الرئيسيةبحث

الفونج، مملكة ( Fung Kingdom )



الفونج، مملكة. مملكة الفونج دولة إسلامية حكمت السودان في الفترة الواقعة بين أعوام 910 - 1237هـ ، 1504 - 1821م. وتسمى أيضًا السَّلْطَنَة الزرقاء. ظهرت تلك المملكة نتيجة للتحالف القوي الذي حدث بين الـفـونج والعَبـدَلاَّب. يعــود أصـل الفـــونج في بعــض الروايات إلى أنهم من بقايا الأمويين الذين فروا عقب سقوط دولتهم وقيام دولة بني العباس.

أما العبدلاب فهم سلالة الشيخ عبدالله جمَّاع الرجل القوي الذي وحَّد القبائل العربية في السودان في ذلك الوقت، وزعيم قبيلة القواسمة العربية، وهو والد الشيخ عجيب المانجلك أقوى شيوخ العبدلاب.

بدأت موجات الهجرة العربية إلى السودان في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) وبلغت ذروتها في القرن الرابع عشر. وتدفقت من منافذ كثيرة حتى وصلت منطقة كانم ـ برنو.

أسهمت هذه الهجرات في القضاء على مملكتي المقرة وعلوة النصرانيتين اللتين قامتا في شمالي ووسط السودان.

فعلى الرغم من تطور الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية في وسط السودان، فإن الأحوال لم تستقر تمامًا، وذلك لوجود نزاعات بين القبائل العربية حول مواطن الرعي. فانعكس ذلك على تدهور التجارة بين مصر والسودان، وبالتالي تدهور الحالة الاقتصادية.

لهذه الأسباب وغيرها ظهرت الحاجة إلى إنشاء حكومة مركزية قوية تخضع لها شتى الجماعات والقبائل المتنازعة لإقرار الأمن وحماية الطرق التجارية القديمة.

بعد فترة اكتنف الغموض فيها أحوال علوة، تتحدث الروايات المختلفة المحلية التي دونت في أوائل القرن التاسع عشر، عن تحالف عمارة دنقس ـ زعيم قبيلة الفونج ـ مع عبدالله جماع زعيم قبيلة القواسمة، وقادهما هذا التحالف إلى قتال ملك علوة وتغلبا عليه، وأقاما دولة إسلامية اتحادية قوية عاصمتها سِنّار في أرض السودان، وعرفت بالسلطنة الزرقاء.

اتفق الزعيمان على أن يكون عمارة الملك في علوة، لكونه الأكبر وشيخ المشيخة الأقدم في المنطقة، وأن يحكم عبدالله جماع الإقليم الغربي لعلوة. واختط الفونج مدينة سنار وجعلوها عاصمة لهم سنة 910هـ، 1504م، واختط العبدلاب مدينة قَرِّي وجعلوها عاصمة لهم.

كان من أبرز نتائج هذا الاتحاد قيام أول دولة إسلامية سودانية، أدخلت البلاد في فترة من الاستقرار، نمت في ضوئه حضارة إسلامية عربية سودانية.

مجالات إسهام مملكة سنار الاتحادية في الحياة الإسلامية:

1- اهتمت براحة الحجاج، فعبَّدت الطرق المؤدية إلى الأراضي المقدسة، وأقامت منازل وقفية خاصة بهم في المدينة المنورة مازالت آثارها باقية هناك. 2- ساهمت في كثير من التحسينات والزينات التي أجريت على الحرمين الشريفين. 3- شاركت في حركة الجهاد الإسلامي حين قضت على مملكة علوة النصرانية ـ آخر عقبة في سبيل نشر الإسلام بالسودان ـ كما حاربت الأحباش للغرض نفسه. وتبين أنها كانت على اتصال بالمسلمين في مصر لتحقيق هذا الغرض، وحاربت قبيلة المناع البجاوية عندما خرجت على السلطان الديني والسياسي للدولة. 4- عملت على تنشيط الدعوة الإسلامية، ودليل ذلك تشجيعها للجهود التي بذلها الفقيه بدوي البديري في جبال النوبة، والتي قام بها إسماعيل الولي في جبال كندكرو. 5- نهضت بالحركة العلمية إبّان حكم الشيخ عجيب المانجلك الذي عرف بحبه للعلم والعلماء، فقد رحل بعض أبناء هذه الدولة إلى مصر لتلقي العلم بالأزهر، وكان لهم رواق بالأزهر يسمى رواق السنارية، مازال موجودًا إلى يومنا هذا. ومن بين هؤلاء محمود العركي الذي أخذ العلم عن شمس الدين اللقاني وأخيه ناصر الدين اللقاني. وعندما عاد إلى وطنه أسس سبع عشرة مدرسة ما بين الحسانية (توتي الحالية) وأليس (الكوة الحالية). ويعد العركي أول من أصل أحكام الشريعة الإسلامية في هذه المنطقة، في أوائل القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي).

ويُلحظ من سير أعلام هذه الدولة، أن المدن والقرى قد نشأت في أماكن إقاماتهم، وأن بيوتًا دينية معينة تولت تأسيس المعاهد، والمساجد، وإيواء الطلاب الوافدين عليها ونشر التعليم في البلاد، وما زالت آثار هذه الأسر باقية في بلاد الشايقية وبربر والدَّامر وشندي وتوتي والعيلفون وكترانج وأبي حراز وأم ضوًا بان وغيرها من المدن.

وقدم من مصر إلى سنار بعض علماء مصر للإسهام في هذه الحركة العلمية، مثل الشيخ محمد القناوي والشيخ محمد بن علي بن فرم الكيجاني، اللذين تتلمذ عليهما كثير من علماء البلاد. وقدم علماء من المغرب والحجاز، أسهموا أيضًا في الحياة الفكرية والدينية بهذه البلاد.

سقوط مملكة سنار:

يرجع سقوط هذه المملكة إلى عدة أسباب وعوامل، من أظهرها: 1- حدوث صراعات داخلية مُسلَّحة بين الشريكين في الحكم: الفونج والعبدلاب. 2- أدت هذه الصراعات إلى تمرد بعض الأقاليم على السلطة المركزية، مثل تمرد مشيخة الشايقية. 3- تسلط الوزراء الهمج على سلطة الفونج. والهمج يمثلون بقايا الشعوب الأصلية التي كانت تسكن جنوبي الجزيرة (وسط السودان) عند قيام دولة سنار. ويقول بعض المؤرخين إنهم خليط من العرب والنوبة. 4ـ عندما غزا الجيش التركي المصري البلاد عام 1237هـ، 1821م، في عهد محمد علي باشا، لم يجد مقاومة إلا من الشايقية في الشمال، ولذا أخضع البلاد بسهولة.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية