الرئيسيةبحث

تونس ( Tunis )



العمارات السكنية الحديثة في وسط العاصمة تونس.
تُونِس عاصمة الجمهورية التونسية، وتنطق بكسر النون وفتحها وضمها. وتقع على خط عرض 36,47° شمالاً، وخط طول 10,10° شرقاً. ويمكن أن نميز بين قسمين أو مدينتين متصلتين. إحداهما قديمة ذات موقع غير مناسب حيث تقع على هضاب طولية ضيقة أقرب في شكلها إلى المستطيل وذلك مابين سبخة السيجومي وبحيرة تونس. ولقد فرض هذا الموقع على المدينة شكل أشرطة تتجه نحو الجنوب والجنوب الشرقي (بن عروس، مقرين رادس وحمام الأنف) ونحو الشمال الشرقي (حلق الوادي وقرطاج والمرسى).

موقع تونس هنا موقع جيد اقتصادياً واستراتيجياً ؛ فالمنطقة خصبة وقريبة من البحر والسواحل الأوروبية، وهي مدينة برية بحرية استثمرت خليج تونس استثماراً عمرانياً. لقد انتشر عمران تونس على مساحة تمتد مابين الشمال والجنوب 30كم ،الشرق إلى الغرب 25كم، لكن العمران عليها ليس متصلاً بصورة تامة. ونمت تونس والتحمت بما حولها فيما يعرف بإقليم تونس أو تونس الكبرى، حتى أصبحت مساحتها 15,750 هكتاراً عام 1406هـ، 1985م، بينما كانت مساحتها عام 1395هـ، 1975م لاتتعدى عشرة آلاف هكتار.

إن تونس بمساحتها وموقعها في قلب الشمال الشرقي، الذي يعد أغنى منطقة في البلاد وبإطلالها على الحوضين الشرقي والغربي للبحر المتوسط، أصبحت أكبر مدينة تجارية صناعية في البلاد ؛ حيث تربطها شبكة شاملة من الطرق البرية، والسكك الحديدية بكل أنحاء البلاد، وتؤدي دورها القيادي بالنسبة للاقتصاد التونسي (تضم 21% من القوى العاملة الصناعية، و41% من القوى العاملة في قطاع الخدمات، ويتوافر فيها 23% من فرص العمل في البلاد، كما أنها توفر 30% من القيمة المضافة). وعلى المستوى التعليمي الثانوي والعالي، فإن تونس تضم أكثر من 30% من المعاهد الثانوية، وتؤوي 75% من طلبة التعليم العالي. تضم تونس العاصمة 40% من أسِرّة المستشفيات. وهذه مؤشرات أخرى تؤكد مكانة تونس العاصمة منها أن نصف سيارات البلاد تقريباً تابعة لها، كما أن ثلث الاستثمارات الحكومية تتركز فيها. لقد وصف بعض الجغرافيين مدينة تونس بأنها عاصمة مهيمنة إذا ماقورنت ببقية المدن التونسية الأخرى، ويمكن أن تعزى هذه الهيمنة لدور تونس التاريخي والسياسي والاقتصادي، حيث جذبت أفواجاً من المهاجرين والنازحين الريفيين من نواحي تونس المختلفة منذ أكثر من نصف قرن. وقد قدر سكانها عام 1415هـ، 1994م بنحو 10% من مجموع سكان البلاد. وقد ضمت ثلث سكان الحضر.

جامع الزيتونة

السكان:

. أظهر تعداد تونس الأخير عام 1415هـ، 1994م أن تونس تضم 887,800 نسمة، وجدير بالذكر أن عدد سكان تونس حتى الثلاثينيات من القرن العشرين كان محدوداً، حيث بلغ هذا العدد عام 1355هـ، 1936م 258,000 نسمة، أي مايقدر بنحو 10% من سكان البلاد، ثم ارتفع إلى 448,000 عام 1365هـ، 1946م وإلى 561,000 نسمة عام 1375هـ، 1956م، وفي الثمانينيات تخطى العدد المليون نسمة حيث وصل إلى 1,180,000 نسمة عام 1405هـ، 1984م. ومن الدراسة التحليلية لأعداد السكان يتضح أن زيادة السكان وسرعة نموهم كانت حثيثة مابين عامي 1375هـ، 1956 إلى 1385هـ، 1966م. وقد قدرت سرعة النمو، في تلك الفترة، بنحو 5,5% وانخفضت إلى 3,2% في الفترة من 1385هـ، 1966م إلى 1395هـ، 1975م. ويعزى هذا الانخفاض إلى تزايد الهجرة الخارجية إلى أوروبا وليبيا وإلى النمو الاقتصادي الذي شهدته المدن الساحلية الشرقية مثل قابس وجربة في الجنوب وسوسة في الشمال. وقد أدى هذا النمو الاقتصادي إلى جذب اليد العاملة نحو هذه المناطق، وتسبب في الحد من الهجرة نحو العاصمة. وعلى الرغم من ذلك، فقد ظلت العاصمة تونس أهم مدينة جاذبة للسكان في البلد لاسيما من المناطق الداخلية. وهذا يشير إلى تزايد سكان العاصمة الناجم إلى حد كبير عن الجذب الذي تميزت به العاصمة وانفردت بصورة ميزتها على سائر مدن البلاد.

وتتميز تونس ـ شأن كل العواصم ـ بسيطرة قطاع الخدمات. وهي تضم الوزارات وإدارة الشركات والمؤسسات الوطنية والبنك المركزي، ويتميز قطاع الصناعة بالمدينة بالنمو منذ سبعينيات القرن العشرين. بينما يتراجع القطاع الزراعي الذي يقل عدد العاملين فيه إلى أقل من 7% من مجموع السكان العاملين في الولايات الثلاث التابعة للعاصمة تونس (تونس ـ أريانة ـ بن عروس).

محطة قطارات تونس.

الصناعة:

لتونس نشاط صناعي قديم، ومعروف أن حسان بن النعمان في نهاية القرن الأول الهجري، السابع الميلادي شيد في تونس (دار الصناعة). وقيل: إنه جلب من مصر ألف أسرة لتزويد هذه الدار بالأيدي الصناعية الماهرة. وقد ظهرت بعض الصناعات المهمة في العهد الاستعماري الفرنسي مثل صناعة السوبرفوسفات في ضاحيتي الأفران وجبل الجلود، وصناعة صهر الرصاص في مقرين، وصناعات مواد البناء مثل الإسمنت في جبل الجلود والجير والجليز (بلاط)، والصناعات الغذائية المتنوعة مثل طحن الغلال والمكرونة وزيت الزيتون والكسكسي وتعليب الأسماك.

وهناك صناعات أخرى كالنسيج والجلود والصناعات المعدنية والكيميائية التي شهدت نمواً كبيرآً منذ السبعينيات. وتتصدر صناعات النسيج والملابس الجاهزة والجلود كل الصناعات الأخرى، حيث تستأثر هذه الصناعات بأكثر من 44% من مجموع القوى العاملة بالعاصمة.

الحفر على النحاس إحدى الحرف التقليدية في تونس.

الخدمات:

يهيمن قطاع الخدمات (المجالات الإدارية ـ التجارة ـ النقل والسياحة ـ التعليم ـ الصحة) على 60% من القوى العاملة (نحو ربع مليون شخص)، ويكفي أن نشير إلى أن أكثر من 40% من العاملين في قطاع المصارف والنقل والإدارة يتركزون في العاصمة، والسبب في ذلك تركُّز الوزارات والسلطات السياسية والإدارية في العاصمة، وتعد حركة ميناء تونس أهم كل النشاطات البحرية في البلاد ؛ حيث تلعب دوراً مهما وقومياً في المجال الاستيرادي، إذ إنها لاتترك للموانئ المنافسة مثل صفاقس وبنزرت سوى المواد الثقيلة القليلة الثمن مثل مواد البناء والمواد البترولية السائلة.

تتكون المجموعة الحضرية لتونس العاصمة من أحياء عديدة ومتباينة ؛ منها القديم والعصري والعشوائي والشعبي.

المدينة القديمة:

في الماضي، كانت تتجمع في المدينة القديمة كل الوظائف الحضرية والسكنية والصناعية التقليدية والتجارية والإدارية. ثم تحولت هذه الوظائف تدريجيًا نحو الأحياء الجديدة، الحي العصري الاستعماري أولاً، ثم أحياء أخرى غداة الاستقلال.

وهي اليوم مازالت تحافظ على أسواقها التقليدية العتيقة ومعالمها الدينية والتاريخية كجامع الزيتونة ومدرسة الخلدونية وغيرها. لكن النشاط الحكومي مازال موجوداً بالمدينة القديمة خاصة الوزارة الأولى (رئاسة مجلس الوزراء) ووزارة الشؤون الخارجية ووزارة المالية ووزارة التربية بالقصبة وباب بنات.

وقد فقدت المدينة القديمة أغلب سكانها الأصليين الذين أصبحوا يسكنون عمارات المدينة العصرية وفيلات الأحياء الجديدة والأحواز في جنوب وشمال العاصمة.

وأصبحت المدينة القديمة تجذب النازحين الريفيين. وأمام تدهور المساكن القديمة شرعت السلطة في تهذيب العديد من الأحياء مثل القصبة وباب سويقة والحلفاوين وغيرها.

المدينة العصرية:

وهي تتكون من الحي الاستعماري سابقاً الممتد من المدينة القديمة وبحيرة تونس. ويشمل هذا الحي عمارات متوسطة الارتفاع تتخللها من حين إلى آخر مبان حديثة كفندق إفريقيا، ويشهد هذا الحي بدوره تحولات أساسية. فمن حي سكني خدمي وصناعي، أصبح يتجه نحو التخصص في الخدمات والتجارة ويضم المصارف والشركات، مثل: شارع محمد الخامس، الذي يتميز بظهور العديد من العمارات المتعددة الطوابق منها البنك المركزي ومقر الشركة التونسية للبنك ووكالة النهوض بالصناعة وغيرها.

يهدف مشروع تونس البحيرة الذي أُنجز منه النواة الأولى إلى تدعيم قلب المدينة العصرية والتركيز على الوظيفة الخدمية والتجارية والسكنية الرفيعة.

كما أن الأحياء السكنية العصرية امتدت شمالي وغربي المدينة القديمة والعصرية الاستعمارية في شكل فيلات وحدائق وعمارات في أحياء جديدة (المنزه والمنار) أصبحت بدورها أحياء تجارية وخدمية متنوعة تنافس أحياء قلب المدينة. وساهمت الشواطئ الشمالية الشرقية والجنوبية في امتداد العمران والسكن للطبقات الغنية والمتوسطة: رادس، والزهراء، وحمام الأنف في الجنوب وحلق الوادي وقرطاج وغيرها في الشمال.

حي سكني تابع لصندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية بالعاصمة تونس.

السكن العشوائي:

بدأت ظاهرة السكن العشوائي وانتشار الأكواخ في الثلاثينيات من القرن العشرين، إثر الهجرة السكانية نحو المدن. فظهرت الأحياء العشوائية بالملاسين والجبل الأحمر والسيدة المنوبية في مرحلة أولى، ثم تدعمت بأحياء عشوائية أخرى خاصة منذ السبعينيات من القرن نفسه مع تفاقم النزوح مثل حي التضامن ودوار هيشر في غرب المدينة وأحياء أخرى في الجنوب والشمال. وبذلك أصبح السكن العشوائي يمثل ثلث المساحة المبنية في العاصمة. وشرعت الحكومة في دمج هذه الأحياء بتوفير المرافق الأساسية كالماء والكهرباء والمدارس والمستشفيات بعد أن استحال القضاء عليها.

الأحياء الشعبية المبرمجة:

حاولت الدولة بعد الاستقلال القضاء على الأحياء العشوائية وإعادة تسكين العمال النازحين في أحياء شعبية مواتية مثل حي التحرير وحي الخضراء وحي الزهور وحي ابن خلدون والوردية. ولكن نظراً إلى ارتفاع أسعار الأرض والمساكن لم يتمكن ذوو الدخول المتدنية من تملك المساكن التي تم بيعها إلى الطبقات المتوسطة.

المناطق الصناعية:

تنتشر الصناعة في كل العاصمة وخاصة بالجنوب والوسط والشمال.

ويحتوي المثلث الصناعي الجنوبي الممتد من جبل جلود إلى بئر القصعة على كل أنواع الصناعات، خاصة الصناعات الثقيلة الملوثة، (المعدنية، الكيميائية، مواد البناء)، ويتجمع فيه ثلث المؤسسات الصناعية بالعاصمة. وتوجد منطقة الشرقية الحديثة شمالي العاصمة قرب المطار وتأوي صناعات تحويلية تهيمن فيها الصناعات النسيجية والملابس الجاهزة.

ويوجد بالمنطقة الغربية (باب سعدون، باردو، منوبة، قصر سعيد) صناعات متنوعة (غذائية، نسيج....) أنشئت للحد من حركة التنقل نحو الأحياء الصناعية الأخرى التي تتسبب في اختناق حركة المرور في قلب المدينة.

شهدت العاصمة امتداداً كبيراً على حساب الأراضي الزراعية المجاورة. وتعمل السلطات على إعداد خطة عمرانية للعاصمة ترمي إلى التحكم في نمو المدينة. ويظهر أن الحل يكمن في التخفيف من هيمنة العاصمة على النظام الحضري التونسي وتنشيط المدن الإقليمية الأخرى حتى تستقبل جزءًا من النازحين نحو العاصمة.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية