الرئيسيةبحث

الواقعية ( Realism )



رسم واقعي للفنان الفرنسي أونوريه دومييه، وهو يظهر الناس العاديين في محيط حياتهم المألوف ومعيشتهم اليومية.
الواقعية مذهب في الفن والأدب يشير إلى محاولة الأديب أوالفنان تصوير الحياة كما هي عليه في الواقع. وتكمن المهمة الرئيسية للفنان، في نظر الفنان الواقعي، في وصف كل ما يلاحظه بحواسه، بدقة وصدق شديدين، من غير إهمال لما هو قبيح أو مؤلم ومن غير اطّراح للرمزية.

بدأت الواقعية ـ حركة واضحة المعالم في الفن ـ في القرن الثامن عشر. وبحلول منتصف القرن التاسع عشر أصبحت هي الشكل الفني السائد. ولقد كانت الواقعية، ثورة على كل من التقليدية الكلاسيكية والعاطفية الرومانسية، وهما حركتان فنيتان عالجت أعمالهما أمور الحياة بأساليب مثالية، حيث تظهر أعمال التقليديين الكلاسيكيين الحياة على أنها أكثر منطقية وترتيبًا مما هي عليه في الواقع. أما أعمال العاطفيين "الرومانسيين" فتظهر الحياة على أنها أكثر إثارة من الناحية العاطفية، وأكثر بعثًا على الشعور بالطمأنينة مما هي عليه في واقع الحياة أصلاً.

يبذل الواقعيون قصارى جهدهم لكي يكونوا موضوعيين إلى أقصى درجة ممكنة، غير أنهم في محاولتهم انتقاء موضوعاتهم وتقديمها لايتمكنون من تجنب التأثير بما يشعرون به أو يفكرون. ولذا فإن أعمق أنماط الواقعية لديهم يأتي نتيجة المراقبة والحكم الشخصي.

القصة الواقعية:

جاء الفن القصصي الواقعي ثورة على عاطفية وميلودراما المثالية الرومانسية. فالشخصيات في الفن القصصي الواقعي أكثر تعقيدًا من شخصيات القصص العاطفية "الرومانسية"، ومسرح الأحداث فيه يتسم بالهدوء وعدم التركيز على الحبكة وغموض الموضوعات. ويعالج الفن القصصي الواقعي في معظمه حوادث عادية ممكنة الوقوع، كما أنه يرسم شخصيات قابلة للتصديق. وتقدم معظم القصص الواقعية موضوعات متشائمة لا تدعو إلى البهجة، بل قد تثير الاشمئزاز. وهذه السمة القاتمة تنطبق بشكل أساسي على الطبيعية، وهي حركة تطورت عن الواقعية.

ويعزى ازدياد رواج الواقعية باعتبارها أسلوبًا، لا إلى كونها مجرد رد فعل على المعالم الجميلة للفن القصصي العاطفي (الرومانسي) فقط، بل يعود أساسًا لعاملين: الأول هو تطور العلم الحديث، بتأكيده على كتابة التقارير العلمية المفصلة. أما العامل الثاني فهو الرغبة الجامحة لدى الكتاب والقراء، لفهم المشاكل الاجتماعية من منظور أكثر واقعية.

حظيت الواقعية في الأدب الإنجليزي بالاهتمام لأول مرة في القرن الثامن عشر، وعلى وجه الخصوص في أعمال دانيال ديفو. أما القرن التاسع عشر فقد أصبحت الواقعية فيه أكثر أهمية، وبدا ذلك واضحًا من خلال أعمال كل من جين أوستن، و جورج إليوت، وتوماس هاردي، وجورج مور، و وليم ميكبيس تاكاري، وأنطوني ترولوب. ومن كتاب الواقعية الأوروبيين البارزين في القرن التاسع عشر أونوريه دو بلزاك وجوستاف فلوبير وستيندال في فرنسا، وليو تولستوي وإيفان تورجنيف في روسيا. ★ تَصَفح: الروسي، الأدب.

كان هنري جيمس و وليم دين هاولز، وإلى حد ما مارك توين، من أوائل الكتاب الواقعيين المعترف بهم في الأدب الأمريكي. أما ستيفن كرين وفرانك نوريس وثيودور درايزر فكانوا أوائل الكتاب الطبيعيين الأمريكيين. وبفضل الكتابات القصصية لهؤلاء الكتاب، وكتابات لكتاب آخرين أتوا بعدهم، مثل سنكلير لويس، و إف سكوت فيتزجيرالد، وإرنست همنجواي، وجون شتاينبك، أصبحت الكتابة الواقعية سائدة ومقبولة، بحيث أصبحت القصص العاطفية "الرومانسية" أعمالاً لا تساير روح العصر.

الفن الواقعي محاولة لتصوير الحياة بأكبر دقة ممكنة. وقد رسم الفنان الأمريكي "ريغنالد مارش" لوحة لماذا لا تستعمل حرف L، وغيرها من مناظر الحياة اليومية في مدينة نيويورك.

المسرحية الواقعية:

كانت الواقعية في المسرحية كما كانت في الفن القصصي محاولة لتصوير الواقع بجماله وقبحه. وقد تطورت المسرحية الواقعية في أوروبا أولاً، رد فعل للميلودراما والملهاة العاطفية، التي كانت سائدة في أوائل ومنتصف القرن التاسع عشر. كما أخذت أشكالاً عديدة، تتدرج من الواقعية الخفيفة في ملهاة السلوك المتكلف والمبالغ فيه، إلى المأساة العميقة للأسلوب الطبيعي.

وأصبحت للمسرحية الواقعية أهميتها لأول مرة بعد ظهور مسرحيات هنريك إبسن في النرويج. وقد تفحص إبسن القضايا الاجتماعية التي كانت سائدة في عصره في أعماله المسرحية مثل أعمدة المجتمع (1877م)، بيت الدمية (1879م). أما أنطون تشيخوف فقد وصف أرستقراطية روسيا المتلاشية في مسرحيته بستان الكرز (1904م). وفيما يتعلق بالمسرح الإنجليزي فقد كان تقبله للواقعية بطيئًا، إلا أن جورج برنارد شو ما لبث أن بعث الحياة في الحركة الواقعية، في سلسلة من مسرحيات طويلة ذكية تعالج القضايا الاجتماعية، بدءًا من مسرحية بيوت الأرامل في عام 1892م. وفي أيرلندا مزج جون ميلينجتون سينج الواقعية بالشعر في مسرحيته ركاب البحر (1904م). وتناول شون أوكايسي قضايا نضال أيرلندا من أجل الاستقلال عن إنجلترا في مسرحيته غونو والبيكوك (1924م) ومسرحيات أخرى.

أما الأثر الدائم الذي أحدثته الواقعية في المسرح، فقد جاء بتقديم مسرحية ما وراء الأفق ليوجين أونيل في عام 1920م.

التصوير التشكيلي الواقعي:

تطور التصوير الواقعي رد فعل على أسلوبين من أساليب التصوير التشكيلي، كانا سائدين في أوائل القرن التاسع عشر، وهما التقليدية (الكلاسيكية الجديدة) والعاطفية (الرومانسية). ★ تَصَفح: التصوير التشكيلي. ويمكن رؤية ملامح للواقعية في أعمال الرسام الأسباني فرانسسكو جويا في القرن الثامن عشر. وقد سيطرت الواقعية على التصوير التشكيلي الأوروبي في القرن التاسع عشر، وظهر ذلك واضحًا في أعمال فنانين فرنسيين، مثل كاميل كورو وغوستاف كوربيه وأونوريه دومييه. أما الانطباعيون الفرنسيون، الذين جاءوا في أواخر القرن التاسع عشر، فقد طوروا مفهومهم الخاص للواقعية، إذ ضاقت الواقعية في لوحاتهم، لتعبر عن الواقع المضيء، وإن كان محدودًا تمامًا، هذا الواقع الذي يمكن رؤيته بلمحة واحدة. ★ تَصَفح: الانطباعية.

كان من بين فناني الواقعية في القرن التاسع عشر الأمريكيان توماس إيكنز و ونسلو هومر. ثم تلتهم في أوائل القرن العشرين مجموعة من فناني الواقعية سميت مدرسة أسكان أو مجموعة الثمانية. وقد عارضت هذه المجموعة العاطفية السمات الأكاديمية التي كانت شائعة في الفن الأمريكي ★ تَصَفح: آسكان، مدرسة. ورسم هؤلاء الفنانون مناظر من الواقع المعاش في الشوارع ولوحات شخصية ومناظر طبيعية. ومن بين الفنانين الواقعيين أيضًا جورج بيلوز، وجون ستيورات كري، و إدوارد هوبر، وريغنالد مارش، وغرانت وود.

الواقعية اليوم:

شاعت الواقعية في الفن القصصي والمسرحية، وأصبح من الصعوبة بمكان تمييز هوية منفصلة لها. ومن الموضوعات الواقعية الشائعة ؛ أهمية اللاوعي، ودور الأقليات العرقية في المجتمع، والبحث عن قيم في عالم معاد. وفي أوائل القرن العشرين بدأ الرسامون يرفضون الواقعية ويتبنون الأساليب التجريدية. وبحلول الثمانينيات من القرن العشرين أصبحت الواقعية تقترن ـ في كثير من الأحيان ـ بالتصوير الضوئي، أكثر مما ترتبط بالتصوير التشكيلي.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية