الرئيسيةبحث

القدر ( Predestination )



القـَدَر النظام المحكم الذي وضعه الله سبحانه وتعالى لهذا الوجود، والقوانين العامة التي يسير عليها الكون، والسنن التي ربط بها الأسباب بالمسببات. فالقدر ما أراده الله، فلا يحدث شيء في الكون إلا بإرادة الله ومشيئته. قال تعالى: ﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر ﴾ القمر : 49. وقال تعالى: ﴿قل إن الأمر كله لله﴾ آل عمران : 154.

والإيمان بالقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان، ولا يعتبر الإنسان مؤمنًا حتى يؤمن به، ففي حديث جبريل.. عليه السلام، أن الرسول ﷺ قال: (وتؤمن بالقدر خيره وشره ) أخرجه مسلم.

فمن اعتقد أن الأحداث في الكون تقع بالمصادفة، لا بتدبير الله وعلمه وتقديره فهو كافر. قال تعالى: ﴿ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير﴾ الحديد : 22.

يجب على كل إنسان أن يؤمن بالقدر: خيره وشره، حلوه ومره، وأن يؤمن بعلم الله القديم، ومشيئته النافذة، وقدرته الشاملة في هذا الكون.

درجات الإيمان بالقدر:

للإيمان بالقدر درجتان: الإيمان بأن الله تعالى يعلم بمحض علمه الأزلي ماذا سيفعل الخلق، ويعلم جميع أحوالهم، من الطاعات والمعاصي، والأرزاق والآجال، وأنه قد كتب في اللوح المحفوظ مقادير الخلق. والدرجة الثانية هي الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، وهي الإيمان بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنَّ ما يجري في السموات والأرض من حركة أو سكون، إنما هو بمشيئة الله سبحانه، فلا يكون في ملكه ما لا يريد، إذ هو على كل شيء قدير. وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة. والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم، قال تعالى: ﴿الله خالق كل شيء ﴾ الزمر : 62.

الإيمان بالقدر لا ينافي الأخذ بالأسباب:

دعا الإسلام إلى الأخذ بالأسباب في كل أمر من الأمور مع التوكل على الله، مع إدراك أن الأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذن الله سبحانه. فالذي خلق الأسباب هو الذي خلق النتائج والثمار، فمن أراد النسل الصالح فلا بد أن يتخذ لذلك سببًا وهو الزواج الشرعي، ولكن هذا الزواج قد يعطي الثمار، وهي النسل، وقد لا يعطي حسب إرادة العليم الحكيم ومشيئة اللطيف الخبير. قال تعالى: ﴿يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور ¦ أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا إنه عليم قدير﴾ الشورى: 49، 50. ومن أراد النجاح في أي أمر من الأمور، فعليه أن يأخذ بالأسباب التي تقود إليه، ويتوكل على الله، بعد ذلك. فمن ترك الأخذ بالأسباب كان مقصرًا.

بين الرسول ﷺ أن الأسباب المشروعة هي من القدر، ومن ذلك التداوي، وقد روى ابن ماجة بإسناد صحيح من حديث أسامة بن شريك أن رسول الله ﷺ قال: (تداووا عباد الله فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء ) أي دواء وعلاجًا.

فلا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي وضعها الله تعالى، أمّا تعطيلها فيقدح في التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة أبعد للأسباب وإلا كان معطلاً للحكمة والشرع. فلا يجعل العبد عجْزه توكلاً، ولا توكله عجزًا. وقد أنكر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على جماعة من أهل اليمن ؛ كانوا يحجون بلا زاد، فذمّهم. قال معاوية بن مُرة: لقي عمر بن الخطاب ناسًا من أهل اليمن فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: بل أنتم المتآكلون، إنما المتوكل الذي يُلقي حَبَّه في الأرض، ثم يتوكل على الله.

أثر الإيمان بالقدر في حياة المسلم:

للإيمان بالقدر آثار إيجابية في حياة المسلم منها، أنه أقوى حافز للعمل الصالح والإقدام على عظائم الأمور، بثبات وعزم وثقة. فالمسلمون الأوائل انطلقوا في أرجاء الأرض ينشرون دعوة الإسلام، غير مبالين بالمصاعب، ومضحين بدمائهم في سبيل الله، وكان منهم ما سجّله التاريخ من مواقف رائعة من الشجاعة، والصبر على الشدة، مع الاطمئنان إلى قدر الله سبحانه، قال تعالى: ﴿قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾ التوبة : 51. وكان الإيمان بالقدر حافزًا لهم على الضَّرب في الأرض لطلب الرزق، واكتشاف المجهول في الأرض، فقد تدفقت الثروات على العالم الإسلامي، حتى صار المسلمون أغنى أمة في الأرض، وشيدوا حضارة قامت على الإيمان والعلم، فكانوا سادة الدنيا بحق. الإيمان بالقدر عصمة من الوهن عند حلول المصائب. فكل إنسان معرَّض في هذه الحياة للمصائب في نفسه وأهله وماله، ومن شأن المصائب أن تهز النفوس، وتُحدث الوهن والجزع عند حلولها، لكن المسلم يؤمن أن ذلك بقدر من الله، فلا تفتُّ المصائب عزيمته، ولا تقعده عن معاودة النشاط والانطلاق في الحياة بثبات وعزم متوكلاً على الله.

وإذا أقبلت الدنيا على المسلم شكر الله، فلا يتعالى على الآخرين ولا يكفر ولا يبطر، قال تعالى: ﴿ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ¦ لكيلا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم واللهلله لا يحب كل مختال فخور﴾ الحديد: 22، 23.

والاحتجاج بالقدر من بعض الناس، والقعود عن العمل ليس هو السبيل الصحيح للمؤمنين، إنما هو سبيل غير المؤمنين وسبيل ضعاف الإيمان.

والقعود عن تغيير الواقع السيء إلى أفضل منه بحجة أنه واقع بقدر من الله، جهالة عظيمة لا تنبغي للمسلم. والمطلوب من المسلم أن يؤمن بالقدر، ويأخذ بالأسباب، ويتوكل على الله، ويقبل بعدها النتائج أيًا كانت، فهذا هو الفهم الصحيح لهذه العقيدة الربانية.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية