الرئيسيةبحث

المعتزلة ( Mu'tazilites )



المعتزلة فرقة إسلامية، غلّبت العقل على الأصول والأدلّة والقياسات الأخرى، وقد شغلت الفكر الإسلامي في العصر العباسي ردحًا طويلاً من الزمن. ومؤسسها هو واصل بن عطاء على أشهر الأقوال، ويختلف العلماء في وقت ظهورها ؛ فبعضهم يرى أنها ظهرت في قوم من أصحاب علي، رضي الله عنه، اعتزلوا السياسة وانصرفوا إلى العبادة ولزموا منازلهم ومساجدهم، وقالوا نشتغل بالعلم والعبادة.

غير أن أكثر العلماء يرى أن رأس المعتزلة هو واصل بن عطاء، وقد كان ممن يحضرون مجلس الحسن البصري العلمي، فثارت في هذا المجلس قضيّةٌ أثارت الأذهان في ذلك العصر، وهي مسألة مرتكب الكبيرة، هل هو مؤمن مطلقًا أو كافر مطلقًا أو هو في منزلة بين منزلتين؟ فقال واصل مخالفًا الحسن البصري: ¸أنا أقول إن صاحب الكبيرة ليس بمؤمن بإطلاق، بل هو في منزلة بين المنزلتين·، ثم اعتزل مجلس الحسن، واتخذ له مجلسًا آخر في المسجد. فأطلق على هذه الجماعة المعتزلة بعد أن قال الحسن البصري: اعتزلنا واصل. ★ تَصَفح: واصل بن عطاء.

يرى المعتزلة في كتبهم أن مذهبهم أقدم في نشأته من واصل، فيعدون من رجال مذهبهم كثيرين من آل البيت، بل من كبار الصحابة والتابعين. ويعدون من مذهبهم أيضًا الحسن البصري، فقد كان يقول في أفعال الإنسان مقالة القدرية، وهي مقالتهم، ويقول كلامًا في مرتكب الكبيرة يقارب كلامهم. ولعل شهرة واصل بن عطاء، رأس المعتزلة، ترجع إلى نشاطه ونشاط بعض أصحابه في نشر مذهب الاعتزال بعد أن أصبح لهم آراء في العقيدة، وإليه تنسب الطائفة الواصلية من المعتزلة.

أشهر رجالهم:

من أشهر المعتزلة واصل بن عطاء ومحمد بن الهذيل العلاف وإبراهيم بن سيار النظَّام وبشر بن المعتمر ومعمر بن عباد السلمي وعيسى بن صبيح المواري وثمامة بن أشرس النميري وعمرو بن بحر الجاحظ وهشام بن عمرو الفوطي وأبو الحسين بن أبي عمرو الخياط وأبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي والحسين بن محمد النجار والقاضي عبد الجبار وغيرهم.

آراؤهم:

خالف المعتزلة السلف في أن العقل والاجتهاد عمومًا يحتلان المرتبة الثالثة بعد القرآن والسنة، ونصّب المعتزلة العقل على رأس الأدلة إذ به ـ كما يقولون ـ يدركون القرآن نفسه وغيره من الأدلة. وأنكروا الحديث المتواتر وردوا حديث الآحاد وأنكروا الكثير من الأحاديث التي تعارض مبادئهم وأصولهم الخمسة. ومن آرائهم أيضًا ما نقلوه عن الحسن البصري حول السكران بالنبيذ من أنه لا يُجلد. ورد بعضهم حجيّة الإجماع والقياس معًا.

عقيدتهم:

تتلخص عقيدة المعتزلة في الأصول الخمسة الجامعة لمذهبهم وهي : 1 - التوحيد: وهو لب مذهبهم، ورأس نحلتهم، وهو عندهم يدور حول ما يثبت لله، وما ينفى عنه من الصفات، وكان المعتزلة ينفون صفات الله تعالى معتقدين أن إثباتها يؤدي إلى تعدد القدماء، وذلك شرك. ومن أجل إثبات وحدانية الله تعالى، وتنزيهه عن الشريك وتعدد القدماء، فإنهم عطلوا صفات الله جل وعلا، وهذا يعني أن مفهوم التوحيد عند المعتزلة يخالف مفهوم أهل السنة والجماعة له، فمن مسائل التوحيد عند المعتزلة.

أ - إنكار الصفات، وأهل السنة يثبتون لله ما أثبته لنفسه في كتابه، أو ماورد فيما صح عن رسوله ﷺ دون تمثيل أو تحريف.

ب - القول بخلق القرآن، فهم يرون أن القرآن مخلوق محدث، وأهل السنة يرون أنه كلام الله منزل من عنده بلا كيفية، أنزله على رسوله وحيًا.

ج - إنكار رؤية الله تعالى في الآخرة، وأهل السنة يرون أن الرؤية ثابتة لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية.

2 - العدل: ويريدون بالعدل ما يتعلق بأفعال الله عز وجل التي يصفونها كلها بالحسن ونفي القبح عنها ـ وأهل السنة معهم في ذلك. ومما يدخل تحت هذا الأصل عندهم ما يلي: أ - إنكار خلق الله تعالى لأفعال العباد، لأنهم يرون أن في ذلك نفيًا لنسبة الفعل القبيح إلى الله تعالى، وهو منزه عن ذلك سبحانه، وقد ارتكب المعتزلة مغالطات واضحة في تأويل النصوص ؛ لتلائم فهمهم هذا، والخلاف إنما هو في حقيقة خلق كل الأشياء وكل الأفعال وأنها لا تخرج عن خلق الله وإرادته لها، قال الله تعالى : ﴿الله خالق كل شيء﴾ الرعد: 16. وقال عز وجل : ﴿والله خلقكم وما تعملون﴾ الصافات: 56. وقولهم إن الإنسان هو الذي يخلق أفعاله، ليفروا من نسبة خلق الأفعال إلى الله تعالى وإرادتها، ولم ينظروا إلى أن هذا لا يوجب أن يكون الله الفاعل لأفعالهم.

ب - وجوب فعل الأصلح على الله تعالى : لأنهم يؤكدون أن الله تعالى لا يفعل بعباده إلا الصلاح، وما فيه نفعهم وجوبًا عليه عز وجل ؛ لأنه إن لم يفعل ذلك كان ظلمًا لهم، ونقصًا مما فيه صلاحهم.

والحق أن الله أمر عباده وأرشدهم إلى فعل كل ما فيه صلاحهم، فإن فعلوا غير ذلك، فقد خالفوا أمر الله لهم، ومذهب أهل السنة أنه لا إيجاب على الله إلا ما أوجبه على نفسه تفضلاً منه وكرمًا، وليس لأن العباد يستحقون عليه شيئًا بإيجاب أحد من خلقه عليه.

ج - إدراك الثواب والعقاب على الحسن والقبيح بمجرد العقل قبل مجيء الشرع.

وعند أهل السنة أن العقل يدرك الحسن والقبيح في الأشياء إلا أن ترتيب الثواب والعقاب على ذلك متوقف على ورود الشرع.

د - يرى المعتزلة وجوب بعثة الرسول على الله، لأنها من مقتضيات عدله، إذ إن فيها الصلاح، وقد علم الله ذلك، فلو لم يبعث الرسل، لأخل بما هو واجب عليه تعالى الله عن ذلك.

ويرى أهل السنة أن بعثة الرسل منّة من الله وفضل على العباد ؛ ليبلغوهم ما أوجب الله عليهم ويحذروهم ما نهى الله عنه، وأهل السنة مجمعون على أن العباد لا يوجبون على الله شيئًا، فبعثه للرسل تفضل منه سبحانه.

3 - الوعد والوعيد: يقول القاضي عبدالجبار أحد رؤوس المعتزلة: "وأما علوم الوعد والوعيد فهو أن الله وعد المطيعين بالثواب، وتوعد العصاة بالعقاب، وأنه يفعل ما وعد به وتوعد عليه لا محالة، ولا يجوز عليه الخلف والكذب"، ولهذا يرى المعتزلة أن الثواب يجب على الله للعبد عن طريق الاستحقاق.

وأما الوعيد فيرى المعتزلة أن الفاسق إذا مات على غير توبة عن كبيرة ارتكبها يستحق النار مخلدًا فيها، لأن الله توعده بذلك، ولابد أن ينفذ وعيده.

ويرى أهل السنة أن الله إذا وعد عباده بشيء كان وقوعه واجبًا بحكم الوعد، لا بحكم الاستحقاق، فإن العبد لا يستحق بنفسه على الله شيئًا، وأما الوعيد فيرى أهل السنة أنه يجوز أن يعفو الله عن المذنب، وأن يخرج أهل الكبائر من النّار، فلا يخلد الله فيها من أهل التوحيد أحدًا، يقول ابن القيم "... إخلاف الوعيد لا يذم، بل يمدح، والله تعالى يجوز عليه إخلاف الوعيد، ولا يجوز خلف الوعد، والفرق بينهما أن الوعيد حقه، فإخلافه عفو وهبة، وإسقاط ذلك موجب كرمه وجوده وإحسانه، والوعد حق عليه أوجبه على نفسه، والله لا يخلف الميعاد.

4 - المنزلة بين المنزلتين: يدور هذا الأصل حول الحكم على مرتكب الكبيرة، يقول القاضي عبدالجبار: "صاحب الكبيرة لا يسمّى مؤمنًا ولا كافرًا ولا منافقًا، بل يسمى فاسقًا، وكما لا يسمى بأسماء هؤلاء، فإنه لا يجري عليه أحكام هؤلاء، بل له اسم بين الاسمين وحكم بين الحكمين في الدنيا" ولما كان ذلك مخرجًا له من الإيمان والإسلام فإن المعتزلة ترى أنه مخلد في النّار في الآخرة.

ويرى أهل السنة أن أهل الكبائر من أمة محمد ﷺ لا يخلدون في النار إذا ماتوا وهم موحدون، وهم في مشيئته وحكمه إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته إلى الجنة، ولهذا فمرتكب الكبيرة مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا يعطى الاسم المطلق، ولا يسلب عنه مطلقًا.

5 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: يختلف فهم المعتزلة لذلك عن أهل السنة فيما يلي :

أ - طريقة تغيير المنكر، فطريقة تغيير المنكر عندهم تبدأ بالحسنى، أي باللسان، ثم باليد، ثم بالسيف، في حين يلتزم أهل السنة بما أرشد إليه الحديث الشريف: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) .

ب - أوجب المعتزلة الخروج على السلطان الجائر.

في حين يرى أهل السنة أن جور السطان، وارتكابه للمعاصي لا يوجب الخروج عليه ؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد وسفك الدماء، وتفريق الأمة، فلا يباح الخروج على السلطان إلا عندما يظهر الكفر الصراح.

ج - يرى المعتزلة حمل السلاح في وجوه المخالفين لهم سواء أكانوا من الكفار أو من أصحاب المعاصي من أهل القبلة، وهذا فيه خروج على المفهوم الصحيح ؛ لأنه لا يجوز قتال المسلم واستحلال دمه إلا بأمر الشرع.

موقف أهل السنة والجماعة منهم:

يرى بعض العلماء أن بدايات المعتزلة كانت دفاعًا عن الإسلام من طعنات أعدائه، غير أن نهايتهم كانت تعصبًا مذهبيًا لغاية التعصب، وأنهم أيضًا قد أفسدوا الكثير من علوم الشريعة بتحكيمهم الرأي واستنادهم إليه، واتخذوا من العقل دليلاً يُؤوِّلون به من الآيات مالم تهتد إلى إدراكه أفهامهم، ويردون به من الأحاديث كل ما لا يتساوق مع مذهبهم مهما توافرت أدلة صحتها وقبولها وهذا رأي بعض العلماء.

وبالجملة فإن المعتزلة كانوا من أنصار تغليب العقل على غيره من سائر الأدلة والقياسات والأصول، ومن هنا فسّر بعضهم القرآن منطلقًا من هذا الاعتقاد وهذه الآراء كالتفسير المشهور للزمخشري المسمى بالكشاف وغيره. ومن ذلك رأيهم في العقل، وتقديمه على القرآن والسنة وردهم للقياس والإجماع.

★ تَصَفح أيضًا: واصل بن عطاء ؛ الفلسفة الإسلامية ؛ علم الكلام الإسلامي.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية