الحوت ( Whale )
☰ جدول المحتويات
أنثى الحوت وصغيرها، يظلان مرتبطين ببعضهما مدة لاتقل عن عام. هذا الحوت من النوع الأحدب، ويبدو الوليد مستقرًا على ظهر أمه وهي تسبح تحت سطح الماء مباشرة. |
أنواع الحيتان عديدة ؛ فمنها العنبر الأزرق الذي يعد أضخم حيوان يعيش على ظهر الأرض، حيث يصل طوله أحيانًا إلى 30م ووزنه إلى أكثر من 200 طن متري. وهناك أنواع من الحيتان أصغر من ذلك بكثير، مثل الدلفين الأبيض الضخم (البيلوجا) وحوت النَّروْل الذي يبلغ طوله ما بين 3-5م.
والحيتان تشبه السمك من حيث الشكل العام، ولكنها تختلف عنه في وجوه كثيرة أهمّها الذيل. فالزعانف الذيلية في السمك رأسية (علوية وسفلية) أما في الحيتان، فالزعانف الذيلية أفقية. والسمك يتنفس عن طريق الخياشيم التي تمتص الأكسجين الذائب في الماء، أما الحيتان فلها رئات، ويجب أن تصعد إلى سطح الماء لتتنفس لفترات طويلة، فأحد أنواع الحيتان ويعرف بحوت الَعْنبَر يمكنه التوقف عن التنفس لمدة تصل إلى 75 دقيقة.
والحيتان مثل بقية الثدييات تلد صغارًا تتغذى بالحليب الذي تدره الأم، بينما يبيض معظم السمك ولا يقوم بتغذية الصغار بعد الفَقْس. والحيتان أيضًا من ذوات الدم الحار ؛ أي أنها تحافظ على ثبات درجة حرارة أجسامها مهما تغيرت درجة حرارة البيئة المحيطة. أما السمك كله تقريبًا فمن ذوات الدم البارد ؛ أي أن درجة حرارة الجسم تتغير بتغيّر درجة حرارة الماء الذي يعيش فيه السمك.
لقد فقدت الحيتان بعض خصائص الحيوانات الثديية. فالشَّعْر الذي يغطي أجسام معظم الثدييات على سبيل المثال، لا يوجد منه إلا قليل من الشعيرات الخشنة على رؤوس الحيتان. ومعظم الثدييات تمشي على أربع، أما الحوت، فليست له أرجل خلفية، إنما يوجد فقط أثر لهما على هيئة عظمتين وركبتين دقيقتين، هذا بالإضافة إلى الرجلين الأماميتين، فقد تحولتا إلى زعنفتين تساعدان الحوت على التوجه وحفظ التوازن.
اشتغل الناس بصيد الحيتان منذُ عصور ما قبل التاريخ. فقديمًا كان صيد الحيتان يتم لتناول لحومها واستغلال زيوتها في وقود للإنارة وطهي الطعام. واليوم مازال اليابانيون وكذلك قاطنو العديد من جزر المحيط الهادئ وسكان المناطق القطبية الشمالية، يأكلون لحوم الحيتان. ويُستخدم زيت الحوت وأجزاء أخرى من جسده في صناعة العديد من المركبات، مثل: مستحضرات التجميل والأسمدة والغراء والأدوية والصابون.
في خلال القرن العشرين، قتلت أساطيل الصيد أعدادًا كبيرة من الحيتان، الأمر الذي قد يؤدي إلى انقراض بعض أنواعها، ولهذا السبب حددت الهيئة الدولية لصيد الحيتان أعداد الحيتان التي يمكن صيدها كل عام، كما حظرت صيد بعض أنواع الحيتان تمامًا.
تنتمي الحيتان إلى مجموعة من الثدييات تُعرف بالحوتيات (الحيتانيات). وقد تعرَف العلماء على 75 نوعًا على الأقل من هذه الحيتان. أمكن تقسيم الأنواع المختلفة من الحيتان إلى مجموعتين رئيسيتين ؛ تشمل الأولى حيتان البالين ع ديمة الأسنان، وتشمل الثانية الحيتان ذوات الأسنان . وسوف نناقش في هذه المقالة الأنواع الرئيسية من الحيتان في كل مجموعة، كما سنقوم بوصف أجسام الحيتان المختلفة وطرق معيشتها. وفي النهاية سنقوم بسرد تاريخ صيد الحيتان والمستقبل الذي ينتظرها.
أنواع حِيتان البالين
البالين يتكون من صفائح رقيقة تتدلى من الفك العلوي لحيتان البالين ويتكون البالين من نفس المادة التي تتكون منها أظافر الإنسان. الأسنان الوتدية تنمو في الفك السفلي لجميع سلالات الحيتان ذوات الأسنان تقريبًا. بعض السلالات لها أسنان في الفك العلوي أيضًا. |
هناك عشرة أنواع من حيتان البالين أمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات: الحيتان الصحيحة، الحيتان الرمادية، حيتان الرُرْْكول.
حوت البالين ليس له أسنان ولكن فمه يحتوي على مئات من الصفائح الرقيقة تعرف بالبالين، يستخدمها الحوت في تصفية طعامه من الماء. وتعد حيتان البالين إحدى مجموعتي الحيتان الرئيسيتين، أما المجموعة الأخرى فتشمل الحيتان ذوات الأسنان. |
وقد سُميت بهذا الاسم ؛ لأنها كانت الحيتان المناسبة للصيد، حيث إنها تسبح ببطء، وأجسامها تحتوي على كميات كبيرة من البالين والزيوت. تتغذى هذه الحيتان بالعوالق المائية، حيث تفتح أفواهها أثناء سباحتها، فينساب الماء خلال عظم البالين، حيث يتم حجز الكائنات المكونة للعوالق المائية داخله. وهناك ثلاثة أنواع من الحيتان الصحيحة: 1- الحيتان مقوسة الرأس 2- الحيتان الصحيحة السوداء 3- الحيتان الصحيحة القزمّية.
الحيتان مقوسة الرأس. وتسمى أيضًا حيتان جرينلاند. وتتميز بأن عظم البالين لديها أطول من نظيره في جميع أنواع حيتان البالين، ولها فم شديد التقوس يناسب البالين الضخم الذي قد يصل طوله إلى أربعة أمتار. والحيتان الحدباء أو ذوات الرؤوس المقوسة سوداء اللون وبها بقع كبيرة بيضاء على الذيل وعلى قمة الفك السفلي. يصل طول هذه الحيتان إلى 18م وتعيش فقط في المحيط القطبي الشمالي.
الحيتان الصحيحة السوداء تُسمى أيضًا الحيتان الصحيحة تتميز بأن عظم البالين بها أقصر والرأس أقل تقوسًا بالمقارنة مع الحيتان المقوسة الرأس، ولون هذه الحيتان أسْود. يمتاز بعضها بوجود مناطق بيضاء على البطن. تعيش الحيتان الصحيحة في جميع المحيطات، وتستمر في النمو حتى تصل إلى 18م طولاً. وتتميز هذه الحيتان بوجود نُتوء غير عظمي "كالو" يُسَمَّى قلنسوة على الخطم.
الحيتان الصحيحة القَزْمية. وهذه أصغر حيتان البالين، حيث لا يتجاوز طولها مترين. وتعيش الحيتان الصحيحة القِزمية جنوبي خط الاستواء ونادرًا ما يراها الإنسان.
الحيتان الرمادية: تعيش في شمالي المحيط الهادئ، وعلى الرغم من تسميتها، إلا أنها تكون أحيانًا سوداء اللون أو ذات لون رمادي داكن. يحتوي الجلد على بقع بيضاء أو صدفية تُسَمَّى بَرْنقيل، وتوجد على الظهر الخلفي للحيتان الرمادية سلسلة من البروزات الصغيرة. وقد يصل طول هذه الحيتان إلى 15م. وتتغذى الحيتان الرمادية بالحيوانات الصغيرة التي تعيش في القاع الرملي للمحيط، حيث تتناول الرمل، ثم تستخدم عظم البالين في غربلته والتهام ما يحتويه من حيوانات. وتتغذى أيضًا بالعوالق المائية والسمك الصغير. وفكوك هذه الحيتان أكثر سُمْكًَا وأقصر من فكوك بقية أنواع حيتان البالين.
بعض أنواع الحيتان |
وتنقسم حيتان الرركول إلى ستة أنواع هي: 1- حيتان العنبر الزرقاء 2- حيتان برايد 3- الحيتان الزعنفية 4- الحيتان الحدباء 5- حيتان المِنْكي 6- حيتان الساي.
حيتان العنبر الزرقاء. تُعَدُّ أضخم حيوانات تعيش على وجه الأرض على الإطلاق، حيث يصل طولها أحيانًا إلى 30م ووزنها إلى أكثر من 200 طنٍّ متري، ولونها أزرق مُعْتم. ولكن قد يوجد في بعضها نموٌّ لكائنات دقيقة صفراوية أو كبريتية اللون تُسَمى الدياتوم، ولهذه الأسباب، فإن هذه الحيتان تُسَمَّى أحيانًا الحيتان ذوات البطون الكبريتية، وتعيش حيتان العنبر الزرقاء في جميع المحيطات، وقد تم تصنيفها ضمن الأنواع المهددة بالانقراض، وتتغذى هذه الحيوانات بحيوانات صغيرة تشبه الروبيان تُسَمَّى كريل وهي جزء من العوالق المائية.
حيتان برايد. تعيش فقط في البحار الاستوائية وشبه الاستوائية، وتمتاز بلون رماديّ مزرق وبطن أبيض، وقد يصل طولها إلى 14م. وعلى عكس بقية الرركول، تتغذى حيتان برايد أساسًا بالسمك الصغير والحبَّار وهو حيوان صغير يشبه الاُخطبوط.
الحيتان الزعنفية. لونها أسود من أعلى ويميل إلى البياض من أسفل، ولون عظم البالين في مقدمة الفم كلون الكريمة، أما في خلف الفم فلونه رمادي مزرق. ولون الفك الأسفل أبيض في الجانب الأيمن وأسود في الأيسر. تعيش الحيتان الزعنفية في المحيطات جميعها ويصل طولها إلى 24م. تتغذى الحيتان الزعنفية التي تعيش جنوبي خط الاستواء بالكريل، أما تلك التي تعيش في نصف الكرة الشمالي، فتأكل الأُنشوفة والرّنجة والأنواع الصغيرة الأخرى من السمك.
الحيتان الحدباء. لا يزيد طولها على 15م، وأجسامها ضخمة بالمقارنة مع بقية الرُّرْكول. وأهم ما يميز الحوت الأحدب زعانفه الأمامية الطويلة التي قد يصل طولها إلى ثلث طول الجسم. ولون الجسم من أعلى أسود، أما من أسفل فهو أبيض اللون، ويغطي الرأس والأطراف نتوءاتٌ أو عُقدٌ. وعلى الرغم من الاسم الذي تحمله هذه الحيتان، إلا أن الحوت الأحدب ليس له سنام على ظهره.
تعيش الحيتان الحدباء في كافة المحيطات وأحيانًا تسبح قريبًا من الشواطئ. وتتغذى هذه الحيتان بالكريل أساسًا، وكذلك بالسمك الصغير. ومن المعروف أن الحيتان الحدباء تتصل مع بعضها بإصدار أصوات معقدة يمكن التقاطها من مسافة تزيد على 170كم. هذه الأنغام تتألف من سلسلة من الأصوات أمكن ترجمتها على هيئة خليط من الإيز والأووز والزقزقة والشخير والزئير.
حيتان المنكي. وهي أصغر حيتان الرُّرْكول، حيث لا يتجاوز طولها تسعة أمتار. ولون هذه الحيتان رمادي مزرقّ من أعلى، وأبيض من أسفل. تعيش حيتان المنكي في كافة البحار. وتتغذى حيتان المنكي التي تعيش في نصف الكرة الجنوبي بالكريل، أما التي تعيش في نصف الكرة الشمالي، فتتغذى أساسًا بالسمك.
حيتان الساي. تشبه الحيتان الزعنفية إلى حد كبير، غير أن الفك السفلي أسود من الجانبين، هذه الحيتان قد يصل طولها إلى 17م، وتعيش في المحيطات جميعها، ولكنها أكثر شيوعًا حول أنتاركتيكا، وتتغذى بالكريل والعوالق المائية الأخرى.
أنواع الحيتان ذوات الأسنان
الحيتان ذوات الأسنان تستعمل أسنانها فقط في اقتناص الفريسة وليس لمضغها، فغذاء جميع الحيتان ذوات الأسنان كتلة واحدة. |
حيتان العَنْبر: وتُسمى أيضًا كاشالوت. وتُعَدّ أضخم الحيتان ذوات الأسنان دون منازع، حيث يصل طولها إلى 18م، ويتدرج لون هذه الحيتان من الرمادي المزرق إلى الأسود. وتمتاز حيتان العنبر برأس ضخم مربع الشكل يبلغ طوله نحو ثُلث طول الجسم، والفك السفلي طويل ورفيع، وبه عدد من الأسنان الوتدية يتراوح ما بين 16 و 30 سنًا في كل جانب، أما الفك العلوي فلا يحتوي على أسنان ظاهرة.
تعيش كل حيتان العنبر تقريبًا في مياه المناطق الاستوائية والمعتدلة. غير أن قليلاً من الذكور تقضي الصيف في البحار القطبية. وتغوص هذه الحيتان في الأعماق بحثًا عن غذائها الذي يتكون أساسًا من الصَّبيد والحبَّار بالإضافة إلى بعض السمك مثل البركودة، والقرْش. وينتمي حوت العنبر القَزْميّ إلى فصيلة حوت العنبر لكنه لا يزيد فى طوله على 3,7م.
الحيتان المنقاريّة: ولها أنف يشبه المنقار. يحمل الفك الأسفل زوجًا أو زوجين من الأسنان، ولا توجد أسنان في الفك العلوي. ويصل طول بعض أنواع الحيتان المنقارية إلى خمسة أمتار، بينما يصل طول بعضها الآخر إلى 12م. تعيش الحيتان المنقارية في كافة المحيطات وتتغذى أساسًا بالحبَّار والسمك.
حيتان الدلفين الأبيض الضخم والنَّرول: ويتراوح طولها ما بين ثلاثة وخمسة أمتار. يعيش النرول، ومعظم حيتان الدلفين الأبيض الضخم في المنطقة القطبية الشمالية. ولكن بعض الدلفين الأبيض الضخم وجدت في أماكن بعيدة جنوبًا. وتتغذى هذه الحيتان غالبًا بالسمك والحبار. ولون حيتان الدلفين الأبيض الضخم مكتملة النموِّ أبيض، لذا، فإنها غالبًا ما تُسَمَّى الحيتان البيضاء، ويتراوح عدد أسنانها ما بين 32 و40. أما النرول فهو رمادي من أعلى، ويميل إلى البياض من أسفل مع وجود بقع قاتمة في جميع أنحاء الجسم. ويحتوي فم النرول على زوجٍ واحد من الأسنان، وفي الإناث تظل الأسنان مدفونة في الفك العلوي. أما في أغلب الذكور، فتتحول السِّن اليسرى إلى ناب حلزوني يصل طوله إلى 2,7م.
الدلافين وخنازير البحر: تعيش في كافة المحيطات. يتراوح طول معظم حيتان خنازير البحر ما بين 1,2 و1,8م ومن ثم فإنها تعد من أصغر الحوتيّات، أما الدلفين فيتراوح طوله بين مترين وتسعة أمتار.
تعد الحيتان القاتلة والحيتان الطيارة من أضخم الدلافين، ولمزيد من المعلومات عن الدلفين وخنزير البحر. ★ تَصَفح: الدلفين ؛ الحوت القاتل ؛ الدلفين النهري.
الدلافين النهرية: بعكس بقية الحوتيات، لا يعيش هذا النوع من الدلافين في البحار، ولكنه يعيش في مياه الأنهار العكرة، مثل نهر الأمازون في أمريكا الجنوبية ونهر الجانج في الهند، ويبلغ طول الدلفين نحو 2,5م، ويتميز بمنقار طويل، وبصر ضعيف.
أجسام الحيتان
جسم أنثى الحوت الزعنفي |
وتشبه الحيتان في خصائص الجسم الثدييات الأخرى، ولكنها تتمتع بكثير من الخصائص التي تناسب المعيشة في الماء، كما أن معيشتها في الماء أكسبتها أحجامًا كبيرة. فالحيوان الأرضي يمكنه النمو إلى الحجم الذي يمكن أن تحمله عظامه وعضلاته، أما الحوت، فيخفف حمل الماء له من وزن الجسم، ومن ثم يساعده على الوصول إلى أوزان أكبر بكثير من أي حيوان أرضي.
حركة تقدمية دائرية سريعة تمكن الحوت من الصعود إلى سطح الماء والتنفس، ثم الغوص ثانية فى دورة حركية واحدة. هذه الحركة تعطي الحوت نحو ثانيتين فقط للزفير والشهيق. وكثير من أنواع الحيتان تضرب بزعانفها الذيلية لتنظيفها من الماء قبل أن تشرع في غوص جديد إلى الأعماق. |
الهيكل العظمي: يتشابه العمود الفقري والقفص الصدري وألواح الكتف في الحوت مع بقية الثدييات، وأهم ما يمتاز به الحوت عن غيره من الثدييات غياب الأرجل الخلفية، حيث لم يتبق منها سوى عظمتين صغيرتين تختبئان داخل العضلات الوركية. ورغم أن الرقبة في الثدييات كلها تقريبًا تتكون من سبع فقرات، إلا أن هذه الفقرات تنضغط بشدة في الحوت، فتصبح الرقبة قصيرة، أو تلتحم فقراتها معًا مكونة عظمة واحدة. وهذه الخاصّية تحفظ رأس الحوت من التأرجح أثناء السباحة، إضافة إلى أنها تعزز الشكل الانسيابي للحوت بجعل الرأس متصلاً مباشرة بالجسم.
دُهْن الحوت وجلده: للحوت جلد ناعم مطاطيّ ينزلق بسهولة في الماء، ورغم أن الجسم في معظم الثدييات مغطى بالشَّعر، مما يحجز طبقة من الهواء الدافئ حول الجسم، إلا أن الحيتان لا تتمتع بمثل ذلك الغطاء العازل من الشعر، وكل ما يمتلكه الحوت من شعر هو بعض الشعيرات الضعيفة على الرأس.
توجد تحت جلد الحوت طبقةٌ من الدهن تُعرف بدهن الحوت تحفظ للجسم حرارته ودفئه. وفي حقيقة الأمر تجد الرركول صعوبة أكثر في التخلص من الحرارة الزائدة مقارنة مع قدرتها على الاحتفاظ بحرارة الجسم الدافئة، لذلك لا يتجاوز سُمك الدهن المترسب تحت الجلد بأي حال 15سم. وعلى النقيض من ذلك قد يصل سُمْك هذه الطبقة في الحيتان الصحيحة إلى 50سم. وإذا ما حدث نقص في الطعام، فإن الحوت يعيش لفترة طويلة بلا طعام معتمدًا على هذا الدهن المخزون تحت الجلد. ودهن الحوت أخف من الماء، ولذلك، فإنه يزيد من قدرة الحيتان على الطَّفو في الماء.
تقوم بعض أنواع الحيتان بقفزات فائقة في الماء. ويسمي العلماء هذا السلوك بالاختراق، وهذه الصورة توضح أحد الحيتان الصحيحة يقوم بالاختراق عند شاطئ الأرجنتين. |
سحابة مرئية تسمى النافورة تحدث حينما يزفر الحوت خلال منخاره أو فتحته الأنفية إلى اليمين. توجد فتحة أنفية واحدة في الحيتان ذوات الأسنان وفتحتان في حيتان البالين. |
الممر الأنفي قصير متسع (أسفل) مما يساعد الحوت على التنفس السريع. |
وتُعْزَى قدرة الحيتان على الاستمرار بلا تنفس لفترات طويلة لأسباب عدة: فعضلات الحوت تقوم بتخزين كمية كبيرة من الأكسجين بالمقارنة مع عضلات الثدييات الأخرى. فمثلاً تختزن العضلات في الإنسان فقط 13% من إجمالي كمية الأكسجين التي يستوعبها الجسم بالمقارنة بـ 41% في حالة الحيتان. ويقوم الحوت أثناء الغطس بخفض معدل سريان الدم في العضلات كثيرًا، ولكنه يحافظ على المعدل الطبيعي لسريان الدم في القلب والدماغ.
ويقوم أيضًا بخفض معدل ضربات القلب، مما يساعده على توفير الأكسجين. وبعد انتهاء الحوت من الغطس ينبغي أن يتنفس مرات عدة لإعادة شحن أنسجته بالأكسجين قبل قيامه بالغطس مرة أخرى.
وعندما يصعد الحوت للتنفس يخترق سطح المياه، ويندفع إلى الأمام بحركة دائرية. هذه الحركة تمنح الحوت ثانيتين فقط يتم خلالهما زَفْر واستنشاق نحو 2,000 لتر من الهواء. وتتنفس الحيتان عن طريق فتحات أنفية تُسَمىَّ المناخير توجد على قمة الرأس. ويوجد في الحيتان ذات الأسنان مِنْخر واحد أمّا في حيتان البالين، فيوجد مِنخْران. ويتم فتح هذه الفتحات الأنفية وتوسيعها بدرجة كبيرة عن طريق عضلات وصمامات قوية حتى تتنفس الحيتان وبعد ذلك تغلق غلقًا تامًا.
وحينما يزفر الحوت، فإنه يحدث سحابة تُسَمَّى النافورة، وتتكون النافورة أساسًا من بخار الماء، وقد تحتوي أيضًا على بعض المخاط وقطرات من الزيت. ويستطيع الخبراء التعرف على بعض أنواع الحيتان عن طريق ارتفاع النافورة وشكلها عند الزفير. ويتراوح ارتفاع هذه النافورة بين 1,8م في الحيتان الحدباء وثمانية أمتار في حيتان العنبر. والحيتان الصحيحة تكون نافورتها على شكل رقم (7) مزدوجة، أما حيتان الرركول فتكون نافورتها كُمِّثْريَة الشكل، وتزفر حيتان العنبر إلى الأمام وإلى اليسار.
الحواس: ليست للحيتان حاسة شمّ، ومعظم الأنواع لها أيضًا قدرة محدودة على الإبصار، وتشير الدراسات إلى أن بعض أنواع الحيتان ـ ذوات الأسنان ـ تتمتع بحاسة تذوق محدودة رغم أن أغلب الحيتان لا تستطيع التذوق. أما حاستا اللمس والسمع فقويتان في الحيتان كلها.
وتُعَدّ حاسة السمع القوية أهم حواس الحيتان، حيث تمدها بمعظم المعلومات عن البيئة المحيطة، وتستطيع الحيتان سماع مدى واسع جدًا من الأصوات، بما في ذلك الأصوات ذات التردّد العالي أو المنخفض خارج المدى الذي يستطيع الإنسان سماعه. وعلى عكس الإنسان تستطيع الحيتان تحديد اتجاه مصدر الصوت تحت الماء. وتستطيع الحيتان ذوات الأسنان إصدار أصوات عن طريق جهاز الجيوب الأنفية، وهو سلسلة من الجيوب الهوائية الموجودة حول المِنْخر. وتستطيع الحيتان أيضًا تحديد أماكن الأشياء تحت الماء عن طريق سماع الصّدى المنبعث من اصطدام الصوت بهذه الأشياء، ومن ذلك الصدى تستطيع الحيتان تحديد المسافة والاتجاه بينها وبين شيء ما. وهذه الطريقة تُعرف في علم الملاحة بطريقة محدد موقع الصدى.
وحتى الآن لا يستطيع علماء الأحياء الجزم بأن حيتان البالين تستطيع تحديد أماكن الأشياء عن طريق صدى الصوت. ولكن بعض الخبراء يعتقدون أن ذلك في مقدورها.
حياة الحيتان
ولادة حوت، مثل الدلفين القنيني الأنف الموضح بالصورة. تحدث الولادة بخروج الذيل أولا.ً في حالات كثيرة، تقوم الإناث بمساعدة الأم أثناء الولادة. |
الحوت الحديث الولادة يبدأ العوم في الحال، ولكنه يعتمد على أمه في التغذية والحماية، وبمجرد ولادته، تساعده الأم في الصعود إلى سطح الماء ليتنفس لأول مرة في حياته. |
وتختلف مدة الحمل في الحيتان باختلاف الأنواع. ولكنها في معظم الأنواع تستغرق فترة تتراوح ما بين 10و12 شهرًا، ومع ذلك، فإن أنثى حوت العنبر تحمل صغيرها لمدة 16 شهرًا. وتلد الأنثى غالبًا مولودًا واحدًا بعد كل حمل ويُسمى عِجلاً، أي أن ولادة التوائم نادرة. وأثناء الولادة قد تقوم إحدى الإناث أو أكثر بمساعدة الأم. وتلدُ الحيتان صغارًا كبيرة الحجم جدًا، فمثلاً يبلغ وزن وليد الحوت الأزرق نحو 1,8 طن متري عند ولادته ويبلغ طوله سبعة أمتار. وبمجرد ولادة الصغير، تدفعه أمه إلى سطح الماء ليتنفس الهواء الجوي للمرة الأولى في حياته.
والحوت الأم شديدة الحرص على صغيرها ؛ فتظل ترعاه لمدة عام على الأقل بعد ولادته، وترضع الأمهات صغارهن كبقية الثدييات، وللأم عضلات صدرية خاصة لضخِّ اللبن في فم الصغير. ولبن الحيتان عالي التركيز، ويحتوي على نسبة من الدهن والبروتين والأملاح المعدنية أعلى من تلك الموجودة في ألبان الثدييات الأرضية. ويساعد هذا الغذاء الغني عجول الحيتان على النمو بسرعة كبيرة، فمثلاً صغار حوت العنبر الأزرق تنمو بمعدل 90 كجم في اليوم، وتدوم فترة الرضاعة عند حوت العنبر الأزرق والحيتان الزعنفية لمدة سبعة أشهر، أما في بقية الحيتان، فتستمر لمدة عام تقريبًا.
الحياة الجماعية: تعيش الحيتان في مجموعات تُسمى قطعانًا أو أسرابًا أو جماعات. ويبدو أن الحيتان ذوات الأسنان تعيش حياة اجتماعية منظمة بالمقارنة مع حيتان البالين. أمّا الحيتان المرشدة وكثير من أنواع الدلافين فتسبح فى صورة قطعان يتراوح عددها ما بين 100و 1,000 حوت. وتتكون مجموعة الحيتان من ذكر واحد مكتمل النمو، ومجموعة من الإناث وصغارهن. وتسمى المجموعة التي تتكون من عدد من الإناث مع عجولهن الصغار المجموعة الحاضنة. وأخيرًا تتكون مجموعة الحيتان العُزّاب من عدد من الذكور الصغيرة المرحة.
تعيش بعض أنواع حيتان البالين، مثل حيتان العنبر الزرقاء وحيتان الساي غالبًا في مجموعات عائلية تتكون من ذكر وأنثى وصغير واحد أو صغيرين. وأحيانًا تتجمع حيتان البالين في مجموعات عند التغذية، وتهاجر الحيتان الحدْباء في مجموعات حيث تهاجر الأمهات وصغارهن أولاً، ثم يليها الذكور والإناث غير الحوامل وأخيرًا الإناث الحوامل.
تتواصل الحيتان بعضها ببعض بإصدار كثير من الأصوات المتباينة أو الأنغام وتستطيع الحيتان سماع هذه الأصوات من مسافات بعيدة. وقد استطاعت أجهزة استقبال الصوت التقاط نُواح الحيتان مقوّسة الرأس في الأعماق من مسافات تبعد 80كم. وتشتهر الحيتان الحدباء بقدرتها على الغناء، حيث تتألف الأغنية من سلسلة من الأصوات تستمر من 7 إلى 30 دقيقة، ثم تكررها مرة ثانية. والحيتان الحدباء كلها تُصدر الأغنية نفسها، إلا أن الأُغنية التي يصدرها كل فرد تتغير تدريجيًا مع تقدم العمر. ولا يعرف العلماء حتى الآن شيئًا مما يجري بين هذه الحيتان التي تتعامل بالأصوات.
الهجرات: تهاجر معظم حيتان البالين بين المناطق القطبية والمناطق الاستوائية. وتعد المياه الباردة بالمنطقة القطبية الشمالية والمنطقة القطبية الجنوبية أغنى المناطق بالعوالق المائية التي تتغذى الحيتان بها، لذلك فإن الحيتان تقضي الصيف في هذه المناطق للتغذية، وتقوم بتخزين احتياطي كبير من الدهن في أجسامها.
تأكل الحيتان كميات كبيرة من العوالق المائية يتراوح وزنها ما بين 3 و 4% من وزن الجسم يوميًا. وعندما يحل الشتاء، تتجمد المياه في المناطق القطبية، فتهاجر الحيتان إلى البحار الدافئة قرب خط الاستواء، حيث يحدث التزاوج. وتضع الإناث الحوامل مواليدها، حيث توفر المياه الدافئة بيئة مريحة للمواليد الصغيرة التي تنقصها الطبقة الدهنية السميكة العازلة.
تعيش الحيتان مكتملة النمو في المناطق الاستوائية على الدهن المخزون بالجسم بسبب ندرة الغذاء في تلك المناطق. وفي الأمهات المرضعات، يتحول جزء من ذلك الدهن إلى لبن لتغذية الصغار، وفي نهاية الربيع، تكون صغار الحيتان قد كبرت بدرجة تؤهلها للهجرة مع المجموعة إلى المنطقة القطبية الغنية بالغذاء.
هناك نوعان من حيتان البالين لا يقومان بالهجرة، هما: حيتان برايد التي تعيش في المناطق الاستوائية طوال العام، والحيتان مقوسة الرأس التي لا تغادر القطب الشمالي، كذلك لا تهاجر معظم أنواع الحيتان ذات الأسنان، فالدلفين الأبيض الضخم والنرول تعيش بصفة دائمة في مياه القطب الشمالي. أما معظم حيتان العنبر فتعيش فقط في البحار الاستوائية، أو بحار المناطق المعتدلة. وقد يقضي قليل من الذكور الصيف في المياه القطبية.
يقوم العلماء بفحص حوت دفع بنفسه إلى الشاطئ، حيث لقي حتفه. وتفيد دراسة مثل هذه الحيتان بالإضافة إلى الحيتان التي قتلها الصيادون في معرفة التركيب التشريحي للحوت. |
تموت بعض الحيتان بأن تدفع بنفسها إلى الشاطئ، ويحدث ذلك أحيانًا بصورة فردية وأحيانًا بطريقة جماعية. وتنفرد الحيتان ذوات الأسنان بالاندفاع إلى الشاطئ في مجموعات. وغالبًا ما يقوم الناس بإرجاع الحيتان المندفعة إلى الشاطئ ثانية إلى البحر، ورغم ذلك، فإن معظم هذه الحيتان تسبح إلى الشاطئ مرة ثانية. لا تعيش الحيتان على الشاطئ طويلاً بسبب ارتفاع درجة حرارة أجسامها وهي خارج الماء، بالإضافة إلى أن الحوت قد يتحطم بسبب ثقل وزنه، وقد تغرق الحيتان وهي على الشاطئ إذا غُمرت فتحاتها الأنفية بمياه المدّ.
ولا يعرف العلماء على وجه اليقين الأسباب التي تجعل الحيتان تدفع بأنفسها إلى الشاطئ، ولكن بعضهم يعتقد أن وجود بعض الطفيليات في الدماغ والآذان في الحيتان يؤدي إلى فقدانها القدرة على تحديد مواقع الأشياء باستخدام صدى الصوت. ويرى بعضهم الآخر أن الشواطئ الخفيفة الانحدار تعكس أصواتًا إلى رؤوس الحيتان توحي لها بأنها لا تسبح نحو الشاطئ فلا داعي للحذر، وأخيرًا، فإن بعض العلماء يعتقدون أن العديد من العوامل السابقة، بالإضافة إلى أسباب أخرى قد تكون مسؤولة عن حدوث هذه الظاهرة.
صيد الحيتان قديمًا
صيادو الحيتان الأوائل: بدأ الناس صيد الحيتان منذ عصور ما قبل التاريخ. وفي البداية، كانوا يقتلون الحيتان التي تدفع بأنفسها إلى الشاطئ، ثم يأكلونها. ويُعتقد أن سكان المنطقة المعروفة اليوم بالنرويج هم أول من صاد الحيتان ؛ أي أول من قام بالبحث عنها في البحر لصيدها. وقد كشفت النقوش الموجودة على الصخور النرويجية منذ نحو 4,000 سنة عن العديد من أشكال الحيتان. ويرجع تاريخ أقدم وثيقة مكتوبة عن صيد الحيتان في النرويج إلى 890 م. ومع ذلك، فإن هذه الوثيقة لم تكشف عن الطرق التي استخدمها صائدو الحيتان، أو أنواع الحيتان التي كانوا يصيدونها في ذلك الوقت.
شعب الباسك: كان شعب الباسك الذي عاش في جنوبي فرنسا وشمالي أسبانيا أول من أرسى دعائم صناعة صيد الحيتان على نطاق واسع، فخلال القرن العاشر الميلادي، بدأ شعب الباسك صيد حيتان البالين في خليج بسكاي الواقع غربي فرنسا وشمالي أسبانيا. وقد بدأوا الصيد أولاً قرب الشاطئ باستخدام قوارب التجديف المكشوفة، حيث يقوم الصيادون بالمناورة حتى يقترب مركبهم من الحوت بدرجة كافية، ثم يصيبه أحدهم برماح الحربون المتصلة بحبال إلى القارب. وبعد أن تخور قُوى الحوت يشرع الصائدون في قتله بمشارطهم الحادة، ويسحبون جسده إلى الشاطئ لتجهيزه.
بدأ شعب الباسك خلال القرن الثالث عشر الميلادي بإعداد سفن كبيرة للقيام برحلات بحرية لصيد الحيتان. وكانت كل سفينة تحمل قوارب صغيرة عدَّة، يستخدمها الصيادون في الاقتراب من الحيتان وقتلها. وبعد قتل الحوت، يسحبه الصيادون قريبًا من السفينة الكبيرة، ويقومون بنَزْع طبقة الدهن، باستخدام آلات حادة ذات أيدي طويلة، في حين يُدَوَّر الجسمُ حول نفسه في الماء عدة مرات. بعد ذلك يستخدم الصائدون الحبال لرفع الدهن إلى السفينة، ثم يأخذون عظام البالين ويتخلصون من بقية الجسم.
ويستمر الصائدون في تخزين دهن الحوت وعظام البالين في السفينة حتى إذا بلغت أقصى حمولة لها عادت إلى الشاطئ، حيث يتم طهي الدهن لتحويله إلى زيت. وقد استخدم شعب الباسك زيت الحوت في إضاءة قناديلهم، واستخدموا عظام البالين في عمل الأدوات المختلفة، مثل مشدات الخصر والأحزمة الساندة والسياط والمضارب.
وقد كان شعب الباسك يصيد نوعًا واحدًا من الحيتان التي عُرفت فيما بعد بالحيتان الصحيحة. وقد اعتبرها شعب الباسك الحيتان المناسبة أو الصحيحة للصيد ؛ لأنها تسبح ببطء، وتطفو عندما تموت. بالإضافة إلى أنها تحتوي على كميات كبيرة من عظم البالين. وبعد أن أصبح وجود الحيتان الصحيحة في خليج بسكاي نادرًا بدأ صيادو الحيتان بالمجازفة والذهاب بعيدًا داخل البحر. وخلال القرن السادس عشر الميلادي، امتدت رحلاتهم إلى حدود بعيدة حتى وصلت إلى شاطئ نيوفاوندلاند بالولايات المتحدة الأمريكية.
تطور صناعة صيد الحيتان في أوروبا: بدأ كثير من الشعوب الأوروبية في صيد الحيتان خلال القرن السابع عشر. فقد سجل الرحالة الهولنديون والإنجليز أن مياه القطب الشمالي كانت مليئة بالحيتان، مما لفت إليها أنظار الصيادين في بلدان كثيرة، مثل الدنمارك وإنجلترا وألمانيا وهولندا. وقد كانت الحيتان مقوسة الرأس متوفرة بكثرة حول سفالبارد، وهي مجموعة من الجُزر تقع شمالي النرويج. وقد أصبحت فيما بعد المركز الرئيسي لصيد الحيتان القطبية الشمالية، وقد أنشأ الإنجليز والهولنديون صناعة رائجة لصيد الحيتان هناك.كانوا في البداية يوظفون شعب الباسك لقتل الحيتان وتقطيعها، إلا أنهم تعلموا هذه المهنة فيما بعد. وبحلول عام 1720م، كان الصيادون قد قتلوا جميع الحيتان حول سفالبارد وانتقلوا إلى مناطق أخرى في القطب الشمالي.
صناعة صيد الحيتان الأمريكية ازدهرت خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، ويوضح المشهد أعلاه الصيادين وهم يقتلون الحيتان الصحيحة عند الشاطئ الشمالي الغربي من أمريكا الشمالية في أربعينيات القرن التاسع عشر. |
ورغم أن صناعة صيد الحيتان على الشواطئ الأمريكية كانت قد تضاءلت ابتداء من القرن الثامن عشر، إلا أن صناعة صيد حيتان العنبر تطورت في نهاية القرن نفسه. وقد أصبحت نانتكيت ونيو بدفورد، بماساشوسيتس أهمَّ موانئ صيد الحيتان الأمريكية. وبحلول سنة 1770م أصبح الأمريكيون يصيدون حيتان العنبر من جميع أنحاء المحيط الأطلسي، بل إن صناعة صيد حيتان العنبر الأمريكية امتدت إلى المحيط الهادئ الجنوبي منذ عام 1790م تقريبًا.
استخرج الصيادون ثلاثة مواد نافعة من حيتان العنبر أهمها زيت العنبر الذي يُستخرج من رأس الحوت ومن دهنه. وقد استخدم الناس هذا الزيت وقودًا للإضاءة، ومادة للتشحيم، كما استخرج صائدو الحيتان زيتًا آخر يُسمى العنبرية من رأس حوت العنبر. وقد أصبح المادة الأساسية التي تُصنع منها الشموع. أما المادة الثالثة فهي العنبر الخام ويُستخرج من أمعاء حوت العنبر، وقد استُخدم بوصفه مادة أساسية في صناعة الكثير من العطور الغالية. وقد وجد صيادو الحيتان هذا العنبر الخام في أمعاء عدد قليل من الحيتان التي قُتلت، ورغم ذلك فقد حقق لهم أرباحًا كبيرة ؛ لأن صانعي العطور كانوا يشترونه بأسعار مرتفعة جدًا.
وقد اتبع الأمريكيون طرق الصيد نفسها التي استعملها الأوروبيون، ولكن الأمريكيين كانوا يقومون بعملية إذابة دهن الحوت على ظهر السفينة بدلاً من تخزينه في السفينة وحمله إلى الشاطئ لتصنيعه. وكانوا يستخلصون الزيت بإذابة الدهن في مراجل حديدية كبيرة تُسمى مراجل الطهي. وأهم فوائد تحويل الدهن إلى زيت هي أن الزيت لا يفسد أثناء الرحلات الطويلة عبر البحار الاستوائية، بالإضافة إلى أنه لا يحتاج إلى مساحات كبيرة لتخزينه، مثل الدهن.
تعد الفترة ما بين عامي 1820 و 1850م أكثر فترات صناعة حيتان العنبر الأمريكية ازدهارًا ورخاءً ؛ فأثناء تلك الفترة تم تشغيل أكثر من 70,000 شخص، وتم قتل نحو 10,000 حوت سنويًا. وقد كان أسطول الصيد يتكون من أكثر من 730 سفينة تُبحر في جميع المحيطات. وقد حدث معظم هذا الصيد في المحيط الهادئ. وأصبحت سان فرانسيسكو ميناءً رئيسيًا لصيد الحيتان، وفي هذه الفترة كانت معظم الرحلات تستغرق مددًا طويلة تتراوح ما بين أربع وخمس سنوات. وكانت سفن الصيد ترسل زيت الحيتان إلى الوطن عن طريق سفينة نقل بضائع بين الحين والآخر، بينما تستمر السفن الأخرى في الصيد.
وعندما اُكْتُشِفَ الذهب في كاليفورنيا سنة 1849م بدأت صناعة صيد حيتان العنبر في أمريكا في التدهور ؛ حيث هجر الكثير من ملاحي سفن صيد الحيتان مهنتهم للبحث عن نصيبهم من ثروات الذهب. بعد ذلك، وجهت الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865م) أقسى ضربة لصناعة صيد الحيتان، فأثناء الحرب أغرقت بواخر الجنوب كثيرًا من سفن صيد الحيتان. وبعد انتهاء الحرب، بدأت صناعة صيد الحيتان تنتعش مرة ثانية ولكن اكتشاف النفط سَرْعان ما هددها بالتوقف من جديد، حيث حلَّت المنتجات النفطية محل زيت العنبر كوقود للإضاءة، ومُكوِن أساسي من مكونات الشموع. وقد تدهورت صناعة حيتان العنبر الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وبعد عام 1925م كان كلُ ما تبقى من تلك الصناعة عمليات قليلة مرتبطة بصيد الحيتان على شاطئ المحيط الهادئ.
صيد الحيتان حديثًا
سفن الصيد الحديثة مكنت الصيادين من قتل وتجهيز الحيتان بكفاءة عالية. والصورة اليسرى التُقطت خلال السبعينيات من القرن العشرين توضح مصنعًا سوفييتىًا عائمًا يجر حوتًا ميتًا لتقطيعه على ظهر السفينة. ويظهر على يمين الصورة أحد قوارب الصيد التي كانت تُستخدم في ملاحقة الحيتان وقتلها. |
بحلول عام 1925م، كان صيادو الحيتان قد تمكنوا من اختراع المصنع العائم، وهو سفينة ضخمة مجهزة بمعدات خاصة لتجهيز أو تصنيع مختلف منتجات الحيتان، ويقوم بخدمة هذه السفينة أسطول من قوارب الصيد. وعلى سبيل المثال، فإن أحد هذه المصانع العائمة الحديثة اشتمل على 12 قارب صيد بمحركات تعمل بالديزل وطاقم من 400 رجل. وقد كان المراقبون في الطائرات العادية أو المروحية يساعدون الصيادين في بحثهم عنها، وبالإضافة إلى ذلك استخدمت أجهزة السفن الموجات الصوتية لتتبع الحيتان تحت الماء. هذه الطرق المتقدمة مكّنت الصيادين من ملاحقة أي صوت يتم اكتشافه ثم إصابته بالرماح القاتلة. بعد ذلك يقومون بملء تجويف جسم الحوت بالهواء، للاحتفاظ بالحوت طافيًا فوق سطح الماء. ثم تقوم قوارب الصيد أو قوارب أخرى خاصة تُسمى القوارب الطافية بسحب الحوت إلى المصنع العائم، حيث يتم تعليقه من الزعنفة الذيلية بخُطاف حديدي ويُرفع إلى السفينة. وقد أثبتت هذه الطرق الحديثة في صيد الحيتان كفاءتها العالية في قتلها، ونتيجة لذلك، فقد قُتلت في الفترة ما بين عامي 1900 و 1940م أعداد من الحيتان تفوق تلك التي قتلت خلال القرون الأربعة التي سبقتها. وقد وصلت الأعداد التي قتلت من الحيتان ذروتها في عام 1962م، حيث بلغت أكثر من 66,000 على مستوى العالم. سبّب هذا القتل المتصاعد للحيتان انخفاضًا كبيرًا في أعدادها على مستوى العالم، كما أن بعض الأنواع أصبحت مهددة بالانقراض. وكان نتيجة ذلك انخفاض الأعداد التي تم صيدها في أواخر الستينيات وخلال السبعينيات من القرن العشرين انخفاضًا شديدًا. وبحلول عام 1980م، كان صيد الحيتان قد انخفض إلى 15,000 فقط. وأخيرًا وبحلول عام 1988م، توقفت عمليات صيد الحيتان التجارية.
تجهيز وتصنيع منتجات الحيتان: تبدأ عمليات التجهيز بعد رفع الحوت على ظهر المصنع العائم، أو سحبه إلى مصنع مُقامٍ على الشاطئ. وفي البداية، يقوم عمال يُسَمون بالسلاخين بعمل شقوق بطول جسم الحوت وذلك باستعمال سكاكين طويلة، ثم يقومون بنزع دُهْن الحوت وتقطيعه، ثم وضعه في مراجلِ الطّهي لاستخلاص الزيت، وبعد إزالة دهن الحوت يأتي دور عمال يُسَمون بالجزارين، فيقومون بتقطيع بقية جسم الحوت وتقسيم اللحم الذي سُيباع غذاءً للإنسان، إلى أجزاء كبيرة يتم تجميدها، أما العظام وبقية اللحم وبعض الأعضاء الداخلية، فيُستفاد منها في عمل منتجات معينة، مثل علف الماشية والأسمدة.
وتُستغل أجسام الحيتان المقتولة اليوم لأغراض علمية وفي عمل منتجات مختلفة، مثل: مستحضرات التجميل والغراء والأدوية والصابون بالإضافة إلى أن اليابانيين يأكلون لحوم هذه الحيتان.
مستقبل الحيتان
تواجه كثير من أنواع الحيتان الكبيرة مستقبلاً غير مأمون ؛ فقد قام الصيادون بقتل أعدادٍ كبيرة من حيتان العنبر الزرقاء والمقوسة الرأس والحدباء والصحيحة، حتى أصبحت هذه الأنواع مهددة بالانقراض. وقد أدى القتل المتزايد للحيتان الزعنفية وحيتان الساي إلى انخفاض أعدادها بدرجة كبيرة.
في عام 1946م، اشتركت الدول الرئيسية المعنية بصيد الحيتان في إنشاء هيئة الحيتان الدولية، لحمايتها من عمليات الصيد المتزايدة ولتنظيم صناعة صيد الحيتان. وقد قامت تلك الهيئة ولسنوات عدة بوضع حدود غير واقعية لعدد الحيتان التي يمُكن قتلها. وخلال ستينيات القرن العشرين بدأت الهيئة في تخفيض هذه الحدود. وحظرت صيد أنواع عدَّة من الحيتان. وفي سبعينيات القرن العشرين قامت الهيئة بتخفيض أعداد الحيتان التي يمكن قتلها تخفيضًا كبيرًا. وفي عام 1979م، حَدَّت من استخدام المصنع العائم.
في عام 1982م، قامت هيئة الحيتان الدولية بإجراء اقتراع على الوقف المؤقت لعمليات الصيد التجاري للحيتان ابتداءً من موسمي صيد 1985م، 1986م، ولذلك، وبحلول عام 1988م، أوقفت جميع الشعوب هذا النوع من الصيد التجاري. ولكن دولاً كثيرة، مثل أيسلندا، واليابان، والنرويج، وكوريا الجنوبية وجزر فارو استمرت في قتل الحيتان، خاصة حيتان المنكي لأغراض البحث العلمي، مما أثار الجدل حول هذا الموضوع. وفي عام 1994م، وفي إطار جهودها لحماية الحيتان قامت هيئة الحيتان الدولية بإنشاء محمية تحظر الصيد التجاري للحيتان في معظم محيطات العالم جنوب خط عرض 40 جنوباً.
وكانت الهيئة قد نشرت في عام 1989م بيانات توضح أعداد الحيتان آنذاك، بالمقارنة مع الأعداد التي كانت موجودة قبل البدء في استغلالها تجاريًا بنسبة كبيرة. وقد أثارت تلك المقارنة كثيرًا من الجدل، حيث أوضحت انخفاضًا مثيرًا في أعداد الحيتان في كثير من الأنواع. فعلى سبيل المثال، انخفضت أعداد حيتان العنبر من مليون حوت كانت موجودة أصلاً، إلى 10,000 حوت. كما انخفضت أعداد حوت العنبر الأزرق وهو أكبر السلالات حجمًا من 250,000 إلى نحو 500 فقط.
وقد سمحت الهيئة بالاستمرار في صيد الحيتان بالنسبة للسكان الذين يعتمدون في غذائهم على الحيتان، مثل الإسكيمو الّذين يعيشون في ألاسكا وجرينلاند، وروسيا. هؤلاء الناس يأكلون دهن الحوت ولحمه وجلده، ولكن هيئة الحيتان الدولية حدّدت لأولئك أنواع الحيتان التي يمَكُنهم صيدها وطرق الصيد التي يجب استخدامها.
ومن الضروري الاستمرار لمدة طويلة في توفير الحماية الكاملة لأنواع الحيتان المهددة بالانقراض حتى يمكنها أن تتكاثر وتعوض سنوات الاستنزاف. وقد لا تستطيع بعض الأنواع استعادة وضعها السابق رغم توفير الحماية الكاملة لها، فعلى سبيل المثال، وُضعت الحيتان الصحيحة تحت الحماية الكاملة منذ عام 1935م، ومع ذلك لم تتمكن بعد من استرداد أعدادها الأصلية.
وفي كـل عـام، تــزداد أعــداد السكـان في العالم بنسبـــة 1,5%، ومن ثم يتزايـد الطلـب على الغــذاء دومًا. هذه الحقيقة ربما هددت حياة الحيتان، وإذا استمر معدل الزيـادة السكانيـة بهـذه الطريقة، فإن الإنسان سينافس الحوت في غذائه البحري. وقد بدأت بعض الشعوب فعلاً بعض العمليات التجريبية لصيد الكريل. وهو غذاء الحيتان الرئيسي في المياه القطبية الجنوبية.
إختبر معلوماتك :
- لماذا ينمو الحوت إلى حجم يفوق أي حيوان أرضي؟
- ما مجموعتا الحيتان الرئيسيتان؟
- ما أوجه الاختلاف بين الحيتان والأسماك؟
- كيف تتصل الحيتان بعضها ببعض؟
- ما فوائد الدهن الموجود بجسم الحوت بالنسبة للحوت نفسه؟
- لماذا تموت الحيتان التي تخرج إلى الشاطئ؟
- ما الأحداث التي أدت إلى تدهور صناعة صيد الحيتان؟
- ماذا فعلت هيئة الحيتان الدولية لحمايتها من الانقراض؟
- اذكر بعض استخدامات منتجات الحيتان في الماضي.