الرئيسيةبحث

الفيضان ( Flood )



الفَيَضان مياه تطغى على الأراضي التي عادة ما تكون جافة. وغالبية الفيضانات ضارة، لأنها تتلف المنازل وبعــض الممتلكات، وقد تجرف الطبقة العليا للتربة، تاركة سطح الأرض عاريًا. وعندما لا يأخذ السكان حذرهم من الفيضانات، فإن الفيضانات العنيفة تجلب دمارًا هائلاً. وقد تفيض الأنهار والبحيرات والبحار على شواطئها. ويمكن أن تكون الفيضانات في بعض الأحيان مفيدة، فعلى سبيل المثال، ساعـدت فيضانـات نهـر النيل ـ في وقت مبكر ـ على بناء سهل خصب في السودان ومصر، وجعلت الفيضانات وادي النيل ـ من أخصب الأقاليم في العالم. فقد جلبت مياه نهر النيل التربة الخصبة من الجنوب، لترسبها مياه الفيضان على السهل الفيضي لهذا النهر.

الفيضانات النهرية

الفيضان يحدث عندما يرتفع الماء في نهر فوق مستواه العادي، ويفيض الماء على ضفتيه، وتبنى عادة السدود على امتداد بعض الأنهار لكي تحجز المياه عند ارتفاعها، ولكن قد يفيض النهر حتى فوق مثل هذه الحواجز، ومياه الفيضان بصورة عامة تغطي فقط السّهل الفيضي للنهر أي الأرض المنخفضة القريبة، غير أنه في الفيضانات البالغة العنف قد تفيض مياه النهر لتغطي مساحات واسعة.

الفيضان النهري:

تفيض مياه معظم الأنهار عن مجراها مرة واحدة كل سنتين تقريبا. فإذا طغت مياه نهر ما على منطقة يعيش فيها السكان فإنها تسبب فيضانًا، أما إذا فاضت مياه نهر ما على أراض لا يعيش فيها سكان عندئذ يقال إنه في حالة فيضان.

يُعدُّ تزامــن هطول الأمطار، مع ذوبان الثلوج والجليد، من أكثر الأسباب المتعارف عليها لحدوث الفيضانات. ويمكن تحت هذه الظروف، أن تصل مياه النهر إلى عشرة أضعاف المياه التــي تجري عادة في مجراه. وتنتج الفيضانات الوامضة عن الأمطار الفجائية الغزيرة، حين تسبب هذه الأمطار ظهور نهيرات أو جداول، تعمل على رفع مستوى مياه النهر بصورة فجائية، فتتجاوز مياه النهر ضفافه إلى المناطق المجاورة. فعلى سبيل المثال، هطل عام 1952 م ما يقارب 230 ملم خلال 24 ساعة على المنابع العليا لنهر لِنْ الغربي ونهر لِنْ الشرقي في ديفون بإنجلتـــرا، حيث فاضت مياه نهر لِنْ الغربي فاغرقت ضفتيه، وتغلغل سيل جارف داخل بلدة لِنْ ماوث، فقتل 23 شخصًا، وترك 1,000 شخص بدون مأوى. وغالبًا ما تحدث الفيضانات الوامضة في المناطق الجبلية والصحاري، عندما تُحّول العواصـــف الرعدية النادرة والعنيفة الأودية الجافة إلى سيول هائجة.

تشتهر غالبية الأنهار الكبيرة بفيضاناتها العنيفة، إذ يطلق الصينيون على نهر هوانج هي حزن الصين لما يسببه من دمار. حيث لقي نحو مليون صيني حتفهم في أسوأ فيضان للنهر عام 1887م. كما حدثت كوارث الفيضانات، على طول نهر المسيسيبي وروافده، في الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، اجتاحت وادي أوهايو ووادي المسيسيبي وروافدهما فيضانات عنيفة قتلت أكثر من 135 شخصًا، وشردت ما يقارب المليون نسمة. وحدث دمار هائل بسبب فيضان مياه الأنهار في ولايتي نيويورك وبنسلفانيا عام 1972م بعد هطول أمطار غزيرة، فسبَّبت خسائر تعادل ثلاثة بلايين دولار، بالإضافة إلى بقاء 15 ألف شخص بدون مأوى. وشهد عام 1993م فيضان نهري الميسوري والمسيسيبي في الوسط الغربي الأمريكي أدى إلى خسائر مادية بلغت 10 بلايين دولار وبقي 74 ألف شخص بدون مأوى.

وفي الــهند، حــدث أسوأ فيضان في تاريخها عام 1840م، عندما ضربت هزة أرضية أعالي وادي السند، فحدث تصدع أرضي، شكلت بموجبه صخرة ضخمة سداً طبيعيًا في ذلك الوادي، فتكوّنت بحيرةُُ خلف هذا السد بطول 60كم وبعمق 300م. وما أن اندثر السد حتى اندفع سيل جارف أسفل الوادي، فاضت مياهه على الأراضي المجاورة فأودت بحياة الآلاف من السكان.

أما في أستراليا، فقد حدث أسوأ فيضان من حيث الضحايا عام 1852م. عندما غرق 89 شخصاً من بين 250 نسمة يقطنون غنداجاي في ولاية نيوساوث ويلز. وفي عام 1916م طغى فيضان عنيف على المناطق المنخفضة في كليرمونت بولاية كوينزلاند فأغرق 61 شخصًا. وفي خريف عام 1975م سببت عواصف وأمطار غزيرة متواصلة فيضانًا في ولايتي نيوساوث ويلز وفكتوريا، تبعه بعد سنة أعنف فيضان على مدى خمسين سنة بوادي نهر موراي.

وفي السودان ومصر يبدأ فيضان النيل عادة في منتصف شهر يوليو من كل عام ويبلغ ذروته في منتصف سبتمبر، وينتهي بنهاية سبتمبر، وحدثت أسوأ الفيضانات في القرن العشرين عامي 1946م و 1988م حيث غطت المياه الكثير من المزارع والقرى ونفق الكثير من الحيوانات.

فيضانات السواحل:

تحدث بسبب الأعاصير الممطرة وغيرها من الأعاصير العنيفة، حيث تدفع المياه قباله الخلجان فتتجاوز الأمواج شواطىء البحار متوغلة في اليابسة. في عام 1970م، أدى إعصار عنيف إلى ارتفاع الأمواج ومنسوب المياه في خليج البنغال، مما أدى إلى حدوث أكبر كارثة ناتجة عن الفيضانات الساحلية في التاريخ. فقد ضربت أمواج ضخمة ساحل بنغلادش أغرقت 266 ألف شخص، كما نفقت أعداد كبيرة من قطعان الماشية، وأتلف الفيضان المحاصيل ودمر ملايين المنازل.

وتُحْدِثُ المنخفضات الجوية الفيضانات على السواحل الغربية للقارة الأوروبية. فأحيانًا، عندما تكون المنخفضات الجوية فوق بحر الشـــمال، يتزامن هبوب رياح قوية وظهور مد مرتفع، مما يســـبب ارتفـــاع ميـــاه البحر، فيحدث مدّ هائج على امتداد السواحل الغربية. ففي عام 1953م، أدت هذه الأعاصير إلى ارتفاع الأمواج التي أدت بدورها إلى تحطيم الحواجز على السواحل الهولندية فأغرقت أكثر من 4% من مساحة الدولة. كما تحدث الفيضانات الساحلية المدمرة على الساحل الشرقي لإنجلترا بما فيها منطقة لندن. ونظرًا لهبوط سطح هذا الإقلـيم بما يعادل 30 سم كل 100 عام، حسب تقديرات الجيولوجيين، بالإضافة إلى إمكانية ارتفاع درجة حرارة سطح الارض (ظاهرة البيوت المحمية)، فإن لندن مهددة بحدوث حالات المد الهائج.

وتسبب الزلازل والبراكين أمواجا متلاطمة، ينتج عنها فيضانات ساحلية. ويُدعى هذا النوع من الأمواج الموجة البحرية الزلزالية ومثال ذلك، عندما ثار بركان كراكاتاو في مضيق سوندا غربي جزيرة جاوه عام 1883م، أحدث أمواجًا بحرية زلزالية وصل علوها إلى 30م، فقتلت ما يقرب من 30,000 شخص، وقذفت بإحدى السفن 2,5 كم فوق اليابسة.

الفيضانات الأخرى:

تُحدث الأعاصير والرياح العاتية، فيضانات ساحليةً على امتداد شواطئ البحيرات. فقد تحدث مثل هذه الفيضانات، عندما تتحرك المياه بصورة فجائية من جانب إلى آخر وبصـورة منتظمة. وتســـمى مثل هذه الحركة السيش.

ينتج أيضًا عن انهيار بعض المنشآت كالسدود فيضانات مدمرة. ففي عام 1963م انهار سد فايونت في إيطاليا، فأحدث فيضانًا أودى بحياة ما لايقل عن 1,800 شخص.

التحكم في الفيضانات يتم بصورة مؤقتة بوضع أكياس معبأة بالرمال، كما يبدو في الصورة، حيث يقوم العمال برص الأكياس الرملية على امتداد ساحل بحيرة أونتاريو لمنع تدفق المياه الذي يرتفع منسوبه باطراد. كما تُستخدم هذه الطريقة للتحكم في فيضان البحيرات الناتج عن الأعاصير والرياح الشديدة.

التحكم في الفيضان:

أدت الأنشطة البشرية في بعض المناطق إلى زيادة فداحة الفيضانات، وبخاصة عندما أزيلت الغابات واستُنزفت الأراضي الزراعية. فبدلاً من أن تمتص التربة والنباتات الطبيعية مياه الأمطار، فإن مياه الأمطار في المناطق الجرداء تنساب مباشرة على سطح الأرض العارية نحو الأنهار، فإذا كانت هذه المياه بكميات كبيرة، فإنها تسبب الفيضانات الوامضة. وتتجمع التربة المنجرفة في قيعان الأودية رافعة بذلك منسوب المياه الجارية. وللحد من خطر هذه الفيضانات، يتطلب الأمر إقامة السدود وزراعة الأشجار على السفوح المكشوفة. وينبغي أيضا التنظيف الدائــم لمجرى الوادي، وتقوية الضفاف الطبيعية للأنهار بحواجز مرتفعة.

يقـــوم المهندسون ببناء الحواجز على السواحل البحرية، والسدود الترابية لدرء خطر الفيضانات النهرية، وحواجز الإعصار الممطر للإبقاء على مياه البحر بعيدًا عن اليابسة. فعلى سبيل المثال، أقام الهولنديون نظامًا ضخمًا من الحواجز المائية، لدرء مياه البحر التي تهدد أراضيهم الساحلية، إذ إن خمسي مساحتها يقع تحت مستوى سطح البحر.

تقوم أيضًا بعض المدن الساحلية بعمل جدران حجرية تمنع ولوج مياه المد العالي إلى اليابسة. كما يلجأ بعضها إلى إقامة حواجز مصنوعة من الخـشب لمنع انجراف الـــشواطىء. وتزرع الكثبان الرملية في بعض المناطق بالأشجار، فتعمل على تثبيت الرمال وتجميعها لتشكل حواجز تصد فيضان المدُّ المرتفع.

تحمي الحواجز المتحركة بعض المعابر النهرية التي تعاني خطر مياه المدّ المرتفع. فعند وولويتش بلندن، أقيمت سلسلة من البوابات الفولاذية المتحركة، لتشكل حواجز للفيضانات الساحلية على طول نهر التايمز، حيث تدور هذه البوابات حول دعامات إسمنتية، وتُغمر تحت الماء في بطن النهر عند عدم الحاجة إليها بصورة لا تعطل حركة الملاحة في النهر. وعند اقتراب حدوث مد مرتفع، تقوم الجهات المعنية بإصدار تحذير، تُُرفع بموجبه تلك البوابات، لتمنع المياه من اجتياح مدينة لندن، وقد اكتمل بناء هذا المشروع عام 1982م.

الفيضانات يمكن أن تسبب أضرارًا فادحة، فغالبًا ما تسبب دمارًا في التجمعات السكانية خاصة عندما تترافق مياه الأمطار الغزيرة مع ذوبان الثلوج، حيث يرتفع منسوب المياه في الأنهار فوق مستوى ضفافها.

الحد من خسائر الفيضان:

لا يقوم المهندسون فقط بمحاولة الحد من الفيضانات، وإنما يقومون أيضا بمحاولات أخرى للتقليل من خسائرها، إذ تشمل محاولاتهم بعض الترتيبات الخاصة لإقامة مراقبة دائمة في السهول الفيضية وجعل الأبنية مقاومة للماء، كما تشمل بعض البرامج خططًا لمساعدة ضحايا الفيضانات مثل : تقديم وسائل للتحذير والإجلاء والتأمين على حياتهم وإغاثتهم في الوقت المناسب.

باستطاعة العلماء تحديد المناطق المعرَّضة لخطر الفيضانات. ففي الولايات المتحدة، أبقت الحكومة على شريط ضيق من الأرض، على امتداد المجاري المائية بدون استخدام. وتسمى هذه الأشرطة بمسارب الفيضان، كما حددت بعض التجمعات السكانية مناطق شاسعة، حول المجاري المائية، لاستعمالها مواقف للسيارات أو للزراعة.

ويمكن إقامة مبانٍ دائمة ضمن السهول الفيضية، إذا صممت لتقاوم الفيضانات. ويطلق على التقنية التي تبقى المياه ُ بموجبها خارج المباني مانع الفيضان وتتضمن هذه التقنية رفع الأبنية عن الأرض، أو استعمال مواد إنشــائية مقاومة للماء.

يؤدي الرصد الجوي دورًا كبيرًا في التقليل من خسائر الفيضان، عندما يصدر تحذيرات تتــعلق بالأعاصير والفيضانات، فهو يأمل بذلك التقليل بشكل كبير من إزهاق الأرواح والحد من الخسائر في الممتلكات. وعلى أية حال، ستستمر المآسي في حالة حدوث فيضان، وستصبح الإغاثات الدولية ضرورية جدًا لمساعدة ضحاياه.

★ تَصَفح أيضًا: صيانة الموارد الطبيعية ؛ السد ؛ الكارثة.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية