الرئيسيةبحث

طب الأعشاب ( Herbs medicine )



طبُّ الأعشاب طريقة قديمة لعلاج الأمراض التي تُصيب الإنسان. تعود هذه الطريقة في المعالجة إلى أزمنة بعـيدة ضـاربة في القـدم، وربما صاحبت تاريخ الإنسان منذ بداية وجوده على الأرض.

كان الإنسان يهتدي في كشف الخواص العلاجية للأعشاب بالصدفة أحيانًا، وبالتجربة التي لا تخلو من مخاطر في أحيان أخرى. بل إن معرفة الإنسان القديم للأعشاب كدواء جاءت نتيجة مراقبته لبعض الحيوانات مثل القطط والكلاب وتناولها لأعشاب معينّة عندما يلمُّ بها مرض أو ألم.

وقد أدَّت الصدفة دورًا كبيرًا في اكتشاف العديد من الأعشاب والنباتات التي تعالج الأمراض. وكان الاهتداء إلى بعضها يتحقق بوحي من الحدس أو الإحساس الصادق. وهكذا عرف الإنسان قدرة قلف شجر الكينا على معالجة الحمَّّى. وتُعرف المادة المستخلصة من هذا القلف بالكينين، وبالصدفة أيضًا جاء اكتشاف البنسلين الذي يُستخلص من نبات فطري يُعرف باسم بنسليوم نوتاتم.

الإنسان وخواص طب الأعشاب

أيقونة تكبير بعض أنواع الأعشاب
لم يكن أمام الإنسان بد من تسجيل ما تثبت قيمته علاجًا للأمراض المختلفة من أعشاب الطبيعة. وتعددت بذلك المؤلفات التي تتناول هذا الفن العلاجي شرقًا وغربًا وأصبح بعضها منهاجًا يضم في طياته الوصف الدقيق لآلاف الأعشاب والنباتات وقدرة كل منها على المعالجة.

ويحدِّد داوود الأنطاكي في كتابه الشهير تذكرة داود ثلاث طرق لمعرفة الخصائص المعالجة للعشبة ودورها في تحصيل الشفاء، أولها: الوحي، فقد نزل بعضها على الأنبياء، وعند الحكماء أن أول من أُوحي إليه بفوائد الأعشاب الشافية هرمس المثلث، واسمه في التوراة أخنوخ. كذلك أوحى الله تعالى إلى سليمان عليه السلام بالكثير من خواص الأعشاب، وقد أخذها سقراط عنه. كما صح عن الرسول ﷺ الإخبار بأنواع من العلاج بالأعشاب. والأمر الثاني: كما يقول داود لمعرفة خصائص الأعشاب الشافية يرجع إلى التجربة، وشرطها النتيجة والصحة. فالعشب يجرَّب مرة بعد أخرى، فإذا ثبتت صحته في تحصيل الشفاء فهو وَصْفَة صحيحة. أما الأمر الثالث فيعود إلى القياس، فالمعالج ينظر فيما ثبت نفعه لمرض ما ويعرف طعمه ورائحته ولونه وسائر خصائصه ثم يُلْحِق به ما يشاكله في ذلك من الأعشاب الأخرى.

طب الأعشاب قديمًا

اعتمد الإنسان في الحضارات القديمة، خاصة حضارة بلاد ما بين النهرين أو سومر وبابل وآشور وحضارة مصر القديمة، على الأعشاب الطبية في معالجة الأمراض بجانب طرق أخرى منها الرُّقى والتعاويذ والسِّحر.

آشور القديمة:

استطاع الملك آشور بانيبال أن يجمع الكثير من المعلومات الطبية ويحفظها من الضياع. كان ذلك في القرن السابع قبل الميلاد.وقد قام العالم الأثري كامبل تومسون بدراسة هذه الآثار وجمعها في كتاب الأعشاب الآشورية. وقد ذكر فيه أكثر من مائتين وخمسين نوعًا من الأعشاب والعقاقير النباتية. وفي سومر، وجد علماء الآثار لوحة كتبت عليها اثنتا عشرة وصفة طبية، وهي أول دستور للأدوية في العالم. ومن الوصفات التي جاءت بها لعلاج الصداع، نصف مقياس من الخردل المسحوق معجون بماء الورد، وتوضع فوق الرأس وتُغطّى برباط لمدة ثلاثة أيام.

مصر القديمة:

كان فيها الاهتمام بالطب والصحة عظيمًا. والمصريون القدماء هم أوّل من عرف التحنيط. وقد استخدموا لذلك مواد كيميائية حافظة أهمها ملح الطعام وملح النطرون والزيوت العطرية.كما برع المصريون القدماء في تحضير الأدوية. وقد عُثر على عدة برديات طبية تعكس تفوّق الفراعنة في طب الأعشاب. ومن أهم هذه البرديات بردية إيبرس التي تذكر أكثر من سبعين وصفة لعلاج أمراض الجلد والحروق والنمش والعناية بالشعر. وفيها يصف الفراعنة زيت الحلبة لمعالجة تجاعيد الشيخوخة، كما وصفوا زيت الخروع علاجًا للإمساك ودهانًا للشعر. وهناك برديات أخرى تقل أهمية عن هذا الفن العلاجي مثل بردية هيرست وبرلين وأدوين سميث.

الهند القديمة:

جاءت أغلب طرق العلاج بالأعشاب في كتابهم الفيدا الذي كُتب باللغة السنسكريتية منذ أكثر من أربعة آلاف سنة، وكتاب أيو فيدا، الذي يصف الكثير من الأعشاب وخواصها الشافية. ومن الأعشاب التي جاء وصفها في هذا الكتاب الصبر والكركم وزيت الخـروع بجانب البورق وبعض الشحوم الحيوانية.

الصين القديمة:

كان كتاب بن تساو يقيِّم أكثر من 365 عشبة للعلاج والوقاية من الأمراض. ومن ضمن ما جاء به من أعشاب وصف دقيق لخصائص الأفيون والقنب والقرطم وجوزة الطيب.

اليونان القديمة:

بلغ الطب عند اليونانيين القدامى شأوًا كبيرًا، إلا أن معظم معارفهم عن المعالجة بالأعشاب اكتسبوها من مصر الفرعونية، وكانوا يرمزون للطب بإله يُدعى ـ في زعمهم ـ إسكولاب. وكان إسكولاب، كما ظهر من التماثيل التي وُجدت له، رجلاً في عنفوان شبابه ممتلئ صحة وقابضًا بيديه على عصا يلتفّ حولها ثعبان، وبقي الثعبان الملتفّ على عصا رمزًا للصيدلة حتى اليوم. أما أكثر ما عالجوا به، فكانت النباتات التي يجمعها جامعو العُشب وجامعو الجذور، وكانوا قد التزموا بقواعد خـاصة لاقتلاعها من الأرض ؛ فكان بعضها يُجمَع في الظلام أو أول الشهر القمري أو آخره أو يرددِّون تعاويذ خاصة عند جمعه.

وكان أبقراط قد قسَّم العقاقير والأعشاب المختلفة إلى أقسام يستعمل بعضها من الظاهر مثل المراهم والزيوت، وبعضها يتناوله المريض مثل الأعشاب المغلية مع العسل أو على صورة حبوب، ومنها قطرات العين، وكان أبقراط يستعمل في علاجه أكثر من مئتين وثلاثين عقّارًا من الأعشاب المختلفة.

روما القديمة:

اشتهر من أطبائها كاتو، وكان هذا الحكيم يعالج الأمراض بالكرنب فيضع أوراقه على الجروح والقروح والأورام، أو يعطيها للمرضى مع قليل من النبيذ. وكان هناك أيضًا الطبيب ديسقوريدس الذي كان مغرمًا بالأعشاب حتى إنه وضع كتابًا أسماه الأعشاب وصف فيه الأفيون والصبر والزنجبيل، وبيَّن فوائد كل منها، وكان جملة ما كتب عنه من أعشاب ونباتات تسعمائة وثمانٍ وخمسين عُشْبةً.

الأعشاب في الطب الإسلامي قديمًا

لقد كان للعرب السبق في الترجمة والدراسة والتجربة لكل ما جاء في كتب الأقدمين عن المعالجة بالأعشاب. وقد برع منهم الكثيرون في هذا الفن حتى إن مؤلفاتهم ظلّت لقرون عديدة مرجعًا للطب والعلاج في أوروبا، وذلك لما تضمّنته من معلومات مهمّة عن العلاج بالأعشاب والوقاية من الأمراض المختلفة.

ابن سينا وضع كتاب القانون وهو موسوعة ضخمة في عشرين مجلدًا ضمت علومًا مختلفة، منها الطب في خمسة أجزاء. (رسم متخيَّل).

ابن سينا:

من أشهر علماء المسلمين في الطب عامة، وفي مجال المعالجة بالأعشاب خاصة. سافر ابن سينا إلى بلاد عديدة حتى استقر به المقام في همذان حيث وضع كتابه الأشهر القانون، وهو موسوعة ضخمة في عشرين مجلدًا ضمَّت علومًا مختلفة. أما الجزء الخاص بالطب في هذا الكتاب، فقد تكوّن من خمسة أجزاء، الأول في التشريح ووظائف الأعضاء وفي شرح الأمراض وأعراضها وأسبابها وقوانين العلاج، والأجزاء الثلاثة التالية خاصة بقوانين الطب وقوى الأدوية وأمراض الجسم مبتدئًا بالرأس حتى القدمين. أما المجلد الخامس، وهو الأقرباذين، فقد خصص للأدوية المركبة من الأعشاب.

أبو بكر الرازي:

كان من الأطباء المسلمين الذين برعوا في المعالجة بالأعشاب. درس الرازي الطب والصيدلة وعلم الكيمياء وأشرف على المستشفيات في مدينة الرّي وعلى مستشفيات بغداد بعد ذلك. وكان الرازي قد وضع كتابًا أسماه المنصوري ؛ تُرجم إلى اللاتينية بوساطة جيرار الكريموني. ودُرِّست الأجزاء الطبية منه في أوروبا حتى القرن السادس عشر الميلادي. ومن أشهر كتب الرازي في المعالجة بالأعشاب كتابه الحاوي. وكان هذا الكتاب واحدًا من تسعة كتب كانت تُدرّس في كلية الطب بباريس عام 1394م.

ابن البيطار:

وهو عبد الله بن أحمد الملقب بضياء الدين، أنبغ الأطباء في عصر الموحدين، وقد عُني ابن البيطار بدراسة الأعشاب وله مصنّف فيها ليس له مثيل. ومن كتبه الجامع في الأدوية المركبة. وقد توفي ابن البيطار بعد أن تجرع عقَّارًا كان يُجري تجاربه عليه فمات لساعته.

أما أبو الريحان البيروني الذي وُلِد في خوارزم، فقد وضع كتابه الصيدنة الذي ذكر فيه خواص الأعشاب وبدائلها عند تعذُّر العثور عليها.

أبو يوسف الكندي:

وضع الكندي اثنين وعشرين كتابًا في الطب والعلاج بالأعشاب منها: الغذاء ؛ الدواء المهلك ؛ الأدوية الشافية من الروائح المؤذية.

من أعلام المعالجة بالأعشاب يحيى بن جزلة، وله مؤلّف يُعرف بالمنهاج رتَّبه بطريقة ألفبائية. وقد جمع فيه أسماء العديد من الأعشاب والحشائش المختلفة وخواصها وفوائدها كما يُُعرف بطب المعالجة بالأعشاب. من هؤلاء الرواد المسلمين أبو القاسم الزهراوي، وحنين بن إسحاق، والطبري. ★ تَصَفح: العلوم عند العرب والمسلمين (الصيدلة).

طب الأعشاب في العصر الحديث

نشطت معاهد البحوث وأجريت الدراسات لتُبين ما لهذه الأعشاب من فوائد وخواص شافية، وتوفّر لدى الباحثين قائمة طويلة من هذه الأعشاب. وقد أظهرت البحوث قدرة بعضها على معالجة الأمراض: فقشور الرمان والجمِّيز تحتوي على حمض التنيك وله خاصية وقف نمو الميكروبات ومعالجة القروح. ونبات عرق الذهب يحتوي مادة الزمتين التي تقتل طفيل الزحار (الدوسنتاريا). ويحتوي الثوم على مادة الأيندول القادرة على مقاومة حمى التيفوئيد. وكان الدكتور ديفيد جرينستوك، من جامعة الوليد بأسبانيا، قد أجرى بحوثًا على الثوم أكدت قدرته على خفض ضغط الدم وإقلال الدهون السابحة فيه.كما أظهرت الدراسات أن قشر الرمان وثمار الحنظل ونبات سرخس الذكر والشيح والترمس ونبات الخلة وثمار المانجو تقتل ديدان البطن لما تحتويه هذه النباتات من مواد تعادل مادتي البيلاثيرين والسانتونين القاتلتين للديدان. وقد أكدت الدراسات التي أُجريت في أمريكا قدرة حبة البركة (الحبة السوداء) في تقوية جهاز المناعة ومقاومة الأمراض التي تصيب الجهاز التنفسي. والجدير بالذكر عن هذه الحبة أن رسول الله ﷺ قال: (الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام) رواه البخاري ومسلم والسام هو الموت. أما نبات الجنسنج الذي استعمله الصينيون القدماء مهدئًا ومقويًا، فقد أظهرت أبحاث حديثة قدرته على معالجة المضاعفات الخطيرة التي يسببها مرض السكر، خاصة تلك التي تؤثر على الجهاز العصبي للمريض.

وأكّدت بحوث أخرى أجريت في معهد البحوث بالقاهرة أن ورق الصفصاف وأوراق التوت تحتوي على مادة السالسينين التي تخفض سكر الدم، كما أن للكركديه وشواشي نبات الذرة تأثيرًا مخفضًا لضغط الدم. أما اليانسون وزيته، فقد وُجد لهما تأثير هورموني أنثوي، في حين أن للبصل والحمص وورق التوت تأثيرًا مقويًا للجنس عند الرجل لما تحتويه هذه النباتات من مواد تعادل في تأثيرها الهورمون الذكري.

إختبر معلوماتك :

  1. كيف تعرَّف الإنسان فوائد الأعشاب؟
  2. اذكر ما تعرفه عن المعالجة بالأعشاب عند كل من: الآشوريين ـ قدماء المصريين ـ اليونانيين ـ الرومان.
  3. ما أشهر كتب طب الأعشاب عند الهنود والصينيين؟
  4. من هم رواد طب المعالجة بالأعشاب من المسلمين؟
  5. ما أهم نتائج البحوث الحديثة للمعالجة بالأعشاب؟

المصدر: الموسوعة العربية العالمية