الرئيسيةبحث

الزجاج المعشق ( Stained glass )



قوس محراب جامع الظهران بالمملكة العربية السعودية معشق بالزجاج الملون
الزجاج المُعَشَّق زجاج ملون يتم تقطيعه إلى أجزاء، يعاد تجميعها وتعشيقها على أضلاع رفيعة من فلز الرصاص لتكون صورة أو تصميمًا زخرفيًا. وتتألق هذه الصور أو الزخارف عندما يتسلل الضوء من خلال الزجاج مُحدثًا هذا التأثير. ولذلك عم استعمال الزجاج المُعَشَّق في النوافذ. وحين تكون هذه النوافذ جيدة الصنع تتوهج ألوانها وتبرق عندما تتخللها أشعة الشمس.

وبالإمكان تلوين الزجاج العادي، أو معالجته كيمائيًا ليبدو كالزجاج المُعَشَّق، لكن تلوين الزجاج المُعَشَّق الأصلي يتم أثناء صنعه بإضافة أكاسيد فلزية معينة إلى جانب المكونات الأخرى. يضاف أكسيد الكوبالت مثلاً لصنع الزجاج الأزرق، ويضاف أكسيد النحاس لصنع الزجاج الأحمر.

يتم تلوين معظم التفاصيل الفنية كالظلال وملامح الوجوه، يدويًا على الزجاج المُعَشَّق الذي يعتمد تأثيره أساسًا على أشكال القطع الزجاجية وألوانها. إضافة الأضلاع المعدنية التي تحدد حوافها بخيوط الرصاص تزيد من تأثير الزجاج المُعَشَّق.

كيف تُصْنَع نوافذ الزجاج المُعَشَّق

يقوم بتصميم معظم نوافذ الزجاج المُعَشَّق فنانون محترفون يتولون تنفيذها في بعض الأحيان. وفي أحيان أخرى يقوم بصنعها حرفيون مهرة تحت إشراف الفنان. في البداية، يقوم الفنان بعمل رسم تخطيطي للصورة أو التصميم الذي يراد تنفيذه في النافذة. ويكون هذا الرسم بمثابة أنموذج لرسم تنفيذي بالحجم الطبيعي للنافذة. يقوم الفنان بعذ ذلك بتحديد دقيق لأشكال القطع الزجاجية وألوانها على لوحة الرسم التنفيذي بحجمها الطبيعي، وتعرف باسم اللوحة التمهيدية، كما يعين مواقع أضلاع الرصاص والتفاصيل التي يضاف رسمها. وتنسخ اللوحة التمهيدية بالورق الشفاف على ورق سميك. ويقوم الفنان بعد ذلك بقص الوحدات التي تمثل القطع الزجاجية، ورسمها لتوضيح ألوانها المختلفة.

وتوضع كل واحدة من النماذج الورقية على قطعة من الزجاج تضاهيها شكلاً ولونًا. وينسخ شكلها ويحز بقاطع للزجاج، ومن ثم يسهل كسر الزوائد ونزعها على امتداد الخط الذي يمثل حافة الأنموذج الورقي. وبعد إتمام القطع ترص قطع الزجاج المختلفة على اللوحة التمهيدية، في أماكنها المحددة ويقوم الفنان بإضافة التفاصيل كما هي في الرسم التوضيحي.

يتكون الطلاء المستعمل في إضافة التفاصيل لصور الزجاج المُعَشَّق من خليط من مسحوق الزجاج وأكسيد الحديد، يعجن بالماء والزيت ويعرف باسم المينا. يوفر الماء والزيت السيولة اللازمة للطلاء، ويضفي عليه أكسيد الحديد لونًا بُنّيًا داكنًا. وبعد عملية الطلاء، تجمع القطع الزجاجية وتعرض للحرارة في تنور (فرن خاص)، حيث تقوم الحرارة بصهر مسحوق الزجاج وأكسيد الحديد وتثبيته على الزجاج الملون. ثم ترص القطع الزجاجية بعد تبريدها على اللوحة التمهيدية مرة أخرى.

وبهذا تكون القطع المكونة للنافذة جاهزة للتثبيت بخيوط الرصاص الذي يستعمل لمرونته في الثني والطي بما تقتضيه طبيعة الأشكال. ولخيوط الرصاص جوانب ناتئة على امتداد جانبيها لاحتواء عدة حواف زجاجية وتعشيقها في آن واحد. تثبت نهايات الأكمام باللحام بعد اكتمال التعشيق، كما تعبأ شقوق التفريز بالمعجون منعًا لتشرب المياه، وتكون النافذة جاهزة للتركيب.

يتم تركيب النوافذ الضخمة بالاستعانة بهياكل من القضبان الحديدية لتثبيتها، فتقوم القضبان الحديدية بتقسيم فتحة النافذة إلى أجزاء. ومن ثم يتم تقطيع الزجاج ليلائم هذا التقسيم.

نبذة تاريخية

نوافذ الزجاج المُعَشَّق القديمة:

نشأ فن النوافذ الزجاجية المعشقة في أوروبا الغربية في العصور الوسيطة. وقد اتسمت مجمل النوافذ المصنوعة قبل منتصف القرن الثاني عشر الميلادي بصغر حجمها. فقد كانت جدران الكنائس في ذلك الوقت سميكة جدًا لتدعيم قبابها وعقودها ذات الارتفاع الشاهق، وكانت نوافذها ذات فتحات صغيرة لا تضعف الجدران. ولكن المعماريين توصلوا في بداية القرن الثاني عشر الميلادي إلى تطوير نظام لتدعيم السقوف خفف كثيرًا من جهد التحميل الواقع على الجدران، وبذلك أصبح بالإمكان توسيع مساحات النوافذ. وأقدم هذه النوافذ تم إنجازها في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي.

زخارف إسلامية بالزجاج المعشق، تزين جدران مسجد الصخرة المشرفة من الداخل في القدس.

تقدم تقني:

كانت إطارات الهياكل الحديدية لمعظم نوافذ الزجاج المُعَشَّق الكبيرة خلال القرن الثاني عشر الميلادي، تصنع من قضبان مستقيمة من الحديد تقسم مساحة النافذة إلى مستطيلات. وفي بداية القرن الثالث عشر الميلادي، تمكن الحدادون من تطويع الحديد في أشكال منحنيات أدت إلى إدخال الشكل الدائري في إطارات النوافذ، إضافة إلى الشكل المستطيل للتقاسيم السائدة. وولدت الأجزاء المستديرة من الزجاج المعشق أشكالاً شبيهة بالأوسمة. وخلال العقود اللاحقة لعام 1200م، عمّ كذلك انتشار النوافذ المستديرة الضخمة. ثم أصبحت هذه النوافذ تقسم بقوائم رفيعة من الحجارة المنحوتة، وهو نمط زخرفي عرف باسم الزخارف التشجيرية. وأطلق عليها اسم النوافذ الوردية لشكلها الشبيه بالأزهار.

نتج عن تطوير دعامات على السقف القوطي اتساع في مساحات النوافذ، وزيادة في عددها. ثم حدث أن اكتشف بعض الصناع ـ في القرن الرابع عشر الميلادي ـ أن تعريض الزجاج العادي للحرارة بعد تغطيته بمادة نترات الفضة تجعله يصطبغ بلون أصفر براق. وكانوا يطلون المادة في مساحات متصلة، أو في تشكيلات منفصلة، بتكلفة زهيدة في كلا الحالين. وعم انتشار النوافذ المصنوعة بهذا النوع من الزجاج خلال القرن الرابع عشر الميلادي وبعده.

وبفضل التقنيات التي تم تطويرها في العقود التالية للعام 1400م، مارس الفنانون حريتهم في التجريب، فابتدعوا طريقة يتم بها استعمال زجاج بطبقة رقيقة من اللون، تم تثبيته بالصهر الحراري أثناء تصنيعه، إذ تمكنوا من محو بعض أجزائه بالخدش، وكشف سطحه الشفاف. ومن ثم صار بالإمكان تنفيذ التصاوير والتصاميم بهذه الطريقة، حتي أصبحت نوافذ الزجاج المُعَشَّق تضاهي المحفورات الطباعية في دقة تفاصيلها. كما تمكن الفنانون أيضًا، خلال القرن الخامس عشر، من الرسم بألوان المينا الزاهية فأبدعوا مناظر غزيرة التفاصيل على الزجاج الشفاف، لم تختلف كثيرًا في بهائها اللوني، بعد صهرها بالحرارة، عن الزجاج المُعَشَّق الأصلي.

أفول وإحياء:

أخذت أساليب الأداء التي طورت خلال العقود التي تلت عام 1400م، تحل تدريجيًا محل الأساليب التقليدية لصناعة الزجاج المُعَشَّق. ولكي يتم تنفيذ نافذة زخرفية، لجأ الفنان إلى خدش أو تلوين الصور والتصاميم على ألواح الزجاج وتثبيتها فيما بعد في أماكنها بإطار النافذة. وقد اختصرت هذه الطريقة الجهد المبذول في ترصيص القطع المختلفة من الزجاج الملون، وترتيب أضلاع الرصاص المعدة لصياغة النوافذ. وكانت النتيجة أن أصبحت النوافذ تشبه اللوحات الفنية أكثر من شبهها بالزجاج المُعَشَّق. وبحلول القرن السابع عشر الميلادي، كاد فن الزجاج المُعَشَّق أن يصبح نسيًا منسيًا.

ثم عاد الازدهار لهذا الفن خلال العقود التي تلت عام 1800م. وأتقن الفنانون أساليب الأداء القديمة للزجاج المُعَشَّق. كان هذا في البداية، ولكن مع بداية القرن العشرين، أخذ الفنانون يطورون تصاميم جديدة للزجاج المُعَشَّق، بالإضافة إلى مجالات مستحدثة للتطبيق. ومن رواد هذا الاتجاه الفنانان الأمريكيان جون لافارج و لويس كمفرت تيفاني. فقد ابتكر تيفاني أنماطًا مستحدثة من الزجاج المُعَشَّق ليست فقط للنوافذ، ولكن للمظلات الزخرفية للمصابيح أيضًا.

وتعتبر أعمال زجاج المُعَشَّق اليوم في مصاف الفنون الملهمة للخيال الراسخة في التطور. وقد قام كل من الفنانين مارك شاجال وجورج روو بعمل تصميمات في غاية الروعة من الزجاج المُعَشَّق لمبان حديثة. ويتخذ بعض الفنانين اليوم أساليب شبيهة بأساليب العصور الوسطى، كما يطور بعضهم أساليب جديدة. والدليل على ذلك تلك الكثرة من نوافذ الزجاج المُعَشَّق التي يطغى فيها استعمال ألواح الزجاج الملون السميك، التي تصاغ أشكالها أولاً، ثم يتم تثبيتها بالإسمنت بدلاً من خيوط الرصاص.

★ تَصَفح أيضًا: الزجاج.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية