الرئيسيةبحث

المستشفى ( Hospital )



المستشفى يقدم خدمات متعددة للمرضى. في وحدة الطوارئ (إلى اليمين) يتلقى ضحايا الحوادث الرعاية العاجلة. ويقوم إخصائيو الأشعة (في الوسط) بدراسة صور الأشعة السينية للمساعدة في تشخيص المرض. ويقدم العاملون بالمستشفى الوجبات الغذائية، للمرضى في مواعيدها (إلى اليسار).
المستشفى منشأة تُوفر الخدمات الطبية للمجتمع. ويعمل فيها الأطباء والممرضون وسائر العاملين بهدف استعادة الصحة للمرضى والمصابين. وهم أيضاً يحاولون الوقاية من الأمراض والمحافظة على الصحة في المجتمع. وبالإضافة إلى ذلك فإن المستشفى يعمل مركزًا للتعليم الطبي والأبحاث الطبية.

ويقضي ملايين الناس، في مرحلة ما من حياتهم، بعض الوقت في المستشفى مرضى داخليين. وملايين غيرهم يزورون المستشفى مرضى خارجيين. ويتلقى المرضى الخارجيون علاجهم، لكنهم لايمكثون في المستشفى.

والمستشفيات في معظم دول العالم المتقدم، مبان نظيفة أو منشآت مجهزة بوسائل طبية حديثة، حيث يستخدم الأطباء والممرضون أساليب عصرية لمعالجة المرضى. أما في القليل من البلاد النامية، فإن المستشفيات قد لاتزيد إلا قليلاً عن أكواخ أو خيام بسيطة، يعمل فيها الأطباء والممرضون مستخدمين أدوية وأجهزة طبية محدودة. وبالرغم من ذلك تتجه إمدادات المستشفيات حتى في الدول النامية نحو التوسع كلما سمحت بذلك الموارد المالية. ويتم إنشاء عدد أكبر من المستشفيات كلَّ سنة، لمواجهة الاحتياجات المتزايدة مع تزايد السكان. ويقيس الخبراء عادة مستوى خدمة المستشفيات في دولة ما بعدد الأَسِرَّة المتاحة للمرضى.

أنواع المستشفيات

الأجهزة المتخصصة تساعد المستشفيات على العناية بالمرضى. (إلى اليمين) يستخدم الجراحون أشعة الليزر في غرفة العمليات، للقيام بعمليات معقدة. (في الوسط) أجهزة إلكترونية تساعد الممرضين على متابعة وظائف جسم المريض. (على اليسار) حضَّانات تساعد الأطفال الخُدَّج أو المرضى.
تختلف المستشفيات كثيراً من حيث حجم المؤسسة ومن حيث نوع الخدمات المقدمة. وتُشَكِّل المستشفيات، في معظم الدول، جزءاً حيوياً من خدمات الصحة العامة المنظمة.

وتأتي المستشفيات المقامة في شكل مؤسسات ريفية صغيرة، والتي تخدم مجموعة محلية صغيرة جداً، في أدنى مستويات هذه الخدمات. وكثيراً ما تسمى مثل هذه المستشفيات في المملكة المتحدة مستشفيات الأكواخ. وهذه المستشفيات تحتوي عادة على أقل من مائة سرير، وتُقَدِّم المساعدات الطبية العامة بالإضافة إلى بعض الخدمات التخصصية المحدودة.

وتأتي المستشفيات العامة للمنطقة أو المجتمع في المستوى الثاني لخدمات المستشفيات في معظم البلدان. تخدم هذه المستشفيات مراكز سكانية أكبر مثل المدن الصغيرة وضواحي المدن الكبيرة. وبالإضافة إلى الخدمات الطبية العامة، تقدم هذه المستشفيات العديد من الخدمات المتخصصة. وفي الماضي، كانت المستشفيات العامة تتكون مما يقرب من 2,000 سرير. لكن في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن العشرين، استبدلت بعض الدول بهذه المستشفيات أخرى أصغر منها (300-500 سرير) تقدم خدماتها بالتنسيق مع خدمات المجتمع. وهذه المستشفيات الأكثر تطوراً تعمل بكفاءة أكبر لأنها أقل في تكاليف التشغيل وأسهل في الإدارة.

وفي كثير من الدول المتقدمة تتمثل المستويات العليا من خدمة المستشفيات في شكل المستشفيات المتخصصة أو المستشفيات التعليمية. وتتبع هذه المستشفيات كليات الطب وتوفر التدريبات العملية لدارسي الطب، وتقدم أعلى الخدمات المتخصصة، مثل جراحة الدماغ وجراحة القلب والصدر، كما تقدم أيضًا التسهيلات للأبحاث الطبية. ويقوم أطباء العائلة أو أطباء المستشفيات العامة في المنطقة، بتحويل مرضاهم إلى مستشفى تعليمي للتشخيص، أي تحديد طبيعة المرض،وللعلاج الخاص الذي قد يشمل إجراء عملية جراحية، وعنايةً تمريضية متخصّصة.

ويتضمن الهيكل المعتاد للمستشفيات في معظم الدول المتقدمة، مستشفيات خاصة أو وحدات خاصة داخل المستشفيات العامة لرعاية نوعيات خاصة من المرضى. فمستشفى الأطفال أو وحدة الأطفال تتعامل فقط مع الأطفال، ومستشفى أو وحدة المسنين تستقبل كبار السن، ومستشفيات العيون تعتني بالمرضى الذين يعانون من مشاكل في البصر، ومستشفيات الحالات المستعصية ووحدات الإصابات توفر العلاج والرعاية الطارئة للمصابين بإصابات خطيرة أو أمراض جسيمة، ووحدات الولادة تساعد على حماية الأمهات والأطفال حديثي الولادة من العدوى، بعزلهم عن باقي المرضى، ووحدة الأطفال الخُدَّج تعتني عناية خاصة بالأطفال المولودين قبل الميعاد.

وبالإضافة إلى الوحدات الخاصة، تتكون المستشفيات العامة من وحدات أساسية متعددة. ومن أهم هذه الوحدات: الوحدة الجراحية للمرضى المحتاجين لإجراء عمليات جراحية، والوحدة الطبية للمرضى المحتاجين للعلاج بالعقاقير. وتتطلب الجراحة الكثير من موارد المستشفى. وقد تكون غرف العمليات معزولة عن باقي المستشفى لتقليل مخاطر الالتهابات. وبقدر الإمكان يتم الحفاظ على غرفة العمليات في حالة تعقيم، أي خالية من الجراثيم.

وتقدم وحدة العناية المركزة على مدى 24 ساعة التمريض والمتابعة للمصابين بأمراض خطيرة. أما وحدة الحوادث والطوارئ أو وحدة الإصابات فتعالج ضحايا الحوادث، وأولئك الذين يمرضون فجأة. كما تقدم وحدة الإصابات أيضاً خدماتها للمرضى الخارجيين العاديين.

الرعاية بالمستشفى

يذهب الناس إلى المستشفى عندما يحتاجون إلى رعاية طبية لا يمكن توفيرها لهم عن طريق عيادة الطبيب المحلي أو في المنزل. فالناس الذين يصابون في حوادث، أو الذين يمرضون فجأة يؤخذون إلى المستشفى فوراً. يذهب الناس عادة إلى المستشفى عندما يحيلهم الطبيب المعالج إلى طبيب متخصص هناك. وفي المستشفيات التابعة لنظام الرعاية الصحية الوطني للدولة، قد يضطر المريض للانتظار فترة قبل أن يُمْنَح حق الدخول. أما المستشفيات الخاصة فإنها عادة تستطيع أن تمنح حق الدخول للمرضى الذين يدفعون أجراً في الوقت الذي يختاره المريض.

يفحص أخصائيو المستشفى عادة مرضاهم أولاً في عيادة خارجية في المستشفى العام. فهناك يكون في إمكان المتخصصين أن يستخدموا مختلف الإمكانات مثل الأشعة السينية والاختبارات المعملية، لاكتشاف علة المريض. وبمجرد أن يصل المتخصص إلى تشخيص فإنه يستطيع أن يقرر ما إذا كان المريض سيستكمل علاجه في العيادة الخارجية أم يتابعه طبيب العائلة أم يتم إدخاله إلى المستشفى بوصفه مريضًا داخليًا. والعامل الحاسم في هذا القرار هو ما إذا كانت هناك أَسِرَّة خالية متاحة تسمح بإمكانية دخول المريض.

وبمجرد إدخال المريض إلى المستشفى يُؤْخذ إلى جناح يتكون من عدد من الغرف، يتسع كل منها لعدد من الأسرة، حيث يمكث هناك طوال مدة تَلَقيِّ العلاج. وفي بعض المستشفيات قد توجد استراحة ملحقة بالغرفة حيث يمكن للمرضى الذين لا يحتاجون للمكوث في السرير أن يسترخوا أو يشاهدوا التلفاز أو يقرأوا الصحف. ويمكن للمرضى أيضاً أن يستمعوا إلى المذياع، وبعض المستشفيات تقوم بتشغيل شبكة تلفازية داخلية مغلقة خاصة بها. أما الأجنحة الخاصة فهي حجرات مُفْردة على نمط حجرات النوم أو الأجنحة بالفنادق. ويمكن للمرضى أن يُجْروا المكالمات الهاتفية، وأن يتلقوا الزيارات من أصدقائهم وأقربائهم. وفي مستشفيات الأطفال أو وحدات الأطفال توجد تسهيلات للسماح للأمهات بالبقاء في المستشفى مع أطفالهن، ويمكن للأمهات عندئذ أن يساعدْن في تمريض أطفالهن أثناء تلقيهم العلاج الطبي.

ومعظم المستشفيات منشآت مخصصة للإقامة قصيرة الأجل، بحيث لاتتجاوز مدة إقامة معظم المرضى فيها شهرًا، إذ يمكث المرضى في المتوسط مُدَدًا تتراوح بين 6 و10 أيام في هذه المستشفيات. أما في مستشفيات الإقامة طويلة الأجل أو ذات مدة البقاء الطويل، فالمرضى يمكثون لمدة شهر أو أكثر. والمرضى الذين يحتاجون إلى استئصال اللوزتين يذهبون إلى مستشفيات الإقامة القصيرة. أما المرضى النفسيون أو المرضى الذين يعانون أمراضًا مثل الدرن، فهؤلاء يذهبون إلى مستشفيات الإقامة الطويلة. وتعتبر مستشفيات الصحة النفسية، والمستشفيات الخاصة بكبار السن، ومستشفيات التأهيل التي تُقَدِّم للأشخاص المعوقين علاجاً متخصصاً يساعدهم على التكيف مع مهام الحياة اليومية، هذه كلها منشآت مخصصة للإقامة طويلة الأجل. والمستشفيات العامة قد تحتوي في آن واحد على وحدات للبقاء طويل الأجل وأخرى للبقاء قصير الأجل.

أقسام المستشفى والعاملون به

هيئة العاملين المهنيين:

تتكون من الأفراد الذين لهم صلة مباشرة بالعناية بالمرضى. وتتكون الهيئة الطبية من الأطباء، الذين يوجهون جميع الأعضاء الآخرين في هذا الفريق. ومعظم الأطباء يقومون بالممارسة العامة، ويرسلون مرضاهم إلى المستشفى عند الضرورة، ثم يُشْرِفون على العلاج في المستشفى.

وفي العديد من المستشفيات يكون الأطباء متفرغين للعمل فيها ولا يمارسونه خارجها. ويتضمن هؤلاء الأطباء المتخصصين أطباء الأشعة، الذين يديرون خدمات الأشعة السينية، وأطباء التخدير الذين يشرفون على استخدام المبنجات لمنع الألم أثناء الجراحة. وفي بعض المستشفيات يعمل بعض أعضاء الهيئة الطبية أو جميعهم متفرغين للمستشفى.

وتشمل الهيئة الطبية أيضاً أطباء تحت التدريب. وهم أطباء حديثو التخرج، يسمون أطباء الامتياز، ويعملون بالمستشفى لاكتساب الخبرة الإضافية المطلوبة. ★ تَصَفح: الطب.

وتشكل هيئة التمريض المجموعة الكبرى في فريق العناية بالمرضى. والممرضون المتخصصون، هم الذين يتخرجون في كليات أو معاهد التمريض. وهم يقومون بمعظم أعمال العناية بالمرضى تحت إشراف الأطباء. ويشرف الممرضون أيضاً على باقي أعضاء هيئة التمريض الذين يشملون الممرضين المساعدين، وهؤلاء يقومون بالمهام الروتينية اللازمة، تاركين الفرصة للممرضين للقيام بالأعمال التي تتطلب مهاراتهم الخاصة.

أقسام الخدمات المهنية:

تعمل هذه الأقسام مع الأطباء والممرضين. إذْ تقدم صيدلية المستشفى الأدوية التي يصفها الطبيب للمرضى، ويحتفظ قسم الخدمة المركزية برصيد من سائر المؤن الطبية، ويجهز قسم الخدمة الغذائية الوجبات للمرضى والعاملين، ويدير اختصاصيو التغذية هذا القسم، وينظمون قوائم الأطعمة المختلفة. ويصف أخصائي التغذية أيضاً أنواعاً خاصة من الأطعمة للمرضى المصابين بأمراض معينة عندما يَطْلُب منه الطبيب ذلك. وتُجْري مختبرات المستشفيات الاختبارات التي تساعد الأطباء على تشخيص الأمراض وعلاجها. ويقوم قسم الأشعة بإجراء الأشعة السينية ليساعد الأطباء على تشخيص الأمراض والإصابات. ويستخدم الأطباء أيضاً الأشعة السينية وأنواعاً أخرى من الأشعة لعلاج السرطان.

وكثير من المستشفيات لديها قسم لإعادة التأهيل يعمل مع المرضى المعاقين لكي يساعدهم على استعادة حياتهم الطبيعية. ويوجد نوعان أساسيان من العلاج التأهيلي: العلاج الطبيعي والمعالجة المهنية. والعلاج الطبيعي يعالج الأمراض والإصابات، بينما تساعد المعالجة المهنية على التغلب على الإعاقة الجسمانية أو تقليلها من خلال تعليم المريض مهارات مختلفة. ★ تَصَفح: المعالجة المهنية ؛ العلاج الطبيعي.

ويحتفظ قسم السجلات الطبية بسجل لكل مريض. فإذا عاد مريض سابق إلى المستشفى يساعد السجل الطبي طبيب المستشفى على تشخيص وعلاج داء المريض.

الأقسام الإدارية:

معظم المستشفيات لها مدير مسؤول عن تشغيل المؤسسة ككل. ويعين مجلس إدارة المستشفى، أو المالك في بعض المستشفيات الخاصة، هذا المسؤول. وفي بعض الحالات، تقوم شركة خاصة بإدارة المستشفى ككل.

وتقوم أقسام مختلفة بالتعامل مع الشؤون الإدارية للمستشفى. فمكتب إدخال المرضى يحدد للمرضى مواعيد دخولهم بناء على طلب الطبيب المعالج ويحدد لهم الجناح أو الغرفة. وقسم الحسابات أو مكتب المالية يضع قائمة بتكاليف العلاج، ويجهز فاتورة المريض في الوقت المناسب. وقسم المشتريات يدير مخزن المستشفى ويشتري المؤن والأجهزة.

ويوجد بالمستشفى قسم لشؤون العاملين يقوم بقبول الموظفين للعمل ويتناول كل ما يتعلق بهم. ويوجد لدى المؤسسات الكبرى مكتب للعلاقات العامة ليُعَرِّف الموظفين والمرضى والعامة بما يقوم به المستشفى. وتعين بعض المستشفيات ممثلين عن المرضى للتعامل مع شكاواهم.

وفي بعض المستشفيات يقوم قسم الخدمات التطوعية، أو مجموعة أصدقاء المستشفى، أو غيرها من المنظمات المشابهة، بتوفير بعض العاملين المتطوعين. ويعمل هؤلاء الأشخاص بدون أجر في تشغيل محلات الهدايا والقهوة في المستشفى، وفي تشغيل المكتبة، وبذلك يساعدون في تدبير الموارد المالية للمؤسسة.

موظفون آخرون:

وهؤلاء يساعدون في تشغيل المستشفى بهدوء على مدار الأربع والعشرين ساعة. فالطهاة يُعدُّون الوجبات الغذائية في مطبخ المستشفى، وعمال النظافة يحافظون على نظافة المؤسسة منعاً لانتشار المرض. ويقوم العاملون في قسم المغاسل بتنظيف الكميات الهائلة من المناشف والملاءات وسائر البياضات التي تُستخْدَم يومياً، وكيها وتصنيفها. ويقوم فنيو النجارة والكهرباء والمهندسون وفنيو السباكة والتكييف بإصلاح وضبط أجهزة المستشفى لتبقى في حالة ممتازة في كل الأوقات. وتُعيِّن المستشفيات أيضاً موظفي أمن لحماية المرضى وممتلكاتهم.

نبذة تاريخية

بداية إنشاء المستشفيات:

أنشأ البوذيون منذ مطلع القرن الثالث قبل الميلاد المستشفيات في الهند. وفي بعض العصور المبكرة للنصرانية، تأسست المستشفيات للمرضى والمسافرين المنهَكِين، وللفقراء والأكفَّاء والمُقْعَدِين. وقامت مجموعات دينية بتشغيل معظم هذه المستشفيات الأولى. ولمئات السنين كانت المستشفيات تعمل أساساً مؤسسات تخدم الفقراء والمرضى الذين تتعذر خدمتهم في المنزل. ولم يكن الأطباء يعملون في المستشفيات، بل كانوا يعالجون معظم المرضى في منازلهم أو في عيادات الأطباء.

المستشفى العربي الإسلامي:

لا يمكن اعتبار هذه البدايات ـ التي سبق ذكرها ـ مستشفيات حقيقية، لكن ما يمكن تسميته فعلاً بالمستشفى ظهر مع بداية العصر الإسلامي، وكانت الضرورة قد اقتضت أن يكون هناك مستشفى عسكري لعلاج جرحى المسلمين أثناء معركة الخندق، وقد أقيم هذا المستشفى في المدينة المنورة، ويُعتبر أول مستشفى ميداني يُعرف في مجال الحروب العسكرية.

والمستشفى الذي أنشأه الوليد بن عبدالملك في مطلع القرن الأول الهجري، السابع الميلادي، هو أول مستشفى بالمعنى المفهوم بوصفه مكانًا يضطلع بعلاج المرضى، وكان هذا المستشفى متخصصًا في علاج مرضى الجذام، وقد خُصّصت فيه أماكن للرجال وأخرى للنساء. وفي القرن التاسع الميلادي أنشأ ابن طولون مستشفى يقوم على أسس وقواعد علمية في مدينة القاهرة، وظل هذا المستشفى يقدم خدماته للمرضى لمدة تزيد على خمسة قرون. ومن المدهش أن هذا المستشفى لم يكن قائمًا على خدمة المرضى فحسب بل كانت به قاعات لتدريب الطلاب وتعليمهم الفنون الطبية، فيما يتساوى مع ما نطلق عليه اليوم بالمستشفيات الجامعية أو التعليمية.

وفي عام 1285م أنشأ السلطان قلاوون أكبر مستشفى بمدينة القاهرة، وكان بهذا المستشفى أقسام للمرضى والناقهين وعيادات خارجية ومختبرات ومطاعم لتقديم الطعام للمرضى بالمجان. كما كان به مكتبات بما قد لا يتوافر في كثير من المستشفيات الحديثة اليوم.

ويحدثنا التاريخ الإسلامي عن العديد من المستشفيات التي بناها الخلفاء في الدولة الأموية والعباسية. ففي القرن التاسع الميلادي أوكل السلطان عضد الدولة إلى الطبيب العربي أبي بكر الرازي لبناء مستشفى حديث في مدينة بغداد، وفي القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي، حوّل السلطان صلاح الدين أحد قصوره الضخمة إلى مستشفي كبير سماه المستشفى الناصري، وبحلول القرن الثاني عشر الميلادي بنى السلطان المنصور قلاوون مستشفاه الذي أطلق عليه المستشفى المنصوري. ويلاحظ في هذه المستشفيات العربية أنها كانت تعالج الفقراء والأغنياء، وكانت مقسمة إلى أجنحة منفصلة للرجال وأخرى للنساء، كما كانت الخدمات تقدم مجانًا. وقد صادف هذا كله نهضة طبية كبيرة برزت على يد أطباء كبار من أمثال ابن سينا والرازي وابن جزلة والزهراوي وغيرهم. ★ تَصَفح: العلوم عند العرب والمسلمين (الطب).

مستشفيات أخرى:

أقدم مستشفى لا يزال موجودًا هو أوتيل ديو بباريس الذي تأسس في القرن السابع الميلادي. وقد تأسست المستشفيات في الدول ـ المدن في إيطاليا ـ مثل فلورنسا وجنوه والبندقية (فينيسيا) وميلانو، في القرن الرابع عشر الميلادي. واشتهر مستشفى فلورنسا بعنايتها بالمرضى ذوي الأمراض المستعصية، إذ كان الممرضون المدربون يعتنون بالمرضى، ويساعد الأطباء حديثو التخرج في إعطاء الدواء الذي يصفه كبار الأطباء في ذلك الوقت.

كما كانت هناك أيضاً طبيبات وجَرَّاحات لرعاية المرضى من الإناث. ورغم التقدير الذي نالته هذه المؤسسات، إلا أن جميع الأطباء الأوروبيين تقريباً قَصَرُوا ممارستهم على الأغنياء والموسرين الذين يقطنون المدن الكبيرة. وكان دارسو الطب يقرأون المراجع الطبية اليونانية واللاتينية والعربية واليهودية القديمة، ولكنهم لا يدرسون حالات مرضى حقيقيين. وقد أنشئت في بادوا في إيطاليا أول غرفة عمليات عام 1594م، وكانت مُصمَّمةً لممارسة علم التشريح الذي كان جديداً وقتئذ، وكان الأطباء يجتمعون فيها بهدف الدراسة وتبادل الأفكار الجديدة أكثر منه لمعالجة المرضى.

وفي لندن، أسس الملك هنري السابع (1485- 1509م) مستشفى سافوي، وكان تقريباً المستشفى العلاجي الوحيد في بريطانيا، وقد تم تأسيسه على النموذج الإيطالي. وحاكى الملك هنري الثامن (حكم من 1509 - 1547م) المثال الذي وضعته مدن ليون وجنيف في تأسيس مستشفياته الملكية الكبيرة لعلاج الفقراء والمساكين (مستشفى سانت توماس وسان بارثلوميو)، وللمتشردين (مستشفى برايدويل) ولليتامى الفقراء (مستشفى كرايستس) وللمجانين والمعتوهين (مستشفى سانت ماري أوف بيتلهم) التي أصبحت معروفة باسم بدلام.

وأنشأت الحكومة الأسبانية بجزيرة هسبانيولا أول مستشفى في نصف الكرة الغربي سنة 1503م. وفي مكسيكو سيتي، أسس هيرناندو كورتيز مستشفى في 1524م. وظهرت المستشفيات الأولى بشكل رسمى في أمريكا الشمالية في كويبك بكندا سنة 1639م وفي فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة سنة 1751م.

وفي بداية القرن الثامن عشر بدأت البلاد والمدن الأوروبية في بناء المستشفيات. هذه المستشفيات كانت خيرية تخدم أساساً الفقراء وضحايا الأمراض المعدية. ولم يكن الأغنياء يذهبون إلى المستشفيات، إذ كانوا عادة يتلقون الرعاية الطبية في المنزل. ومع ذلك زاد عدد المستشفيات الخيرية في بريطانيا من لا شيء إلى 38، ما بين عامي 1735م و 1800م. ولكن عندما بدأ الأطباء يهتمون بعلاج الناس في المستشفى، كانوا يعتنون أكثر بالأشخاص الذين يعانون أمراضًا قابلة للعلاج، مثل الأسقربوط والكسور والقروح. أما الأشخاص المصابون بأمراض مزمنة أو ميؤوس من علاجها فلم يكن يسمح لهم بالدخول.

وكانت المستشفيات الأولى مزدحمة وغير نظيفة ومظلمة. فالمستشفى الأول الذي أُنشئ في أستراليا، في رأس دوز، في نيو ساوث ويلز، في سنة 1788م، على سبيل المثال، كان يتألف من أكواخ خشبية، وكان المرضى يرقدون على مناضد. وكانت مبادئ الصحة العامة مجهولة في جميع المستشفيات. وكانت الأمراض تنتشر بسرعة داخل المستشفى بسبب نقص المعرفة عن أهمية النظافة.

القرن التاسع عشر:

ساعدت الاكتشافات الطبية في القرن التاسع عشر على بداية تحسين المستشفيات. ففي أربعينيات القرن التاسع عشر بدأ استخدام الأثير والكلوروفورم مخدريْن لتخفيف الألم وتجنب الصدمات أثناء العمليات. وفي عام 1842م أصبح كروفورد وليمسن لونج، من جورجيا في الولايات المتحدة، أول طبيب يَسَتخْدم الأثير كمخدر. وبعده بأربع سنوات أجرى وليم توماس جرين مورتون، طبيب الأسنان بالولايات المتحدة، أول عملية جراحية في المستشفى مستخدماً الأثير مخدرًا، وتم إجراء هذه العملية بمستشفى ماساشوسيتس العام ببوسطن. وفي بريطانيا كان السير جيمس سمبسون من أسكتلندا، أول من بدأ استعمال الكلوروفورم في الولادة.

وفي أواخر القرن التاسع عشر، بدأ الأطباء يلاحظون مبدأ التعقيم لتقليل الالتهابات والعدوى. ففي عام 1865م شرع السير جوزيف ليستر في استخدام رذاذ الفينول (حمض الكربوليك) لقتل الجراثيم في الهواء، وأصر فيما بعد على ضرورة استخدام الجراحين للمواد المطهرة لقتل الجراثيم العالقة بأيديهم وبالأجهزة، مما جعل الجراحة أكثر أماناً. وهكذا بدأ الاتجاه المستمر إلى العناية بالمرضى في المستشفيات، بدلاً من المنزل، إذ لم يكن في استطاعة الأطباء أن يضمنوا توفير النظافة الضرورية في المنزل. وقد بدأ استخدام أجهزة الأشعة السينية في نهاية تسعينيات القرن التاسع عشر.

ومن المعالم الأخرى لنهاية القرن التاسع عشر تَزَايُدُ مدارس التمريض بالمستشفيات. وقد أحدثت فلورنس نايتنجيل ثورة في مجال التمريض في كل أنحاء العالم من خلال مدرسة التمريض التي أسستها في مستشفى سانت توماس في لندن.

وفي القرن التاسع عشر أيضاً بدأت المستشفيات تؤسِّس غرفاً خاصة للمرضى الذين يدفعون أجرًا. وبدأت فكرة المستشفيات الخيرية تتضاءل، إذ بدأ المرضى يسهمون في دفع جزء من تكاليف إقامتهم بالمستشفى.

القرن العشرون:

تم إنشاء العديد من المستشفيات في الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين. وتزايدت التكاليف التي يتطلبها المستشفى مع تزايد عدد المرضى، بسبب الحاجة إلى مزيد من الأجهزة والعاملين. ولم يكن في استطاعة الكثيرين أن يدبروا نفقات الرعاية في المستشفى، خاصة في وقت الكساد الكبير، في ثلاثينيات القرن العشرين. وكثيراً ما كانت المستشفيات تواجه مشكلات مالية. وفي الولايات المتحدة، قدَّم مشروع الصليب الأزرق، الذي تأسس في 1929م، نوعاً من تأمين الدفع المقدم لمساعدة المرضى على دفع فواتير المستشفى الخاصة بهم. وساعدت التأمينات المستشفى على الارتكاز على قاعدة مالية أرسخ نظراً لضمان السداد الفوري.

وفي بريطانيا، نشأت مصلحة الصحة الوطنية (إن إتش إس N.H.S) بعد الحرب العالمية الثانية (1939- 1945م). وطبقاً لذلك أصبحت المستشفيات جزءاً من نظام مخطط لتوفير الرعاية الصحية، وهو أمر كان له تأثير في الدولة ككل. وتقوم الحكومة بتمويل مصلحة الصحة الوطنية، ويسهم جميع دافعي الضرائب في دعمها من خلال مدفوعات التأمين القومية. وظل العلاج الخاص موجوداً بالنسبة للقادرين على الدفع. وفي بريطانيا اتخذت الحكومة، خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين إجراءات لتشجيع المواطنين على الاشتراك في التأمينات الطبية الخاصة.

التطورات الحديثة:

أصبحت المستشفيات في ستينيات القرن العشرين أكثر اهتماماً بخدمة المجتمع. وقامت مؤسسات عديدة بإنشاء العيادات الخارجية التي تقدم الرعاية العامة للعائلة أو للأطفال. بدأ عدد من المستشفيات يُوَفِّر الاختبارات المعملية والأشعة السينية وأنواع العلاج المختلفة للمرضى المترددين.

وبفضل العديد من التطورات العلمية تحسنت الرعاية المتاحة للمريض. فعلى سبيل المثال، تَسْتَخْدِم وحدات الجراحة ووحدات العناية المُرَكَّزة الآن الأجهزة الإلكترونية لتسجيل ضغط دم المريض ومعدل ضربات القلب والتنفس ودرجة الحرارة، بصفة مستمرة. وتساعد الحواسيب المستشفيات في الاحتفاظ بالسجلات المعملية والطبية والصيدلية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المستشفيات تستخدم العديد من الأدوات التي يمكن التخلص منها بعد الاستعمال مباشرة توفيراً للسهولة والأمان. وهذه الأدوات تشمل مقاييس درجة الحرارة المصنوعة من اللدائن (البلاستيك) والمحاقن والإبر الجراحية المصنوعة من الفولاذ. فهي تستخدم مرة واحدة وبالتالي لاتنقل العدوى. وفي سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين أحرزت الأنظمة الفنية للمستشفيات تقدماً كبيرًا بإدخال الموجات فوق الصوتية، والتصوير بالرنين المغنطيسي، وأجهزة التصوير المقطعي الحاسوبي، لفحص المرضى.

وفي مجال العناية بالمرضى، ساعد تطور حركة دور الإيواء (تكايا المرضى) على حدوث تغيير شامل في معالجة الحالات الميؤوس من شفائها وحالات المرضى الموشكين على الوفاة.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية