الرئيسيةبحث

ووترجيت ( Watergate )



ووترجيت اسم لأكبر فضيحة سياسية في تاريخ الولايات المتحدة. وقد انطوت تلك الفضيحة على العديد من الأعمال غير المشروعة، كان الغرض منها مساعدة الرئيس ريتشارد نيكسون على الفوز بإعادة انتخابه عام 1972م. وقد أسفرت ووترجيت عن استقالة نيكسون من الرئاسة عام 1974م.

تختلف ووترجيت عن معظم ما سبقها من فضائح سياسية، حيث لم تؤد فيها الأطماع الشخصية -على مايبدو ـ دورًا مهما. إنما كانت ووترجيت بمثابة ضربة سددت لواحدة من أهم دعائم الديمقراطية، ألا وهي حرية ونزاهة الانتخابات.

وتضمنت أعمال ووترجيت التنصُّت على المكالمات الهاتفية وانتهاك العديد من قوانين تمويل الانتخابات، وأعمال التخريب والإعاقة، ومحاولة استغلال مصالح حكومية للإضرار بالخصوم السياسيين. وانصبَّت الفضيحة على محاولة التستر على كثير من تلك الأفعال. وقد وُجه الاتهام لنحو 40 شخصًا لارتكابهم جرائم متعلقة بالفضيحة نفسها أو جرائم ذات صلة بها. واعترف معظم هؤلاء بجرائمهم، أو أدانتهم هيئات المحلفين.

وفاق عدد كبار موظفي الحكومة المتورطين في ووترجيت عدد المتورطين في أي فضيحة سياسية سابقة. وفي عام 1975م أسفرت التحقيقات عن إدانة المدعي العام الأسبق جون ميتشيل واثنين من كبار معاوني نيكسون هما جون إرليكمان و هـ. هولدمان لارتكابهما جرائم يحاسب عليها القانون. وفي نفس العام، اعترف وزير التجارة الأسبق موريس ستانس مدير حملة إعادة انتخاب نيكسون بارتكابه الجرائم المتهم بها في قضية ووترجيت، وحُكم عليه بغرامة قدرها 5,000 دولار أمريكي. وأسفرت القضية أيضًا عن استقالة المدعي العام ريتشارد كلايندنست عام 1973م.

الاقتحام والتستر:

أخذت الفضيحة تسميتها من اسم مجمع ووترجيت السكاني والتجاري الكائن في واشنطن العاصمة. وفي يوم 17 يونيو 1972م، قبض رجال الشرطة على خمسة رجال بتهمة اقتحام مقر الحزب الديمقراطي في مجمع ووترجيت. وكان من بين المقبوض عليهم جيمس مكورد الأصغر، منسق الأمن في لجنة إعادة انتخاب نيكسون. ووجه الاتهام للرجال الخمسة لارتكابهم عددًا من الجرائم، منها الاقتحام بغرض السرقة والتصنت على المكالمات الهاتفية. وفي يناير 1973م، اعترف خمسة أشخاص من بين المتهمين السبعة منهم هَنت أنهم مذنبون، بينما أدانت هيئة المحلَّفين الاثنين الآخرين وهما لدي ومكورد.

وكان سكرتير نيكسون الصحفي قد أعلن مراراً أنه ما من عضو من أعضاء هيئة موظفي البيت الأبيض متورط في الفضيحة. ولكن الصحافة وجدت الدليل على أن بعض معاوني الرئيس في البيت الأبيض كانوا قد قاموا بتمويل عمليات تخريب وتجسس ضد المتقدمين للترشيح لمنصب الرئاسة من قبل الحزب الديمقراطي لعام 1972م. وقد تزعَّم التحقيق في الموضوع اثنان من مراسلي صحيفة الواشنطن بوست هما كارل برْنستين وبوب ووُدْوارد.

وفي أوائل عام 1973م ظهرت أدلة تربط بين عدد من كبار رجال البيت الأبيض وخُطَط اقتحام مبنى ووترجيت، أو بينهم وبين محاولة إخفاء أدلة تثبت تورط بعض أعضاء إدارة الرئيس نيكسون في الموضوع. وكانت الأدلة تشير إلى أن بعض المسؤولين في البيت الأبيض قد حاولوا توريط هيئة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي في عملية التستر، بزعم أن الموضوع متعلق بالأمن القومي.

وفي 30 أبريل عام 1973م قرر نيكسون أنه لا علاقة له بالتخطيط لعملية اقتحام مبنى ووترجيت أو التستر عليها، ووعد أن وزارة العدل سوف تُعين وكيل نيابة خاصا لتولي القضية. وفي شهر مايو عُين لتولي هذا المنصب أرشيبالد كوكس الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة هارفارد. وفي شهر مايو أيضًا بدأت لجنة مجلس الشيوخ المختارة لبحث نشاطات حملة الانتخابات الرئاسية، وبدأت جلسات الاستماع حول قضية ووترجيت. وصار جون و. دينْ الثالث، مستشار الرئيس السابق، الشاهد الرئيسي ضد نيكسون في تلك الجلسات. واعترف دين أنه أدى دورًا مهمًا في محاولة البيت الأبيض التستر على الفضيحة، وصرح بأن نيكسون كان على علم بنشاطاته في هذا الصدد. كما كشف دينْ عن خطط إدارة نيكسون لاستغلال مصلحة الإيرادات الداخلية (الضرائب) وهيئات حكومية أخرى لمعاقبة خصوم كان البيت الأبيض يضعهم فيما يُسمى بقوائم الأعداء. وقد حُكم على دين فيما بعد بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وأربع سنوات. وبعد أن أمضى في السجن أربعة أشهر، خفض الحكم الصادر ضده وأطلق سراحه.

الجدل حول الشرائط:

في شهر يوليو نما إلى علم اللجنة التابعة لمجلس الشيوخ سالفة الذكر أن نيكسون كان قد دأب منذ عام 1971م على تسجيل ما يجري من محادثات في غرف مكتبه بالبيت الأبيض على شرائط. وكانت اللجنة والأستاذ كوكس يعتقدان أن أشرطة التسجيل هذه يمكن أن يكون فيها الإجابة عن أسئلة أساسية أثيرت أثناء التحقيقات التي قاموا بها. ومن ثم، طالبوا نيكسون بتسليمهم أشرطة معينة، ولكنه رفض أن يفعل ذلك مُدعيًا أن الدستور يعطيه الحق في الحفاظ على سرية الأشرطة، وقرر جون ج. سيريكا قاضي الدائرة في المحاكم الفيدرالية أن يستمع إلى الأشرطة بنفسه وأمر نيكسون بتسليمه إياها. واستأنف نيكسون الأمر الصادر إليه، ولكن محكمة الاستئناف الفيدرالية أيدت قرار سيريكا.

وفي أكتوبر عرض نيكسون أن يقدم ملخصات للأشرطة ولكن كوكس صرح بأن الملخصات لن تكون مقبولة كدليل في المحكمة ورفض العرض. وأمر نيكسون المدعي العام إليوت ل. ريتشاردسون بفصل كوكس من وظيفته، ولكن ريتشاردسون رفض الانصياع للأمر وقدم استقالته. كذلك قدم وليم د. ركلشوس، نائب المدعي العام استقالته عندما طلب منه نيكسون فصل كوكس. عندئذ عين نيكسون المحامي العام روبرت هـ. بورك قائمًا بأعمال المدعي العام، فقام بفصل كوكس، وحل ليون جاورسكي، وهو محام مشهور من تكساس محل كوكس فيما بعد.

أغضبت تصرفات الرئيس كثيرًا من الأمريكيين. وفي أكتوبر بدأ عدد من أعضاء مجلس النواب إجراءات توجيه الاتهام إليه تمهيدًا لعزله. وقبل نيكسون في وقت لاحق من عام 1973م تسليم الشرائط المطلوبة إلى القاضي سيريكا.

وتبين اختفاء شرائط تسجيل ثلاث محادثات رئيسية، وصرح البيت الأبيض أن جهاز التسجيل لم يكن يعمل بصورة سليمة أثناء تسجيل اثنتين من تلك المحادثات، وأن الشريط الثالث مُسح بطريق الخطأ.

في أبريل 1974م، أصدر جاورسكي أمرًا قضائيا إلى نيكسون بتقديم شرائط التسجيل والوثائق الخاصة بأربع وستين محادثة من محادثات البيت الأبيض إلى المحكمة. وقال جاورسكي إنَّها تحتوي على أدلة تخص قضية التستر. وفي نهاية شهر أبريل، أفرج نيكسون عن 1,254 صفحة تمثل نسخة كتابية مُحررة من محادثات البيت الأبيض وقال إنها تحكي قصة ووترجيت بالكامل.

ومع ذلك فقد أصر جاورسكي على ضرورة الحصول على الأشرطة والوثائق الأصلية التي سبق أن طلبها. ومرة أخرى ادعى نيكسون أن الدستور يعطيه الحق في حماية سرية الوثائق. عندئذ رفع جاورسكي قضية ضد نيكسون أمام المحكمة الفيدرالية. وفي شهر يوليو أمرت محكمة الولايات المتحدة العليا نيكسون بتسليم المواد المطلوبة إلى جاورسكي، وأصدرت حكمها بالإجماع بأنه ليس من حق أي رئيس للولايات المتحدة حجب الأدلة في قضية جنائية.

محاكمة التستر:

في مارس 1974م قدم سبعة من كبار المسؤولين السابقين في إدارة نيكسون يمثلون أعضاء لجنة إعادة انتخابه إلى المحاكمة بتهمة التآمر للتستر على جريمة اقتحام ووترجيت بغرض السرقة. وكان من بين المسؤولين المتهمين إرليكمان، رئيس المجلس الاستشاري للشؤون الداخلية، وهولدمان، رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض، وميتشل، المدعي العام.

استمرت المحاكمة في هذه القضية من أكتوبر 1974م حتى يناير 1975م. وقد حُكم بإدانة كل من إرليكمان وهولدمان وميتشل لثبوت تهم التآمر وإعاقة وتضليل العدالة عليهم، وحكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين عامين ونصف العام وثمانية أعوام. وقد خُففت الأحكام فيما بعد إلى مدد تتراوح بين عام وأربعة أعوام.

استقالة نيكسون:

تعرض الرئيس نيكسون في يوليو 1974م لنكسة كبيرة أخرى، عندما أوصت اللجنة القضائية التابعة لمجلس النواب بتوجيه الاتهام إليه، تمهيدًا لمحاكمته وعزله. واعتمدت اللجنة ثلاثة بنود للاتهام لعرضها على مجلس النواب بكامل هيئته للنظر وإبداء الرأي. وقد انطوى البند الأول على اتهام نيكسون بإعاقة العدالة في الفضيحة المذكورة. أما البندان الآخران فيتهمانه بسوء استعمال السلطات الرئاسية ومخالفة القانون بحجب الأدلة عن اللجنة القضائية.

استمر محامو نيكسون الرئيسيون في الدفاع بأن الرئيس لم يرتكب أي خطأ يستوجب توجيه الاتهام إليه وعزله. وفي الخامس من أغسطس، أفرج نيكسون عن مزيد من النسخ الكتابية لتسجيلات محادثات البيت الأبيض، أقنعت معظم الأمريكيين أن نيكسون كان قد سمح بالتستر على موضوع ووترجيت على الأقل منذ 23 يونيو 1972م ؛ أي بعد ستة أيام من حادثة الاقتحام. وفقد نيكسون على الفور تقريبًا كل ما كان قد تبقى له من تأييد في الكونجرس فقدم استقالته يوم 9 أغسطس وتولى نائب الرئيس، جيرالد فورد، منصب الرئاسة في نفس اليوم. وفي 8 سبتمبر، عفا الرئيس فورد عن نيكسون فيما يختص بكل الجرائم الفيدرالية التي يمكن أن يكون قد ارتكبها أثناء قيامه بعمله رئيسًا للولايات المتحدة.

آثار أخرى لووترجيت:

في 1974م وافق الكونجرس على إجراء تعديلات بخصوص تمويل الحملات الانتخابية الفيدرالية. يحدد بعضها المبالغ التي يمكن أن يقدمها المتبرعون إلى المرشحين لمنصب الرئيس أو لمنصب نائب الرئيس أو لعضوية الكونجرس، وبعض التعديلات الأخرى تتطلب تقديم تقارير تفصيلية بكل التبرعات والمصروفات. وقد حدد عدد من مجالس الولايات التشريعية المبالغ التي يمكن التبرع بها، كذلك المبالغ التي يمكن صرفها في الحملات الانتخابية. كما اعتمدت قواعد أخلاقية يلتزم بها موظفو الحكومة.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية