حي بن يقظان ( Hay - ibn - Yaqzan )
حيُّ بن يقظان اسم قصة عربية أصيلة تمثل شكلاً باكرًا من أشكال الفن القصصي عند العرب، وتبرز أنماط فهم الناس للدين، كما تظهر آراء صاحبها ومفهومه في قضايا العقل والشريعة. كتبها فيلسوف غرناطة في القرن السادس الهجري أبوبكر محمد بن عبدالملك بن طفيل القيسي (توفي 581هـ ، 1186م). ولم يبق لنا من أعماله ـ وهو مقل ـ غير هذه القصة. ★ تَصَفح: ابن طفيل، أبو بكر .
وقد صبّ ابن طفيل في هذه القصة آراءه القائلة بعدم التعارض بين العقل والشريعة أو بين الفلسفة والدين في قالب روائي قصصي. نشأ بطل القصة حيُّ بن يقظان في جزيرة معزولة، وكان قد ألقي فيها طفلاً، أو إنه نشأ بشكل طبيعي من مادتها وترابها. وبعد أن نما وترعرع، تأمل الكون الذي حوله فوصل إلى حقيقة التوحيد بالفطرة، وينتقل إلى جزيرة أخرى فيلتقي بشخصين هما سلامان وأبسال. يعلِّم الأول منهما أهل الجزيرة ـ الذين يتدينون تدينًا سطحيًا ـ الحقائق الإلهية والوجودية عن طريق ضرب الأمثال، بينما يميل الثاني إلى التأمل والنظر العقلي وفيه نزعة صوفية.
ويدرك حيُّ بعد أن يتفاهم مع أبسال أن ما توصل إليه من إدراك لحقائق الوجود والكون بالفطرة، وماورثه أبسال عن طريق النبوة إن هو إلا وجهان لحقيقة واحدة، فالكون واحد والخالق واحد، وهو رب السموات والأرض وصانع الموجودات، قد نصل إليه عن طريق التأمل الذاتي كأفراد. لكن الجماعات بحاجة إلى طريقة أبسال في ضرب الأمثال الحسية لمعرفة ذلك، لأنه لا قدرة للعامة على إدراك الحقيقة المجردة التي قد يصل إليها أصحاب التأمل الذاتي والنظر العقلي. والنبوة حق، ولابد منها، والخليقة بحاجة إليها للوصول إلى معرفة الخالق.
إلا أن حَيًا لا يكاشف أهل الجزيرة بالحقيقة كلها، ويعود مع أبسال إلى الجزيرة الأخرى ليعبد الله عبادة روحية خالصة حتى يأتيهما اليقين.
وتمثل القصة العقل الإنساني الذي يغمره نور العالم العلوي، فيصل إلى حقائق الكون والوجود بالفطرة والتأمل بعد أن تلقاها الإنسان عن طريق النبوة.
وتؤكد قصة حي بن يقظان على أهمية التجربة الذاتية في الخبرة الفكرية والدينية. وقد تركت آثارها على كثير من الجامعات والمفكرين وتُرجمت إلى اللاتينية واللغات الأوروبية الحديثة.
وكان ابن طفيل أستاذًا لابن رشد الذي سماه دانتي الشارح الأكبر، والذي عن طريقه عرفت أوروبا في عصر النهضة أرسطو وفلسفته. وقد حدد ابن رشد ثلاثة مستويات لفهم الشريعة والدين، وهي ليست بعيدة عن جوهر ما ذهب إليه ابن طفيل في حي بن يقظان ؛ فهناك فهم العامة للدين، وفهم الخاصة، وفهم خاصة الخاصة، وإن كان للدين جوهر واحد لا يتغير. وقصة حي بن يقظان وضعت أيدينا على تباين المستويات لهذا الفهم، بشكل روائي قصصي يطرح قضية فلسفية.
وتتجلى براعة ابن طفيل في مزجه الأفكار الفلسفية الدقيقة بالقصص الشعبي، وفي جهده لتسويغ هذه الأفكار منطقيًا وفنيًا. وقد ذكر ابن طفيل تأثره في قصته بفلسفة ابن سينا.
وفي قصة حيّ بن يقظان جوانب من النضج القصصي، وإن كان قالب القصة ليس سوى إطار لصب الآراء الفلسفية والصوفية في النص. وقد قدَّر كثير من النقاد هذا الجهد القصصي لابن طفيل فعدوا حيَّ بن يقظان أفضل قصة عرفتها العصور الوسطى جميعًا.
★ تَصَفح أيضًا: العلوم عند العرب والمسلمين .