البيطري، الطب ( Veterinary medicine )
البياطرة الجراحون. في الريف، يحافظ الطبيب البيطري على حيوانات المزرعة بصحة جيدة. يظهر الطبيب وهو يضع مسحوق مضاد حيوي في حنجرة بقرة. |
أطباء حدائق الحيوان البيطريون متخصصون في معالجة الحيوانات البرية. يقوم الطبيب البيطري بأخذ عينة دم من أسد في إفريقيا، أثناء تحضيره للشحن إلى حديقة الحيوان. |
في المدن:
يعمل الأطباء البيطريون في عيادات حيوانية صغيرة تحتوي على أدوات تشبه تلك التي تُسْتخدم في المستشفيات البشرية. وهناك تتم العناية بالحيوان خلال فترة مرضه وقد تجُرى له عملية جراحية إذا دعت الضرورة. ويؤدي الأطباء البيطريون دورًا مهمًا في مكافحة داء الكلب، فمن واجبهم تشخيص المرض وتطعيم القطط والكلاب ضد هذا المرض. وينتمي كثير من الأطباء البيطريين إلى مراكز خدمات صحية في المدن أو المقاطعات أو في الدوائر الحكومية. وتساعد مهاراتهم الخاصة ومعرفتهم في مكافحة الأمراض التي تنقلها الحيوانات، حيث يقومون بالتفتيش على اللحوم ومنتجاتها، ويشرفون على عمليات الذبح في المسالخ، وفي مصانع منتجات اللحوم، وقد يعملون في مختبرات فحص الحليب أو منتجات الألبان أو تحضير الأمصال واللقاحات.في المزارع:
أهم نشاطات الطبيب البيطري هي العناية بالحيوانات وعلاجها. والأطباء البيطريون يعملون على رعاية الحيوانات حتى تبقى في صحة جيدة. وهم يعملون على منع الانتشار المفاجئ لأي مرض. فقد تكون الأوبئة الحيوانية خطيرة على الإنسان والحيوان على السواء.أدى الأطباء البيطريون دورًا مهمًا في السيطرة على مرض السل البقري وهو نوع من مرض السل يمكن أن ينتقل من الأبقار إلى الإنسان. وفي أوائل القرن العشرين وضعت حكومات العديد من الدول برامج للقضاء على مرض السل البقري. وفي العديد من الدول يفحص الأطباء البيطريون أبقار الحليب للتأكد من خلوها من مرض السل. وفي بعض المشروعات يعمل الأطباء البيطريون على السيطرة والقضاء على عدوى مرض البروسيلية وهذا المرض ينتقل أيضًا إلى الإنسان. ★ تَصَفح: البروسيلية، مرض.
يعطي الأطباء البيطريون عدة أنواع من اللقاحات لحماية حيوانات المزرعة من الأمراض.
كلية الطب البيطري. غرف عمليات وأدوات حديثة. يظهر في الصورة طبيب بيطري جراح يعلم الطلبة كيفية تثبيت جبيرة على رجل حصان خلفية. |
أبحاث الطب البيطري أدت إلى زيادة المعلومات عن العديد من الأمراض التي تصيب الإنسان. يدرس هؤلاء الأطباء قردًا آسيويًا (مكاك) ليتعرفوا الأمراض المعدية المشتركة بين الإنسان والقردة. |
التعليم البيطري:
يتلقى طالب الطب البيطري في البداية ـ وعلى مدى عام أو عامين علومًا أساسية، مثل الكيمياء والكيمياء العضوية وعلم الحيوان وعلم النبات والفيزياء والرياضيات. ثم يبدأ بعد ذلك في دراسة العلوم قبل السريرية، مثل التشريح وعلم الأنسجة ووظائف الأعضاء والكيمياء الحيوية. ثم ينتقل إلى دراسة العلوم الممهدة للدراسات السريرية، ومنها علم الأمراض (العام والخاص) وعلم التغذية والوراثة وتربية الحيوان وعلم الأحياء الدقيقة الذي يشمل علوم الجراثيم والفيروسات والطفيليات وغيرها من علوم الإنتاج الحيواني وإنتاج الدواجن والأسماك. وفي السنوات الدراسية الأخيرة يبدأ في تعلم المواد السريرية كالطب البيطري والجراحة وعلم الدواء والطب الوقائي والطب الباطني وغيرها من المواد مع التدريب العملي والميداني بحيث يصبح مؤهلاً لممارسة مهنة الطب البيطري. فالطب الباطني يعمل على تشخيص ومعالجة الأمراض التي تصيب الحيوانات. أما الطب الوقائي والصحة العامة فيعنيان بالوقاية من الأمراض والسيطرة عليها خاصة تلك الأمراض التي تصيب الإنسان والحيوان معاً. أما الجراحة البيطرية فتشمل معالجة الجروح، وجبر الكسور واستئصال بعض أجزاء الجسم، كما تشمل التقنيات المتعلقة بالطب الإشعاعي وعلم التخدير والتوليد وعلاج الكساح وحالات الضعف العامة. ويتخصص معظم الأطباء البيطريين بعد تخرجهم في أحد المجالات التخصصية العديدة في الطب البيطري كأن يتخصص مثلاً في أمراض الحيوانات في المناطق الحارة، أو مكافحة الأوبئة، أو الصيدلانيات إلى غير ذلك. كما قد يتخصص بعضهم في معالجة الحيوانات المنزلية الصغيرة أو في الحيوانات البرية التي تعيش في الأسر مثل حدائق الحيوانات أو تلك التي تعيش في المحميات وغيرها. وقد تطورت تخصصات هذه المهنة ـ خصوصًا بالنسبة للحيوانات المنزلية ـ فشملت تخصصات دقيقة مثل أمراض العيون والأسنان والأورام، بل وحتى أمراض الشيخوخة في الحيوانات. ومن هنا فقد كانت لهم مساهمات عديدة في تطور العلوم الطبية وتقاناتها بشكل عام.يأتي في مقدمة المسؤوليات التي يضطلع بها الطبيب البيطري المحافظة على الثروة الحيوانية ـ بما في ذلك الثروة الداجنة والسمكية ـ وحمايتها من الأمراض والأوبئة مما له أهمية اقتصادية علاوة على ضمان توفر الغذاء للإنسان. كما أنه يؤدي دورًا رئيسيًا في حماية الإنسان من الأمراض المشتركة التي تنتقل إليه من الحيوانات. ويعمل على رعاية الحيوانات المنزلية حفاظًا على صحتها وصحة أصحابها. وقد حدثت تغيرات وتطورات كثيرة في مهنة الطب البيطري، فتعداد سكان العالم آخذ في الزيادة حيث يبلغ عدد سكان العالم حاليًا حوالي 6 بلايين نسمة، ويتوقع أن يبلغ عددهم نحو 2,8 بليون نسمة خلال ربع القرن القادم. ويتمركز حوالي 90% من تلك الزيادة في البلدان النامية مما يؤثر بشكل سلبي على كمية الغذاء المتوفرة، ويؤدي إلى تدهور البيئة وزيادة معدلات الهجرة من الأرياف إلى التجمعات الحضرية. وقد أدى ذلك كله إلى زيادة أهمية الحيوانات الأليفة والبرية وحيوانات المزارع وبالتالي أهمية الطب البيطري. وتغيرت أنماط الإنتاج الحيواني وأنظمته، وتم تطوير طرق الإنتاج الحيواني، مما أدى إلى تداخل عوامل التغذية والإجهاد والبيئة وإدارة الحيوان ـ فضلا عن العوامل الوراثية ـ مع عوامل الصحة والمرض، مما يضع عبئًا متزايدًا على مهمة الطبيب البيطري، وتوجيه المزيد من الاهتمام إلى توفير الاحتياجات الصحية المناسبة لمشروعات الإنتاج الحيواني الحديثة.
وحتم التوسع السريع في المعرفة العلمية والثورة المعلوماتية الهائلة التي انتظمت العالم في العقود الأخيرة على الطبيب البيطري تقديم مستوى أفضل في مضمار الصحة الحيوانية، وتشخيص الأمراض ومكافحتها، واستخدام أحدث الوسائل التي وفرتها العلوم الحديثة مثل علم الوراثة الجزيئية وعلم الأحياء الجزيئية. وفضلاً عن ذلك فقد زادت اهتمامات المجتمع بسلامة الأغذية، ومكافحة ما يسمى بالأمراض الجديدة التي بدأت تظهر في الآونة الأخيرة.
كل ذلك جعل من المحتم تطوير مناهج الطب البيطري لاستيعاب تلك المتغيرات وما طرأ من تطور تقني هائل في العلوم الطبية الحيوية. كما أصبح ضروريًا ابتكار نظم ووسائل جديدة لزيادة فاعلية التعليم والتدريب البيطري، والاهتمام بالأبحاث الأساسية والتطبيقية التي تتناول الجوانب الإنتاجية والاقتصادية والاجتماعية والدراسات التي تبحث في الأمراض الوبائية. وأدى ذلك إلى ابتداع وسائل حديثة لتطوير التعليم البيطري وتوفير القواعد المعلوماتية للطبيب البيطري ومساعديه على نحو مستمر.
نبذة تاريخية:
الطب البيطري مهنة ضاربة في القدم، على أنها أيضًا مهنة متطورة ومتجددة بشكل مستمر وبتغير الظروف واحتياجات المجتمع. وقد ورد في قوانين حمورابي عام 2100 ق.م ذكر الطب البيطري. فقد تضمنت تلك القوانين أجر الطبيب البيطري عند تقديمه العلاج لكل نوع من الحيوانات، ومسؤولياته في المحافظة على حياة الحيوان وما يطبق بحقه من عقوبات إذا أساء شروط مهنته بالممارسات الخاطئة. كما ذكر الطب البيطري في البرديات الطبية لقدماء المصريين مثل بردية كاهون التي وصفت الأنشطة البيطرية في وادي النيل سنة 1900 ق.م. وتطرقت الكتابات الهندية القديمة أيضًا لهذه المهنة، حيث كتب ساليهوثرا في الهند عن أمراض الخيول وسبل علاجها. وقد كتب أبو قراط سنة 350 ق.م، كثيرًا عن الطب البشري والطب البيطري وسبل تطويرهما. وتم تشييد أول مستشفى بيطري في التاريخ سنة 250 ق.م، في الهند في عهد الملك آسوكا. ويقال إن الفيلسوف بيدبا كان طبيبًا بيطريًا.وقد عرف العرب الطب البيطري منذ قديم الزمان وكانوا يطلقون البيطار التي اشتق منها اللفظ الإنجليزي Veterinary على الشخص الذي يقوم بعمل حدوات الخيول.
أما التعليم البيطري بمفهومه الحديث فقد نشأ في النصف الثاني من القرن الثامن عشر في أوروبا. في ذلك الوقت ـ ومنذ قرون قبله ـ كانت الأوبئة وفي مقدمتها الطاعون البقري والسل البقري، تفتك بالمواشي وتنتشر أحيانًا لتشمل أوروبا كلها مسببة المعاناة الشديدة والمجاعات. فبين عامي 1710 و1741م على سبيل المثال، ماتت نصف الأبقار في أوروبا بسبب الطاعون البقري. وقد استمر المرض لمدة أربعين عامًا تالية في الظهور بشكل متكرر. وفي أعقاب أحد الأوبئة الكاسحة للطاعون في البقر بفرنسا، اجتمع ساستها ومزارعوها وأصدروا قرارًا بإنشاء أول كلية للطب البيطري في مدينة ليون بفرنسا لمكافحة الطاعون البقري. وقد تأسست تلك الكلية في ليون عام 1760م، وتبعتها كلية أخرى في آلفورت عام 1765م. وبالفعل تمكن العلماء البيطريون في هاتين الكليتين من معرفة كيفية انتشار الطاعون البقري. وأسهم خريجو الكليتين إسهامًا كبيرًا في تطوير العلوم الطبية والبيطرية وخاصة الطب الوقائي ومكافحة الأمراض المعدية. وقد نجحوا في القضاء على الطاعون ليس في فرنسا فقط وإنما في أرجاء أوروبا. وظلت أوروبا خالية من ذلك المرض منذ مطلع القرن الماضي إلى يومنا هذا.
أما أولى كليات الطب البيطري في أمريكا الشمالية فقد أنشئت في فيلادلفيا عام 1862م، وأونتاريو بكندا عام 1852م. كما أنشئت كليات عديدة في أوروبا في تلك الفترة.