الفور، سلطنة ( Fur Sultanate )
الفور، سلطنة (1050 - 1291هـ، 1640 - 1874م). قامت سلطنة الفور في إقليم دارفور غربي السودان الحالي، في أواسط القرن الحادي عشر الهجري، السابع عشر الميلادي. أما قبل ذلك فقد سكنت المنطقة بعض القبائل مثل الزيادية والزغاوة والبرتي والميدوب والبديات والمساليت والقِمِر وبرتي شرق والمناصرة وبني فضل والميما والبقارة. وكانت قبيلة الفور من أكبر المجموعات المستقرة في غربي دارفور، وكان الفور لعهود طويلة السكان الوحيدين بجبل مَرَّة. ويُطلق اسم الفور على سكان دارفور الأصليين تمييزًا لهم عن الوافدين عليهم. وباستثناء أسرة كيرة التي امتزجت بدم العرب وتزعمت ملك دارفور فإن الفور إفريقيون، ومن أكبر جماعاتهم، الكُنْجَارة، ومنهم كيرة والتموركا. وشهدت هذه المنطقة قبل قيام سلطنة الفور تسلّط قبائل الداجو الإفريقية العربية ثم التُّنْجُر، كما شهدت هجرة القبائل العربية من المنطقة الواقعة شمال شرقي دارفور، وانتشار كثير من الثقافة الإسلامية من الشمال ومن الغرب. ويقال إن لقبائل التنجر الأثر الكبير في دخول الإسلام إلى هذه المنطقة مع دخولها في القرن الرابع عشر الميلادي.
لازم احتلال البرنو القصير لدارفور في أواخر القرن السادس عشر الميلادي فترة اضطراب شديد بدأ فيها ظهور الفور بقيادة الكيرة وتوطيد زعامتهم وانتزاع السلطة من الداجو والتنجر.
ويكتنف الغموض تاريخ دارفور السابق لنشأة سلطنتها المسلمة في القرن السابع عشر الميلادي. فقد حجب طول العهد وانعدام المصادر المكتوبة كثيرًا من الحقائق المتصلة بحياة هذا الإقليم في ذلك الزمان الغابر وحلت الأساطير محل الرواية المثبتة. إلا أن المؤرخين اتفقوا على نقاط اعتُمدت صحتها وأخذت مأخذ الحقيقة بعد مقارنة تلك الأساطير وتمحيصها في ضوء الحفريات الأثرية التي قام بها بعضهم. وقد تأكد أن الداجو أول من أسس دولة منظمة في تاريخ دارفور، ثم أعقبهم التنجر. وخلف هؤلاء أسرة كيرة التي وليت الحكم دون انقطاع بين منتصف القرن السابع عشر وسقوط الفاشر في يد الزبير باشا ولد رحمة عام 1291هـ، 1874م، وضمها إلى الحكم التركي. وهذه الأسرة نتاج الاختلاط بين الكنجارة والأصل العربي ممثلاً في أحمد المعقور، وهو من أمراء بني هلال النازحين من شمالي إفريقيا، حيث تمكن من التسلل إلى قلب ملك الفور الوثني إلى أن تزوج ابنته، وأنجب منها ابنًا سماه سليمان سُولونج، وأوصى به الملك ليتولى الملك من بعده، وكان هذا نتاج أسرة كيرة.
شُغِل أحمد المعقور في فترة حكمه بعملية صهر المهاجرين بالوطنيين، واستحداث طرق جديدة في نظم المعاملة، وانعاش اقتصاديات البلاد، وكسر سلاسل العزلة التي تحيط بالبلاد، ثم أخيرًا بجعل الإسلام الراية التي تظلل الجميع.
وقد ساعده في كل هذا ولده سليمان سولونج، الذي تولى الملك بعد والده في الفترة (1050 - 1081هـ، 1640 - 1670م) وكان أول المشهورين من سلاطين كيرة.
امتد نفوذ هذه المملكة ليشمل جميع دارفور، حيث أخضع البرتي والبرنو والمساليت والزغاوة. بيد أن التاريخ يسجل له عملاً أجلَّ من حروبه الناجحة تلك، وهو أنه جعل الإسلام دينًا رسميًا للدولة، وعمل على نشر تعاليمه بين الناس.
وتعاقب على حكم دارفور منذ وفاة سولونج وحتى ضياع استقلالها عشرة من السلاطين، واصلوا جهود سولونج في بسط ملك الفور خارج نطاق جبل مرة، وبلغت الدولة قمة توسعها بضم كردفان في عهد محمد تيراب (1164 - 1202هـ، 1752 - 1787م) وعند ذلك شملت كل القبائل التي تقطن الرقعة الممتدة بين الصحراء الكبرى شمالاً، وبحر العرب جنوبًا، ومملكة سنار شرقًا. أما إلى الجهة الغربية فقد سبق أن دخل المساليت في الطاعة أيام سولونج إلى الغزو التركي، فجعل لها الأتراك إدارة مستقلة، أصبحت نواة لقيام سلطنة خاصة بالمساليت فيما بعد.
وعندما قامت الثورة المهدية ضد الأتراك وهزمتهم ضمت إليها إقليم دارفور. وفي عهد الخليفة عبدالله التَّعَايْشَي ـ خليفة المهدي ـ كان عَلي دينار، أحد أحفاد سولونج، مسؤولاً عن إدارة شؤون دارفور.
تمكن علي دينار من انتهاز فرصة سقوط الدولة المهدية على يد الإنجليز والمصريين عام 1320هـ، 1902م، فاستقل بإقليم دارفور، وجعل الفاشر عاصمة له. وظل يحكم البلاد إلى أن قتله الإنجليز في معركة برنْجيَّة عام 1335هـ، 1916م، وضموا إليهم إقليم دارفور.
بلغت سلطنة الفور أوج عظمتها في عهد عبدالرحمن الرشيد (1202-1217هـ، 1787- 1802م)، الذي اشتهر بالعلم والعدل، وشجع هجرة سكان وادي النيل من الجعليين والدناقلة وغيرهم إلى بلاده، وشجع العلماء وأغدق عليهم، وكثر الطلاب الوافدون من دارفور على مصر لتلقي العلوم الشرعية، حتى أصبح لهم رواق يسمى رواق دارفور، ما زال يحتفظ باسمه ودوره إلى اليوم.
قوّت الصلات التجارية بين دارفور وجيرانها نفوذ المسلمين ومهدت لانتشار الثقافة الإسلامية، وقيام نوع من الوحدة داخل سلطنة الفور.
وازدادت صلة دارفور بالعالم الخارجي. فقد بعث السلطان عبدالرحمن بهدية من العاج والريش إلى الخليفة العثماني بإسطنبول، فرد عليه بالشكر ومنحه لقب الرشيد. وهنأ نابليون على انتصاره على المماليك الذين كانوا يضايقون قوافل دارفور التجارية عند وصولها لمصر.