حقوق آل البيت بين السنة والبدعة ابن تيمية |
قال الشيخ الإمام العالم العامل فريد عصره، مفتي الفرق، شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ الإمام العالم شهاب الدين عبد الحليم بن الشيخ الإمام العلامة مجد الدين عبد السلام بن تيميه رضي الله عنه وأرضاه، وأعلى درجته:
هذا الكتاب إلى من يصل إليه من الإخوان المؤمنين الذين يتولون الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون، الذين يحبون الله ورسوله ومن أحبه الله ورسوله، ويعرفون من حق المتصلين برسول الله ما شرعه الله ورسوله، فإن من محبة الله وطاعته محبة رسوله وطاعته، ومن محبة رسوله وطاعته محبة من أحبه الرسول ﷺ وطاعة من أمر الرسول بطاعته، كما قال تعالى: { يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا }.
وقال النبي ﷺ: « من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني » [1]، وقال ﷺ فيما رواه عنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: « إنما الطاعة في المعروف » [2]، وقال: « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ». [3]
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل وهو على كل شيء قدير، ونصلي على إمام المتقين، وخاتم النبيين عبده ورسوله ﷺ تسليما كثيرا. أما بعد:
وحدة المسلمين بالكتاب والسنة
فإن الله سبحانه وتعالى بعث محمدا بالكتاب والحكمة ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، وقال الله تعالى: { لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين }. وقال تعالى: { واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به }. وقال لأزواج نبيه ﷺ: { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة }.
والذي كان يتلوه هو رسول الله ﷺ في بيوت أزواجه: كتاب الله والحكمة. فكتاب الله هو القرآن، والحكمة هي ما كان يذكره من كلامه، وهي سنته ﷺ. فعلى المسلمين أن يتعلموا هذا وهذا.
وفي الحديث المشهور الذي رواه الترمذي وغيره عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: « ستكون فتنة. قلت: فما المخرج يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ». [4] وقال الله تعالى في كتابه: { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا }، وقال في كتابه: { إن الذين تفرقوا وكانوا شيعا لست منهم في شيء }. فذم الذين تفرقوا فصاروا أحزابا وشيعا، وحمد الذين اتفقوا وصاروا معتصمين بحبل الله الذي هو كتابه شيعة واحدة للأنبياء كما قال تعالى: { وإن من شيعته لإبراهيم }، وإبراهيم أبو الأنبياء، كما قال: { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين }. وقال تعالى: { إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يكن من المشركين }، إلى أن قال: { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركيين }.
وكان النبي ﷺ يعلم أمته أن يقولوا إذا أصبحوا: « أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد ﷺ وملة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ». [5] وقال النبي ﷺ: « ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، فلا ألفين رجلا شبعان على أريكته يقول: بيننا وبينكم هذا القرآن، فما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ». [6]
فهذا الحديث موافق لكتاب الله، فإن الله ذكر في كتابه أنه ﷺ يتلو الكتاب والحكمة، وهي التي أوتيها مع الكتاب، وقد أمر في كتابه بالاعتصام بحبله جميعا، ونهى عن التفرق والاختلاف، و «أمر» أن نكون شيعة واحدة، لا شيعا متفرقين، وقال الله تعالى في كتابه: { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين * إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون } فجعل المؤمنين إخوة، وأمر بالإصلاح بينهم بالعدل مع وجود الاقتتال والبغي.
وقال النبي ﷺ: « مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر »، [7] وقال: « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا »، وشبك بين أصابعه. [8]
فهذه أصول الإسلام التي هي الكتاب والحكمة، والاعتصام بحبل الله جميعا واجب على أهل الإيمان للاستمساك بها.
أهل البيت وخصائصهم
ولا ريب أن الله قد أوجب فيها من حرمة خلفائه وأهل بيته والسابقين الأولين، والتابعين لهم بإحسان ما أوجب. قال الله تعالى: { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما }.
وقد روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أم سلمة: أن هذه الآية لما نزلت أدار النبي ﷺ كساءه على عليّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم فقال: « اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا » 3. [9] وسنته تفسر كتاب الله وتبينه، وتدل عليه، وتعبر عنه. فلما قال: « هؤلاء أهل بيتي » مع أن سياق القرآن يدل على أن الخطاب مع أزواجه، علمنا أن أزواجه وإن كن من أهل بيته كما دل عليه القرآن، فهؤلاء أحق بأن يكونوا أهل بيته، لأن صلة النسب أقوى من صلة الصهر، والعرب تطلق هذا البيان للاختصاص بأصل الحكم، كقول النبي ﷺ ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، وإنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يتفطن له يتصدق عليه، ولا يسأل الناس إلحافا ».
بين بذلك: أن هذا مختص بكمال المسكنة، بخلاف الطواف فإنه لا تكمل فيه المسكنة، لوجود من يعطيه أحيانا، مع أنه مسكين أيضا. ويقال: هذا هو العالم، وهذا هو العدو، وهذا هو المسلم، لمن كمل فيه ذلك وإن شاركه غيره في ذلك وكان دونه.
ونظير هذا في الحديث ما رواه مسلم في صحيحه عن النبي ﷺ أنه سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال: « مسجدي هذا » يعني مسجد المدينة. مع أن سياق القرآن في قوله عن مسجد الضرار: { لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين }. يقتضى أنه مسجد قباء. فإنه قد تواتر أنه قال لأهل قباء: « ماهذا الطهور الذي أثنى الله عليكم به؟ فقالوا: لأننا نستنجي بالماء ».[10] لكن مسجده أحق بأن يكون مؤسسا على التقوى من مسجد قباء، وإن كان كل منهما مؤسسا على التقوى، وهو أحق أن يقوم فيه من مسجد الضرار، فقد ثبت عنه ﷺ: أنه كان يأتي قباء كل سبت راكبا وماشيا، فكان يقوم في مسجده القيام الجامع يوم الجمعة، ثم يقوم بقباء يوم السبت، [11] وفي كل منهما قد قام في المسجد المؤسس على التقوى.
ولما بين سبحانه أنه يريد أن يذهب الرجس عن أهل بيته ويطهرهم تطهيرا، دعا النبي ﷺ لأقرب أهل بيته وأعظمهم اختصاصا به، وهم: علي، وفاطمة، رضي الله عنهما، وسيدا شباب أهل الجنة، جمع الله لهم بين أن قضى لهم بالتطهير، وبين أن قضى لهم بكمال دعاء النبي ﷺ، فكان في ذلك ما دلنا على أن إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم نعمة من الله ليسبغها عليهم، ورحمة من الله وفضل لم يبلغوهما بمجرد حولهم وقوتهم، إذ لو كان كذلك لاستغنوا بهما عن دعاء النبي ﷺ، كما يظن من يظن أنه استغنى في هدايته وطاعته عن إعانة الله تعالى له، وهدايته إياه.
وقد ثبت أيضا بالنقل الصحيح: أن هذه الآيات لما نزلت قرأها النبي ﷺ على أزواجه، وخيرهن كما أمره الله، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، ولذلك أقرهن، ولم يطلقهن، حتى مات عنهن، [12] ولو أردن الحياة الدنيا وزينتها لكان يمتعهن ويسرحهن كما أمره الله سبحانه وتعالى، فإنه ﷺ أخشى الأمة لربه وأعلمهم بحدوده.
ولأجل ما دلت عليه هذه الآيات من مضاعفة للأجور والوزر بلغنا عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين وقرة عين الإسلام أنه قال: « إني لأرجو أن يعطي الله للمحسن منا أجرين، وأخاف أن يجعل على المسيء منا وزرين ».
وثبت في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنه قال: خطبنا رسول الله ﷺ بغدير يدعى « خم » بين مكة والمدينة فقال: « وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ». قيل لزيد بن أرقم: ومن أهل بيته؟ قال: الذين حرموا الصدقة: آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل عباس. قيل لزيد: أكل هؤلاء أهل بيته؟ قال: نعم ». [13]
وقد ثبت عن النبي ﷺ من وجوه صحاح أن الله لماأنزل عليه: { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما }. سأل الصحابة: كيف يصلون عليه؟ فقال: « قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ». [14] وفي حديث صحيح: « اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته ».
ما لهم وما عليهم
وثبت عنه أن ابنه الحسن لما تناول تمرة من تمر الصدقة قال له: « كخ، كخ، أما علمت أنا آل البيت لا تحل لنا الصدقة »، [15] وقال: « إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد »[16] وهذا والله أعلم من التطهير الذي شرعه الله لهم، فإن الصدقة أوساخ الناس، فطهرهم الله من الأوساخ، وعوضهم بما يقيتهم من خمس الغنائم، ومن الفيء الذي جعل منه رزق محمد حيث قال ﷺ فيما رواه أحمد وغيره: « بعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم ». [17]
ولهذا ينبغي أن يكون اهتمامهم بكفاية أهل البيت الذين حرمت عليهم الصدقة أكثر من اهتمامهم بكفاية الآخرين من الصدقة، لا سيما إذا تعذر أخذهم من الخمس والفيء، إما لقلة ذلك، وإمـا لظلم من يستولي على حقوقهم، فيمنعهم إياها من ولاة الظلم، فيعطون من الصدقة المفروضة ما يكفيهم إذا لم تحصل كفايتهم من الخمس والفيء.
صفات أهل الفيء
وعلى الآخذين من الفيء من ذوي القربى وغيرهم أن يتصفوا بما وصف الله به أهل الفيء في كتابه حيث قال: { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } الآيات.
فجعل أهل الفيء ثلاثة أصناف: المهاجرين، والأنصار، والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
وذلك أن الفيء إنما حصل بجهاد المهاجرين والأنصار وإيمانهم وهجرتهم ونصرتهم، فالمتأخرون إنما يتناولونه مخلفا عن أولئك، مشبها بتناول الوارث ميراث أبيه، فإن لم يكن مواليا له لم يستحق الميراث، « فلا يرث المسلم الكافر »، [18] فمن لم يستغفر لأولئك بل كان مبغضا لهم خرج عن الوصف الذي وصف الله به أهل الفيء، حتى يكون قلبه مسلما لهم، ولسانه داعيا لهم، ولو فرض أنه صدر من واحد منهم ذنب محقق فإن الله يغفره له بحسناته العظيمة، أو بتوبة تصدر منه، أو يبتليه ببلاء يكفر به سيئاته، أو يقبل في شفاعة نبيه وإخوانه المؤمنين، أو يدعو الله بدعاء يستجيب له.
سب الصحابة حرام
وقد ثبت عن النبي ﷺ في الصحاح من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن حاطب بن أبي بلتعة كاتب كفار مكة لما أراد النبي ﷺ أن يغزوهم غزوة الفتح، فبعث إليهم إمرأة معها كتاب يخبرهم فيه بذلك، فجاء الوحي إلى النبي ﷺ بذلك، فبعث عليا والزبير فأحضروا الكتاب، فقال: « ما هذا يا حاطب؟ » فقال: والله يا رسول الله ما فعلت ذلك أذى ولا كفرا، ولكن كنــت امرأ ملصقــا من قريــش، ولم أكــن من أنفسهم، وكان من معك من أصحابك لهم قرابات يحمون بها أهليهم، فأردت أن أتخذ عندهم يدا أحمي بها قرابتي، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال ﷺ: « إنه شهد بدرا، وما يدريك لعل الله قد اطلع عل أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ». وأنزل الله تعالى في ذلك: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة } الآيات.
وثبت في صحيح مسلم أن غلام حاطب هذا جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله والله ليدخلن حاطب النار، وكان حاطب يسىء إلى مماليكه. فقال النبي ﷺ: « كذبت، إنه قد شهد بدرا والحديبية ». وقال ﷺ: « لا يدخل النار واحد بايع تحت الشجرة ». [19]
فهذا حاطب قد تجسس على رسول الله ﷺ في غزوة فتح مكة التي كان ﷺ يكتمها عن عدوه، وكتمها عن أصحابه، وهذا من الذنوب الشديدة جدا، وكان يسيء إلى مماليكه، وفي الحديث المرفوع، « لن يدخل الجنة سيء الملكة ». [20] ثم مع هذا لما شهد بدرا والحديبية غفر الله له ورضي عنه، فإن الحسنات يذهبن السيئات. فكيف بالذين هم أفضل من حاطب وأعظم إيمانا وعلما وهجرة وجهادا، فلم يذنب أحد قريبا من ذنوبه؟
ثم إن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه روى هذا الحديث في خلافته، ورواه عنه كاتبه عبيد الله بن أبي رافع، وأخبر فيه أنه هو والزبير ذهبا لطلب الكتاب من المرأة الظعينة، وأن النبي ﷺ شهد لأهل بدر بما شهد، مع علم أمير المؤمنين بما جرى، ليكف القلوب والألسنة عن أن تتكلم فيهم إلا بالحسنى، فلم يأت أحد منهم بأشد مما جاء به حاطب، بل كانوا في غالب ما يأتون به مجتهدين، وقد قال النبي ﷺ: « إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر ». [21] وهذا حديث صحيح مشهور.
وثبت عنه أيضا أنه لما كان في غزوة الأحزاب فرد الله الأحزاب بغيظهم لم ينالوا خيرا، وأمر نبيه بقصد بني قريظة قال لاصحابه« لايصلين احد منكم العصر إلافى بنى قريظة » [22] فأدركتهم الصلاة في الطريق، فمنهم قوم قالوا: لا نصليها إلا في بني قريظة، ومنهم قوم قالوا: لم يرد منا تفويت الصلاة، إنما أراد المسارعة، فصلوا في الطريق. فلم يعنف النبي ﷺ واحدة من الطائفتين.
وكانت سنة رسول الله ﷺ هذه موافقة لما ذكره الله سبحانه وتعالى حيث قال: { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما } فأخبر سبحانه وتعالى أنه خص أحد النبيين بفهم الحكم في تلك القضية، وأثنى على كل منهما بما اتاه من العلم والحكم.
فهكذا السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ورضوا عنه، كانوا فيما تنازعوا فيه مجتهدين طالبين للحق.
جهل الشيعة بمذهب الامام علي
وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: « من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة ». [23] وروى عنه مولاه سفينة أنه قال: « الخلافة ثلاثون سنة، ثم تصير ملكا ». [24] فكان آخر الثلاثين حين سلم سبط رسول الله ﷺ الحسن بن علي رضي الله عنهما الأمر إلى معاوية. وكان معاوية أول الملوك، وفيه ملك ورحمة، كما روى في الحديث: « ستكون خلافة نبوة، ثم يكون ملك ورحمة، ثم يكون ملك وجبرية، ثم يكون ملك عضوض ». [25]
وقد ثبت عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه من وجوه أنه لما قاتل أهل الجمل لم يسب لهم ذرة، ولم يغنم لهم مالا، ولا أجهز على جريح، ولا اتبع مدبرا، ولا قتل أسيرا، وأنه صلى على قتلى الطائفتين بالجمل وصفين، وقال: « إخواننا بغوا علينا »5. [26] وأخبر أنهم ليسوا بكفار ولا منافقين، واتبع فيمـــا قاله كتاب الله وســـنة نبيــه ﷺ، فإن الله سماهـــم إخوة وجعلهم مؤمنين في الاقتتال و البغي كما ذكر في قوله: { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا }.
وثبت عن النبي ﷺ في الصحاح أنه قال: « تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين، تقتلهم أولى الطائفتين بالحق ». [27]
وهذه المارقة هم أهل حروراء، الذين قتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه لما مرقوا من الإسلام، وخرجوا عليه، فكفروه، وكفروا سائر المسلمين، واستحلوا دمائهم وأموالهم.
وقد ثبت عن النبي ﷺ من طرق متواترة أنه وصفهم وأمر بقتالهم، فقال: يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقرآنه مع قرآنهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الذين يقتلونهم ما لهم على لسان محمد ﷺ لنكلوا عن العمل »2. [28] فقتلهم علي رضي الله عنه وأصحابه، وسر أمير المؤمنين بقتلهم سرورا شديدا وسجد لله شكرا، لما ظهر فيهم علامتهم وهو المخدج اليد، الذي على يده مثل البضعة من اللحم، عليها شعرات فاتفق جميع الصحابة على استحلال قتالهم، وندم كثير منهم كابن عمر وغيره على ألا يكونوا شهدوا قتالهم مع أمير المؤمنين، بخلاف ما جرى في وقعة الجمل وصفين، فإن أمير المؤمنين كان متوجعا لذلك القتال، متشكيا مما جرى، يتراجع هو وابنه الحسن القول فيه، ويذكر له الحسن أن رأيه ألا يفعله.
فلا يستوي ما سر قلب أمير المؤمنين وأصحابه وغبطه به من لم يشهده، مع ما تواتر عن النبي ﷺ فيه وساءه وساء قلب أفضل أهل بيته، حب النبي ﷺ، الذي قال فيه: « اللهم إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه ». [29] وإن كان أمير المؤمنين هو أولى بالحق ممن قاتله في جميع حروبه.
ولا يستوي القتلى الذين صلى عليهم و سماهم إخواننا، والقتلى الذين لم يصل عليهم، بل قيل له: من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟ فقال: هم أهل حروراء.
فهذا الفرق بين أهل حروراء وبين غيرهم الذي سماه أمير المؤمنين في خلافته بقوله وفعله موافقا فيه لكتاب الله وسنة نبيه ﷺ هو الصواب الذي لا معدل عنه لمن هدى رشده، وإن كان كثير من علماء السلف والخلف لا يهتدون لهذا الفرقان، بل يجعلون السير في الجميع واحدة. فإما أن يقصروا بالخوارج عما يستحقونه من البغض واللعن والقتل واما يزيدوا على غيرهم ما يستحقون من ذلك
عوامل الضلال
وسبب ذلك قلة العلم والفهم لكتاب الله وسنة رسوله الثابتة عنه، وسيرة خلفائه الراشدين المهديين، وإلا فمن استهدى الله واستعانه، وبحث عن ذلك، وطلب الصحيح من المنقول، وتدبر كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، وسنة خلفائه رضي الله عنهم، ولا سيما سيرة أمير المؤمنين الهادي المهدي التي جرى فيها ما اشتبه على خلق كثير فضلوا بسبب ذلك، إما غلوا فيه، وإما جفاء عنه، كما روى عنه قال: « يهلك في رجلان: محب غال يقرظني بما ليس في، ومبغض قال يرميني بما نزهني الله منه ». [30]
وحد ذلك وملاك ذلك شيئان: طلب الهدى، ومجانبة الهوى، حتى لا يكون الإنسان ضالا وغاويا، بل مهتديا راشدا، قال الله تعالى في حق نبيه ﷺ: { والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى }. فوصفه بأنه ليس بضال – أي ليس بجاهل – ولا غاو – أي ولا ظالم – فإن صلاح العبد في أن يعلم الحق ويعمل به، فمن لم يعلم الحق فهو ضال عنه. ومن علمه فخالفه واتبع هواه فهو غاو، ومن علمه وعمل به كان من أولى الأيدي عملا، ومن أولى الأبصار علما، وهو الصراط المستقيم الذي أمرنا الله سبحانه في كل صلاة أن نقول: { اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين }.
فالمغضوب عليهم: الذين يعرفون الحق ولا يتبعونه كاليهود، والضالون: الذين يعملون أعمال القلوب و الجوارح بلا علم كالنصارى. ولهذا وصف الله اليهود بالغواية في قوله تعالى: { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا }.
ووصف العالم الذي لم يعمل بعلمه في قوله تعالى: { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه }. ووصف النصارى بالضلال في قوله تعالى: { ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل }.
ووصف بذلك من يتبع هواه بغير علم حيث قال: { وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين }. وقال: { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله }.
وأخبر من اتبع هداه المنزل فإنه لا يضل كما ضل الضالون، ولا يشقى كما يشقى المغضوب عليهم فقال: { فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى }. قال ابن عباس: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة.
ومن تمام الهداية: أن ينظر المستهدي في كتاب الله وفيما تواتر من سنة نبيه، وسنة الخلفاء، وما نقله الثقات الأثبات، ويميز بين ذلك وبين ما نقله من لا يحفظ الحديث، أو يتهم فيه بكذب لغرض من الأغراض، فإن المحدث بالباطل إما أن يتعمد الكذب، أو يكذب خطأ لسوء حفظه أو نسيانه، أو لقلة فهمه وضبطه.
ثم إذا حصلت للمستهدى المعرفة بذلك تدبر ذلك، وجمع بين المتفق منه، وتدبر المختلف منه، حتى يتبين أنه متفق في الحقيقة وإن كان الظاهر مختلفا، أو أن بعضه راجح يجب اتباعه، والآخر مرجوح ليس بدليل في الحقيقة، وإن كان في الظاهر دليلا.
أما غلط الناس فلعدم التمييز بين ما يعقل من النصوص والآثار، أويعقل بمجرد القياس والاعتبار، ثم إذا خالط الظن والغلط في العلم هوى النفوس ومناها في العمل صار لصاحبها نصيب من قوله تعالى: { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى }.
وهذا سبب ما خلق الإنسان عليه من الجهل في نوع العلم، والظلم في نوع العمل فبجهله يتبع الظن، وبظلمه يتبع ما تهوى الأنفس. ولما بعث الله رسله وأنزل كتبه، لهدى الناس وإرشادهم، صار أشدهم اتباعا للرسل أبعدهم عن ذلك، كما قال تعالى: { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم }.
ولهذا صار ما وصف الله به الإنسان لا يخص غير المسلمين دونهم، ولا يخص طائفة من الأمة، لكن غير المسلمين أصابهم ذلك في أصول الإيمان التي صار جهلهم وظلمهم فيها كفرانا وخسرانا مبينا، ولذلك من ابتدع في أصول الدين بدعة جليلة أصابه من ذلك أشد مما يصيب من أخطأ في أمر دقيق أو أذنب فيه، والنفوس لهجة بمعرفة محاسنها، ومساويء غيرها.
وأما العالم العادل فلا يقول إلا الحق، ولا يتبع إلا إياه، ولهذا من يتبع المنقول الثابت عن النبي ﷺ، وخلفائه، وأصحابه، وأئمة أهل بيته، مثل الإمام علي بن الحسين زين العابدين، وابنه الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر، وابنه الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق شيخ علماء الأمة، ومثل أنس بن مالك، والثوري وطبقتهما، وجد ذلك جميعه متفقا مجتمعا في أصول دينهم، وجماع شرائعهم، ووجد في ذلك ما يشغله وما يغنيه عما أحدثه كثير من المتأخرين من أنواع المقالات التي تخالف ما كان عليه أولئك السلف وهؤلاء المتأخرين، ممن ينتصب لعداوة آل بيت رسول الله ﷺ، ويبخسهم حقوقهم، ويؤذيهم، أو ممن يغلو فيهم غير الحق، ويفتري عليهم الكذب، ويبخس السابقين والطائعين حقوقهم، ورأى أن في المأثور عن أولئك السلف في باب التوحيد والصفات، وباب العدل والقدر، وباب الإيمان والأسماء والأحكام، وباب الوعيد والثواب، والعذاب، وباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما يتصل به من حكم الأمراء أبرارهم وفجارهم، وحكم الرعية معهم، والكلام في الصحابة والقرابة ما يبين لكل عاقل عادل أن السلف المذكورين لم يكن بينهم من النزاع في هذه الأبواب إلا من جنس النزاع الذي أقرهم عليه الكتاب والسنة كما تقدم ذكره، وإن البدع الغليظة المخالفة للكتاب والسنة، واتفاق أولي الأمر الهداة المهتدين إنما حدثت مع الأخلاف، وقد يعزون بعض ذلك إلى بعض الأسلاف، تارة بنقل غير ثابت، وتارة بتأويل لشيء من كلامهم متشابه.
ثم إن من رحمة الله أنه قل أن ينقل عنهم شيء من ذلك إلا وفي النقول الصحيحة الثابتة عنهم للقول المحكم الصريح ما يبين غلط الغالطين عليهم في النقل أو التأويل، وهذا لأن الصراط المستقيم في كل الأمة بمنزلة الصراط في الملك، فكمال الإسلام هو الوسط في الأديان والملك، كما قال تعالى: { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } لم ينحرفوا انحراف اليهود والنصارى والصابئين.
فكذلك أهل الاستقامة، ولزوم سنة رسول الله ﷺ، وما عليه السلف، تمسكوا بالوسط، ولم ينحرفوا إلى الأطراف، فاليهود مثلا جفوا في الأنبياء والصديقين حتى قتلوهم وكذبوهم، كما قال الله تعالى: { فريقا كذبتم وفريقا تقتلون }، والنصارى غلوا فيهم حتى عبدوهم كما قال تعالى: { يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق } الآية.
واليهود انحرفوا في النسخ حتى زعموا أنه لا يقع من الله ولا يجوز عليه، كما ذكر الله عنهم إنكاره في القرآن حيث قال: { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } والنصارى قابلوهم فجوزوا للقسيسين والرهبان أن يوجبوا ما شاءوا، ويحرموا ما شاءوا، وكذلك تقابلهم في سائر الأمور.
فهدى الله المؤمنين إلى الوسط، فاعتقدوا في الأنبياء ما يستحقونه، ووقروهم، وعزروهم، وأحبوهم، وأطاعوهم، واتبعوهم، ولم يردوهم كما فعلت اليهود، ولا أطروهم ولا غلوا بهم فنزلوهم منزلة الربوبية كما فعلت النصارى، وكذلك في النسخ، جوزوا أن ينسخ الله، ولم يجوزوا لغيره أن ينسخ، فإن الله له الخلق والأمر، فكما لا يخلق غيره لا يأمر غيره.
وهكذا أهل الاستقامة في الإسلام المعتصمون بالحكمة النبوية، والعصبة الجماعية، متوسطون في باب التوحيد والصفات بين النفاة المعطلة وبين المشبهة الممثلة، وفي باب القدر والعدل والأفعال بين القدرية والجبرية والقدرية والمجوسية، وفي باب الأسماء والأحكام بين من أخرج أهل المعاصي من الإيمان بالكلية كالخوارج أهل المنزلة، وبين من جعل إيمان الفساق كإيمان الأنبياء والصديقين كالمرجئة والجهمية، وفي باب الوعيد والثواب والعقاب بين الوعيديين الذين لا يقولون بشفاعة نبينا لأهل الكبائر، وبين المرجئة الذين لا يقولون بنفوذ الوعيد. وفي باب الإمامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الذين يوافقون الولاة على الإثم والعدوان، ويركنون إلى الذين ظلموا، وبين الذين لا يرون أن يعاونوا أحدا على البر والتقوى، لا على جهاد ولا على جمعة ولا أعياد إلا أن يكون معصوما، ولا يدخلوا فيما أمر الله به ورسوله إلا في طاعة من لا وجود له.
فالأولون يدخلون في المحرمات، وهؤلاء يتركون واجبات الدين، وشرائع الإسلام، وغلاتهم يتركونها لأجل موافقة من يظنونه ظالما، وقد يكون كاملا في علمه وعدله.
أهل الاستقامة عند المصيبة
وأهل الاستقامة والاعتدال يطيعون الله ورسوله بحسب الإمكان، فيتقون الله ما استطاعوا، ولا يتركون ما أمروا به لفعل غيرهم ما نهى عنه، بل كما قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم }. ولا يعاونون أحدا على المعصية، ولا يزيلون المنكر بما هو أنكر منه، ولا يأمرون بالمعروف إلا بالمعروف، فهم وسط في عامة الأمور، ولهذا وصفهم النبي ﷺ بأنهم الطائفة الناجية لما ذكر اختلاف أمته وافتراقهم.
ومن ذلك أن اليوم الذي هو يوم عاشوراء الذي أكرم الله فيه سبط نبيه، وأحد سيدي شباب أهل الجنة بالشهادة على أيدي من قتله من الفجرة الأشقياء، وكان ذلك مصيبة عظيمة من أعظم المصائب الواقعة في الإسلام. وقد روى الإمام أحمد وغيره عن فاطمة بنت الحسين وقد كانت شهدت مصرع أبيها، عن أبيها الحسين بن علي رضي الله عنه، عن جده رسول الله ﷺ أنه قال: « ما من رجل يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت، فيحدث لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها ». [31]
فقد علم الله أن مثل هذه المصيبة العظيمة سيتجدد ذكرها مع تقادم العهد، فكان من محاسن الإسلام أن روى هذا الحديث صاحب المصيبة والمصاب به أولا، ولا ريب أن ذلك إنما فعله الله كرامة للحسين رضي الله عنه، ورفعا لدرجته ومنزلته عند الله، وتبليغا له منزل الشهداء، وإلحاقا له بأهل بيته الذين ابتلوا بأصناف البلاء، ولم يكن الحسن والحسين حصل لهما من الابتلاء ما حصل لجدهما ولأمهما وعمهما، لأنهما ولدا في عز الإسلام، وتربيا في حجور المؤمنين، فأتم الله نعمته عليهما بالشهادة، أحدهما مسموما، والآخر مقتولا، لأن الله عنده من المنازل العالية في دار كرامته ما لا ينالها إلا أهل البلاء كما قال النبي ﷺ وقد سل: أي الناس أشد بلاء؟ فقال: « الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة ». [32]
وشقي بقتله من أعان عليه، أو رضي به، فالذي شرعه الله للمؤمنين عند الإصابة بالمصاب وإن عظمت أن يقولوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، وقد روى الشافعي في مسنده أن النبي ﷺ لما مات وأصاب أهل بيته من المصيبة ما أصابهم، سمعوا قائلا يقول: يا آل بيت رسول الله، إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب.. فكانوا يرونه الخضر جاء يعزيهم بالنبي ﷺ.
فأما اتخاذ المآتم في المصائب، واتخاذ أوقاتها مآتم، فليس من دين الإسلام، وهو أمر لم يفعله رسول الله ﷺ، ولا أحد من السابقين الأولين، ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا من عادة أهل البيت، ولا غيرهم، وقد شهد مقتل علي أهل بيته، وشهد مقتل الحسين من شهده من أهل بيته، وقد مرت على ذلك سنون كثيرة، وهم متمسكون بسنة رسول الله ﷺ، لا يحدثون مأتما ولا نياحة، بل يصبرون ويسترجعون كما أمر الله ورسوله، أو يفعلون ما لا بأس به من الحزن والبكـاء عند قـــرب المصـــيبة، قال النبي ﷺ: « ما كان من العين والقلـــــب فمـــن الله، وما كان من اليـــد واللســـــان فمن الشيطان »، [33] وقال: « ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية »، [34] يعني مثل قول المصاب: يا سنداه يا ناصراه، يا عضداه. وقال: « إن النائحة إذا لم تتب قبل موتها فإنها تلبس يوم القيامة درعا من جرب، وسربالا من قطران ». [35] وقال: « لعن الله النائحة والمستمعة إليها ». [36]
وقد قال في تنزيله: { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم }. وقد فسر النبي ﷺ قوله: { ولا يعصينك في معروف } بأنها النياحة. وتبرأ النبي ﷺ من الحالقة والصالقة. والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة. وقال جرير بن عبد الله: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام للناس من النياحة، وإنما السنة: أن يصنع لأهل الميت طعام، لأن مصيبتهم تشغلهم، كما قال النبي ﷺ لما نعى جعفر بن أبي طالب لما استشهد بــمؤتة فقال: « اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم ». [37]
وهكذا ما يفعل قوم آخرون يــوم عاشـــوراء من الاكــتحال والاختضاب أو المصافحة والاغتســـال، فهو بدعة أيضا لا أصل لها، ولم يذكرها أحد من الأمــة المشهورين، وإنــما روي فيها حديث: « من اغتسل يــوم عاشوراء لم يمرض تلك السنة، ومن اكتحــل يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام » [38] ونـــحو ذلك، ولكن الــذي ثبت عن النبي ﷺ أنه صام يوم عاشوراء، وأمر بصيامه وقال ﷺ: « صومه يكفر سنة »، [39] وقرر النبي ﷺ أن الله أنجى فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، وروى أنه كان فيه حوادث الأمم.. فمن كرامة الحسين أن الله جعل استشهاده فيه.
وقد يجمع الله في الوقت شخصا أو نوعا من النعمة التي توجب شكرا، أو المحنة التي توجب صبرا، كما أن سابع عشر شهر رمضان فيه كانت وقعة بدر، وفيه كان مقتل علي.. وأبلغ من ذلك: أن يوم الاثنين في ربيع الأول مولد النبي ﷺ، وفيه هجرته، وفيه وفاته.
والعبد المؤمن يبتلى بالحسنات التي تسره، والسيئات التي تسوءه في الوقت الواحد، ليكون صبارا، شكورا، فكيف إ‘ذا وقع مثل ذلك في وقتين متعددين من نوع واحد.
ويستحب صوم التاسع والعاشر، ولا يستحب الكحل، والذين يصنعونه من الكحل من أهل الدين لا يقصدون به مناصبة أهل البيت، وإن كانوا مخطئين في فعلهم، ومن قصد منهم أهل البيت بذلك أو غيره، أو فرح، أو استشفى بمصائبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فقد قال النبي ﷺ: « والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم من أجلي »، [40] لما شكا إليه العباس أن بعض قريش يجفون بني هاشم وقال: « إن الله اصطفى قريشا من بني كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم ». [41] وروى عنه أنه قال: « أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي » 4. [42]
وهذا باب واسع يطول القول فيه.
بدع وضلالات
وكان سبب هذه المواصلة أن بعض الإخوان قدم بورقة فيها ذكر النبي ﷺ، وذكر سادة أهل البيت، وقد أجرى فيها ذكر النذور لمشهد المنتظر، فخوطب من فضائل أهل البيت وحقوقهم، بما سر قلبه، وشرح صدره، وكان ما ذكر بعض الواجب، فإن الكلام في هذا طويل، ولم يحتمل هذا الحامل أكثر من ذلك. وخوطب فيما يتعلق بالأنساب والنذور بما يجب في دين الله، فسأل المكاتبة بذلك إلى من يذهب إليه من الإخوان، فإن النبي ﷺ قال: « الدين النصيحة »، قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: « لله، ولكتابه، ولرسـوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم». [43]
أما ورقة الأنساب والتواريخ ففيها غلط في مواضع متعددة، مثل ذكره أن النبي ﷺ توفي في صفر، وأنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن عمرو بن العلاء بن هاشم، وأن جعفر الصادق توفي في خلافة الرشيد وغير ذلك.
فإنه لا خلاف بين أهل العلم أن النبي ﷺ توفي في شهر ربيع الأول، شهر مولده وشهر هجرته، وأنه توفي يوم الاثنين وفيه ولد، وفيه أنزل عليه. وجده هاشم بن عبد مناف، وإنما كان هاشم يسمى عمرا، ويقال له: عمرو العلا، كما قال الشاعر:
عمر العلا هشم الثريد لقومه ** ورجال مكة مسنتون عجاف
وأن جعفرا أبا عبد الله توفي في سنة ثمان وأربعين في إمارة أبي جعفر المنصور، وأما المنتظر فقد ذكر طائفة من أهل العلم بأنساب أهل البيت: أن الحسن ابن علي العسكري لما توفي بعسكر سامراء لم يعقب ولم ينسل، وقال من أثبته: إن أباه لما توفي في سنة ستين ومائتين كان عمره سنتين أو أكثر من ذلك بقليل، وأنه غاب من ذلك الوقت وأنه من ذلك الوقت حجة الله على أهل الأرض، لا يتم الإيمان إلا به، وأنه هو المهدي الذي أخبر به النبي ﷺ، وأنه يعلم كل ما يفتقر إليه الدين.
وهذا موضع ينبغي للمسلم أن يثبت فيه، ويستهدي الله ويستعينه، لأن الله قد حرم القول بغير علم، وذكر أن ذلك من خطوات الشيطان وحرم القول المخالف للحق، ونصوص التنزيل شاهدة بذلك، ونهى عن اتباع الهوى.
فأما المهدي الذي بشر به النبي ﷺ فقد رواه أهل العلم العالمون بأخبار النبي ﷺ، الحافظون لها، الباحثون عنها وعن رواتها، مثل أبي داود، والترمذي، وغيرهما، ورواه الإمام أحمد في مسنده.
فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي، يوطيء اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا ». [44]
وروى هذا المعنى من حديث أم سلمة وغيرها.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: « المهدي من ولد ابني هذا ». وأشار إلى الحسن.
وقال ﷺ: « يكون في آخر الزمان خليفة يحثو المال حثوا ». [45] وهو حديث صحيح. فقد أخبر النبي ﷺ أن اسمه محمد بن عبد الله، ليس محمد بن الحسن. ومن قال: إن أبا جده الحسين، وإن كنيته الحسين أبو عبد الله فقد جعل الكنية اسمه، فما يخفى على من يخشى الله أن هذا تحريف الكلم عن مواضعه، وأنه من جنس تأويلا القرامطة، وقول أمير المؤمنين صريح في أنه حسني لا حسيني، لأن الحسن والحسين مشبهان من بعض الوجوه بإسماعيل وإسحاق، وإن لم يكونا نبيين، ولهذا كان النبي ﷺ يقول لهما: « أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة »، ويقول: « إن إبراهيم كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق ». [46] وكان إسماعيل هو الأكبر والأحلم، ولهذا قال النبي ﷺ وهو يخطب على المنبر والحسن معه على المنبر: « إن ابني هذا سيد، وسيصــــلح الله به فئتين عظيمتين من المسلمين ». [47]
فكما أن غالب الأنبياء كانوا من ذرية إسحاق، فهكذا كان غالب السادة الأئمة من ذرية الحسين، وكما أن خاتم الأنبياء الذي طبق أمره مشارق الأرض ومغاربها كان من ذرية إسماعيل، فكذلك الخليفة الراشد المهدي الذي هو آخر الخلفاء يكون من ذرية الحسن.
وأيضا فإن من كان ابن سنتين كان في حكم الكتاب والسنة مستحقا أن يحجر عليه في بدنه، ويحجر عليه في ماله، حتى يبلغ ويؤنس منه الرشد، فإنه يتيم، وقد قال الله تعالى: { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم }. فمن لم تفوض الشريعة إليه أمر نفسه كيف تفوض إليه أمر الأمة؟
وكيف يجوز أن يكون إماما على الأمة من لا يرى ولا يسمع له خبر؟ مع أن الله لا يكلف العباد بطاعة من لا يقدرون على الوصول إليه، وله أربعمائة وأربعون سنة ينتظره من ينتظره وهو لم يخرج، إذ لا وجود له.
وكيف لم يظهر لخواصه وأصحابه المأمونين عليه كما ظهر آباؤه، وما الموجب لهذا الاختفاء الشديد دون غيره من الآباء؟
وما زال العقلاء قديما وحديثا يضحكون بمن يثبت هذا، ويعلق دينه به، حتى جعل الزنادقة هذا وأمثاله طريقا إلى القدح في الملة، وتسفيه عقول أهل الدين إذا كانوا يعتقدون مثل هذا.
لهذا قد اطلع أهل المعرفة على خلق كثير منافقين زنادقة بإظهار هذا وأمثاله، ليستميلوا قلوب وعقول الضعفاء، وأهل الأهواء، ودخل بسبب ذلك من الفساد ما الله به عليم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والله يصلح أمر هذه الأمة ويهديهم ويرشدهم.
النذور للمشاهد والمساجد
وكذلك ما يتعلق بالنذور للمساجد والمشاهد، فإن الله في كتابه وسنة نبيه التي نقلها السابقون والتابعون من أهل بيته وغيرهم قد أمر بعمارة المساجد، وإقامة الصلوات فيها بحسب الإمكان، ونهى عن بناء المساجد على القبور، ولعن من يفعل ذلك، قال الله تعالى: { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين }.
وقال تعالى: { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين }.
وقال تعالى: { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة }.
وقال: { وإن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا }.
وقال: { ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا }.
قال النبي ﷺ: « من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة ». [48]
وقال: « وبشر المشائين في ظلم الليل إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ». [49]
وقال: « من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له نزلا كلما غدا أو راح ». [50]
وقال: « صلاة الرجل في المسجد تفضل على صلاته في بيته وسوقه بخمس وعشرين درجة ». [51]
وقال: « من تطهر في بيته فأحسن الطهور، وخرج إلى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، كانت خطوتاه إحداهما ترفع درجة، والأخرى تضع خطيئة ». [52]
وقال: « صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وماكان أكثر أحب إلى الله ». [53]
وقال: « سيكون عليكم أمراء يؤخرن الصلاة عن وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها، ثم اجعلوا صلاتكم معهم نافلة ». [54]
وقال: « يصلون لكم، فإن أحسنوا فلكم، وإن أساءوا فلكم وعليهم ».
وهذا باب واسع جدا.
وقال أيضا: « لعن الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » يحذر مما فعلوا. قالوا: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجدا. [55] وهذا قاله في مرضه.
وقال قبل موته بخمس: « إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذون القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك ». [56]
ولما ذكر كنيسة الحبشة قال: « أولئك إذا مات الرجل فيهم بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة ». [57]
وكل هذه الأحاديث في الصحاح المشاهير.
وقال أيضا: « لعن الله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج ». [58] رواه الترمذي وغيره وقال: حديث حسن.
فإذا كان النبي ﷺ قد لعن الذين يتخذون على القبور والمساجد، ويسرجون عليها الضوء، فكيف يستحل مسلم أن يجعل هذا طاعة وقربة؟!!
وفي صحيح مسلم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: « بعثني رسول الله ﷺ فأمرني ألا أدع قبر مشرفا إلا سويته، ولا تمثالا إلا طمسته ».
وثبت عن النبي ﷺ أنه قال: « اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ». [59]
وقال: « لا تتخذوا قبري عيدا، وصلوا عليّ حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني ». [60]
فنهى النبي ﷺ عن الاجتماع عند قبره.
وأمر بالصلاة عليه في جميع المواضع، فإن الصلاة عليه تصل إليه من جميع المواضع.
وهذه الأحاديث رواها أهل بيته، مثل: علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي، ومثل: عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
فكانوا هم وجيرانهم من علماء أهل المدينة ينهون عن البدع التي عند قبره أو غير قبر غيره، امتثالا لأمره، ومتابعة لشريعته.
فإن من مبدأ عبادة الأوثان: العكوف على الأنبياء و الصالحين، والعكوف على تماثيلهم، وإن كانت وقعت بغير ذلك.
وقد ذكر الله في كتابه عن المشركين أنهم قالوا: { لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا }.
وقد روى طائفة من علماء السلف أن هؤلاء كانوا قوما صالحين، فلما ماتوا بنوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم.
وكذلك قال ابن عباس في قوله: { أفرأيتم اللات والعزى. ومنات الثالثة الأخرى }. قال ابن عباس: كان اللات رجلا يلت السويق للحجاج، فلما مات عكفوا على قبره، ولهذا قال النبي ﷺ: « اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ». ونهى أن يصلى عند قبره.
ولهذا لما بنى المسلمون حجرته حرفوا مؤخرها، وسنموه لئلا يصلي إليه احد فإنه ﷺ قال: « لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها » رواه مسلم.
وكان ﷺ إذا خرج إلى أهل البقيع يسلم عليهم، ويدعو لهم.
وعلم أصحابه أن يقولوا إذا زاروا القبور: « سلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لكم العافية، اللهم آجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم ». [61]
هذا مع أن في البقيع إبراهيم وبناته أم كلثوم ورقية، وسيدة نساء العالمين فاطمة، وكانت إحداهن دفنت فيه قديما قريبا من غزوة بدر، ومع ذلك فلم يحدث على أولئك السادة شيئا من هذه المنكرات، بل المشروع التحية لهم، والدعاء بالاستغفار وغيره.
وكذلك في حقه، أمر بالصلاة والسلام عليه من القرب والبعد، وقال: « أكثروا عليّ من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي. قالوا: كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يعني: بليت. قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ». [62]
وقال: « ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ». [63]
وكل هذه الأحاديث ثابتة عن أهل المعرفة بحديث النبي ﷺ.
فالدعاء والاستغفار يصل إلى الميت عند قبره وغير قبره، وهو الذي ينبغي للمسلم أن يعامل به موتى المسلمين من الدعاء لهم بأنواع الدعاء، كما كان في حياته يدعو لهم.
وهذا رسول الله ﷺ قد أمرنا أن نصلي عليه ونسلم تسليما في حياته ومماته، وعلى آل بيته.
وأمرنا أن ندعو للمؤمنين والمؤمنات في محياهم ومماتهم، عند قبورهم وغير قبورهم.
ونهانا الله أن نجعل لله أندادا، أو نشبه بيت المخلوق الذي هو قبره ببيت الله الذي هو الكعبة البيت الحرام، فإن الله أمرنا أن نحج ونصلي إليه، ونطوف به، وشرع لنا أن نستلم أركانه، ونقبل الحجر الأسود الذي جعله الله بمنزلة يمينه.
قال ابن عباس: « الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن استلمه وصافحه فكأنما صافح الله وقبل يمينه ». [64]
وشرع كسوة الكعبة، وتعليق الستار عليها، وكان يتعلق من يتعلق بأستار الكعبة كالمتعلق بأذيال المستجير به، فلا يجوز أن تضاهى بيوت المخلوقين ببيت الخالق.
ولهذا كان السلف ينهون من زار قبر النبي ﷺ أن يقبله، بل يسلم عليه بأبي هو وأمي ﷺ، ويصلي عليه كما كان السلف يفعلون.
فإذا كان السلف أعرف بدين الله وسنة نبيه وحقوقه، وحقوق السابقين والتابعين من أهل البيت وغيرهم، ولم يفعلوا شيئا من هذه البدع التي تشبه الشرك وعبادة الأوثان، لأن الله ورسوله نهاهم عن ذلك، بل يعبدون الله وحده لا شريك له، مخلصين له الدين كما أمر الله به ورسوله، ويعمرون بيوت الله بقلوبهم وجوارحهم من الصلاة والقراءة، والذكر والدعاء وغير ذلك.
فكيف يحل للمسلم أن يعدل عن كتاب الله، وشريعة رسوله، وسبيل السابقين من المؤمنين، إلى ما أحدثه ناس آخرون، إما عمدا وإما خطأ.
فخوطب حامل هذا الكتاب بأن جميع هذه البدع التي على قبور الأنبياء والسادة من آل البيت والمشايخ المخالفة للكتاب والسنة، ليس للمسلم أن يعين عليها، هذا إذا كانت القبور صحيحة، فكيف وأكثر هذه القبور مطعون فيها؟
وإذا كانت هذه النذور للقبور معصية قد نهى الله عنها ورسوله والمؤمنون السابقون، فقد قال النبي ﷺ: « من نذر أن يعطي الله فليطعـــمه، ومن نذر أن يعصــى الله فلا يعصيه ». [65]
وقال ﷺ: « كفارة النذر كفارة اليمين ». [66] وهذا الحديث في الصحاح.
فإذا كان النذر طاعة لله ورسوله، مثل أن ينذر صلاة أو صوما أو حجا أو صدقة أو نحو ذلك، فهذا عليه أن يعني به.
وإذا كان المنذر معصية كفرا أو غير كفر، مثل: أن ينذر للأصنام كالنذور التي بالهند، ومثلما كان المشركون ينذرون لآلهتهم، مثل: اللات التي كانت بالطائف، والعزى التي كانت بعرفة قريبا من مكة، ومناة الثالثة الأخرى التي كانت لأهل المدينة.
وهذه المدائن الثلاث هي مدائن أرض الحجاز، كانوا ينذرون لها النذور، ويتعبدون لها، ويتوسلون بها إلى الله في حوائجهم، كما أخبر عنهم بقوله: { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى }. ومثلما ينذر الجهال من المسلمين لعين ماء، أو بئر من الآبار، أو قناة ماء أو مغارة، أو حجر، أو شجرة من الأشجار، أو قبر من القبور، وإن كان قبر نبي أو رجل صالح، أو ينذر زيتا أو شمعا أو كسوة أو ذهبا، أو فضة لبعض هذه الأشياء، فإن هذا كله نذر معصية لا يوفى به.
لكن من العلماء من يقول: على صاحبه كفارة يمين، لما روى أهل السنن عن النبي ﷺ: « لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين »[67]
وفي الصحيح عنه أنه قال: « كفارة النذر كفارة يمين ». [68]
وإذا صرف من ذلك المنذور شيء في قربة من القربات المشروعة كان حسنا، مثل: أن يصرف الدهن إلى تنوير بيوت الله، ويصرف المال والكسوة إلى من يستحقه من المسلمين ومن آل بيت رسول الله ﷺ، وسائر المؤمنين، وفي سائر المصالح التي أمر الله بها ورسوله.
وإذا اعتقد بعض الجهال أن بعض هذه النذور المحرمة قد قضت حاجته بجلب المنفعة من المال والعافية ونحو ذلك، أو بدفع المضرة من العدو ونحوه، فقد غلط في ذلك.
فقد صح عن النبي ﷺ أنه نهى عن النذر وقال: « إنه لا يأتي بخير، ولكنه يستخرج به من البخيل ». [69]
فعد النذر مكروها، وإن كان الوفاء به واجبا إذا كان المنذور طاعة لله ورسوله ﷺ.
وقد أخبر النبي ﷺ أن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج من البخيل، وهذا المعنى قد ثبت عن النبي ﷺ من غير وجه، فيما كان قربة محضة لله، فكيف بنذر شرك؟ فإنه لا يجوز نذره ولا الوفاء به.
وهذا وإن كان قد عمر الإسلام، وكثر العكوف على القبور التي هي للصالحين من أهل البيت وغيرهم، فعلى الناس أن يطيعوا الله ورسوله، ويتبعوا دين الله الذي بعث به نبيه، ﷺ، ولا يشرعوا من الدين مالم يأذن به الله، فإن الله إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، وليعبدوا الله وحده لا شريك له.
كما قال تعالى: { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون }.
وقال تعالى: { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب }.
وقال تعالى: { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة } وقال تعالى في حق الذين كانوا يدعون الملائكة والنبيين:
{ قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا. أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا }.
وقال: { ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا من دون الله أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون }.
ورد على من اتخذ شفعاء من دونه فقال: { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون. وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون. قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون }.
وقال: { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون }.
وقال تعالى: { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه }.
وقال: { وكــم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى }.
وقال تعالى: { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى }.
قال: { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له }.
وكتب الله من أولها إلى آخرها تأمر بإخلاص الدين لله، ولا سيما الكتاب الذي بعث به محمد ﷺ أو الشريعة التي جاء بها، فإنها كملت الدين.
قال تعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم }.
وقال: { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون }.
وقد جعل قوام الأمر بالإخلاص لله، والعدل في الأمور كلها، كما قال تعالى:
{ قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون. فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة }.
ولقد خلص النبي ﷺ التوحيد من دقيق الشرك وجليله، حتى قال: « من حلف بغير الله فقد أشرك » رواه الترمذي وصححه. [70]
وقال: « إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ». [71] وهذا مشهور في الصحاح.
وقال: « ولا يقولن أحدكــم ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء محمد ». [72]
وقال له رجل: ما شاء الله وشئت، فقال: « أجعلتني لله ندا؟ بل ما شاء الله وحده ». [73]
وروي عنه أنه قال: « الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل ». [74]
وروي عنه أن الرياء شرك. [75]
وقال تعالى: { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا }.
وعلّم بعض أصحابه أن يقول: « اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم ».
ومن هذا الباب الذين يسألون الصدقة أو يعطونها لغير الله، مثل من يقول: لأجل فلان، إما بعض الصحابة، أو بعض أهل البيت، حتى يتخذ السؤال بذلك ذريعة إلى أكل أموال الناس بالباطل، ويصير قوم ممن ينتسب إلى السنة يعطي الآخرين، والشيطان قد استحوذ على الجميع، فإن الصدقة وسائر العبادات لا يشرع أن تفعل إلا لله، كما قال تعالى: { وسيجنبها الأتقى. الذي يؤتي ماله يتزكى. وما لأحد عنده من نعمة تجزى. إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى. ولسوف يرضى }.
وقال تعالى: { وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون }.
وقال: { مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل }.
وقال: { ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا }.
وقال تعالى كلمة جامعة: { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة. وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة }.
وعبادته تجمع الصلاة وما يدخل فيها من الدعاء والذكر، وتجمع الصدقة والزكاة بجميع الأنواع، من الطعام واللباس والنقد وغير ذلك.
والله يجعلنا وسائر اخواننا المؤمنين مخلصين له الدين، نعبده ولا نشرك به شيئا، معتصمين بحبله، متمسكين بكتابه، متعلمين لما أنزل من الكتاب والحكمة، ويصرف عنا شياطين الجن و الإنس، ويعيذنا أن تفرق بنا عن سبيله، ويهدينا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما كثيرا.
هامش
- ↑ رواه الإمام أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة
- ↑ من حديث أخرجه البخاري ومسلم
- ↑ رواه أحمد والحاكم والطيالسي عن عمران بن حصين والحكم والغفاري وعبد الله بن الصامت وله مخارج آخر، وصححه الالبانى فى الصحيحة برقم 79
- ↑ أخرجه الترمذي و الدارمي و احمد، وضعفه الالبانى فى ضعيف سنن الترمذي حديث رقم 554
- ↑ أخرجه أحمد والطبراني والنسائي عن عبد الرحمن بن ابزى، وصححه الالبانى فى الجامع 4550
- ↑ رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حيان والحاكم عن أبي رافع، وأخرجه أحمد وأبو داود عن المقدام بن معد يكرب أيضا، صحيح المشكاة 162
- ↑ رواه الشيخان و الإمام أحمد
- ↑ أخرجه البخاري ومسلم، عن أبي موسى.
- ↑ أخرجه الترمذي واحمد، صحيح الترمذي 3435
- ↑ أخرجه احمد وابن ماجه. صحيح ابن ماجه 1/62
- ↑ متفق عليه
- ↑ متفق عليه
- ↑ رواه مسلم و أحمد والنسائي والترمذي.
- ↑ متفق عليه.
- ↑ رواه البخاري.
- ↑ أخرجه الدارمي والنسائي ومالك، صحيح صحيح الجامع 1660.
- ↑ رواه البخاري تعليقا واحمد، صحيح الجامع 2828.
- ↑ قال عبد القادر عطا:لانقطاع الموالاة بينهما لحديث أسامة بن زيد الذى أخرجه احمد والبخاري ومسلم والاربعة
- ↑ رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن جابر ومسلم عن أم بشر.
- ↑ أخرجه الترمذي وابن ماجه واحمد، ضعيف ضعيف ابن ماجه 3691.
- ↑ متفق عليه
- ↑ رواه البخاري
- ↑ رواه ابو داود و الترمذي وابن ماجه، صحيح صحيح الترغيب 1/123.
- ↑ رواه احمد، صحيح صحيح الجامع 3336.
- ↑ أخرجه ابو داود والترمذي واحمد، صحيح الصحيحة 5
- ↑ رواه ابن ابى شيبة.
- ↑ أخرجه مسلم وأبو داود عن أبي سعيد.
- ↑ متفق عليه
- ↑ رواه البخاري
- ↑ رواه احمد واسناده ضعيف وجاء عند ابن ابى عاصم « يهلك في رجلان مفرط فى حبى ومفرط فى بغضى » وحسنه الالبانى في السنة لأبى عاصم 984.
- ↑ أخرجه احمد وابن ماجه، ضعيف جدا ضعيف ابن ماجه 1600.
- ↑ أخرجه الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجة، صحيح صحيح الترغيب 3/329.
- ↑ أخرجه ابو نعيم، وهو ضعيف جدا.
- ↑ أخرجه الشيخان واحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة.
- ↑ رواه مسلم.
- ↑ أخرجه احمد وابو داود، ضعيف ضعيف الجامع 4693.
- ↑ أخرجه الترمذي وابن ماجه، حسن صحيح الجامع 1026.
- ↑ موضوع الضعيفة 2/89.
- ↑ أخرجه أحمد ومسلم والترمذي.
- ↑ احمد والترمذي مع اختلاف فى الالفاظ , ضعيف ضعيف الترمذي 774.
- ↑ أخرجه مسلم والترمذي عن واثلة.
- ↑ أخرجه الترمذي والحاكم، ضعيف ضعيف الجامع 176.
- ↑ متفق عليه
- ↑ أخرجه أبو داود واحمد والترمذي، وانظر في أحاديث هذا الباب، تحفة الأحوذي وله شواهد كثيرة وأنه من ولد فاطمة.صحيح الجامع 5180
- ↑ رواه أحمد ومسلم
- ↑ رواه البخاري
- ↑ أخرجه البخاري
- ↑ رواه مسلم.
- ↑ أخرجه ابن ماجه، صحيح صحيح الجامع 2820.
- ↑ أخرجه البخاري
- ↑ أخرجه البخاري
- ↑ أخرجه البخاري
- ↑ أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي، صحيح صحيح ابي داود 1/111.
- ↑ رواه مسلم.
- ↑ متفق عليه
- ↑ متفق عليه
- ↑ متفق عليه
- ↑ أخرجه الترمذي، ضعيف الضعيفة 225. والجملة الاولى ثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
- ↑ رواه مالك واحمد، صحيح تحذير الساجد 18.
- ↑ رواه ابو داود واحمد، صحيح صحيح ابو داود 1/383.
- ↑ أخرجه مسلم
- ↑ أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة في كتاب والدارمي صحيح صحيح أبي داود 1/196
- ↑ ضعيف رواه ابن الجوزى فى العلل المتناهية وضعفه
- ↑ موقوف - منكر الضعيفة 1/350
- ↑ أخرجه البخاري
- ↑ رواه مسلم
- ↑ رواه مسلم
- ↑ رواه مسلم
- ↑ أخرجه البخاري
- ↑ أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي و أحمد، صحيح صحيح الجامع 6080.
- ↑ أخرجه أحمد والترمذي، صحيح صحيح الجامع 1919.
- ↑ أخرجه الدارمي وابن ماجة و أحمد، صحيح الصحيحة 1/264.
- ↑ أخرجه الإمام أحمد، حسن الصحيحة 1/266.
- ↑ أخرجه الإمام أحمد، صحيح صحيح الجامع 3624..
- ↑ أخرجه الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد، صحيح صحيح الترغيب 1/120.