الرئيسيةبحث

ابن حمديس ( ibn- Hamdis )


ابن حَمْديس (447-527هـ، 1055-1132م). أبومحمد عبدالجبار بن محمد بن حمديس الأزدي، من ألمع شعراء دول الطوائف بالأندلس. ولد في جزيرة صقلية في آخر أيام الحكم الإسلامي لهذه الجزيرة. تفتحت شاعريته منذ نشأته، ولكن لم يُذعْ ذكره ويشتهر، إلا بعد رحيله عن صقلية بعد سقوطها في يد النورمنديين. فارتحل ابن حمديس عام 471هـ، 1078م إلى الأندلس، قاصدًا بلاط المعتمد بن عباد بإشبيلية.

أصبح ابن حمديس الشاعر المقدم لدى ابن عباد، ولكن ذلك لم يطل ؛ إذ استولى ابن تاشفين على أشبيلية، ونفى ابن عباد إلى قلعة أغمات بمراكش. فلحق به ابن حمديس، وظل ملازمًا له يُشجيه بأشعار تخفف وقع المأساة عليه.

وبعد وفاة ابن عبَّاد تنقَّل ابن حمديس بين المغرب والأندلس، حتى انتهى إلى جزيرة ميورقة شرقي الأندلس، فمكث فيها بائسًا يائسًا كفيف البصر حتى أسلم الروح.

وابن حمديس شاعر رقيق الحس ؛ بسبب نشأته بين أحضان الطبيعة الساحرة في جزيرة صقلية. وقد أدت تلك النشأة إلى براعة الوصف في شعره وشدة العناية به. إلا أن فترة الاضطراب التي هبَّت رياحها على ابن حمديس بجزيرة صقلية أواخر حكم العرب، حرمته من أن يتملى جمال تلك البيئة، أو يحسن التعبير عنها، خلافاً لفترة إقامته ببلاط ابن عبَّاد بأشبيلية ؛ حيث يبدو شاعرًا متفتحًا، يحذو حذو الشاعر القديم في تغنّيه بالطبيعة البدوية، والوقوف على الأطلال يحدثها حديثًا مؤثرًا.

ويبدو وصف الطبيعة، وهو أظهر الأغراض الشعرية لدى ابن حمديس، شديد الصلة بمجالس الخمر واللهو والمجون ؛ ومن هنا غلبت على شعره تلك الأوصاف لطلوع الفجر في روضة تضوع عطرًا، ومغيب الشمس في ظلل من الغمام. وهو بين هذا وذاك يصف مسرح لهوه وشرابه.

ويعبِّر شعر ابن حمديس عن بيئة الأندلس التي تنقَّل الشاعر بين أرجائها، كما يعكس شيئًا من روح الابتكار والإبداع في شاعريته، وإن كانت روحه لم تخلُ من حزن عميق ونزعة للتأمل.

وإذا كان المدح هو الغرض الذي ربط بينه وبين ابن عبَّاد، فإنه مدْح لم يخل من كثرة الأوصاف ومن إضفاء قالب الطبيعة المحلية على تلك الأوصاف الجميلة، مع تشخيصها وبث الحركة فيها.

وقد برع ابن حمديس في وصف الطبيعة بشقيها الفطري والصناعي، وكان يتَّبع التفاصيل الدقيقة في لفظ رشيق مع عناية بإخراج لوحات شعرية منمقة. وهو في هذا المجال صنو لابن المعتز في المشرق ولابن خَفَاجة في الأندلس. وقد نفث ابن حمديس همومه في الطبيعة، ومتّع حسه وعقله بها، واستعان بجمالها ليبث شكواه، علّه يجد تعزية فيما حل بوطنه صقلية، وما حل بعد ذلك بأميره ابن عبَّاد.

ومن صوره الشعرية الجميلة المنتزعة من خمرياته في مناظر الطبيعة قوله:

طَرَقتْ والليلُ محدود الجناحْ مرحبًا بالشمس في غير صباح
فالقضيب اهتز والبدر بَدَا والكثيب ارتج والعنبر فاح
والثريا رَجَحَ الجوُّ بِها كابن ماء ضمَّ للوكر جناح
وكأنّ الغرب منها ناشقٌ باقة من ياسمين أو أقاح
المصدر: الموسوعة العربية العالمية