النسبية ( Relativity )
النسبية والزمن |
وهذه النظرية خاصة بالكون، فهي تتناول معظم الأفكار الأساسية التي نستخدمها لوصف الأحداث الطبيعية. وهذه الأفكار تختص بالزمن والفضاء والكتلة والحركة والجاذبية الأرضية. وتعطي هذه النظرية معاني جديدة للأفكار القديمة التي تمثلها هذه الكلمات. وتتألف النظرية من جزئين رئيسيين: الأول نظرية النسبية الخاصة، أو المقيدة، التي نشرها أيْنشتاين عام 1905م. أما الثاني فهو نظرية النسبية العامة التي قدمها أيْنشتاين عام 1915م.
نظرية النسبية الخاصة
تسمى هذه النظرية بنظرية النسبية الخاصة لأنها تشير إلى نوع خاص من الحركة، وهي الحركة المنتظمة في خط مستقيم، أي بسرعة اتجاهية ثابتة. فإذا افترضنا أننا داخل قطار يسير بسرعة اتجاهية ثابتة، ففي هذا القطار يمكن أن تسقط كتابًا أو تقذف كرة أو تترك بندولاً يتذبذب بحرية. سيبدو الكتاب عند سقوطه كما لو كان يسقط رأسيًا إلى أسفل وستنتقل الكرة مباشرة من القاذف إلى المتلقي. كل هذه الأنشطة يمكن أن تتم بالطريقة نفسها وبالنتيجة نفسها بوساطة أناس يقفون ساكنين على الأرض خارج القطار. ومادام القطار يجري بسلاسة وبسرعة اتجاهية ثابتة فلن تتأثر أنشطتنا الميكانيكية بحركته.
ومن ناحية أخرى إذا توقف القطار أو تزايدت سرعته فجأة، فإن أفعالنا الميكانيكية يمكن أن تتغير . فالكتاب يمكن أن يسقط دون أن يتعمد أحد إسقاطه، وسوف تنتقل الكرة بصورة مخالفة لما سبق.
وإحدى طرق التعبير عن مبدأ هذه النظرية هو القول بأن قوانين الميكانيكا لملاحظ يركب قطارًا يسير بسرعة ثابتة هي نفسها لملاحظ موجود عند موقع ثابت على الأرض. أما علماء الفيزياء فيقولون إذا ماتحرك نظامان بسرعة ثابتة بالنسبة لبعضهما، فإن قوانين الميكانيكا لكل من النظامين تكون واحدة. وقد يطلق على هذا المبدأ مبدأ النسبية الكلاسيكي. وهذا المبدأ قديم قدم نظريات الميكانيكا والفيزياء.
فإذا افترضنا أن هناك قطارًا طويلاً يشبه قطار المثال السابق، ولكن بدلاً من سيره بسرعة منتظمة عادية، فإنه يسير بسرعة منتظمة مقدارها 32,000 كم/الثانية، وبدلاً من افتراض وجود شخصين يلعبان الكرة في القطار فإننا سنفترض وجود هوائي راديو على القطار يرسل موجات راديوية، أو وجود مصباح كهربائي يرسل إشارات ضوئية. وسنفترض كذلك أن هناك مشاهدين داخل القطار يقومون بقياس سرعة الموجات الراديوية والإشارات الضوئية. أما على الأرض فسيكون في مثالنا أيضًا هوائي راديو، ومصباح كهربائي وملاحظون يقيسون سرعة الإشارات. هل تكون سرعة الموجات الراديوية أو الإشارات الضوئية التي يقيسها راكبو القطار هي نفسها التي يقيسها الملاحظون الموجودون على الأرض؟ لو سألنا هذا السؤال لعلماء الفيزياء في القرن التاسع عشر الميلادي لقالوا لا. ولقالوا أيضًا أن مبدأ النسبية التقليدي ينطبق على الأفعال الميكانيكية وليس على الموجات الكهرومغنطيسية، أي ليست على الموجات الراديوية أو موجات الضوء.
وربما قال عالم فيزياء إن الموجات الراديوية وموجات الضوء تنتقل خلال الأثير بسرعة تبلغ 299,792كم/الثانية. والأثير هو مادة تخيل العلماء أنها تملأ كل الفضاء. ولقال علماء الفيزياء إن النجوم والشمس والكواكب وكذلك قطارنا التخيلي تتحرك خلال بحر الأثير بسرعات مختلفة. وهكذا تختلف سرعة الضوء التي يقيسها ملاحظ موجود على الشمس عن تلك التي يقيسها ملاحظ موجود على الأرض أو داخل قطار متحرك. وبالتالي فإن سرعة الضوء لملاحظ موجود على سطح الأرض سوف تتغير نتيجة لتغيير سرعة الأرض خلال العام بينما تكمل رحلتها حول الشمس.
تبنى علماء ذلك الزمان النظرية التي تنص على أن الأثير الذي تتحرك خلاله كل الأشياء في الكون حسب اعتقادهم هو إطار إسنادي غير متحرك. وبالتالي يتم الحكم على كل الحركات الأخرى بالنسبة لهذا الإطار الإسنادي. وقد كان التصور أن الأثير هو مائع أو صلب مرن، أو أنه يملأ كل الفراغ الموجود بين الذرات التي تكوِّن المواد. وأنه لا يقاوم مطلقًا حركة الأرض.
وكانت أشهر تجربة من التجارب العديدة التي ساعدت على هدم نظرية الأثير، تلك التي وضعها مايكلسون ومورلي في عام 1887م. فعند قياسهما لسرعة الضوء وجدا أنها لا تتأثر مطلقًا بحركة الأرض حول الشمس. وعلى هذا فإن للضوء سرعة ثابتة مهما كان الإطار الإسنادي. وقد بدت هذه النتيجة العملية لتجربة مايكلسون ومورلي غريبة بعض الشيء حيث إننا نتوقع أن السرعة المقيسة لشيء متحرك تعتمد على السرعة التي يتحرك بها الراصد.
وقد أكد أيْنشتايْن أن مبدأ النسبية ينطبق على كل الظواهر الميكانيكية أو الكهرومغنطيسية. وفي قول آخر لا يوجد هناك إطار إسنادي خاص أو غير متحرك للظواهر الكهرومغنطيسية.
توجد الأفكار الأساسية لنظرية النسبية الخاصة في الصياغة الرياضية لفرضين . الأول هو صلاحية مبدأ النسبية لجميع الظواهر. والفرض الثاني هو أن سرعة الموجات الكهرومغنطيسية أو الضوء في الفضاء الفارغ ثابتة ولا تعتمد على سرعة مصدرها أو سرعة الراصد.
وقد تم التوصل بوسائل رياضية إلى الاستنتاجات التالية من هذين الفرضين:
ـ بناءً على نظرية النسبية الخاصة لا يستطيع جسم مادي التحرك إلا بسرعة أقل من سرعة الضوء.
ـ إذا قارن شخص في قطار متحرك سرعة ساعة القطار بالساعات المتعددة الموجودة في المحطات التي مر بها فسوف يجد أن إيقاع ساعة القطار أسرع من إيقاع الساعات الموجودة على الأرض. ومن الناحية الأخرى تبدو ساعات المحطة لِنُظّارها أسرع إيقاعًا من ساعة القطار الذي يمر بها. هذا التأثير ضئيل ويمكن ملاحظته فقط إذا لم تكن سرعة القطار أقل كثيرًا من سرعة الضوء.
ـ إذا وقعت حادثتان في وقت واحد بالنسبة لراصد داخل القطار فإنهما لاتكونان آنيتين بالنسبة لراصد فوق الأرض.
ـ طول أي شيء مستقر داخل القطار يبدو لراصد على الأرض كما لو كان قد قَصُر في الاتجاه الذي يتحرك فيه القطار.
ـ ربما كان أهم هذه الاستنتاجات هو أن الكتلة قابلة للتغير: كتلة كل جسم تزداد بزيادة سرعته. فمن الناحية النظرية تصبح كتلة جسم متحرك لانهائية إذا ساوت سرعته سرعة الضوء. وقد تم التأكد من هذه الحقيقة من خلال التجارب. فقد وُجد أنه إذا ما وصلت سرعة جسيم إلى 86% من سرعة الضوء فإن كتلته تصبح ضعف كتلته عندما يكون في حالة السكون.
وتبين النظرية أيضًا أن العلاقة بين كتلة جسيم وطاقته هي ط = ك ث² [ الطاقة = الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء] أي أن طاقة الجسيم تساوي كتلته مضروبة في مربع سرعة الضوء. ولهذه العلاقة أهمية عملية بالغة فيما يختص بتحرير الطاقة من نواة الذرة. فعندما تتحرر طاقة من نواة ذرة اليورانيوم مثلاً تتكون ذرات عناصر أخرى، وتكون الكتلة الكلية لهذه الذرات أقل من كتلة ذرة اليورانيوم. وهذا يعني أن جزءًا من نواة ذرة اليورانيوم قد تحوَّل إلى طاقة.
ويبين القانون ط = ك ث² أن مقدار الطاقة الموجودة في نواة ذرة يورانيوم واحدة = 220,000,000,000 (2,2 × 10¥¥) الكترونفولت إذا ما تم تحويل كل كتلتها إلى طاقة. ويؤدي انشطار نواة ذرة اليورانيوم إلى تحرير 0,1% فقط من الطاقة الكلية المختزنة في النواة. ولكن هذه الكمية تزيد على الطاقة التي تتحرر نتيجة لحرق كمية مماثلة من الوقود الكيميائي بمليون ضعف.
وقد ساهمت تجارب متباينة في إثبات صحة الكثير من الاستنتاجات المتعلقة بالنسبية. ففي عام 1938م، استخدم هـ.إ. آيفز ذرة هيدروجين كساعة متحركة. ووجد أن إيقاع تذبذب ذرة هيدروجين متحركة بسرعة عالية يقل عما لو كانت ساكنة. وينطبق هذا تمامًا مع ماتوقعه أيْنشتاين بالنسبة لساعة حائط متحركة. ويظهر هذا التباطؤ كتغير في تردد خط الطيف لها. ويلاحظ تغير الكتلة المتوقع حسب النظرية النسبية الخاصة في المُعَجِّلات. وهي آلات تستخدم في تعجيل الإلكترونات والجسيمات النووية الأخرى إلى السرعات العالية اللازمة لدراسة الخواص النووية.
وقد وضع عالم الرياضيات هـ. منكوفسكي صيغة رياضية معينة للنظرية النسبية في عام 1907م. فالخط المستقيم له بعد واحد فقط. ونستطيع أن نوقع أي نقطة على شريحة من الورق بقياس بُعد هذه النقطة عن أي جانبين متعامدين من جوانب الشريحة. ولذلك نستطيع أن نقول إن أي نقطة من نقط الشريحة لها بعدان. أما كل النقط في الفضاء فلها ثلاثة أبعاد: ارتفاع، طول، وعرض. ولكن هناك حقيقةً واحدةً أخرى مهمة. ففي الفيزياء كما في التاريخ نتعامل مع أحداث. متى وأين بدأت الثورة الفرنسية على سبيل المثال؟. متى وأين يصبح للأرض أقل سرعة دوران حول الشمس؟. فينبغي أن يعبر عن الأحداث بأربعة أعداد وليس بثلاثة. ويؤدي هذا إلى فكرة البعد الرابع. ثلاثة من هذه الأبعاد تجيب عن السؤال أين؟ ويتولى البعد الرابع الإجابة عن السؤال متى؟ وتتطلب الإجابة عن السؤال "متى ؟ " استخدام فكرة الزمن كبعد رابع، ومن ثم، فينبغي أن يكوك التعبير عن الأشياء بأربعة أبعاد.
وتصبح الإجابة عن السؤال أين وقعت حادثة ما ومتى؟ أكثر صعوبة حسب نظرية النسبية الخاصة نظرًا لأن القضبان على سبيل المثال تتغير أطوالها، وكذلك الساعات يتغير إيقاعها تبعًا للسرعة التي تتحرك بها أثناء عملها. وعلى هذا لابد أن نجيب عن السؤالين أين ؟ ومتى ؟ بالنسبة لحادثة معينة بدلالة نظام متحرك محدد، أو بدلالة العلاقات بين نظامين متحركين. فعلى سبيل المثال لو عرفنا متى وأين وقعت حادثة لمراقب موجود على قطارنا المتحرك بسرعة، وإذا عرفنا سرعة القطار فإننا نستطيع معرفة متى وأين وقعت الحادثة نفسها بالنسبة لمراقب على سطح الأرض. ويرينا الشكل الرياضي لنظرية النسبية الخاصة كيف نجد هذه الأعداد الأربعة التي تفرق حادثة ما في نظام واحد عن حادثة مماثلة في نظام آخر. ويرينا أن السؤال متى؟ ليس له معنى مطلق لإن الإجابة عنه تعتمد على النظام الذي نختاره.
نظرية النسبية العامة
العلاقات الرياضية التي تعبر عن هذه النظرية أكثر تعقيدًا من تلك التي تعبر عن النسبية الخاصة. وتغير نظرية النسبية العامة المفاهيم القديمة عن الجاذبية التي سيطرت على العلوم الفيزيائية منذ عصر إسحق نيوتن. وحسب ماقاله إسحق نيوتن فإن قوة جذب أي جسمين تعتمد على كتلة كل من الجسمين والمسافة بينهما. وتأثير جاذبية نجم يمكن أن نحس به في اللحظة نفسها خلال الفضاء كله رغم أن قيمة هذه الجاذبية تتناقص كلما زاد البعد عن النجم. أما بالنسبة للموجات الكهرومغنطيسية فإنها تنتشر في الفضاء بسرعة عظيمة ولكنها ثابتة القيمة إلى أبعد الحدود وهذه السرعة هي سرعة الضوء. وبسبب معرفتنا للإشعاع الكهرومغنطيسي فنحن نميل إلى رفض فكرة انتقال الأفكار والأحداث خلال الفضاء بسرعة غير محدودة. ونميل إلى الاعتقاد بأن هذه الاضطرابات والتأثيرات تنتقل بسرعة بالغة العظم إلا أن هذه السرعة محدودة القيمة.
وقد بين أيْنشتاين الأفكار الأساسية لنظرية النسبية العامة من خلال تجربة تخيلية. فإذا افترضنا مصعدًا ساكنًا في الفضاء وأطلقت كرة بداخله فإن هذه الكرة لن تسقط بل ستصبح عائمة في الفضاء. فإذا تسارع هذا المصعد إلى أعلى فإن مراقبًا داخل المصعد سيرى الكرة تهبط إلى أسفل كما لو كانت تحت تأثير الجاذبية.
وتبدو الكرة وكأنها تسقط إلى أسفل لأن أرضية المصعد تبدو للناظر من خارج المصعد كأنها تتسارع إلى أعلى نحو الكرة المعلقة في الفضاء. وهكذا تبدو كل التأثيرات المرتبطة بالجاذبية للمراقب الموجود داخل المصعد. وقد أطلق أيْنشتاين على هذه الظاهرة مبدأ التكافؤ. وينص هذا المبدأ على أنه لا يوجد فرق بين تأثُّر جسم بقوة جاذبية أو بوجوده داخل إطار إسنادي متسارع. فالنتيجة في كلتا الحالتين واحدة. وتوصل أيْنشتاين من خلال هذا المبدأ إلى أن المادة الموجودة في الفضاء تشوِّه أو تسبب انحناء الإطار الإسنادي في الفضاء. ونتيجة هذا الانحناء هي ما يسمى بالجاذبية. ولا تستطيع الهندسة الإقليدية (المستوية) وصف فضاء منحن. ولذلك، استخدم أيْنشتاين هندسة غير الهندسة الإقليدية تسمى هندسة ريمان.
وحسب نظرية نيوتن فإن سبب دوران كوكب ما حول الشمس هو قوة الجاذبية التي تؤثر فيها الشمس. أما حسب نظرية النسبية العامة فإن الكوكب يختار أقصر مسار ممكن خلال العالم رباعي الأبعاد ويتغير شكل هذا المسار في وجود الشمس. ويمكن مقارنة هذا الأمر بحقيقة اتخاذ أي سفينة أو طائرة تعبر المحيط مسارًا دائريًا بدلاً من الخط المستقيم للانتقال بين نقطتين من خلال أقصر مسافة وبالطريقة نفسها تنتقل الكواكب وأشعة الضوء في العالم رباعي الأبعاد متخذة المسار الأقصر.
وقد تم حتى الآن التوصل إلى ثلاثة اكتشافات حظيت منها نظرية أيْنشتاين العامة للنسبية بتأييد تجريبي لتنبؤات تختلف فيها مع نظريات نيوتن. ورغم أن هذه الاختلافات ليست كبيرة، لكنها مقيسة. ويؤدي تطبيق نظرية نيوتن إلى التوصل إلى أن مدار كوكب عطارد حول الشمس هو قطع ناقص بينما حسب النظرية العامة للنسبية فإن مدار هذا الكوكب حول الشمس هو أيضًا قطع ناقص. ولكن هذا القطع الناقص يدور ببطء شديد في اتجاه حركة هذا الكوكب. ويدور هذا القطع الناقص بمقدار 43 ثانية قوسية في كل قرن (الدورة الكاملة تحتوي على 360° أي 360 ×60× 60 ثانية قوسية). وهذا التأثير بالغ الصغر ولكن تمت ملاحظته. وعطارد هو أقرب الكواكب إلى الشمس وسيكون التأثير النسبي أقل كثيرًا بالنسبة للكواكب الأخرى.
وإذا أخذنا صورة لجزء من السماء أثناء كسوف الشمس وبالقرب من الشمس المنكسفة، ثم أخذنا صورة أخرى للجزء نفسه من السماء بعد ذلك بقليل فإن الصورتين لن تبينا الأوضاع نفسها لكل النجوم. ويفسر ذلك حسب النظرية العامة للنسبية بأن شعاع الضوء المنبعث من نجم ما والمار بالقرب من حافة الشمس ينحرف عن مساره الأصلي بسبب منحنيات الجاذبية الشمسية في الفضاء. وتأثير الجاذبية في الضوء هو سبب عدم رؤية الثقوب السوداء. فجاذبية الثقب الأسود تكون بالغة العظم بحيث تمنع الضوء من الهروب من أسرها.
ولقد عرف علماء الفيزياء من مئات السنين أن بعض العناصر عندما تسخن إلى درجة التوهج تعطي خطوط طيف منتظمة (خطوطًا ملونة) ويمكن فحص تلك الخطوط بوساطة المطياف. وحسب نظرية أينشتاين يزداد الطول الموجي لضوء منبعث من جسم ما بسبب الجاذبية. وينتج عن ذلك إزاحة لخطوط الطيف نحو النهاية الحمراء للطيف. وتسمى هذه الإزاحة بالإزاحة الحمراء التجاذبية. فإذا فحصنا خطوط الطيف لعنصر على أرضنا هذه وقارناها بخطوط الطيف التي يعطيها العنصر نفسه إذا ما وجد على الشمس أو على نجم من النجوم، فإن خطوط الطيف الأخيرة ستكون إزاحتها نحو الأحمر أكثر قليلاً من الأولى. وقد أكدت التجارب هذه الحقيقة. ففي عام 1960م اكتشف العالمان الأمريكيان ر. ف. باوند وجـ. أ. رِبْكا الإزاحة الحمراء الناتجة عن مجال الجاذبية الأرضية. وقاما بقياس تأثير الارتفاع عن سطح الأرض على تردد أشعة جاما. ويقوم كثير من العلماء بإجراء أبحاث عن النظرية النسبية العامة ودراسة إمكانية إدخال تحسينات على هذه النظرية. فعلى سبيل المثال تشير النظرية العامة إلى وجود موجات تجاذبية تحمل قوة الجاذبية كما تحمل الموجات الكهرومغنطيسية الضوء. ولم يمكن بعدُ من خلال التجارب التوصل إلى كشف مثل هذه الموجات التجاذبية. كذلك يحاول العلماء جمع قوى الجاذبية والقوى الكهرومغنطيسية في نظرية واحدة تسمى نظرية المجال الموحدة.
النسبية وأفكار أخرى
تُكوّن أفكار النظرية النسبية إطار عمل يمكن أن يحتضن كل قوانين الطبيعة. ولقد غيرت النسبية كل المفاهيم الفلسفية والفيزيائية عن الفضاء والزمن. وقد أثرت في تصوراتنا وأحاسيسنا الحدسية عن العوالم البعيدة والنجوم وكذلك عن عالم الذرة الدقيق. ومازال بعض هذه الشكوك أو التساؤلات موجودًا. ومثال ذلك التساؤل: هل كوننا ككل يمثل سطحًا مستويًا أو سطحًا كرويًا. فما زال من غير الممكن الإجابة عن هذا السؤال لأن هناك الكثير من النظريات المختلفة والكثير من عدم الوضوح حول توزيع المادة في الكون.
وتحاول كل النظريات وصف الكون ككل وتعتمد في ذلك على المبادئ الرياضية للنسبية العامة. فحسب بعض النظريات فإن شعاعًا ضوئيًا منبعثًا من نقطة اختيارية في الفضاء يعود بعد زمن طويل جدًا إلى نقطة مغادرته، مثله في ذلك مثل مسافر في رحلة حول أرضنا. فإذا بدأت رحلة من منزلك خلال الفضاء في خط مستقيم فسوف تعود مستقبلاً إلى النقطة التي بدأت منها. وحسب نظريات أخرى فإن الضوء أو المسافر سوف يستمر في رحلة لا نهاية لها خلال الفضاء لو اتخذ مسارًا مستقيمًا.
ورغم كل ما حققته نظرية النسبية من نجاح فإنه من غير الصحيح القول بأن الفيزياء النيوتونية خاطئة. فالفيزياء النيوتونية تنطبق عندما تكون سرعة الأشياء محل الدراسة صغيرة بالنسبة لسرعة الضوء. ومثل هذه الأشياء نقابلها كل يوم في حياتنا الخاصة. وعلى هذا يمكن تطبيق الفيزياء التقليدية على مشاكلنا اليومية.
وقد وجد علماء الفلك أن نظرية نيوتن عن الجاذبية توافق حساباتهم. ولكن نظرية النسبية وضعت حدًا للمساحة التي يمكن فيها تطبيق الفيزياء النيوتنية بنجاح.