الرئيسيةبحث

البيوع ( Sales )



البيوع تعامل اقتصادي، وهو في اللغة مطلق المبادلة، وفي الفقه مبادلة المال بعوض تمليكـًا وتملُّكًا. وليس المراد بالمال خصوص الذهب والفضة أو العملات الورقية التي تقوم مقامهما، بل كل ماله قيمة مادية بين الناس، وجاز شرعـًا الانتفاع به في حال السعة والاختيار يعد مالاً.

مشروعية عقد البيع:

ثبتت بالقرآن والسنة والمعقول. فقال تعالى: ﴿وأحَلّ اللهُ البَيْعَ﴾ البقرة : 275 . وقال تعالى: ﴿يا أيُّها الذين آمنوا لا تأكُلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم﴾ النساء: 29 . وسئل رسول الله ﷺ: أي الكسب أفضل؟ فقال:(عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور) رواه الطبراني . وكذلك شرع الإسلام للناس كل ماتقوم به حياتهم، ويحقق لهم المصالح، ويدفع عنهم المفاسد. وعقد البيع من العقود التي تتحقق بها مصلحة الناس ؛ فإن الإنسان يحتاج ما بيد الآخرين، وهؤلاء لايعطون ما بأيديهم إلى غيرهم إلا مقابل عوض، فشرع الإسلام البيع ليكون وسيلة لتلبية حاجات الناس وقيامـًا لحياتهم.

أركان عقد البيع

لايصح عقد البيع إلا إذا توافرت أركانه وشروطه، وإذا فُقد ركن أو شرط بطل عقد البيع، والفرق بين الركن والشرط: أن الركن جزء من ماهية العقد، أما الشرط فهو خارج عن ماهية العقد. وأركانه هي:

العاقدان:

وهما البائع والمشتري، ويُشترط في العاقد أن يكون عاقلاً أي مميزًا، فلا يصح بيع المجنون ولا بيع الصبي غير المميز، ويصح انعقاد البيع عن طريق وكيل من الجانبين. وأن يكون العاقد مالكـًا للسلعة، أما إذا كان العاقد فضوليًا، وهو من يتصرف في السلعة ويعرف الآخرون أنه لايملكها، فبيعه موقوف على إجازة مالك السلعة.

اتفاق إرادة البائع والمشتري:

لما كانت الإرادة خفية فلا بد من حصول ما يدل على تحقق رغبة البائع والمشتري في البيع ؛ فاشترط العلماء توافر صيغة العقد وهي الإيجاب والقبول، فإذا صدر كلام من أحد الطرفين يعبر عن رغبته في البيع كأن يقول للآخر: بعتك هذه السلعة بمائة ريال، وأجابه الطرف الآخر في المجلس جوابـًا موافقـًا للإيجاب بقوله: قَبلْت،كان هذا الكلام معبرًا عن إرادتهما في البيع والشراء، وانعقد البيع، ويكون كلام الأول إيجابـًا، وكلام الثاني قبولاً. كما ينعقد البيع أيضًا عند أخذ البائع الثمن وإعطاء السلعة ـ دون قول: بعت ـ وقول: اشتريت ؛ فإن هذا الأخذ والإعطاء يدل على إرادة البائع والمشتري. أما إذا كان أحد الطرفين مكرهـًا على العقد، فإن إيجابه أو قبوله لايكون معبرًا عن رغبته في البيع أو الشراء، لذا يكون البيع باطلاً.

المَبيع:

(المعقود عليه). ويشترط فيه شروط منها، أن يكون موجودًا فلا ينعقد بيع المعدوم، كبيع الثمر قبل نضجه، وبيع اللبن في ضرع الحيوان، ودليل ذلك قول النبي ﷺ لحكيم بن حزام: (لاتبع ماليس عندك) رواه أحمد والترمذي ولنهي النبي ﷺ عن(بيع الثمر قبل صلاحه) رواه البخاري ومسلم. . واستـثـنى العلماء من هذا الشرط بيع السَّلَم، والاستصناع، وبيع المنافع وهي الإجارة، وسيرد الحديث عنها في هذه المقالة. وأن يكون المبيع مالاً متقومًا، والمال المتقوم،كل ما له قيمة مادية بين الناس، وجاز شرعـًا الانتفاع به في حال السعة والاختيار. وأن يكون مقدور التسليم، فلا ينعقد بيع ماعجز البائع عن تسليمه كبضاعته المسروقة. وألا يكون في المبيع حق لغير البائع، فإذا كانت السلعة المبيعة مرهونة،كان العقد موقوفـًا على إجازة المرتهن.

الثَّمَن:

وهو ماتراضى عليه المتبايعان مقابلاً للمبيع. وإذا كان أحد البدلين في البيع الذهب أو الفضة، أو مايقوم مقامهما من العملات الورقية كان هذا البدل الثمن. ولايشترط أن يكون الثمن موجودًا عند المشتري، لنفاذ عقد البيع خلافـًا للمبيع.كما لايشترط قبض البائع الثمن ليصح تصرفه فيه خلافـًا للمبيع. ويبطل البيع إذا هلك المبيع قبل التسليم بخلاف هلاك الثمن.

وهناك شروط خاصة يجب أن تتوافر في بيوع الجنس الواحد وهي المماثلة بين المبيع والثمن، والتقابض في المجلس، وإلا كان البيع ربويـًا لحديث النبي ﷺ:(الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبُر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مِثْلاً بمثل يدًا بيد. فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء) رواه مسلم.

وإذا تحققت أركان البيع وشروطه التي ذكرنا أهمها، ثبتت ملكية المبيع للمشتري وملكية الثمن للبائع.

أنواع البيوع

بيع المعاطاة:

وهو أن يتفق المتعاقدان على ثمن ومثمَّن، ويعطي البائع المبيع (المـثـمن) للمشتري، ويعطي المشتري الثمن للبائع من غير إيجاب ولا قبول. ولهذا النوع من البيع صور كثيرة في هذه الأيام، كشراء السلع محددة السعر وتناولها ودفع ثمنها للبائع من غير كلام، أي من غير إيجاب ولا قبول. والدليل على جواز بيع المعاطاة أنه يدخل في عموم الأدلة التي تجيز البيع كقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم﴾ النساء: 29 . وقوله ﷺ: (إنما البيع عن تراض) رواه ابن حبان .

بيع المُكْره:

يعد اتفاق إرادة البائع والمشتري (التراضي) ركنًا من أركان العقد، وبيع المكره يفتقر إلى ركن التراضي، لذا يكون باطلاً بقوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم﴾ النساء: 29 .

بيع السَّلَم:

وهو بيع موصوف في الذمة، مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد. وبيع السلم أن يحتاج شخص مالاً، ولايجد من يقرضه هذا المال، فيأتي لمن معه مال ويبيعه سلعة غير موجودة تثبت في ذمته بثمن معجل. ويمكِّن هذا العقد محتاج المال من الحصول عليه بوجه مشروع والاستفادة منه في التجارة أو الزراعة أو الصناعة أو الاستهلاك، ويتيح لصاحب المال استثمار ماله بطريق مشروع. وقد اشترط الفقهاء لصحة عقد السلم شروطـًا كثيرة، حتى لايحصل فيه ما يؤدي إلى النزاع والاختلاف بين المتبايعين من أهمها: بيان وصف المبيع وصفته ومقداره وزمان التسليم ومكانه، وألا يكون مما لاتـنـضبط أوصافه. والدليل على جواز عقد السلم أن النبي ﷺ قدم المدينة وهم يسلفون (أي يسلمون) في الثمار السنة والسنتين والثلاث فقال:( من أسلف في تَمْرٍ فليسلف في كيْل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) رواه مسلم . وعلى ذلك، فبيع ما على النخل من رطب بما على الأرض من جاف جائز، بشرط العلم بالكيل والوزن والأجل وإنما جاز هذا النوع من البيع رخصة دفعًا للحرج والمشقة عن المسلمين في حاجاتهم.

الاستِصْناع:

وهو عقد مع صاحب حرفة على عمل شيء معين وفق شروط متفق عليها. كأن يأتي شخص لصانع كالنجار، مثلاً، ويقول له، اصنع لي خزانة بمواصفات يتفقان عليها وبثمن يُتَّفق عليه أيضـًا. وقد أجاز الفقهاء عقد الاستصناع مع أنه بيع معدوم لحاجة الناس إلى التعامل به ولأن منعه يسبب حرجـًا لهم.

الإجارة:

وهي بيع منافع شيء مباحة، أو بيع عين تحدث شيئـًا فشيئـًا مدة معلومة بعِوَض. فالإجارة إما أن تكون بيع منفعة كبيع منافع البيت وبيع منافع السيارة مدة معينة بعوض. أو تكون بيع عين تحدث شيئـًا فشيئـًا،كبيع لبن الضرع، وبيع منافع البئر مدة معينة بعوض.

وتجوز الإجارة في كل ما ينتفع به مع بقاء عينه، ولاتجوز فيما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه، فتجوز إجارة البيت والسيارة والآلات والبئر لأن أعيانها تبقى بعد الانتفاع بها، ولاتجوز إجارة الطعام والأوراق النقدية لأنه لاينُتفع بها إلا باستهلاك أعيانها.

والإجارة مشروعة لقوله تعالى: ﴿فإن أرضعْن لكم فأتوهن أجورهن﴾ الطلاق: 6 . ولقول النبي ﷺ:(أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) رواه ابن ماجة .

والإجارة نوعان: إجارة منافع: أي أن المعقود عليه هو المنفعة كإجارة الدور والسيارات والأواني والثياب. وإجارة عمل: أي أن المعقود عليه هو العمل كاستـئجار شخص لبناء بيت أو لخياطة ثوب أو توصيل سلعة لمكان معين.

والأجير نوعان: أجير مشترك: وهو الذي يعمل لعامة الناس كالخياط والكوّاء والحمّال. وأجير خاص: وهو الذي يعمل عند شخص واحد مدة معلومة كالسائق الخاص والخادم في البيت والعامل في المزرعة.

بيوع مباحة

ومن رحمة الله بعباده أنه إذا حرم عليهم شيئـًا ضارًا دلهم على بديل عنه، يجلب لهم النفع. وقد شرع لنا الإسلام طرقـًا كثيرة مباحة تحقق استثمار المال بدلاً من الربا المحرم منها: 1- التجارة بالمال. 2- المضاربة، وهي إذا ما عَجِزَ الإنسان عن التجارة بماله بنفسه، دفعه لمن يعمل به مضاربة بنسبة يتفق عليها من الربح. وشركة المضاربة تحقق النفع لصاحب المال الذي يعجز عن استثمار ماله، وللعامل الذي لايجد المال، وهو يتقن التجارة فيوفر صاحب المال له المال، ويقوم العامل بالعمل، ويقسم الربح بينهما بحسب النسبة المتفق عليها. 3- المرابحة، وهي نوع من أنواع البيوع كثيرًا ما تقوم به المصارف الإسلامية وهو بيع للواعد بالشراء أو بيع المرابحة للآمر بالشراء كأن يأتي من يحتاج السلعة إلى المصرف الإسلامي بدلاً من أخذه المال من المصرف الربوي، ويقول للمصرف الإسلامي: اشتر لي السلعة الفلانية وأنا أربحك فيها كذا وكذا وأسدد لك ثمنها مؤجلاً.

بُيوع مُحرَّمة

ومن أنواع البيوع بيوع محرمة لا يباح التعامل بها، ويعد عائدها حرامًا للمتعامل بها. من ذلك:

الربا:

وهو نوعان: ربا الفضل وربا النسيئة.

ربا الفضل. وهو كل زيادة خالية من العوض في مبادلة مال بمال من جنسه نفسه.كأن يبيع شخص صاعـًا من تمر بصاعين.

ربا النسيئة. أي ربا التأجيل، وهو البيع لأجل مع الزيادة في أحد البدلين من غير عوض في مقابلة تأخير الدفع. كأن يبيع شخص صاع قمحٍ يسلمه في المجلس للمشتري بصاعين من القمح يسلمها له المشتري بعد شهر. أو يبيع ألف ريال يسلمها في المجلس لشخص بألف ومائة ريال، يعيدها له بعد شهر.

ونظرًا لما يشتمل عليه الربا من أضرار اقتصادية واجتماعية كثيرة، حرم الإسلام هذا التعامل تحريمـًا قاطعـًا، فقال تعالى: ﴿ وأحل الله البيع وحرم الربا﴾ البقرة: 275. وقال تعالى: ﴿ الذين يأكلون الربا لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس﴾ البقرة: 275 . وقال تعالى: ﴿ يمحق الله الربا ويربي الصدقات﴾ البقرة: 276 . وقال تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مابقي من الربا إن كنتم مؤمنين ¦ فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم﴾ البقرة: 278، 279 . وقال جابر بن عبدالله:(لعن رسول الله ﷺ آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهده، وقال: هم سواء) رواه مسلم . ★ تَصَفح: الربا.

بيع العينة:

وهناك بعض البيوع المحرمة يلجأ إليها بعض التجار تحايلاً على الربا كبيع العينة كأن يبيع تاجر سلعة لشخص إلى أجل بثمن معين، ثم يشتريها منه بأقل من ذلك الثمن نقدًا. كأن يبيع شخص كيسـًا من السكر بمائة ريال مؤجلة إلى ستة أشهر، ثم يشتري البائع الكيس من المشتري بتسعين ريالاً نقدًا. وهذا البيع حرام لحديث النبي ﷺ (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لاينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) رواه أبو داود .

وكل زيادة في قرض جرّت نفعـًا فهو ربا سواء أكان القرض لغرض إنتاجي، كمن يقترض المال لبناء مصنع، أو كان القرض لغرض استهلاكي، كمن يقترض المال لشراء طعام أو أثاث بيت ونحو ذلك من الحاجات الاستهلاكية ؛ لأن الأدلة التي حرمت الربا لم تفرق بين القرض الإنتاجي وبين القرض الاستهلاكي.

★ تَصَفح أيضًا: التكافل في الإسلام ؛ الاقتصاد الإسلامي، نظام ؛ الربا.

إختبر معلوماتك :

  1. عرف البيع لغة واصطلاحـًا.
  2. اذكر الأدلة من القرآن والسنة على مشروعية عقد البيع.
  3. ما أركان عقد البيع ؟ وما شروط كل ركن؟
  4. عرِّف بيع المعاطاة وبين حكمه.
  5. هل ينعقد بيع المكره؟ دلِّل على ما تقول.
  6. عرِّف بيع السَّلَم، وبين صورته، وأهم شروطه ودليل مشروعيته.
  7. عرِّف عقد الاستِصْناع وصورته وحكمه عند الفقهاء.
  8. ما صورة بيع المرابحة للآمر بالشراء، وما حكمه؟
  9. ما صورة بيع العينة، وما دليل تحريمه؟

المصدر: الموسوعة العربية العالمية