ملاذكرد، موقعة ( Malazqirt, Battle of )
ملاذكرد، موقعة. وقعت معركة ملاذكرد بين جيش السلاجقة المسلمين بقيادة السلطان ألب أرسلان، وجيش الدولة الرومية بقيادة إمبراطورها رومانوس عام 463هـ، 1071م. وترجع أسبابها إلى تمكن السلطان السلجوقي ألب أرسلان في مدة قصيرة من الاستيلاء على معظم البلاد النصرانية المجاورة مثل: جورجيا وبلاد الأرمن. وعمل على نشر الإسلام في هذه المناطق، فكان طبيعيًا أن يُغضب هذا إمبراطور الروم رومانوس (يوجينس)، فصمّم على غزو الشام. فجمع جيشًا جرارًا يضم أخلاطًا من الشعوب النصرانية، تضم الروس والفرنسيين والبلغاريين واليونانيين والجورجيين، وسار بهم إلى أن عسكر في نواحي ملاذكرد بالقرب من مدينة أخلاط في آسيا الصغرى.
عندما أيقن ألب أرسلان أنه لاقبل له بهذا الجيش، عرض الصُّلح على الروم، ولكنهم رفضوا اغتراراً بقوتهم. وهنا أعلن ألب أرسلان الجهاد المقَّدس لإنقاذ بلاد الإسلام من الصليبيين، فقويت الروح المعنوية لدى جنوده واستماتوا في القتال، وتمكنوا من انتزاع النصر في معركة حامية الوطيس بالقرب من ملاذكرد، فُرشت فيها ساحة القتال بجثث الروم، وأسُر قائد الروم. وانتهى الأمر بعقد معاهدة بين الطرفين مدتها خمسون سنة، تعهد الروم فيها بدفع الجزية للسلاجقة، وافتدى رومانوس نفسه بمال كثير، ورجع إلى بلاده صارفاً النظر عن هذا الجزء من آسيا.
كانت هزيمة ملاذكرد أفدح خطب نزل بالدولة الرومانية الشرقية منذ أحقاب طويلة، وكان لها أكبر الأثر في تحطيم منعتها، وتفكك أوصالها. ومهدت لقيام مملكة الروم الإسلامية في قلب آسيا الصغرى ؛ لأن ألب أرسلان عيَّن، على إثر الموقعة، أميرًا من أبناء عمومته هو سليمان قطلمش حاكمًا على الأراضي الإسلامية في آسيا الصغرى. وتمكن هذا الأمير من التوسع غربًا، وانتزع أنطاكية من الروم، وجعل قونية عاصمةً لدولته الجديدة. وساعد هذا الانتصار على القضاء على الدولة البيزنطية نفسها على أيدي الأتراك العثمانيين بعد ذلك. وكان من نتائج هذه المعركة أيضًا أن استغاثت القسطنطينية بأمم الغرب، واشتكى المهاجرون النصارى من سوء معاملة السلاجقة لهم، فراع هذا البابا جريجوري السابع، فرأى المبادرة بإعداد حملة لحماية الدولة الشرقية التي كان يعدها سدًا منيعًا لحماية أوروبا من وثبات الإسلام من جهة الشرق، فاستغاث بأمراء أوروبا، ولكنه لم يلق تجاوبًا. وكان على أوربان الثاني أن يحيي مشروعه، فتدارك خطأ سلفه بأن وجّه الدعوة إلى الأمراء والدهماء، ونجح في إثارة النصارى ضد المسلمين، وجمع منهم جيشًا كبيرًا، سار به إلى الشام. وكانت أنطاكية أول قاعدة كبيرة وقعت في أيديهم سنة 432هـ، 1040م، ثم تلاها بيت المقدس سنة 433هـ، 1041م. وقَتَل الصليبيون من أهلها عشرات الآلاف. وكانت محنة مروعة للعالم الإسلامي. وأقاموا مملكة صليبية في الشام قاعدتها القدس، دامت زهاء تسعين سنة. وتتابعت الحروب الصليبية على بلاد الشام إلى أن وصل عددها الثمانية.