ابن الرومي (221 - 283هـ، 835 - 896م). أبوالحسن علي بن جُريج أو (جورجيوس الرومي). من أعلام شعراء القرن الثالث الهجري. وُلِدَ ونشأ في بغداد، وتُوفي فيها. تلقى دروسه على يديْ محمد بن حبيب. بدأ ينظم الشعر في فترة مبكرة من حياته، وكان أشعر أهل زمانه بعد البحتري، وأكثرهم شعرًا وأحسنهم أوصافًا وأبلغهم هجاءً، وأوسعهم افتنانًا في سائر أجناس الشعر وضروبه وقوافيه، يركِّب منه ما يصعب على غيره، ويُلزم نفسه مالا يلزمه، ويخلط كلامه بألفاظ منطقية، يُجمِل لها المعاني ثم يفصِّلها بأحسن وصف وأعذب لفظ. وهو في الهجاء لايُقدَّم عليه، ولا يلحقه فيه أحد من شعراء عصره، غزارة قول، وخاصة في شعره الساخر الموصوف بالأدب الكاريكاتيري. ويقال: إنه ما مدح أحدا من رئيس ومرؤوس إلا وعاد عليه فهجاه. فلذا يخشاه الرؤساء وربما كان ذلك سببًا في اغتياله، كما جاء في بعض الرِّوايات، إذ يُقال: إن وزير المعتضد القاسم بن عبيد الله كان يخاف من هجائه فدسّ له طعامًا مسمومًا فمات. وكانت به علّة سوداوية ربما تحركت عليه فغيرت من طباعه. ذكر الوطن في شعره مما جعله يتفوق على كل من قال شعرًا في الوطن. ومن أشهر أبياته في ذلك:
|
ولي وطـنٌ آليــت أن لا أبيـعـه | | وأن لايُرى غيري له الدهر مالكا |
|
كان شعره غير مرتَّب، حتى عكف عليه أبو بكر الصولي، ورتبه على حروف الهجاء. قال في كل فنون الشعر: مديحًا، إذْ مدح عددًا من مشاهير عصره ولا سيما آل وهب وآل طاهر، وهجاءً، حيث يُعَدُّ من أقدر الناس على الهجاء ؛ لأنه من أشدهم شعورًا بالقبيح وانفعالاً به، ونفورًا منه، ومن أشدهم تمثيلاً له، وقال المستشرق روفون غست: ¸يُعتبر الهجاء ميدان ابن الرومي الذي برز فيه. ويوجد من قصائده عدة قصائد في الهجاء تشتمل على مئات الأبيات، فلا يفوقها في العدد إلا قصائد المديح·، وغزلاً ولاسيما في المغنية
وحيد، ورثاء ؛ لأنه رُزق عدة بنين فماتوا في حداثتهم، ثم ماتت زوجته وأخوه فعاش عيشة حزن وألم وتشاؤم. وله قصيدة ميمية يرثي بها البصرة. وتعدّ من أجمل ما رُثي به المدن ؛ لأن الزنج ثاروا على أهل البصرة سنة 255هـ في خلافة المهتدي ، فتفاقم أمرهم، واكتسحوا البصرة وخرَّبوها، وقتلوا الناس وهدموا الدور، ولم يتمكن العباسيون من إخضاعهم إلا بعد فترة طويلة وجهد كبير.
اشتهر ابن الرومي بتوليد المعاني، ومن ميزاته أنه لا يترك المعنى حتى يستوفيه، ويمثله للقارئ تمثيلاً، ومن هنا جاءت قصائده طويلة، تزيد القصيدة على ثلاثمائة بيت وخاصة قصائد المدح.
يرجع الدارسون لشعره ظاهرة التشاؤم عنده، لمزاجه وفقدان أولاده وزوجه وكرهه للناس. وقد أثرى هذا المزاج الحاد شعره في المراثي بوجه خاص، كما يتجلى في قصيدته المشهورة:
|
بكاؤكما يشفي وإن كان لايجدي | | فجودا فقد أودى نظيركما عندي | وأولادُنا مثــل الجــوارح أيهـا | | فقدناه كان الفاجع البين الفقدِ | لكلٍّ مكانٌ لايَسُــدُّ اختلالــه | | مكان أخيه في جزوع ولاجَلْد | هل العين بعد السمع تكفي مكانه | | أم السمع بعد العين يهدي كما تهدي؟ |
|
وعرف عن ابن الرومي أيضًا وصفه الحسي البارع لصور البيئة المختلفة منها قصيدته في وصف صانع الرقاق (الخباز) التي يقول فيها:
|
إن أنسَ لاأنس خبازًا مررت به | | يدحو الرقاقـة مثل اللمح بالبصر | مابين رؤيتها في كفه كرةً | | وبين رؤيتهــــا قـوراءَ كالقمـــر | إلا بمقدار ماتنداح دائرة | | في صفحة الماء يُرمى فيه بالحجر |
|
ومن مشهور شعره الذي جرى مجرى المثل، قوله في مجانبة الإكثار من الصحاب:
|
عدوك من صديقـك مستفـاد | | فلا تستكــثرنّ من الصحـــاب | فإن الــداء أكـــثر ماتــــــراه | | يحـول من الطعـام أو الشـراب | إذا انقلب الصديق غدًا عـدوَّاً | | مبينًــا، والأمــور إلى انقــلاب | ولو كان الكثير يطـيب كانت | | مصاحبة الكـثير من الصــواب | ولكــن قــل مااستكــثرت إلاّ | | سقطت على ذئـاب في ثيـاب |
|
★ تَصَفح أيضًا:
الشعر ؛
العربي، الأدب.
المصدر: الموسوعة العربية العالمية