبل الشافعي عن سن عالية. حكم بدمشق نيابة، ثم ولي قضاء طرابلس، ثم عزل. وحدث عن ابن عطاء وابن البخاري وجماعة.
وفيه قبض على الصاحب شرف الدين عبد الوهاب النشو القبطي في صفر وصودر، واستصفيت حواصله بمباشرة الأمير سيف الدين شنكر الناصري. ومن جملة ما وجد له صندوق ضمنه تسعة عشر ألف دينار وأربعمائة مثقال لؤلؤ كبار وصليب مجوهر. ووجد بداره كنيسة مرخمة مصورة بمحاريبها الشرقية ومذابحها وآلاتها. واستمر الملعون في العقوبة حتى هلك في ربيع الآخر.
وقد زاد النيل في اليوم الذي قبض فيه على النشو ثمانية عشر إصبعا وثاني يوم إلى اثنين وعشرين إصبعا ولله الحمد.