الزحف غربا ( Westward movement )
الزحف غربًا يقصد به الحركة التي حملت المستوطنين الأمريكيين عبر القارة الأمريكية، من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ. وكانت بدايتها في أوائل القرن السابع عشر واستمرت حتى القرن التاسع عشر، حيث تمت ـ آنذاك ـ السيطرة على الحدود الغربية للولايات المتحدة الأمريكية. وكان هؤلاء المستوطنون المتجهون صوب الغرب أنماطًا عدة، فمنهم من كان قد أحضِر أساسًا خادمًا يخدم سيده لمدة أربع سنوات، مقابل دفع نفقات سفره إلى القارة الأمريكية، ويحرر بعد هذه المدة، ومنهم الإفريقيون السود المستعبدون الذين جيء بهم عام 1619م، خدمًا أيضًا، ولكنهم لم يُمنحوا حريتهم بعد فترة الأربع سنوات بل ظلوا عبيدًا وأسرى فاقدين لحريتهم تمامًا. وهناك النوع الثالث، وهم بعض رجال الكنائس من أمثال جماعة الأصحاب الكويكرز، والبيوريتان، الذين جاءوا إلى أمريكا بغرض إقامة مجتمعات يتمكنون فيها من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية تامة.
استوطن هؤلاء الرواد الأوائل المنطقة المعروفة باسم الغرب القديم، واشتغل بعضهم بتجارة الفراء، فباعوا للهنود الأسلحة وبعض المعدات في مقابل جلود الغزلان، والفراء وغيرها. وقد وجد أصحاب الأبقار المراعي الواسعة الغنية هناك، ثم تبعهم من بعد ذلك الزراع، حيث استقروا في منطقة فرجينيا، والوديان الخصبة في كل من كارولينا الشمالية وكارولينا الجنوبية. واستمرت هذه الهجرة، وكانت تزداد كلما ازداد ضغط السكان في شرقي الولايات المتحدة، وازدادت الرغبة في تملك الأراضي والمراعي، وقد بدا الازدياد في عدد المهاجرين نحو الغرب واضحًا بعد أن استقلت أمريكا عن إنجلترا عام 1683م. وفتحت آفاقًا جديدة لتلك الهجرة.
أدت هذه الهجرة المتزايدة إلى حدوث نزاع وحروب ضد سكان الغرب الأصليين، المعروفين بالهنود الحمر (الهنود الأمريكيون)، ونتج عن ذلك إبرام اتفاقيات بين الجانبين توضح الحدود بينهما، ولكن سرعان ما كانت تنهار تلك الاتفاقات، ويبدأ من جديد التوغل في أراضي الهنود ومستوطناتهم، والذين سرعان ما انحصروا في النهاية في مستوطنات معينة، واستمر المهاجرون في التوسع أكثر فأكثر، وفي الاستيلاء على أراض جديدة بإبرام اتفاقيات مع أسبانيا، فامتلكوا عن هذا الطريق ولاية فلوريدا، والأجزاء الجنوبية من ولاية ألاباما، والمسيسيبي، وقد أضيف إلى هذه الحدود الغربية مناطق أخرى أحيانًا بالشراء، وكان ذلك عندما اشترى الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون أراضي لويزيانا من فرنسا عام 1803م، فامتدت تلك الحدود من نهر المسيسيبي إلى جبال الروكي، كما أضافت جهود بعض المكتشفين، ونشاط التجار الذين والوا الزحف نحو الغرب، وكذلك بعض الحروب مثل الحرب مع المكسيك، أراضي جديدة لحدود الولايات المتحدة الغربية والجنوبية الغربية، مثل ولاية تكساس، ونيفادا، وكاليفورنيا وأجزاء من أريزونا، وكولورادو، ونيومكسيكو. وازدادت الهجرة إلى كاليفورنيا بعد اكتشاف الذهب هناك. كما بدأ استيطان السهول الكبيرة بعد أن تمكنت الحكومة من هزيمة الهنود هناك، فانفتح الباب أمام رعاة البقر الذين أموا تلك السهول، وتبعهم الزراع الذين كانت الدولة تشجعهم للهجرة نحو الغرب بإعطائهم حق تملك ما يربو على 65 هكتارًا من الأرض إذا ما أقاموا عليها خمس سنوات. كما سمحت الدولة بالهجرة إلى أراضي الهنود، حيث هاجر إليها آلاف المستوطنين، وعندما حلت سنة 1890م كانت الهجرة نحو الغرب قد بلغت مداها، وازدحم الغرب بالسكان. وكانت الهجرة تزداد في أوقات الرخاء والسلم، وتضعف أو تتوقف أثناء الحروب ضد الهنود، وأوقات الأزمات الاقتصادية. وكان لهذه الهجرات أثر واضح على التاريخ الأمريكي، حيث عرف الأمريكيون، بحبهم للحركة الدائبة، وبعدم ارتباطهم بمواقع معينة. وقد بدأ المستوطنون حديثًا يرتبطون بفكرة الشعب، ويرون أنفسهم شعبًا أمريكيًا أكثر من أي وقت مضى.